رواية شغف الفصل الثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر ضحي حجازي


 رواية شغف

الفصل الثانى عشر والثالث عشر والرابع عشر

بقلم ضحي حجازي


الفصل الثاني عشر:

قل التوتر بينهما في اليومان الماضيان لأنها كانت تحاول أن تطيعه بأي طريقة ممكنة كي تأمن نوبات غضبه المتكررة ولكن في ذلك اليوم كانت قد عزمت أمرها علي ان تكتشف حقيقته ...تلك الحقيقة التي أودت به الي ما صار عليه الآن ...

عاد في موعده المعتاد فحاولت هي تحري الوقت المناسب حتي تستكشف منه الحقيقة برمتها ...

تناولا الطعام سوياً كعادة أكتسباها مؤخراً ثم صعدا الي غرفتهما كي يخلدا للنوم ...حاوطها هو بذراعيه كأنه يخشي ان تتركه فأنتهزت هي تلك الفرصة وبادرت قائلة بارتباك حاولت ان تخفيه :

ـ كنت عايزة أسالك علي حاجة 

أبتسم وهو يدفن وجهه في خصلاتها القصيرة ثم قال بهدوء :

ـ أسالي 

تنحنحت وهي تعلم من داخلها أن ما ستفعله لن تحمد عقباه وعليها ان تواجه نوبة جديدة من نوبات غضبه ثم قالت بنبرة هادئة :

ـ هي مين دي الي انت كنت بتقولي انك مش هتسمحلي أسيبك زيها ؟!

تجهمت ملامحه ثم قال بصوت جامد جعلها تعجز عن فهم ردة فعله :

ـ أمي

ـ طيب انت ليه عمرك م حكتلي عنها ؟! ليه مش بتزورها وانا عمري م شوفتها حتي في كتب كتابنا مجاتش 

كانت الصدمة الحقيقة بالنسبة لها ردة فعله ...هو لم يصيح ...لم يضربها ...لم يفعل أي شئ سوي البكاء بعدما وضع رأسه علي صدرها ...وبالرغم من كم الحقد الهائل الذي تكنه اليه لما فعله بها الا ان قلبها رق حينما رآته علي ذلك الحال ...والاغرب بالنسبة لها انه أخذ يقص عليها ما جري وكأن الأحداث تعاد أمام ناظريه مراراً 

كان صوته مغلف بنبرة باكية وهو يسترسل في الحديث قائلاً :

