رواية اخو البنات الفصل الخامس والسادس والسابع بقلم ياسر عوده


 رواية اخو البنات 

الجزء الخامس والسادس والسابع 

بقلم ياسر عوده 


رواية أخو البنات ( الجزء الخامس )


 توقفنا فيما سبق حينما انجبت اميره فتاتان الاولى اسمتها اسماء والثانيه اسماها عامر أسراء .

كانت اميره ام مجتهده للغايه ، لم تفرق بين ابناءها الثلاثه ، بالعكس ان دققت جيدا فى معاملتها مع ابناءها لوجدت انها تهتم بنور اكثر من اختيه الاثنين اسماء واسراء ، هناك احتمال انها كانت تفعل ذلك كشيء من الاعتذار لام نور المتوفيه ، او لانها احبت نور حبا شديدا ، فلا يعلم ما بداخل القلوب الا الله سبحانه وتعالى .


كانت الايام والشهور تمر ، وعادت العلاقه بين اميره وزوجها الى قديم عهدها واكثر ، كان حب اميره بقلب عامر يزداد مع مرور الوقت ، فكلما شاهد تريقه معامله اميره لنور وحبها له والاهتمام الزائد به يجعله هذا اكثر حبا لها ويتمنى ان ياتى بقطعه من السماء لها ان استطاع ذلك .


كبر نور وكبرت اخوته البنات ، وكان الثلاثه بسنه دراسيه واحده ، كان نور واخوته بالمرحله الاعداديه ، وتاخر نور عن العوده مع اخوته ، وقلقت اميره كثيرا عليهم ، واخير سمعت اميره صوت خبط على الباب ، وحينما اسرعت وفتحت اسماء واسراء ونور ولكن كان نور فى حاله غريبه ، فمعظم ملابسه ممزقه ، كانت بوجهه بعض الجروح والخدوش ، كانه كان بمعركه وليس بالمدرسه .


فزعت اميره بالطبع ، وادخلت نور واخوته الشقه ، وبداءت تسئل عما حدث لهم ، حينها تحدث نور وقال : انا كنت بهزر مع اصحابى ، والهزار قلب جد ، وحصلت الخناقه بنا ، واتعورت بالشكل دا .


غضبت اميره حينما سمعت نور ، كانت تريد معاقبته بقسوه لاهماله لاخوته البنات ، ولكنها امسكت نفسها عنه لانها تحبه ، وادخلته غرفته وطلبت منه الا يغادرها حتى يوم الغد فى الصباح .


بالطبع نفذ نور كلام امه اميره ، ودخل غرفته ، وحينما عاد عامر من العمل وجلس يأكل مع عائلته ، لم يحضر نور فسئل اميره عنه وقال : اومال فين نور يا أم نور ؟


اميره : نايم لما يصحه برحته هحطله الاكل ياكل .


عامر : نيم يعنى ايه ، مش احنا متعودين ناكل سنه ، هتفضلى تدلعيه لغايه ما يبوظ ويبقى مهمل .


اميره : سيبه يا عامر محصلش حاجه يعنى لكل دا ، خليه نايم احسن .


عامر : لا هقوم انا اجيبه ، وحينما وقف عامر للذهاب لغرفه نور ، امسكت اميره بيده وقالت : طيب تعالى معايا اوضتنا ، عوزه اقولك على حاجه .


دخل عامر مع اميره غرفتهم وبداءت اميره تتحدث وقالت : انا هقولك على حاجه بس اوعدنى انك ماتتصرفش غلط او تزعل نور ، كفايه اللى انا عملته .


عامر : فى ايه يا اميره ، نور عمل ايه ، حصله حاجه ؟


اميره : نور كويس الحمد لله ، بس هو غلط غلطه صغيره كدا وانا عقبته خلاص ، واوعدك انها مش هتتكرر .


عامر : حصل ايه ؟


حكت اميره ما حدث وكيف عاد نور وملابسه ممزقه وبه خدوش وجروح نتيجه مشاجرته مع زملائه بالمدرسه .


