قلوب مقيدة بالعشق
الفصل السابع عشر.
والثامن عشر
بقلم زيزي محمد
ابتسمت بخجل عندما تذكرت ليلة أمس، أصبحت زوجته قولاً وفعلاً، اكتشفت به جانب أخر، جانب رقيق للغاية غير الذي أظهره ببداية علاقتهم، ضحكت بخفة عندما تذكرت لقبها له " سيادة الغامض "، أصبح الان واضحاً وضوح الشمس بحبه وعشقه لها، تركت الملعقة ورفعت اصابعها تتحسس مكان قبلاته على صفحات وجهها وجيدها بالامس متذكرة كلماته الحنونة وهمساته الرقيقة لها، انتبهت على يده تحيط خصرها بتملك، التفتت بنصف جسدها ترمقه بحب، وما ان وقعت عيناها على هيئته وشعره المبعثر على جبينه، اتسعت ابتسامتها قائلة : انت صحيت من على السرير على هنا..
هز رأسه وأغلق عيونه بنعاس ودفن رأسه بجيدها قائلاً : قلقت لما حسيت انك قومتي، فقولت اشوفك.
التفتت له تعانق رقبته برقة : مش كفاية نوم بقى وتصحى تفطر وتقعد معايا..
عبث برأسه خصلات شعرها قائلاً بـ مكر: هو انا هاصحى علشان اقعد معاكي بس..
ابتسمت بسعادة ، ماذا تتمنى أكثر من هذا زوج حنون أدامه الله لها وزواج بدأت بدايته بسعادة وحب، الان ستضحك لكي الحياة يا ندى، هكذا حدثت نفسها، اما هو فحول بصره بصعوبة عنها ناظراً لطاولة الطعام : ايه الفطار الملوكي ده..
هتفت بفخر قائلة بمزاح : طبعا مش ليك، يبقى لازم يكون ملوكي..
هتف بوقاحة بدأت تتعودها منه : بس انا كنت عاوز افطر حاجة تاني...
هتفت ببلاهة : ايه ..
أرسل اليها ابتسامة ماكرة وهو يقترب برأسه منها ينوي لثم شفتاها، ولكن يدها مانعته تهمس خجل : مالك.
ابعد يدها ينوي تنفيذ رغبته قائلاً : مالك ايه بس..
وما ان لمس شفتاها حتى ارتفع رنين هاتفهه، نزلت هي بجسدها من بين يديه قائلة : تليفونك بيرن.
نظر لها بحنق فـ كتمت ضحكتها، أجاب بقوة وصوت رجولي حاد : الو..
مرت دقيقتان يستمع لحديث المتصل وحاجباه ينعقدان بقوة فقال بعجالة وهو يتجه لغرفته لتبديل ثيابه : اوعي حد يجي جنبه انا جاي حالاً.
دلفت خلفه لتقول بقلق : في ايه يا مالك.
جذب سلاحه ومتعلقاته وهو يغلق ازرار قميصه بعجالة : فارس مقبوض عليه الصبح..
شهقت بخفوت لتقول بقلق : ان شاء الله خير..
تخطاها بسرعة وهو يتجه صوب باب الشقة ، ذهبت خلفه وقبل خروجه كان يقف ويلتفت بسرعة يطبع قبلة على ثغرها قائلاً بخفوت : مش هتأخر، خلى بالك من نفسك.
........
بشقة خديجة ..
وضعت يدها فوق المقبض وقبل ان تدخل سمعت ضحكات ايلين تملئ المكان، ابتسمت بخفة لسعادتها بوجود عمار، فالصغيرة لم تكف عن الصراخ باسمه في مرح شديد ، تمنت بداخلها لو انها تمتلك لو جزء بسيط من تلك السعادة، فـ حياتها عبارة عن مشقة فقط، لم تذكر يوما ان ابتسامتها ارتسمت على شفتيها الا في وجده، تنهدت بوجع بسبب تلك الذكريات التي بدئت تتجسد امامها من جديد.
دلفت الغرفة وجدتها تتعلق برقبته وهو يدور بها..
وقفت على اعتاب الغرفة قائلة بعتاب : شايفكِ مش عيانة يعني ايلين .. وخلتيني اتصل على عمار يجي بسرعة.
وضعت ايلين يدها على رأسها بتمثيل قائلة : اي انا تعبت تاني ولا ايه..
قهقه بصوت مرتفع على براءتها وحديثها العفوي، فـ لمعت أعين خديجة بسعاده، حسناً هدوءه يتمثل في صغيرتها، معاها فقط يعود عمار القديم، عمار الذي اشتاق قلبها المسكين له ... انتبهت على يد الصغيرة تجذبها لداخل وهي تقول : يالا نلعب احنا التلاتة يا مامي..
هتف عمار بجمود : لا انا مش فاضي.
قاطعته ايلين بحدة لتقول بتحذير : عمار متكدبش، انت قولتلي انا اليوم كله هاقعد معاكي..
أشارت له حيث يجلس، فامتثل لامرها بكل صدر رحب، رفعت خديجة حاجبيها متعجبة مما يحدث، جذبتها الصغيرة لكي تجلس امامه، جلست خديجة ولم ترفع عيناها عنه، تتأمل ملامحه الهادئة ، نعم ملامحه التي اشتاقت لرؤيتها من جديد غير تلك التي دوماً يرسمها ببراعة في حضرتها..
ايلين : هالعب معاكو لعبة بلعبها مع أصحابي في المدرسة ، احنا نقعد نبص في عين بعضينا من غير ما حد يقفل عيونه واللي هايقفل هايبقى الخسران..
التفت بسرعة لصغيرتها تقول بتوتر : لا يعني بلاش اللعبة دي ...
قاطعها عمار ليقول : انا موافق يا ايلين..
جذبته بيديها الصغيرة تعدل من وضعية جلوسه حتى جعلته يجلس امام خديجة مباشرةً قائلة : انت ومامي هاتبصوا في عيون بعضكوا وانا هاسئل أسئلة واللي يجاوب من غير ما يقفل عيونه هو الكسبان..يالا واحد اتنين تلاتة ..بدأنا..
