رواية في قبضة الامبراطور الفصل الرابع والعشرون24والخامس والعشرون25بقلم ميار عبد الله


 في قبضة الإمبراطور 

الفضل الرابع والعشرون 


انفاس علي وشك ان تزهق


روح على وشك الاحتضار


قلب ينزف بغزارة


بمرارة ، بألم ، بطعنات الغدر.


يسير بشرود وعيون تبحث عن شبيهتها


عيون ذهبية تلمع بتحدي لتقابل عيون دافئة


في قارعة  الطريق .. وألحان شجية كانت تطرب ذهنه.


لطالما اختارها كونها شبيهة له ، يوجد بها نقص مثله 


نقص دفء العائلة كما شعر هو 


تبحث بإستماتة عمن يقدرها كينونتها مثله


لكنها مختلفة عنه في شيء واحد


هي مختلفة


مختلفة لدرجة عجيبة


عيناه تتألق في الغوص لعيناها التي تنظر اليه بشغف ، جسدها يرتجف شوقًا بلمسة منه .. عيناها المشعة بحنان يبدد الظلام الذي يحيطه ،  ابتسم بشجن وهو يتذكر اليوم الذي غابت شمسه عن سماءه ليحله غيوم.. جو يخنق الأنفاس .. يصيب الجسد بالمرض.


يوم واحد وانهار العالم من حوله


هو يتمسك بقوة بأيده واسنانه لمن يهتم به ، عقدة به .. عقدة اليتم ما زالت في داخله .. وهو صغير بالكاد حظي على اهتمام من فرد واحد


لكن وهو رجل ناضج .. يري فرح التي قابلها اول مرة في المطعم


لم يختارها كما باقي النساء ليكسر غرورها ، او يظهر اي وجه قبيح هي !!


اختارها لانها كانت واقعية وليست مثل النساء الساذجات اللاتي توقعن أن يصبح في مصيدتهم .


تنهد بحرارة شديدة وعيناه الغائمة تنظر الي شمسه التي حلت لعالمه من جديد ، دفء استلذه من جديد ليقبل جبهتها بعمق 


ترقرقت دموع من جفني فرح وهي تنظر إلى العلاقة المتينة بين الأب وابنته ، لما لم تحظي علي اي شخص يهتم بها ؟!!


أم انانية واب مريض بالكاد يحاول ان يستند بعكازه للسير .. تنهدت بحرارة وهي تنظر الي ظهر نضال العريض ليزداد بكاءها الصامت


ومن أحبته في الجهر لم يعلن بعد ، وكأن وجودها هنا  علي حسب مزاجه ... غامرت هي بحياتها وهو  ما زال كما هو ، لا يطمئنها اطلاقا ... لا  تعلم أين هي موقعها في قلبه ؟


اقتربت منه وهي تلمس ظهره باناملها قائلة 


-شمس بخير متقلقش


أنامل مترددة .. خاشية بالكاد شعر بها ، وصاحبها أشد ارتباكًا وخوفًا .. مال نحوها وذراعيه تحمل شمس النائمة بدفء جعلها تشيح بعيناها بعيدة عن الصورة المثالية للعائلة الدافئة ، إن غابت عن الصورة تقسم أن وجودها من عدمه لن يفرق معه .. 


غمغم بصوت أجش 


- عمل الحيوان فيكي حاجه


ارتفعت عيناها اليه ، أجفلت بقوة من تلك النظرة في عيناه


ملئية بقسوة وغضب وشيء بسيط من الإهتمام


انفلت عقال نبضات قلبها الرتيبة ليزداد خفقان قلبها وعيناها تبدي اهتماما كبيرًا ، اجلت حلقها وهي تهمس بشحوب


- مفيش حاجه حصلت .. كنا كويسين


هز رأسه وصب تركيزه علي صغيرته ، دفن وجهه في وجه صغيرته ، صغيرته تحيطه في منطقة آمنة


رائحتها الطيبة .. سكونها الملائكي ، وحينما تشرق الشمس في عيناها ... ربااااااه ، غمغم بصوت أجش 


- يالله 


لمس شعرها وصاح لصغيرته بصوت خشن


- متتخيليش قد ايه وقتها قلبي وقع بين رجليا لو حسيت انك بعدتي عني


ابتسامة لطيفة علي ثغر شمس وهي تنام بكل طمأنينة بين ذراعيه جعله يهمس 


- يا شمس نضال اوعدك اني عمري ما هسيبك ، طول ما فيا نفس انت في حماية ابوكي 


شهقت فرح لتسارع تكتم شهقتها المفجعة لتسارع الخروج من الغرفة ، نضال كثيف المشاعر .. قلبه ينبض بعشق فقط لصغيرته وهي حتى لم تحصل منه على الفتات


فتات سترضى به ، لكنه لا يجعلها تقف على أرض صلبة ... بكت بحرقة وهي تفتح باب غرفة النوم لتشهق بفزع من ما امسك معصمها وادارها إليه تحاول أن تتصرف بطبيعية ، وهدوء وهي تمسح دموعها الخائنة لتتسع عيناها بذهول من نظرة عيناه الداكنة .. تعرف تلك النظرة جيدًا .. همست بذهول


- نضال


كبحت دموعها بصعوبة ، وهي تتجلد بشكيمة لم تعلم أنها في ذاتها ، اقترب نضال محاوطا جسده نحوها ، ارتعد جسدها وهي تراه يحيطها من كل جانب ... تأثرت بقوة من لمسة أنامله على وجنتيها لتسمعه يغمغم بجمود 


- رايحة فين 


نظرت الى غرفة النوم التي عزمت أن لا تطئها ابدًا حتى تعلم موضعها الأصلي في حياته ..  اهي شخصية حركية في مدار حياته أم مجرد شيء لا يؤثر اطلاقا ، لعنت غبائها وهي تهم بالخروج من غرفته


- رايحة انام


امسك ذراعها ليشدها بقوة اليه لينغمس جسدها في ذراعيه  ، خبأت وجهها في صدره لتسمعه يهمس بصوت خشن


-ابكي


انهارت حصونها وكأنها الإشارة الخضراء لتبكي بقهر في حضنه ... تبكي انها لم تجد في حياتها وطفولتها شخص يحنو عليها .. عائلتها لم تحنو عليها ، فكيف بغريب يفعل ذلك ؟!!


تمتمت بقهر شديد وهي تضرب على صدره بوهن


- هتحس امتي يا نضال 


لف ذراعه حول خصرها والأخرى رفعت رأسها اليه ، نظر نحو فرح بغموض .. وداخله يسخر " كيف لفاقد الشيء أن يعطيه "


وكأنها فهمت ما يقوله من حديث عيناه


لتهز رأسها نافيًا وهي تتشبث بأناملها في ذراعيه ، صاح نضال بهدوء


- مين قال اني مش حاسس يا فرح


اتسعت عيناها جحوظًا وهي ترى تغير لمعة عيناه الداكنة ، يعذر جمودها وهي تسقط فكها ببلاهة لتفسر نظرته ... كادت ان تنفلت من ذراعيه هاربة منه إلا أنه دحض مقاومتها ليقترب منها اكثر .. راغبًا في نهل روحها الطيبة لتهمس بتردد


- نضـ ..


وصمتت


شفتيه أخرست مقاومات جسدها ولسانها .. اغمضت فرح جفنيها وهي تتشبث بعنقه ، لمسته بها شيء متغير 


شيء ملموس لدرجة جعل جسدها يرتعد .. وانامله تغيرت عن المرات السابقة في علاقتهما السابقة .. وحينما استفاقت من تلك الغيمة الضبابية كادت ان تعترض بصوتها الانه أصمتها نهائيًا .. وتبقي حديث خاص بينهما .


*****


ابتسم وقاص وهو ينظر نحو نزار المنتظر إجابته ، غمغم وقاص بجمود


- عارف يا نزار .. انت فاجأتني بسرعتك .. بس انا اللي هرد بالموافقة او الرفض ، صاحبة الشيء مسؤولة عن الموضوع ده


عبس نزار وهو يشعر نظرة الرفض في عيناه، هم بالكلام إلا أنه صمت حينما لمعت عينا وقاص وهو ينظر نحو باب الغرفة المفتوحة ليصيح بصوت جامد نحو المتلصصة


- تعالي


عضت رهف علي شفتها السفلي حينما عرفت ان وقاص اكتشفها ،نكست رأسها ارضًا واحمرار وجنتيها اعطي تأثيرًا لنزار مدمرًا عليه ، ملاك يسير على قدمين بوجنتين مشبعة بالخجل  وعيناها تبتعد عن عيناه خوفًا .. ارتباكًا ربما !!!


لن ينكر وقاص أن هناك شعلة نارية اشتعلت في عينا ذلك الشامي ، ورهف التي تجلس امامه وجهها ناكس ارضًا ، رباااه صغيرته كم أصبحت امرأة .. ما زال يراها طفلة وفي عيون الرجال إمرأة .. اختنقت عبرات في عيناه ، لينفض تلك المشاعر الان ، رهف هي من ستحدد طريقها وليس هو


وإن كان يحبها سيظل بجانبها رغم عن انفها وإن رفض سيلقيه في اخر البلاد وهو مسؤول عن حمايتها.


