رواية شغف
الفصل الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر
بقلم ضحي حجازي
الفصل الخامس عشر :
أخبرتها "كاميليا" بأمر زواجها من "أدهم" وأنه سيكون الحل الوحيد الآن كي يبقي طفلها بأمان ...رفضت في بداية الأمر متحججة بأن "أدهم" سيجبر علي فعل ذلك وهي لا تريد أن تورطه بأمرها أكثر من ذلك لكن "كاميليا" أقنعتها انه ليس مجبوراً علي ذلك بل أنه هو أيضاً في حاجة لها من أجل أبنته التي لن يتمكن من تربيتها بمفرده ولن يستطيع أن يثق بأمرأة بسهولة بعد ما حدث مع زوجته الأولي تلك ...حاولت كامليا ان تخبرها بصورة غير مباشرة ان أدهم يحبها وندم علي كل ماحدث وبالفعل فهمت ذلك من كلامها ...بالطبع أخبرتها بموافقتها برغم غرابة العرض فهي لن تقبل بضياع طفلها أبداً ...
أكان ذاك قلبها الذي يغرد من فرط السعادة ...لما هي سعيدة الآن ؟! ما الذي يبعث السعادة في الأمر؟! لا هي لم تعد تحبه أليست هي من قالت ذلك وقتما تركها بأبشع الطرق التي دمرت كرامتها ...حينما تزوج بأخري ...حينما أذلها ...أليست هي من قالت ان ما كان بقلبها لم يكن سوي إعجاب و قد زال ما هذا الذي يحدث لها الآن ؟! قلبها الغبي قد حن اليه حينما وجده يصارع من أجلها ...حينما ترك كل مصائبه جانباً ولم يفكر الا في سلامتها ...حينما علمت انه لم يكن سوي مجني عليه من لعبة قذرة هدفها تفريقهما ...ماذا ؟؟!!
أتسعت حدقتيها فجأة وهي تستوعب ما تفكر فيه انها جنت ...بالطبع جنت ...أنها من المفترض ان تفكر في مستقبلها ومستقبل طفلها وهي الأن تمني نفسها بحبٍ ليس له وجود في الواقع ...ذلك القلب اللعين الذي يسير في طريق محرم بالنسبة لها وعليها ردعه قبل فوات الأوان ...حسناً قد بدأت حربها الضارية مع قلبها الأبله الآن ..
...............................................
تتابعت الأحداث بصورة غير أعتيادية يومها بدءً من دخول "كاميليا" غرفة "يارا" ورؤيتها لها غارقة في دمائها وصراخها العالي الذي جعل الجميع يهرع اليها بما فيهم هو ...الي تلك اللحظة التي كان يجلس بها في تلك الغرفة بالمستشفي كي يتم نقل دمائه لها ...
كان ذاهباً لصديقه كي يبشره بأن "عمر" قد تم نقله لمستشفي الأمراض العقلية ولم يعد هناك خطر علي "شغف" ولكن ما حدث هو محاولة أنتحار شقيقة صديقه "يارا" وبالطبع لم يتركهم في مثل ذلك المأزق وذهب معهم الي المستشفي ...ولحسن الحظ انه ذهب لأنه كان الوحيد من بينهم الذي يحمل نفس زمرة دم "يارا"
قال له "أدهم" بأمتنان حقيقي :
ـ بجد مش عارف أقولك أيه ؟ من غيرك مين عارف يارا كان هيجرالها ايه دلوقتي شكراً بجد يا كريم
رد عليه "كريم" بلوم قائلاً :
ـ يا بني انت عبيط شكراً ايه بس ؟! متخافش ان شاء الله هتبقي كويسة والحمد لله انها اتلحقت ومنزفتش كتير
قال "أدهم" بوهن :
ـ يارب يا كريم يارب عشان انا بجد مش حمل مصيبة تاني دي هتبقي القاضية
ـ يا بني متقولش كده خلي عندك أمل بالله وان شاء الله كل حاجة هتبقي كويسة متخافش
أبتسم له ثم أستأذن ليذهب ويطمئن علي حال شقيقته ...تاركاً أياه يفكر في السبب الذي يجعل فتاة مثلها تقدم علي هذا الفعل الشنيع فهو بالرغم من كل ما قاساه في حياته وبالرغم من مصابه الأخير الا انه لم يفكر قط في ذلك وحتي في أقصي لحظات أكتئابه ...ثم دعا الله ان يساعدها ويشفيها ويغفر لها ذنبها ..وفي داخله لا يعلم لما تأثر بذلك الأمر كثيراً الي تلك الدرجة علي الرغم من أنه لم يراها سوي مرتين في حياته كلها..