غضب عامر حينما سمع ما قالته اميره ، وقبل ان يخرج للذهاب لغرفه نور اعترضت طريقه اميره وقالت : عامر لو سمحت اوعه تزعله ، انا عرفه انه غلط بس متزعلهوش وحيات اغلى حاجه عندك .


عامر وهو غاضب بشده : انتى عرفه تصرف نور دا معناه ايه ، يعنى بدل ما ياخد باله من اخواته البنات يعمل كدا ، قدرى حصله حاجه فى الخناقه ، قدرى اخواته البنات حد اتعرضلهم ، اوعى من وشى يا اميره خلينى اروحله .


اميره : منا مش هسيبك تزعل ابنى ، سيبه كفايه اللى حصله ؟


عامر وهو غاضب : دا مش ابنك يا اميره ، انتى وانا عرفين انه مش ابنك ، وحينما قال عامر تلك الكلمات كانت كالصاعقه على قلب اميره فترته وذهب عامر ، ولم تذهب ورائه اميره وبقيت بالغرفه تبكى مما سمعته من عامر زوجها ، فهى لم تكن تتوقع يوما ان يقول لها زوجها هذا الكلام ، فهى مقتنعه ان نور ابنها ، حتى انها تشعر بان نور قد خرج من رحمها ، فكان كلام عامر لها مثل طعنه السكين بقلبها .


ذهب عامر لغرفه نور ، دخل عليه فوجده جالس ، فقام نور على الفور حينما دخل والده ، اقترب عامر من وضربه على وجهه بالالم وقال له : انا كنت فاكر نفسى مخلف راجل اتسند عليه لما اكبر ، كنت فاكر انى لو مت او حصلى حاجه انى سايب راجل سند لاخواته البنات ولامه ، بس انت خيبت ظنى فيك ، مفكرتش وانت بتهزر وبتتخانق مع زمايلك اخواتك البنات ممكن يحصلهم ايه وهما وقفين مستنينك ، طيب لو واحد منهم ضربك ضربه عملتلك عاهه او تشوه هنعمل ايه ، من امتى انت شفتنى بعمل مشاكل او خناقات ، بصراحه انا مش طايق ابوص فى وشك .


ثم ترك عامر غرفه نور ، لم يحاول نور الدفاع عن نفسه ، فهو لم يحاول حتى الكلام ، ظل واقف صامت حتى حينما تلقى بالضربه على وجهه لم يبكى او يتحرك او يعترض .


عاد عامر لغرفه نومه ، وجد بالطبع اميره جالسه تبكى وحينما وجدته مسحت دموعها ، وقررت اميره الا تتحدث مع عامر وتقوم بمقاطعته .


ظل هذا الوضع قائم بالمنزل لمده اسبوع ، كانت اميره تعد الطعام ولكنها لم تجلس لتأكل مع عامر وبناته ، وكان نور لا يجلس على مائده الطعام حينما يجد امه اميره ليست موجوده ، وحين يفعل ذلك كانت اميره تحضر طعام وتدخل فى غرفه نور وتاكل معه حتى يقبل ان يأكل هو الاخر ، كانت اميره ترفض التحدث مع عامر ، فلقد جرحها بكلامه وايضا علمت انه ضرب نور بالالم على وجهه ، حاول عامر الاعتذار من اميره اكثر من مره لكنها ترفض الاستماع له حتى , وظل الحال على ما هو عليه حتى حدث شيء لم يكن يتوقعه احد ، كانت اميره بغرفه نور ، فمنذ ان خاصمت زوجها عامر فكانت تنام مع ابنها نور بغرفته ، كان عامر بغرفة نومه ، حينها خبطت ابنته الكبرى اسماء واذن لها بالدخول ، دخلت اسماء وبداءت بالتحدث لوالدها وقالت : انا خبيت عنك حاجه يا بابا وخفت اقولها سعتها ، بس انا مش قادره اشوف اخويا نور بيحصله كل دا بسببى .


عامر : انا مش فاهم حاجه يا حببتى ، قوليلى حصل ايه ؟


اسماء : بصراحه اليوم اللى اتخانق فيه نور مكنش بيتخانق بسبب هزاره مع زملائه .


