رواية لمن القرار الفصل الخامس5 والسادس6بقلم سهام صادق


 رواية لمن القرار 

الفصل الخامس والسادس 

بقلم سهام صادق


الفصل الخامس

**********

وقف بمكانه فوق الدرج يُطالعها وهي تسير من شقتهم نحو شقة السيدة إحسان تهتف بسعادة

- الفطاير ريحتها تجنن ياماما

لم تلمح طيفه وهو واقف هكذا يدرس الأمر بعقله... ولما لا تعمل خادمة فقد لاقت عليها وراقت له الفكره 

اكمل صعود بعض الدرجات المتبقية مقتربً من شقة السيدة إحسان

- فتون

صوته أصبح ذعر حياتها... توقفت اللقمة التي قضمتها من الفطيرة وقد كانت سعيدة بصنعها ومذاقها.. وضعت باقي القطعة بالصنية المملوءة بصنع يديها وخبرة السيدة إحسان في تلك الأمور

حدقت بها السيدة إحسان وقد امتعض وجهها

- روحي شوفي يابنتي، خلينا نتقي شره

كانت تلك الكدمة التي تعتلي حاجبها الأيسر خير دليل على بطشه وجبروته... رفعت يدها نحوها تتحسسها، آلمها قد زال ولكن ألم الروح بقى كما هو

- فتون

ازدادت حدة صوته فنهضت السيدة إحسان من فوق مقعدها وقد تركت طبقها جانباً

- ديما قاطع اللحظات الحلوه... انا قايمه معاكي أشوفه

- لا ياماما انا هروحله... بلاش ارجوكي تدخلي ده ممكن يمنعني منك انتي عارفاه

زفرت السيدة إحسان أنفاسها حانقة وعادت تجلس فوق مقعدها تنظر إلى كدمتها التي حصلت عليها بسبب عودتها لأرتداء الحجاب مُعلنه عصيانها عليه 

انصرفت فتون نحو شقتها تحت نظرات السيدة إحسان المشفقة

- كان عليكي بأيه يابنتي تتجوزي وانتي 16 سنه 

............ 

رمقها بنظرات ممتعضة قبل أن يجلس فوق الاريكه يمدّ لها ساقيه.. كانت اشاره واضحه لها ان تتقدم منه وتزيل عنه حذائه، اقتربت منه تفعل له مايريد.. فرفع كفه رغبة في لمسها فأنتفض جسدها خوفً من نيل المزيد من صفعاته ، ابتسم بنتشاء وهو يرى نظراتها الخائفة وقد تراجعت بجسدها عنه

 شعر بكينونته كرجلاً يرفع كفه نحو شاربه يعبث به

- مالك خوفتي كده، هو انا بخوف ده انا حتى اتغضيت عن عصيانك لكلامي وخروجك من الشقة 

- بس انا مخرجتش ياحسن 

- وخروجك من عتبة الشقه ده تسميه ايه 

- ما انا كل يوم بروح عند ماما إحسان 

ارتجفت شفتيها كحال جسدها وهي تراه  يرمقها بنظراته المظلمة 

- حظك اني ماليش مزاج اديكي علقه زي بتاعت امبارح... قومي حضريلي لقمه أكلها وهاتي من الفطاير الي كنتي عملاها 

نهضت مُسرعة تخشي بطشه تعد له طعامه 

وضعت الطعام أمامه فنظر نحو ما اعدته يلتقط قطعه الدجاج مُتلذذاً بمذاقها 

- عليكي نفس في الأكل يجنن 

امتدح طعامها وكأنه لأول مره يتذوقه

- بتبصيلي كده ليه اقعدي كلي معايا افتحي نفسي

اتسعت حدقتيها ذهولاً تنظر اليه وانفرجت شفتيها وقد ازداد اتسع حدقتيها وهي تراه يمد لها يده بقطعة من الدجاج يُخبرها ان تتذوقها منه 

- خدي كلي ديه من ايدي 

جف حلقها وتسارعت دقات قلبها تنظر إلى فعلته وكأنه ليس هو ذلك الرجل الذي ابرحها ضرباً أمس لمخالفته 

حشر اللقمه بفمها مُتجاهلاً دهشتها التي لم تغفل عيناه عنها 

اجلسها عنوة فوق المقعد المجاور لمقعده حول المائدة الصغيره 

- فاكره ليلة جوازنا يافتون 

وهل تنسي ابشع ليلة عاشتها ولكن جوابها كان في اماءة بسيطة مقتضبة وعلي سيرة تلك الليلة هتف مُتذكراً

- صحيح جبتلك الحبوب عشان تاخديها.. اوعي تيجي في يوم تقوليلي نسيت 

ابتلعت اللقمه المحشوره بفمها بمرارة تنظر اليه متسائلة 

- حبوب ايه ياحسن 

- حبوب ايه حبوب فيتامين يافتون... ما تفوقي كده حبوب منع الحمل 

بهتت ملامحها وهي تراه يخرج علبة الحبوب يضعها أمامها اكمل تناول طعامه يُطالعها من حيناً لأخر وهي تبتلع طعامها بمرارة 

- لو خلصتي اكلك قومي اعمليلنا كوبايتين شاي وتعالى نتفرج على التلفزيون 

................. 

