CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل التاسع عشر19بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل التاسع عشر19بقلم روان عرفات


 

#خفايا_القدر

الفصل التاسع عشر

روان_عرفات. 


ما أصعب من لحظات وحدتك التي تجعلك تتذكر جميع الذائرين الذين مروا على قلبك، تلك التي تُعادل أعوامًا من الحزن.. تتمنى لو كان الفراق هين عند القلب، خفيف على



 الروح، لا تستهين به النفس، وتمُرّ ذكراه عليك وكأنه لم يكن يومًا بداخلك.. لكنها أُمنية وليس كل ما نتمناه نلقاه! ففي كُلَّ فراق -أيًا كان- سيضع بصمته ندباتٍ بقلبك من الصعب مداواتها رغم مضي الأيام! 


تعدت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، بمنزل عتيق بالقاهرة.. كان يجلس بمنتصف المنزل، يُناظره بدموع تتساقط على وجنتيه بعدم تصديق لفراقها، على الرغم من كونه هو السبب الرئيسي في موتها ولكنه في صدمة كبيرة بعد سماعه



 لخبر وفاتها بمرض الإيدز الذي هو سببًا بإصابتها به .. كان يُطالع المنزل بابتسامة ساخرة احتلت ثغره مع معاتبة القلب له عما اقترفه في حقها، يعلم أشد العلم أن الانتقام أعمى



 بصيرته.. كان لِحُبه شيء من الأنانية الذي دفعه للانتقام منها رغم أنه هو الجاني عليها بالأساس وهو الذي طالبها بالانفصال رغم كونها حاولت كثيرًا معه لكنه رفض لأجل أُخرى تركته مثل ما فعل مع غيرها، ليعلم أنه كما تدين تدان مهما مرت الأعوام.


رق قلبه لذكرياتٍ كانت يومًا ما بهذا المنزل.. الذي يحوي بين طياته ضحكاتٍ لهما وممازحتهم الدائمة كون الوالدتين صديقتين، فكان جلوسهم سويًا بكثرة جعلتهما يتعلقان ببعضهما بطريقة كبيرة .. انسالت دموعه على وجنتيه التي



 أحرقت قلبه حُزنًا كما كلمات العقل بأن ما يفعله وترك نفسه للقلب وللذكريات سيجعله يدفع ثمنة غالٍ جدًا .. فما الحُب إلا مواقف، وما المواقف إلا ذكرياتٍ من الصعب محوها من القلب، ذاك الذي يحتفظ بين طياته لأقلها ذكريات، حتى الهمسات التي



 أحيانًا تنساها الذاكرة يبقى القلب مُحتفظًا إياها بصدرٍ رحب، فعندما يتعلق الأمر بمحبوبٍ تقبلته النفس، وَهوتّ الروح إقترابه، من المُنْهَك الإغْفال عما يخصه.. مهما مضت الأعوام سيبقى بقلبك شيئًا عالقًا لـه! 


جفف دموعه بشراسة مع نظرة عينيه المحتقنة والحاقدة لجاسر وللعائلة كَكُل، وكأنهم كانوا سببًا لشيء كبير بحياته وكأن حقده لسوسن جعله يتناسى أن العائلة لا تعرفه بالأساس أو هي بذاتها لم تقترب منه بعدما انفصلا وكأنه شيئًا لم يكن.. وممكن يكون هذا السبب في انتقامه لها!



فالندم ليس له.. أخذ يكرر هذه الجملة بحقد ظهر في عينيه بشكل مرعب، مع قبضة يده التي تحوي على انتقامٍ بالقلب لم ينتهي! 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


انتهى للتو من دروسه ومراجعة كُلّ المطلوب منه، أرخى وليد جسده المتعب على الأرجوحة واضعًا ساعديه خلف رأسه.. ناظرًا للحديقة بشرود، مُتذكرًا لحظاتهما سويًا وضحكتها التي تُسحره، لأول مرة يُفكر بها غير كونها اخت له! دقة قلبه بحديثها ونظرتها الخائفة لم تكن عادية أبدًا .. كما نظراته لها



 التي حتمًا تكشف مشاعره وتوتره حينها.... أيقعل تُحبه؟ أم هو يتوهم بِحُبها كونه شعر بمشاعر تتحرك بداخله لها.. أم أنه مجرد اعجاب سواء كان بداخله أو بداخلها هي! زفر بحنق من كثرة الاسئلة التي تدور بمخيلته وتفكيره الدائم بها رغم كونها لا تحل له! 