راقبتهم ايلين بتركيز وعقلها مشغول في احضار أسئلة لهم فـ بدت كانها عالمة صغيرة تحضر أسئلة كونية ، ولم تبالي لحرب العيون التي بدأت بشراسة والمنتصر كان عمار بنظراته القوية الحادة التي تصيبها في مقتل فتجعلها تنهار داخلياً مرسلة له نظرات الحب والوجع والقهر، التوى فمه بسخرية عندما لمح تلك القطرات تغزو مقلتيها بدون رحمة ، اما هي فضغطت على شفتاها بقوة وكانها تحارب شيئاً ما بداخلها..شيئاً هو يجهله او يقنع نفسه بذلك..
انتبهت لسؤال الصغيرة لها : مامي واحد زائد واحد كام؟!.
همست خديجة بصوت مبحوح : اتنين..
تلك البحة اثارت لديه شعور مختلف، شعور قاتل هبط لساحة مشاعره التو مقرراً الفوز على مشاعر عدائية كثيرة ، شعور يريد ان يحتل ساحة صدره بقوة ويفرض سيطرته على قلبه وعقله، شعور دفنه هو قديماً حتى ينفذ انتقامه منها وبمجرد ظهوره مجدداً سـ ينتهي انتقامه وكره لها بالتأكيد ، انتبه لهزات الصغيرة له قائلة : عمار بقولك انت بتحبني..
هتف دون ان يبعد عيناه عنها ليقول : اكيدد.
فوجهت ايلين اسئلتها لخديجة والتي كانت غير منصتة وخاصة في حالة الفوضى التي بداخلها : مامي بتحبي عمار.
لانت ملامحه الجامدة ولانت قسوة قلبه عندما سمعها تهمس وهي تغلق عيناها خوفاً من ان ترى تلك النظرة الجامدة بعيونه وبنفس تلك النبرة وذلك الاحساس قالت : آه بحبه..
صاحت الصغيرة في حماس : هييييه مامي خسرت، عمار كسب، قفلتي عينيك .
دائماً الخسارة من حقها، التقط انفها رائحة كريهة ، فانتفضت بفزع : صينية البطاطس اتحرقت...
انتفض عمار خلفها قائلاً بقلق : خديجة اهدي ، حاسبي..
لم تبالي بل اتجهت بقوة نحو المطبخ خوفاً من حدوث كوارث انحنت بجسدها وقبل ان تمد يديها كان عمار يجذبها وابعدها قائلاً : خديجة بقولك اوعي ..
هتفت بتوتر : الصينية اتحرقت في البوتاجز لازم اشيلها..
أشار على نفسه ليقول : هاشيلها أنا..
وبالفعل مسك بيده قطعة قماش واخرجها بحذر ثم وضعها برفق جانباً قائلاً بغيظ : لما انتي مبتعرفيش تطبخي، بتقفي في المطبخ ليه..
القى بحديثه بوجهها صارخاً ثم التفت ليغادر المطبخ فاتجهت خلفه تقول : لا على فكرة انا شاطرة اوي في المطبخ واكلي تحفه..
استدار فجأة لها فاصدمت به وضعت يديها بتلقائية على صدره، تلعثمت قائلة : انا انا...
تفاجئت عندما وجدته يتحدث بهدوء : تاكلي بيتزا ولا برجر..
وقبل ان تهتف ببلاهة ، كانت ايلين تقفز بحماس : بيتزا..
...........
في قسم الشرطة..
وضع فارس ساقاً على الاخرى ناظراً بسخرية لسراج، فاحتدت ملامح سراج المشوهة بكدمات زرقاء، فنهض غاضباً: ايه الكلام اللي بتقوله ده يا مالك باشا، ازاي تقول كده، بقولك ضربني وتعدى بالضرب عليا، ده لازم يتسجن..
زم مالك شفتاه بضيق ليقول : كان بيهزر معلش..
هتف الضابط المسؤول عن البلاغ قائلاً بتعجب : ازاي يعني ياباشا هزار، انت مش شايفه عامل ازاي..
أكد مالك على حديثه بنبرة أشد حدة موجهاً حديثه لسراج : وانا زي ما قولتلك كان بيهزر، احنا عيلة في بعض بنهزر كده، مش صح ولا ايه يا سراج ولا احنا مش عيلة .
جلس سراج مكانه مرة أخرى بعدما لمح بنبرة مالك تحذير مبطن حول خطبته بـيارا ، فقال : طيب يمضي على تعهد انه مش يتعرضلي تاني..
التوى فم فارس بتهكم ليقول : تعهد!، خواف بصحيح.
لكزه مالك بذراعه وأرسل له نظرات تحذيرية بـ أن يبقى صامتاً، فزفر فارس ليقول بهمس له : طب خلصنا، دماغي وجعتني عاوز اشرب قهوة ..
كتم مالك سباب لاذع كاد ان يقذفه بوجه فارس، انتبه لحديث الضابط : طيب امضي على تع....
قاطعه مالك ليقول : قولتلك يا باشا، احنا عيلة بنهزر كده، بس سراج مستجد معانا مش واخد علينا، وبعدين مفيش بين الاهل وبعض تعهد، خلاص يا سراج بدام انت قماص اوي كده اوعدك فارس مش هايهزر معاك تاني..
نهض مالك وهو يجذب فارس وسراج معاً قائلاً : يالا يا جماعة نروح نحل مشاكلنا في البيت..
نهض الضابط ايضاً يريد التحدث لم يمهله مالك الفرصة ، فجلس مرة اخرى متعجباً : ايه الهبل ده واحد يجي يشتكي من واحد انه ضربه وموته، ويجي دلوقتي يقولي عيلة ، وهزار...
غادر مالك الغرفة فجذب فارس جانباً وتحدث بحدة وغضب : روح على العربية بتاعتي من غير اي كلام.
أخذ فارس مفتاح السيارة قائلاً : طيب، بس لو مبعدش عنها المرة الجاية قوله هاقتله.
غادر فارس، فالتفت مالك واتجه لسراج قائلاً بعتاب : كده يا سراج قبل ما تيجي القسم كنت قولي..
تحدث سراج بضيق : والله من حقي العتاب ده يا باشا، يعني أبقى خطيب اختك واضرب كده، ومتسجنش البلطجي ده.