صاح بلهجة هادئة بها نبرة ذات مغزي التقطتها رهف 


- الشيف طالب ايده منك .. ياتري ردك ايه


رفعت رهف عيناها نحو وقاص ... ترجوه أن يتوقف لا تستطيع ان تخبره ... الا نزار .. الرجل الوحيد الذي تضعف كليًا امامه ، تخشي ان تهتز صورتها أمامه ، تمتمت بهدوء


- اللي تشوفه يا وقاص


ونبرة وقاص الخشنة .. ثبتتها وهي تعلم ان نبرته تزجرها من هروبها 


- مش اللي اشوفه انا .. اللي تشوفيه انتي


استقام وقاص من مقعده وهو يشيح بعينيه عن عينيها ، همست برجاء


- وقاص ارررجوك


شمل نظرة نحو نزار الذي يحاول ان يستوعب ما يحدث حوله الا انه صاح بلهجة صارمة لشقيقته


- عشر دقايق وهسمع ردك النهائي 


خرج من غرفة المكتب دون أن يغلق الباب ، بهتت رهف وهي تنظر نحو نزار ... انفجرت في وجهه صارخة


- ايه اللي عملته ده يا مجنون


اتسعت عينا نزار ، استقام من مقعده وقال بنبرة هادئة


- انا ؟ شو عملت ؟؟ اجيت وطلبت ايدك شو فيها 


جزت على اسنانها وهي تنظر اليه بقوة ، تحاول ان تشيح بعيناها عن عيناه كي لا تضعف كالغبية 


- نزار بطل جنان من فضلك ، انا غير اللي انت شايفها


يحاول نزار أن يعلم الصورة الناقصة ، حديث الاخ والاخت كان يحوي رسالة اخري .. لن ينكر أنه استشعر بهناك شيء جلل ، لكن تلك الغبية تهرب بعيناها عن عيناه .. تختار العنف والهجوم كي تصده .. اقترب قائلا 


- شو تقصدي


اختنقت انفاسها وهي تحاول ان تزيل تلك الذكريات العالقة في ذاكرتها ، غمغمت بصوت مؤلم


- مريت بفترة صعبة جدا من سنتين وبحاول ارجع زي زمان .. ارجوك 


توسلها زلزل كيانه ، أصبح في مواجهتها ليمسك ذقنها قائلا بصوت حاني


- حط عيونك بعيوني


النظرة التي في عيناها ... انها نفس النظرة ما ان اقترب منها أول مرة ، تلك المرة هي تصرخ في وجهه .. تناجيه بتوسل مميت ، ابتسم بحنو هامسًا 


- شافيه قلبي .. هاد قلبي عمره ما دق غير لالك ..قليله يوقف عن نبضه لما يشوفك ويحس فيكي يا رهف


هطلت الدموع من عيناها دون ان تشعر ، ياليته قابلها قبل عامين .. همست بصوت متهدج


- نزار .. انت بتصعب الموضوع 


  -مين يلي حكالك هالحكي ؟منشان الله يارهف لا تخافي مني ،انا بعرف انك خايفة لانو انا وياك ثقافتنا مختلفة بس انا بوعدك بس ما راح تندمي على ها الشي


اسدلت رهف أهدابها ، تمنع تأثير عيناه المغناطيسية عليها ،همس اسمها بعذوبة


- رهف 


أيقبل إذا ؟


هل تختار المواجهة الان وتري عيناه ؟!


تعززت بقوة وهي ترفع عيناها لتقابل عيناه الحانية ، حان الآن القاء قنبلتها 


- تقبل علي نفسك تتجوز واحدة راحت مصحة علشان تتعالج من الإدمان .. تقبل ان واحدة جسمها كله اتلمس من ايد راجل تاني .. تقبل ده .. اكيد لأ .. رجولتك مش هتسمح


اهتزاز حدقتيه هذا ما تلقته واتساع عيناه ، لتبرق عيناه بجنون شديد ونار مستعرة تخرج من انفه لسعت بشرتها لتسمعه يصيح بلهجة مرعبة


- مين ؟


ارتعد جسدها بقوة من نبرته الخشنة ، ملامحه الوسيمة اصبحت مخيفة .. أسنانه التي تبتسم وتتغزل النساء اصبحت كأنياب على وشك الفتك بها الآن ، تمتمت بجفاء وهي ترتعب حرفيًا من عيناه 


- الماضي ادفن يا نزار


صرخ في وجهها بوحشية وعلامات الادمية انمحت من وجهه


-مين هالواطي ؟


قالت بنبرة باردة 


- بيسان مناسبة ليك يا نزار ،صدقني تنفعك جدا مش زيي، اما انا هعيش حياتي بالطول والعرض


وكادت أن تفر منه الا انه امسك معصمها بقوة آلمتها لتجحظ عيناها وهي تسمعه يصيح بعنف


- قليلي وينو هاد الحقير


اجفلت بقوة من الشتيمة الخارجة لتنظر الي معصمها الذي كاد أن يحطمه لتهمس


- معرفش ومش عايزة اعرف ، كل يوم بصحي علي كابوس وبقول ان انا قوية ومش هستسلم ولما اشوفك ….


صمتت وهي تهز رأسها نافية ليصيح بقوة


- كملي


كلا ... عائلته لن تسمح بذلك .. لن تسمح ، صاحت بحرقة وهي تنفلت منه بقوة 


- انا اسفه .. ارجوك انسي ، المشاعر لسه وليدة تقدر تقتلها 


غادرت راكضة من غرفة المكتب .. ليتنفس نزار بحدة وهو يمر انامله على خصلات شعره .. زم شفتيه وهو يطلق شتيمة نابية ليبصر وقاص الذي قال بهدوء 


- شرفت يا استاذ نزار


هز نزار رأسه وهو يسير مغادرًا دون كلمة .. تلك الـ .. ، اغلق جفنيه لثانية وهو يتوعد لها .. تفشي بسر مرعب كذلك في وجهه وتلوذ بالفرار ولا تواجهه .. حينما تقع بين يديه لن يرحمها.


*******


دلك وقاص عنقه وهو يدلف الى غرفة نومه مع ساحرته الشقية صاحبة الخصلات القصيرة المتمردة ، ابتسم وهو يفك ازرار قميصه ويداه تتجه ناحيه لكمة نضال العنيفة .. انحسرت ابتسامته وهو يرى السرير الخالي من وجودها ، شعر بحركة في حمام الملحق بالغرفة وما هي الا ثواني وخرجت ساحرته وهي تلف بمنشفه قصيرة بالكاد تغطي مؤخرتها .. جحظت عيناه و نار شبت في جوفه .. ازدرد ريقه وهو يصيح بصوت أجش 


- فريال


اجفلت فريال من صوته بينما هي تجفف شعرها بالمنشفة القصيرة ، احتقن وجنتيها وهي تبصر جذعه العاري .. اقترب منها وهو يغمغم


- بتعملي ايه


كشرت عن أنيابها وهي تشيح بعينها عن عضلات جسده البارزة ، لتهمس بسخرية


- بعمل ايه  ... رايحة انام 


وضع أنامله على جيدها ليمرره على طول عنقها هامسًا 


- لا والله .. واللي عملتيه من نص ساعة ايه


رفعت عيناها وهي تغمغم ببرود 


- خلاص يا بيبي شطبنا 


ارتجف جسدها حينما مال وجهه في وجهها ، تنهيدة عميقة كتمتها وهي تمرر بعيناها تلتهم عيناه التي خرجت عن السيطرة ... تخلي عن جموده وصلابته ليهمس بصوت أجش


- متتحدنيش


عقدت ساعديها على صدرها ، ونبرة التحدي جعلتها تنسى أنامله التي ترجف بدنها بشوق .. نار مستعرة في جسدها وهي تنظر الى عيناه الراغبة ، همست باستفزاز


- بتحداك اهو .. وريني هتعمل ايه


ضحك ليقول بلهجة ماكرة


- لمسة واحدة يا فريال وبتدوبي مني


اتسعت عيناها وهي تصيح بحنق وانامل يده تصل نحو  العقدة التي عقدتها في المنشفة


- انا ... انا مش ..


اسكتها بلهجة ناعمة


- ششش ، ورانا كلام تاني


حملها برقة وهي تلف يديها حول عنقه .. ابتسمت بقلق حتى تركها على الفراش .. وما إن هم بالاقتراب اشاحت بوجهها لتسقط قبلته في جيدها ، وبدلا من الابتعاد اقترب اكثر وهو يتنفس بعمق في عنقها .. قفز قلبها بصوت يكاد يصم أذنيها وهي تهمس بصوت مختنق 


- وقاص ... لا 


ابتعد وهو ينظر الى عيناها المشتعلة بقوة ، دمعت عيناها وهي تهمس بحنق


- لو كانت طريقتك الجديدة دي في العقاب اسمحلي مش هقدر


ابتسم وهو يقبل ارنبة انفها قائلاً  


- زعلي وحش يا فريال


هزت رأسها موافقة لتصيح بحنق طفولي 


- وعقابك اوحش حاجه ، انت كائن جاحد 


ضحك باستمتاع ووجنتيها تشتعل بخجل أكثر حينما فك عقدة المنشفة لتسمع همس وقاص 


- كائن وجاحد ... واضح انه طلعلك لسان


لمست وجهه وهي تنظر الى عيناه .. عيناها تلمع بطريقة غريبة وهي تلتهم تفاصيل خفية لم تراها في عيناه قبلاً .. تنهدت بعمق وهي تقترب منه هامسة بصوت اجش من العاطفة


- ايوا ... وقصه 


اغمض وقاص جفنيه .. ليدفن وجهه في عنقها .. يداه تمتد نحو نبض قلبها الخافق ، قبل كتفها العاري .. همس سرًا مسألة أيام وستعترف ساحرتك يا قرصان . 


