
الفصل الاول والثاني
بقلم دليا السيد
مقدمة احيانا الماضي يضيع وسط احداث الايام واحيانا اخري يحفر بقلوبنا ويرفض ان تمحي آثاره فما بالنا لو كان هذا الماضي حب ...هل يمكن ان تمحيه الايام هل يزول ويذوب وسط زحمة الاحداث ....ربما نجد الإجابة بين سطور الرواية ..
الفصل الاول
ذكري
“لن يمكنني ان اذهب انا متعبه اليوم اتركيني واذهبي انتى" نظرت ريم الي
اختها الصغرى التي وقفت امامها وتنظر اليها بدهشه فهذه اول مرة تتراجع
ريم عن الذهاب الي العمل ولكن تلك العيون المتورمة من البكاء جعلتها تدرك ان هناك سبب لذلك جلست امامها علي طرف
الفراش القديم المتهالك ونظرت لعيون اختها الزرقاء الواسعة وقالت
"ماذا اصابك ولماذا تبكين وكيف ترفضين الذهاب الي العمل ؟"
لم تقو ريم علي النظر الي اختها ولم يمكنها ان تبوح لها بما في صدرها فقالت " لا شيء اشعر فقط بصداع ولم انم جيدا هيا اذهبي انتى ولا تقلقي "
حدقت حنان فيها وقالت " دائما ما تخفين عني كل ما يؤلمك فلماذا ؟"
ابعدت وجهها وقالت " حنان هل يمكن ان تذهبي وتتركيني الان عندما اشعر برغبة في الحديث سافعل هلا تذهبين الان وتتركيني من فضلك "
لم تقو حنان علي قول المزيد منذ ان وعيت للدنيا ولم تر سوي وجه اختها هي التي ربتها وكبرتها ..هي بالنسبة لها الام والاب والاخت وكل شيء لذا لا يمكنها ان تراها في
هذه الحالة وتتركها لذا عادت تقول " لا استطيع ان اراكي في هذه الحالة وأتركك من فضلك ريم تحدثي معي اخبريني باي شيء "
حاولت ريم ان تمنع دموعها وقالت بصعوبة وضيق " حنان كفاكى ضغطا انا لا اتحمل اتركيني واذهبي اخبرتك انني لا اريد ان اتحدث فلم لا تنصتين وتكفي عن الالحاح هيا اذهبي واتركيني هيا .."
تراجعت حنان امام غضب اختها لأول مرة تتحدث معها بهذا الشكل لذا قامت ونطرت اليها لحظه قبل ان تتحرك للخارج
وسمعت ريم صوت الباب فعادت الدموع مرة اخري وعادت اليها الذكريات ..
" الي اين انت راحل " سمعته وهو يرد دون ان يعيرها اي اهتمام حيث كان يضع حقائب كثيرة بالسيارة وقال لها "وفيم يعنيك الامر ؟"
كانت تعلم انه تقريبا لا يراها هي ما زالت فتاه صغيرة لم تتخطي الثالثة عشر بينما هو ذلك الشاب الذي تخطي العشرين
ينظر اليها علي انها طفله صغيرة لا تمثل له الا مصدر ازعاج ابنة الجيران التي تلاحقه في كل الاوقات ولم يعرف ابدا انها تمتلك
داخلها كم هائل من المشاعر تجاهه لو نفضتها علي العالم لنفد العالم ولما انتهي حبها هكذا كانت تظن سالت دموعها و
قالت بطفوليه " انت جاري وصديقي اليس كذلك وانا ..." قاطعها بقسوة " جيران نعم لكن اصدقاء بالطبع لا ... لا سنك ولا ثقافتك
ولا مستواك يجعلنا اصدقاء ..انا راحل ..مسافر ولن اعود الا عندما احقق ما اريد ابحثي عن صديق من سنك ومستواك هيا انا ليس عندي وقت لأضيعه معكي .. "
زادت دموعها وهي تراه يركب السيارة دون ان ينظر اليها او يهتم لدموعها وانطلق تاركا غبار سيارته ليتناثر حولها خافيا
الرؤيا امامها غالق صفحة الماضي ومعلنا النهاية لتلك القصة التي لم تبدأ اصلا ...
عادت لنفسها وهي تتذكر اليوم بعد مرور اكثر من اثني عشر عاما رأته نعم كان يقف امامها امام مكتبها في الشركة التي تعمل بها شخص آخر غير ياسين الذي عرفته هو نفس الشكل مع وضوح علامات الكبر عليه والصرامة التي باتت هي السمه الظاهرة علي عيونه السوداء التي نظرت اليها بقوة وظلت تتأمله والمفاجأة تلجم لسانها عن النطق فعاد يسألها
" يا آنسه لم لا تردين اخبرتك ان لي موعد مع الاستاذ خيري هلا تخبريه بوجودي "
تداركت نفسها وقالت بتلعثم " اه ..آسفه الاستاذ ..."
