في قبضة الإمبراطور
الفصل العشرون
............
الحقيقة والخيال بينهما خيط رفيع للغاية
هي تصورت وجوده ، تخيلته هو ، لكن أن تسمع صوته في ذلك المكان الموبوء ؟!
مجيئها الى هنا مجرد حركة تمرد
غضب
سخط منه
نعم .. كل ذلك ، فترة مكوثها تحت جناحه أو تحت قبضته بالمعنى الأدق ترغبها .. ليست مجنونة لكن عذابه هو ارحم من عذاب والدتها ، رغمًا عنها هي منجذبة له
تلك هالة الغموض التي أسرتها
كالفراشة التي تجذبها النيران .. نيران ظنتها دافئة ، لتحرق جناحها وتتركها تتعذب من الموت .
جحظت عيناها وكأن وسائل الاحساس عادت من مجرد كلماته ، كانت تريده أن يكون هنا بأي طريقه ، ان يخرجها ... ان يهددها .. أن يعنفها .. ان يقتلها ولكن تبقى بجواره .
مذلولة نعم .. ميؤوسة .. إلى حد كبير ،ذليلة في حبه ... قولوا كما تشاؤون ، هو فقط يسمح لها الولوج إلى عالمه المقفر وستضع هي أول بذرة عشق في أرضه .. ستنتظر أمد الدهر حتى تتغلغل حبة عشقها في أرضه القاحلة .
همست اسمه بتيه شديد قبل أن تخر ساقطة بين يديه فاقدة للوعي
- نضال
تلقفها نضال وهي بين ذراعيه البسها بلوزتها ليحملها خارجًا ، قبل أن يخرج القي غمزة نحو المرأة الأربعينية التي كانت تدخن من الارجلية ونظراتها حملت خبثًا واضحًا وهي تربت على صدرها الذي عبء بالآلاف من النقود لمدة قليلة .. خمس دقائق فقط وكسبت الالافات .. ستفكر في توسيع نطاق عملها لجذب رجال الأعمال بدلا من الشباب الطائشين.
.......
فتحت جفنيها وهي ترفرف بأهدابها ، تغضن جبينها وهي تشم عبق رائحة نضال في الوسادة ، بل الشرشف به عبق رائحته المزلزلة لقلبها ، نهضت من مضجعها وهي تنظر الي أركان الغرفة التي جمعتها بنضال ، ازدردت ريقها بوضوح حينما تقابلت العيون
بهم حديث خفي
بعيدًا كل البعد عن سخط اللسان
بعيدًا عن التزييف
العيون هي أصدق ما تقوله العواطف
فغرت شفتيها وهي تراه يقترب منها بخبث شديد ، بطوله الفارع وعضلات جسده النافرة جعلت عيناها تستقر رغمًا عنها نحو عيناه ، همس بسخرية وخطوة واحدة التي تفصلهما جسديًا
لكن روحيًا يوجد بعد المشرق والمغرب معًا
- ايه وحشتك يا بيبي
رأت ذلك البريق في عيناه وهو يتفحص جسدها ،هبطت عيناها نحو جسدها ... شهقت مفزعة وهي تمسك قميصه الذي ترتديه ، حدقت به بذهول وهي تدمدم بسخط
- انت ... انت مجنون
ثم جالت بعيناها نحو الغرفة ، جرت نحو الباب وهي تحاول ان تفتحه بفشل ، نكست رأسها حينما استمعت الي ضحكته المقهقه ، دارت علي عقبيها وهي تصرخ هادرة
- انا بعمل ايه هنا
عض نضال شفته السفلي بحسية ، يرى مفاتن جسدها أسفل قميصه .. ابتسم وهو يرى تلك المرأة تبهره بتفكيرها الساذج
تطلب اهتمامًا منه فتلقي نفسها بين براثن الجحيم ،ولانه المراقب الصامت سيختار الوقت اللازم للتدخل
كان يرى ارتعاشة جسدها حينما دفعت نحو الغرفة بل تصلب جسدها من عناقه ... لتهمس في النهاية إسمه بنجدة وكأنه ليس على بعد قدم منها !!، هي قررت ان تضعه في اختبار وقرر هو وضعها في اختبار اكبر .
أن يعلمها إن كان تريد سلك ذلك الطريق ما يجب عليها أن تدفعه ، وذلك القميص الآخر يضاف لضمن اختباره
غمغم ببساطة
- سؤال غريب يا فرح تطريحه ليا
زفرت فرح بيأس ، رغم تلك الدقة الخائنة في قلبها نحو عيناه التي تفترسها حية .. لكن يجب أن تلعب دور صعبة المنال ، محاولة في ترميم كرامتها ؟!!
صاحت بنبرة ساخطة
- انا بعمل ايه ف بيتك
اقترب نضال من جسدها الذي يدعوه للمس ... لفعل ما يهويه عقله الجامح ، تأثرت وهي تلتصق بظهرها في الباب لتقع عيناها على عيناه الكسولة ، حاصرها بذراعيه علي جانبي جسدها وهو يهمس
- مش ده اللي كنتي بتسعي ليه
تلجلجت وهي تمسد عنقها بتوتر وهي تري عيناه الذئبية لا تدع انشًا من جسدها دون ان يختم صكه عليها ، همست بتوتر وهي تري دنو وجهه منها
- انا مكنتش بسعي لحاجة
ابتسم ابتسامة جانبية وهو يعلم تلك المرأة لما تخطط ،مد أنامله ليلمس وجهها قائلاً بنعومة
- فرح انا اكتر شخص عارفك كويس ، وعارف تفكيرك ايه
ارتعد جسدها من اثر لمسته ، ازاحت يديه وهي تحاول الخروج من حصاره ، لكن حركة واحدة جعلت صدرها الذي يصعد ويهبط من فرط انفاسها المتأججة يلتصق بصدره الحجري
تابع هامسا في اذنها
- دخلتي سكة ملكيش فيها وانتي تعتبري لسة على ذمتي
تلك الغلافة الناعمة بها قسوة شديدة ، لاحظت نبرته العنيفة ، ارتفعت عيناها وهي تنظر اليه بصلابة قائلة
- انا مش علي ذمتك يا نضال ، انا وانت انتهينا
مال بوجهه يتنفس في جيدها ، انغرست اشواك من شعر وجهه في عنقها وهي تسمع يقول
- ومين اللي قالك اني هكون تحت رهنك
استمعت الي همهمته العنيفة ليمسك ذقنها وهو يقول
- البيت متقفل علينا انا وانتي ، ف ايه رايك نعيد ليلة دخلتنا
كل محاولة منها للبعد يزداد اقترابه الجحيمي ، ضاقت انفاسها وهي تشعر ان ذراعيه تكاد تحطم ضلوعها .. عيناه بهما وحشية بدائية ولا تعلم سبب لتغيره .. زفرت حانقة
- انت مجنون مستحيل اوافق علي الجنان ده
امسك خصلات شعرها البنية بقوة لتتألم من قبضته ، حاولت نزع أصابعه بيأس لتسمع سخريته الخشنة
- تهربك سببه ايه ؟ الحبيب اول ما عرف بطلاقك رجع يعيد وصاله
أجلت حلقها.. عماد الحبيب القديم كان يطلب وصالها حينما علم بطلاقها ، يشهد الله انها اخبرته ان قلبها متعلق بزوجها فقط ، زاد من خشونته وسحق جسدها وهو يتابع
- انتي عارفة ان اي حاجه تخصني او تلزمني عمري ما بفرط فيها ، بحط عيني عليها واعرف كل تحركاتها
همست اسمه بضعف
- نضال
سكن جسده وهو يترك شعرها ، اهتزت الدنيا من حولها لتتشبث بذراعيه وهي تريح راسها على كتفه ، انامله تداعب خصلات شعرها وهو يحملها متجها نحو فراشه ، ارقدها على الفراش قائلاً
- كان لازم تجربة الخوف ، لازم الخوف علشان تفوقي من طريق كنتي بتمشيه مش عارفة مخاطره
نهجه هذا يجننها ، عضت على شفتها السفلى بإرهاق ... قلة النوم واضطرابها عن الأكل جعلها المنهزمة الأولى في بداية المعركة ، أنامله كانت تجد طريقًا في كل شبر من جسدها ، حاولت أن تزجره .. منعه .. لكن جسدها تخشب ولسانها ألجم ... توسلته بعيناها لتركها وهو لم يلبي .. أصابعه انغرست بقوة وهو مرفقها وهو يقول
- وأول اسم نطقتيه مين ؟ ... انا
همست بارتجاف وهي تجد ثقلاً في لسانها
- بتستغل كل حاجه لصالحك
تمتم نضال ساخرًا
- اتعودت على كده
اغمضت فرح جفنيها بإرهاق
- انا مستحيل ارجع لجحيمك تاني
كاذبة ... هذا ما قاله نضال سرًا
اقترب منها وهو يهمس في اذنها
- انا رديت لعصمتي ، اللعب اللي لعبتيه عليا عايزة اقولك انك نجحتي فيه وبجدارة ، هنيئًا يا فرح الغانم
فتحت جفنيها ونظرت اليه بجحوظ ، حاولت ان تستعلم سبب تغيره .. بل سبب ذلك اللقب الذي نطقه أول مرة .