******


يقود سيارته وهي تجلس بجواره ، الصمت مطبق عليهما .. عيناه تدقق نحو الطريق الذي يسير فيه بسيارته الضخمة وما ان وصل للشارع الذي كان بمثابة المخبأ لها صاح بلهجة ساخرة


- هو ده المكان اللي استخبيتي فيه


تخضب وجنتيها وهي تنظر اليه .. تنظر الى عينيه التي تنظر نحو الحي باهتمام لتهمس بارتباك


- هو 


زفر بحنق بسبب سيارته الضخمة التي تسد الطريق ليصيح بحدة


- جميل .. جميل


تمتمت بتعجل وهي تهبط من سيارته قائلة 


- هطلع اجهز الشنطة ، انا في الدور الثاني علي ايدك الشمال


اشارت نحو بناية سكنية ذو ثلاثة ادوار ليهز رأسه قائلاً بضيق حينما سمع تعليق من الرجال الحانقة


- هشوفلي ركنة و جايلك يا اسرار


هزت رأسها موافقة


- تمام


هرولت بسرعة نحو البناية .. لا  تريد الحديث مع اي شخص الان ، وصلت الى طابقها لتتفاجئ بخروج السيدة عطيات من الشقة المجاورة وما أن رأتها حتى هللت قائلة 


- ست اسرار


ابتسمت اسرار وهي ترسم ابتسامة شاحبة علي وجهها لتهمس 


- اهلا يا حاجه عطيات


قاطعتها عطيات وقالت 


- كده يا ست تغيبي فجأة كدا ... ده انا قلقت عليكي والله لولا الواد حموقة قالي انك مشيتي فجأة بعربيتك كنت قلقت اكتر


ازدردت ريق اسرار وهي تنظر خلفها .. تخشى صعود سراج في أي وقت ومما  سيسمعه من الخاطبة لتهمس بتعجل


- كنت في مشوار يا ست عطيات روحت للبيت اللي في القاهرة


تجعد جبين عطيات وصاحت بتأنيب


- طب ده يصح بردو يا بنتي .. مش كنتي قولتيلي ، وبعدين انتي عارفة الحتة وكلامهم الكتير اللي مش بيخلص وانتي بسم الله ماشاء الله حلوة وجميلة ومثقفة وكونك أرملة ميعبكيش .. انت لسه صغيرة والحياة لسه قدامك


هزت رأسها وقالت 


- متشكرة جدا يا حاجه عطيات بس بجد مستعجله


ابتسمت عطيات واقتربت منها قائلة 


- مقولتليش اقول لمحروس ايه في موضوع جوازك منه


جحظت عينا اسرار ، تمتمت مقاطعة


- ست عطيات ارجوكي


رفعت عطيات يدها وقالت وهي تحاول ان تلين رأسها قائلة 


- الله يا بنتي .. الراجل شاريكي وميعبهوش شيء ، وكمان مش متجوز .. مطلق ومعندوش عيال .. يعني متقلقيش من الموضوع ده


هزت رأسها نافية وصاحت 


- لا يا حاجه .. خليني اوضحلك


قاطعتها للمرة الثانية قائلة


- يبقي اكيد علشان جزار الحته ... بس صدقيني الواد ابن حلال وعلي نار انه يسمع ردك .. ومنتظرة خبر حلو منك


عضت على شفتها السفلى وهمست


- اصله مينفعش اتجوزه


زفرت عطيات بيأس وقالت 


- ايه يا اسرار يا بنتي ده خامس  عريس يجيلك وانتي ترفضي


اجلت اسرار حلقها ولا تعلم لما تكهرب الجو لتهمس بصوت متهدج


- ما هو اصلو انا ...


عقدت عطيات جبينها قائلة


- اصله ايه


حينما همت بالرد .. ارتعد جسدها ولانت ساقيها كما المعكرونة حينما استمعت الي صوته الأجش 


- الهانم متجوزة الهفأ اللي وراكي يا ست 


شهقت عطيات بصدمة وهي تري الرجل الضخم الذي يكاد يبتلع جسد تلك الرقيقة المرتعدة ، لتصيح بدهشة


- احييييه


..............


أغلق باب الشقة بعنف وهو يكاد يحاول التحكم في ثائرته ، يغمض جفنيه حتى لا يلقي جام غضبه عليها .. لطالما كان حليما عند الغضب .. لكن أسرار جاءت لتبدل له كيانه كليا .. تبعثره وتجعله يبدل نهجه .. همست اسرار 


- سراج خليني اشرحلك بس


زعق في وجهها هادرًا 


- اخرسي ولا كلمة


اجفلت وهي تري عيناه التي يخرج بهما شررًا ناريًا .. ابتلعت غصة مؤلمة في حلقها لتهمس


- سراج


جالا عيناه نحو الشقة بأثاثها الانيق ، الوان الحوائط مريحة للعين .. جذب انتباهه حائط به كتابات بخط اليد ، لكن ليس الآن .. امسك ذراعها بخشونة آلمت جسدها ليصيح هادرًا بحنق


- واضح ان الهانم كان عاجبها الوضع هنا ،مش كدا


الانقباض والانبساط في فتحتي أنفه التي تخرج لهيبًا حارقًا جعلها تهمس متوسلة


- سراج ارجوك اسمعني بس


ضحك بسخرية .. لا يصدق في شهر تجعل خمس رجال يسمحون أن ينظرون لها نظرة رجل .. هل كذبت عليهم ؟ أخبرت الجميع انها ارملة !! زاد غضبه وهو يصيح بغضب هادر


- ما انا سمعت كويس .. الكلب ده الاقيه فين 


هزت رأسها نافية بعنف


- سراج ... لا لا متعملش حاجه


هز جسدها بعنف ونطق بخشونة


- الاقيه فين .. انطقيييييي


همست في خفوت


- اخر الشارع


دفعها عنه بعنف وهو يتجه نحو باب الشقة وقبل أن يغادر التفت اليها وصاح 


- لمى لبسك لحد ما ارجعلك وعالله المح ضلك في البلكونة.. قسما بالله يا اسرار لولقيتك مش مطوعاني هكسر ضلوعك وترتمي علي السرير في اي مستشفي ، اتقي شري يا بنت الناس 


ارتمت اسرار على أقرب مقعد وهي تنظر نحو الباب الذي صفقه بعنف ، لتغمض جفنيها وهي تتمنى ان يمر اليوم على خير!!.


****


ما أن استمعت مارية الي ماحدث ... لم تسلم من تعنيفها وتعنيف ذلك الاحمق الغير متواجد .. قبلت وجنتي شمس التي تبتسم بتألق


- حبيبتي يا بنتي


صاحت بحنق 


- ازاي متقوليش ان الموضوع ده حصل يا فرح


غمغمت فرح بهدوء 


- صدقيني الموضوع خلص علي خير ومش عايزين نعيده .. نضال بيحاول يتناسي


دمدمت بسخط وعيناها الشبيه بعينا القطط تبرقان بشرر


- بس من حقي كأمها اعرف


اقتربت من مارية وهمست بنعومة


- مكناش عايزين نقلقك  يا مارية .. البنت الحمدلله بخير 


تمتمت مارية بحنق


- الحمدلله .. بس اخر مرة تتصرفوا بالطريقة دي


غيرت فرح دفة الحديث .. كي لا تعود تصرخ في وجهها كما فعلت ... لا تتوقع انها منذ علمت حتى هاتفت بنضال وظلت تسب في وجهه بالانجليزية ثم اغلقت الخط قبل ان تسمع رد منه 


- المهم قوليلي فيه اي تغير 


تنهدت مارية بيأس شديد


- للأسف لأ .. بحسه بيميل ليا وفي ثانية ثانية بيتحول


تمتمت فرح ساخرة ، لا تصدق أن بعد تلك الليلة .. كيف تصفها .. عاطفية بدرجة أكبر من رغبة جسدية .. ملتهبة بحرارة اصهرت جموده ثم ماذا ؟!! ... عاد باردًا معها 


- الحال من بعضه


انفجرت مارية ضاحكة بمرارة


- واضح كده


ثم تحول ضحكها لبكاء مرير


- خطوبته اخر الاسبوع


شهقت فرح بصدمة


- بالسرعة دي 


تمتمت مارية بسخط


- شوفتي 


اقتربت فرح تحتضن مارية التي بكت بقهر شديد .. دمعت عينا فرح وهي تتذكر ذلك البارد معها ، متى سيقولها .. عيناه تفتضحانه لكن يبدو أنه ما زال يعاند !!. 


*******


اصوات الجلبة في الخارج أثارت رعبها ، عويل السيدات في الخارج وسباب لازع تسمعه يخدش حيائها جعلها تسد أذنيها براحتي يدها ، اختفت اصوات المشاجرة لتزيح كفيها عن اذنيها حينما صاح صوت أجش يبدو انه كبير المنطقة فض الشجار بين زوجها والرجل الآخر .


استقامت من مجلسها بحدة .. تود الخروج للشرفة لكنها عادت مرة أخرى تجلس علي المقعد تنتظره بشوق رهييب وخوف مرعب .. طرقات حادة علي باب الشقة جعلها تنتفض قائمة لتسارع بفتح الباب له...


صرخت بفزع ما ان رأت كدمة في وجهه وثيابه التي تجعدت لتصيح برعب وهي تلمس تلك الكدمة قائلة بخوف 


- سراج .. يالهووي ايه اللي حصل


اغلق الباب بساقه ليمسك ذراعيها متوجهًا نحو غرفتها قائلاً بلهجة ساخرة


- عملت ايه ربيته


هزت رأسها بنفي وقالت بعدم تصديق 


- انت مجنون .. انت اكيد مجنـ...


كتم باقي عبارتها في شفتيه لتغوص أنامله في خصلات شعرها الثائرة .. حملها بين ذراعيه وهو يتمسك بها بقوة ليبتعد لاهثا بحرارة 


- بيكي 


ارقدها على الفراش وانامله تخلع قميصها الفضفاض ليقترب منها مقبلاً جيدها بعمق أشد ، اغمض جفنيًا متأوها بخشونة .. منذ متى لم يقترب منها ؟ .. منذ متى ؟


يحاول الابتعاد .. عقله يأمره بالابتعاد كي لا يندم .. يحاول ان لا يضعف كي لا تصيح في وجهه ذات يوم أن غرائزه الذكورية هي من تحركه .. الحمقاء لا تعلم أنه يموت شوقًا لتشارك معه بضعًا من جنونه .. أن تمتزج معه حتى يصبحا روحا واحدًا بجسدين 


سمع تأوه اسرار الخافت نتيجة عضه على كتفها لتهمس 


- سراج مش بالطريقة دي 


زجرها بحدة ، وهو يصمت شفتيها قائلاً 


- مبينفعش معاكي غير كدا


اغمضت اسرار جفنيها نتيجة الاكتساح الذي دمرها كليًا .. تمسكت بقميصه وهي تذوب كليًا بين ذراعيه ، ابتعدت لاهثة باختناق


- مش هنرجع ؟


هز رأسه نافيًا وهو يضع يداها علي ازرار قميصه 


- مش دلوقتي 


احتقن وجهها من الخجل وهي تعلم رسالته .. يريدها تلك المرة المبادرة ، عضت علي باطن خدها وهي تفك ازرار قميصه واحدة تلو الأخرى بارتباك شديد وهي تكاد تموت حرفيًا من ما تفعله ، رفعت عينيها إليه لتهمس 


- ممكن حد يقاطعنا فجأة 


القي قميصه ارضًا ليضع يداها علي قلبه النابض بقوة قائلاً


- خليكي معايا


ارتجف جسدها .. تشعر ان صعقة كهربائية مرت علي جسدها وهي تكاد تخفي وجهها من عيناه ، اجثم عليها بانفاسه ليصيح بخشونة 


- انتي ليا يا اسرار


همست برجاء


- مش هتسبني 


هز رأسه نافيًا 


- ابدًا


كادت ان تفلت يدها عن موضع قلبه لكن كفه الخشنة منعتها ، تأوهت بألم لترفع عينها الي عيناه هامسة بصوت متحشرج


-علاقتك بيا مش رغبة ؟


هز سراج رأسه نافيًا 


- ابدًا


تأتأت وعيناه بخشونة وضراوة تمنع عيناها ان تنظر بعيدًا عنه 


- حبتني ازاي ؟ .. انا ..