اندمجت بكل حواسها مع الفيلم الذي يُعرض على شاشة التلفاز ، تقضم من الكحك الذي أعطته لها السيدة إحسان بعدما صنعوه سوياً 

ارتشف حسن الشاي يرمقها مُتلذذاً طعم الكحك هو الأخر 

أسبلت جفنيها عندما مرت إحدى المشاهد الساخنه، فرمقها بمتعه مُقترباً منها

أنتفضت مذعوره عندما شعرت بيديه فوق جسدها وشعوراً واحداً كان يختلج فؤادها 

ابتعد عنها بعدما نال ما ارداه ينظر إلى ملامحها 

- اعملي حسابك بكره هتنزلي تشتغلي 

تجمدت يداها فوق كتفيها بعدما لملمت ثوبها تُغطي ما عراه من جسدها 

- سليم بيه عايز خدامه وبصراحه انا شايف حرام اني اجيبله حد يخدم وانتي موجوده ولا وراكي شغل ولا مشغله 

واردف حانقاً يُطالع نظراتها المبهوتة

- مش فالحه غير ليل نهار قاعده مع الست إحسان 

- بس انا مش عايزه اشتغل خدامه ياحسن 

اقترب منها حتى يتأكد مما سمعه واخترق أذنيه 

- سمعيني تاني كده قولتي ايه 

ابتلعت لعابها تنظر اليه بتوجس وقد سُلبت أنفاسها من نظراته الصاعقة 

- مش عايزه اشتغل خدامه ياحسن

- وعايزه تشتغلي ايه ياست الدكتوره بحتت الاعداديه الي وخداها 

هطلت دموعها من قسوة كلماته، فهل يختار أحداً قسمته من الحياة 

- اخدم في البيوت ياحسن.. انت يوم المزرعه قولتلي ديه خدمه للبيه عشان تقرب منه اكتر وانك مش لاقي حد 

- وهو الشغل عيب يافتون... ما اغلب الستات بتشتغل دلوقتي وتساعد رجالتهم 

احتدت عيناها ولاول مره تقف بوجهه بشجاعة واهيه 

- ابويا راجل فقير وعمره ما شغل امي ولا مرمطها 

- أنتي بتعلي صوتك عليا يافتون 

صرخت صرخة مكتومه تخفي خلفها قهرها وصفعاته تتوالى فوق وجنتيها 

- كلامي يتسمع، بكره هتروحي تخدمي في بيت سليم بيه 

ودفعها عنه نافضً اياها من بين ذراعيه 

- ست لازم تتصبح وتتمسي بعلقة 

افترشت الأرض بجسدها تضم ركبتيها الي صدرها ترثي حالها 

.................

اتسعت عيني زميلتها التي وقفت جوارها تنتظر سيارة أجره تقلهم الي منازلهم بعد يوم شاق 

- مش معقول هو في رجاله كده... ملك ده بيشاور لينا 

رفعت ملك رأسها عن حقيبتها بعدما كنت تبحث عن هاتفها تنظر نحو الذي تمتدح به زميلتها 

اتسعت حدقتيها وهي ترى رسلان يتقدم منهم وقد ارتسمت فوق شفتيه ابتسامه جعلت "ماريا " زميلتها تضع يدها فوق بطنها المنتفخه 

- لاء انا محتاجه ابص في الأنواع ديه كتير 

همست ملك غير مصدقه وجوده 

- رسلان 

- رسلان مين ياملك 

التقط رسلان سماع اسمه فور ان اصبح أمامهم يمد يده نحو زميلتها 

- دكتور رسلان ابن خاله ملك 

مازحته ماريا كعادتها الفكاهية 

- وكمان دكتور لا انا كده ممكن احسدك

واردفت بجديه تُعرفه على حالها 

- انا ماريا مدرسة لغه انجليزيه وزميلة ملك 

ووضعت يدها فوق بطنها 

- وأم لطفلين والتالت جاي في السكه ولو كنت ظهرت قبل عشر سنين كنت اتجوزتك 

ضحك رسلان رغماً عنه يرمق ملك التي هربت من نظراته المسلطه عليها تخفي ابتسامتها 

- ماريا ياحببتي انتي مش ملاحظه انه لا يجوز 

هتفت بها ملك، فرفعت ماريا يدها فوق خصلات شعرها تمسدها 

- تصدقي نسيت 

ضحك ثلاثتهم فأردف رسلان مبتسماً

- اتشرفت بمعرفتك يااستاذه ماريا 

انصرفت ماريا بعدما وقفت أمامها سيارة أجره ورغم اصرار رسلان بأن يصطحبها معهم إلا انها اعتذرت منهم

