لا تتحدي الصقر ج2
بقلم أسماء_عبد_الهادي
الفصل الواحد وعشرون
وكأن هاجس ما ايقظها من منامها, جعلها تفتح أعينها لينير قلبها بالحقيقة, ليبصرها حقيقة زواج زوجها .
هبت من نومها فرحة وهي تقول لنفسها بحماس شديد وصدرها يعلوا ويهبط من فرط فرحتها- لو كانت البنت في عمر شاهين .. ممكن تكون بنتي أنا وصقر اللي ياسمينا حملت فيها.....واكيد زوجة صقر اللي بيقول انها من بلاد برا..تبقى ياسمينا لأن معظم كلامها انجلش... اكيد صقر عرف الحقيقة
علشان كده اخد بنته يربيها ...وكمان صقر كتب كتابه على ياسمينا وانا معاه وحتى لو اتجوزها فعلا انا مش زعلانة البنت من حقها تعيش بين أب وأم .. وهو من حقه يكمل حياته متقفش بموتي.
اعتدلت في وقفتها ثم نظرت للسماء من نافذة غرفتها ... تتخيل زوجها الحبيب وقالت وكأنها تناجيه وكأنه يسمعها... مش مهم اتجوزت ولا لا, المهم انك متكونش نسيتني ياصقر ...انا عمري ما نسيتك ولا هنساك انت روحي اللي أنا عايشة بيها...انا عندي امل اننا نرجع لبعض تاني ..حتى لو استمر بُعدنا 20 سنة .. المهم اننا نجتمع تاني في النهاية ..بحبك يا كل عمري.
قالتها وهي تطبع قبلة في يدها وترسلها للسماء ..علها تصل الي حبيبها ... عله يشعر بوجودها .. انها مازلت حية لم تمت.. على قيد الحياة لكنها مقيدة بقيود حبه وبعده عنها.
فجاءة شعرت بازدياد ضربات قلبها ونغزات قوية به .. وضعت يدها على قلبها لتهدئه ...لكن شعور ما يجتاح داخلها ينبأها بأن الصقر قريب منها ..تفصلهم فقط عدة أمتار
أخذت نفسك عميقا ثم حدثت نفسها-انا الظاهر اتجننت ..معقولة حاسة صقر قريب مني؟ طب ازاي ...
--------------------------------
ضرب بكف يده على مقدمة رأسه فابنته قد وضعته ببراءتها في موقف محرج ولا يدري كيف يخرج منه , فهو لم يكن يريد لأهله ان يعرفوا الحقيقة على الأقل في هذا الوقت.
نظر إلى صديقه بلال والذي كان يتحاشى النظر اليه محاولا ان يكبت ضحكاته حتى لا يثير غضبه
هتفت به أمه بانزعاج- ما تتكلم يا ولدي.. كيف تتزوج اكده بدون علمنا .. لا وطول السنين دي واحنا معارفينش لحد ما بتك كبرت وبقت زينة؟
أخذ الصقر نفسا عميقا فهو قرر تأجيل النقاش في هذا الأمر حتى يرتب أفكاره فقال-هقولكم كل حاجة يا أمي بس مش دلوقتي... زي ما انتي شايفة لسه راجعين من سفر... نرتاح شوية وهحكيلك كل حاجة.
رفضت أمه ما يقوله- لاه .. انا لازمن أعرف كل حاجة دلوك يا ولدي ..ما انا مش هفضل جاعدة على أعصابي إكده مش فاهمة حاجة.
تحدث بصوته الصارم المتزن- سيبيهم يطلعوا يرتاحوا دلوك يا أم صقر.. وصقر بنفسه هيحكي لينا كل حاجة.. ولدك زين الرجال وأكيد في سبب خلاه يعمل اكده من غير ما يجولنا
رمق الصقر والده بابتسامة ممتنة, كما انه كان سعيدا لثقة والده الكبيرة به – تسلملي يا بوي.
اضطرت رباب ان ترضخ لأوامر زوجها وتترك ابنها ليستريح في غرفته – ماشي يا ولدي أنا هصبر... اطلعوا ارتاحوا في أوضكم فوق... بلال ومريم انا خليت البنات يجهزوا المطرح بتاعهم جناح واسع كأنه شقة صغيرة ..بس انت جهزت لك أوضتك مكنتش اعرف انت متجوز.
الزيني برزانة - ملحوقة يا ام صقر ... اطلبي من البنات يجهزوه حالا.. وعلى ما يجهز, صقر ياخد مرته ويطلع على أوضته.