صاح بنفاذ صبر 


- كفاية رغي 


وحينما همت بالرفض .. اخرس لسانها 


وجدت نفسها هي تلك المرة نبادله بكل شوق وحنين ويدها تتشبث بعنقه خشية ان ينفلت منها في اي وقت .. احتضنته بجوارحها كليًا وهي تعطيه قطعه غاليه في جسدها ألا وهو القلب .. تخرس ألسنة عقلها التي تمنعها عن يجرفها في تيارات عنيفة لكن قلبها استكان اليوم وهي تغلق جفنيها براحة .


*****


- ضبط يا مسعود الاضاءات .. مش عايزاه بليل الضوء يكون خافت


صاحت بها شادية بحنق وهي تستعد لتنظيم حفل خطبة شقيقها ، تنهدت حانقة ... لا تعلم كيف غيروا من ميعاد الخطبة مما أثر على جدولها العملي .. وتأثير جدولها العملي يعني سمعتها التي تحافظ عليها بأسنانها ضد المنافسين في عملها ، شتمت الجميع ولعنتهم واحدًا واحدًا لتسمع صوت المدعو مسعود يقول 


- حاضر يا استاذة 


التفت الي مسعود وقالت بنبرة جادة 


- ومش عايزة الضوء يعمي العينين ، ركز في شغلك 


أومأ مسعود رأسه ببلاهة 


- متقلقيش يا استاذة


هذا ما ينقصها اعتذار الكهربائي ليأتي بصبي ، لن ترحم الكهربائي الذي رشح لها الصبي المساعد له ، تمتمت بتهكم


- انت كده طمنتني اكتر


أشارت لشاب آخر كي يعمل على تعديل الاضاءات في الاشجار .. بدون وعي منها كانت تعود للخلف بخطواتها حتى اصطدم جسدها بخشونة بجدار متين .. كادت تسقط الا ان هناك ايدي للحائط دعمتها ، أغمضت جفنيها وهي تهمس بانهيار 


- يالهوي


التفتت بجسدها نحوه لتتسع عيناها ذهولا ... هل قالت عن عاصي حارسها الشخصي ضخم ؟!  ذلك يبدو كدب ..مفترس ذو أعين حادة ، اجلت حلقها وهي تبتسم بعملية


- انا اسفه مخدتش بالي ان حضرتك هنا 


غمغم بصوت أجش 


- لا ولا يهمك يا انسه


"انسه ايه بس " ، ابتسمت بسخرية وهي تمد يدها قائلة 


- شادية السويسري 


هز الرجل الضخم وقال


- لؤي المالكي


يداه غطت كف يدها الرقيقة لتشعر بضغطة كفه علي كفها ، احتقن وجهها وهي تزيح كفها بصعوبة عنه لتهمس بتوتر


- اهلا بحضرتك .. كويس ان حد من العيلة موجود حاليا ، الانسة وجد قالت انها هتفك الجبس وهترجع ، عايزة رأيي حضرتك اننا نستغل مساحة الـ  pool  الكبيرة نقدر نعمل مسرح  للمغنين بالفرقة الموسيقية


تجهمت ملامح لؤي للعبوس وصاح بجفاء


- شوفي رأي العروسة اعتقد هتساعدك


اتسعت عينا شادية ذهولا وهي تراه يستأذن للخروج ، قلبت عيناها بلا مبالاة وهي تصرخ في وجه الصبي بحدة 


- يا مسعود قولتلك ضبط الاضاءة ...الله 


*****


دعمت فريال رهف وهما يتجولان في القرية بعد ثلاثة أيام من رفض رهف لنزار ، همست فريال مؤازرة


- رهف ارجوكي مش مستاهل كل ده 


شهقت رهف بعنف وهي تبكي بحرقة


- مش قادرة يا فريال ..  مش عارف  بغبائي اعترفتله ازاي بكل حاجه ، خرجت عن شعوري فجأة 


قبلت وجنتها وقرصتها بخفه لتهمس 


- صدقيني لو بيحبك بجد مش هيسيبك


هزت رهف رأسها نافية


- مستهلهوش يا فريال


جففت دموعها بكف يدها لتتذكر تأفف نزار من حركتها الطفولية ، عضت باطن خدها لتغير حديثهما عنه قائلة 


- قوليلي انتي عملتي ايه مع وقاص ، بطل لا مبالاته معاكي


احتقن وجنتي فريال وهي تتذكر جنون وقاص تلك الليلة ، لم تدعه سوى أن يعترف بمسامحته ليوافق راضخًا في النهاية ، همست بصوت ناعم 


- متفهمة غضب وقاص مني .. بس كان بيقتلني ببعده عني ، اول مره اضعف عشان حد .. مش ضعف مهانة لأ ضعف ست لجوزها ، وقاص خلي عيني تتفتح علي حاجات كتير واشوفه بطريقة متخيلتش اني اشوفها فيه


ابتسمت رهف وهي تغمز بمشاكسة 


- يا سيدي يا سيدي .. تعالي يا وقاص اسمع مراتك بتقول ايه


زجرتها فريال بعيناها وهي تكشر في وجهها 


- بنت 


توقفت قدمي رهف وعيناها امام مطعم الشامي ، تلك الفريال استدرجتها لهنا ... صاحت بحنق


- احنا ايه اللي جابنا هنا


اوقفتها فريال قائلة


- زي ما انتي مجروحه .. هو كمان مجروح منك ، لازم تتكلموا براحة


هزت رأسها رافضة بجنون 


- ابدًا .. انتي اتجننتي ، انا رفضته


زجرتها فريال وصاحت بقوة


- متقفلهاش في وش الراجل ، خلي بابك موارب علشان يخش


تمتمت بتبرم


- لو عايز كان كسر الباب 


ثم ابتسمت بنعومة وقالت بتحفيز


- انا واثقة انكم هتوصلوا لحل .. هستناكي هنا


نظرت اليها بقلق لتشجعها فريال مما دب في روحها الحماس ، دلفت الي المطعم وقدميها تتجه نحو المطبخ .. سلمت على زملائها بهزة من رأسها وحينما تقدمت خطوة أخرى نحو مكتب غرفته اوقفتها بيسان قائلة بتهكم 


- ايه ده هي الهانم صاحبة الصون والعفاف شرفت


زفرت رهف بحنق


- بيسان ارجوكي .. مش فاضية لخناقاتك


عقدت بيسان ساعديها على صدرها وصاحت 


- لا انتي لازم تفضيلي لازم المطبخ كلها تعرف قصتك ايه يا رهف الغانم


نطقت اسمها وكأنها تبصقه ، تجهمت ملامح رهف حينما صاحت بيسان ببرود


- مش متوقعة أن نزار يدخل في مطبخه واحدة شمامه 


تدخلت هنادي فجأة وهي تصيح في وجهها بحدة


- بيسان انتي اتجننتي


نظرت إليهما بتهكم شديد وهي تخرج هاتفها تبحث عن اخبارها منذ عامين مضت لتقول 


- الهانم كانت عاملة فضيحة كبيرة من سنتين ، اخبارك لسه ما بردتش يا استاذة


شحب وجه رهف وهي تنظر نحو الجميع الذين يشاهدون فضيحتها ، عضت باطن خدها وهي تنكس رأسها ارضًا حينما استمعت إلى نبرة نزار الغاضبة 


- شو في؟


التفتت بيسان نحو نزار قائلة


- لازم تعرف يا نزار انت مدخل مين في مطبخك ، مدخل واحدة شمامة هنا 


زجرها نزار بعينه وعيناه تنتقل نحو رهف ، ابتسامة ناعمة شقت ثغره واخيرًا الأميرة قررت ان ترضي عنه وتظهر بدلا من انعزالها  ، استمع إلى صوتها المختنق


- عن اذنكم


هرولت بقوة خارجة من المطعم لينظر نحو بيسان التي تبتسم بشماتة ، لم يجد سوى أن ساقيه تتحرك خلفها ليصيح قائلاً 


- رهف 


يتبع....


في قبضة الإمبراطور

الفصل الخامس والعشرون

...................


الأنسان يستطيع أن يخسر كل شيء واي شيء إلا شيء واحد


كرامته


تلك الكرامة التي يتفاخر بها الإنسان ، يكاد يصل بها لعنان السماء


وعنها.......


كرامتها مبتورة


متمرغة في الوحل


كل ما خافت منه حدث ، خافت أن ترى في عيون الجميع تلك النظرة المتدنية المستحقرة ، لكن لم يكن بيدها .. تقسم بالله أنها لم تكن تعلم أن تلك المادة اللعينة تجري في أوردتها ، الدموع التي تخرج من مآقيها كونت ستارًا ضبابيا مما منع عنها الرؤية ..


ناكسة الرأس 


تجر أذيال خيبتها ودمارها


نفسيتها مشبعة بالمرارة واليأس


تهرول بكل عزيمة والطنين الذي في اذنها جعلها لم تستمع نداءات نزار وفريال التي كانت تركض خلفها بيأس لكن نظرة من نزار جعلتها تتفهم وهي تبتعد عن محيطهما ليمسك نزار ذراعها بخشونة وادار بجسدها اليه ..