التقطت ملك غمزتها بعد ان لوحت لهم بيدها مودعة 

- دمها خفيف صاحبتك 

- جدا، هي اول زميله اعترفت عليها في المدرسه ويمكن أقرب واحده ليا هنا 

والتفت حولها لعلها تجد سيارة أخرى وتهرب منه كما اعتادت 

- بتبصي حواليكي ليه 

ارتبكت تهرب من عينيه التي تتشرب أدق تفاصيلها 

- مش هتهربي مني كعادتك ياملك ومافيش حجج واعداز...انا كلمت عمي قولتله هاخدك من المدرسه نخرج نتغدا سوا 

- بابا.. ازاي وماما 

ابتسم وهو يرى هيئتها المُرتبكة، فأشاحت عيناها بعيداً عنه تخفي كسرتها، تتذكر حديث والدتها أمس تطلب منها ان تُساعد شقيقتها بالأقتراب منه قبل أن تخطفه أخرى 

أبعاد وأبعاد كانت كل ليلة توضع بينهم ولكن الغد كان يحمل لها أملاً جديداً تخشاه وما المفر منه إلا الهرب 

- مش هينفع لازم اروح 

هربت كعادتها ولكن يده كانت اسرع منها، قبض فوق ذراعها يجذبها اليه ثم سرعان ما حررها عندما رأي نظرتها 

- ملك كفايه هروب مني...مش معقول ياملك بتهربي زي العيال 

- انا مش عيله 

تلاشي حنقه سريعاً وهو يرى استياءها من كلمته

- لا عيله ياملك ويلا تعالي نركب العربيه.. المدرسه كلها بقت عنيهم علينا

شهقت مذعوره تلتف حولها لا تُصدق انها ظلت واقفه معه كل هذا الوقت أمام مكان عملها 

أسرعت بخطواتها أمامه نحو سيارته فأتبعها يخفى ضحكته التي لو أطلقها لجمعت المارين حولهم 

تنهد بأرتياح بعدما تحرك بسيارته 

- ملك هانم تحب اخطفها على فين

- علي البيت عندي كشاكيل عايزه اصححها 

والإجابة لم تكن تعجبه.. حرك رأسه بيأس يُحدق بالطريق 

- انا شايف ان الأفضل مخدش رأيك 

.............. 

اتسعت عيناها ذهولاً لا تُصدق انه أخذها للمكان الذي أرادت الذهاب اليه، ابتسم وهو يرى سعادتها التي انارت ملامحها المشرقة 

أشار إليها ان تتقدم منه صاعدين نحو الجزء الأعلى بالمكان 

جذب لها المقعد واقفاً خلفها للحظات ورغماً عنه كان يغرق في رائحتها الدافئة 

أدرك فعلته بعدما انكمشت تضم جسدها بالطاولة.. كانت لحظة خاطفة لم يشعر بها سوي القلب الذي اخذ يُرفرف مُعلناً حاجته للمزيد 

تخضبت وجنتيها  بحمرة قانية قد فتنته 

- المكان عجبك 

كان يعلم انه يُعجبها ولكنه كان يُريد ان يخلق اي حديث بينهم..  لا يُريدها ان تصمت يُريدها كحال باقي النساء، امرأة ثرثارة لا تصمت ورغم انه رجلاً لا يهوي الثرثرة ولكن معها كل شئ ينافي ما لا يهواه 

- انا ومياده كنا مقررين نيجي نتغدا فيه بعد يومين 

اتسعت ابتسامته يشكر داخله شقيقته يُخبر نفسه انها تستحق تلك السيارة مهما كان ثمنها 

- اطلبلك اكل على مزاجي ولا تحبي تطلبي انتي لينا 

أعطته القرار وليتها لم تعطيه... لقد أصاب اليوم هدفه ببراعه وهاهي تأكل الطعام الذي اختاره على ذوقه وماكان الا الطعام الذي تحبه بشده

غامت عيناه بها يتسأل داخله متى وكيف وجد نفسه غارق بحبها، والحقيقه التي اعترف بها لنفسه انه كان يحبها منذ أن كان مراهقاً ولكن هدفه ان يصبح طبيباً جعله يتناسي حبه ساعياً وراء حلمه، والده علمه ان الرجال لا يحبون الا عندما يكونوا رجالاً بحق.. وهاهو طبيبً ذو شأن في الثالثة والثلاثون من عمره

اشتعل وجهها تورداً من نظراته التي لا تحيد عنها فتشيح وجهها بعيداً عنه 

- بصيلي ياملك

- بلاش يارسلان

ورغماً عنها كانت تتعلق عيناها به... اطرقت عيناها نحو كفوفها المتشابكة وقد اخذت تفركهما بقوة تُكرر لحالها بصوت مسموع

- بلاش ياملك 

- بلاش ليه ياملك... ملك انا بحبك 

.............. 


