رواية بين عشقه وانتقامه الفصل الخامس عشر والسادس عشر بقلم علا محمد فائق


 ••§جحيــم حبــك2§••

••§بين عشقه وإنتقامه§••

••§الفصـل الخامــس عشـــر§••

والسادس عشر

••§"كُنــــــــــــتُ أعلـــــــــــــمْ"§••

_________________


ضيق عينيه فجأة عندما لمح ورقة بيضاء على الأرض فـ سار صوبها بهدوء وانحنى قليلًا ليلتقفها وفتحها في نفس اللحظة التي خرجت بها سيدرا من المرحاض ،،إنطفئت إبتسامته وشعر بمرارة في حلقة وكأنها ابتلع العلقم حتى امتلأ واظلمت عيناه بسواد الخذلان وأُضرم جوفه بنيران الغيرة والانتقام ...


اندهشت عندما رأته في الغرفة في هذا الوقت ولكن لِمَ هذا التركيز الشديد ماذا يرىٰ بيديه ..

سارت صوبه بهدوء واسترقت النظر لتلك الصورة التي كادت أن تُوقف قلبها من شدة الصدمة وأيضًا الخوف ...!!

رفع ناظريه إليها والغضب يحيك خيوطه على وجهه ..

فكيه يتحركان بعصبيه شديدة ،،تتحرك العروق بجانبي رأسه كـ بركان سينفجر بوجهها هذا الثانيه ،،أنفاسه كانت كـ لهيب يحرقها شعرت بكل هذه الاشياء في خلال ثوانٍ قبل انقضاضه عليه بثورة عارمة يفرغ بها كل غضبه الذي شُحن ووصل إلى اقصاه في دقيقتين تقريبا ..


قبض على عنقها فـ تراجعت أثر ذلك للخلف حتى صُدم ظهرها بالحائط نظرت إليه بعيون اغرورقت بالعبَرات وقالت بنبرة مُختنقة لم تكن أبدًا بسبب قبضته تلك حول عنقها بل بسبب ما يحدث وبيتها التي طالما خشيت من سقوطه وتهدمه والأن هو يُهدم بالفعل بسبب افاعيل هيثم الشيطانية ...

_ولله يا زين ما اعرف جت هنا ازاي ،،صدقن... اه

بترت جملتها بآهٍ أطلقتها عندما ضغط على عنقها أكثر يُريد اسكاتها وبقلب مُحترق هشمته نيران الخذلان والغدر قال من بين أسنانه التي تصتك ببعضها بغضب شديد حتى كادت أن تنكسر من شدة الغضب :

_كفاية يا سيدرا انا جبل ما اشوف الصورة دي كنت مصدجك رغم أن كل حاچه بتجول العكس وكل حاچه بتثبت خيانتك وأنا اجول لا متجدرش تعمل فيا اكده واصل ،،اللي حبتني الحب دا كله وسامحتني على كل حاچه متجدرش تكسرني ،،اعتبرتك سند وحضن دافي اهرب بيه من قرف الدنيا وبعد كل دا انتِ اول حد ضربني في ضهري ،،بعد كُل اللي حُصل بيعتني وبعتي جلبي وحُبي ليكي وضناكي عشان **** الطلجه اللي هاتچيب أچله أغلى من حياته كلها ... 


رفعت كفيها واحتوت وجهه بحنو ودموعها تسيل بغزارة أغرقت وجهها وقالت بنبرة تستجدي قلبه الذي لو قال له العالم أجمع أنها خائنه لن يصدق ابدًا :

_ولله ما بعتك ولا كسرتك أنا محبتش حد غيرك يا زين ،،اسمعني 


نظر لها بخيبة نظرة شملتها شعر بحاجته للإبتعاد عن دموعها وصوتها وكل شئ يخصها فهو لا يريد أن يؤذيها ابدًا في ساعة غضب يندم عليها طيلة العمر ،،حرر عنقها وأخذ جلبابه من على السرير وارتداه أثناء خروجه من الغرفة وهي تركض خلفه بوهن شديد والسواد يقتحم عالمها ويستسلم جسدها وتخور قواها لتسقط بذلك الظلام ..


خرج "عبدالكريم" و"هانم" على صوت ذلك الشجار وصراخ سيدرا على زين بالتوقف وصوت ارتطام شئ بالأرض ،،وجدوها فاقدة وعيها بالصالون وزين غير موجود  ...