ـ عايزة تعرفي ايه الي حصل ؟! الي حصل ان أمي المصون سابتني وانا عيل عندي 5 سنين لأبويا وأتطلقت منه عشان تتجوز صاحبه الي كانت بتحبه ...مفكرتش ولو للحظة فيا ...ولا أبويا عمره فكر فيا هو الموضوع مفرقش معاه اصلا انها سابته الي فرق بس انها سابتله عالة علي قلبه ...ابنه مرمي مع الخدامين الي عمره م فكر همه بيتعاملوا معاه ازاي ...عمره م عرف الي كان بيجرالي ولا فكر يعرف ...هو مهتمش أصلاً كل الي كان مهتم بيه أنه يتجوز كل أسبوع واحدة شكل ويعيش حياته ...أزدادت حدة بكائه وهو يقول : هو عمره محس ان ابنه كان بيتعذب منهم ضرب وقرف حاجات انتي عمرك م تتخيليها ده وانا طفل ...الي كانوا بيعملوه فيا خلاني عدواني لدرجة ان في مرة كنت هموت المربية بتاعتي عشان ضربتني جامد ...ساعتها معرفش ايه الي جرالي روحت واخد السكينة الي لقيتها في وشي وبجد غرستها في أيدها بس كان جرح سطحي وبابا أداها فلوس وخلاها تسكت وكمل هو عليا بقي ...وقتها كان عندي يجي 10 سنين ...تخيلي الوقت الي انا اصلاً كنت بعاني فيه اني مش لاقي لا أم ولا أب زي كل أصحابي هو قرر يعمل الأسوء ...دخلني مدرسة داخلية حبسني يعني بس بقانونه هو ...طاب عارفه مع ان الموضوع يبان وحش أوي بس علي الأقل أحسن من القرف الي كنت بشوفه في البيت ...بس حتي أيام الزيارات الي كان كل اصحابي بيستنوها مكانش بيجي ...كان بيتحجج ان عنده شغل ...مكنتش بوحشه زي مهو بيوحشني برغم انه عمره م حسسني انه ابويا بجد ...كرهته ...كرهته بجد من الي كان بيعمله فيا وقررت اني مش هرجع البيت في الأجازات وهقضيها في المدرسة للأنشطة وكده ...اه من جوايا كنت متضايق بس كنت متأكد ان مليش حد أرجعله ...تعرفي ان بعدها بقي بيجي ؟! بقي بيترجاني أرجع البيت تاني ؟! مكنتش اعرف هو أيه الي غيره كده بس عرفت بعدين انه جاله القلب وبقي خايف انه يموت وانا مش جنبه أو زي م كان بيقول حس قد ايه هو ظلمني ! ...بعد المدرسة انا الي اخترت اكمل دراسة بره البلد ...اترجاني كتير بس مسمعتلوش ...عارفه لو كان عمل كده من قبلها ؟! كانت كل حاجة اتغيرت بس وقتها كنت انا خلاص اتدمرت ...بعد كده حياتي مشيت بروتينية دراسة وكده وبس لحد م حبيت واحدة في المانيا وزي الاسطوانة العربي المشروخة حبت واحد غيري ...تحولت بعدها للمسخ الي انتي شايفاه ...تعرفي انا عمري م كنت عايز أخونك ...ولا شوفت اصلا ان في ست ينفع تتقارن بيكي ...كلهم زبالة وبس ...كلهم اخرهم ليلة الا انتي ...انا لو كنت بعمل الي انا بعمله ده لانه الحاجة الوحيدة الي بتحسسني ان انا قوي ...لما بشوف نظرة الانكسار في عنيهم وانا برميهم ...همه اصلاً دي مهنتهم يتذلوا لغيرهم ويترموا بعد ليلة زي الكلاب ...كنت بحس وانا برميلهم الفلوس في وشهم وبطردهم كأني بنتقم من كل واحد أذاني في حياتي ...أولهم الرخيصة الي باعتني عشان حبت واحد غير جوزها ...بس انتي ...انتي انا حسيتك مختلفة عن جنس حواء كله ...انا مش هبقي كداب لو قولتلك اني حبيتك من أول نظرة ...حبيت براءتك ...جمالك ...طهارتك ...كل حاجة ...حسيت انك العوض عن كل حاجة حصلتلي في حياتي ...بقيتي ملكي من أول يوم شوفتك فيه لدرجة اني خليت واحد يراقب كل تحركاتك عشان توصلني ...بس الي حصل ساعتها انك اتخطبتي للزفت ده ...وقتها انا كان هاين عليا اقتلك واقتله ...مكنتش متخيل انك ممكن تكوني لراجل غيري ...الفكرة دي كانت هتموتني ..بس الحمد لله بعدها فسختوا الخطوبة والصراحة جهودي كانت عظيمة في الحكاية دي ...