حملق الصقر بوالده, فكيف له أن يكون مع ياسمينا في غرفة واحدة..فهي رغم انها زوجته شرعا الا انه لا يطيقها ابدا وود لو يقتلع رأسها فما فعلته لا يغتفر أبدا .
أدار بلال جسده لم يستطع ان يمنع نفسه من الضحك ..فضحك بصوت عال سمعه الصقر فنظر اليه بتوعد واقترب منه هامسا بغيظ- بتضحك يا متخلف ده بدل ما تقول حاجة تنقذني من الورطة اللي انا فيها دي .
تنحنح بلال متظاهرا بالجدية –احم ...لا ده انا افتكرت حاجة ضحكتنى.
رمقه الصقربعدم تصديق وقال بضيق- يا راجل؟؟
و من ثم مسح بيد على وجهه يفكر ماذا عليه أن يفعل ..
نادت رباب على الخادمات ليحملن الحقائب إلى أعلى ..إلا ان صقر وبلال رفضا ذلك .. كيف تحمل النساء حقائبهم في وجودهم .. فحمل الصقر حقيبته وحقائب مودي وياسمينا .. بينما بلال حمل حقائب أسرته .
---
صعد الصقر غرفته وفتحها وأدخل الحقائب بداخلها وهو يقول – بهدوء .. اتفضلي ده حل مؤقت لحد ما اشوف هعمل ايه ؟ في الورطة دي.
جالت ياسمينا بصرها بالغرفة وظهرت على ملامحها الاستياء والضجر .. لاحظها الصقر فقال بتهكم- ايه مالك الاوضة مش عاجباكي؟
هزت رأسها تؤكد كلامه – بصراحة .. يس .. الاوضة كئيبة اوي ومفيهاش روح ولا حياة
لوى الصقر شفتيه باستياء- لا ده باينه مرار طافح.. دي مش اوضة بنت علشان تكون كلها ورد ودباديب... انا خارج بدل ما افقد اعصابي أكثر.
لاحظ الصقر ان ابنته تشعر بالنعاس فحملها برفق ووضعها على الفراش ومن ثم قبلها قبلة صغيرة على جبينها
واستدار قائلا لياسمينا- خدي راحتك انا مش جاي الاوضة هنا .
هتفت تناديه- انت رايح فين؟ .. طنط قالت لسه هيجهزوا الغرف.
صقر باستغراب- هكون رايح فين .. خارج ماهو اكيد يعني مش هنقعد احنا الاتنين في اوضة واحدة .
هتفت بتعجب- واي نوت صقر.. اية المشكلة لما نقعد في أوضة واحدة؟
نظر لها شزرا وقال-نعم!! .. هو انتي شايفة انه عادي يعني؟
أجابت بلا مبالاة – يس .. هنقعد مع بعض از افرينز (كأصدقاء)..نو بروبلم (مفيش مشكلة )
لم يصدق الصقر ما يسمعه وما تتفوه به هذه المعتوهة وانطلق من أمامها مغادرا بدون ان يتفوه بكلمة واحدة ستكون عواقبها وخيمة بالنسبة لها.
------
انطلق نحو النجاح الخاص بصديقه وطرق الباب بغيظ شديد, ففتح له بلال بصوت ناعس- صقر!! خير ؟
صقر بملامح جامدة- تعالى عايزك
بلال بتبرم- أجي فين.. انا عايز أنام المشوار هدني.. ساعة كدة أريح ظهري اللي اتكسر في العربية وأجيلك
رمقه الصقر بحدة أخافته وقال وهو يقبض على ملابسه – انا مش بقولك عايزك..يبقى تيجى معايا من سكات .. احنا مش جايين نتفسح هنا
ابتلع بلال ريقه ومشى مع صاحبه الغاضب – خلاص جاي يا عم .. يخربيت شيطان اللي يزعلك ..انت ايه خلاص جيت الصعيد هتتحول ؟
دفشه الصقر ليتوجها الى مكان يجلسون فيه- امشي قدامي وانت ساكت
أزاح بلال يد الصقر بعيدا عنه وهتف بضيق- ماشي أهو, ابعد ايدك اللي عاملة شبه المرزبة, ربنا على الظالم
جلس صقر على المقعد الخشبي الدائرة في شرفة أحدى الردهات العلوية – بتقول حاجة ؟
جلس بلال قبالته باستياء- لا اخلص قول عايزني في ايه؟
تنهد صقر طويلا- عايزك تقولي هتصرف إزاي وهقول لأبويا وأمي إيه؟
حك بلال ذقنه بتفكير – ممم ما هو انت لو قلتلهم الحقيقة, مش بعيد يقيموا على ياسمينا الحد.