______________

"فـــــــي القاهـــــــرة" ..


كانوا في إحدى المعامل الطبيه لإجراء تحليل الحمض النووي المُتفق عليه ..


تم أخذ العينة المطلوبة من الفتاتين أولًا ثم خرجتا مع والدتهم خارج الغرفة وجلس هو ليأخذ العينة الخاصة به وحاول الضغط على الطبيب للعمل على إنهاء نتيجة هذا التحليل في أسرع وقت ..

خرج "هاني"من الغرفة وألقى القطنة في سلة المهملات وتفاجأ بعربة الطفلتين وحدها بـ منتصف الممر والأخرى بـ نهايـــة الممــر تجري مكالمة هاتفية بلا مبالاة للطفلتين الوحيدتين وإحداهما بدأت بالبكاء ...

استغفر هاني ربه وتوجه صوبهم بخطىٰ مُسرعة ورأسه يغلي من الغضب ..

نظر للفتاتين وهما في العربة وإنتفض قلبه ثانيةٍ بذلك الشعـور الذي رواده من قبل وقام بحمل الطفلة الباكية ،،

حملها وقربها إلى أحضانه أكثر يشم رائحتها الذكية ،،ظل يهدهدها داخل أحضانه حتى هدأت الطفلة وأمعنت النظر إليه ببراءة سحقت عقله الذي يشكك في كونهما إبنتيه ...

رأها قادمة نحوه وعلى وجهها إبتسامة متهكمه وقالت بسخرية :

_وعملنا التحليل ليه لما انتَ هتموت عليهم كدا ..


_للأسف انتِ مش قادرة تفهمي أنهم حتى لو مش بناتي مقدرش أشوف التسيب والأهمال بتاعك دا وبنت منهم مفطورة من العياط وماخدش بالي منهم لحد ما الست هانم تدور على عيالها وتاخد بالها منهم ،،تعرفي يا سمر انتِ خسارة فيكي تبقي أم ولله ربنا اداكي نعمة انتِ مش أهلها ولو دول بناتي لو وصلت إني اموتك عشان اخدهم مش هتأخر إنما اسيبهم يضيعوا على جثتي ..


_حلو وأنا عايزاك تجيب أخرك وتوريني هتاخدهم ازاي .. 

قالتها بتحدٍ سافر وهي تنظر داخل عينيه بتبجح ...

______________


"في منزل سليم العياد"


دلف "رامي"منزل والده وهو يلقيها بنظرات مشتعلة لوشايتها عليه بتلك السرعة أما هي فقابلت نظراته ببرود شديد وعينيها متورمتين من كثرة بكائها ..

دلف رامي لغرفة المكتب ليواجه غضب والده بعد المصيبة التي رأها بأم عينيه ..


_قبل اي حاجه اسمعني الاول ومتبقاش زي البت اللي برا دي تاخد الكلمة من المجنون وتصدقها 


_يابني انتَ مبتعرفش تقعد شوية على بعض من غير مصايب وبلاوي زرقا ،،انتَ هاتفضل واجع قلبي معاك لامتا 

قال "سليم"عبارته بقلة حيلة أمام المصائب التي تُحيط بهم من كل جانب ..


_يا حج وحياتك عندي ما عملتها ولله كذب ،،يا حج انا هتجوز واحدة ببقى عايز ارجع من ريحتها دا انا بروح الشركة ومعايا لمونه اعصرها على نفسي اللي بتموع لما بشوفها 

غمغم رامي بتلك الكلمات محاولًا تبرئة نفسه من المصيبة التي التصقت به رغمًا عنه ..


_على ابوك يا ولا يعني مش دي اللي جت هنا قبل كدا وانتَ كنت طاير من الفرحة ،،لما رجعتوا تشتغلوا مع بعض فكرتك بالقديم ..


غمغم "رامي"بنبرة مُتبرمة :

_يا بابا زمان ولله ،،انما انا الوقتي راجل متجوز وبحب مراتي هبص برا ليه ،،شوق مالية عيني اجيب عنين تانيه منين ابص بيها برا ،،المشكلة ان الغبية مش مصدقه ان ضوفرها برقبة ام اربعه واربعين اللي بتقولوا متجوزها دي لو صدقت الدنيا هتهدي ولله 


_انت عايزاها تشوف ورقة جواز عرفي وتصدق كلامك يابو عين زايغه 

جلس على الكُرسي الخاص بالمكتب وأجاب والده بقلة حيلة :

_يا بابا بقى على الاقل انتَ صدقني ،،انتَ اكتر حد عارفني وعارف ان مبيهمنيش ولو انا مش قادر اكمل مع شوق هقولها في وشها مش هروح اتجوز عليها انا عليا من دا كله بايه يعني مفيهاش حاجه أزيد من شوق بالعكس شوق اجمل منها مية مرة ..