انفرجت شفتيها رغماً عنها وهي تتقدم بأدوات التنظيف نحو غرفته بعدما نبهتها السيدة ألفت لمرات عديدة ان تنتبه لكل شئ فالسيد سليم عاشق للنظام 

اقتربت من الفراش تتحسسه بأناملها، صحيح ان باقية الشقة راقية ولكن تلك الغرفه بمساحتها جعلتها تقف مبهورة 

اغمضت عيناها وهي تشتم رائحة عطره التي مازالت عالقة بأرجاء الغرفة ولا تعلم لما تلك الصوره لا تترك عقلها وهو يمد لها يده يُساعدها علي النهوض مُعاتباً حسن علي فعلته 

سرحت بخيالها تتخيل لو كان حسن زوجً حنونً ولكنه بعيداً جداً عن ما تتمناه 

انتفضت مذعورة وصوت السيدة ألفت ينتشلها من شرودها 

- فتون انتي لسا منضفتيش أوضة سليم بيه

التفت نحو السيدة ألفت تخفض عيناها 

- هخلصها اه يامدام ألفت 

رمقتها السيدة ألفت بنظرات فاحصة متمتمه قبل أن تعود بأدراجها الي مطبخ 

- نص ساعه والاقيكي في المطبخ مفهوم 

اماءت برأسها تزفر أنفاسها تنظر حولها لتعرف من اين تبدء مهمتها 

........... 


خلعت السيدة ألفت عويناتها بعدما انتهت من تدوين بعض الأغراض التي يحتاجها المطبخ.. حدقت بفتون الواقفه أمام غسالة الأطباق تنظر إلى نظام تشغيلها

نهضت مُقتربه منها تشرح لها كيفية استخدامها 

فأنتبهت لتلك الكدمه فوق حاجبها الأيسر، فعقدت حاجبيها مُتسائله 

- هو حسن متعود يضربك يافتون 

باغتتها السيدة ألفت بسؤالها ترمقها بترقب تنتظر جوابها... رمشت بعينيها هاربة بنظراتها بعيداً عنها تُداري كدمتها بكفها 

- لا انا اتخبط في الباب 

ورغم يقين السيدة ألفت بكذبتها إلا انها أكتفت بإماءة بسيطة 

وعادت تنشغل بمهامها 

دقت الساعة السادسه مساءً تُعلن عن موعد وصوله من عمله 

استقبلته السيدة ألفت بأبتسامتها الهادئه تخبره ان بعد نصف ساعه سيكون الطعام جاهز 

غرفت معها الأطباق التي تحتوي جميعها على أطعمة صحية 

- الفتره ديه انتي بتتعلمي مني كل حاجه خاصه ب البيه، ايه اللي بيحبه وايه اللي بيكره...

وماكان عليها إلا أن تومئ برأسها وتحفظ كل ما تخبرها به

أشارت لها السيدة ألفت أن تسرع بجلب طبق الفاكهة 

ولحظها العثر تعرقلت ليسقط منها طبق الفاكهة بكل ما عليه متناثراً زجاجه حولها كحال الفاكهة

اتسعت حدقتيها وعيناها ترصد نظرات السيدة ألفت 

- غصب عني، غصب عني 

رددت عبارتها تخشي غضبها.. والتقطت حبات الفاكهة من فوق الأرضية تمسحها في ثوبها مما جعل حنق السيدة ألفت يزداد منها ولكنها صمتت وهي ترى اشاره رب عملها 

- خلاص قومي من مكانك لأحسن تتعوري

تجمدت أطرافها ترفع عيناها نحو صاحب الصوت وقد جف حلقها من نظراته

- فتون قومي روحي المطبخ خلاص 

هتفت بها السيدة ألفت فلم تسعفها قدميها على الحركة لتظل جاثية على ركبتيها 

- مدام ألفت روحي هاتلها كوباية ميه 

تحركت السيدة ألفت نحو المطبخ تجلب لها كأس الماء ممتعضة من سخافة الموقف 

اقتربت منها تعطيها كأس الماء ولكن خوفها جمد حركتها 

التقط سليم كأس الماء منها بعدما شعر بخوفها من نظرات  السيدة ألفت 

تراجعت السيدة ألفت بضعة خطوات.. فأنحني نحوها يضع كأس الماء امام شفتيها المرتجفتين 