.............................
بعد مرور يومين ...
حالة "يارا" الصحية كانت قد تحسنت كثيراً أما حالتها النفسية فقد كانت محطمة ...قد نصح الطبيب ان يتم علاجها عند طبيب نفسي كي لا تقدم علي فعل مشابه مرة أخري ...نسي كل من والديها ما فعلت بالطبع ولم يتركوها الا ان أدهم لم يستطع ذلك أبداً فقد زاد بغضه لها بعد فعلتها التي كانت علي وشك إنهاء حياتها مما زاد من أكتئابها ...
لكم آلم "شغف" رؤيته هكذا ...أصبح أكثر شحوباً وضياعاً بعد ما فعلته "يارا" ...لكم تمنت ان تكون زوجته وقتها كي تسانده وتقف لجواره ...كان الجميع يذهب الي المستشفي الا هي تجلس بصحبة "رقية" الصغيرة بالمنزل فقد أصبحت "رقية" كثيرة التعلق بها وكأنها أمها التي ولدتها ...لنقل ان هذا الشعور كان متبادل ف"شغف" لم تعد تتخيل حياتها بدونها وأصبحت تري نفسها أمها بالفعل
..........................
لماذا هو ذاهب الي المستشفي الآن ؟!
لأنه من الواجب ان يساند صديقه في محنته ...أهي بالفعل الحقيقة ؟! لا يعلم لما هو ذاهب الان لا يعلم سوي انه في الأيام الماضية لم يكن يفكر في سواها ...كان يطمئن عليها يومياً بالهاتف بنفس الحجة التي يذهب بها الي المشفي الآن وهي مساندة صديقه في ضيقته ولكن اليوم أحس أنه إن لم يرها سيجن ...لا يعلم لما لكنه لا يستطيع ان يفسر شعوره ذاك ...لا يستطيع ان يزيل شكلها وهي شاحبة هزيلة في المستشفي يومها من رأسه ...
قام بشراء باقة رائعة من الزهور وذهب الي غرفتها بالمستشفي وقد هاتف صديقه من قبلها وأخبره أنه سيأتي لزيارتها ...
وما ان دخل حتي وجد والديها الذين كانا علي وشك الذهاب الا انهم حينما علما بمجيئه انتظراه حتي يشكراه علي إنقاذه لحياة أبنتهما ...وبعد أن ذهب أخذ يحادث صديقه الا ان "أدهم" قد جائته مكالمة هاتفية فوقف عند النافذة كي يتمكن من الحديث ...فوجد هو ان تلك هي فرصته كي يشبع تلك الرغبة الملحة في داخله وهي الحديث معها ..
كانت هي خجلة من وجوده ونظراته المصوبة تجاهها فبادر هو بالحديث قائلاً :
ـ حمد الله علي سلامتك
ـ الله يسلمك ...شكراً جداً ليك عشان اتقذت حياتي
ضحك ثم قال : بجد ؟!
نظرت اليه باستغراب قائلة :
ـ هو أيه الي بجد ؟!