نهض والده من كُرسيه واستدار حتى وصل لكُرسي رامي وقبض على عنقه من الخلف قائلًا بنبرة شبه مُقتنعه :

_يعني انتَ متجوزتش البت دي يا رامي .


نظر لوالده بعينين صادقتين وقال :

_ولله العظيم ما حصل 


سأله والده بنبرة مُستفهمه قائلًا :

_امال ايه الورقة دي


_مش عارف حوار الورقة بس هحكيلك الحكاية من الاول ..


_______________


في الصعيـــد (محافظة قنا)


كانت هانم واقفة بجانب سيدرا والطبيب يفحصها وعبدالكريم يجلس على إحدى المقاعد الموجودة في الصالون حيث ظلت في الأسفل لعدم وجود من يحملها للأعلى فساعدت سمية هانم على جر سيدرا على إحدى أرائك الصالون ..


أنهى الطبيب فحصه بإبتسامة وهو يقول بنبرة سعيدة :

_مبروك يا حجه الف مبروك يا حج،، الهانم حامل ..


نظرت هانم لزوجها وعلى محياها إبتسامة واسعه متمتمة بغبطة شديدة :

_سمعت يا عبدالكريم ،،چايلنا حفيد .


_الف مبروك يا بنتي ،،يتربى في عزكم ..

قالها عبدالكريم وهو يربت على كتفها بحنو ..


اما هي فوقعت الكلمة على أسماعها كـ من سقط عليه دلو من الثلج وهو محموم ،،

كـ عود من الثقاب القى داخلها فأضرم نارًا نهشت داخلها ..

كيف وهو عاد لشكوكه بها ..؟! 

كيف وهناك هيثم وهناك من يفسد أساس علاقتهم ..؟!

كيف ومن تسبب في اجهاض طفلها مازال يحوم حولها ..؟!

______________


مرّ أسبوُع كـ عامٍ عصيب على تلك الأحداث ...


مرّ أسبوُع على غياب زين عن البيت ..

مرّ أسبوُع انفصال شوق ورامي 

مرّ أسبوُع على توتر علاقة شمس وهاني

________________


"فـــــــي القاهـــــــرة" ...


كان جالسًا على فراشه مُنكس الرأس وكأنه يحمل جبال العالم على كتفيه لا يقوى على صلب ظهره ،،ويتذكر ما حدث منذ ساعات عندما استلم نتيجة التحليل والتي اثبتت نسب الطفلتين له !!...

سمع صوت الباب يُفتح مُعلنًا عن وصول شمس نظر إلى باب الغرفة بخيبة أمل وانكسار شديد ولم يكن هو فقط بتلك الحالة ..

فـ هي كانت تجر أقدامها جرًا تسير محنية الظهر ...،،

التقت نظراتها التي سُلبت منها الحياة وانطفئت بنظراته الحزينة المنكسرة ...

إبتسمت نصف ابتسامة متهكمه على حالها والقته بنظرة قالت الكثير دون التفوه ببنت شفه ..

"كُنــــــــــــتُ أعلـــــــــــــمْ" ..


سارت صوبه بخطوات شبه ميته وجلست بجانبه وتمتمت بصوت مبحوح :

_كُنت عارفة ،،شوفتك فيهم حسيت بيك فيهم حلوين زيك يا هاني فيهم منك كَتير ..


_هعمل المستحيل واخدهم منها يا شمس أنا يستحيل اسيبك ،،إنتِ حياتي اللي مقدرش اعيش من غيرها والنفس اللي بتنفسه ...

قالها وهو مُمسك بكفيها بين راحتيه متمتمًا بنبرة عاشقة .


_وانتَ ضي عيوني والعكاز اللي بتسند عليه ،،انتَ اهلي وناسي اللي اتحرمت منهم ..عوضتني عن موت ابويا ووحدتي في الدنيا دي بس مينفعش ..

مينفعش تحرم أم من عيالها حتى لو فيها عبر الدنيا مينفعش تحرمها منهم ولا تحرمهم منها لو لفيت الدنيا كلها مش هيلاقوا حد يعوضهم وچود امهم يا هاني ..