غمغم نزار اسمها بنبرة اجشه واختل توازنها نتيجة القوة المباغتة التي ضربتها من يده 


-رهفف


لوت يدها بقوة من براثن يده لكنه امسك ذراعها الأخرى وحركها بعنف حتى شهقت بقوة أكبر وهي تخفي عينيها عن عينيه ، لا ترغب في رؤيته .. ولا رؤية عيناه ، إن كانت سبق واعترفت امامه غير أن تكون مفضوحة على الملأ مما جعل احتمالية موافقته مستحيلة ، شهقت بعنف أكبر حينما استمعت إلى صوته الرخيم


-حبيبتي اسمعيني 


رفعت عيناها بسرعة لتقابل عيناه ، الدموع تسيل بغزارة وهي ترجو أن الدموع هي بداية محو إثمها العظيم ، ارتعشت شفتيها بقوة وبدنها أصابه رجفة كهربائية عنيفة وهي تري تبدل عيناه الراكدة


شيء بري .. ضاري ممتزج بقسوة مع دفء ينبض في كل خلية من جسده ، انفجرت في وجهه تصيح 


-نزار انت بتصعب الموضوع 


نزعت عيناها بقسوة من عيناها لتنظر الي الأرض ويداه القاسية المتشبثة بذراعيها ... تحولت لأخرى حانية 


غمغم نزار بتنهيدة حارة 


-اوعا تحطي عيونك بالارض 


زمت رهف شفتيها وهي تري أنامله تلمس وجنتيها ليضغطهما قليلا لترفع عيناها إليه ، عضت باطن خدها قائلة بسخرية 


-شوفت اللي حصل ....شوفت ..قولي لسه باقي عليا 


هز نزار رأسه .. لم يتوقعها عنيدة لهذا الحد ، الا يعني ما يفعله الآن شيئا مهما ، ألا تفهم .. هو مقدر لما حدث لها .. لكن ليست لدرجة أن تغلق كافة وسائل الفهم والإدراك .. همس بنعومة ويداه بدون وعي تلمس نعومة جلدها المغري لدرجة أشعلت جذوة توق في صدره ، صاح بصوت غلب مشاعره التي بدأت في الانفلات


-طبعا ...يارهف ياعمري الماضي انتهى والواحد لازم يطلع على المستقبل 


هزت رأسها نافية .. غمغمت بحقيقة ابدية .. معتقدها في الرجال


إن كانت الأنثى تغفر ولا تنسي


فالرجل لا ينسى ولا يغفر


-لا ...لا الراجل عمره ما يتحول لملاك سامع عمره ما يتحول ...بتقولي انك موافق بعد اللي حصل


صمت لبرهة يجعلها تخرج مكنوناتها الثائرة ، عيناه تتأمل شحوب وجهها وعيناها الذابلتين بأسي ليسمعها تسترسل بتقريع وكان صمته موافقة لكلامها الأحمق


-الراجل عمره ما بينسى موضوع زي ده...شايف ده هيفضل موضوع طول عمره هيحرقك علشان انت مش الراجل الاول 


اضرمت النيران في عيناه وتحولت يداه كـ كماشات تغرس في لحم جسدها لتصيح بقوة


-بلاش تقول كلام انت مش قده 


دمدم بنبرة خطيرة والوعيد في عيناه شل عقلها لفترة


-وحياة الله يارهف مارح خليكي تبعدي عني بنوب 


لا تنكر أن غضبه الجامح أكثر ما يغضبها .. النبرة الشامية ليست لحنًا ناعمًا تسكر عقول النساء كما يبدو لكن الغضب حينما يبلغ منتهاه في العرق الشرقي فلا فرق بين الأجناس والأعراق ، كلهم سواسية ...


هزت بشعرها الأسود الثائر ترد بقوة متجذرة في جينات عائلتها


-انسى ...انا مش عايزاك في حياتي 


سب لثاني مرة شتيمة لم تعلمها لينظر الي برود عينيها قائلا بجفاء


-يووه علينا بطلي تضلي انانية واسمعيني بقى 


عاد يهزها بقوة .. ضلوعها تخفق بتمرد غريب وهمساته كالشوك في الخاصرة


-لهالدرجة مو مصدقة انو بقلبي مشاعر تجاهك ؟؟ لهالدرجة مفكرتيني بياع حكي وماني واعي لكلامي ...شوفي انا خلص اخترتك مرتي وشريكة حياتي ولو عقلك هاد مانو مستوعب هالشي رح ادحشلك هالقصة دحش 


اتسعت عيناها ذهولا .. لم تنطق وما قاله اخرسها ، سبب سهادها وارقها الدائم انتهى بجملة عنيفة منه


لا تعلم لما كانت تقرأ الروايات الوردية وتنتهي بغضب البطل الذي يعلن سطوته في البطلة كانت تضحك بسذاجة على سخافة البطلة التي تقبل ، لكن هذا نزار صاح القلب معترضا


أجلت حلقها وهي تحترق من زفيره الحار يدغدغ انوثتها المدفونة التي تصرخ بثأر كي تتفتح على يديه .. سمعته يصيح بحدة


-صدقيني مسالة وقت وايدك رح تحمل خاتمي 


ثم نزع يده من ذراعيها ليتحرك مغادرًا .. ظلت متوقفة في مكانها وكلمة واحدة ترددها بلسانها


-مجنون


المشهد الانفجاري لم يغيب عن زوج من عيون ، الاولي تلمع بمكر وظفر والأخرى متسمة بالحقد الناري ... همست فريال 


- بنات السويسري عايزين رجالة زي دي 


****


فتحت جفنيها بكسل وخمول شديد وهي تمط بذراعيها لتستدير على الجانب الآخر ، تطلعت نحو السقف باعتياد شديد .. اعتادته من شهر .. هبطت عيناها لتجفل من رؤية صدر رجولي، فتحت عيناها بجحوظ شديد وهي ترفع عيناها لتنظر الي عيناه المتأججة بعاصفة عنيفة .. بللت شفتيها وهي تشعر بريقها الذي جف وهي تري اثار اظافرها علي جذعه العاري ، تخضب وجهها بحمرة قوية وهي تتذكر ليلة أمس ... لقد جعلها مثله .. تطبعت بجنونه ، صاح بصوت اجش ونظرة عيناه المتسلية لا ترحمها 


- صباح الخير 


تمتمت في خفوت وهي تدعك فروة رأسها 


- صباح الخير .. سبتني نايمة كل ده ليه


اقترب يزيل الغطاء المتشبثة بها لتبرق عيناه بتسلية شديدة وهو ينظر الي قميصه الذي ترتديه ...هي من خلعته وهو من البسها اياه ، تبدو امرأة خارجة من دفاتره الجامحة .. هكذا كان يتخيل امرأته .. عينان مشبعة بالعاطفة وجسد يرتجف من نظرة عيناه ، صاح بنبرة متسلية


- كنتِ تعبانة... تعالي علشان الفطار قرب يبرد


اتسعت عيناها بذهول قائلة حينما حملها بنفس طريقته البدائية ، تلك المرة استسلمت ولم تعترض بكلمة .. وكأنها صارت عادة أن تحمل علي كتف رجل تمنت أن يكون حقيقة في أحلام صباها ... رجل قتلته ودهسته بقوة حينما افاقت من احلامها الوردية لكن الأن


ستأخذ استراحة .. تعيد شحن طاقتها مرة أخرى ..تستمتع ، من حقها ان تفعل 


أجلسها على الأرض وهي تري الطعام البسيط الذي أعده .. بالطبع تعلم نزقه الشديد لان الفطار لم يكن على هواه خصوصا عدم وجود المخللات او الفول ، تمتمت بذهول


-انت حضرته ؟


دس لقمة في شفتيها وهو يقول بسخرية


- شايفه فيه حد غيري هنا 


همت بالرد لكنه دس لقمة في شفتيها لتلوك الطعام وهي تنظر الي جسده الصلب ، تحاول ان لا تنجرف لتيارات الليلة السابقة كي لا تفر منه كالمجنونة ... صاح مقاطعا خيالها الخصب ونظراتها التي تتفحصه 


- من امتي انتي هنا ؟


اعجبت بمبادرته وخصوصا انه ابدي اهتمامًا للشيء الوحيد الذي حافظت عليه سرًا ، قالت بهدوء 


- بدري اووي .. اشتريت البيت ده ليا لاني حبيت اشوف الدفا في بيوت الناس العادية ، الامر كان صعب في الاول اني اعيش هنا بس كل الناس هنا عرفتني


زمجر بخشونة ووصلت الرسالة اليه .. لم يأتي زوجها الراحل ولا مرة الى هنا .. ضغط على ضروسه قائلا


- كنتي بتباتي لوحدك هنا


استشعرت الغيرة التي تنبعث منه صوته لتهمس بصلابة


- البيت أمان يا سراج وشباب الحتة بيدافعوا علي الستات والبنات هنا وكأنهم حد من عيلتهم 


لم يهدأ بعد ... بالطبع ابن عمها الحقير يعلم ، اقترب منها يمسك ذراعها بخشونة


- حد تاني يعرف ؟


عبست وهي تجعد جبينها ، تحاول حل تلك السؤال المعقد ، تري من يقصد .. خيال نضال اتي لذهنا لتقول 


- تقصد نضال ... لا اطلاقا انت بس


ترك ذراعها وقال بنبرة ممتعضة


- كويس .. لاني كنت هقوم اعمل معاه الصح


اتسعت حدقتا عينيها وتمتمت


- سراج .. لا


شهقت بفزع ما ان سحب جسدها لتسقط علي صدره ، ابتلعت ريقها بتوتر وهي تري عيناه الغائمة .. مثيرة عاصفة وحشية تعلمها حينما همس بتهدج


- بطلي تنادي اسمي بالنبرة دي 


صمتت وهي تنظر الي عيناه بشيء من الانبهار .. لا تصدق انها تؤثر علي رجل مثله بتلك الطريقة ، اقترب منها وهو يقبل جيدها قائلا بصوت اثخن بالعاطفة


- كنتي بتناديني ايه زمان 


تجمدت بين ذراعيه وهي تنظر نحو الحائط المكتوب بخط يدها لقد قرأ حائطها الذي اتخذته فراغا عاطفيا الشهر السابق ، الأحرف الكبيرة البارزة بإسم معشوقها الطفولي .. طالت اجابتها والصمت جعله يصرخ في وجهها قائلا


- اسراار


نظرت نحو الاحرف البارزة بلون لامع لتنظر الي عيناه وهي تهمس بارتجاف حينما مدت يده أسفل القميص ليعبث بظهرها العاري 


- سراجي المنير 


أغلقت جفنيها وهي تحاول مقاومة ذلك التأثير منه .. صاح بلهجة صارمة


- ودلوقتي ؟


فتحت جفنيها وهي تعطيه الاجابة ، تخشبت يداه وهو يرى النيران المضرمة في عيناها ، حدق بها بدهشة ليهمس 


- مكنتش مصدق ان تحت قناعك هلاقيكي كدا 


استقامت واقفة وهي تغمغم بجمود


- انا شبعت 


جذبها اليه بعنف لتعود إلى مكانها مرة اخري، صاح بلهجة حادة


- وانا لسه 


يرى التمرد في العينين ورفض الانصياع


أسرار ما زالت أسرار ، وإن كانت تكن له عاطفة لكن ليست المرأة من تستلم للعشق ، مال نحو أذنها هامسا


- هنجيب اربع عيال بنتين وولدين 


شهقت مفزعة 


- أربعة ؟!!!