أمعقول ؟!!!!
*******
منذ تلك الليلة المؤرقة وهي تعاني من السهاد بسببه ، بذرة زرعها جعلها تفتح باب التساؤلات عن وقاص الغانم ، تري من هو وقاص ؟ .. ظلت تقطع طول حمام السباحة حتى انهكت ذراعيها .. توقفت وهي تستند علي جدار الحمام تلتقط انفاسًا ، تقر أنها غامرت بحياتها لكن هذا افضل بكثير من أن تظل مكتوفة الأيدي ، هي واثقة ان وقاص سيجلبه بطريقته الا نيرانها بن تنطفيء وهي تراه يعاني من ضرب الرجال ... كان عليه ان يتذوق ما شعرته يومًا ، طعم الإذلال والإهانة كان يجب أن يتذوقها .
رأته يخرج من شرفة مكتبه وهو يقترب نحوها تحديدًا ، ابتسمت بخبث وهي تسارع نفسها بالخروج .. صاحت بابتسامة ساحرة
- صباح الخير
ضيق عيناه وهو يرمق ثوب السباحة الأسود ، اجلي حلقه وهو يراها تقترب منه بإغواء مدروس ، قطرات المياه تنهمر على جسدها بحميمية ليندفع الدم في أوردته .. ابتسم وقال بصوت أجش وهو يسدل اهدابه يخفي تأثيرها الأنثوي عليه
- عجيب النشاط في الوقت ده
مالت تقبل شفتيه وهي تزرع نفسًا زرعًا بين اضلعه ، تُشكيه من هجره لغرفة نومهما ليتخذ المكتب مقر عمله ونومه ، ابتل قميصه وبنطاله وهي تهمس بخبث في اذنه
- الماية تجنن
امسك ذراعيها بقوه وهو ينتزعها عنه بجمود
- فريال
كانت تنظر اليه ببراءة خادعة ، عيونها البنية اللامعة تخفي داخلها مخطط شيطاني ، جال بعينيه علي صفحة وجهها .. شعرها القصير ملتصق وجهها .. شفتيها منفرجة كـ دعوة صريحة للإقتراب ، همس بحنق
- ايه خططك الجاية
هزت رأسها نافية وقالت
- معنديش اي خطة ، سلمت ايديا ليك وماشية مغمضة عيني
أقرت باعتراف
- اسفه لو حسيت اني انانية فيك انت ، غصب عني يا وقاص ده شيء مش بأيدي ابدا
علمت أن ما قالته لم يؤثر به ، ذلك الرجل صعب إرضاؤه .. هي تغويه ليلا ونهارًا منذ هجره الغير معلوم انتهائه لكن اعصابه الجامدة تستفزها ، زفرت بقلة حيلة وهي تهمس
- رهف عاملة ايه ؟
غمغم بجمود
- شهر وهتفك الجبس ، الدكتور طمني
عقدت جبينها وهي تلاحظ تملله في وقفته ، صاحت قائلة
- واسرار ؟ انا سمعت بدون ما اقصد مكالمتك لـ نضال النهاردة الصبح
حدجها بنظرة مميتة جعلها تسدل أهدابها بحرج وهي تهمس باسمه بنبرة ناعمة .. شديدة الإغراء
- وقاص
سحبها فجأة حتى اصبحت بين ذراعيه ، كادت ان تنطق إلا أنه انفجر في وجهها صارخًا
- قصدك ايه بكلامك
نظرت اليه بعدم فهم ، تود أن تستفسر وتستعلم عما يقصده ، صاح بحنق شديد
- خايفة على نفسك تكوني وقعتي بين ايدين لا ترحم
هزت رأسها نافية وهي تنظر الي العاصفة التي تسكن مقلتيها ، ترددت وهي تهمس
- وقاص ارجوك ... انت عارف سبب ارتباطنا منكرش اني منجذبة ليك بس اسمحلي اعرفك اكتر ، اشوفك من ناحية تانية .. اعرف وقاص غير الناس اللي تعرفه
اغمض وقاص جفنيه وهو يحاول ان لا يتأثر بتوسلها ، تلك المرأة كل يوم كانت تفقده صوابه وهي تتطلب وصاله منذ أن هجر فراشها ، عيناها وحدهما تدعوه للتجرد عن تعقله ... عبس وقاص وهو يفكر ، علاقتهما كانت صريحة للغاية قبل بداية زواجهما إذا ما الذي تغير ؟!
عشقهـا .. أجاب قلبه وهو لا يعلم كيف استحوذت تلك المرأة على قلبه لتلك الفترة القصيرة ، صاح ساخرًا
- وهتستفادي ايه ، داوي جروحك يا فريال
لمعت عيناها ببريق حازم لتعقد حاجبيها وهي تصيح بنبرة متسلطة
- اسمع .. ايوا ومتبرقش عنيك ، انا وانت واحد ، قولتلك كل اسراري واسوء ليالي مريت بيها دورك انك تقولي
وضع وقاص كفيه في جيب بنطاله وقال
- عايزة تعرفي ايه
اقتربت تلمس وجهه .. حان وقتها تلك المرة لمداواة جروحه ، همست بتثاقل
- فيه حاجة مخبيها عن الكل
تمنت أن يقول لا ... تمنت بشدة إلا أنه حطمها وهو يرد ببرود
- فيه
همت بالاستفسار .. وداخلها يلتوي ...الاسرار سميت اسرار لأن الانسان لا يستطيع أن يقولها لمن هم أقرب منه، اسرارها كنتها داخلها حتى ما عادت تتحمل ووجدته اول ملبي للسماع ... استمعت الي صوته البارد
- ورايا شغل ... هغير لبسى اللى اتبل
عضت على شفتها بحنق وهي تدب على الأرض بقدميها قبل ان تسحب منشفة تجفف بها جسدها ، انه يعاقبها بطريقته الجافئة تلك .. تقسم أن هذا كثيرًا حتمًا .. كثيرًا عليها وقاسي في عقابه.
********
استقامت شيراز من مقعدها ما إن رأت سراج اقتحم البيت بثورته الغاضبة ، يكاد يلقي حممه البركانية في وجهها ، ابتسمت بسخرية وهي تعلم ان غضبه بسبب هرب زوجته والله وحده يعلم اين هي ومع من تجلس الآن .. صاحت بسخرية
- اهلا بابني
رفع سراج صورة امام وجهها وهو ينفجر صائحًا
- ايه ده
تجمدت شيراز وهي ترى تلك الصور الخاصة بـ اسرار ، تلك الصور كانت الفيصل لحياة ابنها وتعرضه لنوبة قلبية ، لكنها تخلصت من تلك الصور .. تقسم انها فعلت ، صاحت بإرتباك
- جبت الصور دي من فين
شحب وجه سراج ، لهذا تركته .. لأنه سيكون بين نارين لا يستطيع الاختيار بينهما ؟! ، اراحته منذ عذابه ورحلت وظل هو لايام يحاول ان يقتفي اثرها ولكن تنتهي محاولاته بالفشل ، أتاه بريد صباحي من مرسل مجهول ، ما إن وقع بصره علي الصور حتى غلت دماءه وهو يذهب الي والدته ، والدته التي فاجئته إقرارها على ما فعلته ..
صاح بنبرة مصدومة
- للدرجة دي شيفاها نكرة لا شيء عندك
عبس وجه شيراز لتقول
- سراج قفل على الموضوع ده
مرر سراج يده على خصلات شعره ، صاح بذهول
- مش مصدق .. بجد مش مصدق معترفة و معندكيش اي ندم للي عملتيه
ابتسمت شيراز ببرود
- وأندم ليه .. مجرد بنت لا تسوي
انفجر في وجهها قائلاً بعنف
- امييييي
اجفلت الأم وهي تنظر إلى ابنها الذي حولته تلك الساحرة تحت طوع بنانها ، اقترب سراج من شيراز وقال بحدة
- كفاية .. كفاية بقى ، تقدري تقوليلي ايه الفرق بقي بينك وبين واحدة من الشارع زي ما بتوصفي الناس دي ، شايفة الناس دي عالة على المجتمع ومفكرتيش حتى تساعديهم ، والجمعيات الخيرية مجرد واجهة للطبقة القذرة دي ؟!
نظرت اليه بوجوم .. داخلها جامد لا يتأثر مقدار ذرة ، لم تراعي تشتت سراج الذي هتف
- خلتيني ابقي متكتف بطريقة عمري ما اتخيل اني احطها ، من جهة انتي امي ومن جهة خليتي عرضي وشرفي في ايد اي نجس
قاطعته بجفاء
- الصور كانت في ايدين ضياء مرحتش حتة تانية
تراقص الجنون في مقلتيه ، تمتم بقوة
- اسرار لحد ما ارجعها مش هيكون ليكي اي تواصل معانا اطلاقا ، الشركة هحط فلوس حلمي اللي سعيت ليها من لما سافرت واحاول ابدا فيه من اول وجديد بجانب حلمي ، علاقتي معاكي مجرد شغل وتجارة وبس
مرحي بابنه الغانم ، لقد قطع ابنها علاقته بها بسببها ، تبدلت سحنة شيراز لتصرخ هادرة في وجهه
- سراج انت اتجننت انا امك
همس سراج بأسف شديد وهو يتمنى الوصول لأسرار قبل فوات الأوان ... يتمنى ذلك قبل أن يصبح مجنونًا بسببها
- للاسف مش انتي واتمني انك ترجعي قبل مايفوت الاوان
*******
كان يتحدث مع المرأة التي من المفترض أن يخطبها ، جميلة .. فاتنة .. ذكية وعاطفية ايضًا ، يدرس ملامحها وعيناها التي تخفي بهما سرًا وهي دائمًا تتحاشى النظر لعينيه ، تلك المرأة غريبة يعترف بذلك ، تبدو وكانها تخفي سرًا كما يخفي هو وقد اضمره في قلبه .
