روايةالفتونه ( الجزء الثالث )
توقفنا فيما سبق حينما عرف زين ان المعلم عفيفى هو من حرض على قتله ، لم يكن زين الرجل الذى يخاف ويهرب من المعلم عفيفى ، او حتى ينتقم بالقتل بتسليط احدهم كما فعل المعلم عفيفى وانما كان رجل شجاع يواجه من الامام .
فى ظهر اليوم التالى كان المعلم عفيفى ورجالته مجتمعين بقهوه تعودو الجلوس عليها ، كان المعتاد اذا اراد احدهم تحدى الفتوه ان يقف فى منتصف الشارع ينادى على الفتوه ويتحداه امام الناس جميعا وامام سكان المنطقه ، وهذا ما فعله زين فى وسط زهول من الناس الذين اعتقدوه قد مات ، وقف زين واخذ ينادى على المعلم عفيفى قائلا : يا عفيفى ، يا فتوحه الحسينيه ، اطلع واجه موتك ، اطلع زين الطحان بيتحداك على الفتونه .
بالطبع كان على الفتوه تلبيه الامر ، والغريب ان المعلم عفيفى لم يظهر اى دهشه من رؤيته لزين ، وكانه كان يعلم انه على قيد الحياه ، وايضا لم يحاول خداع زين ويسئل عن سبب هذا التحدى ، ولكنه خرج له وطلب من رجاله الا يتقدم احد غيره ، تم عمل الدائره المعتاده ، وفى وسطها زين والمعلم عفيفى ، فقال المعلم عفيفى : من شنين فاتت دخل عليا طفل وطلب انه يتحدانى ، وانا غلط لما سبته عايش وكسرت ذراعه بس ، وادى نفس الطفل بيعمل نفس الغلطه ، بس المرادى انا مش هكسرله ذراعه بس هكسرله رقبته .
زين : عندك حق يا عفيفى ، جيه اليوم اللى الطفل دا يوقعك من على عرش الفتونه .
المعلم عفيفى : بتقول عفيفى ، صحيح قليل الاصل اللى ذيك لازم يتربى .
زين : لم لسانك يا عفيفى واحفظ ادبك ، وارفع نبوتك وورينى نفسك .
بداء التحطيب بين المعلم عفيفى وزين ، كان القتال بنهم رهيب ، بين الخبره والقوه المتمثله فى المعلم عفيفى ، امام المهاره والموهبه مع الشباب المتمثله فى زين .
كان الامر متبادل بينهم احيانا يتغلب المعلم عفيفى على زين واحيان اخرى يفعل زين ذلك ، ظل الامر قرابه نصف ساعه من التحطيب وكان عامل الشباب هو الفيصل ، حيث تعب المعلم عفيفى وتفوق زين الذى ضربه واطاح بنبوته وكسر ذراعه ايضا ، وهنا سكت الجميع ولم يتحدث احد ، لم يصدق المعلم عفيفى ما قد حصل له ، كيف امكنه الهزيمه من احد ، هل انتهى المعلم عفيفى ، هل كسرت شوكه فتوه الحسينيه ، هل سيبقى عائش حامل على ظهره عبء الزول والمهانه وفى لحظه من السكوت والانكسار فلقد اتخذ المعلم عفيفى قراره ، فى لحظات اخرج خنجر من عباءته وطعن به نفسه ومات المعلم عفيفى ليتهرب من العار الذى لحق به .
بالطبع اخذ عطيه يبكى على ابيه ويصرخ من القهر والزعل ، واخذ نبوته واراد مهاجمه زين ولكن وقف الرجال امامه وقالو له ان زين بقى الفتوه ومش من حقه يهجمه الا اذا كان تحدى وعلى حسب اصول الفتونه .
اسقط عطيه النبوت وحمل ابيه وقبل ان يذهب قال له زين : من النهارده ملكش عيش او سكن بالحسينيه كلها يا عطيه ، واليوم اللى هشوفك فيه هنا هتحصل ابوك .
لم ينطق عطيه بكلمه واحد وذهب ، اما زين فقال بصوت مرتفع : يا سكان ورجاله الحسينيه ، انا الفتوه حد عنده اعتراض ، واخذ يكرر مقولته هذه ثلاثه مرات على حسب اصول الفتونه واخيرا قال : من النهارده الاتاوه مفروضه على الغنى والمقتدر بس ، اما الفقير مش هناخد منه ، بالعكس هنديله من فلوس الاتاوه ، واللى هيخرج عن طوعى هقتله بنفسى ، واللى هيعترض مهما كان مين ملوش مكان بالحسينيه .
