سبحان الله
رواية المنتقبة الحسناء
بقلم شيماء عفيفي
السابع عشر والثامن عشر
الفصل السابع عشر
أمدها شيطانها بكل ما لديه من أسلحة حتى يسهل عليها معصية ربها؛ قررت أن تتعامل معه بقسوة لكي يخرج من البيت في أقرب وقت..
أطلت شمس الصباح الدافئة تبعث أشعتها التي ترصدت شرفة الغرفة التي يرقد بها عبد الرحمن بالمشفى فتبعث في قلبه الطمأنينة؛ استيقظ من نومه والتفت ليطمئن أن ابنه بجانبه؛ فوجده جالسًا على كرسي بجانب السرير ورأسه تستند على رجليه؛ في هذه اللحظة تمنى أن يشعر برجليه التي أصابها الشلل لكي يحس برأس ابنه؛ حاول مراراً وتكراراً أن يحركها لكن دون جدوى..
ترصدت أشعة الشمس عين علي؛ فتح عينيه وهو يتثاءب ويفرك فيهما؛ ثم قال: "إيه ده.؟! هي الساعة كام دلوقتي؟!
والده بابتسامة: "صباح الخير يا ابني؛ الساعة تسعة ونص دلوقتي"..
علي بصوت خافت: "صباح الفل يا والدي؛ عامل إيه النهاردة؟!"
والده بابتسامة عفوية: "الحمد لله بخير طول ما أنت بخير.."
زفر علي بارتياح: "الحمد لله أنا بخير؛ ربنا يطمنا عليك"..
والده: "ربنا يحفظك يا ابني"..
-يا رب يا والدي..
طُرق باب الغرفة فالتفت علي للباب ثم قال: "اتفضل!!"
ظهر أسعد من وراء الباب برأسه ثم ابتسم قائلا: "صباح الخير عليكم"..
رفع علي يده بطريقة عفوية ثم قال: "تعالى؛ ده أنت ليك علقة مني!"
أغمض عينيه وضم فمه ثم وضع إصبع السبابة على فمه وقال: "خلاص آخر مرة؛ مش هعمل كده تاني!!"
نهض علي و مد يده ليظهر عضلاته؛ وقال: "بص شوف العضلات دي؛ شايفها كويس؟!!"
ضحك أسعد بسخرية وقال: "عضلات إيه يا عم؟ إن الله حليم ستار؛ اقعد اقعد"..
اقترب علي من أسعد وقال: "شفتها كويس صح.؟! طاااااب بوووووم"..
تراجع أسعد للخلف واصطنع الوقوع على الأرض وهو يقول: "الحقني يا عمي؛ ابنك بعضلاته هيموتني!!"
عمه بابتسامة: "خلاص بأه يا علي؛ المسامح كريم"..
هز علي كتفه: "عشان خاطرك بس يا والدي"..
انفجر الجميع بالضحك؛ نظر علي لما في يد أسعد؛ وقال: "إيه اللي في إيدك ده؟!"
نظر لما في يده وقال: "قلت أجيب فطار نفطر سوا".
علي بامتنان: "خير ما عملت؛ أنا هروح أطلب شاي؛ أجيبلك معايا يا أسعد؟!"
أومأ أسعد برأسه إيجابا:"يا ريت؛ شاي خفيف سكر مظبوط"
ثم نظر لوالده متسائلا: "أجيبلك ينسون معايا؟!"
والده بعفوية:"أي حاجة هتجيبها هشربها؛ طالما منك يا ابني"
ضربه أسعد على كتفه وضحك ضحكات ساخرة ثم قال: "ينسون ولا يتذكرون.؟!"
أمسك كتفه بوجع: "يا عم أنت إيدك تقيلة أوي!"
أسعد بسخرية: "راحت فين العضلات؟!"
مط علي شفتيه بغيظ وهو يقول: "يا خفة، سكر يا ناس!"