جاءت رسالة على هاتفه فتحها وهو يقرأها بعبوس شديد عندما علم المرسل ما هي سوى ... ماريـة
- ماهر انا في مصر قررت هنتحر ، من بلكونة بيتى
انتفض من مقعده وصاح صارخًا
- بنت المجنونة
انتفضت وجد المدعوة بخطيبته لتهمس بارتباك
- فيه حاجه يا ماهر ؟
سب مارية التي فاجأته بوجودها ...بل عودتها لمصر ، تمتم بارتباك شديد وهو يغمغم باعتذار
- لازم اعمل حاجه بسرعة .. بعتذر بجد
لم يستمع الي ما قالته وجد ، بل انطلق يلحق بتلك المجنونة قبل أن تفعل شيئًا لا يحمد عقابه ..
وصل الى بيتها وهو يحمد ربه انه وصل بإعجوبه ، دس المفتاح في عقب الباب وهو يدخل الشقة ، مفتاح الشقة من ضمن الأشياء التي ما زال يحتفظ بها حتى الآن ولا يعلم متى سيتخلص منها ، بحث عنها في كل غرفة بيأس ... توجه نحو الشرفة ليجفل جسده وهو يلاحظها تجلس على السور الحديدي ، تلعب بساقيها في الهواء ... غمغم بصراخ
-بتعملي ايه يا مجنونة
التفتت اليه وقد اشتاقت لملامحه السمراء الحبيبة ، همست بنعومة شديدة
- هنتحر
ما بها مارية
عيناها تغيرت
تنظر إليه وكأنها ...!!!
هز رأسه نافيًا كفاه اوهامًا ، اقترب منها وهو يقول بصوت أجش
- اعقلي وبلاش جنان ... تعالي
همست بعذاب شديد
- ليه اخترت واحدة غيري
غمغم بحدة وهو يرى يد افلتها لتعدل من خصلات شعرها الثائرة بفعل الهواء
- مارية انزلي
نفت برأسها وهي تسترسل بنبرة معذبة
- اخترت واحدة غيري ليه وانت ليا
وضع ماهر كفيه في جيب بنطاله ،محافظًا علي مسافة آمان بينهما ، هذا افضل له ولها .. لا يضمن نفسه ماذا سيفعل ان اصبحت في قبضة يده
جال بعينيه رغمًا عنه متفحصًا شحوب وجهها ... شفتيها الباهتة ، الا تلك اللمعة في عيناها كـ لمعة عينا ذئب حصل على طريدته ، سخر من التشبيه وهو يقول
- مارية نتناقش لما تنزلي
نفت مرة أخرى وهي تصيح بلا مبالاة وهي تنظر الي اسفلها بوجوم
- طالما انت مش عايزنى ... جيت هنا ليه
صرخ ماهر في وجهها وهو يمنع نفسه من دك عنقها
- انزلي
الهواء عنيف تلك المرة ، اختل توازنها وهي كانت علي وشك السقوط الا ان ذراع حامية احتضنت خصرها بقوة وسحبتها الي صدر عضلي ، همست بألم من قوة ارتطامها بجسده
- اااه
حافظ ماهر بصعوبة علي توازن كلاهما ، وهو لا يكاد يصدق انه تحرك مسرعًا لإنقاذها بدلا من سقوطها من الطابق الثامن ، اقترب منها يسألها باهتمام
- كويسة ؟
هزت رأسها وهي تنظر الي عيناه ، تشبع عيناها من القلق ألتمع في عينيه، لتهبط عيناها سريعًا الي صدره الذي يعلو ويهبط بسرعة مجنونة ، همست بعذاب
- هي حلوة ؟
افلت ماهر يداه وهو يفيق من تلك الغيمة ، استقام واقفًا وهو يهمس بحدة
- مارية
إلا أن مارية لم تتركه ، امسكت ذراعه وقالت بجنون
- اخترتها شقراء زي ؟ عيونها زي ؟
انفجر في وجهها قائلاً
- بطلي جنان
ما زالت تفكر بأنانية ، تريده فقط حاجه للتملك ... كبريائها مجروحة لانه اختار امراة بدلا عنها ، استمع الي نبرتها المختنقة
- انا رجعت علشان ارجع حياتي من اول وجديد وامشي اول خطوة بدون مساعدة حد ... كل ده وفى الاخر اكتشف انك بعتني
تألقت عيناه بشرر جنوني ، انفجر في وجهها بعنف
- مارية بطلي انانية ... من اول مرة شوفتك وانتي لابسة شعار الشركة وتريقتي علي كلامك اللي كان معظمه انجليش لان انا اعجبت بيكي من اول ، اخدت طريق الصداقة في امل الحب
تيبس جسدها وهي تنظر إليه عيناه .. هو يتألم بشدة ، اقتربت منه تلمس ذراعه
- ماهر
ابتعد عنها وهو يسترسل بجمود
- فترة بعدت وجيت لقيتك مبهورة بواحد .. غصب عني بعدت عنك و مهتمتش بمين هوا ، بس لما لقيتك منهارة وسافرتي لأمريكا ... غصب عني جيتلك عشان اساعدك
وضعت كفيها على وجهه ، اغرورقت عيناها هامسة
- سيبت مستقبلك ليه يا ماهر .. صعب انك تضحي بحاجة بعد عافرت ووصلتلها
ابتسامة شاحبة زينت ثغره وهو يقول
- ما انا عافرت وموصلتش
سكاكين انغرست في قلبها ، اختنقت أنفاسها وهي تقترب منه ، تندس بجسدها بين ذراعيه ... هسمت بعذاب
- ماهر انا ندمانة ... والله ندمانة بجد ، الموضوع محتاج شوية وقت مني اقدر اعرف مين انا .. اعرف ارتب اولوياتي وانت من اول اولوياتي يا ماهر
رفع ماهر عيناه الى عيناها النادمة ،رغم عنع لمس شعرها الأشقر .. شعرها هو أول ما لفت اليه .. كان ثائرا ومفعمًا بالطاقة ، تذكر خطيبته ليزيح جسدها عنه قائلاً
- كلام جميل .. اشكرك علي مشاعرك دي
همست بذهول
- ماهر
غمغم ماهر بصلابة
- عايزاني اصدقك ؟ ... قوليلي لما كل شوية الاقيكي مبهورة بالزفت التاني ده عايزني اصدقك وانتي من يوم وليلة اكتشفتي اني مهم عندك
عضت مارية علي شفتها السفلي ، هو مجروح منها ... مجروح وهي ستحاول ان تطيب جرحه ، تمتمت بصدق
- كنت حطاك في خانة انا معرفش ايه مسماها ، حاولت احطك في خانة الصداقة لكن اللي عملته معايا عمره ما يكون صداقة ابدا .. واجهت مشاعري وملقتش غيره خانة الحبيب هي اللي تليق بيك
كاد أن يجيب الا ان رنين هاتفه تصاعد لتغلق مارية عيناها ما ان استمعت الي اسم خطيبته ، شيء كالعلقم تبلعه بصعوبة لتراه يغلق الهاتف .. نظرة عيناه غامضة بعض الشيء
تمتم بأسف
- مضطر امشي واضح ان فيه مشكلة
صاحت تقاطعه
- مش مصدقني
لم يجيب ... اغتاظت منه ، لتنفجر صائحة بحدة
- لو كملت موضوع خطوبتك ده هعملك فضيحة
لم يتأثر بما قالته ولم يلتفت اليها ،زمت شفتيها بحنق وهي تعقد العزم على دمار تلك الخطبة الفاشلة .
******
كان يسب ويزفر بحنق وهو يستند بذراعيه على حائط الحمام ناكسًا برأسه للأسفل ، المياه تنهمر من رأسه وهو يتذكر تلك الباردة .. الوقحة بعثت له رسالة بعد اسبوع واحد فقط من غيابها .
