رواية في قبضة الامبراطور الفصل الثامن8والتاسع9بقلم ميار عبد الله


 في قبضة الإمبراطور

الفصل الثامن

...............


تعلمون الشعور حينما تسقط من اعلي قمة عافرت بها بمجهودك وكدك لتحدث زلة فقط


عثرة


لتسقط الي سفح الأرض


اتعلمون الشعور حينما يخفق قلبك بقوة حينما يعطيك حبيبك ابتسامة باهتة ربما لا تصل الي عينيه لكن عندك تكون احمل ابتسامة تراها بحياتك


عيناك تخدعانك


ذهنك يخدعك


لكن ابدا العقل لا يخدع


تكون معمي البصر لكن لا تكون معمي البصيرة


وهو خاض ان يكون معمي البصيرة والبصر معا لانها هاتفته واخبرته علي موافقتها


هو حتما لا بتذكر كيف قضي ليلته ليجمع ملابسه وينطلق راكضا والقلب ينتفض ولعا وشوقا لرؤية ملامحها الناعمة


رغم كل شيء تظل هي مارية


الفاكهة المحرمة له ... المضيفة الجميلة .. الملكة التي عذبته كثيرا حتي يبقي فقط حائما حول محيطها


لكن كل ذلك تحطم


امال وامنيات تهشمت وهو يراها مع اخر رجل من الممكن ان يتوقعه ان يكون هنا تحديدا


- بتعمل ايه هنا ياحقير


صاح بها بصوت جهوري حينما اقتحم تلك الغرفة التي تصدر منها جلبة .. شقة حبيبته وخطبيته تطلب الاستغاثة وصوت ضحكات رجولية خبيثة زادت من شراسته ليكسر الباب بعد عدة محاولات انتهت بالنجاح


رمق نضال ذلك الذئب البري علي وشك ان يمزقه اربًا وهو يراه يختلي بحبيبته .. ابتسم ببرود وهو يرمق للمنكمشة بإزرداء قائلا


- والله السؤال ده تجاوب عليه صاحبة الصون والعفاف


اقترب منها وهو علي وشك ارتكاب جناية لا محالة .. سيقتله ثم يقتلها .. امسك ذراعها بخشونة وصاح وعيناه تندلع منهما نيران مستعرة


- ايه علاقتك معاه .. ردي وقوليلي ايه علاقتك مع الراجل ده بعد ما كل اللي حصل


راقب نضال بعيناه المسرحية الدرامية بشيء من الازرداء والتقزز ليهتف


- الله هي مقلقتلكش الطفل يبقي مني ولا ايه .. تؤ تؤ


المثير للضحك انها خانعة ومستسلمة


مستسلمة بطريقة تكاد ترديه قتيلا


رفع عيناه يحدق الي عدوه الاوحد وصاح بخشونة وهو يكاد يحطم عظامها اللينة


- اخرس خااالص .. وانتي ساكتة ليه .. ردي عليا .. مش انا حذرتك تبعدي عنه .. مش حذرتك


تلجلجت وبللت طرف شفتيها وهي تهتف بتوتر


- مـ ..مـ..


ضيق عيناه الداكنتين وهو يقترب منها صائحا برعب ارعب مفاصل جسدها


- هو ده اللي كنتي خايفة منه ... هو ده


شهقت بألم وهي تحاول ان تنتزع ذراعها من براثنه لتهمس بصوت متالم


- اسمعني انا


والمتفرج الوحيد يراقبهما حتي صاح وهو يلقي قنبلته الموقوتة قائلا


- عموما انا هعذرك .. لكن من الواضح حبيبة القلب خطيبتك مقالتلكش انها تبقي لسه علي ذمتي


جحظ عيناه وهو ينظر الي عيناها ينتظر منها ان تكذبه .. ان تكذب ما قاله .. انتفض كالملسوع مبتعدا عنها والتفت بحدة اليه قائلاً


- انت اكيد اتجننت


غمغم بسخرية وهو يضم يديه في جيب بنطاله


- عرفت تضحك عليك.. عموما لينا مقابلة بكرا يا ماريا


وخرج وهو ينهي تلك المسرحية ... يخط نهايتها بقلمه هو


ليس بغر حتي لا يوزن كلامه


لكن يعلم جيدا ما يحدث حين يغضب الرجل .. وإن كان رجلاً عاشقًا بائسًا لحد النخاع ..يائس من عشقه المريض و من معشوقته ..


هي من اجبرته علي فعل ذلك 


حينما استقصي اخبارها علم ذلك الرجل الطيار الذي يعمل معها في نفس الشركة سابقا قبل ان يقدما استقالتهما وكلا يلتفت الي عمل خاص في بلدة غريبة


غدا سيعلم حقا اذا كانت الطفلة التي لم يراها حتي الان ابنته ام انها مجرد بائسة


تنهد زافرا وهو ينطلق بسيارته الي الذي تركه يتعفن في مكان نائي


سيفرغ شحناته السلبية عليه .... هو اخطا حينما ظن انه سيهرب كما المرات السابقة


وماهر لم يكن يشعر صوي بصفارات في اذنيه


متزوجة ؟! 


المخادعة ارتضت ان تكون خطيبته وهي متزوجة .. في اوج غضبه امسك زندها بقوة وصاح بصوت خطير


-جوزك ؟


ارتعبت بفزع وهي تراقب عيناه المظلمتين .. ما الذي فعله نضال ليتحول الي وحش كسير .. وحش سينقض عليها في اي لحظة 


لكن هو مجروحًا بكرامته التي تمرغت في الأرض .. مجروح بشدة منها ومن كبرياءه ، دفعها للحائط واشرف عليها بجسده النحيل قليلاً 


عيناه السوداويين تغوصان بلا ادني رحمة وشفقة الي عيناها المذعورتين


خبط بكفه الحرة بجوار رأسها مزمجرا بوحشية


- انطقي وقوليلي لسه علي ذمته


استعطفته بتوسل وهي تمد يديها تحيط وجهه ليفاجئها وهو يعتصر يديها خلف ظهرها لتتأوه بألم هامسه بإرتجاف


- مـ .. ماهر


وعقله يعيد ذكريات الماضي .. تذكر حينما عادت من الاجازة تخبر زميلاتها عن الرجل الغامض الذي قابلته في الفندق الذي حجزته .. تابع اخبارها بدقة شديدة وهو يراقب تطورات الاحداث لكنه اضطر السفر لشهرين خارج الموطن وحينما عاد كانت مجرد حطاما .. 


امسك ذقنها بخشونة وهمس بصوت اجش 


- قولتلك كام مره ابعدي عنه لما كنا في الشغل .. كام مرة حذرتك منه ومن نظراته وانتي كنتي طايشة وهبلة


تشنج جسدها وهي ترتطم بجسده .. وترها نبضات قلبه التي تهدر بعنف .. لا تستطيع الدفاع الان .. ترغب القول انها حرة .. حرة واختارت ان تكون له .. تحث لسانها عن الحديث لكن الكلمات حشرت في حلقها وحينما تلبست الشجاعة تهمس بصوت وتهن بإسمه


- ماهر


لفظها بتقزز .. ابتعد يراقب ذلك الجسد .. الجسد الذي لم يعد يعجب صاحبه القديم .. هالتها المنبعثة منها قديمة غير موجودة .. من امامه شبح متلبس في جسد انسان ... نفض يديه في بنطال جينزه الاسود وقال بنبرة ساخرة


- مجيتي جت علي الفاضي .. وكلامك ليا امبارح وانتي بتقوليلي انك وافقتي تبقي معايا علشان احميكي منه


التقت انفاسه بصعوبة وهو يسبهاويلعنها ويلعن نفسه مائة مرة .. تمتم بسخرية وهو يجول بإنظاره الي شقتها


- طلعت انا المغفل الوحيد اللي هنا


واستدار مبتعدًا .. يغادر من منزلها قبل ان يرتكب جريمة .. شعر بيدها الناعمة تتلمس ذراعه وتظهر امامه بضعف يثير به امران النفور والحماية 


حاولت التقاط انفاسها وهي تزرع نفسها زرعا بين ذراعيه


- لا يا ماهر ارجوك متسبنيش


خفض بصره الي عيناها وامسك ذقنها بإصبعه ... للحظات يستشف صدقها من عيناها .. لامس انامله عنقها بخفة صعودا ونزولا ليهمس بحدة


- مراته ولا لا ؟


كادت ان تمبد الارض بها وهي لا تستطيع ان تكون بحالة يقظة ... انامله لا ترحم عنقها ويده الاخري تعبث بخصلات شعرها الشقراء لتهمس بنفي


- مش مراته والله ما مراته


ربتت علي وجهها بأصبعه وهمس بنبرة متهكمة


- لسه ساذجة يا مارية ..سذاجتك دي سبب مشاكلك


قبضت بعنف علي ذراعيه واقتربت منه تستجديه بيأس قائلة


- متسبنيش يا ماهر ارجوك


نبذها للمرة الثانية بعنف قائلا 


- خليه ينفعك


هي لم تكن هي


لم تكن في حالتها الطبيعية


اوقفته للمررة الثانية وهي تضع جسدها عند باب المنزل قائلة بخوف 


- ارجوك بكرا هتطلع النتيجة


ضم يديه في جيب بنطاله ليستمع الي صوت بكاء شمس .. تمتم ببرود


- الاب معترف بأبوته ليها ... لسه بتحبيه مش كدا


وداخله يلعن غباءوه ..


كيف لم يفكر بـ نضال ... ربما لانها احتفظت بهوية الرجل الغامض بسرية


كيف لم يعرفه الا حينما رفعت القضية .. لكنه ظن أن نضال لن يقترب من محيطها .. ظن انه سينكر أبوته وحينما تعلن النتيجة سيهددها .. لن يهددها هو بذاته ربما يرسل رجالا اشداء ليخوفوها


سب عقله الذي لا يعمل بكفاءه بسببها هي 


هي جعلته مشتت .. بدون عقل حتي ظن انه مجرد ابله


ابله يخدعه الجميع وكل ذلك لانه تحكم بعاطفته فقط !!!


لكن مجييء نضال في ذلك الوقت تحديدا لا يعني سوي انه يضرب عصفورين بحجر واحد ...


اتسعت عيناه حالما توصل الي ما يفكر به نضال ... يعترف وينشد بذكائه لانه حقق مبتغاه .. رفع عيناه نحوها وصاح بجمود


- كنت مجرد بيدق في لعبتك .. رغم كل اللي عمله لسه قلبك ليه


زفر بحرارة وهو يدلك عنقه ليتطلع اليها بتكاسل 


- واضح ان اسيا كان كلامها صح ... مهما عملت مش هوصل ليكي لانه لسه محتل قلبك


اطرقت رأسها حينما وصلت تلك النظرة التي طعنت قلبها .. هو ملاك جاء اليها وسط عالمها .. لا يستحق ما فعلته .. لم تشعر به حينما ازاحها جانبا ليخرج من المنزل غالقا الباب خلفه .. لم تشعر بصوت بكاء شمس الصغيرة .. كانت مغيبة ولم تفق الا حينما علمت ان ماهر لن يكون كما هو 


سيتغير ... والتغير لن يعجبها اطلاقًا 


رفعت عيناها نحو الباب بألم .. ارتمت علي الارض محتنضة اياها والدموع كانت ستارا عازلا لواقعها وهي تردد بهذي 


- ارجوك متسبنيش


***********


سبحت بذاكرتها حينما كانت مغفلة ... ظنت انها تعيش في قصة اميرة حالمة .. منتظرة اميرها ليقودها الي عالمه الخيالي وتصبح ملكة قلبه و ملكة عالمه ..


