رواية متعة السالكين 11..
الجزء الحادى عشر
استغربت كثيرا اللهجة التي تتحدث بها ..وما أصعب الموقف على المرء حين يريد أن يزف خبرا لأحدهم ظنا منه أنه سيفرحه ..ويلاقي ردا قاسيا ..ستتبدد الفرحة بكل تأكيد ..لم أعرف بماذا أجيبها صراحة ..ولكني استجمعت قواي وقلت أخيرا :ظننتك ستفرحين بالخبر أنا آسفة !!
ولكن سهى أطلقت ضحكة خبيثة وقالت :أيتها البلهاء مبارك لك كنت أمزح معك ما بالك ..
وبالرغم من جملتها إلا أنني شعرت بانقباض في قلبي ..ورأيت وراء هذا المزاح جدية مخفية ..وهذا ما يحدث أحيانا ...فكيف أقنع قلبي وعقلي أنها كانت تمزح وبالرغم من هذا أجبتها بأدب :شكرا لك ..
ثم أقفلت الهاتف ولا زال قلبي يشعر بعدم الإرتياح ولا أدري لماذا ..أيعقل أنها استاءت لسماع الخبر حقا ..ولكني لم اعطِ من طاقتي الكثير من التفكير بهذا الأمر فقد انشغلت بشيئ آخر أكثر غرابة..
ففي اليوم التالي جاء سامي لزيارتنا برفقة شخص ما لم يكن وجهه غريبا عني ..ورحت
بذاكرتي إلى الوراء ..إنه أحمد ..نعم إنه أحمد ..ما الذي أتى به إلى منزلنا الآن وهو لم يتفضل بالمجيئ ليرتب أمور العزاء لوالدته ..وتذكرت عندما سألت سامي عن ردة فعل أحمد عندما علم بموت والدته ..فقال لي :لم يفعل شيئا أكثر من الحوقلة والترجيع ..وأقفل الهاتف ..لم يبدِ عن ندم أو استياء ..أو أي ردة فعل أخرى ..مع أني كنت أتوقع أكثر من هذا بكثير ..وانتظرت مجيئه بعد يوم يومين ثلاثة أسبوع ثم قطعت الأمل ..ها هو قادم إلينا بعد شهر من وفاة والدته .ولا يبدو عليه الحزن أبدا.. وعرف سامي ما يدور في رأسي في ذلك الوقت لأن ملامح وجهي قد تغيرت ..وأراد إنقاذ الموقف بابتسامة مصطنعة وقال :إنه صديقي أحمد ..
ثم أشار إلي :إنها خطيبتي نور ..
وابتسم أحمد ابتسامة صفراء وقال أهلا تشرفت بك ..
ثم نظر حوله وأكمل: أين هي جدتك ؟؟
-إنها في غرفتها ..
-هل أستطيع رؤيتها ..؟
قال سامي :نعم ..ولكن عليك بتعقيم يديك أمامها ليرتاح قلبها.. وتجلس بعيدا عنها ..
فلوى شفتيه مستاء وقال بامتعاض: حسنا ..
وما إن دخلنا إلى غرفة جدتي ورأت أحمد حتى استسلمت لبكائها ..وعم الصمت للحظات إلى أن نطقت: لقد انتظرتك. أمك كثيرا ..لماذا تأخرت عليها ؟؟
-كنت مشغولا يا خالتي ..وأحزنني موتها.. رحمها الله ..
ما بال هذا الرجل يتحدث عن والدته وكأنها شخصا غريبا ..ثم أكمل: لقد علمت أنها كانت تعمل هنا ..فهل لي برؤية غرفتها الخاصة ..
فأجبته بعد أن أخذت الموافقة من جدتي :نعم ..تفضل ..
وسرت أمامه… ثم لحق بي هو وسامي..شعرت برهبة المكان ..فأنا لم أدخل إلى تلك الغرفة منذ وفاة صاحبتها ..كان الغبار يملأ المكان ..فقلت :عذرا… هذه المرة الاولى التي أدخل بها إلى هنا بعد وفاة المرحومة ..لذلك وجد الغبار مسكنا له.. ولكني سأنظفها في القريب العاجل..