بعد خروج علي من الغرفة؛ التفت عبد الرحمن إلى أسعد وقال له بامتنان: "شكرا يا ابني على كل اللي عملته عشاني؛ جميلك ده فوق راسي؛ ومش هنساه أبدا"..
ربت أسعد على يد عمه وقال: "بتشكرني على إيه بس يا عمي.؟! ده مُنىَ عيني أشوفك مبسوط؛ ها قولي؛ عملت إيه لما شفت علي قدامك؟!"
عمه بابتسامة: "أنا ما كنتش مصدق نفسي؛ أنا افتكرت نفسي باحلم؛ خدت وقت على ما اقتنعت إن علي فعلاً قدامي!! إحساس ما يتوصفش لما يبقى نفسك تشوف حد وتلاقيه فجأة قدامك بتبقى تايه مش عارف تتصرف؛ تحضنه ولا تقوله وحشتني ولا تمسك إيده تتأكد إنه حقيقي مش حلم"..
صمت قليلا ثم استكمل كلامه: "شكراً يا ابني"..
اغرورقت عينا أسعد بالدموع: "ربنا يجمع شملكم على خير يا عمي؛ ويهدي الأمور"..
- يا رب يا ابني؛ بس أنا خايف من مواجهة زينب!
ابتسم قائلا: "لا خالص؛ خالة زينب ما يتخافش منها؛ دي أطيب منها ما تلاقيش؛ الخوف من ممممممم!!!"
أسند عمه رأسه إلى ظهر السرير ثم قال بقلق: من حسناء صح.؟!! عارفها عنيدة وشخصيتها قوية"..
زفر أسعد بقوة وقال: "وبقت أعند وأعند كمان لما كبرت؛ بس طيبة أوي وتحس إنها جدعة كده وفيها خير كتيير أوي"..
عمه بابتسامة: "احم احم، ما تنساش إني أبوها"..
ابتسم بحزن؛ ثم قال بإحراج: "آسف يا عمي"..
قال بتكشيرة: "بتتأسف على إيه.؟! ده يوم المُنى لما تبقى زوج بنتي؛ طب يا ريت؟!"
تنهد أسعد بقلق: "بس هي ترضى؛ ولو إني أشك إنها تفكر فيا أصلا!!"
عمه بابتسامة: "سيبها على الله يا ابني؛ وربنا كريم ويجعلها من نصيبك عن قريب"..
تنهد بقوة: "آمين يا رب"..
قاطع علي كلامهما: "بتقولوا إيه من ورايا.؟!!"
أسعد بسخرية: "لا أبدا باقوله إن علي ده شاب تحسه كده رخم ومناخيره طويلة"..
تحسس علي أنفه؛ ثم قال بغيظ: "بأه كده.؟! طيب؛ مفيش شاي"..
انحنى أسعد برأسه: "حقك علينا يا عم؛ ده أنا بقوله علي ده حتة سكرة"..
رفع حاجبه:"أيون كده؛ ناس ما بتجيش إلا بالعين الحمرا!
قهقه الجميع وبدئوا بتناول وجبة الإفطار، بعد قليل دخل الطبيب وألقى عليهم التحية، رد الجميع: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ اتفضل افطر معانا".
الطبيب بابتسامة: "ألف هنا؛ أيوة كده يا أستاذ عبد الرحمن اهتم بأكلك؛ بس ما شاء الله عليك اتحسنت كتيير"..
عبد الرحمن: "الحمد الله؛ إمتى هاخرج يا دكتور؟!"
- تقدر تخرج من دلوقتي؛ بس أرجوك تنظم مواعيد الأدوية؛ أهم حاجة!
علي بجدية: "ما تقلقش يا دكتور؛ هاخد بالي منه؛ ومن المواعيد بإذن الله"..
نظر الطبيب لعلي بابتسامة وقال: "كويس أوي؛ كملوا فطاركم وتوكلوا على الله"..
أسعد: "جزاك الله خيرا يا دكتور"..