" تمنيت طفلاً .. اعطيه كل ما يريده ، اعطيه قلبي و ابذل كل جهدي كي لا يشعر بالنقص والعجز ، كنت قادرة علي ان اكون والدته .. شقيقته .. جدته .. ثم أصبح ابنته حينما يصبح شابًا يافعًا ، يعوضني الكثير ما لم اشعر به .. حنانًا لم اتذوقه من أقرب المقربين لي ، لكن كل ذلك ذهب في مهب الرياح .. لم اصدق انانية الجميع وانا اتكفل بتلبية رغباتهم ، وكأن ما طلبته كثير جدًا "
سبها بقوة ، تلك الجاحدة عرض عليها الأطفال ، رفضت وتناولت تلك الحبوب اللعينة ، تهدجت انفاسه وهو يغمغم بقسوة
- بكل بجاحة تسيبني وتمشي
تلك الباردة .. الجاحدة .. ناكرة الجميل ، تغضن جبينه وهو يهمس بنبرة متثاقلة
- ترجعي بس
يعلم فقط مكانها وسـ يعيد تربيتها تلك من اول وجديد ، لن يمرر هروبها من فراشه بل ولن يمرر تلك الليلة التي ظن انها بداية جديدة لكلاهما ، تعترف بحبها له منذ أيام مراهقتها .. وهي تلومه .. بالله كيف تلومه وهو لم يراها سوى منذ أن عقد خطبتها على أخيها .. تلك العينان الباردة كيف لم يراهمًا قبلاً .. كيف لم يشعر بوجودها وهي كانت تلاحقه في كل مكان ؟! عاد محدثًا نفسه
هو كان مهتمًا فقط بمظاهر النساء ومفاتنهن .. ليجدهن بالاخير أنهن فارغات العقل .. محدودات الفكر ..متذمرات بطريقة مقززة .
التمعت عيناه بتصميم ، اسرار ستعود الي بيته .. ستملأ ذلك الفراغ الذي لا يستغيثه ، سيعلمها أبجديات مختلفة للحياة .. سيصبح لها ما تتمني لكنها لن تنفلت ابدًامن عقابه .
*******
حان وقت المواجهة
النزال الأخير لكلاهما
ابتسم نضال وهو يدخل لغرفة مكتبه ، قائلا. بسخرية
- باشا مصر ، الصراحة كنت متوقع تقعد مع المدام شويتين
عاجله وقاص بلكمه في وجهه ، لكمة أخرى سددها في بطنه ، ليمسك نضال ذراعه وهو يجد ذراع وقاص تسدد لكمة في جانب وجهه الآخر... صاح وقاص بنبرة مميتة
- واضح اني غلطت لما فكرت اديك فرصة
ابتسم نضال وقال
- كتر خيرك يا باشا ، انا مش محتاجها
امسكه وقاص من تلابيبه وهو يكاد يجن ، ذلك الاحمق يتركه ينفس عن غضبه ... سدد لكمة قوية وهو يهدر في وجهه
- اسرار فين ؟ .. انت الوحيد اللي عارف بتفكر ازاي
عقد نضال جبينه بحنق ، بالكاد يحافظ علي بروده كي لا تنقلب تلك الغرفة الي مصارعة حرة ، حك ذقنه وهو يتألم من قبضة أخيه الخشنة ليسمعه يقول بحنق
- تقدر تقولي ايه علاقتك بعزيز
اذا هو يشعر بجرح عميق كما يشعر هو ، ذلك الجرح الذي ما زال لم يندمل بعد
النسيان واللامبالاة .. التقليل من شأنه .. جرح كبريائه وإهانة كرامته ، كل ذلك عانه ولم يلتفت إلى أحد
ابتسم وهو يقول بلا مبالاة
- طرقنا مختلفة يا وقاص باشا لكن سبيلنا واحد ، زي ما انت عايز تنتقم من ماجد لانه السبب في إدمان رهف انا بنتقم من اللي اكبر منه
عقد وقاص جبينه وهو يدفعه بإزدراء ، غمغم بتهكم
- عايز توصل لزعيم المافيا بطريقك ده
يا ليته يستطيع ، ياليته حتي يسحق من يدمر عقول الشباب ، عقد جبينه وهو يفكر لما في مراهقته الطائشة لم ينجذب الي ذلك الطريق رغم العروض الوفيرة التي تلقاها ، ليبتسم بجذل وهو يتذكر ما إن جرب لفافة تبغ من صديق سوء لتكشفه أسرار .. وقد قررت مخاصمته لمدة أسبوع حتى اخبرها عن توقفه .. لكن ايام الجامعة عاد اليها ، رغم عنه كان يحتاج لشيء كي ينفس بها عن غضبه .. لم يحظي على رفاهية كأخيه كي يذهب الى نادي رياضي ، لذلك اختار العمل في ورشة كي يسدد مصاريف جامعته .
زفر بحرارة وهو يشعر بالفخر كلما تذكر ماضيه .. فخر لانه الان اصبح واحدًا منهم ، صاحب رأس مال وعمل ، غمغم بمشاكسة
- الصراحة اطلاقا ، لكن بما اكتشفت ان فيه علاقة تجمعه بالمدام قولت اشوف
امسكه وقاص من تلابيب قميصه ، ينظر إليه بجنون قائلاً
- وبأي حق
ضيق نضال عيناه وأجاب
- صلة اخوة مش معترف بيها مثلا
صمت وقاص وارتخت قبضة يده ، يحاول التعرف عليه ... يحاول التعرف على تفكير ذلك المجنون ، صاح بغلظة
- انت مصنوع من ايه
ابتسم نضال وهو يقول بمرارة
- من صنع ايديكم ... لما تسيب زرعة من غير سقاية ولا اهتمام تتوقع انها هتطلع ايه في الاخر
ضغط وقاص بكف يده حول عنق نضال الذي ينظر إليه بلا مبالاة ، تمتم وقاص بشراسة وعيناه بهما جنونًا آخر
- ابعد عن حياتي يا نضال ... شيل كل جواسيك من الشركة انا عارف انك جبت رجل أحمد من جواسيسك
ابتسم نضال فأجاب ببساطة
- ما انت زارع جواسيس في شركتي ومن اقرب الموظفين ليا ومقولتش لا
ابعد يده عن عنقه وهو يقول ببساطة
- كنت مراقب من بعيد لكل واحد فيكم ، صعب اغير العادة دي
استرسل في الحديث وهو يضع يديه في جيب بنطاله
- بالنسبة لطريقتي في العلاج صدقني هي اصعب طريقة لكن نتيجتها فعالة
أي ما يفعله .. فـ نضال يؤذي من حوله ، صاح بلهجة صارمة
- محرم عليك تكون هنا .. للاسف مقدرش اعدي اللي عملته في مراتي
هز نضال رأسه بلا مبالاة ليعقد جبينه وهو يقول بنبرة شرسة
- وماله .. لكن رهف برا حساباتنا
دار على عقبيه للمغادرة لكن استوقفه وجود زوجته التي تتابع الحديث بقلق ، ابتسم نضال قائلا بسخرية
- مرحبًا يا مدام ، ابقي خلي الباشا يقولك علي ايام شقاوته وخصوصا صابرين
غادر وفريال تنظر إلى نضال بسيره المتعجرف مغادرًا المنزل ، التفت الي وقاص لتجده يتقدم نحوها وعيناه بهما شررًا ناريًا
شهقت بفزع ما أن أمسك ذراعيها بغلظة .. يغرس أنامله في لحم ذراعها اللينة .. تألمت وهي تهمس بضعف
- وقاص
انفجر في وجهها صارخًا
- ايه اللي منزلك هنا
بهت وجهها وهي تنظر الى عيناه ، رغمًا عنها لكن في جوفها شعلة نار من إسم انثى جعلت عينا وقاص تشتعل كالجحيم ، تلعثمت وهي تقول
- صوتك كان عالي يا وقاص ف اتخضيت وجيت
ضيق عيناه بجنون وهو ينظر الي مئزرها الأسود الداكن الذي يصل حتى كاحليها، تلك الوقحة .. كيف هبطت إلى هنا .. بل كيف وقفت امام اخيه .. كان يقسم في داخله أن رفع نضال عيناه الوقحة نحوها سيقلع عيناه من محجريهما ، نظر إلى جيدها الغض لـ يزدرد ريقه بتوتر ويرتفع غضبه وهو يتذكر انها هبطت إلى هنا بذلك المئزر الداكن ، استمع الي نبرة فريال
- مين صابرين ؟
لم يرد .. تأججت النيران في داخلها وهي تمسك وجهه تنظر الي عيناه لتنفجر في وجهه صائحة
- وقاص قولي مين صابرين
ابتسم وقاص
تريد الصغيرة نبش ما يخفيه
أجاب ببرود
- مراتي
يتبع...
في قبضة الإمبراطور
الفصل الحادي والعشرون
..............................
هذه الحياة
مؤلمة لدرجة الوجع في دروسها
ما ان تظن انك تعلمت كل دروسها
تصفعك صفعة أشد ... وكأنها تخبرك بتهكم
لا تتعجل ... فـ مازلت احمل عصا التأديب كلما رأيتك تسيء التصرف.
تجعلك تتأرجح مع تقلباتها
لا تستقر اطلاقا في جهة معينة ومحددة الاتجاه لطريقها
فـ تارة تأخذك إلى العواصف وتارة أخرى إلى نسائم الربيع.
بهتت معالم فريال وهي تنظر إلى وقاص ... لم تتوقع أن يقولها اطلاقا
تظن تلك المدعوة بصابرين مجرد حبيبة قديمة ، علاقة حب فاشلة
لكن زوجة ؟!!
بالله كيف فعلها بها ... عادت تؤنب عقلها الذي اقمحها لتلك الكارثة
هي لم تبحث عنه جيدا ... لم تبحث اطلاقا .. خانها عقلها تلك المرة
تمتمت بصوت خفيض
- مراتك !!!
