رواية متعة السالكين 15..
الجزء الخامس عشر
بقلم ليلى مظلوم
لقد كان الرجل يقرأ اسم رواية أخرى ويبدو أن الكاتب نفسه قد ألّف رواية مجنون ..ورواية مجنونة ..ونظرنا أنا والشاب إلى بعضنا باستغراب ..لقد ظننت
أنه يشتمني ..واحمر وجهي خجلا ..وكان ينظر إلي بطريقة غريبة ..آه لقد نسيت أنني أرتدي ثوب الزفاف ..فنظرت إلى نفسي ثم ابتسمت بثقة :هذا فستان زفاف ..
أخفى الشاب ابتسامته ..ظنا منه أنني مجنونة حقا هذه المرة ..ولكنه أجاب بلطف :جميل ..إنه يليق بك !!
-شكرا لك ..هل قرأت هذه الرواية قبلا ..
-نعم بالتأكيد. .قرأت كل روايات هذا الكاتب ..إنني معجب به حقا !!
-غريب ..لكنه ليس مشهورا ..ومع هذا يبدو ظريفا وذكيا ..هذا هو حال عالم الفن يظلم الكثيرين ..وتأتي الشهرة بعد الموت أحيانا ..
-لا يهم الشهرة ..طالما أن الكاتب يعبر عن نفسه ويشعر بالراحة إن أفرغ ما في مكنوناته ..وشكرا لرأيك الإيجابي بهذا الكاتب !!
-يبدو أنه لا توجد نسخة أخرى للرواية التي تحملها ..فإن قمت أنت بقراءتها فاعطني الفرصة لأفعل ..سآخذ الروايتين واقرؤهما ..
تسمر للحظات أمامي ..وكاد أن يسألني عن سر ارتداء للفستان ..ولكني أردت إنقاذ الموقف وتأملت الكتاب مجددا ..ثم قلت بهمس :حتى اختياره للرسوم مميز ..أنظر !!هذه الرسمة تعبر عن شخصية مميزة وكأنه خبير بعلوم النفس البشرية ..
-حقا !!أنت ذكية بالفعل وهو كذلك !!يبدو أنك رسامة !!
-هاوية رسم ليس إلا ..ولوحاتي لنفسي فقط.. ليس للبيع!!
-هل لي أن أراها ؟؟!
استغربت سؤاله الوقح.. كيف سأريه رسومي ..من يظن نفسه ولماذا سأوافق على طلب كهذا ..ولكن عندما تصفحت وجهه جيدا قلت: نعم بكل سرور ..
ثم أعطيته حساب الفيسبوك ..فدوّنه على هاتفه ..وأعطاني الكتابين كهدية وغادر مباشرة ..ولكني حفظت تضاريس وجهه ..إنه شاب عادي الجمال ..شعره مجعد كستنائي ..عيناه كحبتي زيتون ..أسنانه كصف العسكر ..فمه كبير نوعا ما ..وأنفه مرفوع ..حاحباه كثيفان ..وطوله متوسط ..والأكثر إلفاتا أنه يملك كاريزما قوية ..تجعلك تتمنى الحديث معه لفترة أطول..
عدت إلى المنزل فرحة وأنا أحمل الكتابين بين يدي ..ثم دخلت إلى غرفة جدتي منتصرة ..وكانت المسكينة تبكي بحرقة ..وعندما راتني مسحت دموعها وقالت باستغراب :ماذا تفعلين هنا ؟؟!!
-عدت إليك يا غاليتي ولن أتركك أبدا ..
-ماذا !!هل جننت ؟؟!!
-لا بل أصبحت عاقلة جدا ..الدكتور سامي بح… وسهى بح أيضا ...أنا وأنت فقط ألا يعجبك هذا ؟؟!
-أهي الخيانة ؟؟!!
-انسي الأمر يا حلوتي وثقي بقراراتي ..
لقد انفرجت أسارير جدتي وفرحت لقدومي ..أنا أعلم هذا جيدا ..ولكنها تريد تزويجي لتتخلص من الذنب الذي حصل في الماضي ليس إلا ..