عامر : اومال حصل ايه ؟


اسماء وهى بداءت تبكى قالت : انا كان فى واحد زميلى بيد\ضايقنى فى المدرسه طول الوقت ، ووقفت معاه قدام المدرسه علشان اقوله انه يبعد عنى ويبطل يضايقنى ، فواحد صحبه راح مصورنى وانا وقفه معاه وقعد يقولى هيورى الصوره اللى معاه للناس كلها فى المدرسه ويقولى انى مرفقاه ، انا خفت بصراحه يا بابا الا متصدقنيش ، ولما شفنى نور بعيط وحاول يعرف ايه اللى حصلى فاختى اسراء هى الوحيده اللى كنت قايللها وهى قلتله ، فراح نور اتخانق مع الواد اللى كان بيدايقنى هو وصاحبه اللى صورنا وخد منهم التليفون وكسره ، ودا سبب الخناقه ونور محبش يعرفكم حاجه علشان انا كنت خايفه اوى ، وهو قالى ان احنا نقول انه كان بيهزر مع زمايله علشان محدش فيكم يعرف الحقيقه انت ومام ، والله يا بابا انا معملتش حاجه غلط ، الواد هو اللى ضايقنى ، انا خفت منك ومن ماما بس مش قادره استحمل اللى بيحصل لنور من غير ما يعمل حاجه .


عامر رق لابنته فاحتضنها وقال لها : لا انتى غلطى لما مجتيش حكتيلى من الاول .


اسماء وهى تبكى : انا اسفه يا بابا كنت خايفه .


عامر : انتى المفروض تتأسفى بس مش ليا ، لاخوكى نور ، مش انتى بس اللى هتتأسفيله ، ثم اخذ عامر اسماء ابنته وتوجه بها الى غرفه نور ، وحينما دخل ووجد نور جالس وبجواره اميره ، لم يكن يعرف كيف يبداء بالكلام ، فهو يشعر بالاحراج من ابنه نور ومن زوجته اميره ايضا .


جلس عامر بجانب ابنه ووضع يداه على ظهره وقال له : على قد ما انا مكسوف ومحرج من نفسى على قد مانا فخور بيك ، انا عرفت الحقيقه وعرفت انت ليه اتخانقت ، انا حبيت اجى اقولك انا اسف .


روايه أخو البنات ( الجزء السادس )


توقفنا فيما سبق حينما عرف عامر حقيقه مشاجره ابنه نور ودخل غرفته وقال له : انا أسف .

نزلت بضعه دموع من نور واخذ يقبل يد اباه ويقول : يا بابا متقولش كدا ، وكمان اختى كانت خيفه ، ونظر الى اخته اسماء وقال لها : هو مش انا قولتلك متقوليش حاجه خالص ؟

اسماء : انا مينفعش اسكت اكتر من كدا ، بابا كان لازم يعرف .

لم تفهم اميره شيء وبداءت تسئل اسماء وابنها نور ، فجاوبتها اسماء وقالت لها على الحقيقه ، فضربتها اميره على وجهها بالالم لمعاقبتها على ما تسببته لخيها نور ، فطلب نور من امه ان تسامحها وقال : معلش يا ماما سمحيها ، هى كانت خيفه ، بس هى معملتش حاجه غلط .

فسامحت اميره ابنتها ، اما عامر فلم يتكبر واخذ يعتذر لاميره امام ابناءها ، ولكنه بالطبع لم يقول سبب الاعتذار ، فتركته اميره وذهبت لغرفتها فهى لا تريد مسامحته ، فذهب ورائها عامر وكانا لوحدهما بالغرفه ، واخذ يلح عليها فى مسامحته فقالت له اميره : اللى انت قولته مقدرش اسمحك عليه ، انا فعلا مش اللى خلفت نور ، بس انا اللى ربيته وسهرت عليه ، نور لما بيتعب انا اللى بسهر جنبه ، ولما بيزعل انا اللى بحس بيه حتى من غير ما يتكلم ، انا مش معتبراه ابن جوزى ، دا ابنى فعلا ، نور متعلق بيا زى ما انا متعلق بيه ، فمتجيش بعد كل دا وتقول ببساطه انه مش ابنى ، لا دا ابنى غصب عن اى حد ، نور ابن قلبى وروحى ، نور ابن اميره مش ابن حد تانى ، سامع يا عامر ، انا بحبك اوى فوق ما تتصور ، بس لو حولت تفرق بينى وبين ابنى بكلامك دا تانى ، هيبقى حكمت عليا انا وانت بالفراق .

