الفصل التاسع والعاشر والحادي عشر
بقلم ضحي حجازي
الفصل التاسع :
ومر أمر خطبة "نور" علي خير وتم الأتفاق أن يكون الزفاف عقب إنتهائها من الفصل الدراسي الأول بعامها الأول بالجامعة علي أن تعيش بالسكن الجامعي بعد ان صرحت "نور" برغبتها في ذلك ...
ومرت الأيام تليها الشهور حتي جاءت الفرحة المنتظرة وتزوج كل من "نور" و "يوسف" ...في ذلك اليوم علي قدر سعادتها الكبيرة بأطمئنانها علي أختها الصغيرة لكن حدث ما أربكها يومها ...نظرات "أدهم التي كانت تطالعها منذ بداية الحفل الي نهايته ...عيناه التي تجزم انها رأت الدمع حبيس بهما يهدد بالهطول في أي وقت ...هي كانت قد علمت من أختها التي كان زوجها صديقه أنه في مشاكل دائمة مع زوجته وانه ندم أشد الندم علي زواجه منها ولكن لم تتخيل ان يكون الوضع هكذا ...
لم تكن حياة "أدهم" فقط التعيسة هنا بل حياة تلك المنكوبة التي تأبي السعادة أن تزورها طويلاً ...يوماً بعد يوم كانت تكتشف عيوباً أخري له تزيد الهوة بينهما اتساعاً ...أدركت انه لم يكن خياراً صائباً وقتها أبداً ...
في ذلك اليوم كانت قد أكتفت من تجاهل ما يحدث ...أكتفت من الدهس علي كرامتها الجريحة ...قررت ان تحادثه في أفعاله الشنيعة وتطلب منه أما ان يكف عنها أو يكون الطلاق هو السبيل ...
كان كعادته التي أكتسبها دون أي مراعاة لمشاعرها يحادث عشيقته في الهاتف في الشرفة وهو يعلم بوجودها في الغرفة التي هو بها ...
نظرت له بعمق ثم قالت :
-عايزة اتكلم معاك ضروري
توتر قليلاً ثم أصطنع البرود و أغلق مع من يحادثها وبعدها ألتفت لها قائلاً :
- أيه يا حبيبتي في أيه ؟
علت نبرتها قليلاً تأثراً ببروده القاتل قائلةً :
- أنت أزاي بتبقي بارد كده ؟! يعني انت بتخوني وبتكلم واحدة في التليفون وأنت عارف اني واقفة جنبك بكل برود وبعد كده ترد تقولي أيه يا حبيبتي في أيه!.. انت ايه يا أخي ؟!
رد عليها بصوت اشبح بالفحيح قائلاً بعصبية مفرطة :
- صوتك ميعلاش عليا بدل م أوريكي وش عمرك م شوفتيه انتي فاهمة ؟! وبعدين فيها ايه يعني بكلم واحدة م انتي كنتي عارفه من الاول وسكتي وانا اعتبرت أن دي موافقة منك وأنك عرفتي النظام ماشي ازاي
ـ نظام ؟!
ـ أه نظام ...انتي مراتي وحبيبتي وكل طلباتك مجابة وعايشة في النعيم ده انما الباقيين شوية لعب عادي يعني كل واحدة منهم أخرها معايا أسبوع مش أكتر ...وانتي مطلوب منك انك ترضي بده عشان تفضلي تعيشي العيشة دي وتتعاملي المعاملة دي
أتسعت حدقتيها بشدة من كلماته التي كانت كدلو من المياه المثلجة التي سقطت علي رأسها للتو وهي تقول بصدمة :
ـ أيه الكلام الي بتقوله ده أنت مجنون ؟! أنا مستحيل أقبل بكده
ـ قبلتي قبل كده لما سمعتيني بتكلم وسكتي.. يبقي تكملي زي م كنتي بقي
ـ بقولك مستحيل أقبل بده طلقني أحسنلك ...كانت تقول كلماتها بصراخ عالٍ ولكن ما جعلها تصمت صدمتها حين صفعها بشدة علي وجهها ثم جذبها من شعرها وهو يهمس في أذنها بصوت جعل الرعب ينتشر بين أوصالها :
- لو سمعت كلمة طلاق دي تاني مش هيحصلك كويس انتي فاهمة ؟! وانا هوريكي يا شغف ازاي تقفي في وشي وتتحديني ومن النهاردة أنا هوريكي المعاملة الي تستحقيها أنا الظاهر دلعتك زيادة عن اللزوم ...