مالك مصححاً له بنبرة قوية وحادة : اولا انت لسه مبقتش خطيب اختي ، ثانياّ فارس مش بلطجي يا سراج، ده بشمهندس فارس واستحالة يتسجن، فارس اللي يمسه كأنه مسني أنا شخصيًا..
كتم سراج غضبه بداخله بقوة ليقول : طيب اظن انت رجعت من شغلك تقدر تيجي انهارده نقرى الفاتحة ..
ربت مالك على ذراعه قائلاً : لا لسه مخلصتش، وبعدين خد وقت عالج وشك ده الاول..
غادر مالك واتجه لذلك المجنون الذي حتماً سيصيبه بجلطة في أحدى المرات بأفعاله الحمقاء تلك، اما سراج فضرب بقدمه بقوة في الارض بغيظ شديد فعادت الالام تغزو جسده وساقه من جديد فقال : آه، هو انا كنت ناقص.
استقل سيارته بجانب صديقه وجده يرتشف القهوة بتلذذ ، لكزه مالك بغيظ قائلاً : انت يا مجنون ايه اللي هببته ده في وش سراج ده...
أشار على صدره قائلاً بهدوء : ده كان فيه نار لو مطفتش كنت هاروح اتجوز أختك غصب .
زفر مالك بحنق منه ليقول : استغفر الله العظيم، يارب انا عملت ايه في حياتي علشان تبتليني بواحد زي ده.
أجابه فارس ببرود : مالك انت رفضته صح وقولتله انك مش موافق.
ضغط على اسنانه بغيظ ليقول : لا، مستني اخلص المهمة الي في ايدي ونقرأ فاتحة ..وب الي حضرتك عملته انهارده يارا هاتعند اكتر وتتخطبله.
هتف فارس بتوعد : اليوم اللي هايفكر يحط في ايد اختك دبلته هاقتله قبلها..
رمقه مالك بامتعاض ليقول : انت ايه جو البلطجة اللي انت عايش فيه.
فارس بسخرية : البركة في اختك.
استطرد حديثه : بقولك يالا بينا نروح نتغدى انا جعان.
همس مالك من بين شفتيه : والله بارد.
فارس باستفهام : بتقول حاجة !..
هز رأسه نافياً قائلاً: مبقولش، ومش هاتغدى معاك، هاتغدى مع ندى .
فارس بمزاح : انا ليه شامم ريحة مش عاجبني. على العموم هاستناك بليل نلعب بلاستيشن عندي .
مالك بحنق : ابعد مناخيرك عن حياتي علشان ترتاح..
صدرت قهقه فارس بمرح، اما مالك فـ كان يجاهد بكتم غيظه بدلا بان ينفجر بوجه ذلك المستفز.
.......
بشقة خديجة
وضع البيتزا امامهم، فـ صفقت ايلين بحماس وهي تلتقط واحدة وتذهب صوب التلفاز تندمج مع احد افلام الكرتون..جلس هو يراقبها وعلى ثغره ابتسامة مفكراً كم هو جميل ارضاء طفلة واخراج روح المرح والسعادة بداخلها..انتبه على همس خديجة له، فقال : كنتي بتقولي ايه!.
ابتلعت ريقها قائلة : اخبار خالتو ايه!.
لاحظت صمته الطويل، فعادت تكرر حديثها، قاطعها هو بيده : مفيش أي اخبار علشان هي ماتت.
شهقت بصدمة، وضعت يديها على فمها، فسقطت دموعها على صفحات وجهها : ماتت!!، امتى، انا مكنتش أعرف.
ارجع رأسه للخلف ليقول بهدوء يتخلله حزن على فقدان والدته الحبيبة : بعد ما نزلت بفترة ماتت..
هتفت ببكاء : والله ما كنت أعرف ولا حتى ماما، بابا فرض علينا اننا نقطع علاقتنا بيها..انا اسفه، اسفه..
صمتت بعدها ولم يصمت قلبها عن البكاء لفقدان خالتها العزيزة ، لطالما شعرت منها بالحنان والدفئ، اما هو فعاد بذكرياته لاهم ذكرى مع والدته قبل وفاتها...
( فلاش بااك ).
سعلت بشدة عندما اشتد مرضها، فـ ناولها عمار الدواء قائلاً : خدي يا حبيبتي دواكي علشان ترتاحي.
تناولت منه الدواء قائلة بوهن : انا مش هارتاح الا اما اشوفك متجوز يا حبيبي انت ابني الوحيد.
قطب ما بين حاجبيه قائلاً بحدة : ماما انا قولتلك قبل كده، انا خلاص مش هاتجوز..
هتفت بحزن : ليه يابني، خديجة خلاص بقى ليها حياتها، ليه موقف حياتك عليها، طلعها من دماغك، هي غلبانه ومغلوبة على أمرها، مش كل البنات يا عمار بتعرف تقف في وش اهلها، صوابعك مش زي بعضها..انساها يابني، انساها..أبوها صعب ومش هايسيبها في حالها، حتى حكم عليهم يقطعوا علاقتهم بيا، قلبي واجعني علشان معرفش حاجه عن أختي..
عاد من شروده على لمستها الرقيقه على يده قائلة : ربنا يرحمها يا عمار..
اعتدل في جلسته، ليقول بعد فترة من الصمت : خديجة انا عاوزك انهارده بليل تلبسي وتلبسي ايلين علشان هاجي اخدكوا حفلة .
قطبت ما بين حاجبيها تسأله بهدوء : حفلة ايه!!.
نهض متوجهاً لباب الشقة وهو يقول بلامبالاة : خطوبتي..
همست بعد فهم : خطوبتك..
وما ان وضع يده على المقبض حتى وجد يديها تمنعه وهي تسأله : خطوبتك ازاي، وانا وجوازنا..
هتف ببرود : خطوبتي على واحدة بحبها وهي بتحبني، باختصار عايشين قصة حب، وانا معنديش أهل وانتي اهلي .
بلعت غصة بحلقها وهي تشير على نفسها : بس كده، انا ابقى مراتك يا عمار، مراتك.
اقترب من وجهها يهمس : الله مش جوازنا ده علشان انقذك من ابوكي، هو انتي حاطة في دماغك حاجة تانية ؟ ولو حاطة امسحيها باستيكة .
