رواية من أنت
الفصل الحادي عشر
بعد سماعي لتلك الكلمات ..شعرت وكأن سكينا حادة أصابت قلبي ..من قال له أنني أريد الرحيل من هنا.. من أخبره أني منزعجة من استفزازاته ..تلعثمت في الكلام وقلت بصوت متأمل خافت :ولكني مرتاحة هنا ..وإن كان الأمر بسبب الإجازة فيوم واحد يكفيني ..
حدق بي بطريقة غريبة ..وكأنه يراجع نفسه :ظننتك مستاءة من العمل هنا ..والبارحة كدت تموتين بسبب هذا ..
فوقفت أمامه كجبل شامخ ..ثم أمسكت بطرف طاولة المكتب التي تفصل بيننا ..وبدأت ألهث كعدّاء أنهى سباقه لتوه وقلت بغضب لا أعرف سببه :حسنا حسنا… هذا يكفي ..سأوضب أغراضي كلها وافعل ما يحلو لك ..يبدو أنك اشتقت لسماهر كثيرا ..
وبعدها خرجت من المكتب دون استئذان .. مع أن هذا ما حذرني منه مرارا ..وتفاجأت بوجود عدنان في مكتبي ..
-مرحبا لمى ..
-أهلا عدنان ..
-لقد قرأت رسالتك منذ ساعة ..خير إن شاء الله ماذا هناك ..
لم أنظر إليه ..بل شرعت إلى توضيب أغراضي ..وقلت أثناء انهماكي في ذلك سنتحدث في السيارة أو في إحدى المقاهي لست أدري ..المهم أن أرحل من هنا ..
-ما بك ..لماذا أنت غاضبة بهذا الشكل ؟؟
-لا شييئ يا عدنان لا شيئ..
-مممم حسنا سأتحدث إلى حامد ريثما تنتهين من توضيب الأغراض ..
ورحل عدنان أمامي… وبقيت وحدي متحسرة غاضبة ..لا أريد الإنتقال من هنا ..ولم أعرف مدى حبي لعملي إلا عندما أحسست أنني سأخسره… فجأة سمعت صوتا يشوبه نبرة الإنتصار والسخرية :
-ها… هل سأستعيد عملي اليوم أم غدا ..؟؟لقد طلب حامد رؤيتي وأظن أنه سيحدثني بهذا الأمر ..
-سماهر!!!
ودخلت إلى غرفة حامد دون استئذان وهي تتبختر أمامي كطاووس أمام جمهوره في السيرك ..
************************************
دخل حامد إلى مكتبي ووجدني على غير طبعي. .كنت أحدق في الوردة التي وضعتها لمى أمامي ..ورحت أفكر كيف تهتم بها وترعاها حتى كبرت ..حقا إن الإهتمام لشيئ عجيب أشبه بالسحر ..إن كان ترياقه يشرق على نبتة لا مشاعر لها ولا قلب ولا لسان ولا عقل لها ..فماذا عساه يفعل في عقول البشر ...
كنت حزينا لأن لمى ستغادر ..وقد أظهرت عكس ما تبطن ..هي بلا شك تريد أن تتحرر من سجني وادعت أنها مرتاحة ..فما معنى دموعها البارحة ..قال لي عدنان:
-مرحبا ..ما هذا اليوم المشؤوم ؟؟
رفعت رأسي لأرمقه بنظرة عابرة ..بينما جلس أمامي على الكرسي مقابل المكتب ..وأكمل: ما الذي فعلته للمى حتى أغضبتها بهذا الشكل ..تكاد تختنق ..وأنت أيضا ..ما بكما هل تشاجرتما ..
وقبل أن أجيبه دخلت سماهر بفستانها القصير وطاقتها الأنثوية ..وقالت بابتسامة مشرقة :
-مرحبا ..
وقبل أن أرد تحيتها قلت بغضب :كيف تدخلين إلى هنا دون استئذان ..؟
-وهل أحتاج الإذن لأدخل ..أنا سماهر يا حامد ..