صدم عامر من كلام زوجته ، لم يكن يتوقع ان ياتى يوم ويرى ان زوجته سوف تحب ابنها او بالاصح ابنه هو فقط اكثر منه ، شعر عامر ان زوجته جاده جدا فيما تقوله ، ولم يكن بايده سوى الرضوخ لكلامها ووعدها انه لن يكرر هذا الخطاء مره اخرى .

مع مرور الايام والاسابيع عادت العلاقه جيده بين افراد المنزل ، ورجعت السعاده تدب بين جدرانه ، ولكن لم تدوم تلك السعاده كثير ، فبعد مرور بضعه سنوات كان نور واخوته قد انهوا المرحله الثانويه ، وكانوا بانتظار الجامعات التى سيلتحقون بها ، كان نور اكثر تفوقا من اخوته البنات ، وبالفعل ذهب نور ليعرف باى جامعه وكليات التحق بها مع اخوته البنات ، فكان الحظ حليف اخوته البنات حيث دخلت اسماء واسراء جامعه واحده وبكليه واحده ، دخلوا جامعه القاهره وبالاخص كليه الاعلام ، اما نور فكان بجامعه عين شمس كليه طب .

عاد نور وهو فى قمه السعاده ، كان يعلم ان امه ووالده سيطيران فرحا بما وصل اليه ، فهو سيدخل احدى كليات القمه كما يقولون ، عاد نور لمنزله مسرعا ، لم يريد الاتصال بامه ليبشرها ، فهو يريد رؤيه الفرحه بعيونها ووجها حينما يقول لها الخبر وهو امامها ، وصل نور منزله ولكنه وجد شيء غريب ، وجد فى منزله اشخاص كثيرون جدا ، منهم جيران ومنهم من هم زملاء والده بالعمل ، دخل نور شقته وقلبه يخفق بشده ، فهو يشعر ان هناك شيء عظيم قد حدث ، وحينما دخل لغرفه والده وجد ان امه جاسه تبكى بشده واخوته البنات يبكون ، وهناك على السرير ، شخص نائم تم تخطيته بالكامل ، بالطبع شعر ان هذا الشخص ابوه ، توجه الى ذلك الشخص النائم واخذت دموعه تسيل على خديه ، وقلبه يسرع فى النبض ، تغير لون وجه نور ، اصبح شاحب ، قدميه لا تستطيع حمله ، فهو يحركهم بصعوبه بالغه للوصول الى سرير والده ، ووصل بالفعل وامسك بالغطاء ليرفعه لايتأكد ان شكوكه صحيحه ، حاول احد زملاء والده منعه عن ذلك ولكن نور دفعه دفعه ضعيفه ليخبره بها بان يتركه ، بالفعل رفع نور الغطاء ووجد اباه ، حينها لم يعد هناك شك ، فهو والده من توفى بالفعل ، لم يكن نور يصدق هذا ، فلقد شاهد والده صباح هذا اليوم قبل ان يخرج والده للعمل ، كان بصحه جيده ولم يشكوا من شيء ، لم تعد اقدام نور تستطيع الصمود اكثر من ذلك ، فركس نور على ركبتيه ، واخذ يحتضن جثمان والده ويقبل يداه ، اخذ يتحدث له بصوت متقطع فهو لا يستطيع ان يتنفس بشكل طبيعى ، فنور شعر بالاختناق ، اخذ يتحدث لوالده وقال له : انت متنفعش تسبنى ولا تسيب امى واخواتى ، انت مقوتليش انك هتتخلى عننا بالساهل كدا ، انت بتهزر صح ، انت عاوز تعرف غلوتك عندنا ، عاوز تعرف بنحبك قد ايه صح ، انا طول عمرى بسمع كلامك ، اسمع كلامى المرادى بس وقوم ، قوم يا بابا ، قوم علشان خطرى ، طيب قوم علشان خاطر ماما ، انا عارف انت بتحبها قد ايه ، طيب قوم علشان خاطر بناتك ، قوم شوف بناتك نجحوا وهيدخلوا كليه الاعلام وهيبقوا صحفين او مذيعات ، قوم بارك لاسماء ولاسراء ، قوم بقى قوم ....... اخذ نور يبكى بشده ، وحاول زملاء والده تهدائته ، ولكنهم عجزوا عن ذلك ، حينها ادركت اميره ان عليها تحمل المسئوليه ، عليها الوقوف ومسانده ابنائها ، تركت اميره حضن ابنتيها وقامت وتوجهت الى نور ، وقف اميره بجواره وكان جالس على ركبتيه ، فامسكت اميره ابنها نور من كتفه ليقوم وقالت له : عامر طول عمره بيقولى انه سايبلى راجل مكانه لو حصل حاجه ليه ، وكان بيقول نور هيبقى سند ليكى وللبنات وعمره ما هيكسفنى او هيخذلنى فيه ، تفتكر ابوك دلوقتى يا نور مبسوط باللى انت بتعمله ، اخواتك البنات بتعيط ومحتجين لاخوهم الكبير يبقى سند ليهم ويطمنهم ، ايه هتخذل ابوك بعد ما مات ؟