ارچعلها يا هاني وطلجني !..


_مستحيل اعمل كدا يا شمس مستحيل اسيبك ومستحيل اعيش معاها تحت سقف واحد مرة تانيه مستحيل .

قال تلك الكلمات بإستنكار شديد ولهجة مُعترضة ..


_هتطلجني يا هاني انا عمري ما اكون سبب في ان بنتين ملهمش ذنب يتبهدلوا بين ام واب منفصلين وعمري ما احرمك من حاچه على الاجل مش هاجدر اعوضك عنها ...


نظر لها بإستغراب بعد إنهاءها جُملتها بتلك الكلمات المبهمه وتمتم في تساؤل :

_كلامك دا معناه ايه !..


_معناه ان لو مرتك خدت بناتك ورجعت مطرح ما راحت أو حصلهم حاچه وهما معاها انا مش هاجدر أچيب لك عيال يا هاني لا دلوجتي ولا بعدين ..انا عقيمة يا هاني ..،،

كنت شاكة من ساعة چوازتي الاولانيه بس لما اتطلجت مهتمتش وجولت انا هدور على وچع الجلب ومكنتش بفكر في چواز تاني ،،بس رچع الموضوع يدور في دماغي تاني من ساعة چوازنا وانا اللي بأچل خايفة من اللي ممكن أعرف بس بعد اللي حصل جررت واللي حسيت بيه كان صح ،..

أنا مبخلفش يا هاني ،، ارچع لمراتك وخد بناتك في حضنك واعتبرني مُت او مكنتش في حياتك اصلا ،،

أنا لحالي عيشت لحالي وهموت لحالي ،،لكن انتَ عندك عيلتك متضعيهاش من ايديك يا حبيبي ..كفاية عليا اني اعرف انك مبسوط وفي حضن عيلتك حتى لو كنت مش معاك ،،حتى لو كنت بعيد ..


وقعت كلماتها على أذنه كالصاعقه ألجمت لسانه ..قطعت أنفاسه واوقفت عقله عن التفكير فقط قلبه ينبض بسرعة شديدة وما كان منها إلا أن أخذها داخل أحضانه بقوة وكأنها ستختفي وتذوب من بين يديه وما كان منها إلا شددت على عناقها وأصابتها نوبة بُكاء فتكت بها 

وكأن داخلها فارغ من كل شئ خفيفة الوزن واطرافها شديدة البرودة فقط ارتمت بحضنه تُبكيه مرارة الفقد والحسرة على امومتها وزوجها وحبيبها التي خسرتهم في آنٍ واحد ... 


_________________


"في شقـــــة رامـــــي"


دلفت شوق قبل موعد عودته من العمل لتأخذ بعض المتعلقات الخاصة بها من الشقة وتعود مرة أخرى وأيضًا لتضع الطعام الذي أعدته سابقًا كي يبقى في الشقة ولا يذهب لشقة أبيه حيث تكمن ليتحجج بتناوله الطعام ولكن في باطن ذلك مشاكستها واختبار صبرها عليه ..


كانت في غرفتهم تأخذ حاجيتها عندما سمعت صوت الباب يُفتح ،،ضربت جبهتها بيدها وهي تلعن سوء حظها على مجيئه المبكر 


في الخـــــــارج ..


صفق رامي الباب بعنف ورامي حقيبته بفوضويه وارتمى على الأريكة بإنهاك ،،وقع نظره على طبق الطعام الموضوع على السفرة وبجانبه ميدالية مفاتيحها ،،إستقام في جلسته ونظر حوله وشقت ثغرة إبتسامة خبيثه وقال بإستغراب وهو ينظر لطبق الطعام :

_سلام قول من رب رحيم ،،الاكل دا جه منين وايه ميدالية المفاتيح دي ..


أنهى عباراته وهو يلتقط ميدالية المفاتيح وسار على أطراف أصابعه اتجاه الغرفة وفتحها ولم يدفع الباب حتى لا تقع إن كانت خلفه ،،ثوانٍ ورأها تجذب الباب فدخل هو من المسافة التي فتحتها واغلق الباب بظهره ..


_ايه دا شوشو في الاوضه عندي بتعمل ايه ..


هدرت بتلك الكلمات وهي تتحاشي النظر لعينيه وتحاول فتح الباب دون لمسة :

_مبعملش حاچه ،،افتح الباب !!