كانت تستمع له وهي مذعورة من هول ما يقول ولكن حين وصل لتلك النقطة نظرت نحوه بذهول فأكمل بتشفي : أصل الي متعرفيهوش ان "يارا" صديقتك المقربة وأخته المصون هي الي كانت بتساعدني ...كانت بتحبني بس بجنون لدرجة انها كانت بتساعدني عشان اتجوزها زوجة تانية !! قالتلي كتير انها بتحبني وممكن تعمل اي حاجة عشان تتجوزني بس عمري م تخيلت انها هترضي تساعدني أخليه يسيبك عشان انا اتجوزك واتجوزها هي عليكي ...كانت بتملي دماغ امها من ناحيتك وبتخليها تأثر عليه بس وقتها هو كان ابتدي يميل من ناحيتك عشان كده مبقاش قدامي غير الحل التاني ...وهو" سالي" ...ضحك بجنون وهو يقول : انا الي زقيتها عليه وخليتها تشتغل معاه وتلعب عليه اللعبة الحلوة دي والصراحة الموضوع نفع جداً وكل الي انا عايزه حصل ...تحولت نبرته للعدائية فجأة وهو يقول :

بس انتي الي دمرتي كل حاجة لما رجعتي تحبيه ...لما فضلتيه عليا عشان هو بيخلف وانا لا ...لما بقيتي عايزة تسيبيني برغم كل الي انا عملته عشانك ...برغم اني مستعد أضحي بعمي كله عشان خاطرك ...عاد للبكاء مرة واحدة وهو يقول :

مش ذنبي اني مش هعرف اخلف ...دي أصلاً أكتر حاجة مهمة عندي في الدنيا بس حتي هي اتحرمت منها ...انا كنت عايزه أعوضه واحبه واديله الي محدش عمره أداهولي ...دفن نفسه في حضنها للمرة الثانية ولكن تلك المرة كان يبكي بكاءاً مزق نياط قلبها علي الرغم من بشاعة ما علمته للتو من حقائق ...نام من كثرة بكائه كالطفل الرضيع فوضعت رأسه علي الوسادة وهي تنظر له بأشفاق الا ان داخلها ازداد كرهاً له لانها أدركت انه كان هو سبب فساد حياتها ...

.............................................

ـ يعني أيه هتروح البيت الي انت بتقول عليه النهارده انت بتهزر ؟! الموضوع ممكن يأذي شغف 

ـ مش هيأذيها متخافش احنا مخططين لكل حاجة كويس وبقالنا يومين مراقبين المكان وهو دلوقتي هناك واحنا لازم ندخل وهو جوه عشان نعرف نقبض عليه وألا هيبقي ولا أكننا عملنا حاجة

صاح فيه بغضب قائلاً : 

ـ يعني انت عارف من يومين وبتخطط وتراقب ومش هاين عليك تقولي 

ـ مهو عشان انت مبتهداش مستني مني ايه يعني انت الي انت بتعمله ده الي هيودينا في داهية أعقل بقي ..لازم نتحرك دلوقتي عشان نعرف نتصرف 

....................................

لم تستطع النوم ليلتها ... او هي لم تستطع النوم جيداً منذ جاءت لذلك البيت المشؤوم ...لا تستطيع ان تتخيل انه كان السبب في كل ذلك وان "أدهم" برئ ...نعم هو ليس بريئاً بدرجة كافية لكنه تعرض لقدر كبير من الضغوطات أودت به الي ما هو عليه ...

في وسط شرودها سمعت صوت تحطيم خفيض بالأسفل ...نظرت نحو "عمر" فوجدته يغط في نوم عميق فقامت من جواره بحذر وغطت رأسها ثم هبطت للأسفل لعل الله قد أستجاب لدعوتها وسينقذها أحدهم 

وجدت أن صوت التحطيم كان قد جاء من صخرة صغيرة  تم القائها علي النافذة وكأن من يقذفها يقصد لفت انتباهها ..

كانت حركة غبية منه انتقده عليها "كريم" لكنه لم يعرف لما قد أحس انها مستيقظة ...لا يريد أي شئ سوي ان يحميها من الأشتباك الذي يعلم هو انه سيدور الأن في الداخل ...وبالفعل تهللت أساريره حينما وجدها تقف امامه  وقد شعر ان قلبه المسكين قد عاد للحياة مرة اخري ...