هتفت صقر بغيظ- صدق فكرة ياريت يطخوها عيارين ونخلص ..تصور دي بتقولي نقعد مع بعض في الأوضة عادي؟
انفجر بلال في الضحك بقوة, ليرمقه صقر بحدة مما جعله يكف على الضحك مشيرا له بيده- خلاص خلاص مش هضحك .. بس ده طبيعي ياسمينا عندها كل شىء عادي .. ومفيش فرق يا صاحبي كأنكم بنات مع بعض .
قام الصقر من مكانه وحمل الكرسي بجواره قاصدا ان يضرب به بلال- تعرف انا لو قتلتك دلوقتي محدش هيلومني ..
قام بلال من مكانه فزعا وحاول الامساك بالكرسي حتى لا يضربه به الصقر- اهدى يا بني بهرج معاك والله.. قلت أخرجك من مود الكآبة اللي انت حاطط نفسك فيه ده .
دفش صقر الكرسي على الارض وقال حانقا- انا اصلا غلطان إني جيت اتكلم معاك ..روح اتنيل نام .
حاول بلال اللحاق به – استنى ياصقر .. خلاص هتكلم جد.. اقعد متبقاش قفش كده
أمسكه بلال من ذراعه واجلسه عنوة- اقعد يابني متبقاش حمقي كده.. انا عندي فكرة
جلس صقر مسندا رأسه على يده وقال بضجر- ايه هو ؟
بلال – اسمع انت تقولهم ان الدكتور اللي عمل لكم العملية, حط بالغلط عينة ليكم في رحم ياسمينا من غير ما تعرف .. ولما انت عرفت اضطريت تكتب كتابك عليها علشان بنتك لأنها بتعتبرها أمها
بدا الصقر وكانه استصاغ هذه الحيلة واخذ يقلب الكلام في رأسه.
أردف بلال –ده انسب حل انا شايفه مفيش داعي يعرفوا الحقيقة .. مش عايزين مشاكل علشان خاطر مودي.
تنهد صقر وضرب بقبضته على حافة الكرسي –تمام هعمل زي ما قلت .
ابتسم له بلال- ربنا يصلح الحال ياصاحبي ..أقوم أنام بقا؟
هز صقر رأسه باستياء- قوم ..الله يرحم الرجالة, حتة الطريق ده خلاك مفرفر كده؟
أجاب بلال بدفاع عن نفسه- على فكرة بقا انا فضلت سهران امبارح طول الليل بخلص الشغل اللي ورايا علشان أعرف أخد اجازة من المستشفى يعنى منمتش ساعتين على بعض.
أشار له صقر – خلاص يابني صدعتني ..
اقترب منه بلال بجدية- وانت هتعمل ايه؟
صقر- ولا حاجة أديني قاعد أهو
-ايوه يعني هتنام فين ؟
-هنام في اى مكان البيت هنا كبير .. في أي اوضة مفيش مشكلة عندي.
ربت بلال على كتف صديقه وكاد يقول شيئا لكنه صمت على آخر لحظة وانطلق مغادرا نحو جناحه لينال قسطا من الراحة.
بقي الصقر محله يجلس على الكرسي وينظر للسماء أمامه متأملها بحزن دفين, ليلمح نجم صغير يلمع وسط تلك الشمس المحرقة فحدق به وهو يقول باختناق متذكرا زوجته- وحشتيني يا نجمتي الغالية.. كني ومازلتي حلم بعيد أوي
صعب المنال.. متميزة عن أي حد تاني تماما زي النجم ده رغم شدة ضوء الشمس الا انك بصفاء قلبك قدرتي تشعي لتثبتي وجودك في قلبي .. ومحدش غيرك هيقدر يحتله ..بحبك يا روحي وكياني كله.
بقي الصقر على وضعه لبعض الوقت لحتى يستعيد نفسه ومن ثم لمح والده يدلف من الباب الرئيسي من البيت الكبير فقرر ان يهبط ليجلس معه .
------------
جلس مطأطىء رأسه لم يذق الطعام منذ البارحة منذ ان استمع مأساة صديقه وما حدث له وما آلت اليه الأمور ليزج به متهما في السجن
فلاش بااااك
##
ذهب أسامة إلى مأذون البلدة ليحضره معه وليجعلها مفاجئة لصديقه بعد ان اتفق مع خاله عبد الله ..لكنه لم يجد المأذون, فقد كان يعقد قران أحدهم في احدى القرى القريبة.