_يا شوق كفاية بُعد بقى ،،إنتِ عارفة ان الورقة دي مش حقيقة بس بتضغطي عليا وخلاص ..

تمتم رامي بنبرة راجية وهو ينظر لعينيها بصدق ممسكًا بكتفيها ..


_إفهم اللي عايز تفهمه يا رامي رچوع أنا مش هرچع يا رامي ومعتش تيچيلي هناك تاني وجريب جوي انا هرچع الصعيــد تاني ..


_هونت عليكي يا شوق ..


_عمرك ما تهون عليا حتى لو أنا هونت عليك ...

قالت جُملتها وهي تنظر داخل عينيه بلومٍ وعتاب ..

__________________

في الصعيــــد ...


بعد محاولات عده لإصلاح ما تلف في علاقتهم وخاصة محاولات عبدالكريم وعلى الجانب الآخر علمه بحملها لطفله واليوم أيضًا هو عيد زواجهم الثاني قرر زين العودة إلى المنزل وقرر البحث عن من يخرب رباطهم ومحاسبته على هذا ..

أعد زين حاله وتزين حيث انه كان يُقيم في مكان عمله الأيام الماضيه ...


دلف إلى البيت وقلبه يطير إلى الأعلى إليها بالتحديد ..

أهلك الاشتياق قلبه حقًا في تلك الايام التي مرت كالسنين الطوال ،،

سار بهوادة يشق الصالون ونظره معلقًا بالسلم في الاعلى حيث غرفته وعلى محياه إبتسامة جميلة ويشعر وكأنه ترك روحه المرة الماضيه في ذلك المكان بالتحديد وعادت إليه الأن ..

إخترق سمعه صوت سُمية تُناديه :

_نورت البيت يا زين بيه ،،سيدرا هانم هاتفرح جوي لما تشوفك .


نظر لها بتركيز وخاصة للصندوق بيدها وقال بتكلف :

_شكرا يا سميه ،،الصندوج دا بتاع مين ..


نظرت إليه بإرتباك مُصطنع وضمت الصندوق إليها وقالت :

_دا لـ سيدرا هانم بس اللي وصله أكد عليا إني اسلمه ليها في ايدها ..


ارتباكها أثار شكه وارتيابه فأردف وهو يمعن النظر إلى الصندوق بنبرة آمرة :

_هاتيه انا هديهولها فوق ..


تصنعت التردد وهي تمده إليه فـ جذبه منها بعنف وهو يُلقيها بنظرة مشتعلة ففرت هاربة إلى المطبخ ..


أمسك بالصندوق بين يديه واشتعلت الحرب داخله مرة اخرى ..

أيفتحه أم لا .....؟!!

هل يحق له أم أنه حقًا غير واثقًا بها وبعشقها له ...؟!

أنهى درجات السلم وانتهت تساؤلاته أيضًا وحسم أمره وكعادته ....

وقف وفك الشريط الخاص بالصندوق وفتحه ..

تفاجأ بقميص حريري خاص بسيدرا أهداه لها في أحد المرات ولاحت بذاكرته أنه أمسك بذلك القميص ووضعه بحقيبتها وقت حادثة شقيقها ..

قبض على القميص بكفه بقوة وغضب وكانت هناك أيضًا ورقة صغيرة كُتبت عليها بعض الكلمات القتل أهون من ما تركته بنفسه وما ستفعله بتلك الزيجة وخاصة تلك المسكينة بالداخل ..

كانت قراءة الكلمات اللتي بداخل الورقة سهلًا للغاية لانها كانت غير مطوية ..


"وحشتيني اوي حاولي تتحججي وتسافري القاهرة قريب ،،دا نسيتيه عندي اخر مرة خُدي بالك من نفسك يا حبيبتي"


اهتز جسده من شدة الغضب وكأنه قدر يغلي على النار ويفور ،،أظلمت عيناه بنار الحقد والخذلان كأسد جريح طُعن من أكثر مكان آمن له ....!!

هلا يُلام الجريح على أخطائه وغضبه حتى إيذائه في تلك الحالة ...!!

هل يُعد من الضحايا ام انه الجاني الوحيد في تلك القصة ..!!


