رواية سر الحياة
وهنا توقف الزمن ..بالرغم من أنه وهم في مخيلة البشر وهم الذين صنعوه ..هذا الشيئ الذي لا ادري ما أسميه توقف لتدهش جوليا مما سمعته
..هل كانت هي السبب في منع سعادتها بنفسها؟؟هل عدم صدقها ومصالحتها لذاتها جعلها تخسر جزءا مهما من حياتها ..ما هذه الصفعة التي تلقتها ؟..والمضحك في الأمر أن
هذا الكلام لم يعد ينفع ..فمشاعرها التي كانت تظنها حبا قد تلاشت تجاه حسان ..وأصبحت مشاعر حب بطريقة أخرى ..لماذا تأتي الأشياء في غير ترتيبها الصحيح أحيانا !!!؟؟لماذا؟؟!!هل هذا صدفة أم أننا نحتاج لمثل هذه الأمور حتى نتعلم ونرتقي ونصبح جاهزين بترتيب رباني إلهي ..ما السر في حصول هذه الأشياء ..وما
السر في الزهد بها إن حصلنا عليها في غير وقتها ..هل هناك رابط ما هنا ؟؟ربما ..فالأمر نسبي وكل شخص يقيسها على تجاربه الشخصية ..
نعود إلى شفتي جوليا اللتان بدأتا ترتجفان كورقة في مهب الريح الخريفي ..لتواجه ما يجب مواجهته !!
-والآن ؟؟!!ما هي مشاعرك ؟؟
-الآن أدركت أن الرجل قد يحب امرأتين في الوقت نفسه ..فأنا أشعر بهذا تجاهك وتجاه راشيل ..ولا أريد أن أخسر أي منكما ..هل فهمتني ؟؟!!
-ولكن كيف هذا ؟؟
-في الليلة التي أخبرتني بها أنني الرجل الذي كنت تحبين ..واجهت صراعا مريرا مع ذاتي ..وكلما نظرت إلى الشمال رأيت وجهك ..وكلما نظرت إلى اليمين رأيت وجه راشيل ..إحساس غريب تملكني ..إلى أن اتصلت بي راشيل وطلبت رؤيتي لأمر مهم ..طبعا فرحت كثيرا باتصالها ولم يغب عن ذهني كلمتك الأخيرة التي قلتها لي في الوقت نفسه ..وربما كان غضبي من ذلك الحقير ليس لأنني خائف عليك فحسب ..ربما هي الغيرة أيضا ..
وبينما كان حسان يكمل كلامه جاءت طفلة صغيرة وهي تحمل بين يديها باقة من الورود تريد بيعها للعشاق على حد تعبيرها..
-عمو عمو… هالبنت الحلوة اللي قاعدة حدك بيلبقلها الورود ..ما تبخل عليها ..
فضحك حسان ..ونظر إلى جوليا ليرى وجنتيها وقد احمرتا ابتساما وخجلا ..
وأكملت البائعة :
-عمو بيوم عرسكن هديها ورد.. الورد سرو كتير كبير ..الورد للورد ..
وهنا ابتسمت جوليا وهي تتمتم :
-وردة تبيع وردة !!
ثم مدت يدها للفتاة وقربتها منها واحتضنتها قائلة :
-ما هو سر الورد يا حلوة ؟؟هل أخبرك به ؟؟
-كلا لم يخبرني به ..ولم يخبر أي أحد به ..علينا نحن أن نسعى لاكتشاف ذلك السر ..لأنه لا يقال بالكلمات ..بل يعاش بالوجدان ..بعض التنظيف القلبي يفي بالغرض ..
-طالما أنك طليقة اللسان على هذا النحو لماذا اخترت بيع الورود ..أليس هذا متعبا لك ؟!
-عندما أرى ابتسامات العشاق ..وهدوء المرضى ..وسكن روح الأموات ..أنسى كل تعبي ..للوردة روح أثيرية قد لا يدركها كل البشر ..ولكني أراك ستفعلين ..لا تنظري إلى صغر سني ..قد أكون عجوزا من حيث الخبرة ..
كان حسان يستمع إلى الحديث بشغف وحب ..وأعجب حقا بتلك الفتاة الصغيرة ..وكلماتها الرائعة ..
وهنا أرادت جوليا أن تنقذ الموقف ..فقالت للفتاة موجهة تركيزها لحسان:
-عمو هذا بطلي ..ولكنه ليس حبيبي ..هو وحبيبته على خلاف صغير ..وبما أنك خبيرة في هذا المجال فاختاري له وردة تناسب حالته عله يذهب ويصالح محبوبته حالا ..
وفهم حسان الرسالة واعتبر أنه لا داعي للبحث بأمر مشاعره مع جوليا ..وكأنها أعطته إمضاء على ورقة علاقته براشيل إن كان يشعر بالإحراج فليمضِ قدما ..وأفهمته أنها فرحة لأجله ولم. يعد يعني لها شيئا..
أخذ الوردة من يد الفتاة وهو ينظر إلى عيني جوليا ..قائلا :
-شكرا يا صغيرتي ..!!سأشتري منك الباقة كلها ..
أجابت الطفلة :
-لست وحدك العاشق هنا يا سيدي ..اترك وردا لقلوب أخرى مكسورة علها ترممها !!
واكتفى حسان بوردته ..ثم وقف مودعا جوليا طالبا منها الدعاء له ..عله يستعيد حبا من حبيه…
وعندما غرب من أمامها حل في قلبها ظلام دامس سرعان ما دحضته شمس غريبة شعرت لأول مرة بنورها وحرارتها ..وتمتمت بهدوء :إنه يحبها
ولا يعرف نفسه ..وقد أحببته يوما ولم أعرف نفسي ..وها هو قلبي يرتجف لغياب كمال ..لكنني يستحيل أن أسأل عنه فكرامتي لا تسمح لي بهذا ..
ثم نظرت إلى أعلى الشجرة ولاحظت أنها شهدت الكثير من القصص وهي لا تزال واقفة ..بين أوراقها همسات العشاق ..وفي حفيفها صوت المعاتبة
واللوم وربما الفراق ..أتراني سأخسر كمال أيضا بداعي الكرامة ..ولكن أين هذه المشاعر من تلك ..فحسان كان يحترمني ويحبني أما كمال فلم يردني أكثر من لعبة بين يديه ولوحة فنية يتباهى بها أمام أصدقائه ..ولكن أين هو الآن أريد أن أراه ؟؟!
في ذلك اليوم كانت جوليا تشعر بانقباض غريب في قلبها لم تعرف سببه ..وكأن شيئا غريبا سيحدث ..أمسكت هاتفها قبل نومها لتتصفح النت ..وفجأة ظهر رقم راشيل أمامها ..فقالت لنفسها :لا بد وأنها تتصل من أجل أن تعاتبني او تشكرني لست أدري ..
-ماذا تريدين ست راشيل هل تظنين أنك إن تصالحت مع حسان…
-لم أتصل من أجل حسان بل من أجل كمال…
-ما به ؟؟