وبحالته تلك وشروده بمن لا يعلم مصيرها بقلبه.. تسللت ندى من خلفه خفية وهي تجاهد ألا يستمع إلى خطوات قدميها.. تلك عادتها التي لم تتخلى عنها، ليجعله يتقن كونه لن ينعم




 بالراحة أو بالتفكير دون مزاحها الذي يجعله يقفز فزعًا إثر صوتها العالي.. ناظرته بسخرية من عينيه ويديه التي يضعها على خديه بطريقة مضحكة، وعينيه الهائمة، شاردًا بالبعيد مما جعلها تصرخ بقوة، قائلة بمزاح:

- يــاااا خلبـووص، بتعمل إيييـه لوحدك؟ هـااا ؟


ومثل ما توقعت قفز فزعًا من الأرجوحة وهو يضع يده على قلبه الذي تسارعت نبضاته إثر رجفته بصوتها العالي .. صرخت ندى خوفًا منه وأخذت تركض في الحديقة ويركض خلفها وليد متوعدًا لها بالكثير إن وقعت بين براثينة.. كانت تركض بسرعة


 وضحكتها العالية تصدح في أركان المنزل، وأخيرًا قبض عليها واحكم قبضتها بين ذراعيه مع ضحكة منتصرة أصدرها تحت نظراتها المذعورة .. قال وليد وهو يتأجج غيظًا: 

- قولي لي عقاب لواحدة زيك، مشاغبة وما بترحمش حد من رخامتها .. هيكون إيه؟ 


ضيقت عينيها بتفكير عميق ثُمَّ أردفت بعد وقت لا بأس به بغرور مصطنع ظهر بنبرتها:

- حضن كبيييررر مع شوكلاتاات كتير أوي وتوديني ملاهي .. لأني أستاهل.


رفع إحدى حاجبيه بتعجب قائلًا بحيرة:

- أنا اللي أعرفه إن العقاب حاجة بتكون صعبة.. لكن العقاب ده حقيقي أول مرة أسمع عنه! 


كتمت ندى ضحكتها وناظرها وليد بابتسامة واسعة ثُمَّ سقط كلاهما في نوبة ضحك دامت لوقت طويل.. جلس وليد أرضًا



 وفعلت مثله ندى مع تسطحهم على الحشائش وعينيهما ناظرة للسماء بتفكير مختلف ولكن حزنهما واحد لأنهما بنفس الوضع!.. ران بينهما صمت طويل قطعه وليد بسؤاله بنبرته الهادئة:

- هو ازاي أعرف إني بحب ؟


ناظرته ندى بخبث ظهر بعينيها ثُمَّ أردفت بغرور لكونه يسألها سؤالًا في هذه الأمور بعدما نهضت وتربعت بغرورٍ مصطنع: 

- سهلة جدًا .. هتكون نفسك مسدودة عن الأكل! 


جاهد في كبح ابتسامته التي ارتسمت على محياه.. قال بجدية جاهد كثيرًا في نطقها بدون أن تنفلت منه ضحكة يجاهد في كبحها: 

- طب وأنتِ هتعرفي ازاي إنك بتحبي؟ 


رفعت حاجبيها وتساءلت:

- مش فاهمة! 


اعتدل في جلسته وشرح لها بهدوء تحت نظرات ندى المصدومة من حديثه:

- أنتِ بتاكلي في كل الأوقات، سواء كنتِ زعلانة ولا مبسوطة أنتِ بتاكلي، فـ الموضوع هيكون صعب لحد ما تكتشفيه! 


أنهى حديثه بضحكة عالية أطلقها جعلت ندى تُناظره بعصبية، ما لبثت أن تقترب منه إلا وركض سريعًا للداخل وهو يخبرها كونه يمزح معها.. ابتسمت بخفه ونظرت للسماء بابتسامة خفيفة، أمسكت هاتفها وابتسمت باتساع كون ميار تُراسلها عبر الواتس آب بتسجيلات صوتية تُخبرها بيومها وماذا فعلت به..