ابعدها عن الباب ثم غادر، اما هي فـ هوى قلبها، مع سماع ذلك الخبر المشؤوم، مسكت رأسها تحاول استيعاب حديثه الذي أصاب قلبها وجعله ينزف من جديد بعدما كانت بدأت جراحه تلتئم ، تساقطت دموعها بسرعة على صفحات وجهها وكأنها في سباق، حاولت كتم آهاتها المتمردة ، فشلت وهوت بجسدها أرضاً تبكي بانهيار، حتى سمعت قرع جرس الباب، رفعت وجهها تنظر للباب بتفكير، أيعقل ان يكون عمار عاد يخبرها ان ما قاله مجرد مزحة ، نهضت بسرعة تفتح الباب ولم تبالي الى شكلها، وجدت ندى تقف مبتسمة وبيدها قالب صغير بالشكولا، رأتها ندى هكذا فقطبت جبينها بقلق قائلة : مالك فيه ايه..
مسحت خديجة عباراتها الساخنة يديها كالاطفال قائلة : مفيش انا... انا يعني..
همست ندى بقلق حقيقي : انتي ايه؟!.
عانقتها خديجة بتلقائية وانفجرت مجدداً في البكاء : انا تعبت ومفيش حد حواليا، حاسة اني هاموت..
ربتت ندى على ظهرها لتقول بحنو : وحدي الله وتعالي ندخل جوه نتكلم..
اسندتها ندى من مرفقها واجلستها في اقرب مقعد بعيد عن ايلين، فبدأت خديجة بسرد قصتها ، رفعت وجهها بهدوء حزين وشاركتها عيناها مجدداً قصتها بتلك العبرات التي رغم كثرتها لم تستطيع في مرة ان تشفي جراحها، ظلت تسرد وتسرد وتسرد عن كل ما بداخلها عن قسوة ابيها ، ضعف والدتها ، زوجها الراحل جاسم ، واخيراً عمار، عمار هو أهم شخص بتلك القصة ، تأثرت ندى كثيراً عليها لتقول بحزن بعد صمت طويل : كنت فاكرة انا بس اللي عشت حياة صعبة ، طلعتي لازم يتعملك تمثال ياخديجة على قوتك وصبرك ده.
ابتسمت بسخرية قائلة بنبرة مبحوحة من كثرة البكاء : بس عمار مُصر يكسرني من جديد والمرادي مش هايكون ليا قومة على ايده..
ربتت ندى على يد خديجة قائلة: وهو كمان عنده حق، اعذريه يا خديجة .
رفعت خديجة وجهها تسألها بحزن : طيب هو متجوزني ليه، وهو أصلا هايخطب ولا هو عاوز ينتقم مني .
هتفت ندى بتفكير : ممكن، انتي بتقولي اتغير وبقى شخص جديد يعني اتوقعي منه اي حاجة ، بصي هو في الاغلب بينتقم منك.
بلعت خديجة ريقها بصعوبة قائله : طيب أعمل ايه، قوليلي..
صمتت ندى تفكر بهدوء ووضعت نفسها مكان خديجة ، لم تتخيل نفسها تصل الى نصف ما وصلت اليه من مأسي واوجاع، تنهدت وهي تقول : بصي روحي، البسي فستان شيك وروحي وشوفي بعينك هو بيحبها فعلاً ؟ انتي هاتقدري تتحققي من كده الواحدة مننا بتحس، بصي يا خديجة نصيحتي ليكي عمار فقد الامان من ناحيتك، رجعي الاحساس ده تاني عنده..
قضمت شفتاها بتوتر وهي تفكر بحديث ندى : طيب اعمل ايه، ادفن الماضي ازاي، انا حاسة كأنه سلسة بتلف على رقبتي وبتخنقني واحدة واحدة لما بدءت احس ان خلاص مبقاش عندي طاقة اكمل .
تذكرت ندى احدى احاديث فتيات الدار لها، فقالت بسرعة وهي تبتسم وكأنها وجدت الحل أخيراً: كان في بنت من بنات دار الايتام اللي بروحلهم قالتلي ان الراجل بيحب يحس ان البنت متمسكة بيه وبتعافر علشانه ، وبما ان الجملة دي معبرة اوي عن مشكلتك مع عمار فاستخدميها بذكاء.
هتفت خديجة بعدم فهم : ايوه يعني اعمل ايه بردوا..
اجابتها ندى بهدوء : اقصد روحي يا خديجة والبسي فستان شيك واهتمي بنفسك خليه يرجع ميسطرش على نفسه تاني ويغير عليكي، وفي نفس الوقت راقبيهم وانتي هاتعرفي هو بيحبها بجد ولا مجرد انتقام، ولو كان مجرد انتقام عافري بقى بكل الطرق..
همست خديجة بخوف : ولو كان بيحبها بجد.
اخرجت تنهيدة من صدرها قائلة بحزن على خوف تلك المسكينة : وقتها انسحبي لانه يستحق يعيش حياة افضل من اللي مر بيها.
صمتت تفكر بحديث ندى بقلق وخوف، ولكن مازال هناك شعاع أمل في تحسين علاقتها به، انتبهت على حديث ندى : استني هاروح شقتي واجاي ثواني..
ركضت ندى بسرعة تحت استغراب خديجة وجاءت بعد عدة دقائق تحمل فستان كشميري جميل قدمته لخديجة : الفستان كنت جبته جديد وانتي معندكيش وقت تنزلي تشتري، البسيه يالا وادخلي اهتمي بنفسك زي ما قولتلك، وخلى ايلين معايا.
جاءت بان تعارض، فقاطعتها ندى قائلة بحسم : بدام حكتيلي يبقى بتعبريتي صديقتك، ومفيش بين الاصحاب حاجات من دي، قومي بسرعة الحقي وانا هاخد ايلين.
هتفت بحزن : هو عاوز ايلين تيجي..
هزت ندى رأسها برفض قائلة : لأ، مينفعش تبقي بالفستان القمر ده ويكون معاكي ايلين، عيال صغيرة بتبوظ اي لحظة حلوة ممكن تحصل.
التفت بجسدها وهي تقول بمرح : ايلين تيجي تقعدي معايا لغاية ما مامي توصل مشوار مع عمار.
هزت ايلين رأسها بحماس قائلة : اه يالا.