- حاولي تشربي شويه ميه 

ارتشفت بضعة قطرات تُطالعه بعينيها الواسعتين وقد علقت الدموع بهما 

ابتسم لها ابتسامة مطمئنه يهمس لها 

- بقيتي احسن 

ونحو قلبها الصغير كانت تسير همساته فتخترقه 


الفصل السادس

********


سلطت السيدة ألفت عيناها نحوها تُراقب تعثراتها وسط أغراض المطبخ، حدقت بملامحها المتوتره وكيف بدت بعدما أنتهت لحظات لطف رب عملها

 تُدرك تماماً ان مافعله رب عملها ليس إلا شفقة عليها خاصة مع صغر سنوات عمرها ولكن تخشي ما لا يحمد عقباه.. فماذا لو احبته واستنتجت من لطفه انه يبادلها مشاعر خاصة

سيناريوهات عديدة ارتسمت في خيالها فالواقع ملئ بمثل تلك الحكايات وقصص الأفلام كثيراً ماجسدت عن تلك الأمور " السيد والخادمة"

سقط الوعاء من يدها فأنتفضت السيدة ألفت من خيالاتها وعيناها كانت مازالت مسلطة عليها

تعلقت عين فتون بها تخشي نطق المزيد من الاعتذارات فنطرات السيدة ألفت لا توحي لها إلا انها تُريد الفتك بها، هكذا كان ينبئها حسها وكيف لا يُنبئها والسيدة ألفت لا تحيد نظراتها الجامده عنها

- غلطاتك في أول يوم ليكي هنا كتير يافتون، وده ميبشرش بحاجه كويسه... انا عديت اللي حصل قدام سليم بيه لكن لو

واردفت بباقية عبارتها ترفع سبابتها محذره

- لو اي غلطه تانيه.. اظن ان سهل اجيب غيرك وسليم بيه سايبلي القرار ده

- انا.. انا

- حجج كتير مبحبش اسمعها في الشغل... انتي هنا بتشتغلي كأنك مش مرئية انتي او غيرك مهمتنا بنقضيها في سكون.. مفهوم

أماءت برأسها تطرق عيناها أرضاً تستمع لتوبيخ السيدة ألفت في صمت

- انا هنبه على حسن يفهمك ايه اللي ينفع أو مينفعش في شغلنا 

أصابها الذعر فور ان نطقت السيدة ألفت بأسم حسن فرفعت عيناها نحوها تستجدي عطفها 

- بلاش حسن يامدام ألفت... بلاش حسن ابوس ايدك 

اشاحت السيدة ألفت عيناها بعيداً عنها حتى لا يرق قلبها 

- خلاص يافتون انا هنسي اي غلط حصل النهارده واتمنى اختياري ليكي يكون صح 

وعادت تُطالعها بنظرة خالية من العطف 

- لان البيه مكنش عايز وجودك هنا 

................. 

وضعت طبق البيض أمامه والنعاس يغشي عيناها.. طالع ما وضعته أمامه مُستنكراً ينظر إليها 

- ايه ده 

- العشا ياحسن 

انتفضت فزعة تتراجع للخلف بعدما ضرب الطاوله بكفه يصرخ بها 

- جيبالي طبق بيض وتقوليلي اكل... فين الاكل يا سنيوره 

- هعمل اكل امتى وانا لسا راجعه من الشغل ياحسن

وتذكرت قول السيدة إحسان لها عندما فطنتها بما سيحدث 

- ما انا كنت قاعده بعملك الأكل وبستناك زي اي زوجه لكن انت اللي خلتني اشتغل

ارتفع حاجبه الايمن يستمع لحديثها الذي يُدرك تماماً انها حفظته ومن غيرها ستكون المُلقن لها 

- أنتي بقيتي ترمي ودنك للست الخرفانه إحسان وبتعاقبيني يعني... ماشي يافتون 

اغمضت عيناها قهراً تكتم صوت صراخها... تجذب خصلات شعرها من قبضته متوسله 

- مش هعمل كده تاني ياحسن 

- وانا هستني تعملي ده تاني

دفعها عنه يُلقي طبق البيض بوجهها 

- النهارده مش هتنامي يافتون... البيت يتنفض ويتلمع وابقي اسمعي كلام الست الخرفانه تاني 

عاقبها بأكثر شئ كانت تستجديه تلك الليله... وهاهو الصباح يشرق بدفئ شمسه وهي تقف بالمطبخ مغمضة العينين تصنع له فطوره 

طالعها وهي تضع طبقي الفول والبيض وشرائح الطماطم.. ازحت مقعدها كي تجلس جواره تتناول فطورها ولكن يده كانت الأسبق منها وهو يسحب الطبق من أمامها هاتفاً بغلاظه 