اتجه الطبيب نحو الباب وهو يقول: "وجزاك مثله"..
******************
(يا ترى عامل إيه يا علي؟! بقالك كام يوم واخد أجازة من الشركة؛ قلبى واجعني أوي، خايفة عليك ومعرفش حد أسأله عنك، يا رب طمن قلبي.. تستكمل كلماتها بحزن وقلق: "خايفة من شكوكي، خايفة تكون واخد أجازة عشان تخطب.."
(مريم محاسبة في إدارة الشركة التي يعمل بها علي، أحبت علي؛ تعلم جيداً أنه أقل منها تعليما، لفت انتباهها أدبه وأخلاقه، وكل ما تريده وتتمناه في الزوج الذي تحلم بهِ وتتمناه؛ أحبته من أول مرة رأته بها؛ أما علي لم تلفت انتباهه فتاة بالشركة نظراً لأنه شاب يغض بصره دائما، وبشهادة الجميع له بأنه شاب ملتزم ومجتهد.)
قطع حبل أفكارها صوت رنين هاتفها..
مريم بابتسامة: "السلام عليكم"..
والدتها: "وعليكم السلام يا بنتي؛ باتصل أطمن عليكِ؛ أكلتِ ولا لسة يا بنتي؟"
مريم: "ربنا يخليكِ ليا يا ماما، ومتحرمش منك أبدا؛ بصراحة لسة، بس هطلب أكل دلوقتي وأفطر ما تقلقيش عليا"..
والدتها بقلق: "عشان خاطري افطري ومتهمليش في نفسك يا حبيبتي"..
اغرورقت عينا مريم بالدموع؛ ثم قالت: "حاضر يا ماما؛ بس بالله عليكِ خدي بالك من نفسك أنتِ كمان؛ وحاولي تنسى الحزن شوية؛ أرجوكِ"..
قالت بصوت خافت حزين: "حاضر يا حبيبتي؛ في رعاية الله"..
جففت مريم خديها من الدموع وقالت: "مع السلامة"..
******************
وصل الجميع؛ ودق جرس الباب معلنا قدومهم؛ تسارعت دقات قلب زينب: "أيوة مين؟!"
علي بصوت مرتفع: "أنا علي؛ افتحي يا أمي!"
خفق قلب زينب، وارتعشت يداها، فحاولت أن تتمالك نفسها ثم قالت: "ثواني؛ هافتح أهو يا ابني"..
محدثة نفسها: "يااااه جه الوقت اللي هاشوفك فيه تاني، يا ترى شكلك بأه عامل إزاي.؟! وملامحك زي ما هي ولا اتغيرت.؟!"
كل هذه التساؤلات تدور في عقل زينب؛ ثم مدت يدها وفتحت الباب فظهر من وراءه زوجها الذي انتظرته كثيرا؛ لمحته يجلس على كرسيه المتحرك وعيناه تنظر لها بحزن وندم؛ لم يجرؤ على النظر إليها كثيراً؛ فأنزل عينيه سريعاً إلى الأرض وهما مليئتان بالدموع؛ وأسعد يقف بجانبه..
علي بابتسامة: "السلام عليكم يا أمي"..
ردت محاولة أن تخبئ قلقها وارتباكها: "وعليكم السلام؛ اتفضلوا"..
دخل الجميع؛ ثم قال أسعد: "هانزل أركن العربية وأرجع على طول"..
علي بسخرية: "يلا بسرعة قبل ما تتسحب منك!"
أسعد بغيظ: "ما تخافش يا أبو دم خفيف.!!"
زينب بإحراج وعيناها تنظران إلى الأرض: "إزيك يا أبو علي.؟! عامل إيه دلوقتي؟!"
عبد الرحمن بصوت حزين: "الحمد لله بخير؛ شكرا يا أم علي إنك وافقتِ إني آجي أقعد هنا!"
قالت ودقات قلبها تخفق بشدة: "لا شكر على واجب؛ ده بيتك!"