الفصل الثالث عشر :

قد مر أسبوع علي ذلك اليوم تطورت فيه الأحداث كثيراً ...أستطاعوا إنقاذ "شغف" والقبض علي "عمر" وللعجب حدث الأمر بسهولة غريبة تدل علي أستجابة الله عز وجل لدعائها وتضرعها فقد كان يغط في نوم عميق مما أمكن لهم بفتح الباب عن طريق كسره وإخراجها وحينما شعر هو بما يحدث حوله وهبط للأسفل كانت هي قد غادرت  برفقة "أدهم"...

خافت كثيراً ان يتمكن من الأنتصار ويجبرها للعودة له كزوجة ووقتها بالفعل لن يرحمها علي فعلتها تلك ولكن ما حدث وما شهدت به هي الأخري هو أنه مريض نفسي ويجب معالجته وحينما سمع والده ذلك وجد فيه الخلاص فهو بالطبع لن يقبل أن يسجن ابنه لذلك أقر انه بالفعل مريض نفسي ويجب معالجته في مصح نفسي بدلاً من سجنه ...لم تعلم ما ستؤل اليه الاحداث لكنها في المرة الوحيدة التي رأته بها منذ حينها هي حينما كانت تدلي بالشهادة ولم تستطع ان تتبين ردة فعله من كل ما جري لكنها علمت من هدوءه انه لا ينوي علي الخير أبداً ...

لم يقبل "عصام" ولا "كاميليا" ان يتركاها تمكث في شقة والديها بمفردها في هذه الحالة التي هي عليها فحالتها النفسية بالطبع كانت شديدة السوء وخافا ان تفعل بنفسها شيئاً سيئاً ...فقررا ان تبقي معهم مبررين ذلك لها بأن أدهم سيبيت في شقته ولن يأتي الا علي الطعام فقط ...

في البداية أستغربت تغير معاملة كاميليا لها ولكنها علمت بما جري مع "أدهم" وندمها الشديد علي ما فعلته بها وذلك قالته لها كاميليا بنفسها ...حينما علمت آلمها قلبها علي "أدهم" كثيراً ...شعرت بمدي الآلم الذي يعانيه ...وأكثر ما آلمها هي تلك الصغيرة التي حرمت من أمها وهي حية ووهي تحت الثري ...شعرت هي بمعني نكبة فقدان الأم كثيراً في الأحداث التي مضت فقد كانت كل ليلة تتمني لو ان تنام علي صدرها وتبكي ولكنها لم تستطع أما تلك الصغيرة فلم تجرب حتي حنان الأم كي تفقده ...

يومها كانت كعادتها تداعب الصغيرة التي أصبحت شديدة التمسك بها ...لكم أحبت كل منهما الأخري فعلي الرغم من ان الصغيرة لا تتحدث وانما تعبر بحركاتها الطفولية الا ان الجميع كان يري شدة حبها ل"شغف" لدرجة انها كانت تبكي حين تتركها وكأنها أمها التي كانت غائبة عنها ...

كانت الصغيرة تضحك بشدة علي مداعبات "شغف" التي كانت تضحك بدورها هي الأخري وقد نست همومها تماماً حينما دخل عليهما "أدهم" الذي أبتسم قلبه قبل شفتيه حين رآي المشهد الذي طالما تمني ان يراه من قبل ...

ـ عمرها م اتعودت علي حد وحبته بسرعة كده علي طول مبترضاش تروح للناس الي متعرفهمش ولا تضحكلهم  الا انتي راحتلك علي طول 

ذعرت حين سمعت صوته ثم قال بأبتسامة : 

ـ بس احنا بقينا نعرف بعض كويس أوي خلاص ..وبعدين هي عسولة خالص والله وتتحب علي طول 

ـ كويس عرفتوا تتفاهموا مع بعض بسرعة ...تنحنح ثم قال: هقوم أشوف ماما 

ـ تمام ...بس أدهم يعني معلش في حاجة جديدة 

حاول ان يطمئنها بنظراته قائلاً :