.......................................
بعد ذلك اليوم لم تصبح سوي جارية في بيته ...قام بصرف الخدم وترك لها مسئولية البيت كاملة ولأتساع الفيلا التي كانا يعيشان بها كان الأمر ينهكها من التعب ...لم يعد أمامها سوي الصلاة والدعاء له بالهداية ...تمزق الباقي من فتات روحها فلم يبقي فيها شئ ...معاملته لها قضت علي كل شئ ..
في بعض الأيام كان يحن لها فهو متيم بحبها رغم قسوته عليها وقد أعترف لها بذلك مراراً ولكنها من المستحيل ان تنسي الأمر وتتعامل بصورة عادية ...عادت الدموع لتكون صديقتها الوحيدة التي تساندها في أيام حياتها المريرة التي كانت هي السبب الأول فيها ...
ازدادت حدة الأمور حينما كانا في زيارة لوالده وطرح عليه والده السؤال المعتاد ..
ـ أيه يا عمر مش هتفرحنا بعيل كده يشيل أسم العيلة قريب ؟!
ضحك ثم قال :
ـ والله نفسي يا بابا بجد بس لسه يعني ربنا م أرادش
ـ ان شاء الله يا حبيبي يرزقكوا بأبن قريب
توترت هي من الحديث في ذلك الموضوع فهي ليست مستعدة لذلك الآن وخاصة بعدما علمت ماهية شخصيته التي ستجعلها تفكر ألف مرة قبل أن تقدم علي ذلك الأمر ..
وهما عائدان الي المنزل في ذلك اليوم كعادتها التزمت الصمت في السيارة حتي قطعه هو قائلاً :
ـ هو احنا صح مخلفناش لغاية دلوقتي ليه ؟! احنا بقالنا سنة متجوزين
ـ معرفش يعني أكيد ربنا لسه م أرادش
ـ لا بس لازم نروح لدكتورة نشوف عشان لو في مشكلة تلحقي تتعالجي ...
عادت لصمتها مرة أخري فهي اصبحت لا تطيق الحديث معه ...لما يتأكد ان العيب إن وجد سيكون بها ؟! لما ليس به ؟! شخصيته تزعجها أكثر يوماً بعد يوم ...جنون العظمة يسيطر عليه ويجعلها يوماً بعد يوم تدرك مدي فداحة ما فعلته بنفسها ...
......................................
مر أسبوع علي ذهابهما للطبيبة التي أقرت عدم قدرته علي الأنجاب الا بنسبة ضئيلة جداً وعليه ان يتعالج بصورة مستمرة حتي يتواجد ذلك الأمل
منذ ذلك اليوم وهو يعاملها معاملة أسوء من ذي قبل بكثير ...يضربها ضرباً مبرحاً علي أتفه الأسباب ...ولمجرد أن تقول انها متعبة وتريد الخلود للنوم في الأوقات التي يريدها بها يجن جنونه ويبرحها ضرباً وهو يغرقها بأقذع الألفاظ معللاً ذلك انها تراه عاجز وتبتعد عنه لعدم قدرته علي الأنجاب ثم يغتصبها دون شفقة أو رحمة ...
ملّت حياتها ...حتي دموعها هجرتها بلا عودة فتحجرت في عينيها ولم تقددر حتي علي البكاء ...أصبحت تشعر انها دمية تتقاذفها الرياح ..لم تقدر سوي علي شئ واحد وهو ما كان يهون عليها ألمها ...صلاتها وقرائتها للقرآن وتضرعها لله كي يفك عنها كربها الذي يزداد يوماً بعد يوم ...
............................