فلم أرد لها جوابا ..ونظرت إلى عدنان لأجده يعاتبني بنظراته ..على إغضاب صديقته ..ثم نهض بسرعة من مكانه وقال :عن إذنكما ..
فقلت له :انتظر إلى أين ..
-أنا ذاهب مع لمى ..
وعندما سمعت باسمها ..سرت قشعريرة داخل جسدي.. وقلت له: حسنا رافقتك السلامة ..ولكني أنتظرك الليلة ..لا بد من أن نتحدث ..
أكمل عدنان طريقه ليتركني بمفردي مع سماهر التي كانت تمضغ اللبان بطريقة منفرة ..ثم جلست دون أن أعطيها الإذن ..وقالت :حسنا ..لماذا أرسلت في طلبي ..
ترددت فيما سأقوله لها ..وخرجت الكلمات مني على مضض ..:ربما ستعودين إلى هنا فكوني مستعدة ..
فقالت :ولمى؟؟!
فأجبتها بصوت حزين :ستعمل في مكان آخر ..أي أنكما ستتبادلان الأدوار ..
فابتسمت بسخرية وقالت :ألهذا البرنسيسة غاضبة ..؟
-لا دخل لنا بها ..
فاقتربت مني ثم حاولت معانقتي وهي. تقول :لقد اشتقت إليك حقا ..وأنا أوقن أنك ..
فقاطعتها قبل أن تكمل .وأبعدتها عني ..وتفاجأت من ردة فعلي وتفاجأت معها ..ثم قلت بصوت حازم: هيا اذهبي إلى مكتبك الآن وعندما تسوى الأمور سأطلبك مباشرة ..
أجابتني بنبرة خائبة :لقد تغيرت كثيرا يا حامد.. هل لمى هي السبب.. ؟
لقد صعقني سؤالها ..هل فعلا لمى هي السبب ..لمى الطهر والنقاء.. وقلت لسماهر :لمى ليست كباقي الفتيات ..لا تأخذك مخيلتك بعيدا..
-ماذا تقصد؟؟هل أنا فتاة غير سوية ..
-سمااااهر لا داعي لتلك المقارنات السخيفة ..
-أنت من قارنتنا يا حامد ..هل تظنني غبية لأصدق أنك تركتها وشأنها طوال تلك المدة ..
-سماااهر .. كفي عن هذا الكلام ..وانشغلي بنفسك ..هيا اذهبي لعملك ..
وغادرت سماهر المكان مستسلمة ..وكانت تلك المرة الأولى التي تراني بصورة مختلفة ..فهي معتادة على الغنج والدلال أمامي.. بحيث تكون ردة فعلي بالرضا والقبول واستسلام الرجال للطاقة الأنثوية وكأنها الشيئ الوحيد الذي يعيش الرجل لأجله ..من أنت يا لمى حتى تحوليني إلى رجل بلا قلب وبلا مشاعر..
وبعد أن غادرت سماهر ..شعرت بالملل ..الذي احتل قلبي وكأن شيئا ينقصني ..كنت حزينا وشاردا.. ثم. أشغلت المذياع لاستمع إلى الأغاني العاطفية التي عشت تفاصيلها بكل كلمة تقال ..من أنت يا لمى حتى تحوليني من رجل يسعى وراء غريزته الحي
وانية ..إلى رجل يسعى لكماله الإنساني ..
بالرغم أن حبييتي ليست ملكي… ولن تكون ..إلا أن هناك. مشاعر جميلة ..تفجرت في قلبي ..لتبني به ينبوع الحياة والإنسانية ..بت أنتبه للورود ..وأحسب كلماتي التي كانت تخرج من فمي القاسي بشكل رقيق ..أحببت الفقراء والمشردين وآليت على نفسي مساعدتهم ..أحببت الطبيعة وعشقت الموسيقى. .وتغيرت نظرتي في النساء.. إنها سطوة الحب ..سطوة لمى..