ـ متقلقيش لحد دلوقتي ماشين كويس ...احنا مش هيفرق معانا يتحبس في زنزانة ولا في مستشفي بفلوسه المهم انك تكوني في أمان واتاكدي ان ده هيحصل ...وأصلاً شهادتك دي هتنفعنا جداً في قضية الخلع 

ـ أنا بجد مش عارفة أشكرك ازاي علي وقفتك جنبي دي 

أبتسم لها قائلاً :

ـ متشكرنيش علي حاجة ده واجبي 

...............................

جاءت "نور" وزوجها "يوسف" لزيارة "شغف" في شقة "عصام" وكالعادة حاولا مراراً ان يجعلا "عصام" يقبل ان تذهب لتمكث معهم الا انه رفض معللاً ذلك بأنها يجب ان تكون بمأمن حتي يتم إصدار حكم بشأن "عمر" ... 

تحدثت الفتاتان الي بعضهما كثيراً وأول ما حكته لها "نور" هو أمر حملها الذي أسعد "شغف" كثيراً وأخذتا يفكران في حياتهما بعد مجئ الطفل المنتظر وسط أجواء من المرح أنست "شغف" كل شئ ..كان وقتها أدهم ويوسف يجلسان سوياً يتبادلا أطراف الحديث بشأن الأحداث الجديدة 

وبعد رحيل كل من "نور" و "يوسف" لم يكن بالمنزل أحد سوي "شغف" و"يارا" فقط ...فقد كان "عصام" و"كاميليا" قد ذهبا كي يبتاعا بعض الحاجيات و"أدهم" كان قد عاد الي منزله للمبيت فيه ...

كانت" شغف "جالسة في حجرتها تناجي الله تعالي ان يحميها وييسر لها الأفضل في حياتها حينما أقتحمت عليها "يارا" الغرفة بجنون وهي تقول بغل واضح :

ـ أرتحتي كده لما هتخليه يدخل مستشفي المجانين بسبب واحدة زيك 

ـ انتي ايه يا شيخة مبتحسيش ؟! مش كفاية كل الي عملتيه فيا وفي أخوكي عشان حبك المريض لواحد عمره م فكر فيكي أصلاً ...انا نفسي أعرف انتي ازاي في يوم من الأيام كنتي صاحبتي 

توترت "يارا" حينما سمعت جملتها ثم قالت بصدمة :

ـ هو حكالك ؟!

ـ أمال ايه ؟! حكالي قد أيه انتي رخيصة وبعتي صاحبتك وأخوكي وكنتي بتسخني أمك عليا عشان ايه ؟! عشان يتجوزك عليا !!انتي ازاي كده ؟! أزاي طايقة تبقي بالرخص ده ...انتي عمرك م كنتي كده ايه الي جرالك ؟ مستحيل دي تكون صاحبتي الي كنت بقول عليها أكتر من أختي 

ـ يا شيخة فوقي بقي أختك أيه ! انا اصلا عمري م حبيتك ...طول عمري بابا هو الي بيخليني أقرب منك غصب ...طول عمرك انتي الاحسن في كل حاجة وبتاخدي كل حاجة انا بيبقي نفسي فيها ...أنتي وصلت بيكي الدرجة انك بقيتي تشاركيني حب بابا بعد م أبوكي مات ...بقيت بحس ان أبويا بيحبك أكتر مني ...ده حتي الراجل الوحيد الي حبيته انتي خدتيه علي الجاهز وياريتك حتي قدرتيه ..تابعت بأبتسامة متهكمة : أنتي كنتي السبب في ضياعه ...واحدة زيك عمرها م كانت تستحقه ...انا بس الي أستحقه فاهمة ؟! ...أعقبت كلماتها بدفعة قوية لشغف ولكنها تصلبت مكانها حينما سمعت صوت "أدهم "وهو يقول :