ـ انك بتشكريني يعني اني أنقذت حياتك ...ده بالعكس يعني انتي الي قررتي انك تموتي نفسك مش كده ؟!...صمتت فلم تجد ما تجيب به لكن عينيها كانت تخبره عن مدي الألم الذي تشعره الآن ...ألم قد جربه هو كثيراً من قبل ...لا يعلم لما أخبرها قصته ولكنه أستشعر ان عليه ان يخبرها أياها كي يشعرها ان مهما كان ما حدث لها فهو قليل بالنسبة لما حدث له
ـ هقولك علي حاجة ...أنتي عندك أهل يخافوا عليكي وحياتهم هتتدمر لو جرالك حاجة ومع ذلك انتي كنتي انانية ومشيتي ورا رغبتك في انك تنهي الألم الي انتي عايشة فيه مع ان ده اصلاً غلط ده مش هيجيب الا وجع ليكي ولعيلتك ...كنتي هتقدري تقابلي ربنا وانتي ميتة كافرة ؟! غير كده انا مش شايف اي سبب في الدنيا يخليكي تفكري في الي انتي عمليته ده ...يعني انا قدامك مثلاً أبان عادي حياتي ماشية تمام وشغلي تمام بس الحقيقة اني معنديش حياة أصلاً ...أنا أمي وأبويا ماتوا في حادثة وانا عندي 10 سنين وبعدها عشت عند خالي ...يعني النقطة الأولي لا أب ولا أم ولا أخ ولو ركزتي انتي عندك دول ...النقطة التانية ...دمعت عينيه حينما وصل لتلك النقطة ثم تحامل علي نفسه وأكمل : مراتي وابني ماتوا في حادثة برضه من سنتين ...بس وقتها انا كنت السبب في موتهم ...كنت متخانق مع مراتي وخدت الولد وسابت البيت وانا محاولتش حتي اني أوقفها ...انا وهي كنا بنحب بعض أوي عشان كده مكانتش مستحملة اننا نتخانق فكانت بتعيط وهي بتسوق فمشافتش قدامها وخبطت في عربية تانية ...مسح دموعه التي كانت قد هطلت وجاهد كي يعيد نبرته الي ما كانت عليه قائلاً : بصي انا معرفش انا بقولك ده ليه بس انا عايز أفهمك ان الي انتي فيه ولا أي حاجة وأني برغم كل الي حصلي مقتنع تماماً ان ده قضاء ربنا وعمري م أعترضت عليه ...مكدبش عليكي وأقولك ان ضميري مبيأنبنيش بس بحاول أقنع نفسي ان ده مش ذنبي ...
كان وقتها "أدهم" قد أنهي مكالمته وعاد قائلاً بأسف :
ـ معلش يا كريم طولت عليك بس كان في مشكلة في الشغل
ـ يابني عادي مفيش حاجة ...بس أستأذن انا عشان الشغل انت عارف ...ثم نظر لها مرة اخري قائلاً :
ـ حمد الله علي السلامة مرة تانية يا أنسة يارا ...قالها ثم صافح صديقه وذهب وقد أحدثت كلماته بها أثراً كبيراً حتي أنها شعرت انها تعاد علي مسامعها مرة أخري وصورته لا تكاد تبارح خيالها ...لحسن الحظ ان ادهم لازال لا يحادثها لذا لم ينظر اليها ويري تلك الدموع التي غطت وجهها وهي تفكر في تفاهة همومها أمام همومه ...
...................................
.......بعد مرور ثلاثة سنوات......
كان يتحدث بالهاتف في مكالمة تخص صفقته الجديدة وهو مندمج بشدة ...لم يشعر سوي بها و قد أحتضنه من الخلف وقد بدأت أصابعها تداعب أسفل أذنه ...الشريرة تعلم ان تلك الحركة تزعجه كثيراً لذا تستعملها كسلاح كي تجعله ينهي مكالمته ويتفرغ لها ...بالفعل لبي مطلبها وانهي المكالمة وهو يلتفت اليها ويمسك برأسها ويقبلها قائلاً :
ـ الجميل عايز أيه ؟!
ـ الجميل متضايق منك عشان المفروض ان ده يوم أجازتك وانه بتاعي انا والولاد واحنا لبسنا ومستنين حضرتك تخلص عشان تخرجنا وانت مش عاتق شغل حتي في التليفون ...حاولت إظهار علامات الأمتعاض علي وجهها وهي تقول تلك الكلمات
ـ لا انا مقدرش علي زعلكوا انا خالص ...انا جاهز اهه يا حبيبتي هاتي لينا ورقية ويلا
أبتسمت "شغف" بسعادة كالأطفال وجرت كي تجلب طفلتيهما التي يري هو انها ثالثتهما ..