 نظرت الشاشة الهاتف السواء بصدمة، حاولت مرارًا وتكرارًا في فتح الهاتف لكنها وفي كُلَّ مرة تفشل، أخذت تتحدث بعصبية مفرطة وهي توبخ الهاتف وكأنه شخصًا يسمع لحديثها .. استمعت إلى صوت وليد العالي من خلفها قائلًا بمرح:  

- وعندك واحدة بتتخانق مع تليفونها.  


اقترب منها وناظرها بسخرية وقال بضحكة خفيفة:

- ما كدبش اللي قال على الستات نكدية، ده حتى التليفون ما سلكش منكوا .


نهضت ندى وناظرته وقالت بغيظ طفولي مع رفعها لإصبعها بعصبية:

- ما تجيبش سيرة الستات على لسانك. 


ضحك وليد بخفه وانتشلها لأحضانه بضحكات مُتبادلة بينهما.


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


كان يجلس بينهن بملامح عابثة بعدما ارتشف الكثير من الكحول، ذاك الذي انقطع عنه لمدة لا بأس بها وقد تناسى بالفعل كونه بيوم ارتشفها أو سارت بدمائه .. لكنه وللأسف أتى



 لهذا المكان بعد اتصال هاتفي من صديقه فارس، نظر للمكان بتقزز جعله بسرعة البرق ينهض من جانبهن مع ركضه للخارج دون أن يلتفت لفارس الذي يطالبه بالجلوس لبعض الوقت.  


خرج من المكان مترنحًا.. كان يشعر بدوار شديد فلا يدري كونه ما زال منتصبًا على ساقيه أم أنه فاقد الوعي ولا يدري بمن حوله! صعد دراجته النارية التي ابتاعها منذ أيام بعد


 محاولات عديدة مع والده في إقناعه بشرائها.. وصل لباب المنزل ومازال على الدراجة بمشاعر متخبطة وأحاسيس كثيرة بداخله، ماذا ستفعل أوركيد إن علمت بحالته تلك؟ 




تساءل عن بعدهما هذه الفترة، وعدم محادثة بعضهما كحبيبين! ولكنها ليست بحبيبته فقط، ما الذي حدث لكي يصبحا بهذه الحالة التي هما بها الآن.. هو يُحبها ولا يُريد هذا البُعد أن يدم ولكن كيف له ان يُحبها ويحاوطانه الكثير من الفتيات وهو لا يبعدهم عنه حتى! 


هبط من الدراجة وما لبث أن يدخل إلى المنزل إلا ووقعت عينيه على حديقة منزل عمه آدم.. مُضيئة بنورها الخافت الذي علم فورًا كون زوجته مستيقظة إلى الآن، دخل الحديقة من بابها الخلفي ليبستم باتساع على زوجته وما تفعله، كانت تجلس على الأرض وبيدها رواية رأها تحملها بكل مكان تذهب إليه في الآونة الأخيرة كما صحن الفشار الذي اعتاد عليه أنها لا تُحب غيره وبعض المسليات والعصائر.... تمر لحظة عصيبة على قلبك حينما ترى من تُحب لا يُعطيك آية اهتمام، حتى وإن كنت أنت سبب الخِصام! 


اقترب منها دون وعيٍ منه، ظل وقفًا خلفها بجمود جسي على رُكبتيه ببطء شديد ليستمع إلى صوت شهقاتها بخفوت بالكاد



 استمع له.. مُمسكة للرواية ولكنها لا تقرأ منها، كاد أن يطبع قبلة على رأسها ولكنها أجفلته عندما اعتدلت في جلستها وناظرته بشهقة أصدرتها رغمًا عنها إثر صدمتها برؤيته في هذا االلحظة




 .. نظر كرم إليها  بحزن يغزو قلبه لهذه الدرجة رؤيته تفزعها وتجعلها خائفة بهذه الطريقة التي يرها في عينيها، نهض ونهضت هي مثله لتواجهه بتوتر يكاد يقضي عليها، قال كرم بهمس: 

- ينفع تنسى كل اللي حصل وتحضنيني! 


