رواية من أنت
الفصل الثامن
فقالت باستغراب :ماذا تقصد؟؟
قلت بامتعاض وقد تملكني شعور الغيرة ..لأنني أدعي أنها ستكون الأجمل والأكثر إلفاتا في هذه السهرة :لا داعي لكل هذا التزيين !!
-أمرك عجيب حقا ..بالأمس كنت تعاتبني لأن ثيابي لم ترق لك بسبب بساطتها واليوم تعاتبني على عكس ذلك ..كيف يجدر التعامل معك ؟؟!
فصمتت ولم أجبها بكلمة واحدة ..وارتسمت على وجهي عبسة أدركت أنها بسبب الغيرة ..وودت لو أضعها بين ضلوعي ولا أسمح لأحد بالنظر إليها… كم أن زوجها غبي كيف يتركها في لبنان فريسة العالم ..إنها تستحق أن تكون أميرة تتوج بتاج العز والكرامة.. تبا لزوجها.. وتبا لهذا الذي بين ضلوعي كيف سمحت له أن يتمادى بهذه المشاعر ..
ومشيت أمامها ..ثم لحقت بي كظلي ..وكأننا متشاجران ..وبعدها اخترت إحدى الطاولات التي لا تطل على المدعوين ..وأومأت لها بالجلوس… فاتبعت تعليماتي ..والتزمت بصمت عميق ..وركزت ناظريها على الوردة المزروعة منتصف الطاولة ..وردة تطالع وردة يا للطف الخالق ..ولكنها وردة ذابلة ..تحتاج إلى نوع خاص من المياه حتى تعبق رائحتها بالحيوية والنشاط ..كنت أراقبها بصمت ..برغم الموسيقى الصاخبة التي تحيط بنا ..وقلت لها فجأة بصوت حنون :ما بك يا لمى ..ألهذه الدرجة أنت مزعوجة من المجيئ إلى هنا ..
-أنت قلت أنها سهرة عمل ..فأين هم زملائك ..؟؟
-لا تغيري الحديث ..
فتأففت ثم استنشقت دموعها وقالت بصوت حزين كمن يحمل هموم العالم فوق أكتافه :أنا لست مرتاحة ..وأحتاج أن أتنشق هواء عليلا ..تتلاطم في رأسي أفكار سامة ..و..
ثم صمتت ..لم تكمل جملتها وعرفت أن ضيقها ليس بسبب الحفل فحسب ..ولكن هناك أمر ما يشغلها.. ووجدت نفسي أقف فجأة ثم قلت لها: الحقي بي ..
وذهبت إلى السيارة ..وأمرتها بالركوب معي ..ففعلت…
**********************
لا أعلم لماذا كتب الله لي أن أنفصل عن زوجي وأزعج عائلتي بهذا الشكل ..لم أتمالك نفسي ..ووددت لو أستطيع أن أرتدي قناع السعادة أو اللامبالاة ..حتى تنتهي هذه الحفلة ..ولا أنكر أني شعرت بحاجة للتحدث فعندما سألني حامد :ما بك ..وددت لو أستطيع إخباره بما يختلج قلبي من مشاعر أنا حقا لست على ما يرام ..
وما باله يطلب مني فجأة الذهاب ..وإلى أين لست أدري ..ركبت معه في السيارة ..وبدأ يقود بسرعة متوسطة ..ولم يشغل المذياع هذه المرة ..كنت كل الوقت شاردة ..ألاعب أصابعي ..وكأني في عالم آخر منتظرة الوصول إلى المنزل ..آه المنزل ؟؟ولكن هذا ليس طريق المنزل ..إلى أين يذهب الرجل ..وكيف بإمكاني أن أسأله عن وجهته ..لا بد وأنه سينهرني ويسمعني كلماته اللاذعة ولست بمزاج لسماع أي شيئ… كنت اراقب الطريق بعينين لامعتين… أشاهد في الظلام الأشجار التي أعلنت حدادها لمغيب الشمس ..والسيارات المتنوعة التي تقضم الطريق بدواليبها مصدرة هديرا يسمعه كل من يمر أمامها ..وعلى الجانب الآخر كان هناك شيئ ثابت لطالما قدسته في السنوات الماضية ..إنه لا يتحدث إلا بلغته الخاصة التي تتغير مع تغير الفصول .. البحر.!!وما أجمله من غامض واضح…
ليت حامد يركن سيارته جانبا ويعطيني الوقت لأنظر إلى أمواجه في الظلام الذي أضاءته المصابيح الجانبية التي تنافس الشمس بنورها وبالطبع تختفي عند ظهور الشمس لأن معركتها خاسرة بلا ريب ...وفجأة توقفت السيارة على جانب الطريق ..وقال لي الرجل الغريب القريب :انزلي ..