عبد الرحمن يجول ببصره في جميع أركان الشقة؛ ثم قال متسائلا: "هي فين حسناء.؟! نفسي أشوفها أوي"..
زينب بابتسامة: "هاروح أنادي عليها؛ هي بتذاكر في أوضتها!"
دخلت زينب غرفتها فوجدتها تمثل أنها نائمة؛ ربتت على كتفها ثم قالت: "قومي يا حسناء سلمي على أبوكِ؛ وبطلي تمثيل؛ عارفة إنك مش نايمة"..
نهضت وهي تتأفف وتسند رأسها على ظهر السرير: "مش عايزة أشوفه؛ أرجوكِ يا ماما لو بتحبيني سبيني على راحتي"..
اتسعت عينا والدتها ثم قالت بحزم: "هي كلمة واحدة؛ هتقومي وهتسلمي عليه وحالاً"..
نهضت وهي تزفر بملل ثم قالت بحنق: "حاضر؛ بس ما تلومنيش بأه على اللي هعمله!!"
ردت عليها بعصبية: "ربنا يهديكِ يا حسناء؛ بجد خايفة عليكِ من شيطانك ومرض قلبك"..
تنهدت بعصبية؛ ثم خرجت وراء والدتها؛ عندما نظرت إليه وهو جالس على كرسيه المتحرك؛ تذكرت سريعا منامها وهو يطلب يد المساعدة؛ وقتها نظرت إليه والتفتت للخلف وتركته..
******************
_____________________________________________
لا اله الا الله
الفصل الثامن عشر
(ظلت تمشي بهدوء وراء والدتها، تتمنى أن تبتلعها الأرض قبل أن تصل إليه؛ كانت تنظر له باشمئزاز كلما اقتربت منه.).. التفتت زينب إلى حسناء ثم قالت لها: "تعالي يا حسناء سلمي على والدك!"
اتسعت عينا حسناء ثم أومأت برأسها بابتسامة خبيثة، ثم اقتربت قليلا فنظر إليها والدها وقد اغرورقت عيناه بالدموع؛ ثم قال: "بسم الله ما شاء الله كبرتِ يا حسناء؛ وحشتيني أوي يا بنتي؛ إزيك يا بنتي عاملة إيه؟!"
تمنى أن يحتضنها ولكنه اكتفى بأن يمد يده حتى يسلم عليها، نظرت إلى يده ثم رفعت عينيها ونظرت إليه باشمئزاز وأبَت أن تضع يدها بيده؛ ثم تراجعت إلى الخلف قليلا.. احمرت عيناها وتطاير منهما الشرر؛ ثم قالت بحنق: "آه كبرت؛ وأنت مش جنبي؛ كبرت وأنا يتيمة الأب؛ كبرت وأنا باتوجع مليون مرة لما حد يسألني فين أبوكِ؛ عايز تعرف أنا عاملة إيه؟!!"
تنهدت بأسى ثم استكملت كلماتها والدموع تنزل على خديها فتحرقه من شدة لهيبها، ثم أشارت إلى والدتها وهي تقول: "الحمد لله ربنا رزقني أن تكون عندي أم أصيلة؛ الست دي تعبت كتير أوي عشاني أنا واخواتي؛ كنت أنت فين ها؟ قولي كنت فين؟!"
قاطعتها والدتها بحدة: "عيب يا حسناء اللي بتقوليه ده.!"
أطلق والدها تنهيدة متعبة وعيناه تتساقط منهما الدموع هو الآخر؛ ثم قال: "حقك عليا يا بنتي؛ سامحيني.!"
نظرت له بسخرية ثم قالت: "أسامحك.؟!! أسامح مين حضرتك؟! أنا باكرهك باكرهك؛ عارف يعني إيه باكرهك.؟! يعني عشانك كرهت كل الرجالة، ده أنت كمان مش سبتني ومشيت؛ لاء ده كمان سببتلي عقدة نفسية"..