ناظرته أوركيد بصدمة من جرأته، أو من طلبه الذي لم تكن تتوقعه... تابع كرم حديثه بذات النبرة الهامسة التي يشوبها العتاب العاشق: 

- مش طالب منك غير حضن.. ولو عايزاني أبعد والله هبعد .. بس ما تخليش لقانا آخرة دموع زي كل مرة.... قلوبنـا يا أوركيد متصله ديمًا ببعض، في كل دقة قلبك بيدقها بتوصل


 لقلبي ويطمني عليكِ...ببقى مستني لحظة لقانـا من جديد وأنا قلبي بيتلهف لنظرة من عيونك، وضمة ايدك ليا، القلب بينسى وجعه بمجرد ما يشوفك!


ارتجف جسدها بحياء من حديثه واحتضانه لها رغم المسافات التي بينهما.. تعلم أن في قربـه سكينة للقلب، ودواء لكل



 جروحها، ولكن ما فائدة هذا القرب إن لم يدم! تبتعد هي عنه أفضل من أن يبتعد هو عنها، ويبقى قلبها ملتعـًا متلهفًا إلى ضمة منه…


اقتربت من بصمت وضمته إليها بقوة كبيرة في التخلص من هذه المسافات التي بُنيت بينهما، هدأت تمامًا بين ذراعيه كانت توهم نفسها بأنه هو من يحتاج للحضن لكنها في الحقيقة هي من بحاجة جامحه له ولرائحته التي تدخل الفرحة لقلبها...


استنشق عبريها بقوة ثُمَّ زفر بذات القوة مع قوله بهمس:

- في بُعدك موت للقلب، وفي قربـك فرحة لكل كياني....متتخيليش إن بُعدنا عن بعض ده مش مأثر فيا! والله لو تعرفي بتعذب ازاي في بُعدك عني مش هتبعدي .. أنا عايزك تعاتبيني، وتقولي لي اللي مزعلك مني واعترفي وأنا والله



 هقدر زعلك .. مش شرط يكون العقاب بُعد، ممكن عِتاب ويكون سبب في صحيان القلب عن شيء كان غافل عنه! 


همست بنبرة عاتبـة، تحمل من الألم ما يجعله حزينًا ببعدهما المفاجئ بالنسبة له:

- بعترف إني بحبك ورغم زعلي منك باقية عليك بس مش قادرة أمنع نفسي من الزعل، لأن زعلي منك بقدر حُبي ليك ومش قادرة اعاتبك! 


صمتت لبعض وما لبثت أن تُتابع حديثها إلا واشتمت لرائحة جعلتها تعقد حاجبيها بتعجب ثُمَّ ناظرته بعدم تصديق مع قولها بصدمة ظهرت جليًا بعينيها: 

- كرم أنت بتشرب!


ابتعدت عنه ووضعت يدها على فمها وانسالت دموعها بصدمة على وجنتيها وهي تُطالعه بعيني جاحظة، تُريده الحديث بأي شيء لكنه ظل صامتًا.. ركضت من أمامه بسرعة جنونية وهي



 تبكِ وجعًا من ثقتها به التي يمحوها دائمًا بأفعاله، نظر إليها كرم بغيظ بعدما ركل قدمه بالأرض بعصبية وهو يمسد على خصلات شعره بأنفاس متسارعة. 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


أغلقت الهاتف بتنهيدة طويلة مطمئنة بابتسامة خفيفة ارتسمت على محياها بعد اتصالي وعد لها تُذكرها بصلاة القيام، كانت تتمنى صديقة تمسك بيدها وتسحبها من الظلام الذي يُحيطها، رزقها الله بالأم التي ستُصبح كُلَّ شيء طالما هي تُريد ذلك. 


دخلت لدورة المياة وتوضأت وخرجت بعد وقت لا بأس به، ارتدت اسدالها التي ابتاعته من يومين تقريبًا مع وعد .. نظرت لهيئتها في المرآة  بابتسامة أنارت بريق عينيها مما آلت إليه من تقدماتٍ بنفسها وشخصيتها ودينها التي تتعرف إليه تدريجيًا



 بفضل وعد التي تتحدث معها كل يومٍ بالساعات في أشياءً لا تعلم عنها شيئًا أو تاهت عن بالها بسبب ملهاة الدنيا.. وقفت أمام سجادة الصلاة وشرعت بصلاة القيام مع قراءتها للقرآن



 من المصحف بدموع تتساقط على وجنتيها بمشاعر مختلفة، بين الحُب والحُزن، والخوف والطمأنينة، الهدوء والضجيج.. مشاعر مختلطة تحتلها ولكن بالنهاية استكانت بين يدي الرحمـٰن..  