رد بنفاد صبر " ياسين ..ياسين محمود "
ابتلعت صدمتها وادركت انه لم يتذكرها ولم يعرفها وتحكمت في نفسها ودقات قلبها التي تؤكد ان قلبها ما زال متعلقا به ..اخبرت مديرها عنه واشارت له بالدخول وهي تحاول ان تمنع عيونها من متابعته ولكن للأسف لم تستطع ...
طلبها الاستاذ خيري الذي تعمل عنده منذ سنوات كثيرة وهو الذي ساعدها منذ وفاة والديها علي ان تعيش وتكمل دراستها هي واختها حنان ...
دخلت ونظرت اليه وهو يجلس امام خيري في كبرياء وقالت " امرك يا فندم "
مد لها بملف وقال " خذي هذا الملف وارسليه للشؤن القانونية ومن فضلك اوصلي الاستاذ ياسين الي غرفة المهندسين الاستشاريين "
قام ياسين وقال " شكرا خيري بيه علي ثقتك ..اه كدت انسي .." ثم اخرج ظرف من جاكتته الثمينة ومده لخيري وقال " هذه دعوة لحضور حفل زفافي يسعدني حضورك جدا "
اغمضت عيونها لتستيقظ من سيل الذكريات ولتعود للواقع بعد كل تلك السنوات يعود وهو لا يتذكرها كذلك عاد ليتزوج امرأة اخري وماذا عنها وعن حبها له طوال تلك السنوات انها لم تكن تري سواه ولم تفكر الا فيه وها هي اليوم تدرك ان الاحلام طريق مسدود لا يمكن ان نسير فيه لابد وان نعيش الواقع ونسلم به ونحط علي ارضه ....
عادت الدموع اليها كم كانت غبيه عندما ظنت انه سيعود يوما من اجلها ..ها هو يعود ولكن بعيدا عنها واصلا لا يعرفها ولا يفكر الا في حياته الجديدة دون اي اهتمام للماضي او الذكري
الفصل الثاني
بقلم داليا السيد
عيونك
عندما عادت حنان كانت هي قد اصبحت في وضع افضل بكثير فقد ادركت انها تعلقت
بحبال ذائبه وها هي اوقعتها لذا عليها ان تصعد مرة اخري الي قمة الواقع ولا تترك نفسها
لتدهسها اقدام الماضي والاوهام ...فهي دائما ما كانت تجبر نفسها على أن تكون أقوى من الأزمات وألا تضعف مهما كانت المشكلة إذا كانت في كل
مرة تهزم آلامها وتترك أحزانها خلفها لابد أن تحارب من أجل أختها وربما من أجل نفسها فهى
تعلمت دائما ان تواجه قدرها وبشجاعة دون هروب او ربما كانت مشاعرها ليست بالحب الكافى الذى كانت تظنه..
نظرت اليها حنان وهي تتناول العشاء وقالت " اراكي افضل حال من الاول "
هزت رأسها وقالت " نعم لا تقلقي انا بخير وعدت لنفسي "سألتها " الن تخبريني ماذا اصابك ؟ "
عبثت بالملعقة وقالت " مجرد ذكري مؤلمه مرت وانتهت فلا داعي لذكرها مرة اخري ها اخبريني كيف حال محمد هل قابلتيه اليوم "
هزت حنان رأسها فهي تعلم ان ريم لن تحكي لها اي شيء هكذا عرفتها وهكذا ستكون ... دائما ما تغلق علي احزانها ابواب قلبها ولا تشارك فيها احد طوال عمرها وهي تراها قويه وصلبه تستمد منها الشجاعة علي مواجهه الحياة لذا اندهشت اليوم عندما رأت حالها ولكن هي ايضا كانت تعلم انها لن تخبرها باي شيء فاستسلمت وقالت
" نعم قابلني عند الصيدلية وعاد معي ولكن طبعا لم يصعد .. "
هزت ريم رأسها وقالت " هانت كلها ايام وتكتبوا الكتاب ويصبح من حقه ان يأتي ويجلس معكي وقتما يشاء هل حددتم موعد الزفاف ؟ "
هزت حنان رأسها وقالت " اخبرته ان يحدده معكي لا يمكنني ان أتخطاك انتى امي واختي وابي وكل شيء وهو يدرك ذلك جيدا "
ابتسمت بحنان لأختها وقالت " حبيبتي انتى بالفعل ابنتي ولستي اختي .."
قالت حنان " ريم انا لا اعرف كيف يمكن ان اتزوج وأتركك وحدك ... ولا اعرف لماذا ترفضين كل عريس يتقدم لكي ريم لابد ان تعيشي حياتك انا اشعر انني السبب و..."
قاطعتها بحنان " لا طبعا انتى لستي السبب انا فقط لم افكر بالزواج واكيد لم اجد الرجل الذي يمكن ان اشاركه حياتي فلا داع لان تقلقي انا احب حالي هذا ولا اعترض عليه .."