قاطعها علي بصرامة: "بس بأه؛ أنتِ زودتيها أوي؛ يلا ادخلي على أوضتك"..
لم تتمالك نفسها؛ ظلت تشهق من كثرة بكائها، دخلت مسرعة إلى غرفتها وأغلقت الباب وارتمت على سريرها وهي تبكي بشدة وتقول: "أيوة باكرهك وهافضل طول عمري أكرهك"..
والدتها تبرر موقف ابنتها: "معلش يا أبو علي؛ شوية بس على ما تاخد على الوضع وهتلاقيها اتغيرت لوحدها".
تنهد عبد الرحمن بحزن وقال: "أنا فاهم وعارف وحقها تعمل أكتر من كده"..
ربت علي على كتف والده؛ ثم قال بابتسامة يملؤها الحزن: "ما تزعلش يا والدي عشان صحتك"..
-ما تقلقش يا ابني؛ أنا كويس الحمد لله..
زينب: "يا علي أنا حضرت سرير زياد عشان والدك ينام عليه وتبقى جمبه تاخد بالك منه"..
أومأ علي برأسه بالإيجاب وبابتسامة قال: "يا سلام هو ده الكلام؛ هتنورني يا أجمل بابا في الدنيا"..
والده بابتسامة حزينة وقلبه يعتصر ألماً من كلمات حسناء له: "دخلني يا ابني أرتاح على السرير شوية حاسس بدوخة".
علي بقلق: "مالك في إيه.؟! طمني"..
- ما تقلقش أنا كويس؛ بس قعدت كتير وعايز أرتاح شوية..
علي بضيق: "حاضر؛ هتبقى كويس بإذن الله"..
أخذ علي والده ودخلوا الغرفة؛ وبعد قليل أتى أسعد ودخل الغرفة.. وهو يسأل بتعجب وقلق: "مالك يا عمي؛ في إيه؟"
تنهد عمه تنهيدة متعبة ثم قال ببطء: "مفيش يا ابني؛ أنا بخير؛ هنام بس شوية وهبقى كويس بإذن الله"..
خرج علي وأسعد من الغرفة بعد أن أطفئ علي نور الغرفة؛ ثم دخلا غرفة الضيوف، تنهد أسعد بحزن وقال: "أكيد حصل تصادم بين عمي وحسناء؛ صح؟!!"
علي وقد اغرورقت عيناه بالدموع:"حسناء جرحته أوي بكلامها؛ بس أنا مش باعتب عليها؛ بصراحة هي قالت كل اللي جواها نحيته، حسناء مش بوشين يا أسعد؛ لما بتكره حد بتقوله في وشه؛ يا إما ما تتعاملش معاه خالص".
أسعد بابتسامة حزينة: "بص يا علي أنا عارف كل اللي بتقوله ده؛ بس أنا عايزك تقعد تتكلم معاها بهدوء حتى لو ما اقتنعتش سيب الأيام تداوي اللي بينهم؛ وأنا متأكد إن قلبها هيرق وهترجع تحبه"..
زفر علي بملل: "أنا فعلاً هاتكلم معاها؛ بس لما تهدى شوية"..
قال داعياً: "ربنا يهديها ويهدينا جميعا؛ أنا هستأذن؛ وبكرة بإذن الله هاجي أطمن على عمي وأجيب الشنط بتاعته بالمرة".
علي بابتسامة: "ماشي؛ بإذن الله"..
- السلام عليكم..
-وعليكم السلام؛ في رعاية الله..
******************
دخلت والدتها لها الغرفة وربتت على كتفها؛ ثم قالت معاتبة: "غلط اللي قولتيه لأبوكِ ده يا حسناء؛ أبوكِ مريض ومش مستحمل أي كلام يتعبه؛ أنا زعلانة منك أوي؛ بس قلبي وجعني عليكِ أكتر!"