لو يعلم المرء كم هو محظوظ بصديقٍ إن ذهب إليه بقلبٍ مُتحَطَّم طَهَّرَه وربت عليه يُواسيه عمن كانُوا سببًا في تحطيمه.. الصديق الذي يكون البُكاء معه راحة، والبوح معه


 بمرضٍ أُصبت به شفاءً لا يُغادرُ سقمًا، والضَّعف بين رحمته قوة تتضاعف بين الناس.. ما كان ليحزن يومًا على فراقِ أحدهم،



 فالله ينزل سبع سمواتٍ -قبل طلوع الفجر- لمن يدعو له فيستجيب، ومن يسأله فيُعطيه، ومن يستغفر له يغفر له؛ هو الذي يعلم ما يكنه المرء .. يعلم سِرنَّا وجهرنا ويعلم ما تُخفي صُدُورنا عن أقربهم حُبًا لقلوبنا.


بعد الانتهاء... ظلت جالسة على المصلى وأخذت تردد أذكار الصلاة من ورقةٍ دونت بها الاذكار بعدما أرسلتهم لها وعد، نهضت ووضعت المصلى جانبًا وأمسكت هاتفها وأرسلت رسالة



 صوتية لوعد تُخبرها كونها انتهت توًا من صلاتها وكم هي تُحبها وتُحب مصاحبتها، فالصحبة الطيبة رزق والصاحب الذي يكون لك دافع قوي في تقدمك رزق... وذاك الابتلاء الذي



 يجعلك تتعرف على أُناسٍ يُصبح بينكم ميثاقًا غليظًا لا يَنجَزّع مهما كانت قوة الرياح أيضًا رزق.. فالأرزاق تختبئ بين طيات الظروف، ففي البداية لا تعلم كونه بلاء أم رزق ولكن في كِلا الحالتين خلفه شيء جميل ينتظرُك! 




تسطحت على فراشها وأغمضت عينيها بطمأنينة بعدما قامت بتشغيل سورة البقرة على هاتفها لتنام ولأول مرة بحياتها تنام بطمأنينة تحتل جميع أوصالها.. 


يظل المرْء مشتَّت الفكر، ضعيفُ الشخصية، كاتمًا لأوجاعه لأنها لا تعي شيئًا للكثير، ومنزويًا حتى في أكثر الأماكن حُبًا لنفسه، يظل منحصرًا بين ندباته التي كانت بفعل أُناسٍ كانوا بيومٍ من



 الأيام المُهدئ لصرخات الرُّوح .. إلى أن يذهب لِرَبِّه.. يتحدث إليه، ويبكِ بين يديه حُزنًا وخوفًا وتضرعًا وَخَشْيَةً من عذاب



 يومٍ عظيم، فيذهب كُلَّ حُزن، وتشفى الكدمات، وتتوقف الدموع، وينزل عليه من بعد الْغَمِّ أمنةً نعاسًا.. وكُلَّ ذلك من حديثٍ جعلك ترتفع منزلةً عند الله ما كُنْت لتلقاها يومًا... فلا ملجأ من الله إلا إليه..


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


تقف بغرفتها أمام فستان بدا باللون الأزرق ثُمَّ أتى من بعد الخصر وتدرج اللون للون السكري الهادئ كما الحجاب الذي كان من اللون السكري أيضًا .. كانت تُناظره بصدمة حقيقية، مُمسكة بيدها ورقة صغيرة قرأت ما بها عدة مرات وها هي تشرع بقراءتها مُجَدَّدًا:




- اليوم يوم إني أسعدك وتبقي مبسوطة وبس، ما يهمنيش حد قد ما إني ارسم الضحكة على وشك.. يا رب زوقي يعجبك ويلا مستنيكِ تحت، بحبك وآه أنا أمير ومعايا عمو جاسر على التليفون وبيسلم عليكِ ده غير اللي هيشاركني في حضنك ده .. احنا بنحبك أوي بس أنا بحبك أكتر منهم.