ـ أبعدي عنها ! ...ثم نظر لها بعدم أستيعاب وقال : 

ـ خلصتي كلامك 

نظرت نحوه بذعر وهي تقول : 

ـ أدهم انت مش فاهم حاجة انا هفهم... بترت جملتها حينما قام بصفعها علي وجهها بقوة قائلاً :

ـ مش فاهم ايه ؟ً مش فاهم ان اختي كانت السبب في دمار حياتي ...ان اختي رخيصة وبتعرض نفسها علي واحد ميسواش انها تكون زوجة تانية ...قصرنا معاكي في ايه احنا عشان تبقي مليانة غل وحقد كده قوليلي 

بكت بشدة ثم قالت بنبرة متقطعة :

ـ أدهم عشان خاطري أسمعني 

ـ لا هسمعك دلوقتي ولا بعدين ...انتي من النهاردة لا أختي ولا اعرفك 

ولم ينهي هذا الحديث سوي صوت ارتطام جسد "شغف" بالأرض فنظر نحو الصوت برعب وهو يصرخ :

ـ شــغــف!

............................

ـ طمني يا دكتور لو سمحت ...هي كويسة ؟!

ـ اه اتطمن متقلقش المدام كويسة ...انتو بس لازم تاخدوا بالكوا متعرضوهاش لضغوط عصبية خصوصاً في الفترة الأولي من الحمل 

نظر نحوه برعب قائلاً :

نعم ؟! هي حامل 

ـ اه طبعاً انتو ازاي متعرفوش دي حامل يجي في شهرين مثلاً ...ثم أكمل وهو ينظر نحوه بشك :ولا انت مش جوزها ؟!

ـ لا لا جوزها انا بس اتفاجئت مش أكثر شكراً لحضرتك جداً 

خرج كي يصتحب الطبيب الي الخارج وهو لا يعلم كيف تحمله قدماه ...الأن فقط علم ان القادم لن يكون بالهين أبداً



الفصل الرابع عشر :

تزامن وقت عودة "عصام" و"كاميليا" مع خروج الطبيب فصدم "عصام" بشدة لأنه كان يعرف الطبيب فقد كان جارهم فخاطب "أدهم" بقلق قائلاً :

ـ أيه الي حصل يابني الدكتور هشام هنا ليه ؟! طمني 

ـ متقلقش يابابا هفهمك ...ثم قال مخاطباً الطبيب :أتفضل حضرتك يا دكتور آسفين اننا أزعجناك 

ـ عيب متقولش كده ده احنا أهل 

وبعد ان ذهب قال له "عصام" بخوف شديد :

ـ يابني م تفهمنا في أيه 

توتر أدهم قليلاً الا انه قص عليهم كل ما حدث من بداية سماعه لحديث "يارا" و"شغف" حينما عاد لأنه تذكر نسيانه هاتفه الي إغماء "شغف" ومعرفته بأمر حملها ...هو أدرك ان أمر "يارا" سيكشف الآن أو فيما بعد فرآي ان يقول الآن وتأخذ جزائها علي أفعالها ...

صعق كل من "عصام" و"كاميليا" لما سمعوا فلم يكن الأمر بالهين أبداً ...فقالت كاميليا بوهن وقد جلست علي أقرب كرسي بجوارها لأن قدميها لم تعد تحملانها :

ـ طاب ليه ؟! ليه يارا تعمل كده ليه ؟! ازاي تهين نفسها وتهينا كده ؟! ازاي تكون سبب في ان حياة أخوها تتدمر ؟! والبت الغلبانة دي هتعمل أيه مش كفاية الي بيجرالها كمان عيل من واحد زي جوزها ده ...ليه بس بيحصلنا كده ليه 

قال "عصام" بجمود :

ـ أستغفري ربك ده قدرنا ...وبننتك دي انا طول عمري كنت شايف تربيتها غلط وأديها حطت راسي في التراب ...أدي اخرة دلعك ليها 