اسرها غموض نضال ... كان هادئء الكلام .. قليل الحديث .. مستمع جيد .. قوي الشخصية .. به هالة خطيرة منبعثة منه تجعل الجميع يكن له احترام والنساء تتهافتن عليه 


اصطحبها معه لمطاعم فاخرة وهي انجذبت لذلك البريق .. أنجذبت لاسمه رغم اشاعاته الكثيرة لم تلقي بذلك بالاً .. خطف بصرها الهدايا الثمينة وظنت انه لا يستطيع التعبير عن مشاعر سوي بشيء قيم .. وصدقت هذا في خلدها .. حتي اخذت الصفعة الأولي حينما عرض عليها الجواز السري


تمتمت بذهول وهي تنظر الي الورقة ... الورقة التي تنتظر توقيعها لتصبح رسميا امرأته


- ورقة عرفي !!


يومها نظر اليها بغموض بعيناه الذهبية .. يخفي شوقا ورغبة بها وهو يهمس بجفاء


-انتي عارفة اني مقدرش اديكي اكتر من كدا


تهاوت علي المقعد وهي تتذكر اليوم الخيالي الذي قضته معه .. كانت اميرة تأمر فتطاع .. نفذ لها رغباتها ولم يفتها تلك النظرات التي تخترقها وتحرقها .. تمتمت بضياع وهي ترفع عيناها اليه لتراه يشرف عليها بضخامة جسده


- نضال


جلس مقابلا لها ونظر الي عمق عيناها قائلاً 


- ماريا اظن ان من اول يوم اتقابلنا وعلاقتنا عمرها ما هتنهي بجواز سعيد واحلام وردية


الصفعة الثانية تلقتها بصمت غير قادرة علي البكاء ... كتمت شهقتها وهي تهمس بتردد


- لكن


قاطعها بنبرة ثابته 


- مش هقدر اديكي اي حاجه غير ان ان هكون وفي معاكي في علاقتنا


يكون وفيًا بمعني انه لن يعاشر امرأة وهي ما زالت امرأته سرًا 


يكون وفيًا بمعني انه سيظل ينظر الي اجساد النساء وحينما تعجبه واحدة سينبذها


يكون وفيًا بمعني ان لا تضع سقفًا لامانيها 


قبضت بيدها علي القلم وتشوش تركيزها وهي تهمس بإعتراض واهن


- لكن


ابتسم بظفر حالما حصد علي فريسته


هو لم يكذب عليهن يومًا 


هن فقط حالمات .. ويتوقعن اشياءًا بخيالهن المريض 


غمغم بهدوء وهو يتفحصها بتكاسل شديد 


- قرارك يا ماريا


نظرت الي الورقة للحظات ثم اليه .. حتي حسمت امرها 


ووقعت


وقعت عقد السجن 


وصارت السجينة في قبضة الإمبراطور 


قام من مجلسه وما زالت تلك النظرة الكسولة تتفحصها تحت اختبار ذكوري ... جميلة وفاتنة لن ينكر ذلك الجمال ابدًا هو رجل يقدر جمال المرأة دائمًا .. امسك ذقنها ورفعه اليه متطلعًا الي عيناها ليقول بنبرة هادئة 


- مبارك يا عروسة


ارتبكت عيناها وهي تلاحظ ما الذي فعلته بحماقتها


ينظر اليها وكأنه ظفر علي فريسته


الأسد يبدو في حالة التخمة فقط من رؤيتها


هلع قلبها وهي للحظة اوشكت علي الخروج وضرب كل شيء في عؤض الحائط .. ليثبتها بصوته الامن المخادع 


- متخافيش مش هاكلك


عضت شفتها السفلي بتردد وغزا الخجل وجنتيها من نظراته التي تنظر بتقيم .. نظرة رجل حار الدماء لإمرأة يشتهيها ويرغبها


- انا بس ...


شقت ابتسامه ناعمة وبريق من عينيه وهو يقول بهدوء متطلعًا الي خجلها وارتباكها


- اول واحد هلمسك ؟


دمعت عيناها من فرط الخجل لتومأ برأسها .. ليميل قرب شفتيها هامسًا بصوت ناعم


- خليني اعملك استقبال خاص بيكي يا عروسة


وشفتيه اقتحمت عذرية شفتيها


يجردها من كل شيء .. يستبيح ملامسة جسدها 


لقد اضحت ملكه وهو صبر حتي نالها 


ارتوي من نبعها الذي لم يمسه بشر قط ليختم جسدها بملكيته


وصارت هي مجرد رقم ضمن لائحته التي لا تعد ولا تحصي 


وتدمرت احلامها الوردية حينما واجهت قسوة الواقع . 


****************


اقتربت من الغرفة الرياضية وهي تحمل في يدها صندوق به الكاب الكيك الذي صنعته وابتسامه ناعمة تحتل ثغرها بعد فترة سباتها لتنظر الي حركات فريال الرشيقة والفتيات المراهقات اللاتي يتابعن بشغف ويقلدن حركاتها .. اسابيع مرت بعد ان وطئت بقدمها الي صالتها النسائية تعترف انها مرحة وتذكرها بصديقتها نادية 


تهجمت ملامحها للعبوس والشرود في آن واحد وهي تتذكر ارتباط جيجي السويسري بـ فريال الشواف 


جيجي التي ابصرتها بعيتاها بعد فقدان وعيها .. جيجي التي علمت اخبرتها بإنهيار تفاصيل معرفتها بـ ماجد ، جيجي كانت حلقة الوصل لها و لفريال


هما يريدان الثأر من العائلة وإن كانت اسباب فريال مجهولة .. لكن يكفي بكاءًا علي اللبن المسكوب ... 


ابتسمت بشرود وهي ترفع يدها ملوحة الي المرآة لتنظر اليها فريال بابتسامه ورهف تهمس بشفتيها


- صباح الخير


بريق لمع في عيني فريال لتلتفت الي المراهقات قائلة 


-عشر دقايق بريك


اقتربت فريال بإبتسامة حلوة لتهمس رهف 


- جيت وجبت معايا كب كيك 


دهشت فريال وهي تراها تخرج ما في العلبة لتقع عيناها علي الفروالة .. اختطفتها وهي تقضم قطعة تلوكها بتلذذ


- واو بالفراولة


ظنت رهف انها ستأكلها بعد انتهاءها ... او ربما ستبتسم مجاملة وخصوصا ان فريال من النوع المخافظ علي جسدها هي وابنه خالها ، ابتسمت رهف وقالت ببساطة


- الصراحة مش عارفة اي اللي بتحبيه فعملت كذا نوع


عادت فريال تقضم قطعة اخري وهي تتلذذ من الصوص الفراولة السائل لتقول 


- وااااو بجد طعمها يجنن


راقبت الفتيات وهن يرمقن مدربتهن بدهشة ... وفريال غير عابئة تماما حتي انهت قطعتها شاكرة اياها لتهمس رهف بتردد


- تعرفي انا معرفش ايه فيه في القرية ؟


ابتسمت فريال بعذوبة قائلة


- خسارة بس مش مشكلة تتعوض هناخد جولة بعد ما اخلص


لطاما تحيرها المدعوة بـ فريال


تارة تراها ماكرة وغامضة وتارة اخري تراها منطلقة وحيوية مثل جيجي 


تتأرجح في الطرفين ولا تعلم كهنتها 


هزت رهف رأسها وهي تتحير من بساطتها معها في الحديث لقد كانت منذ اسابيع ترهب منها لكن ما إن وطئت بقدمها الي صالتها حتي تبدلت هي كليًا 


لا تعلم اي تعويذة القتها عليها لكنها سعيدة .. ربما الطاقة النساءية هي سببها او ربما هي مصدر الطاقة !!


- المكان تحفة ومعرفش ايه اللي خلاني لحد دلوقتي في مكاني


صمتت وهي تنظر الي عيناها قبل ان تسترسل بإختناق


- وقت ما كنت صغيرة وبتفرج علي افلام الاميرات اتمنيت يكون ليا عالم لوحدي والاقي اميري ونعيش في سعادة زي ما بشوف في الافلام بس لما كبرت عرفت كل ده اوهام


قالت فريال ببساطة شديدة 


- انا اتمنيت ابقي الساحرة الشريرة


جحظت عينا رهف وعيناها تقول " بتهزري !! " لكنها اكدت لها 


- الصناع بتمشي علي حسب الناس بتحب ايه وعايزة ايه ... حتي لو فيه بذرة شر لانسان فلازم يتعاقب للنهاية اما الملاك فمهما عمل من اخطاء لازم اخطائه تغتفر لانه يبقي في الاول والاخر ملاك


زفرت فريال بحنق قبل ان تغير دفة الحديث قائلة 


- هاخدك علي مطعم سوري هنا يجنن ... كل بنات القرية بتيجي مخصوص علشانه


عبست ملامح رهف وقالت بتساؤل


- للدرجه دي اكله حلو ؟


غمزت بشقاوة وهي تعود لوجهها الاخر الذي تنفره 


- انتي الصادقة هو اللي حلو


************


دقت بأناملها علي سطح مكتبها وهي تنتظر بفارغ الصبر جيجي لترد علي مكالمتها ... تلك الخبيثة حذرتها ان تنشر الفيديو الذي التقطت خلسة وهي تغني بقرب حمام السباحة ... كانت تستفزها قديمًا بأنها ستنشره علي مواقع التواصل الاجتماعي لكن في ليلة وضحاها الفيديو ينتشر كما النار في الهشيم هذا لن تقبله ابدًا 


ما إن فتح الخط وصوتها الخبيث يصل الي اذنها حتي انتفضت من مقعدها صائحة بنبرة شرسة


- جيهاااااااااان


راقبت جيهان بحاسوبها الي فضائح شخص هام كان محتفظا به في هاتفه ... التمعت عيناها بشقاوة وهي تري كم ستكون فضيحته مثيرة وهي تضع عناوين ساخنة علي احدي المواقع ... ردت بنعومة


-الشادية اسم حلو ويليق بيكي


جزت شادية علي اسنانها غيظا وكمدا وهي تصيح هادرة


-اقسم بالله ما انا هسيبك


دلكت جيهان رقبتها وهي تبعث المعلومات الي احد المواقع التي تهتم بنشؤ فضائح المسؤولين لتقول ببساطة 


- بريء يا بيه .. كله من زن فريال والله


زمجرت شادية بوحشية وهي تتوعدها وتتوعد فريال 


- والله لاوريكم .. اصبري عليا يا جيجي كون انك شاطرة في الزفت اللي بتستخدميه ليل نهار مش معناه اني هسكت