اومأ وقاص وهو يدخل يديه في جيب بنطاله ... انقلبت معالم وجه فريال الشاحبة ليندفع الدم في أوردتها
دماء ثائرة .. صاخبة ... متأججه ، امسكته من من تلابيب قميصه وهي تهدر في وجهه بحدة
- يعني ايه مراتك
أزاح يديها وهو يدير بوجهه عنها ... اغلق جفنيه بألم وانامله تخونه في فقدان سيطرته .. كلما يتذكرها ... سكاكين تدك بقوة في رجولته وكبريائه
سكاكين بها طعم الغدر .. ومذاق الخيانة ، وهو الضحية
الضحية الساقطة في تلك اللعبة ، غمغم بصوت أجش
- زي ما سمعتي
تقهقرت جيوشها الضارية ... وهي تطلع إلى ظهره العريض ، عضت شفتيها وهي ترى يديها تخونها في محاولة الفتك بها .. لا تستطيع ان تتقدم خطوة واحدة امامه
ربااااه ، نظرت الى قدميها المتخشبة لترفع عيناها الي ظهره
الى أي مرحلة وصلت إليها .. هو قريب منها مسافة لا تزيد متر ، لكن هناك مسافات روحية تقاس بالأميال
همست اسمه بنجدة وهي تبلع مرارة كالحنظل
- وقاص
غمغم وقاص بصوت أجش وهو يصنع جدارا عازلا عنها
- روحي نامي الوقت اتأخر
........
تقلبت مرار علي الفراش وهي تشعر بلسعات حارقة على جسدها ، جسدها معتاد أن يكون بين ذراعيه الحانية ... وتلك صابرين لا تعلم أين محلها من الإعراب ؟!!
نزعت الغطاء عنها وهي تهبط بقدميها على الارضية الباردة ... يجب ان تتحدث معه
يجب أن تنزع ذلك الحريق في جوفها ... هبطت السلالم وهي تتجه نحو غرفة مكتبه .
فتحت غرفة مكتبه وهي تري الاضاءة الخافتة قرب الاريكة التي يتخذها فراشا ، ابتسامة شاحبة لاحت على ثغرها وهي تراه ممددا بجسده على الاريكة التي بالكاد تبتلع جسده .. اغلقت الباب خلفها وهي تقترب منه ... انحنت بجذعها وهي تلمس ذراعه لتشعر بتشنج جسده تحت وطء لمستها ..
ابتسمت بسخرية هو الآخر ما زال مستيقظ وداخلها يغلي كالمرجل ... لا تعلم متى اندلعت النيران في جسدها لتجعلها تقلب غرفة نومهما رأسا على عقب بحثا عن اي دليل للمدعوة بصابرين ، لكنها لم تجد .
همست بصوت مختنق
- حاسه بخنقة بجد مش قادرة تعبت .. كفايه هجرك ليا
سمعت الي زفرة حارقة من وقاص وهو يضع ذراعيه خلف رأسه ، القت فريال بجسدها عليه وهي تدس وجهها في عنقه هامسه بصدق
- انت اماني يا وقاص
ابتسامة مذبوحة مرتسمة على شفتيه .. بالله كيف تقول هي امانه ولم تثق به ، هو لم يقدر اطلاقا على حماية اي فرد قريب منه ... تلاهي عمن يهمونه واختار البحث عن نفسه ليتفاجيء بصفعة لم يحسب لها حساب... شعر بشيء بلل قميصه ليعقد جبينه وهو يشعر بصوت فريال المذبوح
- هي فين
لما هي الأخرى مصرة على تعذبيه ... بالكاد تنساي اول درس أخذه من الحياة ، غمغم باختناق
- برا مصر
انتفض جسد فريال بين رحابة جسده ، لم تعهده هكذا جافيء لتلك الدرجة حتى يحرمها من ذراعيه ... عناقه ، كلامه أصبح مثل الإبر التي تنغرس في لحم جسدها
وضعت يديها علي منكبيه وهي ترفع وجهها لتنظر الي عيناه ... تشكيه من قسوته
تلك القسوة التي صنعتها بيديها ، تمتمت بحرقة
- وسايبها ليه برا .. هي مراتك
بنور الاضاءة الخافت وهي تنظر الي عمق عيناه وشعرها القصير الثائر تبدو مبهرة
مهلكة في جميع حالتها
أغمض جفنيه وهو يهدأ خفقان قلبه الذي ينتفض بولع
أتبكين تلك المرة يا فريال علي كبريائك ام من اجلي انا ؟
سؤال لا يعلم إجابته ولن يعلمه حاليا ... مشاعر المرأة لا تأخذ بعد تأني
تأني مهلك لعقل الرجال ... مهلك لدرجة تجعلهم يزهقون ارواح معذبتهم .
تمتم بصوت جامد
- كانت مراتي
توقفت يدها عن الحركة وهي تنظر اليه ببهوت ... غمغمت بتساؤل
- طب وايه السبب
فتح جفنيه ليطالع ذلك الشعر الثائر ... ذلك القميص ذو الحمالات الرفيعة جدا لتسقط عن كتفيها ، اغمض جفنيه وهو يكتم تأوه .. تلك المرأة لا زالت تعلم تأثيرها عليه حد الان
اجاب سؤالها الفضولي قائلا
- قبل ما اسافر برا كنت على علاقة معاها ، هي كانت نصها الماني ونصها مصري ، كانت شعلة نشاط وده كان جاذبني ليها
اتسعت عيناها بجحوظ ... لم تتوقعه ان يكون من تلك الفئة من الرجال ، تعلم أن رجالا تنتهي عربدتهم بعد الزواج لكن وقاص !!
أجلت حلقها وهي تهمس واستحال وجهها للشحوب
- حصل بينكم حاجه
ابتسم وقاص بسخرية .. حتي هي ظنته ملاك هو الاخر ... صاح بصراحة شديدة
- حصل
شهقت فريال بصوت مكتوم وهي تسمعه يتابع
- وبعدها سافرت ، كان الامر ده جديد عليا ، فقررت اسافر واروح اطلبها وخصوصا انها
قاطعته بابتسامة ساخرة
- كانت بنت
أومأ موافقا وهو يعلن ضميره الذي أودى بحياته ، يعترف انه كان مذعورا بما فعله وهو يرى أنه أصبح نسخة مصغرة من نضال ...كان يصف نفسه بالناسك زاهدا عن إغراءات الحياة حتى أسقطته هي في شركها ، نصبت شباكها عليه وهو كان ما زال صغيرا شابا يرحب بالحياة التي اتسعت نطاقها لينطلق بحرية ... وعنفوان شباب
- بالضبط
غمغم بنبرة ساخرة مريرة
- شهر مر وانا بجهز اوراقي وسافرت وبجانب الشغل روحت لقيتها بتقولي انها حامل مني بسبب الليلة فـ اتجوزتها ، ضميري مطاوعنيش اني اسيبها رغم ان هي ببساطة ممكن تسقطه ... معرفش ايه اللي خلاني موافق يكون عندي طفل وانا لسه في بداية حياتي ...غيري كان عمل العكس مش كدا
صامته وهي تسمعه يتحدث عنها ... صامتة وداخلها يود احراق الاخضر واليابس ، لا تعلم أن مازال هناك رجالا مثله موجودين في تلك الحياة ... يخطئ فيصلح ما فعله ، انتبهت إليه وهو يقول بجمود
- قضينا شهورنا عادي جدا بدون اي مشاكل لحد لما لقيتها في يوم بتقولي ان اللي في بطنها مش ابني
نظر إلى تعابير وجهها المتبلدة ... نفس التعابير التي تلقاها حينما شعرت استيقظ ضميرها ، تخبره ان عذريتها مزيفة ، وشجار بينها وبين حبيبها جعلتها تجره إلي فراشها
- كنت هخنقها واموتها بايدي وانا شايفها بتقول ان اللي حصل في مصر بسبب انها تقول لحبيبها اللي ف المانيا انها عرفت تنام مع راجل غيره
غمر الحزن محياها وهي تلمس وجهه بنعومة ... مالت تقبل ارنبة انفه قائلة
- طلع ابنه ؟
اغمض جفنيه وهو يشعر بجسدها الغض ينغرس بين اضلعه ، هو كان يحاول أن يصلح مشكلته وتعامل معها بصراحة ولم يختار اللامبالاة بعكس غيره ، حاول ان يتصرف كما يتصرف رجال في التعرض لتلك المواقف ... لكن ان يكتشف انه سقط في فخ امرأة فاجرة تعلن بصراحة انها كانت تقيم علاقة مع حبيبها وشجار غبي كان هو كبش الفداء ... كان أن يقتلها
يقسم أنها كانت ستسقط ميته من قبضته .... لولا تدخل بعض الجيران لإنهاء ذلك الشجار وحينما عرض احدهما الاتصال بالشرطة هي من رفضت ... حاولت أن تحل المسائل بودية .. لكن لم يشفي غليله سوى أن يمرغها هي وعشيقها في الوحل .
قدر أن يفعلها حينما اختار طريق المال ... ركز على طريق العمل وسعى جاهدا للصعود في طريق النجاح والتفوق والسعي خلف عشيقها السكير ... اغرقه بالديون حتى جعله يراهن علي بيته ... وبالنهاية جعلهما يتشردان في الشوارع بحثا عن العمل لسد الرمق.