اخذتها ندى وغادرت الشقة بينما وقفت خديجة بمنتصف الشقة تنظر للفستان بتفكير، دلفت لغرفتها وهي تحسم ذلك الصراع بداخلها، حان الان ان تريه خديجة جديدة، خديجة تعافر من أجله وتحارب بشراسة حتى يعود قلبه لها كما كان من قبل.. هامسة بتحدِ وشراسة : قلبك ملك لي انا فقط.
قلوب مقيدة بالعشق
الفصل الثامن عشر.
أخرج مفاتيح شقته وارتسمت على ثغره ابتسامة هادئة ، لقد اشتاق لها، لعن فارس ومصائبه التي دوما تبعده عن من ارهقت قلبه وعقله ..دلف الشقة بخطوات بطيئة يبحث بعيناه عنها وجدها تقف تتراقص مع ايلين قطب ما بين حاجبيه وهو يتأملها بهدوء، لمحته بطرف عيناها، فانتفضت برعب قائلة : مالك انت جيت..
هز رأسه غامزاً لها بوقاحة : من اول بنت الجيران..
أشارت له بتوتر على ايلين : دي ايلين اللي عاوزاها.
ارتفعت قهقته : ايلين بردوا...
ابتسمت ايلين لتقول : ازيك يا مالك تعال ارقص معانا.
كتمت شهقتها عندما لمحت تلك النظرة الوقحة بعيونه، فقال هو : لا انا بتفرج بس.
جلس على الأريكة باريحية قائلاً : استمري..
وجه حديثه لندى فتوردت وجنيتها، فأكمل حديثه : اقصد استمروا.
خجلت منه فتقدمت نحو ايلين واعطتها هاتفها قائلة : خدي يا ايلين اتفرجي على كرتون ده.
اخذته منها واندمجت، بينما اتجهت ندى نحو مالك تجلس بجانبه قائلة : مامتها راحت مشوار مع جوزها فـ انا عرضت عليها اخدها ده يضايقك في حاجة ؟
التصق بها يهمس باذنها : عاوزه الحقيقة انا هافرقع منك، ايه رايك انزلها لفارس تلعب معاه.
انهى حديثه وهو يحاوطها بيده ويقربها نحوه، تجاهلت مشاكسته لتقول : فارس كان ماله ؟
تقلصت ملامحه بغضب حينما تذكر ما فعله الاحمق صديقه ليقول : ابداً كان بيلعب البخت مع واحد، خناقة يعني وانتهت على خير.
هتفت بتعجب : معقولة ميبنش عليه كده خالص ، باين عليه هادي ورقيق.
ضغط بيده أكثر على جسدها ليقول بغيرة : بغض النظر عن كلامك الاخير اللي اتمنى انه ميتكررش ، بس هو عيل بلطجي اصلاً من جواه، عنده بوادر اجرام.
فلتت منها ضحكة عالية ، فابتسم بسعادة ليقول بخفوت : طب والله عيب البت دي تبقى موجودة ، اخنقها دلوقتي! .
هتفت بخفوت : مامتها قالتلي مش هتتأخر.
قهقه على حديثها قائلاً : انتي بتسكتي ابن اختك يا ندى.
...........
وقفت امامه بذلك الفستان الذي خطف انفاسه منذ ان وقعت عينيه عليها ، يتأمل ملامحها ببطء ، وتفاصيل جسدها الانثوي الذي اظهره الفستان ببراعة ، شعر بالدماء كادت ان تفتك برأسه عندما وجدها تلتف حول نفسها قائلة بنبة اثنوية :. حلو عليا ؟
جذبها من مرفقها وأدخلها السيارة ، ثم استدار يجلس بالجهة الاخرى قائلاً بغضب : انتي واقفة تستعرضي نفسك في الشارع.
هتفت بثبات رغم الخوف الذي يتسلل لقلبها من نبرته : انا بوريك الفستان حلو ولا لأ، علشان اشرفك قدام خطيبتك .
ضغط على أسنانه بغيظ ليقول : لو كنتي فاكرة انك ممكن تبوظي الليلة دي تبقى بتحلمي ، هي عارفة كويس انتي تبقي مين ومحلك من الاعراب ايه في حياتي.
اندلعت نيران الغيرة بداخلها ولكن هتفت بوجه خالي من المشاعر لتقول بلهجة تهكمية : والله، كويس جداً وفرت عليا حاجات كتير أوي كنت ناوية أعملها..
رفع أحد حاجبيه ليقول باستفهام : اه وايه اللي انتي ناوية تعمليه؟.
اقتربت منه بجرأة لم يعهدها منها من قبل قائلة بتحدِ: هاخليك ترجعلي يا عمار، مش هاسيبك أبداً تروح لـ غيري.
صدرت ضحكاته الساخرة التي ملئت ارجاء السيارة ليقول بعدها : ضحكتيني والله، واثقة انتي يا خديجة ، بس أقولك وريني احسن ما عندك هاتبسط بيكي والله لما تاخدي على دماغك مني في الاخر..
كظمت غيظها منه بأعجوبة ، أرسلت له ابتسامة واثقة ، رفعت رأسها بتعالي ثم حولت بصرها للجهة الاخرى مشيرة له بيدها قائلة : يالا علشان منتأخرش على الموكوسة .
اتسعت عيناه من طريقتها الجديدة التي اتبعتها معه، وتلك النبرة التي يملؤها التحدِ ولاول مرة يشعر به ليس فقط في حديثها بل في نظرات عيناها ، أصبحت قوية ولكن كالعادة اكتشف ذلك الشعاع الضعيف بهم، ذلك الشعاع الذي دائما وأبداً يميزها وحدها دون عن نساء العالم ..انطلق في جهته وبين الفينة والاخرى كان يراقبها بالمرآة ، فيجدها ثابتة واثقة تشرد بالطريق وكأنها تخطط لشئ ما، حسناً فلنستقبل خديجة جديدة ، ونرى مدى قدراتها على الصبر.
..........
بشقة فارس...
وضع الوسادة مرة أخرى على وجهه بعصبية ليقول : مش هارد عليكي يا يارا، هاتحرقي دمي، مش هارد عليكي.