الي متي ؟! كان ذلك سؤالها لنفسها ...الي متي ستظل بهذا الجبن ؟! ستظل تتحمل كل تلك الآلام التي تضني روحها ؟! الي متي ستتحمل ذلك الوغد الذي يدعي زوجها ؟!
كانت تعلم جيداً ان أكثر ما يحبه زوجها بها هو شعرها الطويل الناعم الذي طالما أعرب عن عشقه له لذا يومها بعد أن اتمت استحمامها أمسكت بالمقص وراقبت خصلاتها وهي تقع علي أرضية الحمام ...وقتها لم تفكر سوي في شئ واحد وهو ان تنزع عن نفسها الألم والذل كما تنزع شعرها الأن ...لم تتوقف عن قصه الا حينما وصل شعرها بالكاد لرقبتها ...نظرت للمرآة برضا وعلي شفتيها أبتسامة باهتة تعي بميلاد "شغف" أخري جديدة ..
الفصل العاشر:
كان قد عاد لتوه من العمل حينما صرخ بها بجنون وهو يركض تجاهها ويمسك بخصلاتها بين يديه قائلاً :
ـ أيه الي انتي عملتيه في شعرك ده ؟!
ردت عليه ببرود قائلة :
ـ عادي يعني تغير
ـ تغير ؟! انتي متعرفيش انا كنت بحب شعرك الطويل ده قد أيه؟! ده كان اكتر حاجة بحبها فيكي
ـ مش مهم هيبقي يطول
أخذ ينظر لها بعتاب وقد آلمه ما فعلت فهو بالفعل كان يعشق شعرها ...تركها وذهب مسرعاً لأنه كان إن ظل سيفتك بها علي فعلتها الحمقاء تلك ..
أبتسمت بتشفي حينما رآت حالة الجنون التي تلبسته وشعرت انها قد بدأت تسلك الطريق الصحيح ولكن لابد من أن يساعدها أحد فهي لن تقدر عليه بقوته ونفوذه وحدها ...وبالطبع لم يكن أمامها سوي شخص واحد ..
...................................
كانت تكفكف دموعها التي داهمتها علي حين غرة وهي تقص علي مسامع "عصام" كل ما بدر من "عمر" ...ما كان من الأخر سوي ان أخذ يهدأ من روعها معاتباً إياها علي تحمل كل هذا بمفردها دون ان تلجئ له ..
قال بعتاب ممزوج بالحسرة :
ـ أزاي يعني كل ده يحصل ومتقوليليش هو انا مش في مقام أبوكي الله يرحمه يعني ؟!
ـ يا عمو لا والله انا لو مكنتش معتبراك كده مكنتش جيت دلوقتي وحكيتلك ...انا بس أفتكرت ان الأحسن هيكون اني اسكت ودي فترة وهتعدي ...تحشرجت نبرتها وهي تكمل : بس أكتشفت أن لا ...اكتشفت ان دي حقيقته الي انا كنت عامية عنها
ـ أهدي يا حبيبتي خلاص أهدي ...أنا جنبك ومش هسيبك أبداً ويانا يا هو بقي وهخليه يطلقك ورجلك فوق رقبتك ..
لم يكد يكمل حديثه حينما أخذ هاتفها في الرنين معلناً عن اتصال منه ..
نظرت ل"عصام" بذعر وهي تقول :
ـ ده بيتصل وانا مقولتلوش اني جاية عشان كنت عارفه انه مش هيوافق
ـ ردي عليه ومتخافيش انا معاكي
ردت عليه بتوتر فجائها صوته المرتفع وهو يقول:
ـ ممكن أفهم حضرتك فين ؟! يعني ايه اروح البيت ملقكيش انا هطربق الدنيا فوق دماغك النهاردة
لم يحتمل "عصام" أكثر فاخذ منها الهاتف قبل ان تجيب قائلاً :
ـ هي عندي
ـ أزاي يعني يا عمو تروحلك من غير م تاخد أذني
ـ بقولك أيه من غير لف ولا دوران هي حكتلي كل المصايب الي هببتها فيها قدامك حل من الاتنين يا تطلق بالمعروف يا من بكره هتلاقي قضية الخلع اترفعت عليك ووريني بقي سمعتك وسمعة عيلتك هتروح فين ...ومتنساش أني قاضي ومعارفي كتير يعني قضية زي دي ممكن نكسبها في لمح البصر
صمت قليلاً يفهم موقفه من هذا الحوار جيداً ثم قال :
ـ طاب خليها ترجع بس يا عمو وانا هتفاهم معاها ومتخافش مش هأذيها ...لو فضلت مصممة علي الطلاق انا هطلقها بس حضرتك عارف برضه أن انت مش قريبها عشان تقعد في بيتك وان طول مهي علي ذمتي مكانها في بيتي ..