غمغم بسخرية
- ابنه .. كنت راجل مغفل .. رجولتي اتهانت وانا كنت عايز في ذنب ان اللي حصل مجرد ذنبي انا
وهي عادت فتح جرحه الذي لم يندمل بعد ... كأنها وضعت الملح علي ذلك الجرح ، غمغمت بصوت حاني
- وقاص
تقابلت أعينهما وهي تقرأ ما بداخله
تعلم ما يشعر به ... كيف هي لم تحسب مشاعره لتلك الدرجة
ربما لأنها في حمايته ... تعلم ان حدث لها شيئا فهناك من يبحث عنها ؟!
ليست انانية لتلك الدرجة .. لكنها أنانية في الأخذ بثأرها والله أعلم ما الذي يفعله وقاص معهما
استمعت الي صوته الجامد
- ولما طلقتها وفوقت لنفسي و شغلي .. مكنش عندي سبب للسعي غير اني احقق حلم رهف
احتضنت وجهه بيديها لتميل تقبل جبهته ، هو لا يستحق ابدا ما فعلته
لا يستحق رجلا مثله ما فعلته
أن تطعن في رجولته كما فعلت الاخرى وان اختلفت الاسباب
اغرورقت عيناها بدموع الندم لتهمس
- وقاص
ما ان يصلح مشكله حتي تأتي مشكلة أخرى
صدق من قال ان المصائب لا تأتي فرادا
بالكاد تنفس راحة ما ان استجابت رهف للاشخاص من حولها ليأتيه اختفاء اسرار وانزوائها عن الجميع ، غمغم باختناق
- لكن مكالمة واحدة باللى حصل لرهف رجعت تاني ... كل اللي بنيته اتهد
تمتمت فريال بأسف صادق وهي تدفن وجهها في عنقه
- انا اسفة
ظلت تهذي بها حتى سقطت الي سلطان النوم ، أجلي وقاص حلقه وهو يمد يده ليداعب خصلات شعرها
عليه أن يصلح ويرمم ما فعلته عائلته
والده ووالدته اللذان لم يباليا باختفاء أسرار .. لا يعلم كيف ينشغلا عن فرد هام في تلك العائلة المفككة .. عليه هو أن يبدأ في لم شمل العائلة
فاليد الواحدة ليست القادرة على الإصلاح .
******
زفر ماهر وهو يري رسالة ساذجة بها تهديد من الشقراء
لا يعلم ما الذي أيقظها لتحارب بضراوة لتحارب ما تملكه
المغفلة تحارب لاستعادة قلبه ولا تعلم أنه تركه لها
اغمض جفنيه وهو يتذكر خطيبته وجد التي تعرضت للكسر في قدمها ..سرح بعقله للاحداث القديمة .
كانت جيهان تستفزه بشدة وهي لم تدعهما ثانية دون أن تعلق بامتعاض
- يا استاذ البنت رجليها اتكسرت مفيش مشكلة ... اهي زي الفل
لكزتها شادية بقوة على ذراعها لتهمس بتهديد
- جيهان
كشرت معالم جيهان للضيق لتنظر جيهان نحو وجد التي تبتسم بلطف لتصيح بمرح
- ايه يا وجد يا حبيبتي مش انتي كويسة
اومأت وجد وهي تهز رأسها قائلة
- كويسه الحمدلله
صاحت ببرود
- شوفت اهي البنت بتقولك انها كويسة يا ماهر .. اهدي بقي ملهاش لازمة زيارات كتير
زفر ماهر بحرارة وهو يجيب بحنق
- عايزة تتولعي بجاز
انفجرت جيهان ضاحكة بمرح صاخب وهي تعبث بخصلاتها التي مالت للون الفضي مسببا الرعب للكثير من الممرضين ، اهتزاز هاتف ماهر جعلت ملامحه تعبس وهو يقرأ رسالته ليستأذن مغادرا وجيهان تنظر اليه بتركيز شديد ... ما ان اغلق الباب حتى فتح مرة أخرى لتقابل عيون زرقاء باردة حاملا باقة جميلة لابنة عمه ، سمعته يقول
- جميلة العيلة ... الف سلامة عليكي ، اول ما عرفت حجزت اول طيارة على مصر وجيتلك فورا
ابتسمت وجد بلطف وهي تبتسم بلطف ما ان قبل جبهتها ، همست بنعومة
- تسلم يا وسيم
ناغشها بمشاكسة وهو يتعمد تجاهلها .. عبثت في خصلات شعرها وهي تسمعه يتحدث عن ابن عمه الآخر
- اومال فين الوحش الكاسر
شحب وجه وجد وهي تنظر الى عينا وسيم المتسلية .. غمغمت بجمود
- تقريبا في شغله
جلس على طرف الفراش وهو يربت على يديها بقوة .. همس بتساؤل
- وقعتي ازاي
تمتمت بنبرة باردة
- اتزحلقت
عقدت جيهان جبينها ... تكذب .. كاذبة فاشلة ، لا تعلم لما السبب في الوحش الكاسر كما قال وسيم ، نظرت الى يديه التي تضم يدي وجد بحنان ... الوغد يحمل مشاعر انسانية توقعت انه نسي تلك المشاعر من كثرة عربدته في الخارج ، شعرت بالاختناق وما ان همت بالمغادرة حتى جمدها صوته الساحر
- اهووو بنات السويسري هنا
كزت على أسنانها وهي تهمس لشادية بصوت خفيض
- انا بقول نروح نقتله
زفرت بعنف وهي تحط عينها على عيناه الباردة
تتأمل ملامحه الغربية التي أسقطت النساء
جارها الوسيم العابث سيصبح نسيبها
سخرت بقوة وهي كلما اتخذت خطوة للابتعاد تجد أنها اقتربت أكثر منه
صاحت بجمود
- يارب يكون شهر العسل يجنن هناك
شاكسها وهو يغمز بشقاوة
- البنات هناك مفهمش حاجة ناقصة
رفعت حاجبها بسخرية ... أجابت بوقاحة ساخرة
- اها اكيد يملوا الفراغ اللي بين رجلك
وبختها شادية بعنف شديد وقد احتقن وجهها حرجا مما قالته جيهان
- جيهان
انفجر وسيم ضاحكا وهو يخصها بنظرة ماكرة جعلتها تتحداه أن تسقط كالمغفلة مثل باقي النساء
تمتم وسيم وهو يحك ذقنه بطرف سبابته
- وقحة زي ما انتي يا جيجي
ابتسمت ببرود لتستقيم واقفة قائلة
- انا ماشية .. اشوف ماهر راح فين
شيعتها شادية حتى غابت عن انظارها ما ان اغلقت باب الغرفة ... التفت شادية بتهكم نحو الشارد المبتسم في الباب ، عبس وجهه وهو يقول
- بتبصيلي كده ليه
ضربت شادية علي فخذيها وهي تصيح بأتهام
- عايزك تكون عارف ان انت السبب .. انت اللي شجعتها لطريق الشهرة
عقد وسيم جبينه بعدم فهم ، تري ماذا فعلت تلك المجنونة ... استمع الي تحية شادية الفاترة
- بالاذن يا وجد هقابلك في أقرب فرصة
........
قبل بضعة دقائق ..
تلقي ماهر رسالة نصية من مارية تخبره انها في المشفى وتريد رؤيته قبل أن تثير الفضائح في خطيبته المبجلة ، لم يجد سوي الاستئذان مبكرا ويحلق تلك المجنونة التي كانت تنتظره في آخر الرواق
تجهمت ملامحه للعبوس وهو يراها على وشك الفتك به .. امسك ذراعها بخشونة صائحا
- انتي اتجننتي
ابتسمت مارية بجنون وقالت
- بشوف ملكة الجمال
دهش ماهر وهو يغمغم باستنكار
استنكار على أفعال تلك المجنونة
لا يصدق ما تفعله وما تقوم به
- تراقبيني
نفت وهي تصيح بعنف
- مش براقب ... انا بهاجم كل اللي يقرب من اللي يخصني
ضحك ماهر ساخرا
- وبقينا نتكلم بصيغة التملك
اقتربت مارية منه ، لن تنكر انها اصبحت ملازمة له ومراقبة لكل حركة وخصوصا ذهابه المتكرر لخطيبته .. ضربت علي موضع قلبه قائلة
- انت ملكي يا ماهر فاهم ... انت ملكي زي ما انا ملكك
غمغم ماهر بحنق
- انا مش فاضي للكلام ده
اغمضت مارية جفنيها وهي تقترب منه هامسة بصوت متحشرج
- هتصدق بـ ايه اني بحبك
وضعت أناملها على قلبه الخافق لتبتسم ... يخفق من أجلها ، همست بتوسل
- بطل تروحلها .. هي مش محتجالك
غمغم ماهر برفض ... كلا ليس مصدقا لما تفعله ... لا يعلم كيف يصدقها .. كيف يجعل عقل يصدقها تلك المرة
- مارية
صاحت بقوة وهي تمسك ذراعيه
- مش بتحبك .. عيونها مش بتجري عليك اول واحد
وكأنه غبي عن هذا ... يعلم ان خطيبته تخفي سر عنه بقدر ما يخفيه هو
لم يقدر هو على البوح وهي كذلك .. لذلك كانت المناسبة له ، استمع إلى صوت جيهان التي قالت بحذر
- ماهر
حدج جيهان بنظرة مميتة جعلها تزدرد ريقها قائلة بتوجس
- فيه حاجه
نفي قائلا وهو يصيح بجمود
- لا مفيش .. مستنيكم تحت
شهقت مارية وهي تراه ينتزع يديها بقسوة ثم استدار مغادرا ، هطلت دموعها وهي تبكي بانهيار
ذلك العاصي لا يستجيب لنداء قلبه ، كيف تخرس نداء عقله
كيف تفعلها وقد نفذ جميع فرصها للعودة إليه .. شعرت بيد تربت على كتفها
رفعت عيناها وهي تمسح دموعها بكف يديها لتسمع صوت جيهان المشجع
- معلش .. متيأسيش من اول محاولة
عاد للواقع وهو ينظر الي رسالة مارية الجديدة وهي تهدده بالفضيحة إن استمر ذلك الزواج ، ابتسم بسخرية .. من تمني ان يتلقي منها اهتماما قليلا علي وشك قتله كما زعمت !!