____ (جحيــــم حُبــــــك 2) ____

        ____ (بين عشقـــه وإنتقامــــــه) ____

      ____ (الفصـــــل السادس عشــــــر) ____

             _____"لمــــــــــــــــاذا ؟!"_____

                        _______________


_لـيــــــه


كان واقفًا بمواجهتها مُباشرةً بنظرات ميته لا حياة فيها وقلب أكلته نيران القهر والانكسار ..

أما هي فـ كانت جالسة أمام مرأتها ترسم كُحل عينيها بحرفيه شديدة جعلتها فاتنة حقًا خاصةً بثوبها الأسود القصير يصل إلى فوق رُكبتيها بقليل بحمالات رفيعه جدًا ضيق حتى خصرها واتسع كـ أميرة هربت من إحدى القصص وجاءت لتواجهه قدرها زينتها ورائحتها التي تملأ الغرفة كانت لتسكره وتسلبه عقله لكن .. 

انتصبت من مكانها عندما رأت انعكاسه على المرأه خلفها مباشرة ،، انفرجت أسارير وجهها وإبتسامة عاشقة رُسمت على ثغرها المطلي باللون الاحمر القاتم ولكن انكمشت إبتسامتها في نفس اللحظة ،،

نظرت للميت الواقف أمامها وبيده قميصها ولهيب قلبه انعكس بحدقتيه القاتمه ..

ازدردت لعوبها بصعوبة شديدة وجذب انتباهها صوته المتحشرج ..:

_لـيــــــه .


وكأن قلبها شعر بها وما سيحل بهما لمعت حدقتيها بالدموع وهدرت ..

_هو ايه اللي ليه .


_ليه يا سيدرا ليه .

خرج صوته تلك المرة أقوى من السابقة بكثير وهو يقذف القميص على الأرض ويسير صوبها قاطعًا المسافة بينهما مُمسكًا بفكيها بعنف شديد جعلها تأن من الألم ..


_عملتلك ايه عشان توچعيني اكده ،،عملتلك ايه عشان تغدري بيا وتضربيني في ضهري ،،عملتلك عشان تكسريني فيكي ،،ليه 

ليه تكسري كل حاجه بينا ،،عماله تكسري فيا وبسكت وبقول يمكن ظالماها مش سيدرا اللي تخونك ..

أنهى كلماته بغضب أكبر وصوت جهوري مع دفعهُ لها بقوة أكبر فـ ارتطم رأسها في الحائط فتألمت بصوت أعلى ودموعها أغرقت وجهها ..


_سيدرا أنا حبيتك ..وثقت فيكي فضلت أحبك رغم كل حاچه فضلت چمبك كنت على طول چمبك وثقت فيكي يا سيدرا اديتلك ضهري وعارف انك هاتسنديني عمرك ما تضربيني منه ،،محبتنيش ليه يا سيدرا ليه ..

غلبته دموعه هو الآخر ولكن ليس مثلها ،،تمتم بتلك الكلمات وهو ناظرًا داخل عينيها المغرورقة بالدموع فـ النار داخله تزداد استعارًا وشرعت سيدرا بالتلوي تحت يديه ليفلتها محاولة التحدث إليه فوضع يده الأخرى على ثغرها يكممها وقال بقلبً اعتصره الألم ونحى بصره عنها:

_شش مش عايز اسمع منك كلمة ولا حتى عايز اشوف وشك بعد الوقتي وابني مش هايبقى اغلى من اللي قبله اللي نزلتيه عشانه بردو دا لو كان ابني ..


جذبها من ذراعها بعنف صوب الخزانه وهي تتوسله بين شهقاتها أن يتركها تفسر له ان يُصدقها فقط ..


_يا زين ..بالله عليك اسمعني ..متظلمنيش يا زين ...


جذب عبائة مفتوحة وحجاب لها من الخزانه وقام بوضوع العباية على اكتافها بلا مبالاة لها وأمسك ذراعها بعنف وخرج بها من الغرفة يجرها جرا بعد المغص الذي أصابها وكأن هناك من يلكمها بأسفل بطنها وكان كل من البيت بدأ يسمع شجارهم وخرجوا من غرفتهم ،،صرخت هانم فيه عند رؤيته يجرها بهذا الشكل وشياطنه امتلكه ..


نزل بها حتى البهو ودفعها بعنف فالتقفتها أمه كـ ورقة هزيلة ترميها الرياح من هنا لـ هُناك ..

رمى الحجاب خلفها وأدار ظهره ليصعد للأعلى ولكن أوقفه صوتها الذي حمل كل معاني القهر والظلم في هذا العالم :

_مش مسامحك يا زين ،، البيت كله يشهد عليا ..