اغلقت حاسوبها لتنزع سترتها الجلدية من المقعد قائلة ببرود 


-وسيم مقدملك عروض يا بيبي ... دلوقتي هقول مش هنشوفك كتير يا فنانة


شخرت ساخرة لتدمدم بسخط قبل ان تغلق مكامتهم التي لن تقدم شيئا


- غبية


انهارت علي مقعدها وهي تدلك صدغها علها تخفف ذلك الصداع الذي ألم بها .. جاءها صوت مساعدتها عبر السماعة تقول بهدوء 


- استاذة شادية ... العروسين في انتظار حضرتك


ضغطت علي الزر قائلة ببرود 


- دخليهم يا نجوي


ثواني حتي استعادت صفاءها وهي تقوم من مقعدها متوجهه الي الخزانة التي تحتوي علي مجموعات جديدة ... مجموعات للسنة الحالية وخصوصا لفصل الربيع ... شعرت بنقرة علي الباب ثم دخول الطارق لتسمع صوت هاديء يقول بنبرة رخيمة وهي مولية ظهرها له


- مساء الخير 


سقط الملف من يديها ما إن استمعت الي نبرة الرجل الذي تعلمه .. طنين في اذنها وهي ما زالت في مكانها .. اغمضت جفنيها وهي تضغط علي شفتها السفلي تسحقها بقوة ... لا يمكن ان يكون هو .. لا يمكن ابدًا 


استدارت وياليتها لم تفعل لتقع عيناها عليه ثم الي مرافقته .. والخاتم الذي في بنصر المرأة متوهج بطريقة مخيفة ... عات بعيناها اليه وهو يرمقها بغموض تعلمه جيدًا لتهمس بشرود


- مـ ... معااذ !!


معاذ زوجها السابق يفحمها بقدومه مع خطيبته التي تصغرها في العمر ... معاذ زوجها السابق ترك جميع المسؤولين عن تنظيم حفلات الزفاف واختارها هي !!


**************


تحول اسم صغيرتها من شمس عزام الي شمس نضال الغانم


اسم ثقيل علي صغيرتها وتمنت في يوم ان لا ترتكب صغيرتها نفس حماقتها وحماقة والدتها ...


ما إن خرجت من المحكمة حتي قابلته 


يقف مستندا بجذعه علي سيارته الرياضية .. يرمقها بإزرداء وتهكم


رغما عنها اقتربت منه .. اغرورقت عيناها بالدموع هامسه بإسمه لتجده يكشر عن انيابه قائلا


- مبارك علي نجاحك للقضية يا مارية


استعطفته بتوسل وهي تمد يدها الي ذراعيه


-ماهر ارجوك


اشاح بذراعيه بعيدا عنها وغمغم بمرارة


- خلاص يا ماريا ملهوش لزوم


اتسعت عيناها بذهول ونطقت اسمه بألم


-ماهر


وضع نظارته القاتمة والتفت اليها صائحًا ببرود


- انا راجع لامريكا تاني


شملها بنظرة وداع .. وطوي تلك الصفحة ليستعيد حياته قائلا بتفكه


-مبارك لنجاحك في الحرب ولو اني اظن انك فتحتي باب من ابواب جهنم


*********


تنظر الي المرآة .. خصلات شعرها الطويلة قبل ان تقصه في حركة تمرد 


لامست بأناملها صورتها العاكس لتنقبض ملامحها ما إن تطلعت الي وجهه في المرآة .. شهقت بفزع وهي تستدير تقابل عيناه الذئبتين التي تتفحص كل انش في جسدها بجوع وشهوة .. اشمئزت ملامحها للقرف حينما هجم عليها مكبلاً ذراعيه مدحضًا اي مقاومة للفرار ... صرخت بقهر وهي تلكمه وتنبش بأظافرها في وجهه بحرقة


-سيب ايدي


مال علي اذنها يستنشق عبير عطرها ويده تلمس خصلات شعرها الذي افتتن به ليهمس بنبرة مقززة 


- مش هسيبك يا فريال ... اللي بينا لسه مخلصش


من الضعف للقوة


من الانكسار الي الصلابة 


من الخوف الي الشجاعة 


استبدلت نظرات عيناها وهي تتلبس تلك الروح التي صنعها بيده .. زمجرت بوحشية 


- كله انتهي 


قهقه فرحا وهو يميل الي اذنها يصيح بلهجة خطيرة


- مش هسيبك يا فريال ... استخبي في اي مكان لكن انا هلاقيكي


صمت للحظان حينما لاحظ تشنج جسدها تحت قبضته ..ونظرات عيناها الخاوية ليربت علي وجنتها هامسا بنبرة وعيد 


- ومش هرحمك وقتها


شهقت بعنف وهي تنظر بإضطراب الي ما حولها ... تصبب العرب من جسدها رغم مكيف الهواء ... ضمت ساقيها لذراعيها وهي تستعيد لحظات الثبات .. تعد الارقام بهدوء تكاد تحسد عليه .. تمتم بصوت خافت محفزة كل خلايا جسدها المرتعبة


-انتي مش ضعيفة ... هو راح ودلوقتي انتي في امان القرصان


سحبت هاتفها الذي اضاء معلنا عن مكالمة جيهان لتلتقط الهاتف وهي تعبس من الوقت المتأخر من الليل وخشت ان يكون أصاب أحدهم بشيء 


-ايوا يا جيجي


اغمضت جفنيها وهي تستمع الي اخبار الغير مبشرة اطلاقا لتهمس بجفاء


- جيه


تمتمت ببعض العبارات قبل ان تغلق هاتفها وعيناها تشع بإصرار 


- مفيش غيرك يا قرصان


************


-صباح الخير


صاحت بها رهف بأبتسامه هادئة وهي تقترب نحو فريال والمرأة السمراء الملامح الفاتنة ... هزت السمراء رأسها بتحية هادئة لتجذب فريال ذراع شادية الي رهف قائلة بتعريف 


- تعالي يا شادية اعرفك بصديقتي رهف الغانم


ثم التفت الي رهف محدثة قائلة


- شادية السويسري بنت خالي واختي


تنهدت بإبتسامة ناعمة وتعجبت رهف من تغير مزاج فريال المفاجيء .. وكأن الشخصيتين تتصارع للبقاء لفترة اطول وتحارب بعضهما بضروارة .. هزت رأسها بتفهم 


- اكيد ... اكيد هو حد ميعرفهاش


تابعت فريال بابتسامتها الناعمة


- وطبعا جيجي السويسري تبقي اختي التانية .. معنديش اخوات ودول اللي طلعت بيهم وفيه اخ كده مش بيسأل ولا يعبر بس علشاان عنده ظروف 


بلعت رهف ريقها بتوتر لتحاول اشباح ماضيها في الظهور 


تجلدت بصبر وعزيمة وهي تحاول ان تتناسي نا حدث معها ف الجميع محق .. هي الوحيدة التي تحارب اشباح الظلام والاخرين مهتمين بعملهم ودنياهم ... تسلحت بإسلحتها وجلست علي المقعد وحولها المرأتين ... المطعم راقي و رائحته عطره هذا جيد


مزدحم ويعج بالفوضي هذا سيء للغاية


تخشي ان صاحب المطعم يكون رجل فظ غليظ اللسان .. قصير واصلع وبدين ... هزت رأسها وهي تتذكر ان المطعم هنا شامي ورجال ابشامين تعلم ان كلامهم معسول ... لا يهم الاهم ان تلك الخطوة كانت يجب ان تتخذها منذ فترة .. لكنها هنا الان .. يبقي فقط وقاص ليعلم امرها ان لم يكن ذلك الحارس المتخفي لم يخبره


سمعت تنهيدات من الفتيات بالطاولة التي بجوارها لتعبس شفتيها وهي تتطلع بفضول الي ما ينظرن نحوه


رأته شابًا يبتسم بجاذبية لا تنكرها ويتقدم نحو ... طاولتها 


غمغم بصوت رخيم ونبرته الشامية تفعل الاعاجيب للمراهقات اللاتي بجانبها


-صباح الخير


تهللت اسارير شادية واقتربت تصافحه قائلة 


- كويس انك جيت يا نزار ... بص بقي لاول مرة هطلب منك طلب ومش عايزاك تكسفني


اتسعت ابتسامة نزار وهو يجيب بترحاب شديد وامتنان اشد 


-تكرم عيونك يا شادية


بادلته النظرة ثم قامت تقترب من رهف تحيط ذراعيها قائلة بنعومة 


- القمر دي ... رهف الغانم عايزة تبقي من الطاقم معاك


ضيق نزار عيناه قليلا جعلها تبلع هو يهتف ببشاشة 


- بتعرفي مطبخنا السوري ؟


بللت رهف طرف شفتها وهي تقلع عيناه اقتلاعا من عيناه الفضولوتين لتهمس بصوت شاحب


- لا ... انا بعمل شوية حلويات


تلك المرة صاحت فريال بمشاكسة


- اوعك تتخدع بتخاف من الحسد ... الكب كيك بتاعها يجنن يا نزار لازم تدوقه


لمعت عيناه وهو يعود بعيناه نحو المرتبكة ليقول بهدوء 


- ما في مشكلة بنوب من بكرا علي الساعة عشرة ورح اعملك امتحان صغير وان شاء الله خير


كانت تتوقع شادية هذا .. لن يتردد وهو يرد بعض من مساعدتها التي قدمتها له بترحاب صدر ... صفقت يداها بجزل


- اصيل يا شامي والله


صاح بترحاب شديد وهو يجلب نادل ليساعدهم في طلباتهم 


- بما انو اجيتو فكلكن علي حساب المطعم وان شاء الله الاكل يعجبكم 


ما ان استدار مغاردًا حتي تنفست رهف الصعداء ... غمغمت بنفي


- انا مش عايزة


رمقت شادية فريال التي اقتربت من رهف تمسك كفيها قائلة


- بصي يا رهف انا عارفة اني اخدتك علي خوانة وشادية جبتها من اخر الدنيا لهنا بس صدقيني بدل وجودك هنا وانك تحسي بملل اهو ممكن تشغلي هوسك في الحلويات


اخفضت عيناها ارضا وتمتمت 


- بس وقاص


قاطعتها قائلة


- متقلقيش اظن هو اكثر من مرحب للفكرة دي


اعترضت بوهن


- بس


تلك المرة اقتربت شادية وهي تغمز بشقاوة 


- اوعك تتأخري بكرا ... نزار ليه وش ربنا ما يوريكي قلبته


اختلج قلبها بعنف وخوف .. شحب وجهها وهي تهمس بتردد


- بيبقي ايه ؟


ردت شادية بلا مبالاة وقالت وهي تقوم من مقعدها ساحبة متعلقاتها قائلة


- هتكتشفي انتي ... كفاية كدا انا ورايا استعدادت لحفلة الحق ارجع العاصمة


ضيقت عينا فريال بعبوس شديد .. ترا ما الذي تغير في شادية ؟!