اخذت الناس تهلل باسم زين ويدعوله بطوله العمر ويحيه على قراره هذا ، لقد كان الفقراء يعانون كثيرا من الاتاوه المفروضه عليهم من رجاله المعلم عفيفى ، بالطبع اثار كلام زين غضب رجاله المعلم عفيفى وحينما تقدم احدهم وقال لزين : يا زين الكلام دا مينفعش ، لازم نقعد ونتفق الاول .
لم يتحدث زين بل رفع نبوته وضرب به هذا الرجل ضرب مبرح ثم قال : الاول لما تكلمنى تقولى يا معلم زين او يا فتوتنا ، وبعدين مش عجبك قرارى غور وسيب الحسينيه .
كان زين يظهر شدته على الرجاله من اول يوم حتى لا يعتقد احد انه ضعيف ويستطيعون الاطاحه به .
مرت بضعه ايام وانتشر خبر تغيير فتوه الحسينيه ، وهنا طمع البعض من الفتوات ان يطيح بالفتوه الجديد ومنهم فتوه الجماليه ، كان فتوه الجماليه يسمى المعلم ابراهيم ، ولقد كانت الجماليه معروفه ومشهوره بفتواتها ، جمع المعلم ابراهيم رجالته وقرر ان يهجم على الحسينيه والتخلص من الفتوه الجديد قبل ان يستقر امره ويثبت اقدامه .
كان عاده عند الفتوات قديما ان يضعوا جواسيس لهم فى المناطق الاخرى التى تتبع فتوه اخر ، وبالفعل تسرب الامر لزين بان المعلم ابراهيم فتوه الجماليه سوف يهجم على الحسينيه خلال ثلاثه ايام ، كان الوقت ضيق على زين ، لم يستطيع معرفه من معه ومن ضده من رجالته الذين اتبعوه ، هل هم صادقين معه ام بينهم من يخونه ويريد التخلص منهم ، كان زين يريد العثور على حل سريع لهذه المشكله وبعد تفكير توصل الى حل جيد وهو الاستعانه بسكان الحسينيه وخصوصا الفقراء منهم ، فهم يحبون زين بشده ويتمنو ان يبقى فتوتهم فهو قد اعفاهم من الاتاوه المفروضه عليهم .
بالفعل نفذ زين خطته بسريه وكتمان وتواصل مع كل من يستطيع حمل النبوت وغير ذلك طلب من ستات المنطقه ان تساعد بالمعركه ويرمون على رجاله الجماليه المياه المغليه والطوب والحجاره من فوق اسطح منازلهم ، كان زين يعد لمعركه شوارع من النوع الثقيل ، كان كل شيء معمول له حساب وكل شيء تم بالكتمان ، وبدون معرفه رجاله بالامر .
جاء اليوم الموعود ، حضر المعلم ابراهيم فتوه الجماليه ومعه الكثير من رجالته ، وكان بانتظاره المعلم زين الذى اراد انهاء الامر باقل خسائر ممكنه وطلب المعلم زين من المعلم ابراهيم منازلته رجل لرجل واذا كسبه المعلم ابراهيم يصبح حينها فتوته الحسينيه بجانب الجماليه ، ولكن تكبر المعلم ابراهيم وقال : انت عوزنى يا ابن امبارح احطب قصادك ، شكلك اتجننت ونسيت نفسك يا عديم الاصل ، انت خنت معلمك وعاوز تخدعنى ، اللى ذيك لازم ينداس تحت رجول رجالتى وتحت رجلى ، تعالى هنا بوس رجلى وانا هسمحك واسيبك فتوه كمان .
اشتعل غضب زين بشكل رهيم من كلام المعلم ابراهيم فتوه الجماليه وحينها قال : اوعى تكون فاكر نفسك حاجه ، ولا فكرنى خدت الفتونه بالخدعه ، الخداع دا يعرفه الناس الوطيه اللى ذيك ، انا عارف ان انت تخاف تدخلى راجل لراجل علشان ممسحش بيك ارض الحسينيه ، ثم قال زين بصوت عالى يلا يا رجاله نعرفهم مين رجاله الحسينيه .
ولكن حدث ما كان يخافه زين ، فلقد انفصل عنه اكثر من نصف رجالته وانضموا الى رجاله المعلم ابراهيم وقالوا له : عوزنا نسعدك وانت بتقوى شوكه الفقراء اللى ملهمش لزمه علينا .
رغم ان المعلم زين توقع ما فعله هؤلاء الرجال الا انه حزن بشده من تصرفهم وانهم فضلوا خيانته وخيانة منطقتهم من اجل مصالحهم الشخصيه ، واحاطوا رجالته المعلم ابراهيم ومن انضم اليهم من رجاله المعلم زين احاطوا المعلم زين ومن تبقى معه من الرجاله المخلصين .