ـ انت هتطلعني انا السبب كمان !! بس تصدق معاك حق انا الي فعلاً معرفتش اربيها ...وانا الي ساعدت ان ابني يوصل للي بقي فيه دلوقتي ...وانا كنت السبب ان شغف يجرالها الي يجرالها لو كنت سكت كان زمانها هي وأدهم متجوزين و مرتاحين دلوقتي...انا السبب...وأخذت تبكي بحرقة بالغة رق الها قلب "أدهم" فقال محاولاً التخفيف عنها :

ـ ماما ده قدرنا زي م بابا بيقول انتي ملكيش ذنب ...المهم دلوقتي نفكر في شغف هي لسه نايمة متعرفش انها حامل ...انا مش عارف هتعمل ايه لما تعرف ؟!

ـ ربنا يسترها الأيام الجاية دي يارب احنا مش حمل مشاكل تاني ...كان ذلك ما قاله "عصام" فقد أُثقل كاحله بكل تلك الهموم المتزايدة ..

.................................................

حينما علمت بأمر حملها بكت كما لم تبكي من قبل ...هي لم تتمني شئ في حياتها قط بقدر ما تمنت ان يكون عندها طفل يؤانسها في وحدتها ويكون سبباً لتعيش من أجله ولكن الآن ؟! من ذلك الرجل الذي لا يصلح ان يكون أباً أبداً ...أكثر ما كان يقلقها هو انه لن يترك طفلها معها أبداً ...ان علم بوجوده سيأخذه منها بالقوة والاحتيال ولن تستطيع ان تراه مجدداً وان لم يفعلها هو سيفعلها أباه الذي كان مستعد لبذل كل غالي ونفيس لرؤية حفيده ...وهو معه المال والسلطة والجاه وهي ...هي ليس لديها أي شئ ..هنا سمعت آذان الحق ينادي مما جعلها تنهر نفسها بشدة فهي معها الله تعالي الذي هو أقوي وأعظم من أي شئ الحياة 

حينما وصلت لتلك النقطة قامت وتوضأت وصلت فريضة الفجر وهي تبكي لله عز وجل وتشكو اليه وتدعوه كما عاهدت نفسها ألا تضعف الا لسواه ...وهي تؤكد لنفسها انه لن يتركها وسيحل لها مشاكلها وينعم عليها بالراحة والسعادة 

............................................

 مرت الأيام حزينة علي الجميع فكل مشغول بهمه لم يتخللها سوي سعادة النصر ل"شغف" فقد حكمت لها المحكمة بالطلاق بسهولة بعد استسلام "عمر" وعدم دفاعه عن نفسه وأيضاً تم حجزه في مستشفي أمراض نفسية وعقلية كي تتم معالجته ...

وأكثر ما كان يعكر صفو الجميع هو خوفهم من أخذ "عمر" وأبيه لطفل "شغف" فالكل يعلم انهما ان علما بأمره لن يترددا في فعل أي شئ للحصول عليه وان لجئا لأختطافه مثلما فعل "عمر" معها ...نعم عمر في المصح الأن ولكن أبيه ورجاله خارجه وان أراد ذلك سيفعل 

الا ان الله تعالي كان رؤوفاً بها فقد أهتدت "كاميليا" لحل لتلك المعضلة سينفع جميع الأطراف وقد شعرت انها بذلك تعوض "شغف" و"أدهم" عن كل ما لاقاه من ألم ...