الفصل السادس عشر :
بعد ان قضت عائلتهما الصغيرة وقتاً ممتعاً في الخارج عادا الي عشهما الصغير الذي بني علي حجر أساس قوي وهو الحب ..
كانت "لينا" الصغيرة التي قد بلغ عمرها الآن سنتين غافية علي كتف "أدهم" الذي لا تفارقه أبداً و"رقية" متشبثة بيد "شغف" وهي تمشي بخطوات متعثرة بسبب النعاس والإجهاد فقد تأخروا بالخارج ...
ـ يلا يا روكا يا حبيبتي نطلع ننام عشان انتي شكلك مش قادرة خالص
ـ اه يلا كمليلي حدوتة امبارح عشان انام يا مامي
ـحاضر يا قلب مامي ...ثم قالت مخاطبة "أدهم" : هات لينh طيب يا أدهم أطلع انيمها في سريرها هي كمان
ـ لا يا ستي انا كده كده طالع لحسن تصحي دلوقتي ومنعرفش ننيمها تاني انتي بس نيمي روكا وتعالي عايزك في موضوع مهم انا هطلع قبلكوا بقي ...ثم قبل "رقية" علي جبينها وصعد ...
تلك الطفلة ملائكية الطلة "رقية" فقد كانت بالفعل بارعة الجمال شقراء بعيون زرقاء تجعل من يراها يمدح في إبداع الخالق بها و"شغف" لم تدخر جهداً حتي تبرز جمالها قلباُ وقالباُ فقد كانت تنتقي ملابسها وتسريحات شعرها بعناية كي تظهرها بأجمل مظهر وأيضاُ تعلمها أمور دينها والأخلاق التي يجب ان تتحلي بها بصور مناسبة لعمرها الذي لم يتجاوز الاربعة سنوات ...لكن الطفلة بالفعل قد أعطاها الله مع الجمال ذكاء جعلها تتفهم كلام أمها برحابة صدر بل أنها كانت تسعي لكي تقلدها في كل تصرفاتها لانها دوماً تراها المثل الذي يجب ان تحتذي به ...كان هذا ينعش روح "أدهم" الذي كان دائماً يخاف من المستقبل ...يخاف ان تشعر في يوم ان "شغف" ليست والدتها ...يخاف ان تسأل عن والدتها وتنهار صورتها أمام عينها ...لكن الله بالفعل كان رحيماً به فقد وجد ب"شغف" أكثر مما تمني قد وجد فيها الزوجة الصالحة والأم الصالحة وجد بها كل شئ حتي انه حينما أخبر "رقية" ان "شغف" ليست والدتها الحقيقة فقد شعرر انه يجب ان يقول لذلك لها منذ طفولتها كي تتقبل الأمر ومع ذكائها يمكنها ان تتقبل الأمر بسهولة ...توقع ان تبكي ...تشعر بالصدمة لكن من شعر بالصدمة كان هو فهي لم تلقي للأمر بالاً وأكملت كل شئ بصورة طبيعية فوقتها علم ان الأم هي من تربي بالفعل لا من تلد فقط ...
كان ذلك ما حدث ولكن بصورة عكسية مع "لينا" ابنة "شغف" تلك التي تعلقت ب"أدهم" أكثر من تعلقها بوالدتها ...وهو أيضاً تعلق بها بطريقة غريبة ...أصبح عندما يعود لا يبحث عنها أولاً ..وهي دوماً ما تتشبث به ولا تتركه الا بالبكاء ...يالجمال تلك العائلة ....هو لم يشعر بالسعادة قط الا وهي معه وهي لم تشعر بمعني الأمان الا بين يديه ...ان كان كل منهما كان يحب الأخر قبل الزواج فبعده قد وصلا لأعلي درجات العشق ...عشق لا تبرد ناره بل تزاد وهجاً ...مع مضي كل يوم يزداد كل منهما حباً في الأخر ...تعاهدا من قبل ان يكون ذلك الزواج علي طاعة الله ...ان يعاونها وتعاونه علي طاعة الله أولاً وعلي تربية أبنائهما تربية صالحة ترضي الله عز وجل الذي جمع بينهما بعد كل شئ واختار لهما السعادة سوياً ...وكأن ذلك العهد كان السحر الذي أضفي علي حياتهما السكينة والسعادة ...