استمر رنين الهاتف ولم ينقطع، فزفر هو بحنق وقرر الايجاب قائلاً بحدة : في ايه عاوزه ايه؟!.
اندفعت يارا بوجهه بسيل من التوبيخ : انت واحد همجي، بلطجي ايه اللي انت عملته في خطيبي ده.
انتفض من على فراشه ليقول بغضب : خطيب مين يام خطيب ، انتي هاتتلمي ولا اقتلهولك واخلصك منه.
صرخت قائلة بعصبية : تقتل !!!، انت مجنون، ايه اللي بتقوله ده.
جلس مرة اخرى يشدد على خصلات شعره المبعثرة قائلاً : مجنون بيكِ وبحبك، اتزفت على عيني وحبيتك اعمل ايه.
ضغطت على كل حرف يخرج من فمها قائلة : طلعني من دماغك يا فارس، لاني بعد ما مالك يخلص شغله ، انا هاتجوز سراج، سلام.
أغلقت الهاتف بوجهه فانتفض مجدداً يدور بانحاء الغرفة بعصبية موبخاً نفسه : غبي، قولتلك متردش، متردش، اديك رديت زي الاهبل وهي عصبتك.
وقف فجأة وتذكر مالك، فقرر الاتصال به قائلاً: اما اشوف حضرته هايفضل لازق لست ندى لغاية امتى ...
............
بشقة مالك...
راقب ندى وهي تجلس على الأريكة تقرأ الراوية باهتمام بالغ، وعيناها تنبعث منها القلوب الحمراء، التوى فمه بسخرية محدثاً نفسه بتعجب : هي دي فكرتها عن الجواز..
اقترب منها واختصر المسافة بينهم فالتصق بها، شعرت به فتجاهلته حتى لا تنفجر بالضحك عليه وعلى تذمره الظاهر بقوة على ملامح وجهه ، لم تعِ بأي شئ فقط هو يشغل تفكيرها ويستحوذ عليه بقوة ، شعرت أنفاسه الساخنة تلفح جانب وجهها ليقول : ايه ده البطل يقبل البطلة في الشركة عيب اوي كده، ملهمش بيت زيينا يعملوا فيه زيينا بردوا.
حاولت ان تبتعد عنه بعدما خجلت منه قائلة بتحذير : مالك، ايلين عيب تقول لمامتها ايه!!.
هتف بغيظ وهو يحاول ان يقترب أكثر منها : يارب تقولها علشان متسبهاش تاني .
نجحت في الابتعاد عنه قائلة : مينفعش عيب..
زفر بحنق ووجه حديثه للصغيرة قائلاً : مش عاوزه تنامي يا ايلين.
رفعت وجهها بصعوبة من على الهاتف قائلة ببراءة : لا.
زم شفتيه بضيق مقلداً لها : لأ.
رن هاتفه فوجده فارس ابتسم بتهكم : اه يا ايلين يا فارس، حد من الاتنين.
أجاب بحنق : نعم يا فارس بيه.
فارس بضيق : اختك نرفزتني، انزل بقى نلعب دور بلاستيشن.
نهض مالك ليقول : طيب.
اغلق الهاتف وانحنى نحو من أرهقت قلبه قائلاً : انا نازل لفارس، وزعي البت دي بسرعة قبل ما اقتلها..
طبع قبلة أعلى جبينها وغادر الشقة ، اما هي فانزلقت اكثر بالأريكة تضع الكتاب على وجهها وتبتسم كالبلهاء... ودقات قلبها تثور اكثر واكثر
...........
هبطت من السيارة رفعت بصرها تتأمل الحي ، حى راقي وبناية أدوراها محدودة ، لفت نظرها تلك الإضاءة التي تهبط على واجهة البناية ، بلعت ريقها بصعوبة وهي تخطي خلفه اولى خطواته في معركة تجهل بها خصمها ، دلفت وراءه فوجدت نفسها في حديقة المنزل وتصدح اصوات الموسيقى عالياً، لوهلة شعرت بانتفاضة قلبها بخوف ، ولكن شجعت نفسها بالتحلي بالثبات والهدوء ... اقترب منهم سيدة ورجل في عقدهما الخامس، ابتسمت السيدة قائلة :
نورت يا عمار، نورت يا عريس بنتي .
لمح بطرف عيناه خديجة تقف بثبات ، فأرسل ابتسامة ودودة قائلاً : بنورك، فين علياء.
التفت بوجهها سريعاً ترمقه بصدمة، فرأت تلك الابتسامة الساخرة ترتسم على ثغره، كورت يديها بقوة وكأنها تحارب نفسها من الانفجار بوجهه، ماذا علياء زميلتها تلك التي اتهمتها بالسرقة من قبل، الان يخطبها، تأكدت من حديث ندى وبدأ بودار الامر تتضح لها، عمار ينتقم منها فقط،ابتسمت بداخلها فاقتربت منه بعدما ابتعد والدي علياء ، همست : هي علياء متعرفش اننا متجوزين ؟ معقول محدش في الجريدة قالها ؟
فاجئها برده عندما قال ببرود : لا تعرف، وعادي، ما قولتلك انا قايلها محلك من الاعراب ايه في حياتي.
ابتسمت بخبث وهى تحاول ان تخفي بودار الغيظ بداخلها : اممم بس من الواضح ان باباها ومامتها ميعرفوش..
وقبل ان يتحدث كانت علياء تضع يديها بيده قائلة بغنج : حبيبي نورت يالا نبدأ الحفلة .
تجاهلت الترحيب بخديجة عن قصد ، فتقدم معها عمار يتوسط الحفل ويتلقى ترحيب اقاربها واصدقائها وتلك الغبية تلتصق بصدره مرة و تتعلق بعنقه مرة ، تزيد من غنجها فـ يتقبله عمار منها بصدر رحب ، ضغطت على اسنانها بغيظ وهي تقف وحيدة في الحفل، راقبت بعيناها نظرات وقحة لها من بعض الرجال، فكرت بافكار غريبة عنها ، أفكار لم تحتل ذهنها من قبل، شردت بذهنها وهي ترقص بتمايل ورشاقة في منتصف الحفل فيصفق لها الرجال وتخطف انظارهم، اتسعت عيناها عندما تخيلت يده تصفع وجهها بقوة ، وبخت نفسها باشمئزاز من تلك الافكار ، نفضتها بعيداً عن ذهنها، وعادت تراقبهم وهم يرقصون رقصة رومانسية ، تنهدت بحزن، لم يلتفت اليها ولو لـ مرة واحدة ، اقتربت منها امرأة تضع امامها مشروب بارد قائلة : اتفضلي .