كانت كليمات اميره مشجعه لنور لابعد الحدود ، فلقد ذكرته الان بانه اصبح رجل البيت ، وان فى رقبته مسئوليه كبيره ، وعليه الاعتباء بمن تركهم والده ، توقف نور عن البكاء ، ومسح دموعه بسرعه ، وتشجع ووقف على قدميه ، وقال لزملاء والده : اكرام الميت دفنه ، انا اللى هغسل ابويا لوحدى .

حاول احد زملاء والده مساعدته بالامر ، او ان يحضر احد المشتغلين بهذا الامر ، ولكن رفض نور وقال لهم : ابويا مكنش بيحب حد يشوفه عريان وهو عايش ، وبرده محدش غريب هيشوفه وهو ميت .

قام نور بتغسيل والده ، وقام بوضعه بالكفن ، وحمله مع زملاء والده ، واتم صلاة الجنازه ودفنوه بعدها ، رحل معظم الناس وبقي نور واخوته وامه امام قبر ابيهم ، كانت اخوت نور يبكون ، واميره كانت تبكى بشده رغم انها حاولت منع نفسها عن ذلك ، ولكنها لم تستطيع ، اما نور فجلس امام قبر والده دون ان يبكى او تنزل منه دمعه واحده ، فحينما سمع من امه انه المسئول عنهم ويجب ان يكون راجل يستطيع تحمل المسئوليه ، قرر حينها ان لا يبكى ابدا مهما حصل .

بعد ان رحل نور واخوته وامهم الى منزلهم ، جلس نور صامت لم يتحدث ، وجلست اميره مع بنتها واخذت اسراء تسئل عن سبب وفاة والدها ، فاجابتها اميره ان زملاء والدها اخبروها ان اباهم قد مات نتيجه سكته قلبيه مفاجأه ، فحينما كان يعمل وبدون انذار وضع عامر يده على قلبه وقال انه يشعر بوخذه شديده بقلبه ، ثم وقع على الارض ومات .

طبعا كانت اول ليله قدتها تلك العائل بغياب عامر صعبه على الجميع ، وما رحمهم هو ان النوم قد اخذهم جميعا ، ومضت بضعه ايام على هذا الحال ، ومن رحمه ربك ان الحزن هو الوحيد الذى يصغر مع مرور الوقت ، فان اصابه شخص مصيبه لا قدر الله يجدها فى بدايه الامر انه شىء لا يحتمل وان الحياه توقفت ، ولكن بمرور الوقت تظل تلك المصيبه تصغر والحزن يقل .