- وتاني عقاب ليكي على ليله امبارح مافيش اكل.. قومي روحي شغلك من غير لكاعه 

حدقت به غير مصدقة انه سيحرمها من الطعام 

- بس انا جعانه ياحسن 

اشاح عيناه عنها يلتقط رغيفه ويقطع لقمه يغمسها بطبق الفول 

- عشان تحاولي تتمردي عليا تاني يافتون... ويلا على شغلك انا مش رايح بدري النهارده للبيه 

نظرت للطعام بحسرة تترجاه

- طيب اكل لقمه بس.. هموت من الجوع 

- هي كلمه قولتها مافيش اكل... يلا وريني جمال خطوتك مش عايز اي غلطه عند البيه سامعه 

- طيب هروح ازاي..

التقط كفها يضع بعض الورقيات بهما 

- زي ما رجعتي معايا امبارح

واردف متهكماً وهو يرمقها 

- شغلي دماغك ولا مش فالحه تشغليها غير انك تتمردي عليا 

توسلته بعينيها ولكنه اصرفها بيده وعاد يلتهم طعامه 

خرجت من الشقه تُطالع بابها بحسرة تضع بيدها فوق بطنها... دارت بعينيها نحو شقة السيدة إحسان وتقدمت نحوها بضعة خطوات ولكن تراجعت تجر اقدامها نحو الدرجات المُتهالكة  

................. 

طالعت الأطباق التي تعدها السيدة ألفت كفطور معتاد على تناوله يومياً السيد سليم 

- زي ما انتي شايفه ده الفطار اليومي لسليم بيه وبعدها بياخد قهوته 

اماءة خافته حركة بها رأسها.. عاينت السيدة ألفت الصنية بدقة واعطتها لها متمتمه 

- الاطباق تتحط زي ما فهمتك

ألتقطت الصنية منها تسير بها برفق نحو الصالة الواسعه التي تضم طاولة الطعام الأنيقة 

وضعت الأطباق بحذر فقد تعلمت درس الأمس ولم تعد تُريد نيل المزيد من الإهانة 

- تمام ياحازم...القضية ديه مش لازم نخسرها 

رفعت عيناها نحوه تتأمله رغماً عنها...

اغمضت عينيها تهيم برائحة عطره انها نفس الرائحة التي مازلت عالقة في انفها منذ تلك الليله التي التقط كفها ينتشلها من الأرض بعدما دفعها حسن دون رحمة 

- صباح الخير 

صوته افاقها من حلمها الفقير.. فألتفت نحوه وقد اوهمتها الأحلام انه ينتظر رد تحيتها ولكنه كان غارق في تصفح جهازه اللوحي يُطالع ما به بتركيز

- صباح الخير ياسليم بيه 

تمتمت عبارتها بخفوت تنظر اليه لعله يمنحها نظرة حانية كما اعتادت منه في المرات السابقه التي لا تُعد 

- تؤمر بحاجه تانيه يابيه 

منت نفسها بنظرة تُشعرها بأنها مازالت تحيا دون صفعات حسن وذله 

- لو احتاجت حاجه تانيه هبلغ مدام ألفت

عادت بأدراجها نحو المطبخ خائبة الأمل...رمقتها السيدة ألفت متسائله 

- اتأخرتي كده ليه 

والاجابه كانت معروفه ولكن السيدة ألفت أرادت ان تضيف المزيد من تعليماتها 

- كنت بشوف البيه لو عايز.... 

وقبل ان تُكمل باقية عبارتها أشارت لها السيدة ألفت بالصمت مُقتربة منها 

- سليم بيه لو عايز حاجه هيبلغنا بيها.... الاكل يتحط واول ما يقعد تمشي علطول 

- حاضر 

ولم يكن عليها إلا أن يكون هذا جوابها 

مر النهار وهي بين ترتيب الأغراض، غسل الخضار وتقطيعه والسيدة ألفت تُشرف وتُعلم وتُحذر 

- لا انتي النهارده كأنك مش جايه تخدمي، بقالك ساعه بتنضفي الصاله 

- ديه نص ساعه بس يامدام ألفت 

رمقتها السيدة ألفت ممتعضه 

- يعني انا بكدب يافتون.... يلا خلصي وتعالي ورايا 

حملت أدوات التنظيف بعدما تأكدت من لمعان كل شئ واتجهت نحو المطبخ تبتلع لعابها من رائحة الطعام الشهية 

- تعالي كلي غداكي يمكن تعرفي تشتغلي بنشاط 

كانت سعيدة بطبق الطعام وكأنه أثمن شئ حصلت عليه، التهمته جميعه تحت نظرات السيدة ألفت. 