عقب ان نامت صغيرتها تأكدت من إحكام الغطاء علي الطفلتين اللتان تتشاركان نفس الغرفة لصغر سنهما وبعد ان أطمئنت عليهما ذهبت الي غرفتها هي وأدهم وهي تشعر بالتعب من ذلك اليوم المجهد ...
ما ان دلفت أبتسم هو إبتسامته الساحرة تلك التي تضفي علي ايامها رونقاً خاصاً ...أبتسمت بتلقائية وذهبت الي مكانها المعتاد بين يديه ..عانقها هو بحنان ثم أمسك بوجهها بين كفيه وهو يقول :
ـ عايز أقولك علي حاجة مهمة
ـ قول يا حبيبي
ـ لازم نرجع مصر
أرتسمت الصدمة علي ملامحها مما جعله يعلم ما يدور برأسها فقال بهدوء :
ـ يوسف مش عارف يمشي الشغل لوحده وانتي عارفه ان شغلنا كبر فبقي الحمل عليه كبير أوي وغير كده يا حبيبتي احنا حياتنا هناك مش هنا "كندا" اه حلوة وأسسنا حياة هنا ومتعايشين معاها بس برضه أمي وأبويا وأختي وأختك وعيالهم حياتنا كلها هناك مش هنا
قالت بنبرة يبدو فيها الخوف جلياً :
ـ انت عارف كويس اني نفسي أرجع انا كمان بس خايفة ...انا مقدرش أعيش من غير بنتي يا أدهم أموت لو خدوها مني
نظر لها بغضب وهو يقول بنبرة طمأنتها :
ـ أوعي اسمعك تقولي كده تاني ...طول م انا جنبك بعد ربنا متخافيش من أي حاجة في الدنيا دي يا شغف ...لينا دي بنتي انا وعمري م هفرط فيها زي م عمري م هفرط في رقية وانتي عارفه كويس ان مكانة دي عندي زي مكانة دي ...هحارب العالم كله يا شغف عشان تفضل معانا
بكت من تأثرها بكلماته ثم قالت بعد ان دفنت نفسها في صدره :
ـ انا واثقة فيك والله بس بخاف ...خلاص فعلاً انت معاك حق أكيد مش هنفضل هربانين طول عمرنا كده هنرجع مصر ان شاء الله وعلي الأقل عشان البنات
...............................
وبالفعل قد عادت عائلة"أدهم" الصغيرة الي موطنها الأصلي "مصر" ..عقب أن قام بالترتيبات الازمة وجهز الأجراءات التي لحسن حظه لم تأخذ وقتاً ...
كانت سعادة الجميع لا توصف في ذلك اليوم فقد أتمت "كاميليا" الأستعدادات لقدومهم علي أكمل وجه ودعت كل من "يوسف" و"نور" و"يارا" و"كريم" علي الغداء كي يجتمع أدهم بكل من يحب في يوم عودته وكذلك أعدت كل الأطعمة التي يحبها هو وزوجته وجلست في أنتظارهم علي أحر من الجمر ...
وما ان وصلوا الي المنزل حتي انهال عليهم الجميع بالسلام الحار والدموع من النساء فهم لم يعودوا الي مصر منذ زواج "يارا" الذي كانوا قد أتوا له مجرد يومين وعادوا مرة أخري ...
نعم ف"يارا" و"كريم" قد تزوجا فكل منهما قد وجد ضالته في الأخر .."كريم" كان قد قرر ان يتوقف عن جلد نفسه وأن يعطي لحياته فرصة أخري ولم يجد في عقله سوي "يارا" فمنذ ان رآها وأصبح يفكر فيها بصورة مهولة ...و"يارا" شعرت انه سيساعدها في فهم نفسها وإعادة الأوضاع بينها وبين أهلها كما كانت وبالفعل تفهم فعلتها التي كانت خجلة جداً وهي تحكيها وساعدها كثيراً في أن تحل مشاكلها مع أمها وأبيها ولكن تبقت مشكلة واحدة وهي علاقتها بأدهم التي لازالت متدهورة حتي انه حينما جاء لعرسها من سنتين كان يحادثها ببرود أحدث في نفسها أثراً كبيراً ...أنجبت "يارا" من "كريم" "أدهم" نعم أسمته علي أسم أخيها عله يحن عليها قليلاً ولكنه لم يتأثر أو حاول أن يظهر لها أنه لم يتأثر ...