*******
دلك سراج فروة رأسه وعنقه بعد ساعات من اجتماع مع موظفيه ومحامي الشركة وبعض الخبراء الاقتصاديين في المشروع القادم لحل الأزمة التي حلت على المؤسسة
لن ينكر أن اسم الغانم هي ما جعلت أسهم المؤسسة في البورصة ترتفع بقوة ملحوظة بعد النكسة الاولى
يعلم أن تلك النكسة تحتاج الى سعة صدر وصبر شديد ، وهو اكثر من تعلم الصبر في الغربة لتحقيق حلمه في الحياة .. كان يجب أن يرى والده أن المجال الذي اختاره سيجعله يجني الكثير من الأموال مثل إدارة الأعمال .
غمغم بصوت مجهد
- اظن كدا الشغل هيكون مضبوط
اومأ محامي الشركة قائلا
- تمام يا أستاذ سراج
زفر سراج بحدة .. يراقب أبيه الذي كان منصت جيد للاستماع ، يحتاج معه إلى جلسة خارجية بعيدا عن والدته وبعيدا عن الجميع .. غمغم بصلابة
- عايز الموظفين يطمنوا ان مرتباتهم هتوصلهم اول باول .. لكن الاقي مقابل علي الشغل ده
صاح المحامي قائلا
- متقلقش .. هنعرف نعيد اكتساب العملاء من جديد .. الموضوع محتاج جهد ، المدام اسرار أخذت الشركة من كام سنة وهي على الحديدة .. عرفت تبنيها و
بتر عبارته ما أن رأى شرر شيطاني في عيني رب عمله ، أجلي المحامي حلقه وهو يسحب أوراقه قائلا
- بالإذن حضرتك
حدجه بنظرة مميتة جعلت يرخي ربطة عنقه ، سمح للجميع بالانصراف بما فيهم والده لينفرد به ... لعب سراج بشاربه وهو يقول بصوت جهوري
- كلام تاني عنها تاخد شنطتك وورقتك تكون على مكتبي
ارتعب وجه المحامي الشاب وهو يغمغم باذعان
- تمام يا فندم
ابتسم سراج بشيطانية وهو يهمس بلهجة حادة
- اي موظف الاقيه واخد الشركة قهوة ورايح وجاي ف الكلام اللي ملوش لازمة .. مشوفش وشه
- حاضر
اشار إليه بالانصراف وهو يستنكر وجود ذلك الشاب من ضمن طاقم المحامين في المؤسسة ، امسك هاتفه وهو يهاتف المخبر المسؤول بالبحث عنها .. صاح بصوت خشن ما ان استمع الي رده
- وصلت لايه
صاح الرجل قائلا
- مفيش شيء جديد يا فندم .. عيونا علي كل بيت من عيلتها ومفيش اي شيء .. وقاص باشا كلف رجاله بالبحث عنها
سب بقوة وهو ينهض من مقعده ليقول بلهجة شرسة
- وصلتوا فين ف البحث لما وصلتوا لاخر اشارة ليها
أجاب الرجل بنبرة عملية بحتة
- كل حته في الاسكندريه بندور عليها .. متقلقش
شخر سراج ساخرا ... قارب علي الشهر ولم يجد أثر لزوجته ، صاح بلهجة حادة
- مقلقش .. انت عارف بقالي كام يوم وكام ساعة وانا على اعصابي
صمت الرجل لثواني قبل أن يهتف بثقة
- متقلقش يا باشا هنوصلها
تمتم بجفاء
- اتمني كدا
*******
اما عنها
فهي اختارت محل بقال في إحدى أشهر المناطق في الاسكندرية ... بعيدة كل البعد عن مسكنها ، حذرة وهي تختار اماكن مختلفة غير مرتبطة بشارع واحد أو مكان يدل على اثرها .. تمتمت بصوت مختنق وهي تتحدث إلى نضال
- يا نضال ليه عملت كدا .. بعت الصور ليه
صاح نضال بلهجة لاذعة
- لازم يعرف أمه السيدة الفاضلة عملت ايه
اغمضت اسرار جفنيها ، لما فعل ذلك ... كانت بالكاد تحافظ على علاقة الأم بابنها وهي اختارت الانزواء بعيدة عنهم ، لم تبعث رسائلها وهي تسب في امه حفاظا على تلك العلاقة .. همست معاتبة
- نضال
صاح نضال بسخرية
- لسه خايفة يختار بينكم
عضت على شفتها السفلى ... هي أمه بالنهاية لما لا يفهم ، صاحت بلهجة حادة
- نضال هي امه في النهاية ... وانا رضيت بكدا المرة اللي فاتت ، قدرت ضياء في صعوبة اختياره وحكمته
هل يضربها على رأسها ، هل تلك أم ؟!!
لم يقابل امرأة بكل ذلك المضمر في داخلها ، صاح بلهجة حادة
- ممكن تبطلي تكلميني من تليفون شارع
ابتسمت بنعومة وهي تراقب المارة بشرود ..ركزت بصرها نحو طفلة صغيرة تتمسك بيد والدها بقوة.. كانت تهز بجديلتها وابتسامة مشرقة تتلالأ وجهها نحو والدها الذي بادلها الابتسامة بل انحني ليحملها علي ذراعه وهي تتعلق بعنقه بطفوليه وحماية أشد ، شهقت بصوت مكتوم وهي تشيح بوجهها عنهما لتهمس بصوت متحشرج
- كده احسن .. هينسي مع الوقت
كز نضال علي اسنانه ، اللعنة متي أصبحت ضعيفة إلى ذلك الحد ؟!
- عايزة تقنعيني ان حبيب القلب هتنسيه
صاحت منهية النقاش عنه قائلة
- كل حاجه مع الوقت يا نضال هتروح ، مش عايزة اتأخر
تحاشي مثل كل مرة الحديث عن حبيب القلب الذى سكن الفؤاد من مراهقتها ، غمغم بجمود
- الباشا حط مبلغ المشروع اللي كان هيوسع بيه ورشته في المؤسسة محاولة لإنقاذ ما يتم انقاذه
مثل كل مرة لا يتلقي رد منها ، زفر بحرارة قائلا
- خلي بالك من نفسك
كانت الصدمة اعترت وجهها ... كيف يتخلى عن حلمه ... لقد كان يتحدث معها بشغف عن ذلك المشروع وبقوة رغم أنها لم تبادر في قول شيء لكنها منصتة جيدة وهي تري محاولته لتشارك حياته كأي زوجين طبيعين ، ابتسمت بشحوب وهي تنهي المكالمة قائلا
- طلع قلقك وخوفك لاقرب الناس ليك يا نضال
أنهت المكالمة وهي تدفع لصاحب البقالة ثمن مكالمته لتزفر بحرارة وهي تعبر الشارع تسير بشرود شديد بملابسها البسيطة بين الجموع غافلة عن زوج من العيون لمعت ما أن تأكد من هويتها !!
******
ظلت فرح تراقب مارية ، تلك الشقراء الحسناء ذات جمال غربي صارخ ، رغم تلك الهلالات السوداء لكن ذلك يمنعها من اعترافها أن المرأة التي أمامها مبهرة .