**********


لم يصدق ما اخبرته سكرتيرته عن وجود اخيه في الخارج


اليوم حافل بداية من مجيء الباشا العزيز و المحامي وينتهي بضيف متوقع حضوره


استقام في جلسته وصاح مهللا بترحاب لأخيه


- غريبة الباشا وابنه شرفوا المكان المتواضع


تمتم وقاص بنبرة جافة


-جيت ابارك لابوتك


ضيق نضال عيناه قبل ان يهتف بجمود


- احتفظ بيها لنفسك


ثم اقترب يقلص المسافات الفاصلة بينهما .. صاح وقاص بشرر ناري وشياطينه تتراقص في مقلتيه


- فينه ؟


مال نضال اليه واضعا كفيه علي سطح مكتبه قائلا


- تؤتؤ ... مش ممكن الابن البكر الاول وقاص الغانم يلوث ايده مع شوية ناس لا تسوي و ****


اغمض وقاص جفينه .. يحاول أن يبقي لاخر نفس هاديء وساكن 


فتح جفنيه ونظر الي عمق عيني اخيه قائلاً 


- انت عارف ان رهف عندي بالدنيا ... والكلب اللي مخبيه عني هعرف اجيبه


ابتسامه شاحبة ارتسمت علي شفتي نضال وهو يجيبه 


- متقولش كلام انت مش قده يا وقاص


زفر وقاص بحرارة وقال بنبرة جامدة


- تعرف انا مشفق عليك جدا يا نضال ... بتكرر نفس امجاد الوالد بس علي نضافة شوية .. من زمان افتكر كنت جاي بملامح طفل مذعور لبيتنا لاول مرة ... والكل كان بيبصلك بنظرة دنيوية


ان كان ظن ان وقاص ضرب في الوتر الحساس


فهو ببراعة نجح في ذلك


للحظة تبدلت ملامح السخرية بوجوم شديد قبل ان يستعيد نبرته الساخرة قائلاً 


- افتخر بالماضي بتاعي يا وقاص .. علي الاقل مش بتصنع قدام حد ولا بحط وش مش وشي


رفع وقاص عيناه محذرًا وهو يلقي بكلام نضال الخبيث في عرض الحائط 


- ده اخر تحذير يا نضال


واستدار مغاردًا حتي قبض بيده علي مقبض الباب وما إن هم بالخؤوج حتي سمع صوت نضال الهاديء


- افتكر دايما لما يقع الاختيار هيختارني انا لاني كنت ابن حبيبة القلب


جز وقاص علي اسنانه يحاول ان لا يلقي بلكمه في وجهه المستفز ... يحاول ان يدخر بعض الطاقة لتلك المدعوة بفريال ... لقد حان لقاؤها الان واللعب علي الورق المكشوف .


**********


يقولون عنها ماكرة .. جافئة .. عملية ، ورثت إلى حد كبير صفات الإنجليز الباردة.


ذات قلب متحجر لأنها بعد شهور عدتها توجهت إلى مكتب زوجها ... يصل الحد لتكون إن المشاعر في داخلها قد اندثرت .. غير محملة بالعواطف ، لكن ما امامها امرأة يتحرك بعقل والروح مثقلة بخطايا ..


دقت بكعب حذائها العالي ذو الرنة المتميزة .. تصدر خبرًا للجميع أن الملكة قد عادت .. لا يعني وفاة الملك أن الملكة لا تقدر على الحكم خلفه ، من قال ان النساء لا تستطيع أن تحكم دولة ؟


من الأحمق الذي هتف بتلك الجملة قديمًا ؟!! .. تسير كما تسير الملكة .. تلتقط أعين النساء المصدومة والرجال ما بين نظرات ازدراء وخنازير عبدة لشهواتها .


دلفت للمصعد وهي تخلع نظارتها لتكشف عن عيناها الجليدية .. ملامح وجهها الناعمة لا يجعلها تتخذ الوجه الصارم ، يكفي النظرة في عينيها التي تبث سموم قاتلة في وجه العدو .. انتبهت انها وصلت للطابق المنشود .. قدماها متوجه نحو مكتب محدد .. مكتب المدير التنفيذي ، مكتب زوجها سابقًا ومكتبها حاليًا .. هي لها احقية في ذلك الكرسي رغم عن انف أي رجل .. هي التي أمسكت مقاليد الشركة حينما كانت في الحضيض .. تقسم أنها ستدافع عن ذلك الكرسي بمخالبها إن تجرأ ذكر فقط على رفع صوته .


رمقت سكرتيرة زوجها السابق وسكرتيرتها الحالية .. المرأة التي تخطت الحاجز الاربعون ، لطالما اعجبت بسرعتها ودقتها في العمل رغم كونها امرأة متزوجة وتحمل وحوشًا صغارًا تقدمت نحوها ببرود شديد لتستقيم السكرتيرة واقفة وعيناها الجاحظتين جعلتها ترتسم ابتسامة ساخرة علي ثغرها


صاحت بصوت صارم وهي تدق بأناملها المطلية باللون الأحمر على مكتب سكرتيرتها


- مدام تغريييد .. سرحانة في ايه ؟


شملتها المدعوة بـ تغريد بنظرات متفحصة ، تلك ليست ربة عملها التي عملت منذ أكثر من عام في الشركة ... من أمامها كمثال دقيق عن عروس ماريونيت .. تدع للرائح والغادي فرصة ليفتتنوا بها ..لـ تتلظى فـ احشائهم نار لن تخمد ، انتفضت حينما سمعت صوت حاد من ربة عملها لتهز رأسها بعملية وهي تشير الي المكتب


- لا ابدًا يا فندم .. اتفضلي


ارتسمت ابتسامة باردة اقرب منها مميتة علي شفتيها و بكل برود دلفت إلى حجرتها .. حجرة المدير التنفيذي ، رمقت بعينها التغيرات من ألوان الحائط التي تبدلت من اللون الرمادي إلى اللون الأسود و الأرائك الجلدية السوداء الي ارائك صفراء التي تعمي العينين برضا تام .. رمت حقيبتها بلا مبالاة ارضًا وارتمت بثقل جسدها تتحس نعومة الارائك الجديدة ، رفعت ساقيها تضعها بكل وقاحة على المنضدة لتغلق جفنيها براحة تامة لما حققته .


صراخ شديد اقتحم طبلة اذنيها مما عكر مزاجها الراقي اليوم ، تأففت بضجر وهي تسحب سحبًا من تلك الأريكة المذهلة .. رغم ثمنها الباهظ إلا أنها تستحق ذلك ، وما إن زاد صراخ من في الخارج حتى تلبستها الشياطين جميعًا لـ تفتح باب الغرفة ، صائحة بصوت حاد


- ممكن اعرف ايه سبب الدوشة دي هنا ؟


ارتكبت معالم تغريد لتميل بجسدها نحو ربة عملها وهي تشير بعيناها الي الجثة الضخمة الذي ابتلع جسد تغريد كليًا ، وجهت نظرها الى الجبل الشامخ الذي التفت نحوها هادرًا في وجهها


- يعني ايه اغيب فترة وارجع الاقي المدام ماسكة المنصب ده ؟ .. فين اعضاء مجلس الادارة ازاي سمحولها بكده


بري .. متوحش كما قابلته في عزاء زوجها .. لا يعلم حتى مع من يتحدث .. عقدت ذراعيها حول صدرها وردت بجفاء تام


- والله يا استاذ سراج ديه مش مشكلتي انك تغيب فترة عن بلدك وترجع تلاقي الحاجة مش زي ما كانت ، وبمناسبة الكرسي ده انا اللي اولي بيه منك ومن اي حد في عيلتكم


عض على نواجذه كي لا يدق عنق تلك المرأة المثيرة لأعصابه .. تتفنن دائمًا في اثارة سخطه ومقته بعيناها الباردتين ، حدجها بنظرة مميتة بعينيه القاسيتين


- مدام أسرار


القت نظرة ساخرة في وجهه وتمتمت ببرود صقيعي ارجف بدن تغريد الواقفة أمامها


- الكرسي ده بتاعي وأعلى ما خيلك اركبه .. مدام تغريد وصلي الاستاذ لمكتبه شكله اتلخبط بين الادوار


في منتصف الجبهة تمامًا .. تمتمت بها تغريد سرًا وعيناها معلقتان علي الشخص البوهيمي امامها ، لو كانت النظرات تقتل لاردتهما صرعا


- مدام تغريييد .. حالا عايزه اجتماع اعضاء مجلس الادارة


صاح بها بصوت اجش ارتعدت لها مفاصلها لترد بصوت جاهدت في ظهوره


- تحت امرك يا مستر سراج


ألقي نظرة أخيرة لـ صاحبة الجليد .. نظرة شملها كليًا لم يهتز جفنها لتقابل نظراته المتحدية بـ أخرى قاسية .. بل رفعت حاجبها الانيق تتحداه بسفر أن يطأ الغرفة التي تتخذها عرش لها .. تظهر انيابها بشراسة أمامه وهو ... عدوها اللدود ، لكن ما جعله يتلقى شلل لمدة ثواني معدودة هو إغلاقها الباب في وجهه


- شرفت يا سراج باشا


اغلقت الباب خلفها وبقي محدقًا في أثرها لمدة لا تقل عن ثلاثين ثانية .. عاد بنظراته نحو تغريد التي تنظر نحوه بخشية .. يكاد يشعر انها تحبس انفاسها كي لا تتنفس الهواء المحيط به ، صاح بصوت أجش


- ساعتين والاقي كل أعضاء مجلس الإدارة في الاجتماع


هزت تغريد رأسها ايماءا


- تحت امرك


غادر الطابق برمته وعيناه تتقدان شررًا .. واخيرًا التقطت ذرات الاكسجين في الجو الحانق لتهمس بخشية


-ربنا يستر من اللي جاي



في قبضة الإمبراطور 

الفصل التاسع


الشيطان يكفيه عشر ساعات ليقنع رجلاً، والمرأة يكفيها ساعة واحدة لتقنع عشرة شياطين.