أعمار الأطفال كانت متقاربة عدا "رقية" التي كانت تكبرهم جميعاً بالطبع ..."أدهم" الصغير كان عمره سنة ونصف ..."لينا" سنتين وثلاثة أشهر ..."راكان" ابن "يوسف" و"نور" كان عمره سنتين ونصف ...كان المنزل بالفعل يعج بالاطفال مما أعطي له بهجة خاصة وجعل سعادة الجدين جلية فلم يجتمع حولهم ابنائهم وأحبائهم فقط بل أيضاً أحفادهم الأعزاء ...
بعد التحية الباردة من "أدهم" ل"يارا" كانت حزينة جداً ولا تشاركهم في أحاديثهم الا ان "كريم" أخذ يحثها ان تحادثه علي إنفراد ...وبالفعل فعلت هي ذلك وطلبت منه الحديث علي إنفراد فلبي الدعوة كي لا يحرجها ...
وما ان دخلا الي الغرفة كي يتحدثها ألقت نفسها علي صدره باكية فما كان منه الا ان ملس علي حجابها الذي يغطي حجابها ثم قال بمرح :
ـ عشان قلبي رهيف يعني هتستغليه
ضحكت ثم قالت بنبرة باكية :
ـ أنا آسفة
الفصل السابع عشر :
ـ انا آسفة ...ثم أكملت بغضب وهي تبكي: بس انت كمان غلطت ويمكن أكتر مني كمان انت عارف انت بقالك قد أيه مش بتكلمني ؟! يوم فرحي جيت زي الغريب يوم تسلم عليا وحتي مكلفتش خاطرك تتكلم معايا يدوبك مبروك باردة وسبتني ومشيت ...ده انت سلمت علي كريم أحسن م سلمت عليا وقعدت تهزر معاه ...3سنين يا أدهم ...3 سنين هان عليك فيهم انك متطمنش عليا .. في اول سنة كنت بتصل وانت يا متردش ي ترد رد بايخ يا متردش أصلاً من ساعتها وقولت مش هكلمك عشان مكنش تقيلة عليك بس كان عندي أمل انك تكلمني بس انت معملتش كده ...انا عمري م اتعودت علي كده انا كنت متعودة انك جنبي علي طول حتي لما بغلط بتقولي الصح وبتفضل جنبي
خجل من نفسه وهو يستمع الي كلامها فهي بالفعل كانت محقة ولكنه حينما يغضب يتحول لشخص آخر هو نفسه لا يعرفه ...
جذبها الي صدره برفق قائلاً :
ـ خلاص انا آسف انتي معاكي حق انا زودتها أوي
نظرت له بعبوس فقال بمرح مداعباً لها :
ـ خلاص بقي انتي هتعمليهم عليا ...وبعدين علي فكرة انا جبتلك هدايا كتير معايا بس لو مش عايزاهم خلاص شغف ونور ياخدوهم
نظرت له بصدمة وهي تقول بصراخ :
ـ ياخدوا مين علي جثتي
ـ لسه زي م انتي عيلة حتي بعد م اتجوزتي وخلفتي ...ورايحة تسمي ابنك علي اسمي عشان قلبي يحن صح
ـ عشان انت اغلي واحد في حياتي ...عشان انا نفسي بجد انه يكون زيك
أبتسم لها قائلاً :
ـ هيكون زيي وزي ابوه ان شاء الله ...صح كريم عامل ايه معاكي ...يارا لو في اي حاجة بجد انا هنسي انه صاحبي وهجيبلك حقك لو مهما حصل
أبتسمت له وهي تطمئنه قائلة :
ـ متقلقش كريم ده مفيش زيه
ـ ربنا يسعدك يا حبيبتي يارب
...................................................