برائتي هتظهر ومش هسامحك يا زين سامعني ،،اوعدك مش هاتشوف وشي بعد النهارده مقدرتش اثبتلك برائتي بس انا قد وعدي يا زين ،،بكره الايام تندمك على كل مرة كسرتني فيها وكل مرة شكيت فيا ،،بكرة تعرف ان محدش حبك قدي وصانك قدي بس مش هتلاقيني يا زين ،،سيدرا ماتت النهارده يا زين وانت اللي موتها ...

كانت تصرخ بتلك الكلمات وجسدها ينتفض بعصبيه شديدة وهي تحارب وهنها ورغبة جسدها بالاستسلام للسواد الذي يُحيط بها من كُل جانب ولكن حقًا كانت في أكتر لحظات ضعفها ..

استسلمت وسقطت في ذلك الظلام مع كسرتها وقهرها داخل أحضان هانم ..

أما هو فـ صعد للأعلى بجمود ولم يلتفت قيد أنملة حتى !!

______________


على الجانب الأخر ..


وقف ناظرًا إلى حاله بتباهي أمام المرآة وإبتسامة مُنتصرة شامته مُتشفيه على وجهه بعد الاخبار التي ابلغتها سمية إليه واثلجت صدره المشتعل بنيران الغل والحقد ..


_نجحت موصلتش لكل اللي انا عايزه بس في نفس الوقت نجحت مفيش مشكلة لما اقفل انا الحكاية زي ما كنت عايز ..

تمتم بتلك الكلمات بشرٍ لا حدود له وقد أكل السواد ذاته ودواخله ..

_______________


تم نقل "سيدرا" إلى المستشفى بالمحافظة وقام عبدالكريم وهانم بإخبار والديها وشقيقها ليحضروا إليها ..


أما الطبيب فأخبر عبدالكريم بعدم استقرار حالة سيدرا الصحية وخطورة تعرضها للأجهاض ..


أما هي ..

فمازالت فاقدة وعيها ..يرفض عقلها العودة للواقع فـ ظلت أسيرة لذكرياتها تلك الليلة ...

______________


صباح اليوم التالي ..


وصل هاني ورامي أولا ثم تبعهما والديهما ..

وانتظرا حتى ميعاد الزيارة ليدلفوا اليها ويطمئنوا على حالتها ...


_الله اعلم باللي بينهم يا حج سليم بس اللي بينهم واعر جوي وانا مسألتش ومعرفش حاچه لسه .

تمتم عبدالكريم بتلك الكلمات بنبرة حزينه خجله من أفعال ابنه مُبررًا لـ سليم الغاضب من ما حدث ..


أما هاني ورامي فكانا كمن اشتعل النار بجسديهما لا يستطيعان الجلوس هادئين ويريدا ان يذهبا للسرايا ليحطما رأس زوج شقيقتهم على فعلته بها حتى لو لم يعلموا ما الأمر بعد ..


استعادت سيدرا وعيها قبل موعد الزيارة بدقائق قليلة ،،تنظر حولها بضياع وسرعان ما تذكرت كُل شئ ..


وجم وجهها وشردت في نقطة ما وصدى صوته يتردد في اذنها والألم يعتصر قلبها بلا رحمة ،،عقلها أصبح جلادها الذي لم يرحم ضعفها ووهنها بل لامها على كل ما حدث وانها مذنبه من زواية اخرى ..

قطع شرودها دلوف أهلها إلى غرفة المشفى والتفافهم حولها قلقين يسألوها عن حالها وهل هي تتألم ؟

إبتسم داخلها بسخرية هل تتألم فقط؟

ليتها تألمت لكان أهون عليها من فراغ روحها الذي تشعر به الان ..!


هتفت بنبرة لم تخرج منها من قبل نبرة جامدة خالية من المشاعر والحياة لهجة آمرة لم يعتادوها منها أبدا :

_لو سمحتوا اخرجوا برا ،،انا عايزة رامي بس هنا ..


نظرت لها والدتها بحزنٍ كبير ونادتها بإسمها بصوت أم يتقطع قلبها إربًا لتألم قطعة من روحها :

_سيدرا ..


_عشان خاطري يا ماما ..

غمغمت وهي تحاول التماسك وضبط نفسها كي لا تنفجر بنوبة بكاء هالكه الأن ..