رضخ الأخر لكلماته فهو يعلم جيداً انه علي حق في ذلك الامر ولكنه طمأنها وأكد لها أنه سيظل بجوارها وسيحميها منه ...
...............................................
عادت الي المنزل والأرض تميد بها من فرط التوتر وما ان دلفت حتي وجدته جالس ينتظرها
أخذ يطالعها قليلاً ثم تحدث بنبرة هادئة أستغربتها قائلاً :
ـ لازم نتكلم شويه ومتخافيش مش هعملك حاجة.. صمت قليلاً ثم أكمل : وعشان تطمني تعالي نطلع نتكلم في أي حتة برة البيت ...
لم تدري متي وافقت ولا الي اين يأخذها فقد ألجمتها صدمة هدوئه ...ظلت صامتة طوال الطريق ولم تتحدث سوي حينما وجدته يخرج لطريق أشبه بالصحراء بعيد عن المدينة فما كان منها سوي ان صرخت به :
ـ أنت موديني علي فين؟!
نظر لها بغموض قائلاً :
ـ أهدي خالص ومتخافيش ...وما كاد ان يكمل كلماته حتي قام بتكميم فمها بقماشة بها مخدر حتي فقدت الوعي تماماً ...وصل لمسامعها كلمة واحدة قبل ان تغيب عن العالم "مش هسيبك تبعدي عني انتي كمان لو مهما حصل" ...
وبذلك أصبحت أسيرة في ذلك البيت الملعون الذي كان منزل أحلامه وسجناً لها هي ...
.....باك....
كانت تطالع سقف الغرفة وهي غارقة في ذكرياتها الأليمة التي تجعلها تزداد كرهاً له أكثر بكثير...لم تدري سوي بصوته الذي تبغضه وهو يقول بنبرة غلفها أثر النعاس :
ـ انتي صاحية بدري اوي كده ليه يا حبيبتي
ـ عادي بس معرفتش انام كويس امبارح ...ثم ضحكت بمرارة وأكملت : عادي يعني أنام في اي وقت منا محبوسة بين أربع حيطان ومقداميش غير النوم
ـ أحنا اتفقنا علي ايه امبارح ...ده احسن ليا وليكي ...
نظر في هاتفه فوجد الساعة أوشكت علي السادسة صباحاً فقال لها :
ـ ده الساعة 6 يدوبك أقوم انا عشان ألحق الشغل ...قام بتقبيل رأسها ثم قال : مش هتأخر عليكي يا روحي ..
ثم ذهب وتركها تنظر في أثره بسخرية وهي تحاول ان تجمع شتات نفسها وتفكر لحل بذلك المأزق الذي وضعت فيه ...
........................................
بعد شكه الذي زاد مؤخراً فيها طلب من صديقه "كريم" ان يأتي له بسجلات هاتفها رفض الأخر في بداية الأمر لكن بعد ان افهمه دوافعه وانه يفعل ذلك لأنه يشك بأنها تحادث "عمر" وافق متبرماً ...
وما ان أمسك بتلك السجلات ورآي محتواها حتي أتسعت حدقتيه بشدة من هول مارآي ...الأمر لم يكن مجرد انها تساعد "عمر" وتعطيه معلومات عنه بل أيضاً هناك الكثير من الرسائل القذرة بينها وبين رجل أخر ...انها كانت تخونه كل ذلك الوقت وكان هو الأحمق الذي يصدق انها مع صديقاتها ...غلت الدماء في عروقه وأحمر وجهه بشدة وجري علي سيارته عائداً الي البيت وهو يقسم في داخله ان يبكيها دل الدموع دماً ...