نزار قباني


التف جميع أعضاء مجلس في الطاولة المخصصة للاجتماعات ... مظهرها الواثق وكأنها تملك المكان لم يهز فيه شعره 


هو لم يعبأ ابدا بأعمال المؤسسة الخاصة بالعمل .. يأتيه في كل اخر شهر حصة الأرباح وهو منذ البداية ابتعد عن اعمال العائلة واختار أن يؤسس ورشة لصيانة السيارات ... ضيق عيناه وهو يرى عينيها الزجاجيتين تنظر اليه بشماته وهو يستمع إلى المحامى ويخبره عن أدق الأحداث ما إن تمسكت بمقاليد الشركة ، التفت إلي المحامي وقال بجمود


-يعني ايه الكلام ده  يا استاذ؟


اعطي عدة وريقات التي أمامه وقال بصوت هادئ


-ان مدام اسرار ليها أسهم في الشركة دي يا أستاذ سراج


اتسعت عيناه دهشة الي ما سمعه ... لما لم يخبره أحدا بتلك النقطة .. والدته الكثيرة الشكوى لم تخبره بشيء مثل هذا الا اذا .... أمه لم تكن تعلم ووالده العظيم لم يخبرها بتلك الفاجعة ... قست عيناه حينما استمع الي ضحكتها الساخرة وهي تنظر اليه بمكر ليزفر بحنق وهو يحاول الا يدق عنق تلك المرأة المثيرة الأعصاب ليقول بصوت اجش للمحامي


-امتي الكلام ده حصل ؟ 


أجاب المحامي بنبرة علمية وما زال يعطي اوراق في كل جملة يقولها أمام عينيه


-فترة خسارة الشركة ...فكر ان استاذ ضياء الله يرحمه يبيع بعض أسهم الشركة ويدخل معاه شريك علشان يقدر ينقذه من الديون اللي غرقت الشركة


ضيق عيناه الى الورقة التي أمامه وقال ساخرا 


-والمدام اول حد من عرض المساعدة


لم يعبأ أحد بنبرته الساخرة ليتابع المحامي بلا مبالاة لتلك النيران المستعرة في داخله


-مضبوط يا فندم ... نسبتها في الشركة مش قليلة ومركزها اخدته بموافقة أعضاء مجلس الإدارة


قاطعت اسرار المحامي وهي تهمس بصوت مبطن بالسخرية


- شكرا جدا يا استاذ حسين تعبت حضرتك في شرح مش هيقدم ولا يأخر شيء


استقام المحامي من مقعده وتبعه الرجال التي لم تنبس ببنت شفه وغادروا الغرفة لتبقى هي وهو والأوراق


ما أن غادر آخر شخص من الغرفة حتى التفت إليه وقالت ببرود


-نورت يا سراج باشا ... المرة الجاية تجيب حماتي وبالمرة تزور أحوال المؤسسة ماهو مش كل حفلة وسهر تسحبه من البنك من تعبي وشقايا


مال بعينيه نحوها ... يتعمق إلى اختراق الحائط الزجاجي العازل عنه ... راغبا في تعرية دواخلها الغامضة ، حك ذقنه بطرف سبابته ليقول بنبرة غامضة


-مدام اسرار ، متشديش ديل الأسد بسذاجه


اقتربت منه وهي تهبط بجذعها إلى مستواه لتهمس بنبرة جافة


-ومين قالك اني بشدة فضول ؟


عاد برأسه يقيم تلك الجرأة التي أدهشته ... أسند رأسه على رأس المقعد وهو ينظر إليه بغموض لتقرر الإبتعاد عنه وهي تقول بلا مبالاة


-عموما كونك فرد من أفراد المؤسسة من حقك تعرف ايه اللي حصل خلال سفرك ... مدام تغريد تقدر تساعدك في أي ملف عايزة


واستدارت مغادرة وما ان امسكت مقبض الباب حتى التفت إليه وقالت بنبرة متهكمة


- متخافش مني أوراقي سليمة ولا حماتي العزيزة كانت زمانها استلفت من اللي يسوي وميسواش


وقحة ... سليطة اللسان ... لا يعلم كيف أخيه المسالم تزوج تلك المرأة ، من الواضح أن أخيه لم يقدر علي ترويض زوجته او استطاع ترويضها وهي فقط تظهر مخالبها للعدو !!


************


إذا قالت امرأةٌ


إنها ستُحبُّكَ حتى الأبدْ..


وإنكَ زَيْنُ الرجالِ


فلا قبلكَ كانَ أحدْ


ولا بعدَك..


سوفَ يكونُ أحدْ.


فلا تطمئنَّ كثيراً إليها،


لأنَّ الدقيقةَ عند النساءِ،


أبدًا …


- نزار قباني


أغمض جفنيه والهواء الذي يدخل من نافذة سيارته يداعب خصلات شعره التي استطالت وقميصه الذي تركه محلولا حتى منتصف صدره ... أرخى رأسه على مقعد سيارته وعقله يفكر في خائنته الجميلة ماريا ... كانت عنفوانية وتضج بالحياة في مرحلة سابقة قبل أن يأتي ذلك المسخ ويمتص رحيق حياتها ، كانت محط أنظار الجميع نساءا ورجالا وهو لن ينكر سحرها وهالتها التي رآها بها أول مرة ....


كان هو في طريقه للخروج من المطار ... شقيقته وعائلته منتظرة إياه على احر من الجمر لرؤيته بعد فترة التي قضاها في الخارج ... لهفته لم تجعله ينتبه إلى ذلك الجسد الناعم الذي ارتطم به .. سمع نبرة حانقة من صوت انثوي تسبه وتلعنه بالانجليزية ... ضيق عيناه وهو يراها تلملم محتوياتها التي سقطت من حقيبتها ... اخفض جذعه وهو يلتقط اشيائها ليقول بنبرة ساخرة ما أن رآها مرتدية شعار شركته للطيران


-نعم!!!


والكومة الشقراء رفعت عيناها الأسرتين لعيناه ... وكم كانت أسرة بلمعة الغضب التي تطل من عينيها الساحرتين لتبرطم بالانجليزية 


- i said are you blind?


رفع حاجبه بتسلية وهو يراها تراقب زي الطيار الذي يرتديه بامتعاض ... وضع محتوياتها في حقيبتها وصاح بنبرة لاذعة


-متعوجيش لسانك معايا زي ما شايفة احنا هنا في ارض الوطن


اتسعت عيناها لوقاحته ... وهو يغرق في عيناها بدون رحمة ... شدت علي خصلات شعرها بجزع هاتفة بحنق


- what ? .. who you think your self? 


استقام قائلا وهو ينفض تراب وهمي من ملابسه


- اظن كلامي واضح يا انسه .. لسانك ده تغيره على حسب الدولة اللي عايشين فيها .. وبما ان احنا في مصر ف انتي مضطرة تتكلمي بلغتها


والتفت مغادرا دون أن يزيد كلمة أخرى واضعا نظارته القاتمة على عينيه وهي وقفت مشدوه ... عيناها متسعة ببلاهة هامسة بزمجرة قطة 


- الوقح


التقط تلك الكلمة بسهولة ... لقد حفظ بسرعة رهيبة إلى نغمات صوتها الناعم ... وذلك الصوت حتي الان لا يترك مخيلته قط ... هي تعذبه ليلا ونهارا والغبية لا تعلم او تتظاهر انها لاتعلم !!


ماذا يفعل معها ... لقد تعب يقسم أنه حاول بعد تلك الليلة أن يعود لأمريكا كما كان ... لكن ذلك النابض اليائس جعله يعدل عن قراره ... فتح عيناه ليضرب بيأس على المقود صائحا بوحشية 


- ازاي كنت غبي بالشكل ده


بعد عدة دقائق اخرج شحناته السلبية وما أن أبصر الى اسم المتصل الذي يدق بإلحاح على هاتفه ... ابتسم ما ان علم هوية المتصل شقيقته ليرد علي الاتصال بنبرة هادئة 


- ايوا يا حبيبتي ... ايوا وصلت مصر 


ارتخت ملامحه المتشنجة ما ان استمع الى صوتها الدافيء الذي يتسلل بخبث الي قلبه ... سكنت ملامحه وهو يقول 


- وانتي كمان وحشتيني ... شوفي اختك التانية فين وجيبها حتي لو كانت في بالي تجي في أقرب فرصة


اغلق الهاتف بعد عدة عبارات وعد عن قدومه إلى المنزل ... عاد يغلق جفنيه مرة اخرى ... عليه اولا ان يطمئن علي اختيه ، لقد تصفح ليلة أمس صفحة تلك المتمردة ليراها تضع حول عنقها ثعبان ضخم ... لا يعلم ما الذي يفعله ليكبح جماح أفعالها المتهورة ... لكن أكثر ما يقلقه تلك الهادئة ... لا يعجبه ذلك السكون المنبأ بالعاصفة ....


زفر بحرارة وهو يعيد تشغيل المحرك لينطلق بسيارته وهو يحاول ان يخرج ذكري المخادعة ماريا هامسا بحزم


- اظن ان دي النهايه 


*********


هائمة تسبح في فلك نضال ... هي مجرد زائرة وسيلفظها في النهاية ... رغما عنها ورغم تلك الكلمات التي تتجلد بها ، ضعفت


نضال يملك قشرة صلبة 


قشرة أرادت بفضول انثي أن تزعزعها


وحينما علم لفظها بكل قسوة


علاقتهما ليست مجرد علاقة حسية بين الرجل وامرأته


توقفت عن السير وهي تعيد كلمة امرأته ؟! ... اهي امرأته ام خيالها الخصب ينسج احلامها نهايته انها ستسقط من مدار فلكه والجاذبية التي تجعلها تحلق في فلكه ستتلاشي وتسقط هي ...


تفاجأت ما إن ابصرت ظلا حائلا بينها وبين الطريق لترفع عيناها الي عماد الذي أشرقت ملامحه قائلا


- صباح الخير يا ست البنات


ابتلعت ريقها بتوتر ... اخر ما تود تفكيره هو ذلك الرجل الذي يعطيها حب غير مشروط كما تفعل مع نضال .. بللت شفتيها وهي تجيب بهدوء


- صباح النور


تسائل بهدوء وهو يتفحص ملامحها الناعمة بشوق ... عيناها الغامقتين بها شجن مؤثر لقلبه


- الحاج بخير؟


كم ودت ان تخبره انه نضال الذي من المفترض أن يسألها عنه ... لقد سقطت هي في قبضته لطاما أنكرت وقلبها يخفق اعتراضا لكنها الشوق اضناها لرؤية ملامحه الساخرة و كلامه القاسي


كم هي امرأة يائسة في حبه !!!


ردت ببرود


- كويسين الحمدلله تشكر على سؤالك  ... عن اذنك ورايا شغل


امتقع ملامح عماد وهو للحظة سيغادر ثم ما عاد اليها قائلا


- طب معطلكيش يا ست البنات ... بس بستأذنك في طلب صغير


رفعت عيناها العميقتين اليه وملامح الاهتمام غمر وجهها وصوتها قائلة


- اتفضل


احمرت أذناه ... لكنه بائس حقا وملهوف لمعشوقته تمتم بصراحة


- عارف الموضوع المفروض ميكونش هنا بس بجد انا مش قادر


رمشت أهدابها عدة مرات قبل أن تهمس بصوت قلق


-قلقتني ...خير


حك مؤخرة رأسه ليزفر عدة مرات قبل ان يهتف بجرأة صعقتها


- خير ان شاء الله انا جاي وناوي ادخل البيت من بابه قولتي ايه ؟


شهقة أشبهت صرخة ام ثكلى جعلته يصعق إلى رؤية ملامحها الشاحبة وشفتيها التي تضج بالحياة استحالت إلى شفاه بيضاء شاحبة


- انت مجنون


صرخت بها وقد تلبسها الشيطاين جميعا ... ابتعدت عنه وهي تريد اخباره انه لو اتى سابقا ربما ..... لم تستطيع اتمام جملتها لانها حتى لو جاء سابقا لكانت سقطت في نفس مداره كما الآن 


توترت معالم عماد للقلق وهو يقول بعدم فهم


- نعم ؟ّ


وقبل أن تتسنح الرد رأت يد غليظة تربت على كتفها ورائحة تحفظها عن ظهر قلب استبقت يده الغليظة ليتناهي على مسامعها ذلك الصوت الساخر 


- عندها حق .. مجنون لانك ناوي تطلب ايد خطيبتي


اتسعت حدقتي عينيها والتفت برأسها تري تلك العينين الذهبيتين تشع غموضا وابتسامة ساخرة تتزين ثغره المغوي لتهمس بارتيعاب


- نضال ؟!!