تفاجأت من طلبه وقلت بصوت خافت: هنا !!
لم يجبني ..وسار أمامي قاصدا شاطئ البحر حيث لا وجود لأي شخص هنا في مثل هذا الوقت ..ما به هل جن الرجل أم أنني أنا المجنونة التي تتبعه كظله ..وقف صامدا أمام العميق ..حيث لم يسمع إلا صوت هدير الأمواج ..ووقفت أنا إلى جانبه ..ثم نظرت أمامي ..وشعرت برغبة شديدة في البكاء.. كنت أريد أن أخبر كاتم الأسرار بكل عذاباتي.. ولكن كيف أفعل هذا ..والرجل إلى جانبي ..آه صحيح ما الذي أتى به إلى هنا ..قلت له بدون تفكير :هل هذه هي سهرة العمل ..هل ستعقد اتفاقا مع المياه أم مع الرمال ؟؟
أجابني بصوت هادئ حنون :لمحت في وجهك الكثير ..لا بد أنك تحتاجين جلسة كهذه ..
علا هدير الأمواج ولم أصدق ما سمعته لتوي ..لأول مرة مذ عرفت حامد وهو يتحدث إلي بجدية وهدوء و..حنان… وسرت في جسدي قشعريرة غريبة ..قشعريرة تشبه تلك التي تصيبني عندما أسمع الموسيقى ..وأي نغمة غريبة هي هذه !!
نظرت إليه لأتأكد أنه يوجه لي الكلام… بالطبع هو يقصدني أنا فلا أحد غيرنا هنا.. وحدق بي بنظرة غريبة حالمة مشتاقة ..مضت بضع ثوان وكأنها دهورا من الكلام ..وكان الصمت سيد الموقف ..إلى أن اخترق الصمت جدار صوته الرجولي :إن شئت أن تبقي وحدك هنا ..فسأنتظرك في السيارة ..
لم أجبه بل بقيت أحدق في عينيه مستغربة الموقف ..متناسية طليقي وكل ما يعكر صفوي… وبدأت دقات قلبي تتسارع ..معلنة عن مشاعر طارئة ..مشاعر لم أفهمها إلا لاحقا :إنه الحب في غير أوانه ..وأجبته بصوت مخنوق: ابق معي… أرجوك ..
توسعت حدقتا عيني الرجل.. ووافق على طلبي مباشرة بأن هز رأسه معلنا المواف
قة بالإشارات .
.ثم وجهنا نظرنا سوية إلى الأفق ..واستمعنا إلى موسيقى الطبيعة التي تخترق القلوب ..كان الهواء العليل يداعب شعري ويبعده عن جسدي ..وأمسكت مرفقي بكفي الباردتين ليس بسبب الطقس بل بسبب الحزن… وبدأت دموعي تنهمر على خدي.. لقد خانتني ..فقد حذرتها مرارا ألا تخرج أمام أحد ولكنها فعلت وأمام من ..أمام الرجل الذي أظهرت قوتي عند رؤيته دائما ..كم أنا مسكينة حقا!!
وأخرج الرجل من جيبه منديلا ..ثم أعطاني إياه وسار أمامي متوجها إلى السيارة بخطوات متثاقلة..