رفعت وجهها عن طبقها فوقعت عيناها على نظرات السيدة ألفت فأدركت انها كانت تُشاهدها فأطرقت عيناها نحو الطبق ولكن السيدة ألفت تلك اللحظة كانت الطف مما كانت تتخيل، سحبت الطبق من أمامها لتضع اخر 

- كملي اكلك يافتون 

.................... 

مازالت جميله ومازال هو غارق في عشقها... قبلها كان يظن انه عاشق لجارته ولكن عندما التقي بها بشركة والدها حيث كان يعمل بها كمهندس طار عقله بها ولم يعد القلب لتلك الجارة التي تساويه فقراً 

جاورته فوق الفراش بعدما أزالت مئزرها فتظهر منامتها الناعمة

- سرحان في ايه ياعبدالله 

- فيكي ياحببتي 

اتسعت ابتسامتها تميل نحوه بدلال لم تفقده مع مرور الزمن 

- لسا شايفني جميله ياعبدالله 

التقط كفها يُقبله برقه 

- وجميله الجميلات كمان ياناهد 

رفرف قلبها من سماع كلماته التي دوماً كان بارع بها... لقد حاربت أهلها من أجله حتى رضخوا لرغبتها وهاهي السنين مرت وعبدالله كان جدير بها يُنفذ لها ما أرادت حتي لو لم يرغب حتى لو تراجع بكلمته 

- عبدالله مها عايزه تغير عربيتها زي ميادة 

قطب حاجبيه وقد ظن انها ستطلب منه شراء سيارة لملك 

- انا كنت فاكرك هتقولي هات لملك عربيه بدل ما مها واخدها لوحدها 

انقلبت معالم وجهها ولكن سرعان ماعادت لطبيعتها 

- مها جامعتها بعيده لكن ملك المدرسه قريبه مننا مجرد ربع ساعه في التاكسي 

طالعها دون اقتناع فأردفت بالمزيد من العبارات كي تقنعه 

- انت ناسي ان بنتك دكتوره وليها وجها اجتماعيه بين زمايلها 

- مش ناسي يا ناهد ولا ناسي الكليه العريقه اللي صممتي تدخليها ليها عشان تبقى زي رسلان 

ابتسمت بتفاخر معبرة عن ما يدور بخلدها صراحة 

- مش عشان تبقى زي رسلان بس لاء كمان تليق بي ياحبيبي... يعني رسلان ابن سيادة الوزير  والجراح اللي اسمه ليه وزن ومستقبل مش اي واحده هتليق بي ياحبيبي 

احتدت عيناه بعدما فهم ما تُحيك له زوجته 

- واشمعنا مها ليه متكونش ملك ياناهد 

اشاحت عيناها بعيداً عنه تهرب من اجابته 

- ها ياناهد ما تردي اشمعنا ملك.. ليه بتحرميها من كل حاجه بتديها لمها... ولا انتي مبقتيش تحبيها عشان... 

صدمتها عبارته انها تحب ملك ولكن حبها لها مختلف عن مها، هربت من الحقيقة التي لو واجهت بها نفسها ستدرك انها لم تصبح الا في تلك الصوره التي أخبرت نفسها يوما انها لن تكون عليها 

- ايه اللي بتقوله ده ياعبدالله..ملك ومها عندي زي بعض لكن انا شايفه ان رسلان ميال لمها 

أدارت جسدها عنه بعدما القت بكذبتها التي تُصدقها 

- تصبح على خير 

رمقها زافراً أنفاسه وشئ واحد أصبح يُدركه ان زوجته توهم  حالها بشئ لن يحدث وهو خير من يعلم أن رسلان لن يختار الا ملك ولم يكن يوماً مشاعر لمها 

.............

حضنت هاتفها بسعاده بعدما أنتهت مكالمتهم، حاربت مشاعرها وحاربته هو ذاته ولكنه احكم الحصار عليها ودق بابها بإلحاح وما كان على قلبها الا ان فتح الباب له مرحباً يخبرها انه الحبيب الذي دوماً استوطن أحلامها ونادته ليالي تتمنى لقاه

- بحبك اوي يارسلان 

هتفت أسمه تُحلق في سحابتها الوردية

 انتفضت مذعوره من رقدتها فوق الفراش فور ان انفتح باب غرفتها 

- ملك... رسلان مش بيرد عليا ولا بيشوف رسايلي 

هتفت بها مها التي اقتحمت غرفتها وجعلت الدماء تتجمد في عروقها، طالعتها بخوف وكأنها شاهدتها في جرم وليس في حلم جميل عاشه قلبها للحظات 

ابتلعت لعابها تُطالع مها الواقفه أمامها

 - انا خايفه يكون لسا زعلان مني ياملك... يعني عشان

حررت ملك أنفاسها المحبوسة تنتظر سماع باقية حديث شقيقتها

- عشان لما روحتله المستشفى اتعرفت على دكتور زميله هناك... انا مكنتش فاكره ان رسلان بيغير عليا كده

وبعدما كانت تهيم كالطيور محلقة في أحلامها ، الحقيقه عادت تقتل قلبها... هي وشقيقتها عاشقان لنفس الرجل

...............