بعد مرور بضعه اسابيع اصبح لدى اميره ما يشغلها اكثر من حزنها على زوجها ، فلم يكن عامر من الاشخاص الذين يهتمون بتوفير اموال تحسبا للظروف السيئه ، وانما كان يصرف وينفق كل مرتبه على بيته وعائله دون بخل او توفير ، وبعد وفاته اصبح الامر معقد ، فالمعاش المتحصل عليه بعد وفاة عامر قليل للغايه ، يكفى فقط للطعام والشراب ، ولكن مع دخول ثلاثه ابناء الجامعه ومنهم نور الذى سوف يلتحق بكليه الطب وهى من الكليات التى تحتاج الى كتب ومراجعات غاليه الثمن ، كان الامر شبيه بكارثه بالنسبه لاميره .



رواية أخو البنات ( الجزء السابع )


 توقفنا فيما سبق حينما ظهرت ازمه وهى كيف سوف تنفق اميره على المنزل بعد وفاة زوجها عامر واصبحت مشكله بحيتها .

لم تكن اميره فقط من انتبهت لهذا الامر ، وانما فعل نور نفس الشيء ، فكان من واجبه ان يتصرف باسرع وقت ممكن ، وبعد تفكير وجد ان لا يوجد حل سوى ان يعمل ، وفى يوم جلس نور مع امه اميره ليخبرها بقراره وقال لها : انا خلاص يا امى لقيت الحل لمشكلتنا .


اميره : مشكله ايه يا نور ، احنا الحمد لله معندناش اى مشاكل .


نور : يا امى الكلام دا تقوليه لاخواتى البنات ، انا شايفك وحاسس بيكى ، وعارف ان انتى شيله هم المصاريف ، وخصوصا ان الجامعه مصارفها كتير .


اميره : متشلش هم يا حبيب امك ، امك طول عمرها نصحه وهتعرف تصرفها باذن الله .


نور : انا قررت مكملش درستى واردور على شغل ، واسعدك فى المصاريف ، علشان اخواتى البنات تكمل تعلمها .


اميره بعد ما صعقت من كلام نور : انت اتجننت ، تعليم ايه اللى تسيبه ، انا لو هلف اشحت من الناس هعملها وعمرى ما هخليك تضيع مستقبلك .


نور : اهدى بس يا امى ، وتعالى نحسبها بالعقل ، الكليه بتعتى بتحتاج مصاريف كتير ، واخواتى هما كمان محتاجين مصاريف كتير ، للكتب والمراجع دا غير مصرفهم اليومى ، ولازم طبعا يلبسو كويس علشان مايحسوش بانهم اقل من زملائهم ، وبعدين كليتهم بتاعت مظاهر ومينفعش اخواتى يحسوا بالحرمان ، انتى عرفه ان بابا الله يرحمه مكنش حرمهم من حاجه خالص .


اميره : كل اللى انت بتقوله دا مش مبرر للى انت عاوز تعمله ، انا مش هوافق عليه ، ولو حطيت تعليمك فى كافه وتعليم اخواتك البنات فى كافه تانى ، هختار تعليمك انت .


تبسم نور فى وجه امه ، وامسك ايديها وبسها وقال له : هو انتى ليه بتحبينى اوى كدا يا ست الحبايب ؟


تبسمت اميره وقالت : انت متعرفش انا لو اقدر اديك من عمرى مش هتاخر عليك .


نور : ربنا ما يحرمنى منك يا حببتى ، طيب عندى فكره ومينفعش تقولى عليها لا ؟


اميره : اسمعها الاول وبعدين اشوف هوافق عليها ولا لا .


نور : انا اشتغل وانا بدرس ، هحضر بس المحاضرات المهمه ، واشتغل بعد الكليه .


اميره : بس انت كدا هتتعب حبيبى ، ومش هتقدر توفق بين الشغل والدراسه .


نور : ابنك شاطر يا ست الحبايب ، متقلقيش عليا .


اميره : موفقه بس لو مقدرتش توفق بين الاتنين هتقعد من الشغل .


نور : اللى تشوفيه يا امى .