أومأ موافقا 


- ومش هتنازل عن بنتين وولدين حتى لو حملتي عشر بنات .. ومش هنروح مؤسسات طبية كله طبيعي 


هزت رأسها تنفض تلك الغيمة التي يحلقها فيها ، صاحت بجفاء


- مشروعك 


عبس وهو يرى تغيرها لمجرى الحديث ليقول 


- ماله


غمغمت بضيق


- فلوس مشروعك يا سراج .. ليه سيبته 


والدته لا تستحق تلك الشفقة ، هي ستنهب المال لحفلات رخيصة براقة مثلها ،صاح سراج متنهدا


- مكنش فيه حل تاني ، لازم ارفع اسم المؤسسة العيلة من جديد


اقتربت منه قائلة بجدية


- خلاص ممكن اساعدك


هز رأسه نافيًا دون أدنى تفكير 


- لأ 


اتسعت عيناها وقالت بذهول ، الاحمق سينهي حلم عمره بين يديه 


- سراج 


صاح بخشونة


- قولت لأ .. عارف هتصرف ازاي في المشروع


صرخت في وجهه هادرة


- انا اقدر


أظلمت عيناه .. زوجته سيؤدبها في الحال لصراخها في وجهه ، انفجر في وجهها بصوت جهوري 


- متحاوليش .. مش انا الراجل اللي اقبل عن نفسي فلوس من مراتي تصرف عليا ، وده اخر كلام عندي وياريت متفتحهوش تاني


انتفض قائما بعدها وهو يصيح بحدة


- عشر دقايق والاقيكي جاهزة .. هنرجع العاصمة 


هزت أسرار رأسها يائسة وهي تقوم من مجلسها لتشرع بتعبئة حقيبتها قبل العودة للعاصمة .


******


- مارية انتي مش بتزهقي


صاح بها ماهر بنزق شديد بعد أن رآها أمامه ، لولا أنه التفت بعيناه يسارا قبل صعوده لسيارته ما كان رآها ، اقتربت مارية منه وهي لا تصدق انه آتي لتلك الجاحدة بعد عملية فك الجبس .. بل هي لا تصدق انها اقتربت من عرين المالكي ليصبح بينها وبين القصر العظيم سور يفصل بينهما ، صاحت في وجهه بعنف


- ما انا مش هسيبك غير لما تفهمني


قلب ماهر عيناه وقال بنبرة فاترة


- افهمك ايه


ازالت المسافات الفاصلة بينهما لتبقي شعرة تفصلهما ، امتزجت انفاسهما وعيونهم بحرارة وتوق شديد ، لتتلعثم مارية قائلة


- رفضك ليا بسبب شغلي اللي في امريكا


زم ماهر شفتيه .. ما زالت ساذجة تلك الغبية تعيده لأحداث كان يود أن يحرقها ما ان علم انها تعمل في تلك الحانة ، الشيء الذي كان يبقيه بعيدا على أن لا يقتلها هي شمس ووعده لاختها بعدم التعرض لها بسوء .. رغم انها تستحق ، صاح بلهجة حادة 


- مارية مترجعيش للموضوع ده من فضلك 


صاحت مارية بعنف 


- يبقي هو .. ده العائق بينا


أظلمت تعابير وجهه ليقترب ماسكًا ذراعها ليقول بحدة 


- مارية ارجوكي بلاش سخافة .. اللي حصل حصل وانتهى


تألمت من قبضته وهي تري يده الاخرى تمسك خصلات شعرها بوجع ... يكاد ينتزع خصلاتها من جذورهم لتهمس بحرقة


- ماهر ... انا مش للدرجة دي عاهرة


صرخ بعنف شديد 


- اخرسي .. انت متتكلميش تاني ، واضح انك مش واعية للي بتقوليه


تمتمت اسمه بتوسل ، ترجوه أن يطفيء نيران المستعرة في جوفها 


- م ... مم هار


يكاد يتخيل انها بين جسد رجال آخرون ، ارتفعت الدماء في وجهه ليصيح بقوة جهورية جعلتها تنتفض بقوة


- انتي فاكراني للدرجة دي غبي .. مارية انا لو عرفت بس انك رخصتي جسمك لحد تاني اقسم بالله كنت قتلتك انتي وهو 


قاطعته بعنف


- مرخصتش نفسي انا كنت بدور علي حاجه جوايا ناقصة


زاد من شد خصلات شعرها قائلاً


- كنت قدامك .. مش كنت قدامك ، ولا هو الممنوع مرغوب


تنهد بحرارة قائلاً بصوت ساخر


- بطلي بقي .. لسانك ده بجد اتمني ان اقصه علشان بيرمي دبش من غير ما بتحسي 


نزعت يده بصعوبة من شعرها لتهمس 


- انا بحبك .. والله ما قادرة اعيش من غيرك 


ابتسم ماهر وهو يدفع جسدها بعيدًا عنه قبل ان يميل بجسده يخرج شيئًا ما من السيارة حتى عاد إليها حاملاً بطاقة قائلا 


- ده كارت دعوة اتمنى اني اشوفك في اليوم ده 


امسكت البطاقة ودموعها تهطل دون رحمة لتهمس بصدمة


- ماهر


هز رأسه بلا مبالاة 


- مع السلامة 


طعنات خناجر لا ترحمها تدمي قلبها ، منذ متي لم يدمي قلبها ؟! ... يستمر بانتقامه منها متلذذا لما يفعله ، صاحت بصدمة


- بتديني دعوة خطوبتك يا ماهر


ابتسم بمرح زائف


- مش ده سبب نزولك


ضيقت عينيها وهي تقول بحدة


- انت فاكرني هسكت باللي بيحصل


تمتم بجفاء وهو يستقل سيارته 


- اعلى مافي خيلك اركبيه


عضت على شفتها السفلى ، الحقير يستمتع علي حسابها وهي تتعذب ... ستربيه ذلك الجاحد بعد مسامحته .


*****


مال نضال بجسده عند مقدمة غرفة شمسه وفرح الحالية ، بعد أحداث تلك الليلة ابتعدت عنه ، لن يكذب أن ما فعلته خيرا لهما .. أصبح الآن غير قادر على موازنة نفسه وعقله


بدأ يعيد ترتيب أحداث حياته ، اشياء جديدة أصبحت تقتحم دواخله


نوازعه يخرسها بجلد الآخرين ، ثم يبدأ بعدها بجلد الذات


لكن هناك تلك المرة منطقة راحة


منطقة لا يتحكم بها


بل تقوده علي سجيتها


وتلك هي منطقته .


صاح بلهجة ساخرة حينما شعر انها أعجبت بلعبة اللامبالاة معه


- واضح انك مهتمية زيادة عن اللزوم


رفعت فرح احدى حاجبيها حينما استدارت اليه لتغمغم بجمود


- قولي انك منعني من الخروج


هز نضال رأسه وقال بلهجة غامضة


- اعرف الاول رايحة فين


تقدمت فرح أمامه وهي تنظر اليه بجمود ، صاحت بجفاء


- متصدقش نفسك ان احنا متجوزين 


عض نضال على شفته السفلى بحسية شديدة ليقول


- مش ده اللي حصل ولا ايه


استفزها ذلك البريق في عيناه ، زمت شفتيها بعنف قائلة


- بطل استفزازك ماشي ... بطله علشان منفجرش في وشك و متلومش غير نفسك


فرد عضلات جسده المفتولة وبقي محدقًا بها لبرهة من الوقت ، يثبت لها أنها بجسدها الضئيل كقرصة بعوضة بالنسبة له لا أكثر ، تمتم بسخرية 


- وريني


لهيب ناري تألق حدقتيه ليصيح بلهجة صارمة ويده تمسك ذراعها ليقربها من جسده بحميمة


- وريني انفجارك يا فرح


انامله عاثت بمفاتنها فسادًا ، وقبل ان تشهق حينما أمسك بلوزتها واصمتها بقبلة .


تعلم أن جيوشها الضارية تتقهقر أمام قبلة مشتعلة لأنفاسها ، ضم يده حول وجنتها والأخرى تغوص في شعرها الفاتن .. كل مرة تبتعد يزيدها ضمًا لجسده بعنف ، تركها وهو يراقب عيناها الغائمة .. تشي بتأثر عناقه ، زمجرت بغضب


- متلمسنيش تاني .. انا بحذرك اهو


زم شفتيه وقال وهو يلعق شفتيه مستطعمًا طعمها العالق على خاصته


- مكنش ده كلامك حتى ليلتنا معلمة على جسمي


مال بعنقه ليريها اثر كدمة حمراء نتجت من تلك الليلة ، يبدو أن أثرها ما زال واضحًا حتى اليوم ، تخضبت وجنتيها وهي تزجره بحدة


- مستفز .. كائن بارد لا يطاق


ثم اندفعت تقول بلا وعي


- هكسر ايدك لو قربت مني انت سامع 


صاحت متألمة حينما سحب ذراعها ليلويه خلف ظهرها بخشونة ، تشمع طرقعة عظامها دون ان يرف له جفن ، انفجر في وجهها ساخطًا 


- متتحدنيش .. واضح انه لما طلعلك لسان بقيتي تخبطي في اي حد واولهم انا


زمت شفتيها وأجابت بحنق منه ومما يفعله بها


- انت السبب 


ترك ذراعها وهو يراها تدلك ذراعها بيدها الاخري وعيناها به شعلة تحدي ، رغم الدموع التي تجمعت لكن يبدو أنها اكتسبت صلابة لتقف امامه وتتحداه دون ان تدمع ، زفر ساخطا وهو يمرر يده على خصلات شعره


- انزلي علشان متتأخريش


سحبت حقيبتها دون كلمة وقبل ان تغادر الغرفة التفتت اليه تقول بنبرة غامضة


- وقت ما تقولها يا نضال .. مش هكون موجودة 


فرح تفاجئه


وهذا عكس المتوقع


الفراشة تلعب بالنيران منجذبة اليها دون ان تشعر ان النيران تلك ستحرق أجنحتها .