....................................
كان نائماً الي جوارها علي الأريكة وهو يأخذها في حضنه ويتابعان سوياً فيلماً في التلفاز ...لم يهتما بالفيلم بل كانا يحاولان أن يصلا الي أسم لأبنهما المستقبلي ..
ـ افف أنا تعبت هي الاسامي كلها بقت وحشة كده ليه
ـ مش عارفة ..هو احنا مش مستعجلين علي حكاية الأسم دي يا حبيبي ..احنا حتي منعرفش ولد ولا بنت
ـ مش عارف بس انا اتحمست للموضوع اويي انتي متخيلة يعني ايه يبقي عندنا عيل صغير كده نلعب بيه ..وهيبقي شبهك كمان
ـ نلعب بيه ؟! هو كورة ...أنا كمان مبسوطة اوي والله بس ..بس قلقانة
ـ قلقانة من ايه يا حبيبتي ...طول م انا جنبك متخافيش من حاجة فاهمة
ـ فاهمة يا حبيبي بس مامتك ...صمتت ثم تلئلئت الدموع في عينيها وهي تكمل : هي مش بتحبني ولا عمرها هتحبني وخايفة يوم من الأيام تكون سبب اننا نبعد عن بعض
نظر لها بصدمة من حديثها ثم أخذها الي صدره بسرعة وهو يقول :
ـ أوعي اسمعك تقولي كده تاني انتي فاهمة ...مفيش حاجة هتفرقنا عن بعض غير الموت وبس
ـ بعد الشر عليك
ـ أمسحي منخيرك دي بس والدنيا كلها هتبقي تمام
ضحكت علي كلماته وقامت بنغزه في كتفه ثم أكملت ببكاء أكثر :
ـ كان نفسي شغف تكون أول واحدة تعرف
ـ يختاي علي ماسورة البؤس الي طفحت ...هترجع ان شاء الله قريب خلاص بقي عشان خاطري وكل حاجة هتبقي تمام ...عشان خاطر جعفر حتي
ـ جعفر في عينك
.........................
كان في طريقه للمنزل حين رن هاتفه معلناً عن اتصال من رقم غريب
ـ الو مين معايا
ـ حضرتك صاحبة الموبايل ده عربيتها اتقلبت واتوفت
أتسعت حدقتيه من هول ما سمع ولم يستطع حتي ان يرد علي الرجل من صدمته الكبيرة...
الفصل الحادي عشر :
مر أسبوع علي وفاة "سالي" ...بالرغم من الخلاات الكثيرة التي نشبت بينه وبينها ..بالرغم مما أكتشفه مؤخراً من خيانتها له الا انه حزن حزناً شديداً علي موتها ..حزن علي صغيرته التي صارت يتيمة قبل ان تتم عامها الأول حتي ..
صار الهم الذي يثقل كاحله أكبر من ذي قبل بكثير ..صارت الدموع لا تفارق مقلتيه حينما ينظر الي صغيرته .. التي أصبح رسمياً لها الأم والأب وعليه ان يفهم جيداً ماهية المسئولية التي أصبحت عليه الأن ...
ذهب لشركته ليباشر أعماله التي توقف عنها في الأسبوع الماضي كي يتمم أمور الدفن وما الي ذلك وكي يهتم بصغيرته التي رفض تركها في ذلك الوقت ..