بعد ان خرج من قاعة الأجتماعات وكان في طريقه الي حجرة مكتبه أوقفته مديرة اعماله قائلة :
ـ مستر عمر مدام مايا مستنية حضرتك جوه
رد عليها بأيماءة خفيفة من رأسه ثم دخل الي حجرته كي يقابل أخته ...
"عمر حداد" ان كان هذا الأسم منذ ثلاثة سنوات يبعث في نفس من يسمعه المهابة والتوقير فهو الآن يبعث في نفسه الرعب ...لقد تغير كثيراً عن ذي قبل ...فقد الكثير ولكنه لم يفقد أبداً رغبته في الأنتقام ...
حينما خسر "شغف" شعر انه قد كُسر ...لم يكن يفكر ان كان سيسجن او سيذهب الي مشفي الأمراض العقلية لم يكن يفكر سوي في انها خذلته ...كانت كتلك التي تركته وهو طفل صغير وذهبت لعشيقها ...أكثر ما كان يدمره هو التفكير في انها مع "أدهم" ...بين يديه ...بين يدي رجل غيره ...تقول عنه مجنون كي يُزج به الي مشفي الأمراض العقلية ويكون محاطاً بهم ...يكون سخرية للجميع لتنعم هي مع عشيقها ...أقسم بكل ذرة عشق كانت لها بداخله ان يحرقهما بناره ...ان يذيقهما المعني الحقيقي للعذاب لا الموت الذي سيكون راحة لكليهما ...قد خسر الكثير بسببها أولهم هي ثم سمعته ثم حياته ثم والده ! والده الذي لم يتحمل رؤية ابنه بتلك الحالة التي كان عليها فمات أثر نوبة قلبية ...نعم علي الرغم من كل ما فعله به ولكن موته جعل عالمه يتحول الي الاسود فقط ...الأسود الذي قد ظهر فيه شعاع ضوء خافت وهي "مايا" أخته من أمه ...قد أكتشف ان امه قد ماتت وان لديه أخت وهي "مايا" التي بحثت عنه كثيراً وظلت بجواره في أسوء أيام حياته ....بقيت لجواره حتي أخرجته من المصح وساعدته كي يعيد أعماله لما كانت عليه بفضل علاقاتها الكثيرة فقد كانت من أشهر سيدات الأعمال ...
من المفترض انه خرج من المصح لأنه تعافي ولكن الحقيقة انه خرج منه أسوء بكثير مما كان عليه ...كان المصح تابع لأحد أصدقاء والده فأفهمه والده انه بخير وانه دخل المصح فقط كي لا يسجن ...كان المصح بالنسبة له كالفندق ولكن حالته بالفعل ساءت جداً ...زادت الهلاوس وزادت عدوانيته ...وبعد خروجه وعلمه بزواج "أدهم" و"شغف" وانجابهما وسفرهما الي الخارج أصبح مسخاً بمعني الكلمة ...لم يكن ينتظر سوي الفرصة المناسبة التي يذيقهما فيها من بعض ما ذاقه وحتي ان ضاعت روحه فلن يبالي ...
دخل الي الغرفة فما ان رآته "مايا" حتي احتضنته بشدة
أبتسم لها ثم قال :
ـ مقولتليش انك جاية يعني
ـ هو انا لازم اقول اني جاية لأخويا حبيبي وبعدين انا بس جاية أسلم عليك وهمشي علي طول عشان مسافرة انا وأحمد النهاردة
ـ مسافرة فين مقولتليش يعني ؟!
ـ هنسافر روماعشان نتمم صفقة وبالمرة هنقعدلنا اسبوع ولا حاجة
ـ ماشي يا حبيبتي تيجي بالسلامة
ـ طيب يلا همشي انا بقي عشان سايبة كوكي مع البيبي سيتر وانت عارف اني بخاف عليه
بعد ان ذهبت ظل يطالع الفراغ بشرود ثم أمسك بهاتفه وقال بأبتسامة شيطانية :
ـ عايز الي انا قولته يتنفذ في أقرب وقت ممكن ...النهاردة قبل بكره انت فاهم
...........................................