لملموا أنفسهم وخرجوا من الغرفة وجذب رامي كُرسي من الغرفة وجلس قبالتها وأمسك يديها بحنو أخوي قائلًا :

_ قولي يا حبيبتي في ايه ،،مالك ..


_اسمع اللي هقولهولك دا يا رامي ونفذه بالحرف واياك تقول لمخلوق حتى ماما وشوق ،،سامعني يا رامي ..


_عنيا ليكي يا قلب اخوكي ..

______________


دلف إلي المستشفى بخطوات بطيئة وهو ينظر للجميع عبر نظاراته الشمسية السوداءواضعًا يده على الكمامة يتأكد من انها تخفي وجهه  جيدًا ،،أخفض رأسه فجأءة عندما رأى رامي يخرج من المستشفى مارًا بجانبه كتفًا بكتف ليغادر المشفى على عجلة من أمره ،،

تنفس براحة وتوجه إلى مبتغاه إحدى الممرضات أو احدهن ترتدي كالممرضات بالاتفاق معه ،،

رأته فـ سارت خلفه مباشرة ودلفوا إلى احدى الغرف الفارغة سويًا ...


في الخارج 

استقل رامي سيارته وسار بها إلى هدفه بسرعة هوجاء لينفذ ما طلبته منه شقيقته ..

_______________


أسدل الليل خيوطه وحلّ الظلام وكانت ليلة حالكة الظُلمة خيط بسيط من شعاع القمر فقط ..


الساعة الثامنة مساء هذا اليوم ..

غادر عبدالكريم ومعه زوجته بعد الحاح شديد على سليم وسلوى بالذهاب معهم للمنزل ولكن رفض سليم رفضًا قاطعًا ..

غادر هاني ومعه شوق وشمس بعد اصرار والده عليه ..

اما رامي فلم يظهر بعد ..!!!


دقت الساعة الحادية عشر مساءًا ..


وعم الهدوء بالمشفى وغطت سلوى وسليم في ثبات عميق ..

وقف هيثم في نهاية الممر المؤدي إلى غرفتها وترقب الأجواء ثم أشار لها أن تبدأ ..


سارت الممرضه المزيفة في الممر بهدوء شديد وبجيبها تحمل إبرة السم التي ستودي بحياتها فور وصول السم لأوردتها وعروقها وهي تتذكر كلامه جيدًا ..


أما هو فأنتفخ داخله لدرجة أنه لو كان مُنتطادًا في ذلك الوقت لأرتفع وطار بعيدًا من كثرة غروره وتباهيه ..


نزل من ذلك الدور متوجهًا لأسفل ورفع هاتفه على أذنه بعد أن أدخل رقم مميز جدًا بالنسبة إليه ..


"البقاء لله ،،المرحومة كانت طيبة اوي واتظلمت كتير"


على الجانب الآخر ..

إنتصب زين من كُرسيه بإنتفاضه مذعورة وقلبه يخفق بقوة من تلك العبارة التي ألقت على مسامعه من ذلك الوغد بالتحديد ..

"إنتَ بتجول ايه"


"بقول البقية في حياتك ،،سيدرا ماتت يا ممدوح بيه"

ختم جملته بقهقه عالية شامته في حالته ورعشة صوته التي سمعها ..


إستأنف حديثه قائلًا ..

"بقى في حد يرمي مراته الرمية دي يا زين ،،عيبه في حقك ولله ..هي لو عايزة ترجعلي حبستني ليه من الاول بس يمكن مثلا عشان اكتشفت انها بتحبني انا ومحبتكش شوف هو الموضوع يحير بردو وموقفك صعب وخصوصًا مع دلائل قوية زي اللي انتَ شوفتها وطبعًا أحب اشكر سمية على المجهود الفظيع اللي عملته من غيرها فعلا انا مكنتش هعرف أعمل حاجه من اللي عملته شابووه ليها بجد ..

خسارة فيك الرصيد ولله بس مش قادر اقفل قبل ما اقولك الجملة دي جود لك يا زين 

انا كسبت وخسرتك سيدرا وخسرتك حياتك كلها ،، سيدرا ماتت وانتَ اللي موتها"


ختم جملته بضحكة عالية جدًا لفتت أنظار المارين بالشارع له ..ضحكة أماتت الأخر قهرًا وهو على قيد الحياة ...

               الفصل السابع عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا



تعليقات



<>