ناوله صديقه السيجارة التي اتم لفها حتى يعدل له مزاجه

- وديتها تخدم في البيوت ياحسن

- يعني انا كنت جايبها من بيت عز ماانا جايبها مش لاقيه تاكل ومعيشها عيشه مكنتش تحلم بيها

- ياراجل ديه مراتك والبيه بتاعك راجل عازب

القى صديقه مسعد الكلمه له لعله يشعر بنخوته كرجل

- سليم النجار يبص لفتون... لا ضحكتني ديه خلقه حد يبص ليها

طالعه صديقه غير مُصدقاً

- مراتك حلوه ياحسن وغلبانه بس انت مش حاسس بقيمتها

- انت هتتغزل في مراتي قدامي يامسعد

- يعني كلمتي ديه اللي زعلتك ياحسن

دفع حسن مقعده ناهضاً من أمامه يسبه 

- كلامك بقى يسد النفس يامسعد... روح شوف نفسك بدل ما انت مقضيها مع كل ستات الحته 

التف مسعد حوله مذعوراً يخشى ان يسمع أحداً حديثه 

- ياشيخ فضحتنا

لوح له حسن بيده وقد ضجر من نصائحه وهو ليس إلا شبيهاً له

- عامل نفسك واعظ وانت مقضيها يامسعد

................. 

رتبت الملابس كما اخبرتها السيدة ألفت بحرصً شديداً تنظر لكل ركن بعناية

غادرت الغرفة عائدة للمطبخ تُكمل باقية اعمالها

- تقدري تروحي النهارده بدري يافتون 

ونظرت السيدة ألفت لساعة يدها تنظر للوقت 

- بعد ساعه من دلوقتي 

اماءت برأسها كحركة اعتادت عليها... التفت السيدة ألفت نحو ما كانت تفعله، فألتقطت هي قطعة القماش تنظف رخام المطبخ 

مرت الساعه وجمعت أغراضها راحلة فمهام اليوم قد انقضت وضعت محفظتها في الكيس الذي تحمله وقد اعطتها السيدة ألفت بعض الطعام ف رب عملهم لن يتناول طعامه اليوم بالمنزل 

- بكرة اجازتك يافتون.. سليم بيه يوم الاجازه بيفضل يكون لوحده في البيت

انشرح قلبها بالغد الذي ينتظرها مع السيدة إحسان وحديثهن الطويل الذي اشتاقت له 

أوشكت على المغادره ولكن صوت السيدة ألفت جمد حركتها 

- فتون 

تشبثت ادامها بالأرض  تشعر بخوف لا تعلم سببه ولكن احساسها كان ينبئها بأن هناك شئ ينتظرها 

التفت بجسدها تستمع لصوت السيدة ألفت 

- متقلقش ياسليم بيه هنلاقيه 

واقتربت منها السيدة ألفت تلتقط ذلك الكيس منها تُفتش في أغراضها وسليم يقف على مقربة يُتابع الأمر بترصد 

التقت عيناها به تبحث في عينيه عن ذلك الرجل الذي انقذها من زوجها.. فقد رسمته بطل حكايتها منذ تلك الليلة 

- فتون فين الخاتم... محدش هنا بيدخل البيت غيرك 

اتسعت حدقتيها ذعراً تنظر نحو السيدة ألفت 

- خاتم ايه 

- ديه بتقولك خاتم ايه يامدام ألفت...

- اهدي ياسليم بيه 

التف عائداً الي غرفته يبحث مجدداً عن العلبة الأنيقة التي تحتوي على الخاتم الذي علي يقين تام انه احضره معه ووضعه فوق طاولة الزينة خاصته قبل أن يدلف للمرحاض

اجتذبت السيدة ألفت ذراعها تدفعها نحو المطبخ صائحة 

- محدش دخل غرفه البيه غيرك يافتون... انطقي فين الخاتم 

دارت حولها كالضائعة تنفض لها ثوبها وحافظة النقود حتى الطعام سكبته لها 

- مأخدتش حاجه مشوفتهوش 

انتحبت وتوسلت ولكن السيدة ألفت لم يكن بيدها إلا قراراً واحداً بعد أن ترك لها رب عملها الأمر 

- مش قدامي غير اني أبلغ البوليس 

اتسعت عيناها ذعراً تردد عبارتها 

- البوليس 


                        الفصل السابع من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا 

تعليقات



<>