أختارت الوقت المناسب لتعرض الأمر علي كل من "أدهم" و"عصام" فقالت بأرتباك حاولت أخفائه :

ـ بصوا انا وصلت لحل لمشكلة شغف دي هيضمن ان عمر وابوه ميعرفوش انها حامل 

أندفع أدهم وقال بنفاذ صبر :

ـ طاب قولي بسرعة 

نظرت نحو كل منهما بتوتر ثم قالت :

ـ أنت وشغف تتجوزوا ...وجدت نظرات الصدمة مرتسمة علي وجهيهما فبادرت موضحة : بص دلوقتي لو انت وهي اتجوزتوا انت ممكن تقول ان الولد ده ابنك وبكده محدش هيقدر يعرف ...انا مش بقولك اتبناه لا طبعا هيتكتب بأسم أبوه بس في الظاهر قدام الناس هتبان انت ابوه لحد ميجي الوقت المناسب الي تتطمنوا فيه من ناحيتهم وهنقول الحقيقة عادي

قال "عصام" برفض تام: 

ـ ازاي يعني طاب وبطنها الي هتبان ؟! وشهور العدة !! انتي بتقولي كلام مستحيل ينفع 

ـ أسمعني بس ...هي دلوقتي حامل في شهرين وشهور العدة 3 شهور يعني همه ممكن يسافروا مثلا محافظة تانية أو أدهم يسافر تبع شغله زي م كان بيقول بس يخليها بعد 3 شهور وهي تفضل في البيت وتحاول تقلل نزولها لحد م تولد ...انا عارفه ان الحامل عدتها لحد م تولد بس الناس متعرفش فقدام الناس هنفهمهم انهم اتجوزوا بعد ال3 شهور وفي الحقيقة هيتجوزوا بعد م تولد ويبقوا يسافروا يعيشوا في حتة تانية ويرجعوا علي أساس انه خلف منها وهي ولدت في السابع مش التاسع كده عمر م حد هيشك في حاجة ونبقي حافظنا عليها ..وغير كده أدهم بنته صغيرة وهو بيبقي في شغله وهيحتاج حد ياخد باله منها وانا الي شفته انها بتحبها اوي وهتحطها في عنيها .

نظر لها الأثنان بدهشة كبيرة فبادر عصام قائلاً :

ـ انتي دماغك دي أيه بجد ؟! مخططة للموضوع بكل تفصيلة صغيرة فيه ...بس يمكن همه ميرضوش بحكاية الجواز ..ولا ايه يا أدهم ؟!

رد "أدهم" بسرعة وتوتر قائلاً :

ـ لا يا بابا انا موافق طبعاً ...ثم أسترك سرعته فقال : عشان اقف جنبها طبعاً في الوقت ده بس هي الي ممكن متوافقش 

ـ بص انا هكلمها في الموضوع ده وهي ان شاء الله هتوافق 

كان قلب "أدهم" يزقزق من السعادة فقد شعر أخيراً ان أمنيته المستحيلة علي وشك ان تتحقق وسيجتمع بمن أحب أخيراً ...فأخذ يدعو كثيراً ان تقبل بالأمر كي تريح قلبه الملتاع ...

.......................................

عقب ما حدث أصبح الجميع يكرهها ...لا يحدثونها ...لا يهتمون لأمرها ولا لبكائها ...فقط يغرقونها بكلامهم الذي يمزق روحها ...رخيصة...حاقدة ...ذهبت بسمعة العائلة ...لا تستحق تعبهم عليها ...وأكثر من ذلك بكثير ..لا يهتمون سوي ب"شغف" وكل ما يخصها أما هي فلتذهب الي الجحيم فهي الأبنة العاق التي خيبت آمال عائلتها ... 

شعرت ان الجميع صار يبغضها حتي من أحبت لم يهتم لأمرها يوماً  ...شعرت ان حياتها لم يعد لها قيمة فقررت ان تريحهم من عارها وتريح نفسها من عذابها ...

كانت تلك أخر أفكارها عقب أن تمسك الشفرة الحادة التي توضع بآلات الحلاقة وتمزق شراين يديها تاركة ذلك العالم الذي لم يرغبها يوماً



                    الفصل الخامس عشر من هنا

لقراة باقي الفصول اضغط هنا



تعليقات



<>