وصوت الرجل الآخر جاء مدهوشا


- ايه ؟!!


وفرح تمنت ان يحدث لها حالة اغماء كما تشاهدها في الدراما العربية ... حالة إغماء لتنسى نظرة عماد الذي تتطلع اليها بتعجب ونظرة غريبة لم ترغب باستفسارها ... لقد حطمت قلبه وكل ذلك بسبب ذلك الذي أعلن فجأة امامه انها خطيبته .


**********


رأي شقيقته المشاكسة التي تستعيد طبيعتها وكل ذلك بسبب صاحبة قصة الرجال ... لن ينكر انها تتعرض بين حين اخر لنوباتها المميتة لقلبه لكنها تتغلب عليها ... لكن شقيقته تذهله كل مرة ما ان تنتهي نكستها تفاجئه صباح اليوم التالي بطبق جديد ووصفه ألذ من الأخرى ... دماء الغانم تسير في عروقها رغم انها الكائن الأضعف الوحيد في العائلة .... راقبها بتسلية وهي تطل برأسها إلى غرفة مكتبه قبل ان تلوذ بالفرار ككل يوم الي الصالة الرياضية النسائية الوحيدة .... وكلما ذكر اسم المكان يتذكر صاحبتها بعينها التي رآها سابقا 


لقد أسقطت حصونها و تعرت امامه ... بل وبطريقة خفيه اعطت له الخيار ام الاقتراب او الابتعاد وعدم العودة ثانية لانها لن تكشف عن حصنها امامه مرة اخرى ... الفكرة اغرته بحق ، هو لن يلاقي كل يوم امرأة بتقلباتها تلك ابدا ...


صاح بصوت اجش الي رهف التي تنوي الهرب ليمسكها متلبسة وكأنه عثر عليها تتناول الحلوي اسفل فراشها حينما كانت صغيره


- تعالي 


امتقع وجه رهف بالخجل والذنب ليتابع بصوت أجش وهو يضم يديه في جيب بنطاله


- اقدر افهم ايه اللي بيحصل من ورايا وخصوصا قرب الغريبة


رفعت عيناها الزرقاء الشفافة اليه ... عيناها تذكره بعينا جدته التي تشبهها في كل شيء بطريقة تثير رعبه ان ينتهي بها الحال كما حدث لجدته التي قررت الانتحار حينما يأست من الحياة .... لكن لا جدته من الام لا تحمل دماء الغانم وهي مختلفة واصدق قوله حينما غمغمت باعتراض 


- قصدك فريال ... فريال بجد جميلة جدا رغم بحالاتها المتقلبة


حتي شقيقته تعرف بتلك الكتلة الانثوية الغريبة التي حلت على سماؤه ... ضيق عيناه بعبوس شديد


- وبالنسبة لمطعم نزار الشامي


لم تخجل ولم تطأطأ رأسها بل اجابت بصراحة وثقة 


- انا حسيت انها خطوة ايجابية ... وانت شجعتني اني امارس هوايتي


صمت للحظات وهي ترى عينا شقيقها اللامعتين حتى تراجعت جيوشها حينما همس بصوت قوي


- وطبعا ده يرجع لاقتراحها


هزت رأسها  قائلة


- مش هكدب واقولك لأ ... لكن انا عايزة اخرج بكوابيسي بأي شكل يا وقاص


اقترب منها حتى حرر يديه من جيب بنطاله ورفعها ليحيط وجهها بكفيه وهو يهمس قائلا


- تمام يا حبيبتي ... اول واخر مرة الاقيكي بتتصرفي من واركي أو تسمحي لحد انه يمشي حياتك انتي رهف الغانم


مالت تقبل وجنته الخشنة قائلة بنعومة وهي تنتسل من ذراعيه


- مع السلامه يا حبيبي ... ورايا امتحان خايفه افشل


أجابها بنبرته المتعجرفة 


- مين دي اللي تفشل ... متنسيش انتي صاحبة القرية دي


ضاقت عيناها وهي تجيبه بجمود


- وهو صاحب المطعم 


وراقبها تغادر كالفراشة التي تنتقل بخفة إلى كل زهرة .... تهجمت ملامحه للجمود وهو يغمغم 


- اظن انه حان وقت المقابلة يا فريال 


****************


كادت ان يغمي عليها حينما استمعت إلى عرضه للزواج


عرض للزواج الشرعي ...وهي زوجته للمتعة 


اي لعبة يحيكها هو .... وهي مضطرة للقبول 


ليس لانها خائفة من سحب دعمه المادي لها ولعائلتها بل لانها ستوافق على أي شيء كي تكون قربه 


لقد علمت بشدة أنها كانت لا تحيا من بعده


اي سم هو بثه في عروقها لكي تصبح خاضعة بشكل يثير الاشمئزاز


رفعت عيناها اليه وهي تراقبه عن قرب لتهتف بهدوء


- وايه سبب تغير قرارك


لمعان بريق عيناها لم يجفل عنه اطلاقا ... تغيرها هذا للاسوأ يريده وبقوة في الفترة القادمة


تذكر أول مرة حينما عرض عليها 


الوضع مشابه على ما عليه الآن ... اصطحبها الى خارج الفندق بسيارته ولأول مرة يواجهها بحديث مطول كان سابقا لا يتعدى الدقيقتين ... اقترب منها ما أن تأكد من استمالتها اليه ، وهو الان يعيد الكرة 


ضيق عيناه وصاح بلهجة لاذعة 


- اكيد مش غيرة غبية يا فرح من واحد خارج المنافسة


محق اين هو واين عادل ... الجولة الأولى انتهت بفوزه دون أي ملاكمة ، عضت شفتها السفلى بحرج وهي ترجوه أن يرحم ضعفها منه 


- ارجوك يا نضال ... لازم افهم انت عايزني اتجوزك ليه ؟ ... رغم انها كانت فترة وهتخلص


تأمل ملامحها الشاحبة بغموض شديد ... اقترب يلمس وجنتها الناعمة وهو يهمس بصوت اجش


- فاكرة اليوم اللي جيتي فيه الفندق 


لقد سقطت في فخه ذلك اليوم ... رسائل عيناه كانت تخبرها انه من منجي لانقاذها 


اقترب نحو أذنها هاسما بصوت ماكر


- اليوم اللي خطيتي بيه رجلك للفندق وانتي بقيتي شيء من املاكي يا فرح .. مهما بعدتي ف انتي ليا


ضيقت عينيها بحذر واسكتت تلك الارتعادات التي تنتفض في جسدها لتهمس بصوت جاف 


- متبعدش عن الإجابة


واخيرا قرر فك سراحها وهو يبتعد عائدا لمقعده وعيناه تنظر الى الطريق المقفر قائلا


- عرفي أو رسمي مش هتفرق كتير ... واعرفي شيء واحد انا لاول مرة احط ثقة كبيرة لحد وانتي يا تخليني فخور ب ده او ....


أغمضت جفنيها وهي تسبه ... لا ينفك الا وهو يتحدث بالأحجية وهي متطلب منها ان تفك الطلاسم في كل مرة ، زفرت حانقة


- نضال متتكلمش بالالغاز


والجملة التي نطقها نخرت قلبها بشدة 


- فرح انا بديكي قراري ... واستحالة تكون فيه مناقشة بينا


لها القرار حتى تغادر وتتركه وهي لن تعبأ بتهديداته اطلاقا ... ارخت راسها على ظهر المقعد هامسة


- والفترة دي لحد امتي ؟


غمغم بجمود وعيناه الذهبية تلمع بتوهج كاد ان يخطف بصرها


- ده شيء يرجعلي يا فرح ... بكرا بليل هنروح المأذون


ثم ثارت عواصف واندلع بركان في عيناه ليختلج قلبها هلعا حينما همس بقسوة


- وآخر مرة يا فرح تجادليني في كلامي


أشاحت بعينيها بعيدة عن مرمي عيناه ... معه خسرت كرامتها 


ولم يبقي سوي بقايا يتفنن هو في تمزقها 


ويبدو أنها ستظل في ذلك السبات حتى تأخذ من الحياة صفعة اشد قسوة وربما تستيقظ !! وهذا محال حاليا ومعه .


************


دلفت الى المطعم الشامي وكل أسلحتها التي ألقتها في وجه شقيقها نفذت أمام باب المطعم الراقي ...


المطعم هنا ليس مختصا بالحلويات ولا بالاكل السوري ... مطعمه يشمل جميع وصفات المطبخ السوري ولمسات غربية وعربية ، رأت عدة زبائن في المطعم وقدميها تسمرتا في خوف وهلع


هي مستجدة في الطبخ ... وتخشى أنه وافق كي لا يجرح شريكته في العمل الا هي شادية 


المرأة السمراء الجميلة التي رغم نعومتها وعفويتها لا تساوي شيئا بمقدار فريال وجيهان


الا انها تأسر العين بملامحها الناعمة وكم تعجبت انها اخبرتها بتهكم انها مطلقة وهي عازفة عن الزواج لترد فريال بسخرية انه من سيأتي ليكسر رأسها اليابسة تلك ... تحركت قدماها ما إن أبصرت عاملة في المطعم لتهمس بتوتر


- صباح الخير ... انا كنت جايه عشان اقابل الشيف نزار


ضيقت المرأة عيونها باستهجان واضح وصاحت بسخرية 


- ومين انتي ؟


لو تعلم تلك المرأة من هي ... لكنها ليست هي من تستخدم اسم عائلتها خارج حدود مملكتها وإن كانت المنطقة مستأجرة


حافظت على برودة أعصابها وهي تجيب 


- جايه لطلب وظيفة ...بلغيه اني رهف


ضيقت المرأة عيناها وجالت عيناها تنظر الى الفستان الناعم الذي سيفسد حتما في أول عشر دقائق من العمل لترد ساخرة وهي تشير الي المطبخ


- هو انتي ... ادخلي للمطبخ هتلاقيه منتظرك ... وللاسف متأخرة عشر دقايق عن الميعاد


هزت رأسها عدة مرات لتحرك ساقيها الى المطبخ ... خشت أن يتحول ذلك الرجل إلى شخص غاضب لكم نصحتها شادية ان تأتي في ميعادها لكن لولا شقيقها ..... زفرت بيأس وهي تدلف الى .... أهذا مطبخ !!


لما لم يخبرها أحد أن المكان الفسيح خارجا هنا يبدو كملعب مقارنة بالخارج ... هلعت حينما رأت من اصطدم بها حاملا معه اطنان من البضائع ولم يلتفت اليها ولم يعتذر اطلاقا .... المطبخ هنا أشبه بخلية نحل كل يقوم عمله هنا بأتقان ... حاربت رهبتها وهي تنظر إلى رجل بدهشة وهو يخرج العظام من اللحم بسهولة بل استخدامه للسكين الحاد أثار دهشتها


ابتلعت ريقها وهي تشاهد مجموعة تنظف السمك وتخرج اللحم من الجلد بسهولة ... هذا المكان ليس مكانها اطلاقا ستفشل فشلا ذريعا ...