ابتسمت بخفه على حديث زوجها ومزاحه، كيف له اسعادها ويوجد بينهما مسافات.. أخذت نفسًا عميقًا أخرجته دفعه واحدة مع دخولها لدورة المياة وأخذها لحمامًا دافئًا ثُمَّ ارتدت



 الفستان ووضعت بعض مساحيق التجميل بعدما ارتدت حجاب صغير لكي تُبرز جمال الفستان،ترددت في ارتداء الحجاب بدلًا من الخمار لكنها تذكرت كون الحديقة مخفية عن أعين الجميع ولا يوجد أحد يسكن بجانبهما. 


خرجت من غرفتها وتوجهت للأسفل بوجه عابس الملامح كونها لم تجد غادة بغرفتها، فتحت باب الحديقة تزامُنًا مع خروج شهقة خفيفه منها مما رأت عيناها من مظهر الحديقة



 المبهج، بدأت بأنوار خافتة وشموع صغيرة الحجم كانت تأخذ حيزًا كبيرًا من الحديقة إلى الطاولة التي كانت بمكان منزوي .. تلألأت عينيها حينما رأت جاسر ينتظرها بمنتصف الحديقة،




 اقترب منها بابتسامة خفيفة، وقف أمامها وطبع قبلة حانية على جبهتها وضمها إليه ولفت هي يدها حول خصره بدموع انسالت رغمًا عنها .. قال جاسر بعض وقت لا بأس به بعدما ابتعد قليلًا عنها:



- هان عليكِ تسيبيني الوقت ده كله؟ هان عليكِ تخليني قلقان واللحظة اللي كنت مرعوب منها طول حياتي تتحقق ونفس اللي كنت متخيلة حصل .. حقك عليا يا ضي عيني.


صمت لبعض الوقت ثُمَّ تنهد بعمق وأردف:

- مش عارف أقول إيه غير إن اللي حصل ماضي ولازم نعديه، عارف إنه صعب عليكِ وهيكون بينا كلام تاني كتير بس خلي النهار ده لجوزك وبس، ابعدي عن أي شيء يزعلك .. خليكِ مبسوطة.


أنهى حديثه مع خطواته للخارج بسرعة جعلت ورد تصرخ بصوت عالي لكي يسمعها:

- أنت هتروح فين؟


توقف عن السير، دار بجسده ونظر إليها وغمز بعينيه مع خروج غادة من باب الحديقة بفستان موف ينزل باتساع مناسب،



 تحتله الورود عند الخصر بطريقة أعطته مظهرًا جزابًا كما خمارها الأبيض الذي جعلها كالملكة تمامًا، اقتربت غادة من جاسر وتأبطط بذراعه ليتمتم جاسر بمكر:

- الفرحة لينا احنا بردو .. يعني مش هتفرحي لوحدك. 


ضحكت ورد بخفه وخجل في آن واحد بعدما تبين أمير من خلف غادة وجاسر وركضه لها بجنونية وانتشالها لأحضانه جعلتها تدفن رأسها براحة احتلتها بقدومه المُحبب لقلبها، نظر



 جاسر لهما وتنهد بارتياح وخرج من الحديقة مع زوجته لكي يجلس معها ويتحدثا في أي شيء وكل شيء.. اشتاق لها حد السماء، فالصاعقة التي أصابت العائلة أثرت بشكل كبير على الجميع كَكُل...


تفحصها أمير بهذا الفستان التي هي من أعطته جمالًا لأنها ارتدته، أخذ يتغزل بها مع خجل ورد منه ومن نظراته .. قال أمير باعتراف بعد وقت لا بأس به من مغازلته لها:

- ورد أنا لازم اعترف لك بحاجة.


رفعت ورد حاجبيها بتعجب وتساءلت:

- تعترف بأيه. 


ران عليهما الصمت وأمير يصطنع التوتر والخوف من ورد التي كتمت ضحكتها باعجوبة... قال بخفوت:

- بصراحة كده .. أنا في الرسالة قولت لك إن ده زوقي بس هو بصراحة مش زوقي! 


ابتسمت باتساع وتساءلت: 

- طيب وهو زوق مين؟ 


أمير:

- لا دي حاجة هتعرفيها أنتِ بنفسك .. بس الله وأعلم كده الشخص ده أنا وهو هنتخانق كتير، لأني بغير منه من دلوقتي.


                  

         الفصل العشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-