*****


استقامت الفت من مقعدها لا تصدق أنه جلبها هي وزوجها إلى غرفة مكتبه ليتناقشا في أمور جار عليها الزمن .. صاحت بحدة غاضبة


- انت بتقول ايه يا وقاص انت اتجننت .. انت نسيت انه السبب في قهرتي 


هز وقاص رأسه ، يعلم رأس أمه اليابسة لكن كلا انانية كل فرد ستغرق السفينة ، صاح بلهجة هادئة


- امي الكلام ده ملهوش لازمة .. اديكي شفتي ايه اللي حصل لما كل واحد في دوامة لنفسه


زمجرت بعصبية شديدة وهي تتذكر ان نضال السبب الأول في شقائها


- ايدي مش هتتحط مع ابن الضال ده


اغمض وقاص جفنيه وهو يعلم أن والده مثل كل مرة ، مستمع جيد غير مشارك للحديث ، صاح بجدية


- امي .. هو من عيلة الغانم


كلا .. ذلك الجرذ ليس ابدًا من عائلتها 


انفجرت فيه معنفة


- بتدافع عنه .. بتدافع عن الصعلوك ده 


لم يعد وقاص قادرًا على سيطرة الوضع من عنده ، التفت الى والده وقال بنبرة فاترة


- وانت ايه رأيك يا مهيب باشا ، معاها مش كدا ؟


القي مهيب ابتسامة ساخرة زادت من شعلة ألفت الثائرة ، تمتم وقاص 


- يبقى معاها .. واضح انك مش عايز تقهرها مرة تانية زي ما قهرتها المرة اللي فاتت وانت جايب عيل بتقول انه ابنك


نظر مهيب نحو عيني زوجته ، حتي الان تريده أن يقر بذنب هو غير شاعرًا به ، هو لم يفعل شيئًا سوي الزواج ، لكن كيف وامرأة مثل ألفت من عائلة حسب ونسب تقارن بإمرأة وضيعة .. صاح بنبرة جامدة 


- مبقتش فارقة ، نضال كده كده ليهم أسهم في الشركة زي اي حد فيكم 


ثم استأذن مغادرًا ليهز وقاص رأسه بدون رضي .. والده خرج دون عودة وحينما التفت إلي والدته بادرت بلهجة حادة 


- اسمع يا وقاص من هنا لحد موتي ايدي مش هتتمد في اللي طعني 


صاح وقاص بنفاذ صبر 


- من الافضل انك تواجهي كراهيتك نحو السبب مش النتيجة


- تقصد ايه 


محل السؤال هنا استنكارًا منها


كيف هو ان يغير ما اعتقده بتلك السهولة ، تمتم وقاص 


- ذنب ايه طفل ملحقش يتهنى بأم ..انه يتحط بعيلة زينا 


شخرت ساخرة ثم قالت


- ده اخر كلام عندي ومين قالك انى سايبة صاحب السبب كدا .. لولاكم مكنتش استمريت في الجوازة دي لدقيقة .. انا ومهيب مش بيجمعنا غيركم بس


هز وقاص رأسه وقال ببرود


- حتى فريال يا امي


زمجرت ألفت بعصبية .. كل شخص بدأ يتصرف كيفما يريد دون العودة إليها .. وكأن وجودها من عدمه لا يفرق ..صاحت بحنق


- خلاص كل واحد بيتصرف بدماغه ولا كأن انا ليا رأيي ، عايز تاخد رأيي في حاجه انت عارف مليون في المية اني مش هوافق


سحبت حقيبتها وهي تعدل هندامها قائلاً 


- انا هسافر هعمل رحلة استجمام لفترة طويلة، عندك ابوك اتصرفوا انتوا معي بعض 


جلس وقاص على كرسيه بعد خروج والدته إغلاق الباب في وجهه دون أن تتكفل بإلقاء كلمة أخرى حينما اوصلها لباب مكتبه .. النتائج التي حصل عليها مبشرة .. مبشرة للغاية.


ابتسم بمرارة شديدة وهو يسند رأسه علي مسند المقعد ليستمع إلى صوت السكرتيرة تتحدث عبر الجهاز 


- استاذ وقاص فيه واحدة برا مُصرة إنها تقابلك 


ضغط علي زر الاجابة ليقول بصوت اجش


- مين ؟


تنهدت السكرتيرة وهي تنظر نحو المدعوة التي لم تتكفل بإعطاء اسمها كاملا ، اكتفت بذكر إسمها وقالت انه سيعرفها فورًا 


- بتقول انها فرح 


أمرها بالدخول لتنظر فرح نحو السكرتيرة بنظرة ذات مغزى لتقلب السكرتيرة عيناها بملل وهي تشير نحو باب مكتبه لتنصب بتركيزها على الأوراق المكلفة بتنفيذها اليوم .


*****


بعد عودتهما للشقة مرة اخري، كان كل يسير بهدوء بينهما ، كان يرفض أي حديث بينهما يكون محوره العمل ، كانا يتعرفان بعضهما من جديد ولكن بنظرة مختلفة


تنظر إلى اهتمامه وعشقه الخاص بالسيارات من صغر سنه ، وحينما تهم بالحديث يقاطعها بزجره من عينه تخبرها أنه يعلم ما يدور في عقلها ..


زفرت بحرارة ، حسنًا هي لم تكن من النساء المحبي الجلوس في البيت ، استقامت من طاولة الزينة بعد أن عقدت شعرها بتسريحة كلاسيكية ، وصوت خطوات كعب حذائها أثارت انتباه سراج الجالس على الأريكة ، عقد حاجبيه وهو يراها ترتدي ثياب عملها وذلك الكعب المستفز يترك اثرا لعينًا في داخله .. صاح بسخرية


- انتي رايحة فين يا هانم


التفتت اليه قائلة بجمود


- نازلة الشغل


استشاط غضبًا من ردها ، بل ملامحها الباردة جعلته يرغب فب لكم وجهها .. استقام واقفًا وهو يتقدم نحوها ليصيح هادرًا


- شغل ايه يا مدام .. اخر معلوماتي انك كنتي بتشتغلي في الشركة 


عقدت ذراعيها على صدرها ببرود


- انت ناسي اني اسرار الغانم يا سراج ولا ايه ، مؤسسة الغانم كانت منتظرة رجوعي ليهم وواضح ان ده انسب وقت 


لكم الحائط بجواره ثم صاح بعنف


- اسرار متخليش عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي .. شغل ايه ده .. روحي اقلعي لبسك ده واضح اني كنت متهاون معاكي


طرقت بقوة على الارضية وهي تصيح 


- انا كنت ساكتة علشان راعيت ظروفك .. مش انا اللي تتحبس في اوضة يا سراااج


دلك فروة رأسه وقال بوجوم


- جميل اووي 


أغمضت جفنيها بيأس حينما هبط بجذعه يحملها ، اعتادت على الأمر .. وبدلا ان تراه متجها للغرفة وجدته يتجه نحو الحمام ، اتسعت عيناها جحوظًا وهي تتلوى بجسدها ليصرخ معنفًا وهو يغلق باب الحمام بساقه ثم فتح مياه الدش الباردة 


- متحاوليش تقاومي يا اسرار 


شهقت نتيجة شعورها بالمياة الباردة التي تهبط من رأسها ، الغبي أفسد زينتها ... ضربت صدره بقوة


- بتستغل قوتك الذكوريه مش كدا


ارجعها للحائط ثم امسك كلتا معصميها ليرفعهما فوق رأسها ، زفرت أسرار بحرقة وهي تفشل التحرر من قيده ... مال سراج بوجهه نحو أذنها


- اخرسي


لم تصمت بل ازدادت حركاتها عنفًا و المياه المنهمرة على كلاهما بللت ثيابهما ، عيناه الوقحة تتأمل قدها الرشيق ومواضع مفاتنها المخبأة اسفل قميصها الحريري ، تلك الملابس لن ترتديها مرة أخرى ، اقترب بجسده يضغط على جسدها لترتجف أسرار وهي تغمض جفنيها لثواني قبل ان تفتح جفنيها تتأمل عينيه


غمغم سراج وهو يفلت يد ثم مسح بها كحلها الذي لطخ وجهها 


- قولتي ليهم انك ارملة ليه يا هانم


أجابت بجمود بعد ان علمت ان لا فائدة من الفرار ، استكانت بجسدها وهي تحاول معرفة خطته القادمة 


- مجتش مناسبة بده


شد خصلة من شعرها جعلها تتأوه وجعًا ، غمغم بجمود


- ولما جالك عرسان يا مدام مقولتيش ليه اني في راجل متجوزاه


زمت شفتيها بعنف وهي تحاول أن تتحكم في ثائرتها ... دون وعي منها خرج صوتها منفعلاً 


- لاني كنت تعبانة .. كنت بعد الايام يا سراج استني طفل ليا


صحح بلهجة عنيفة وهو يشد خصلة شعرها بقوة أكبر 


- اسمه لينا


لم تعقب على حديثه ، استرسلت بحرقة


- طفل بتمناه يا سراج كل يوم كنت بكلمه وانا بحكيله ايامي و ايامنا الجاية ، بس بطني فاضية يا سراج .. فاضية 


اغمض سراج جفنيه ،ليس الآن وقت غيرته .. افلت يده الأخرى التي تتمسك بمعصميها ثم ضم جانبي وجهها لتسقط شفتيه جبينها .. قبلها برقة ثم صاح بلهجة خشنة


- يا اغلي ما عندي لاعمل كل حاجه علشان ينور حياتنا


ارتجفت بين ذراعيه وهي تلف ذراعيها حول خصره .. كيف بكلمة منه أن تؤثر عليها لتلك الدرجة ، قال انها اغلى ما عندي .. زادت تشبثًا وهي تهمس بصوت ملكوم


- تفتكر اني مقدرش 


صاح بصرامة شديدة


- هنجيب 


اغلق مياة الدش ثم عاد حملها تلك المرة بين ذراعيه لتسقط رأسها على قلبه النابض و المياه تتساقط من كلاهما على الأرضية الجافة ، دلفا الى غرفتهما ثم اجلسها علي الاريكة ليقول بعدها بنبرة ماكرة 


- زي الشاطرة هنعد الشهر من اول وجديد .. بين جدران اوضتنا


اتسعت عينا أسرار بجنون وهي تراه يخلع قميصه القطني ليقاطع اعتراضها الواهي قائلاً 


- ولا أدنى اعتراض .. انتي تستاهلي العقاب ده


ثم استدار نحو خزانة ملابسة ليخرج ثيابًا له ولها ، القي ثيابها علي الفراش وحمل ثيابه معه إلى الخارج وهو يغمز نحوها بمكر شديد قبل أن يغلق باب غرفتهما دون أن يوصده ، هزت أسرار رأسها بلا مبالاة متمتمة


- مجنون


لكنها أشد جنونا حتى تأخذ حقها منه .