ابصرته بطوله المهيب وقميصه الاسود وهو يتحدث باهتمام إلى طباخ ما ... سارت وهي تقدم رجل وتؤخر الأخرى حتما اقتربت من محيطه وحافظت علي مسافه بينهما حينما اتضح لها كم هو شاهق الطول ، همست بتوتر 


- ص .. صباح الخير


للحظة ظنت أنه لم يسمعها وهو غارق بالحديث مع الرجل ، حتى قرر أن يعطيها نظرة واحدة واستدار عائدا إلى الرجل قائلا بصوت أجش


- روح انت يا مصطفي شوف  شو ناقص في المخزن


أجاب مصطفى قائلا


- تمام شيف


ظنت أنها ستنال شرف الحديث حتى قاطعه صوت شخص يطلبه 


- شيف 


رأت شابة تقف امام وعاء كبير ... اقترب منها وهو يأخذ معلقه متذوقا حساءها ... تذوق الطعم لثواني قبل أن يغمغم بجفاء


- لا المرقه مالحة ... كام مرة نبهتك ع المقادير


اسدلت اهداب الشابة بإحباط قائلة


- اسفه شيف


وحينما لاحقته وكان مقتربا من الشابة وجدته يرحل بسهولة يراقب العمال الذين يضعون الخضار الطازج في غرفة تبدو كالبراد ... زفرت بيأس ذلك يتعمد عدم رؤيتها ... لاحقته بخطواته السريعة هامسة 


- شيف 


توقف مكانه وهو يهتف بأمر الي شخص يبدو انه يستلم مناوبته 


- محمد ساعد الشباب يحطوا الخضرا بالبراد 


أومأ الشاب رأسه قبل أن ينطلق يساعد الشباب ... أغمضت جفنيها بضجر حينما رأته يتحدث مع طباخ آخر


استدرات مغادرة وهي تفكر كيف ستثور في وجه شادية وفريال ... وما ان همت بالمغادرة حتى قاطعها صوته الأجش صائحا


- انتي ... سمحتلك انك تمشي ؟!


شهقت بفزع علي زمجرته الهادرة ... استدارت وهي تراه في مكانه مع الرجل لكن صوته جعل الجميع يتوقفون وينظروا إليه واليها .. يبدو انها اخيرا حظت الاهتمام من الجميع ... عضت شفتها السفلى وهي تعبث بشعرها هامسة بتوتر


- انا ... انا اف


اقترب منها وهو يقاطعها بكل وقاحة ناظرا إلى ساعته التي تزين رسغه


- خلص يا انسه ... اتأخرتي عشر دقايق عن موعدك ده معنى الحكي انك اليوم راح تساعدي هنادي في جلي الصحون


تنظيف اطباق !! أجن هو ؟!! 


ذلك الخبيث يعلم من هي ... وهي ابدا لم تنظف طبق ابدا كانت ترمي الأطباق بعد انتهائها من وصفاتها 


الجميع يحصل علي مشاهدة ممتعة وكأنها مهرج امامهم ، جزت على أسنانها بحنق


- والامتحان ؟


رد ببساطة 


- بكرا


هزت رأسها معترضة ... من قال له انها ستأتي بل تمكث دقيقة هنا 


- لكن انا


اتسعت عيناها صدمة وسقطت الحروف منها وهي تراه يبتعد عنها غير مكترثا لحديثها ... سقط فكها بصدمة وهمسه خافته خرجت منها وهي تراقب قامته الطويلة تبتعد عنها


- شيف


- تعالي حبيبتي


صاحت تلك المدعوة هنادي وهي تسحبها بلطف ، صاحت بثرثرة ناعمة 


-هو كده لما يغضب ... عموما تجنبيه وتعالي نشوف الأطباق ونعمل فرز الأطباق الجديدة اللي جت الاسبوع اللي فات


استسلمت الي ذلك الكائن اللطيف الي قسيم بعيدا جدا عن الضجيج ليدلفا الى غرفة المخزن والفتاة تعرف عن نفسها 


- هنادي بقالي ست شهور بشتغل في الفرع الرئيسي قبل ما أجي هنا


صافحت يدها التي مدت وقالت بتعريف مختصر لاسمها 


- رهف 


ضحكت هنادي ببشاشة وهي تسحب ذراعها لينتقلا لغرفة أخرى قائلة 


- تعالي يا رهف نشوف معركة الصحون 


********


بثوبها الأسود القصير الملتصق بجذعها وظهرها العاري الذي غطي بعدة شرائط سوداء كانت هي تسبح في فلكها 


فلك ماضيها الجميل قبل أن يشوه بمجيئه 


كم اخبرها ان شعرها الطويل المنسدل على ظهرها يكون رائعا عليها


كم اخبرها ان اللون الاسود لا يليق بها


كم اخبرها ان براءتها هو أكثر ما جذبه إليها


لكنه لم يخبرها إلى أي حد هي حمقاء ومغفلة لتسقط في شركه ... ذلك الفاسق لقد جعلها تشكك في مقدار انوثتها بعد أن اكتشفت جريمته ...


الحقير ... الداعر ، في كل مرة تغمض عيناها تكتشف فجوره الذي حدث علي مرأي عيناها في غرفتهما 


فتحت جفنيها ما ان توقفت الموسيقى لتظهر ببهوت الي مراتها العاكسة


بدت كالساحرة الشريرة في فيلم سنو وايت ... تسأل مرآتها اهي جميلة أم لا؟!


رغم عدم رد المراة لكن الرد يأتيها من عقلها .


شعرت بحركة في صالتها لتلتفت وعيناها تقع على قرصانها ... تلبست شخصيتها الباردة وهي تستدير مرحبة به 


- صباح الخير ... استاذ وقاص شرفتني لتاني مرة 


عيناه التي تشبه حجر النفيس كانت تصعد من منابت رأسها إلى اخمص قدميها الحافيتين .. ويبدو انه كان منذ البداية هنا وهي لم تشعر بوجوده 


صاح بغموض مثير للأعصاب 


- مدام فريال ... اظن جيه الوقت اننا نكشف الاوراق


هزت رأسها وهي ترد بلا مبالاة ... كم كانت ان تصلح كلمة آنسه في مقابلتهما الأولي لكنها لم تكترث بذلك الأمر بتاتا .. جل همها هو قصر عائلتها ، أشارت إلى مقعد قائلة


- واضح انك بحثت عني كويس ... وعموما اتفضل


جلست علي مقعدها ليقابلها هو بجلسته قائلا بنبرة باردة  


- متحاوليش تلعبي بالنار يا مدام


لقد قالها مرتين في أقل من خمس دقائق ... ضيقت عينيها بمكر 


- ومين قال اني طفلة بتلعب بالنار 


أجابها بنبرة لعوب


- اول واحد بيلعب بالنار صدقيني هو المتضرر الوحيد


ضحكت ساخرة وهي تهبط إلى مستوى بصره وعيناها في عينه العاصفتين لتهمس


- والست لما تحب تلعب بالنار صدقني هتفاجئك ... الست وقت ما تنفض عباية الخضوع ف احذر 


تفاجئه كل مرة .... وهذا يعجبه كثيرا 


ضيق عيناه وقال ببساطة وحديثه يذهب إلى ركن تعلمه جيدا


- مجرد فضول ولا شهوة ؟َ!


مالت برأسها وهي ابدا لا تشيح عيناها عن عينيه 


كل ما يريده الرجل هو امراة تستطيع ان تصمد امام العيون الشهوانية


لكن معه تغرق في لجة عالمه الغامض


يريدها قوية لكنها ضعيفة من شوقة .. ولعه .. وجنونه .. واغراءه .. و غيرته الحمقاء


يريدها حسناء معه .. أنثى مثقلة بالاغراء والدلال ، لكن مع غيره تكون رجل تناطح الجميع ، كالكرة البيضاء في لعبة البلياردوا تصطدم جميع الكرات الملونة لكنها يجب أن تكون أبيه تتحمل صدمات الكرات التي تخدشها وتكسر شيئًا من روحها .


ضيقت عيناها وهي تتلاعب باظافرها المطلية باللون الاسود لتهتف بصوت بارد


- صدقني انا اكتر واحدة لما بشتهي حاجة عمري ما بسيبها


وهو الرجل وقف يحدق نحوها بوجوم ونظرة جامدة يشملها كليًا .. من هي كي تعلم عن الاشتهاء ؟! .. اي امرأة جريئة قابلها وهي تختار كلماتها بعناية مطلقة بل وتطرق علي الحديد وهو ساخن .. تلك المرأة تستفز به شيئًا في داخله لا يعلم كنهه عن نساء غيرها ، لكن منذ متى يخر الامبراطور راكعا أمام امرأة .. ليلاعبها بأعصاب باردة


- صدقيني مهما بلغت قوة الست بتتحرق بس قدام راجل يلعب في مشاعرها ... يحسسها بأنوثتها المدفونة


ابتسامة ساخرة زينت ثغرها لترد


- مفيش ست بتبقي جارية إلا برضاها التام .. ببساطة التعبير زي ما الراجل بيقول خاضعة بشروطه وملك يمينه


غمغم ببرود


- ومفيش راجل هيخضع لست ويجي على كرامته


- متبقاش نافش ريشك جامد اووي .. انت لو جربتها هتتمني الموت ولا هتطيله .. انك تلعب وسقف طموحك عالي كالبرج العاجي اول واحد هيتكسر برجه


توقفت أصابعه على اللعب في مسند كرسيه ليضيق عينيه إلى المرأة أمامه .. بشعرها الذي يشبه قصة الرجال بل الشباب الطائشين و خيل له أنها بشعر يصل الى خصرها .. لكنه يليق الشعر القصير .. يليق بها تماما


- تراهني


تمتم بها بنبرة عابثة لتشتعل براكين من النار في عينيها وهي ترد بنبرة لعوب


- اراهنك انك هتتحرق يا وِ .. وِقاص


ومن قال إنه لا يحب اللعب بالنار ويحب ألسنتها المستعرة والدفء الذي يبدد شيئًا من طابعه القاسي !!


استقام من مقعده وهو يعدل من سترته ليرمقها بغموض قبل أن ينحني نحوها قائلا 


- اقدر اقول انك تنتبهي يا مدام ... اللعبة اللي بتلعبيها معايا هتخليكى تحت قبضتي


غمزت إحدى عيناها بمكر وهي تجيبه بنبرة تحمل غنج 


- السجينة تقدر تفاجيء السجان 


وهو يتحرق شوقا لتلك السجينة  التي دلفت الي سجنه برضاها التام .....!!


