رواية 🌸هيلينا🌸
الجزء الخامس عشر ..
وما إن سمعت بكاءه ..حتى قالت له :حبيبي حبيبي ..ما بك يا صغيري ..
فزاد الطفل من بكائه دون أن ينطق كلمة واحدة ..فأخذ سامي الهاتف من يدها ..وأقفله بسرعة ..بعدما رأى زوجته تكاد تموت أمام عينيه من القهر ..وحاول مجددا التخفيف من وطأة الحدث ..إلا أن هيلينا أصرت على العودة إلى لبنان ..فأنفاس ولدها ما زالت تنبض هناك ..واحترم سامي رغبتها ..فهو مستعد لان يفعل لها أي شيئ حتى يرى ضحكتها ..وهادي لم يترك فرصة واحدة لينغص عليها حياتها ..وأخذ عهدا على نفسه بعدم إسعادها وهي إلى جواره وهي بعيدة عنه ..وهذا ما قد حدث ..ففي كل مرة يعرف فيها أن هيلينا في منزل أهلها يتعمد أخذ الطفل إلى ذلك الشارع ..وكان يكرر اتصاله بها بين الفينة والأخرى ليسمعها بكاء الطفل ..وكان يدرك جيدا أنها لن تتحمل كل هذا ..مرت أربعة سنوات من زواجها ..من أجمل ما يكون برفقة سامي وأسوء ما يكون بالنسبة إلى بعدها عن الطفل الذي كان أداة بيد والده ..فهو يعلمه كيف يبكي ..وقد زرع برأسه فكرة أن أمك تركتك.. لتتزوج بسامي..
وقد تنجب منه طفلا لتحبه أكثر منك ..
وذات يوم من الأيام طلبت جميلة من هيلينا أن تذهب معها إلى السوق لشراء الثياب ..وكانت قد طلبت الإذن من عادل طبعا ..وبينما كانت تبحث بين الألبسة برفقة أختها في الطابق العلوي من المحل ..وقع نظرها على ولدها في الطابق السفلي صدفة وهو رآها أيضا ..فهرع إليها وهرعت إليه وكم طال الطريق ..وهو يقول :ماما ..ماما ..وأخيرا تلاقت الأحضان ..وغمرته بشدة ..وبدأت تقبله بشوق السنين ..حبيبي ..اشتقت إليك ..يا عمري ..يا قلبي يا فرحة أيامي ..
وقد بكى الحاضرون عندما رأوا هذا اللقاء وكأنه في الأفلام ..وكانت دموعها تعادل دموع الجميع ..حتى أن هادي تأثر كثيرا مما رآه ..فخرج من المحل ليجلس على حافة الطريق ..ويطلق لنفسه العنان بالدموع ..وفجأة سألت هيلينا طفلها: برفقة من أنت هنا ؟؟
-برفقة أبي !!
-أين هو ..
فأشارت إليها جميلة أنه في الخارج ..فجرت ابنها وذهبت إليه.. ولا زالت دموعها تنهمر من عينيها ..وتلاقت العيون الدامعة ..إلى أن نطق هادي أخيرا :
-هل أنت فرحة بهذا الموقف ..؟
-أرجوك لا تحرمني من ولدي..
سأفكر بهذا الأمر ..والآن عليّ أن أرحل ..
ثم أمسك بيد ابنه ..وجره أمامها وهو مخمور بخمرة اليأس ..
عادت هيلينا إلى منزلها ..وشعرت بالندم الشديد لتركها ابنها ..وبدأت تتذكر أيام طفولته ..وكأن ينبوعا من الحنان قد تفجر داخلها ..وتغيرت أحوالها ..ولاحظ سامي عليها ذلك ..فقال لها: هذا حقك يا هيلينا ..إن رضي هادي بإعطائك الطفل سأربيه بأشفار عيوني وكأنه ولدي ..
-لا أعلم ماذا أقول لك يا سامي ..ولكن قلبي يشتعل من الشوق والحب لطفلي ..أتمنى من أعماق قلبي لو يرسله إلي ولو ليوم واحد في الشهر ..أريده ان ينام بحضني ..وأن أحكي لك القصص.. وآخذه للتنزه ..وأصنع له الحلوى التي يحبها ..والطعام الصحي الذي يناسبه ..