*****


زمت جيهان شفتيها وصاحت صارخة


- متبقاش بالغباء ده .. انت ميال ليها وهي ميالة ليك ايه بقي الحوار المكلكع ده


زفر ماهر متأففًا هذا ما ينقصه ، ثرثرة جيهان .. رغمًا عنه نظر نحو شعرها الأخضر ليبتسم بإزدراء


- جيهان انتي متربية فين


أجابت بمشاكسة


- في الكبارية 


امسك وسادة مقعده ثم رماها في وجهها ، لتنفجر صارخة بمرح وهي تتبادل القذف معه أمام جميع رواد المطعم ، تمتم بحنق


- وقحة


أرسلت قبلة في الهواء وهي تغمز عينها بوقاحة ليزفر بحنق


- ناوية شعرك يرجع لطبيعته امتي


اقتربت منه تهمس بمشاكسة 


- ايه يا بيبي اللون الاخضر مش بتعشقه


اتجهت تجلس بجوارها وهي تلقي برأسها علي صدره لينظر ماهر بتقزز نحو لون شعرها ليشيح ببصره قائلاً 


- لا بس استحالة يكون لون شعر


شاكسته بمرح شديد وهي تقبل وجنته 


- زي بيلي ايليش يجنن عليا 


تنهد زافرًا بحرارة وقال وهو يتذكر لون خصلات شعرها 


- خسارة انتي الوحيدة اللي لون شعرك مختلف وكمان لون بشرتك الفاتحة اللي ورثتيها من ماما


نظرت الي بشرتها التي تحاول تحولها للون البرونزي لتقول


- حبيت البشرة البرونزية


امسك خصلات شعرها في يده وقال 


- بس اعرف اللي في دماغك دي


امتعضت ملامح جيهان ، ثم ما لبثت ان اقتربت منه هامسة


- ماهر .. حبيبي انا عايزة ارتبط


عبس ملامح ماهر ، الصغيرة يبدو أنها نضجت كثيرًا دون أن يشعر .. كانت شقيقته أكثرهم دلالا كونها أصغر فرد في العائلة ، تمتم ماهر بحدة


- انتي عايزة تموتي مش كدا


هزت رأسها نافيه وهي تهمس بدلال انثوي


- عندي كبت عاطفي يا ماهر ، ارجوك شوف زمايلك الطيارين يكونوا قمر زيك كده ويرتبط بيا


رفع احدى حاجبيه .. وهو يمسك عنقها ليقول


- انتي عندك كام سنة


أجابت ببراءة شديدة 


- لسه مخلصة جامعة 


ربت علي وجنتها ببرود قائلاً 


- تشتغلي زي الشاطرة ولما تكبري عشر سنين هخليكي تتجوزي 


عشر اعوام ... ستموت هي من ذلك الفراغ العاطفي ، اقتربت منه قائلة بجدية


- ماهر .. انت بتستعبط


صاحت شادية بجفاء شديد وهي تجلس على الأريكة المقابلة ،كانت اتفقت مع شقيقها أن تأتي للمطعم حين انتهائها من العمل 


- ايوا اقعدوا هزروا كده وانا مدعوكة في الشغل بتاعك يا استاذ ماهر


نظر ماهر نحو شادية نظرة ذات مغزى 


- عملتي اللي قولتلك عليه


هزت شادية رأسها وقالت 


-عملته يا سيدي 


ابتسم ماهر وهمس 


- طب كويس اووي


قلبت جيهان عيناها وهي ترى النظرات التي بينهما لتصيح بتبرم


- ايه اللي بيحصل ورايا 


ابتسم ماهر ببرود وهو يشعث خصلاتها الخضراء


- هتعرفي 


لكن يبدو أن ضيفًا آخر قدم اليهم ، عقدت مارية ساعديها على صدرها وقالت بنبرة متسلطة


- سيبوني خمس دقايق معاه


اقتربت جيهان هامسة بنبرة ماكرة


- المزة وصلت 


لكزها بذراعه وقال من تحت اسنانه


- قومي بقي يا رزلة


استقامت جيهان ببرود وهي تلحق بشادية لتزفر مارية بحنق ، هذه اخر محاولة ثم ستأتي الي خطوبته وتفسدها عليه ، اقتربت منه تهمس بحرقة


- جيت قبل خطوبتك علشان اقولك متجرحش قلبي 


اجفل ماهر وهو يرى العذاب في عيناها التي ذبحت قلبه ، الورم اسفل عيناها جعله يقلق وخشي ان تكون فعلت شيء متهور مثل أن تجرح نفسها ، همس اسمها بصوت أجش


- مارية


اقتربت منه تلمس يداه التي ارتجفت ليزم ماهر شفتيه بقسوة


- ماهر متعملش كدا .. انت بتجرحني وانت مش حاسس


تهدجت أنفاسها وهي تراقب عيناه المتألمة ، قال بسخرية


- زي ما عملتي يا مارية .. اظن انا اكتر من جرب بالموضوع ده


صاحت بنبرة غامضة 


- انت عارف عيلة بابا اسمها ايه 


رد بجمود 


- المالكي 


انفجرت ساخرة من القدر الذي يضعها في اغرب المواقف ، صاحت منفجرة في وجهه بحرقة 


- ايوة، للاسف محظتش اني اخد اسم العيلة الارستقراطي 


شحب وجهه ماهر ببهوت وهو يقول ان تلك مجنونة ، مجنونة للغاية مما تفوهت به منذ قليل ، صاح بلهجة عنيفة


- انتي عارفة انتي بتقولي ايه


همست ببرود شديد 


- اللي ناوي تخطبها تبقى بنت عمي 


****


استقام وقاص من مجلسه وهو يحيي فرح وأشار نحو الاريكة قائلا 


- اتفضلي يا فرح


أمر من هاتفه بواجب الضيافة ثم تقدم يجلس في مقابلتها وما إن تم وضع المشروب على المنضدة و استدار الرجل خارجًا ، حتى بدأت فرح تقول بحرج


- انا عارفة اني جيت في وقت مش مناسب بس بجد تعبت ، انت اكتر واحد قالي اصبري


تنهد وقاص بحرارة ، كلا ليس وقتها ان تقول انها سئمت من المحاولة ، صاح بلهجة غاضبة


- فرح


تمتمت فرح بامتنان شديد 


- وقاص انت اللي ساعدتني اني اقف علي رجلي ، خليتني اشوف اعرف اتعامل مع نضال بصورة تانية .. خلتني اعرف اكسر الرهبة من اني اتكلم معاه


أقر بجمود وهو يشبك أصابعه ساندًا بذراعيه على فخذه


- نضال لو مش حامل مشاعر ليكي مكنش استحمل كل ده 


ابتسمت فرح وهي تتذكر اليوم الي طرق فيه بيتها لتقول 


- حتى الان بتفكر اليوم اللي خبطت فيه على باب بيتي وقولت اني جاي لمساعدة .. مش عايزة انكر واقولك انك كنت زي مسكن الالام ليا وليه


رغم ان وقاص يعلم انها تعبر عن امتنانها ، هو يري فرح مثل رهف في الحقيقة ، كلاهما مترددتان .. متذبذتان


قال بسخرية


- هو غبي للاسف


قاطعته بصلابة


- محدش فينا عايش حياته كلها حلوة ..هو مش عايز يقتنع بده ، مصمم انه يغرق في العالم اللي صنعه


تبدلت معالم وجهها لتهمس نحوه بقلق


- رجع لعادته القديمة


تخشى أن عدم وجود علاقة زوجية بينهما تجعل نضال يبحث عن إمرأة غيرها ، تخشي أن ذلك يحدث .. تخشاه بقوة 


لاحت ابتسامة ساخرة على وقاص وقال 


- متقلقيش .. نضال اعتزل عن النساء 


استشاطت غضبًا .. الاخ يسخر من أخيه ، رغم انه يستحق ذلك لكن لا تعلم لما شعرت انها يجب ان تدافع عنه أمام أخيه ، فجأة انفتح الباب على مصراعيه وصوت السكرتيرة التي تلحق به تصيح بيأس 


- استاذ نضال من فضلك مش بالطريقة دي


تخشبت فرح وهي ترى نيران في عينا نضال ... بهت وجهها وهي تسمع صوت السكرتيرة المعتذرة لرب عملها


- اسفه جدا يا استاذ وقاص 


أشار وقاص لها بالانصراف وعينا نضال لا تبتعد عن تلك المذعورة وكأنها تلبست بجريمتها


ألا تعد ما فعلته جريمة 


صاح بلهجة ساخرة 


- مكنتش متخيل اني الاقيكم في اوضة واحدة لا وفي كنبة واحدة


علمت فرح انها دقت مسمار نعشها الأخير .. ان كانت تتقلب وتتأرجح بين تقلباته من ألوان صارخة لأخرى باهتة فـ الوانها الان ستصبح سوداء .

             الفصل السادس والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>