جاءه اتصال من "كريم" صديقه وهو في مكتبه فحادثه وبعد ان أطمئن كل منهما الي الأخر قال له كريم بأرتباك :
ـ بص انا عارف كويس ان الوقت مش مناسب بس انت عارف ان موضوع شغف الثانية بتفرق فيه
ـ يا بني انت عبيط طبعاً يعني ده اهم حاجة ...عرفت حاجة جديدة يعني ؟! قول بسرعة
تنحنح الأخر وهو لا يعلم كيف يقول ذلك لكنه تحامل علي نفسه قائلاً :
ـ بص هو الموضوع يعني اني اكتشفت حاجة ممكن توصلنا للمكان الي عمر خاطفها فيه
ـ يابني ومستني ايه قول بسرعة
ـ يعني ...أقصد موبايل "سالي" الله يرحمها مش ..مش احنا اكتشفنا انها كانت بتكلمه والمكالمات دي كانت من حوالي اسبوعين وقت م هي اتخطفت وهو بعدها اكيد غير الخط لما عرف اننا مراقبينه فمعني انه كان بيكلمها انه اكيد كان بيكلمها من رقم تاني مش متسجل بأسمه ...فأحنا ممكن نعرف الارقام الي كانت بتكلمها وممكن ده يوصلنا ليه ..أصل بص الخطوط دلوقتي شراها مبقاش بالساهل زي الأول وهو هيكون اكيد يعني بعت حد من الي شغالين معاه يجيبه فده ممكن يوصلنا ليه ...انا عارف انه استنتاج ضعيف بس علي الأقل يكون في أمل
ـ معاك حق بجد حتي لو أمل واحد في المة لازم نفضل وراه ...هو انا خدت موبايلها من المستشفي مع حاجتما بس مقدرتش افتحه كمان عشان انت عارف الي عرفته يوم موتها ..الموضوع كان اصعب مما تتخيل بس هشوفه وهجيبهولك ان شاء الله وربنا يسهلها ونعرف نوصلها
ـ يارب خلي عندك ثقة في الله ان كل حاجة تبقي تمام
أبتسم ساخراً في داخله علي كلمة صديقه فقد تحطمت حياته وتم الأمر ولا يدري أيمكن ان تتصلح ام لا ..
ولكنه تذكر شيئاً مهماً سيجعل الأمل في معرفة شغف اكبر بكثير فقال لصديقه بسرعة :
ـ انا افتكرت حاجة مهمة ...انا لما قولتلك اني سمعتها بتتكلم في التليفون انا فاكر اليوم ده كان يوم خميس 20/6 وتقريباً كان علي الساعة 2 الفجر كده ..انت ممكن تشوف الرقم الي كانت بتكلمه في الوقت ده ومن كده نقدر نعرف تحركات الرقم ده وان كان بتاع عمر ولا لا ...هو اكيد مش هيتوقع اننا هنعرف عشان الرقم مختلف عن رقمه
ـ تصدق انك بجد كده اختصرت علينا الطرق جامد ...انا فعلاً هعمل كده النهارده وهشوف الرقم ده وان شاء الله هنعرف نوصلها قريب
ـ ان شاء الله
كان قلبه قد أرتاح قليلاً فعلي الأقل قد أوشك علي الأطمئنان علي معشوقته التي يعلم انها لن تصير له ابداً ولكن علي الأقل يطمئن بأنها في أفضل حال ..
...............................