فقال أحمد :هل يمكنني البقاء وحدي لو سمحتما ..
فخرجت أنا وسامي ..وتوقعنا أن نسمع صوت أنينه وبكائه ..لذلك ابتعدنا عن باب الغرفة وذهبنا إلى الحديقة ..قال لي سامي :مع أن هذا ليس وقته ولكنك تبدين جميلة وأنت في الخارج ..وتنافسين أشعة الشمس ببهائك ..
فاحمرت وجنتاي خجلا ..والتزمت الصمت مكتفية بابتسامة تفضح خجلي ..وأكمل سامي :سنحدد موعد زفافنا بأقل من شهر ..فجهزي نفسك!!
-وجدتي !!هل أتركها وحدها؟؟!!
-سنأتي لزيارتها بين والحين ..لا تقلقي!!
- سامي لا يمكنني تركها يوم كامل ..أنت تعرف حالتها الجسدية والنفسية ..
-نور ..لقد كنت سجينة جدتك طوال الفترة الماضية فلا داعي لأن تمضي حياتك وأنت رهينة الشعور بالذنب تجاهها ..ومع هذا فسأحضر لها خادمة لتكون معها طوال الوقت ..
-لم تكن أم أحمد خادمة لها ..بل كانت صديقتها ..وكاتمة أسرارها ..وبرأيك هل ستجد إنسانة بهذه المواصفات..
-الدنيا لا تخلو من الطيبين ..لا تقلقي سأدبر هذا الامر بنفسي ..بكل الأحوال منزلنا جاهز تقريبا ولن أحتاجك كثيرا قبل الزفاف.. كل ما عليك فعله هو تجهيز نفسك فقط وستساعدك أمي في هذا ..
وفجأة سمعنا وقع خطوات أحمد وهو قادم إلينا وكأن الجن قد تلبسه ثم قال بفظاظة: أنتم أناس سارقون !!!
قطبت حاجبي وقلت باستغراب :من تقصد بأنتم ؟؟
-أنت وجدتك !!
-لم أفهم ماذا تقصد؟؟
وتلعثم سامي وهو يقول: اااااحمدد ما هذاااا الكلاام؟؟
-لقد بحثت بين ملابس أمي وخزانتها ولم أجد أي شيئ يدل على أنها كانت تعمل طوال تلك السنين. .هل كانت تعمل مجانا ؟؟؟
فصعقت من كلامه :هل أتيت إلى هنا لترث أمك أم لترثيها أيها الولد العاق ..ألا تعلم أنك ستلقى جزاء مرا بفعلتك هذه ..
فأجابني ساخرا: تركت البر بالوالدين للمؤمنين أمثالك الذين يخافون من العقاب ويسعون إلى الثواب ..أنا لا أؤمن أبدا بمثل هذه الأمور ..ولا حتى بمبدأ الكارما ..الحياة عبثية أكثر مما تتوقعين ..
-هل أنت مجنون لتعتقد هذا ؟؟أيعقل أنه لا يوجد حساب؟؟ما معنى وجودنا في هذه الحياة إذا؟؟
-لا حساب في الآخرة والدنيا للأقوياء.. هل سمعت عن قانون الغابة ؟؟
-اسمعني يا سيد أحمد يبدو أنك تؤمن بالفلسفة العبثية
… وهذا لا يعني أن تكون فظا وعديم المشاعر ..اعتقادك الديني وفلسفتك عن الحياة لك وحدك ..ولكن الأخلاق والضمير هي التي تحكم العلاقات ..أعرف أشخاصا لا يؤمنون بوجود الإله ولكنهم أكثر الناس أخلاقا لأن أخلاقهم تنبع من قلبهم وعقلهم وليس خوفا أو طمعا ..فلا تتذرع بالأديان والفلسفات لتبرر سلوكك السيئ !!
-أووووه كفي عن مواعظك فقلبي مات منذ زمن بعيد بعد أن تركني والدي للوحوش ..وهيا أعطني المال الذي يخص والدتي ..