حاولت حنان معها " ولكن كيف ستعيشين وحدك ؟ " ابتسمت وقالت " انتى لن تهاجري ستزورينني وازورك ولن نفترق اليس كذلك "
ردت حنان " بالتأكيد ولكن .." قاطعتها " ليس هناك لكن هيا فلتخبريني متي تريدين الزواج لأحدد مع محمد ولا تقلقي ..ثم اننا احضرنا تقريبا كل ما يلزمك والاشياء المتبقية اعدك ان احضرها ..."
قامت حنان واتجهت اليها واحتضنتها وهي جالسه وقالت " انا بحبك اوي يا ريم ولا اعلم كيف ارد لكي كل ما تفعليه من اجلي "
ربتت علي ذراعيها وقالت " كفي عن هذا الهراء ليس بين الأخوات ذلك الكلام .. وهيا انا عندي عمل كثير هناك رساله لاحد الطلبة يريدني ان اترجمها له عليكى انتى بالمائدة هيا ..."
قبلتها حنان وقامت هي لعملها الاضافي فهي تعمل كمترجمة للإنجليزية التي اتقنتها خاصه بعد ان تخرجت من كلية آدب انجليزي ثم اكملت بكورسات تدريبيه للغة الفرنسية ايضا ثم بدأت ذلك العمل الذي فتح لها مصدر مالي جيد ساعدها في ان تنفق علي دراسة حنان وكذلك تجهيزها للزواج
"صباح الخير يا فندم " وضعت الملفات امام خيري فنظر اليها وقال " كيف حالك اليوم هل ارتحت امس "
حاولت الابتسام وهي تقول " الحمد لله انا افضل شكرا لحضرتك "
هز رأسه وقال " حسنا عندي لكي عمل بالمساء هل لديكي وقت "
قالت " بالطبع يا فندم انا تحت امرك " قال " احد الاصدقاء قابلني امس وكان يعاني من انه يحتاج الي مترجم هو لديه شركه سياحه معروفه والمترجمة الخاصة به تزوجت وسافرت وهو بحاجه لبديل .."
قالت " ولكن انا لست متفرغه انا اعمل هنا " قام الرجل واتجه اليها ووقف امامها وقال " اعلم ولذا اتفقت معه ان تعملي عنده بالمساء فقط فوافق ولم يعترض لأنني اخبرته انكي ممتازة ولكني لا استغني عنكي ها ما رأيك ؟" ..
لم تفكر فهي بحاجة للعمل ولا شك خاصه لتجهيز اختها وسداد ما عليها من ديون فهزت رأسها وقالت " بالطبع اوافق يا فندم وانا اشكرك لان حضرتك رشحتني "
ابتسم وقال وهو يتحرك للخارج " حسنا هو في انتظارك بالغد " ناولها كارت وقال " هذا هو الكارت الخاص به وبالشركة وهو ينتظرك غدا في الخامسة ..هيا انا ذاهب هل تريدين اي شيء " هزت رأسها وتابعته وهو يخرج ولم تنتظر ..
في الخامسة كانت تتقدم الي مكتب السكرتارية وقالت " مساء الخير لو سمحت انا ريم البنهاوي عندي موعد مع الاستاذ ادهم "
نظر اليها وامسك الهاتف ليبلغ بوجودها ثم اشار اليها وقال " تفضلي هو بانتظارك .."
تحركت الي الداخل لم تعرف بماذا تصف المكان انه رائع ومريح كل شيء به ثمين ولكن بسيط عالي الذوق لدرجه لا يمكن وصفها كانت تظن ان صاحب الشركة مثل خيري في نفس سنه وشكله ...
كان يضع رأسه في تلك الاوراق التي امامه الي ان قالت " مساء الخير .."
رفع رأسه ونظر اليها تأمل عيونها الزرقاء ووجهها الابيض المستدير ورموشها الطويلة التي تتأرجح فوق عيونها وشعرها البني القصير المموج المشدود الي الخلف وقوامها المشدود في فخر وكأنه يعلم انه مثير للناظرين كما لوان بها شىء جذبه لها ولكنه لم يعرفه ..
تراجع في كرسيه وهي تتأمله بعيونه التي لم تتبين لونها وبشرته البرونزية ووجهه الطويل وملامحه الصارمة وشعره الاسود الناعم المصفف بعنايه حتي ملابسه كانت بسيطة ولكن واضح عليها الثراء واندهشت من انه لم يشبه خيري كما ظنت فهو اصغر بكثير ربما لم يتجاوز منتصف الثلاثينات ...
نظر الي عيونها كم هي جميله لونها الازرق يجذب من يراه ربما يذكره بجمال البحر. .
قال بصوت بدا عميق وهادئ " مساء النور آنسه ريم تفضلي "
جلست امامه فقال وهو يعتدل في كرسيه " اخبرني الاستاذ خيري انكي متميزة في عملك "
قالت بثقه " الاستاذ خيري يحبني وربما يجاملني " قام فبدا امامها عملاقا بقامته العالية وقف امامها فاضطرت ان تقف فبدت قصيرة جدا امامه
نظر في عيونها وقال " تعلمين ان لون عيونك مثير للأعجاب " احمر وجهها من كلماته وارتبكت لحظه ولم تعرف ماذا تقول ....