اقتربت منها بحنان ثم قبلتها ..وبعدها نظرت إلى نفسي وأنا أرتدي الفستان وقلت بحماس :هيا ساعديني لأتخلص من هذا أرجوك…
ونظرنا إلى بعضنا البعض وأطلقنا ضحكتنا سوية ..وبعد نصف ساعة كنت قد تخلصت من كل آثار هذا الزواج وذلك الطبيب الذي حاول الاتصال بي مرارا هو وسهى ولكني لم أجب ..ولن أجيب أبدا ..لقد انتهى الأمر لا أريد أن أعذب نفسي بعد ذلك أبدا ..
ثم حملت الكتابين ..واخترت كتاب (مجنون)..وبدأت أقرأ بصوت عال على مسامع جدتي تلك الرواية الغريبة ..كانت ظريفة جدا ..والمجنون الذي يمثل بطل القصة ما هو إلا أحكم الحكماء.. وتحمست جدتي كثيرا لسماعه..
بعد أسبوع كنت قد انتهيت من قرائته ..وقلت للمستمعة :لا تقلقي يا جدتي هناك كتاب آخر ..!!
وما إن حملت الكتاب الثاني.. وفتحته حتى وجدت داخله ورقة مكتوبا فيها :أنت حقا مجنونة ..أنتظر أن تضيفيني على حسابك. وتريني لوحاتك ..
وكان قد دوّن حسابه ..يا إلهي لم أفتح الحاسوب منذ أسبوع ..ونسيت أمر ذلك الشاب ..ويبدو أنه خشي من ذلك ..فذكّرني بتلك الورقة الصغيرة ..ولكن لم أنتبه له وهو يدون الرسالة ..كم هو خفيف اليد ..ولكن مهلا مهلا ..اسمه ربيع جلال ..مرادفا لاسم الكاتب ..أيعقل أن يكون هو ..يا إلهي. !!كم لم أنتبه لهذا ..كان يتكلم عن الكاتب بثقة مطلقة ...
ولم أعرف كيف أخذتني رجلاي إلى مكان الحاسوب ..وفتحت حسابي ..لأجده وقد أضافني إلى حسابه. .فقبلت طلبه مباشرة ..وقد أرسل إلي رسالة يقول فيها: أنتظر رسوماتك يا آنسة ..
فرددت عليه: لم لم تخبرني أنك أنت الكاتب ..لقد قرأت روايتك الأولى واستمتعت بها حقا ..وكذلك جدتي. .
لم يمض ربع ساعة حتى أجابني بابتسامة وبعدها كتب: يسعدني هذا !!!هيا في بوعدك لي !!
فهرعت إلى خزانتي ..وقمت بتصوير معظم اللوحات وأرسلتها إليه وقلت له :إياك أن تهزأ بي وبرسوماتي ..
ولكنه لم يجبني ..وانتظرت بعض الوقت ولم أحصل منه على رسالة ..فخمنت أنه أغلق حسابه ..وقد يحظرني بأي وقت ...وفقدت الأمل من مراسلته ..وعدت أدراجي إلى غرفة جدتي ..وبدأت بقراءة الرواية الثانية ..ولكن فكري كان مشغولا بمكان آخر ..وكنت بين الحين والحين اطل على حاسوبي لأرى إن وردتني أي رسالة من هذا الكاتب الغريب ..وأخيرا ..وجدته يمطرني بوابل رسالاته ..محللا كل رسوماتي ..عندما رسمت هذه كنت
فرحة ..وهذه كنت عاشقة ..وهذه كنت
حزينة ..وهكذا ..ثم كتب دعيني أخمن :أنت يتيمة ..وتعانين من الوحدة احيانا ..ولكنك سرعان ما تحضنين نفسك لتنشليها من كل ما يزعجها ..سامحت شخصا قد آذاك بعمق ..وانتقمت من أناس آخرين ..فهل أنا مخطئ ؟