************


نظرت إلى الساعة التي تخطت السابعة والنصف مساءا ... لقد استنزفت طاقتها وهي تضع الاطباق في المغسلة الضخمة وإعادة ترتيبها إلى مواضعها ثم التأكد من عدم وجود أي خدش ... بل واستخراج اطباق جديدة مخصصة للحلوى 


اليوم قضته كله في تلك الغرفة ولم تعلم ماذا يدور خارج تلك الغرفة التي حبست فيها لساعات ... لكن ما صبرها هو الطعام والحديقة الخلفية التي قررت أن تخبرها حظها السيء عن يومها الأول


وهي التي سهرت لتتعرف على اطباق ووصفات المطبخ السوري ... كانت ستفاجئه اليوم بوجبة من بلاده لكن كل ذلك ذهب هباءا 


نظرت إلى ثياب عملها المكونة من بنطال أسود وقميص ابيض لتمسح العرق المتصفد على جبينها بكم قميصها قائلة بلهاث وهي ترتمي على أقرب مقعد


- اليوم كان متعب 


وافقتها هنادي بهزة من رأسها قبل أن تصيح بمرح


- بس محستيش بيه ... صح ؟!


لما اصرت ان تظل حتي اخر اليوم لا تعلم الاجابة


لربما هي تعطيه فرصة كي لا تشكوه لشقيقها


كي لا يظن الفتاة التي من الطبقة المخملية مجرد فتاة مدللة


أو ربما لتزيد من سخطها عليه !!


التفت إلي هنادي قائلة 


- هو كل يوم كده


أشفقت هنادي علي ملامح رهف المجهدة لترد 


- مش عايزة اصدمك واقولك انه احنا لسه في بداية الأسبوع


نكست رأسها أرضا هامسة بتعب ... تود العودة الى منزلها وفراشها الناعم الآن 


- مكنتش اتخيل انه شغله متعب 


بطبيعة هنادي الثرثارة قالت 


- شيف نزار مقسم الشغل علينا كلنا ... كل واحد هيمر عليه نفس العذاب ده ... مش عايزة اقولك حتى هو بذاته بيعمل نفس الشغل اللي عملناه مع حد من مساعدينه


ضيقت عيناها بعبوس 


- طب وليه؟


تابعت هنادي بعد ان جذبت اهتمامها 


- بيقول ان اي شيف لازم يمر بكل حاجه في المطبخ من أكبرها لا صغرها ... وبما ان النظافة هي شيء اساس قرر هو يشرف عليه بنفسه ... شيف نزار طيب جدا ، هو حفر الصخر بايديه علشان يطلع بالصورة اللي انتي شيفاها 


هزت راسها بدون معنى لتتفاجئ بسماع صوت أجش يقول


- روحي انتي يا هنادي .. الوقت دوامك خلص


جاء الفرج وقامت هي الأخرى من مقعدها للخروج لكي تري التي سابقت الرياح لكن جسدها تخشب حينما سمعت تلك النبرة الاجشة تقول 


- وقفي  عندك يا انسه


التفتت اليه بيأس قائلة بضجر


- مش ده ميعاد الانصراف


غمغم بنبرة لا تقبل النقاش


- الموظفين اللي تحت بينصرفوا مو اللي لساتن تحت الاختبار ... البسي المريول وشوفي بالمكونات اللي عندك شوفيكي تطبخي 


سارعت بتنفيذ اوامرة وقد بلغ منها الصب لمنتهاه ... ارتدت المريول ولحقته حتى وقفت على طاولة بعيدة نسبيا عن الطباخين والتي من المرجح هي طاولته ... كادت أن تبلغه أنها لا تستطيع القيام بأي عمل 


- انا بس


قاطعها بنبرة باردة 


- نص ساعة و بدي شوفك رديتي الطبخه 


تركها و استدار مبتعدا لتنظر الى المكونات ... رأت باذنجان وبطاطس وطماطم والباقي لا تعلم كهنة، أخذت تدب الحماس في عروقها لكي تخرج ابداعا ...


بعد نصف ساعة عاد وتبدلت ملامحه الواجمة لصدمة وهو يرى الباذنجان الذي احترق والبطاطس التي قطعتها بغير تساوي  أمام عصير الطماطم فحدث ولا حرج لقد انسكب نصفه على الرخام ... صاح بغضب هادر ارعبها بشدة وهي تكتم دموعها


- ايه ده ؟


انفجرت في بكاء مرير وهي تعلم تلك النظرة .... سيطردها شر طردة وهو محق في ذلك ... هي مجرد طفلة ارادت ان تقلد والدتها مستغلة غيابها من المنزل ... ترقرقت الدموع من ماقيها قائلة


- معرفتش اعمل غير مسقعة ... وواضح انها ....


عبث في خصلات شعره البنية المائلة للاشقرار ليقول بصوت هادئ


- اهدي ماصار شي


وزاد بكائها أضعافا حينما استمعت إلى نبرته الهادئة لتصيح 


- انا فشلت اعمل مسقعة ... انا مش بعرف اطبخ .. واضح اني جيت هنا غلط 


ثم خلعت مريولها واستدارت خارجة قبل ان يطردها ليصيح بهدر 


- انسه رهف انا ماسمحتلك أنك تمشي


مسحت دموعها بذراع قميصها ليشيح ببصره متقززا وقال وهو يرتدي مريوله وينظف أرضه التي عاثت فيها فسادا .. امرها بالجلوس على المقعد والتفت اليها قائلا بصوت حازم


- اليوم هو الدرس الاول لعمل المسقعه


ولا تعلم كيف مر الوقت وهي تراقب يداه الخبيرتين لتقطيع الباذنجان والبطاطس ... بل رشاقة وخفة حركته في المطبخ  وبل حرصه علي النظافة بعد انتهاءه من كله خطوة وهي التي تترك تلالا من الاطباق خلفها... راقبته بأعين مبهورة وهي تراه يخرج الصينية من الفرن ووضع قطعة في طبقها ليقول بصوت رخيم


- خبريني رأيك 


وضعت اللقمة الأولى في فمها وذابت فيها بسهولة ... غامت عيناها الزرقاء ورفعت بعينها الي عيناه الراكدتين هامسة


- حلوة اوووي 


هز راسه بعرجفه تليق به ... اي شيف مشهور تليق به التعجرف حينما يستمع مدحا من النساء اللاتي استطاع الفوز عليهن في ما هما مبدعات فيه ... القي مريولة على المشجب وصاح بصوت جامد 


- كويس بكرا الصبح بتكوني مجهزه هالطبق لألي


سقطت الشوكة على طبقها حتى اصدر ضجيجا مزعجا ... رمشت أهدابها عدة مرات بغباء ... أيطلب منها أعداد نفس الطبق وبنفس كفاءته ؟!!


*************


زمجرت شيراز وهي تهب من المقعد هادرة 


- انت بتتكلم وبتقول ايه يا سراج ؟


هز سراج رأسه وقال بلا مبالاة وهو عالم أن ذلك الانفجار ما هو الإنذار بانفجار البركان 


- زي ما سمعتي قبل النكسة خسرنا كتير وتراكمت الديون علينا


هزت رأسها وهي لا تصدق تلك الحية اسرار تفعل ذلك ... تلك الخبيثة ازدادت خبثا ويجب عليها ان تقطع رأسها 


- ايوا لكن ضياء قال كل حاجة اتحلت بعد كدا 


غمغم سراج بنبرة متهكمة وهي يعبث بلحيته 


- واضح انه مقالش ان مراته ساعدته


تذرع الأرض مجيئا وذهابا ... كيف تأسر علي جزء من أملاكهم تلك الحقيرة ... كيف تجرأت وفعلتها .. زمت شفتيها بحنق 


- ونسبتها قد ايه ... نديها فلوسها و نخلص منها


الاب يشاهد ما يحدث ببرود وسراج كان ينظر إليه بنظرة ذات مغزى قبل ان يلتفت الى والدته قائلا


- مش هينفع اسمها واسم عيلتها هو اللي مخلينا ثابتين في مؤسستنا


دبت بـ قدمها علي الأرضية المصقولة  وصاحت بصراخ


- عملتها ... عملتها بنت الغانم


قام سراج من مجلسه وقال بنبرة لا مبالية


- امي ... واضح انه مفيش مشاكل زي ما كنتي بتقولي .. شغلها سليم وميه ميه وبالعكس بتطور في المؤسسة


استدرات شيراز نحوه بحدة ... لقد أصبحت في خطر وغرورها جعلها تهبط الى سابع ارض لتقول


- انت مش فاهم ... احنا وقعنا تحت ايدين رحمتها بنت الغانم


تأفف سراج بضجر وهو ينهي ذلك الحديث العقيم


- امي 


عضت شفتيها بحنق مغمغة بإقرار


- لأول مرة اشهد بذكائها ... انا شيراز اقع بين ايديها


لن تعيد تلك الكرة مرة اخرى ... لن تخدع نفسها وذكائها الذي خانها تلك المرة ، شعرت بيدي ابنها اللذان تحتضنان ذراعيها


- امي اهدي .. مفيش داعي لكل ده 


ألا يعلم هو في أي مصيبة وقع !!! ألتلك الدرجة هو غير مكترث ... هي ببساطة ستمد يدها إلى تلك الحية لتطلب منها المال ... تستأذن منها مالها هي 


اشاحت بذراعيها بعيدا عنه وقالت


- فيه يا سراج ... فيه ان كلنا بقينا تحت ايدين رحمتها ... هتتدخل في كل قرش طالع وخارج 


تألقت عيناها بشرر وهي تهمس


- انا لايمكن اسكت علي اللي حصل ده اطلاقا 


تدخل الأب ببرودة أعصاب قائلا بجفاء


- شيراز اهدي 


التفتت إلى زوجها وصرخت في وجهه 


- أهدي ... بعد كل ده اهدي


سحب سراج مفاتيحه من المنضدة واستدار مغادرا وهو يقول ببروده اعصاب


- طيب انا هسيبكم وهشوف مشاويري


راقبته شيراز وهو يغلق باب المكتب لتصفع بيدها على سطح المكتب وهي تمتم بحقد


- بنت الغانم اتفوقت عليا ... لكن انا عمري ما هسيبها 


غمغم زوجها ببرود


- هتعملي ايه يا شيراز ؟


للحظات ظلت تفكر في أي حل يخرجها من تلك المصيبة ... اي حل يجعل تلك الطامعة الصغيرة ترجع اموالها واموال عائلتها .. ظهر وميض في عيناها والتفتت الي زوجها وهي تهمس بظفر


- مفيش غير حل واحد ... اسرار هتبقي لسراج


اتسعت حدقتا زوجها وقال 


- انتي اتجننتي والناس تقول ما صدقت تخلص عدتها علشان تروح لاخوه


اشاحت بيدها ... تقسم انها لن تسامح زوجها العالم بكل ما حدث منذ فترة غرق الشركة بالديون ... تمتمت بتصميم


- يقولوا اللي يقولوه ... مش انا على اخر الزمن اشحت منها فلوسي 


وقد أًصدرت الملكة فرمانا غير قابل للنقاش


فرمان خاضع للتنفيذ


ابتسامة شيطانية زينت ثغرها وهي تهمس 


- سراج لـ اسرار وانتهي الامر 

              الفصل العاشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>