مستلقية على سريرها وقلبها منفطر من كثرة البكاء، أمسكت بالغطاء بـيدها واكتفت بالنظر لوالدتها فقط والتزمت الصمت؛ ثم استدارت والدتها وخرجت من الغرفة؛ وبعد أن تأكدت حسناء من خروج والدتها؛ نهضت ثم أسندت رأسها على ظهر السرير وظلت تبكي بحرقة وقلبها يعتصر ألمًا.
******************
"إزاي يرجع البيت.؟! وإزاي ما حدش عرفني.؟! هو عشان سافرت خلاص أبقى هامش في حياتهم!!"
قالها زياد بعصبية.
مها بهدوء: "يا حبيبي اهدى بس وهافهمك"..
زياد بعصبية: "إزاي بعد كل ده يرجع عادي كده البيت وبكل بساطة؟!!"
مها بعصبية: "والدك مريض يا زياد؛ بأه قاعد على كرسي متحرك؛ وما حدش ينفع يرعاه إلا أولاده؛ وماما زينب ربنا يبارك لها ويكرمها هي اللي طلبت إنه يرجع البيت"..
تنهد بعصبية: "ألف سلامة يا ستي؛ بس بردو كان ممكن يقعد في أي مكان تاني؛ ولا يقعد مع اللي سابنا عشانها؛ وبردو عايز أعرف؛ ما حدش قالي ليه؟!"
محاولة تهدئته: "يا حبيبي أنت بقالك كام يوم لسة مسافر؛ أكيد ماما زينب كانت هتقولك بس لما تستقر شوية؛ وبعدين خلاص هو طلق الست التانية دي!"
زياد بدهشة: "أنتِ عمالة تدافعي عنه كده ليه؟! أفهم من كده إنك موافقة على وجوده في البيت.؟!!"
مها بعصبية: "ليه لاء.؟! أبوكم محتاجلكم ومريض وما ينفعش ترموه؛ وبعدين يا زياد أنا عارفة إنك عارف ربنا كويس وحافظ قرآن وعارف إن ربنا وصانا على بر الوالدين حتى لو كانوا إيه؛ إزاي عايز تبقى عاق؟! أنا عزراك بس مش بالطريقة دي.!"
قال بحزن قد ظهر على صوته: "وإيه كمان؟!"
تنهدت مها بشدة ثم قالت: "راجع حساباتك يا زياد؛ وما تنساش حديث رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما ﺟﺎءه ﺭﺟﻞ؛ ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎﺭﺳﻮﻝﺍﻟﻠﻪ، ﻣﻦﺃﺣﻖﺍﻟﻨﺎﺱﺑﺤﺴﻦﺻﺤﺎﺑﺘﻲ؟ ﻗﺎﻝ:(ﺃﻣﻚ)، ﻗﺎﻝ: ﺛﻢﻣﻦ؟ ﻗﺎﻝ: (ﺃﻣﻚ)، ﻗﺎﻝ: ﺛﻢﻣﻦ؟ ﻗﺎﻝ: (ﺃﻣﻚ)، ﻗﺎﻝ: ﺛﻢﻣﻦ؟ ﻗﺎﻝ: (ﺃﺑﻮﻙ)"...
أحس بالخجل من تذكير مها له بحديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: "صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنا هاقفل دلوقتي؛ عن إذنك!"
مها بحزن: "خد بالك من نفسك؛ في رعاية الله"..
-مع السلامة..
(أغلق زياد الهاتف وعيناه تملؤها الدموع؛ تذكر ما فعله والدهم ظل يبكي كثيرا؛ ثم فكر في كلام مها معه الذي أحيا قلبه وأحس بالخوف من ربه أن يعقَّ والده؛ ظل يتذكر والده وهو صغير حتى غفت عيناه ثم غط في النوم من كثرة التفكير والخوف من معصية ربه.)
******************
والد مها: "كنتِ قاسية عليه أوي يا بنتي؛ ما تنسيش إنه في غربة ولوحده؛ أنا مش باتدخل بينكم بس بالهداوة يا بنتي"..