اميره : بص بقى انا فكرت فى ايه ، المكفأه اللى خدنها من شغل ابوك هحطها فى بنك وبفيدتها مع معاش ابوك هصرف منها على الاكل والشرب ، وهدبر بيهم احتياجات اختك البنات ، مصاريف الكليه وكتب ولبس يعنى ، وانت اللى هتشتغل بيه تصرف منه على كليتك ومصاريف الكتب .


نور : ايوه يا امى بس كدا كتير عليكى ، الفلوس اللى هتخديها ازاى هتكفى كل دا ؟


اميره : متشغلش بالك ، وبعدين انا هوفر من مصارفنا شويه ، متقلقش بس المهم انتبه لتعليمك كويس ، قولى بقى هتشتغل ايه ؟


نور : اى شغلانه يا امى ، مش فرقه المهم الفلوس وخلاص .


اميره : اى شغلانه ازاى ، متنساش انت هتبقى دكتور ، يعنى لازم متعملش حاجه تتحرج منها بعدين .


نور : ابنك مش تافه يا امى متقلقيش ، مش انا اللى اتكسف من حاجه زى كدا ، هو فى حد زى ، انا امى اعظم ام فى الدنيا .


احتضنت اميره ابنها واخذت تقبل رأسه وتقول : ربى ما يحرمنى منك ويفرحنى بيك يا ابن قلبى .


ظل نور يبحث عن عمل له ، استمر الامر عده ايام ، فليس من السهل ايجاد عمل مناسب لظروفه ، وفى احدى الايام عاد فرحا لبيته واخبر امه انه وجد عمل .


اميره : مبروك يا حبيبى ، هتشتغل ايه .


نور : يا امى مش مهم المهم لقيت شغل .


اميره : لا مهم وعاوزه اعرف اشتغلت ايه ؟


نور : متقلقيش مسكت حسابات مول كبيره فى وسط البلد .


تبسمت اميره وقالت له : مبروك يا حبيبى .


دخل نور وهو مبتسم اما اميره فلقد اختفت الابتسامه من على وجهها وقالت لنفسها : بتكدب عليا يا نور ، فكرنى مش هعرف لما تكدب عليا ، طول عمرك لو حبيت تكدب بتمسك ودنك قبل ما تكدب ، حركه لا اردايه عندك ، انا الوحيده اللى خدت بالى منها ، بس مينفعش اقولك انى عرفت انك بتكدب ، كبرت يا نور وشلت الهم بدرى ، ربنا يوفقك يا ابن قلبى .


دخل نور الى غرفته ، حتى هو اختفت الابتسامه من على وجهه ، وقف نور امام المرأه بغرفته ، ونظر لنفسه بالمرأه وقال لها : انت فاكر نفسك عرفت تضحك على امك لما قولت انت شغال ايه ، تبقى عبيط ، امك عرفاك اكتر من نفسك ، زى ما انت عرفها اكتر من نفسها ، انا حسيت بيها مش مصدقانى ، بس هى حبت متحرجكش ، يا ريت متحولش تكدب تانى عليها ، هى متستهلش انك تعمل فيها كدا .


لم يجد نور اى عمل مناسب يجنى منه اموال ، لذلك عمل جرسون يقدم المشاريب باحدى المقاهى الشعبيه ( اهوجى ) ، بالطبع خجل ان يقول لامه ذلك فتمنعه عن العمل ، لذلك فضل ان يبقى هذا سرا عنها ، ولكنه علم ان كذبه لن يخيل على امه .


مرت الايام وبدائت الدراسه ، كان نور يعمل بعد مواعيد الكليه ، اما اخواته البنات فدخلت كل واحده منهم قسم مختلف ، فاسماء سوف تصبح صحفيه ، اما ساره فرغبت ان تكون مذيعه مشهوره .