والتزم سامي الصمت فليس باليد حيلة ..وفي تلك الليلة ذهب إلى زوجته الأولى لأن هيلينا قررت الذهاب للنوم في منزل أهلها لأنها بحاجة للشعور بحنان العائلة ..وقد رأت زوجة سامي الأولى حالة زوجها على غير عادته.. فسألته عن السبب ..وأخبرها بأنه مشفق على هيلينا وقال :تخيلي لو كنت في مكانها هل ستتحملين ؟؟!!
وهنا خطرت إلى بال زوجته فكرة جهنمية ..وذهبت إلى مكان عمل هادي ..واستغرب من وجودها ثم قال ساخرا:
-زوجتي وزوجك ..لا بد أنك أتيت إلى هنا من أجل هذا الموضوع..
-هذا صحيح لا أشياء مشتركة بيننا سوى هذين الشخصين..
-لقد علمت بحادثة لقاء هيلينا مع ولدها ..ولا أخفيك سرا ..وهو ليس بسر ..أنا لا أطيقها ..وأريدها أن تتطلق من سامي بأسرع وقت ممكن ..لأنها تقاسمني الرزق.. وهذا أصعب من مشاركتها سامي ..فهل لك مصلحة في طلاقها؟؟
-ماذا تعنين ؟؟
-إن كان كبرياؤك أو حبك يريدها أن تتطلق ..فلدي الحل ..
-اعتبري هذا !!
-زوجتك ..آه اقصد طليقتك الحنونة ..مشتاقة جدا لولدها ..وكلما رأته تغيرت أحوالها ..وعندما يبتعد عنها لمدة طويلة فإن الدونجوان سامي يمتص حزنها وشوقها ..وتهدأ مشاعرها فإذا أردت طلاقها ..كثف من رؤيتها لولدها ..أرسله إليها يوميا إن استطعت مع بعض التعليمات الجميلة منك ..وسيؤثر عليها حتما ..وإن لم يطلقها سامي .فإنها ستطلب الطلاق منه ..وخاصة أنها لم تحمل لحد الآن .فأسرع في إنجاز هذه الخطة ..حتى لا تحمل بولد منه ويفوت الأوان ..
-ممممم…. كيد النساء.!!حسنا سأجرب هذا ..بكل الأحوال كنت أفكر منذ مدة بهذا الأمر ليس من أجل طلاق هيلينا ..لا بل من أجل ولدي ..إنه دائم السؤال عنها ..الخطة هي هي ..ولكن النوايا تغيرت ..
فوقفت المرأة الغيورة بفرح وغمزت هادي ..وكأنها أنجزت إنجازا مهما ..وخرجت وهي تقول :بالتوفيق يا… .........صديقي…
ولم يكذب هادي خبرا ..حيث اتصل بهيلينا ..وأخبرها أنه سيرسل إليها الطفل ليمضي عندها بعض الوقت ..وفرحت لذلك كثيرا ..وبمجرد أن وصل الطفل إلى منزله
ا حتى تركت كل شيئ ..وأعطته كل اهتمامها ..ولم تنتبه لوجود سامي أساسا ..إلا عندما نظر إليه الطفل بحقد ..فآثر الخروج من المنزل ..حتى يترك الولد وأمه يلعبان سوية ..كان يوما رائعا بالنسبة إليها ..وعندما حان الوقت لعودته إلى المنزل ..بكى بكاء شديدا ..وقال لأمه: أرجوك لا تتركيني ..لا أريد الذهاب ..أريد أن أبقى معك ..أرجوك ..
فقالت له: لابأس يا حبيبي ..أطلب من والدك أن يرسلك إلي بعد فترة ..وأنت ولد مهذب ..وذكي… والمهذبون والأذكياء لا يبكون ..
-لا أريد أن أكون مهذبا ولا ذكيا ..أريد أمي ..
وبعد التي واللتيا ..عاد الطفل إلى المنزل وهو يبكي ..واستطاع والده إسكاته بعد جهد جهيد والكثير من الوعود ..على الرغم من إشفاقه عليه وتأثره بدموعه إلا أنه اعتبر هذا بادرة خير لتحريك مشاعر هيلينا ..وطلاقها من سامي ..