في الساعة الثانية عشر في منتصف الليل دق جرس الشقة فقام "أدهم" بفتح الباب ليتفاجئ ب "نور" تقف علي الباب وهي تبكي وابنها الصغير نائم علي كتفها ...
قال "أدهم" بدهشة :
ـ نور ؟! ايه الي جايبك دلوقتي وفين يوسف ؟! في حاجة حصلت ؟!
دلفت الي الشقة ثم ذهبت الي اختها والقت بنفسها في حضنها وهي تقول باكية:
ـ انا مش هرجعله تاني الحيوان ده ...انا هتطلق منه مليش دعوة مستحيل أعيش معاه تاني
ـ يا حبيبتي قوليلي بس ايه الي حصل لكل ده ...يوسف عملك ايه م كنتو كويسين امبارح
قاطع حديث "شغف" و"نور" طرقات علي الباب ففتح "أدهم" ليجد "يوسف" أمامه
ـ اهه شرف ...ممكن بقي حضرتك تقولي ايه الي عملتهولها خليتها جاية معيطة في نص الليل وبتقول انها عايزة تطلق
ـ امشي قدامي دلوقتي بدل م ارتكب فيكي جناية يا نور ...ولما نروح بيتنا انا هعرف احاسبك علي انك تسيبي البيت وتمشي في نص الليل كده لا وعايزة تطلقي كمان
ـ اه هطلق منك ومش هتشوف خلقتي تاني عشان تعرف تمد ايدك عليا كويس
نظر له أدهم بغضب وهو يقول :
ـ انت مديت ايدك عليها انت اتجننت ؟!
ـ اسالها الاول هي عملت ايه عشان تخليني اعمل كده ...بقولك ايه يا نور آخر كلام عندي هتمشي معايا دلوقتي ولا لا
ـ قولتلك لا واعمل حسابك اني مش هرجعلك تاني انت فاهم
ـ ماشي يابنت الناس طالما ده آخر كلام عندك ...خليكي بقي قاعدة هنا ...قال ذلك ثم تركهم وذهب دون ان يرد علي كلام "أدهم" فقد كان الغضب قد بلغ منه مبلغه ...
...................................................
حاولت "شغف" كثيراً ان تفهم منها ما حدث لكنها لم تتكلم ...كانت شديدة الحزن طوال اليوم فأقترحت "شغف" ان تذهبا برفقة الأطفال الي احد المولات كي يشتروا بعض الأغراض وتخرجها مما هي فيه ...ولكن ان علمت "شغف" بما سيحدث ماكانت لتقترح ذلك الأقتراح أبداً ...
أقلهما "أدهم" الي المكان الذي يوجد به المول ثم ذهب الي عمله علي ان يتصلوا به في الوقت الذي يريدون العودة به كي يأتي ويعيدهم الي المنزل ...
بعد لعب الأطفال في الملاهي الخاصة بالمول ,اشتروا بعض الألعاب جلسوا كي يأكلوا بعد ان جاعوا كثيراً ...ولكن بعد تناولهم الطعام رغبت "رقية" في الذهاب الي دورة المياه فتركت "شغف" "لينا" برفقة "نور" و"راكان" وأخذتها اليها ..
..................................
سمع "أدهم" الصوت الخاص بوصول رسالة فأمسك بهاتفه ليراها لكنه تجمد في مكانه حينما قرأ محتواها
" بنتك معايا ...تسلمني الي ليا أسلمك الي ليك ـ عمر حداد ـ "
شعر بالهلع حينما قرأها وقام بالأتصال ب "شغف" بسرعة فما ان اجابت حتي قال :
ـ رقية فين ؟!
ـ فين ازاي يعني يا أدهم معايا اهيه في الحمام
وقع قلبه في قدميه علي صغيرته وهو يسألها بنبرة يظهر فيها الرعب :
ـ و لينا
ـ لينا مع نور بره ...في أيه يا أدهم قلقتني جامد
ـ أطلعي شوفيها دلوقتي حالاً وردي عليا
ـ حاضر
خرجت بخوف لتري طفلتها وهي لا تفهم شيئاً من كلامه لكن أستشعرت الخطر القريب من فتياتها ...
لتفاجئ بعدم وجود "لينا" مع "نور"...