همست خديجة بحزن : شكراً
فقالت المرأة بفضول يحتل ملامحها : انتي تبقي مين؟!، تقربي ايه للعريس ؟
رفعت خديجة وجهها تراقب رقصهم وحركات علياء المستفزة وكأنها تقصد ارسال رسائل مبطنة لها ، قطبت جبينها عندما لاحت في ذهنها فكرة اعترفت انها شيطانية ولكن لم ترحمها علياء من قبل فـ لما هي ترحمها وتبتعد وتتنازل عن من أحبته سنين طويلة ، هي من احق به، تذكرت حديث ندى انها لابد ان يكون لديها الشجاعة لتحصل على عمار ثانياً ، التفت للمرأة وهي تقول بنبرة ماكرة : انا مراته.
كانت الاخرى تتجرع الماء، فعندما استمعت لحديث خديجة انتبتها حالة من السعال الشديد ، اتسعت عيناها بصدمة قائلة : نعم، مرات مين؟!.
اشارت على عمار قائلة بحزن مصطنع : ده يبقى جوزي .
بلعت السيدة ريقها بصعوبة وهتفت بتوجس : وانتي عارفة بقى انه بيخطب.
هزت رأسها بحزن قائلة : آه ، عارفة .
رفعت السيدة احدى حاجبيها قائلة باستهجان : عارفة !!، وانتي عادي كده.
هزت خديجة كتفيها بحزن وهي تنظر لعلياء : أعمل ايه ضربني وهددني علشان أحضر معاه، قولتله حرام عليك قلبي هايتكسر يقولي أبداً لازم تيجي، اقوله طب بلاش علياء دي زميلتي بالجريدة اختار اي انسانة تانية ضربني تخيلي يا طنط ، وقلي زي ما ضحكت عليكي هضحك عليها وعلى غيرها .....
تصنعت الحزن والانكسار اكثر وعادت تُكمل حديثها :
تخيلي يا طنط ده كان عاوز يجيب بنتنا معانا بس انا رفضت البنت تتعقد.
سعلت بحدة أكثر لتقول بصدمة : بنتكو.. لا هو مخلف منك ؟
هزت رأسها بحزن ووجهت بصرها نحو عمار تبتسم له : اه عندنا ايلين انما ايه بنوتة زي القمر بصي شوفي حلوة ازاي.
اشارات للهاتف ووجهته على صورة لهم معا عمار وايلين وخديجة كانت التقطتها سابقا ايلين.
ضيقت السيدة عيناها وهي ترى صورة لعمار يحمل ايلين ويضحكان وخديجة تنظر اليهما شاردة فقالت بتعجب : اه ما شاء الله .. طب هو بيعمل كدا ليه ؟ وليكي نفس تضحكي في وشه ؟ ازاي قادرة تضحكيله ؟
اقتربت منها خديجة وتحدثت بخفوت : أصله نبه عليا لو مبينتش اني فرحانة ومبسوطة بيه وعشان العروسة متزعلش هيضربني لما نروح و مش هايصرف على بنتنا ...
شهقت السيدة بصدمة أكبر قائلة : لا اوعي تقولي ان علياء عارفة .
هزت خديجة رأسها بتأكيد : اه عارفة طبعا ومواقفة ، ربنا يهديها بقى هاقول ايه، مفيش في ايدي حاجة .
شهقت السيدة بصدمة أكبر لما سمعته، ابتعدت عنها واتجهت لمرأة اخرى وتفوهت بحديث ما ايقنت خديجة انه يخصها عندما لاحظت نظرات السيدات والفتيات لها بتعجب بعد عشر دقائق فقط، عشر دقائق وكانت والدة علياء تتحدث بعصبية معها وملامح عمار تحتد أكثر فـ أكثر، حول بصره نحو خديجة فوجدها ترمقه بسعادة وأرسلت له قبلة في الهواء، لمحت يده تتكور بغضب فـ همست لنفسها قائلة حان وقت الهروب ...انحنت بجذعها العلوي وخلعت حذائها ذو الكعب العالي حتى لا يعيقها اثناء الركض، لم تعلم حتى الان كيف وصلت لباب البناية الخارجي التفت بسرعة بوجهها يميناً ويساراً تبحث عن سيارة أجرة ، وقلبها يدق بقوة ويزداد عندما استمعت لصياح عمار بأسمها من الواضح اقترابه منها، لمحت سيارة أجرة تقترب من بعيد فركضت نحوها توقفه بذعر، فامتثل لها ووقف فاستقلت السيارة تهتف بذعر : يالا بسرعة من هنا بسرعة..
هتف السائق بتوتر : طيب حاضر..
انطلق السائق بسرعة في طريقه فالتفت هي برأسها للخلف وجدت عمار يخرج من البناية يبحث عنها، هبطت بجذعها للاسفل تختبئ منه..
...........
بشقة فارس...
وضع ذراع التحكم جانباً ليقول بمكر : هو في ايه، مالك المرة دي خسرت جولتين وعادي..دي اول مره تحصل..
تظاهر مالك بالتعب فقال : شكلي عاوز انام، تصبح على خير.
اجلسه فارس بقوة مرة أخرى ليقول بمكر : هاكرر تاني انا ليه شامم ريحة مش عاجبني، هو في ايه يا مالك ؟ مش ده كان كلامك قبل ما تتجوز ندى.
توتر مالك ليقول : وانا كان كلامي ايه بقى ؟!.
اعاد فارس حديثه مقلداً اياه : هاعملها برسمية ، مش هبات معاها بنفس الشقة ، ولا هاعملها حلو..
صمت لبرهة وعاد يُكمل حديثه بنبرة جادة أكثر : لكن اللي بيحصل عكس كده، خلى في بالك الموضوع ده استحالة يكمل.
ابتلع مالك تلك الغصة بحلقه قائلاً بحزن : ليه يا فارس، ليه ميكملش..