كرهت البكاء من كثر ما بكت ...كرهت الضعف ..الخنوع ..الصمت ..الرضا بالظلم ..القهر كرهت كل تلك المشاعر التي أصبحت ملازمة لها ...أصبحت تشعر ان الألم خلق لها ولكنها ملته ...ملت ضعفها الذي أودي بها الي ما هي فيه الأن ..ان كانت قد تحدثت ..ثارت ..تركته من وقتها بلا عودة ماكان كل ما جري جري ...ولكن الي متي ستظل تقول ليت الزمان يعود يوماً فهو لن يعود وهي موقنة من ذلك ...قد اختارت القوة لتحارب في دربها القادم ...لا تدري كيف ...لا تدري ماذا سيخلصها منه ..هي ايقنت جيداً انه مريض نفسي وهذا واضح لتغير تصرفاته ومشاعره المستمر ...كان ذلك يقلقها منذ عرفته ولكنها لم تتصور ان يصل الي هذا الحد ...الضرب والأهانة ثم البكاء والأعتذار أفعال متناقضة بطريقة غريبة ...قرأت من قبل عن السادية ولكنه ليس كذلك فالسادي لا يعتذر أبداً عما بدر منه بل يسعي نحو القوة المطلقة علي من حوله ...يتلذذ بعذاب غيره ويشعره بالنشوة والانتصار ...انما هو بالفعل يندم علي افعاله ولا يبدو كأنه منتشي منها ...أيمكن ان يكون فصام ؟! تري ان هذا هو الاحتمال الأكبر فهو بالفعل غريب التصرفات ...أحياناً كانت تشعر انه يتحدث مع اناس غير موجودين بالفعل ...هي لم تكترث لهذا الشئ وقتها ولكن الأن أصبح الأمر أكثر وضوحاً ...بالفعل لا تدري ان كان هذا صحيحاً ام لا ولكن هي عليها ان تحل هذا الأمر بالود ...تعلم ان ذلك سيأخذ وقتاً طويلاً كي تخرج من هئا السجن بمحض إرادة السجان ولكنها لا تستطيع فعل شئ أخر ولا تنوي ان تظل مكتوفة الأيدي أكثر من هذا فهي حاولت الهروب أكثر من مرة ولكن الأمر يكاد يكون مستحيل ...
سمعت أذان العشاء يصدح في الأجواء فقامت لتصلي فريضتها وتدعو الله ان يخلصها من مصيبتها تلك وهي تبكي بشدة فقد عاهدت نفسها ان ضعفها وبكائها لن يكون الا لله عز وجل ...وبعد ان انتهت من صلاتها أخذت تقرأ سورة يس بنية الفرج كعادة أكتسبتها منذ ان اتت لذلك المنزل فهي تعلم فضل سورة يس وقد ساعدتها كثيراً من قبل في أمور كادت تظنها مستحيلة ...
هو كان يعلم جيداً تدينها ..حبها للقراءة لذا كان قد وفر لها كل شئ يخص العبادة والعديد من الكتب كي تسلي وقتها ...سخرت كثيراً منه فهو يظن انه بذلك سيجعل حبسها جنة !
.................................
مر يومان علي إعطاء "أدهم" الهاتف ل"كريم" ...
كان أدهم شديد الترقب لمعرفة المكان فهو أصبح لا يطيق شعور انها تتأذي دون ان يستطيع مساعدتها ...كان يدعو الله في كل صلاة ان يتمكنوا من العثور عليها ...نعم فقد صار علي درجة من التدين بعد تغير الأحداث منذ عرف "شغف" وأيضاً لانه كان يريد أبنته ان تعرف دينها جيداً وهذا لن يتم الا بتدين الاب نفسه ...كان يريد لها حياة نظيفة بعد ما رآه من قذارة والدتها فقد أكتشف مؤخراً انها مدمنة مخدرات ...صعق حينما رآي تلك الأشياء المقذذة مخبئة في غرفته ...لم يتخيل انها كانت علي تلك الدرجة من الوضاعة ...أصبح الهم يزداد به فهو لا يدري ان سألته ابنته علي والدتها ماذا سيقول ؟! كيف لها ان تفخر بأم مثل تلك ؟! ولكن اللوم لن يكون الا عليه فهو الذي بدل الطيب بالخبيث ...هو الذي ترك شغف من أجل تلك ...
كانت الدموع قد وجدت طريقها لعينيه بعد تلك الأفكار التي اجهدته نفسياً بصورة كبيرة ...وجد اتصالاً يأتيه من "كريم" فكفكف دموعه وحاول جعل صوته عادياً ثم سمي الله وهو يرد عسي ان يكون هذا الاتصال به الخبر المنتظر
ـ أدهم تعالي بسرعة انا عرفت المكان الي شغف موجودة فيه
لم يصدق أذنيه عقب سماع تلك الجملة فقال بسرعة :
ـ طاب انا جايلك جايلك دلوقتي ...ربع ساعة وتلاقيني قدامك
وبالفعل هرع مسرعاً الي سيارته وهو يسير بسرعة جنونية فهو لا يصدق انه وجدها أخيراً ...