قالت بحزن: "غصب عني والله يا بابا اندفعت؛ بس بكرة بإذن الله هاتصل أتكلم معاه وأعتذر له!"
- ربنا يهديكم لبعض يا بنتي؛ هاقوم أنا أنام بأه.!!
مها بابتسامة: "اتفضل؛ آه صحيح نسيت أقول لحضرتك إن والد زياد رجع من ومريض أوي يا بابا؛ عايزين نبقى نروح نسلم عليه ونشوفه!"
- طبعا يا بنتي واجب بردو؛ نروح بكرة بإذن الله؛ مريض عنده إيه يا بنتي؟!
مها بحزن: "شلل نصفي؛ ربنا يشفيه ويعافيه ويعافينا يا رب"..
- لا حول ولا قوة إلا بالله؛ آمين يا رب؛ خلاص اتصلي استأذنيهم نزورهم بكرة بإذن الله.
-حاضر يا بابا؛ تصبح على خير وصحة وهنا..
والدها بابتسامة: "وأنتِ من أهله يا بنتي"..
(تريد مها أن تكون مثال الزوجة الصالحة التي تكتم أسرار زوجها؛ ولا تفشي سره لأحد..)
******************
والد أسعد: "عمك عامل إيه دلوقتي يا ابني؟"
أسعد: "الحمد لله بأه زي الفل؛ والضحكة مبقتش تفارق وشه"..
والده بفرح: "الحمد لله؛ أنا كده ارتحت أوي؛ ربنا يهدي الأمور بينهم ويصلح الأحوال"..
أسعد: "يا رب يا والدي؛ بس المشكلة دلوقتي في حسناء؛ بتتعامل معاه معاملة جافة أوي!!"
- حسناء دماغها ناشفة زي أبوها بالضبط!! ما تقلقش؛ عمك هيعرف يتعامل معاها كويس؛ ويرجعها تحبه تاني كمان.
أسعد باستغراب: "تحبه.؟!! أكاد أشك يا والدي؛ ده أنا حاسس إنها هتحاول تعمل المستحيل عشان تتطفشه من البيت!!"
والده بابتسامة: "لا ما تقلقش؛ عبد الرحمن ما صدق إنه يرجع البيت؛ ومهما حصل مش هيسيبه أبدا؛ تبقى تطفش هي بأه على بيت عريسها!"
أومأ أسعد رأسه بحزن: "ربنا يسعدها مع اللي يختاره قلبها!"
والده: "آمين؛ ويسعدك أنت كمان يا ابني وتلاقي بنت الحلال عن قريب بأه قبل ما تسافر".
أسعد : "ادعيلي أنت بس يا والدي إن ربنا يحقق مطلبي؛ أنا بفكر إني مسافرش تاني أصلا!"
والده بدهشة: "إزاي.؟! وشغلك؟!"
أسعد بابتسامة: "أنا معايا مبلغ كويس الحمد لله؛ بافكر أعمل شركة صغيرة استيراد وتصدير؛ ادعيلي أنت بس يا والدي"..
والده: "يا رب يصلح الأحوال ويوفقك يا رب"..
-آمين يا رب..
قال والده وهو يتثاءب: "هاقوم أنام؛ يلا تصبح على خير"..
أسعد بابتسامة: "وحضرتك من أهل الجنة"..
تنهدت بقوة تستنشق الهواء الطلق الذي ينبعث من نافذة غرفتها؛ ما زالت ترى وجه الفتاة؛ يراودها إحساس دائم بالخوف من قسوة قلبها وجحوده؛ دائما تسأل نفسها: "أنا ليه قلبي قاسي أوي كده؟!" زفرت بملل وضيق؛ ثم أغلقت شباك غرفتها وذهبت لسريرها؛ وظلت تدعو ربها أن يغفر تقصيرها وظلت تردد أذكار النوم إلى أن غفت عينها وغطت في النوم فرأت في منامها شيئًا أفزعها كثيرا....
*****************