بالطبع مر نور بايام صعبه جدا فى بدايه عمله ، فدائما ما يتهاون الناس باصحاب مهنه الاهوجى هذه ، ويعاملونه كانه شيء تافه ، وشخص جاهل ، وذلك بجانب ان تلك القهوه كان زبائنها من سكان الاحياء الشعبيه ، فهم معتادون ان من يعمل بتلك المهن من متعاطين المخدرات ، فكان نور يتلقى الاهانه من الاشخاص ولكنه لا يستطيع الرد عليهم حفاظا على عمله ومصدر رزقه ، وبعد مرور عامان تقريبا ، كان نور قد تعلم الكثير بكليته حتى الان ، تصادف انه وجد رجل جالس على القهوه فى حيره من امره ، ممكسك بعدد من الورق واخذ يقلب بهم ولا يعرف ماذا يفعل ، وبينما كان نور يحضر له الشاى ويضعه له على التربيزه سمع الرجل وهو يتحدث مع نفسه بصوت عالى : طيب ايه العمل دلوقتى يا ربى ، استنى لما اروح للدكتور ولا اعمل ايه .


فرغب نور ان يعرف لماذا هذا الرجل يتحدث مع نفسه بهذا الشكل فقال له : خير يا عمى مالك ايه اللى محيرك ومضيقك ؟


نظر الرجل له وقال : سبنى يا ابنى فى حالى انا مش ناقص ، انا نفسى حيران .


نور : طيب جرب بس يا والدى يمكن اقدر اسعدك .


نظر الرجل الى نور فوجده مبتسم وبشوش ، فرق قلبه لنور وقال له : معايا روشتيتين ، مكتوب فيهم علاج ، وانا مش عارف انهى واحد منهم علاج الكبد ، اصلى عندى قصور بوظايف الكبد ، والمفروض اكلم ابنى دلوقتى علشان اقوله اسم العلاج لانى مابلقهوش هنا وهو يعرف واحد هيجبهوله ، ومش عارف اعمل ايه ؟


امسك نور الروشتتان من الرجل ، ونظر اليهم وسئل الرجل ، العلاج دا يا حج بتخده مره ولا اتنين باليوم .


الرجل : مره وحده .


تبسم نور وقال : عرفته يا حج انهى واحد ، المكتوب نوعين لتنشيط وظائف الكبد ، واحد منهم بيتاخد مره والتانى مرتين ، شفت الموضوع سهل ازاى ، اتصل بابنك وانا هقوله اسم العلاج .


الرجل : انت متاكد يابنى ، اصلى مش ناقص عطله ، العلاج خلصان من عندى .


نور وهو مبتسم : يا حج متقلقش ، انا متاكد مليون فى الميه .


اتصل الرجل بابنه ، وتحدث له نور واخبره على اسم العلاج ، وبعد ما اغلق الاتصال قال الرجل لنور : انت عرفت ازاى ، اصل مش مكتوب فى الروشته مش مكتوب فيها كل علاج بيتاخد مره ولا اتنين .


تبسم نور وقال : يا والدى انا بدرس فى كليه الطب ، انا فى الفرقه التانيه وعندى خبره كويسه بالعلاج ، فمتقلقش خالص منى .


صدم الرجل حينما عرف ان نور يدرس بكليه الطب ، وقال له : يعنى انتى هتبقى دكتور ، وشغال الشغلانه دى .


نور : يا والدى اعمل ايه ، المضطر يعمل اى حاجه ، المهم متشغلش بالك ، اشرب الشاى بتاعك ومتحسبش عليه انا عزمك عليه ، وانا هروح اشوف شغلى .


الرجل وهو مبتسم : لا مينفعش محاسبش عليه ، انت اولى باى قرش يابنى .


نور : يعنى بتقولى يابنى ومستخسر فيا اعزمك على كوبايه شاى ، طيب دا ينفع بردو ؟


الرجل : عندك حق ، هو انت بتشتغل هنا كل يوم صح ، يعنى هتبقى موجود هنا بكره .


نور : ان شاء الله يا حج ، فى اى وقت هتلقينى ، بعد الظهر ببقى رجعت من الكليه ، بعد اذنك هروح اكمل شغلى صاحب القهوه بقاله شويه بيبص عليا .


الرجل : اتفضل يابنى ، بس هو انت اسمك ايه ؟


نور : اسمى نور يا حج ، ثم تركه نور وذهب ، فقال الرجل له فى سره : ربنا ينور طريق يا ابنى ويقدرنى على رد جميلك .


                الفصل الثامن من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>