لذا قرر أن يذهب ويبحث عن مأذون البلدة المجاورة فهو يريد ان يفاجىء صديقه يوم خطبته.. سأل عن مكانه وذهب اليه حتى يحضره معه ..فوصل له بعد مشقة كبيرة ..وصل الى حيث مكتبه ليجد الباب مواربا فطرق الباب ثلاثا فلم يسمع الرد لذا قرر الدخول فهو لم يقطع هذه المسافة كلها حتى يعود أدراجه بلا فائدة
دخل مناديا على المأذون بصوت عال باسمه فلم يجد رد.. ليلمح المأذون منبطحا على مكتبه فظنه اسامة نائما..فنظر الى ساعته ليجدها العاشرة ..اذا ما زال الوقت مبكرا للنوم ..فقال لنفسه لعله مرهق من عناء العمل.
اقترب منه يحاول ايقاظه بيده, ليجده يسقط على الارض بدون أدنى حركة..استغرب أسامة اهو نائم بهذا العمق؟..فانخفض ليراه قد يكون مريضا او يحتاج للمساعدة ..ليجد أعين الرجل جاحظة ,مفتوحة على وسعها فارتعد اسامة وبدأ الخوف يدب في أوصاله..لكنه لاحظ التفاف ربطة عنقه على رقبته بشدة ..فظن انه ربما اغشي عليه بسبب
احكام تلك الربطة على عنقه ..فمد يده يزيحها قليلا عن رقبته لكنه فوجىء بأن الرجل لا يتنفس ولا نبض له..فلا هواء زفير يخرج من أنفه ولا صدره يتحرك ..ارتعب أسامة بشده وابتعد من مكانه خائفا لكنه تعثر فسقط على الأرض, وما ان اعتدل
في وقفته حتى وجد الساعي يدلف وما ان رأى المأذون على هذا الحال ملقا على الارض حتى سقط ما في يده و صاح ممسكا بملابس أسامة.. انت عملت في الشيخ ايه؟.. لو جراله حاجة انا هوديك في ستين داهية
ازدرت أسامة ريقه وقال بصوت مرتبك متلعثم فهو في موقف جلل- أأأ.. أنا معملتش حاجة انا جيت لقيته كده ..صدقني.
اقترب الساعي من المأذون ليجده قد فارق الحياة فصرخ بقوة وامسك بأسامة وكأنه مجرم واخرجه عنوة للخارج ليصيح في الناس باستغاثة – الحقوا ياناس المجرم ده قتل المأذون .
حاول أسامة افلات يد الرجل وهو يقول بغضب- اوعى كده انت بتتبلى عليا تقول ايه انا مقتلتش حد انا جيت لقيته كده.
تجمهر الجميع حولهم وقرروا ابلاغ الشرطة ليقول احدهم- ابقا اثبت عكس كده قدام البوليس
ويقول الاخر بأسف- حرام عليك .. عم الشيخ منصور .. كان راجل ونعم, البلد كلها تشهد بأخلاقه, روح منك لله .
صرخ بهم أسامة غير مصدق انهم يتهمونه بالقتل – انا مقتلتوش انا اصلا معرفوش علشان اقتله انا كنت جايله علشان يكتب كتاب.
لكن لا أحد صدقه او بمعنى آخرلا احد استمع له.. وظلوا محتجزين إياه الى ان أتت الشرطة .
##
بااك
اقترب منه خاله "عبد الله" وقال بحزن هو الآخر على ذلك الشاب الطيب الذي لا يستحق ما حدث له –متزعلش يا عادل .. المحامي طمنا وقال انه هيحاول بالادلة يخرجوا من كونه متهم الى شاهد.
اغمض عادل اعينه هينهة ثم قال بأسف –والمحامي بنفسه قال ان القضية مش سهلة وان اسامة موقفه صعب وخاصة ان مفيش أي اعداء للمأذون
-ربك هيحلها يابني.. وان شاء الله يخرج منها..لانه برىء وكلنا عارفين ده ..ادعيله يابني ربنا يخرجه من ازمته دي على خير
كان جميع من بالمنزل في أشد حالات الأسف على أسامة, فهو كان يقصد خيرا يفعله ليقابل بتهمه لا قِبَل له بها.
-------------------------------
أخذت تجوب المنزل ذهابا وايابا بعد مغادرة زوجها الى عمله تفكر في ذلك الرقم المجهول الهوية الذي اتصل بزوجها بالأمس, فهي لن يهدأ لها بالا حتى تعرف هويته .. فكرت في
ان تتصل من هاتفها لكنها قالت ربما تخبر تلك السيدة (التي يعرفها زوجها) عن رقمها لزوجها ويكتشف هو انه تعرف كل شىء .