كزت على أسنانها وهي تشاهد استجابات شمس الصغيرة لوالدتها ... ظلت تذرع الارض جيئة وذهابا حينما فاجئها نضال بشقراء معه تدلف إلى الشقة معلنا انها والدة شمس
كم رغبت في نهش وجهه الوسيم المستفز .. كم رغبت في محو تلك الابتسامة الساخرة حينما اخبرها عن واجب ضيافة الضيف ... لا تعلم مع من يتحدث في غرفته ولا ترغب
كل بصرها واقع مع الحسناء التي تلعب مع صغيرتها ، زفرت بحنق وهي تقترب منها لتقول بلهجة حادة
- جالك قلب ازاي تسيبي بنتك معاه
تخشبت يدا مارية وهي ترفع بصرها تنظر إلى زوجة فرح التي اختارها زوجة امام الجميع ، لا تنكر ان ذوق نضال رائع في اختيار النساء لكن يختار امرأة بها ملامح نعومة اكثر منها اغراءا هذا ما صدمها
تمتمت مارية ببساطة
- غريبة .. افتكرتك من مشجعينه
صاحت فرح بلهجة مستنكرة
- مشجعين !! .. اول مرة اشوف ست بتيجي بيت اي ان كان علشان تشوف بنتها
ومنذ متى نضال يكون مثل الباقي ، دائما يسير في عكس اتجاه الريح و يقاومها بصلابه .. ابتسمت مارية بحنان وهي تقبل جبين صغيرتها قائلة
- شمس هتاخد حنان في البيت ده اكتر من عندي .. نضال هيعرف ينشئها تربية صح عكسي ، أصل احنا من عيلة متدنية
عقدت فرح جبينها بعدم فهم وهي تري مارية تسألها بمكر
- لكن اللي خلاني استغرب انك انتي مراته قدام الكل
غمغمت بجفاء ، منذ ردها لعصمته أصبحت تتحاشاه نهائيا ... تتحاشاه لدرجة أنها اتخذت غرفة شمس غرفتها ، ألم يكن يريد امرأة تخدم طلبات اميرته الصغيرة ، ها هي تنفذ وليسد حاجته في النساء مع أي امرأة من لائحته
- لا كنت واحدة ما بين لائحته
غبية ، تمتمت بها مارية .. لا تعلم انها مميزة بالنسبة له ، تتحرق شوقا لتعبير ذلك النضال عن مكنوناته نحو فرح .. صاحت بتسلية
- حاسة انك متميزة
تمتمت بسخط
- مخنوقة
هزت مارية رأسها بلا مبالاة لتقول
- شمس معرفتش قيمتها الا لما راحت ، بشتاقلها وانا بعيدة.. لما ولدتها كنت بكره اقرب منها وكأنها السبب في خسارتي لنفسي ولشخصيتي واللي سعيت وبنيت ليه علشان ميتقالش عليا في الاخر اني زي امي .. بس ايه اللي حصل في الاخر
حملتها مارية علي ذراعها وهي تقبل وجهها بجنون ، شمت رائحتها الناعمة بجنون وهي تهمس لفرح
- يا رب متكونش تعباكي معاها
عقدت فرح ذراعيها وصاحت ساخرة
- خايفة اطلع مرات اب شريرة وامنعها عن الاكل مثلا
كبحت مارية ابتسامة شقية ، لقد طبعها نضال بطباعه الغريبة ... اقتربت منها هامسة
- تعرفي افتكرت نضال لما يجي يختار هيختار واحدة قوية قدامه .. بقدر قوته تقدر تواجهه هي لكن اكتشفت العكس
صمتت فرح وهي تنظر الى عين تلك المرأة الشبيهة بعين القطط ، هزت رأسها ساخرة حينما تابعت مارية بتمتمة خافتة
- مش لازم تكون شخصيتها قوية او شرسة ممكن تكون هي قوية في خصال هو ضعيف فيها .. نضال مش عايز شخصية تشبهه عايز شخصية تكمل الحاجات اللي ناقصه فين
كادت ان تجيب عليها ... بل إن تلجمها برد ساخر الا انها استمعت الى صوته المتهكم
- من امتي بقيتي محللة نفسية يا مارية
طالعته مارية وهو يقف امامها واضعا يديه في جيب بنطاله ، ردت بهدوء
- من لما فوقت لنفسى .. عموما المرة الجاية هاخد شمس واتفسح معاها شوية
رفعت يدها تمنعه عن التحدث وهي تصيح في وجهه بصلابة
- انا امها ومش معني اني اديتهالك لفترة انك تتحكم فيها .. شمس بنتي زي ما هي بنتك
لمعت عينا نضال وهو يبتسم بهدوء ... غمغم بجمود
- بتبهريني كل مرة يا مارية بشخصيتك .. مكنتش متخيل كمية الصلابة اللي عندك
قبلت وجنتي شمس وهي ترد بهدوء
- كنت محتاجاها وانت ادتهاني
حملت فرح شمس وهي تنظر الي الغريبة الأطوار التي تودعهما قائلة
- يلا اشوفكم مرة جاية
دار نضال علي عقبيه عازما نحو غرفة المكتب الا انها صاحت بقوة
- كانت بردو عذراء لما اتجوزتها
لم يرد .. اقتربت منه وقد ساعدها تصلبه لتقف في مواجهته ... نظرت الي عينيه الغامضة لتهمس بجمود
- ايه سبب اختيارك لبنات ملمسهاش حد
أقترب مناغشا وهو يلمس وجهها بااصبع السبابة ، ليميل بوجهه نحو أذنها هامسا
- انا برمي الطعم يا فرح .. حتي انتي قربتي مني مع اني ما اجبرتك على حاجه ... ببساطة كنتي محتجاني زي ما محتاجلك وإن اختلفت أسباب الاحتياج
ختمها بقلبة خلف اذنها جعل جسدها يقشعر من لمسته ، زمت شفتيها بحنق وهي تتمسك بشمس بصلابة وهي تهرول نحو غرفة الصغيرة ، ابتسم نضال وهو يشيعها بنظراته
قطته العنيدة سـ تلين
يري ذلك في عيناها ... مسألة أيام وستعود تمرغ بجسدها احضانه .
******
عيناها كانت تزداد توهجا كلما تقابلت أعينهما
منذ تلك الليلة وهي اصبحت من تأتي الى الاريكة التي بالكاد تسعهم لتنام بين ذراعيه ، لا تتحدث وهو اعجبه ذلك الصمت ... صمت يجعل اللسان يأخذ قسطا من الراحة والعيون تصل الى أبلغ المعاني
عيناها تؤازره .. تشدد من هامته .. تطلب منه عفوا لإنهاء خصامه الموجع ، يعلم أن تلك الطريقة هي الطريقة المثلي لفريال
هي اعتادت على حنانه وعطفه ... مساندتها وتقوية شكيمتها ، لكن تلك المرة هو من يحتاج لمن يتقبل رجولته الجريحة ... وكانت هي الملبية للنداء الاول .
دموعها التي تبلل قماش قميصه كل ليلة له هو ... كاد أن يعتصرها بين ذراعيه وهي نائمة بين احضانه ليهدأ لوع القلب وهو يخبره .. اصبر قليلا .. هي تحتاج ذلك الدرس كي لا تكررها مرة اخرى
تفكر الف مرة كي لا تقدم علي فعل شيء غير محمود عواقبه .
اتسعت ابتسامة وقاص وهو يرى شقيقته قد تخلصت من ذلك الجبس نهائيا بعد المهلة المحددة وبجوارها فريال التي تبتسم بنعومة ، غمغم وقاص بصوت هاديء
- نقدر نقول حمدلله علي السلامة
ركضت رهف في حضن شقيقها .. اندست بوجهها في صدره لتهمس
- الله يسلمك يا وقاص
عقدت فريال جبينها وهي تري تغير حدقتيه وملامحه التي تحولت للجديه وهو ينظر إلى شقيقته بعتاب ، عبثت بخصلات شعرها وهي تهمس باحراج
- متقولش اجتماع سري بين الاخ والاخت
نظرت رهف الي شقيقها مطولا بنظرة ذات مغزى لتنظر إلى فريال قائلة
- ليه يا وقاص .. فريال بقت واحدة مننا
اقتربت فريال منه وهي تقبل وجنته بنعومة لتهمس بغنج
- متبقاش قاسي يا حبيبي ... قلبتك وحشة اووي وانا مقدرش على زعلك
حدجها بنظرة مميتة جعلها تجلي حلقها لتجده يغمغم بجمود
- طب تمام واضح انكم متفقين مع بعض
نظر الي شقيقته باهتمام وقال بجمود
- اقدر افهم بقي السبب اللي بيخليكي تروحي المطعم الشهر اللي فات وانتي ايديكي متجبسة
شحب وجه رهف وهي تسدل أهدابها لتهمس
- وقاص انا
قاطعها قائلا بصرامة شديدة وهو ينظر الي فريال نظرة ذات مغزي جعلها تشيح بوجهها عنه خجلا وحرجا
- بدون كدب .. مستني اجابة حالا والا هتصرف بمعرفتي
ازدردت ريق رهف وهي تفكر أي طريقة قد يفعلها شقيقها
نظرت بطرف عينها نحو فريال التي أشاحت بوجهها بعيدة عنهما لتعود النظر نحو وقاص
عيناه كانتا معاتبتين لدرجة جعلت عيناها تدمعان بندم
ستخبره ما حدث منذ عملها في المطعم حتى آخر مقابلة بينهما في المطعم !!.
*****
- ايوا يا باشا التليفون بتاعها اتفتح من ساعة
صاح بها الرجل محدثا الي سراج الذي انتفض من مجلسه وهو يسحب سترته الجلدية ليقول بصوت أجش
- هي فين
صاح الرجل وهو يقود بسيارته نحو موقع المحدد على الشاشة
- الإشارة بتقول انها عند ***** والإشارة متحركتش لحد الان
لمعت عيناه بجنون وهو يسحب مفاتيحه متجها نحو باب الشقة ليقول بصوت هادر
- لما توصل للمكان خليك مراقبها .. اوعي تفلت من يدك انت فاهم
أغلق المكالمة وهو يضع هاتفه في جيب بنطاله ، ليفتح باب الشقة واخر شخص توقع وجوده في تلك اللحظة هي .....
- أسرار ؟!