لمس فارس نبرة الحزن بحديث صديقه فتحدث بعقلانية : علشان هو هايفشل من جميع الجهات، من ناحية وعدك مع عمها، من ناحية امك واهلك اللي متعرفش، ومن ناحية.......
قاطعه مالك قائلاً : هاحارب علشانها، هاقف في وشهم..
عقد فارس ذراعيه امامه ليقول : وهاتقدر تقف في وش ماجي، امك يا مالك، هاتتصدم صدمة عمرها فيك.
نهض مالك يقول بعصبية : امي هاتقدرني وهاتحس بابنها، هافضل وراها لغاية ما ترضى عني..
نهض فارس أيضاً ووقف امامه ونظر بعيناه مباشرةً : وندى يا مالك، ندى اللي عايشة في كذبة كبيرة أوي، صعب انها تتقبلها، صعب يا صاحبي الجوازة دي تكمل، محكوم عليها بالفشل من كل النواحي، متغرقش نفسك يا صاحبي.
جلس مالك مكانه بصدمة عندما استفاق على حديث فارس، وعاد ضميره من جديد يعذبه بقوة بعدما اخمده بعشقه لها، ولكن عذاب ضميره هذه المرة كان أشد وأوجع، وضع رأسه بين يديه واغلق عيناه بتفكير، رفع رأسه مرة اخرى يهمس لفارس بحزن : مفيش حل يا فارس؟!..
هز فارس رأسه بنفي، فخرج عن مالك آه تعبر عنه وما يشعر به من الالام تغزو قلبه عندما تجسدت أمامه ملامح الفراق.
.........
وضعت ايلين بفراشها بعدما أبدلت ثيابها، ورقدت بجانبها تحتضنها لتستمد منها القوة والدفئ، وبدأت تتخيل عمار وهو يكسر باب الشقة عليها، دب الرعب بقلبها، لم تعلم من اين لها تلك السرعة عندما جاءت واخذت ايلين، وابدلت ثيبابها واغلاقها باب الشقة باحكام ، وفي اثناء شرودها ارتفع رنين جوالها بوصول رسالة نصية ، اعتدلت في الفراش وجلست تقرأها بخفوت : فاكرة اني هاسيبك، ماشي يا خديجة ، هـ حاسبك على الليلة الي باظت دي.
لم تهتم لتوعده لها بقدر ما اهتمت بتلك النقطة الإيجابية في حد ذاتها، نجحت في فشل تلك الخطبة المشؤومة ، قفزت على الفراش بسعادة ، فتململت الصغيرة بنومها، جلست خديجة مرة اخرى تبتسم كالبلهاء وبداخلها سعادة كبيرة، لاول مرة نجحت بشئ ما، الامر ليس صعباً، ان تحافظ على حبيبها بكل قوتها ليس صعباً، يحتاج فقط لهدوء وذكاء.
..........
دلف لشقته بعد منتصف الليل بخطوات بطيئة وعاد الجمود لملامحه مرة أخرى وذلك بعدما قرر بالانصياع لعقله و اخماد مشاعره نحوها، وجدها تغط في نوم عميق، وجدها فرصة كبيرة ان يستغل الليلة في التأمل بها والتقاط صور عديدة لها، يستغل الليل في البوح بمشاعره لعلها أخر مرة يتحدث بها مع نفسه عن حبه وعشقه لها، رقد بجانبها واحتضنها بقوة مستمتعاً بذلك الحنان الذي ينبعث دوماً منها حتى أثناء نومها، طبع قبلات عديدة على شعرها واغرق وجهه به مستمتعاً بكثافته وعبيره الرائع، جذب جواله والتقط لهما العديد من الصور معاً، لعلها تظل هذه الذكرى لديه ويُمنى نفسه بها في بُعدها عنه..
قضى الليل بأكمله مستقيظاً ولم تغفو عيناه للحظة واحدة ، رأى نور الصباح احتل جزء كبير من الغرفة ، نهض بصعوبة عنها وبدء في جمع متعلقاته واشيائه بحقيبته فاستقيظت هي على صوت جلبة خفيف، فتحت عيناها بصعوبة وراقبته بنعاس، انتفضت من فراشها عندما ادركت انه يجمع ثيابه، اقتربت منه تهمس بقلق : مالك رايح فين، بتلم هدومك ليه؟!.
استدار نحوها قائلاً : اتصلوا بيا وطلبوني، لازم اروح الإدارة فوراً.
تجمعت الدموع بعيناها : يعني انت هاتسيبني ؟ طيب هتتأخر عليا قد ايه ؟
اقترب منها واحتضنها رغم وعوده لنفسه بأن يعاملها ببرود وجفاء، لثم وجنيتها بحنو قائلاً بحزن وكأنه يودعها للمرة الاخيرة : انتِ أكتر واحدة عارفة شغلنا، انا معرفش هارجع امتى ..
عانقته بقوة وهي تبكي : خلي بالك من نفسك، وحاول متتأخرش عليا..
دفن وجهه بعنقها يسرق من الزمن ما يستطيع، لا يعرف ستكرر هذه اللحظة ام لا، حسناً فـ ليستمتع بها بقدر الامكان، هو وحده من يعرف انه الوداع الاخير..
أغلق باب شقته ولم يستطيع اغلاق قلبه، استمع لبكائها، فحزن أكثر، وضع جبينه على الباب وبداخله صراع قوى بين قلبه يحثه على الدخول واحتضانها ضارباً بمخاوفه عرض الحائط، وعقله يحثه على الاستمرار في قراره بالابتعاد عنها ... امتثل لعقله واتجه صوب شقة فارس ودق الجرس حتى فتح فارس وأثار النعاس على وجهه، فتحدث بصوت أجش : في ايه، رايح فين على الصبح.
هتف مالك باقتضاب : ماشي هابدأ في تنفيذ كلامي، خلى بالك منها لو حصل حاجة قولي، انا نبهت عليها لو عازت حاجة تقولك، مش هاوصيك عليها، انا ماشي...
التفت لكي يغادر فمسك فارس يده ليقول : طيب انت مروح بيتك ولا رايح فين؟!.
هز مالك رأسه بنفي قائلاً: لا هاقعد في اوتيل، لغاية ما عمها يتصل، خلي بالك منها يا صاحبي..