لذا قررت ان تستخدم هاتف الست حسنية وتطلب الرقم منه
ذهبت الى غرفة ابنتها لتتأكد انها تغط في نوم عميق وانسحبت بهدوء قبل ان تستيقظ الصغيرة, مغادرة المنزل قاصدة منزل السيدة حسنية .
قابلتها حسنية بالترحاب- هنا صباح الخير يا حبيبتي..تعالي
حاولت هنا ضبط نفسها حتى لا يظهر عليها شىء- اا.. اهلا يا طنط حسنية .. معلش كنت عايزة تلفونك أكلم واحدة صاحبتي..اصل رصيدي خلص .
لم تكذب حسنية خبرا واعطتها هاتفها- وماله يا حبيبتي ..خدي تلفوني اهو كلميها براحتك.. هروح اشوف الاكل اللي على النار
اومأت لها هنا- شكرا ياطنط.. وبسرعة دونت الرقم من هاتفها الى هاتف السيدة حسنية وضغطت زر الاتصال وانتظرت الرد وقلبها ينبض بشدة تتمنى ان لا يكون ما تخشاه حقيقة لكن ما استمعت له جعل قلبها ينشطر نصفين, فلقد كان صوت امرأة حقا.
فأغلقت الخط سريعا.. وارتمت منهارة على أقرب اريكة لا تصدق أذنيها وان زوجها ما زال على علاقة بتلك المرأة بعد كل ما فعلته من تغيير في نفسها لأجله.
قدَمت حسنية ومعها كوبا من العصير- اتفضلي يا هنون يا حبيبتي
حاولت هنا ان تزيل اثار الدمعات المتحجرة على أهدابها حتى لا يظهر على ملامح وجهها شىء وقامت وهي تناول الهاتف لحسنية – شكرا ياطنط انا لازم امشى حالا جنى نايمة فوق وزمانها صحت ..السلام عليكم
استغربت حسنية لما تريد الذهاب بهذه السرعة- طب اشربي حتى العصير
لكن هنا هتفت وهي تغادر مسرعة – مرة تانية ياطنط, هجيب جنى وننزل نقعد معاكي
وما ان خطت عتبة باب السيدة حسنية حتى سمحت لعبراتها بالهطول بشدة كزخات مطر يهطل بلا توقف.
------------------------
انتبه له والده يقدم نحوه بينما هو يجلس على أحد المقاعد بجوار مدخل البيت فقال بابتسامة- صقر ياولدي انت مريتحش شوية من المشوار ليه؟
جلس الصقر جواره يبادل ابيه الابتسامة- انت تعرف عني كده يا بويا ..عمري ما تعبت من مشوار زي ده . شرد قليلا ثم قال بخفوت لم يسمعه والده- انا تعبي حاجة تانية خالص( يقصد تعبت قلبه بموت مودة)
ربت الزيني على ظهر ابنه- طول عمرك جوي وحمال يا ولدي ..ربنا يديك الصحة دايما.. ويريح بالك
قبل الصقر يد والده – وانت كمان يا بويا ويخليك لينا انت وأمي يارب ... ها قولي قاعد مستني مين كده؟
ابتسم الزيني فهو يعرف ابنه يتميز بالذكاء وقوة البديهة- مستني واحد اكده كنت باعته في مصلحة واتأخر عليا .
في هذا الاثناء جاءت والدته وتحمل في يدها كوبا من الشاي من اجل زوجها وفوجئت بابنها يجلس معه فقال بسعاده- انت هنا ياصقر ياولدي .. هروح اعملك انت كمان كوباية شاي.
امسك الصقر يد امه بحنان واجلسها جوار أبيه- لا مش وقته يا أمي اقعدي عايز اتكلم معاكم
جلست أمه بينما هو بحث عن أحد المقاعد وحمله ليجلس جوارهم.
استنبطت امه ما يود قوله – هتجولنا كيف اتجوزت عاد؟
هز الصقر رأسه بإيجاب- انا عاوف ان زمانكم عايزين تعرفوا كل حاجة.
قص لهم الصقر ما اتفق عليه هو وصديقه..لتضع رباب يدها على فهمها بحسرة- يا وجعة مربربة .. يا عيني عليكي يا حبيبتى, معجول الدكتور الهباب ديه يضيعها اكده؟
ليقول الزيني – علشان كده يا ولدي اتجوزتها؟ وانا كنت عارف ان قلبك عمره ما هيميل لحد غير مودة- الله يرحمها-
حك الصقر رأسه فالحيلة انطلت تماما على والديه –ايوة يا بويا جواز على ورق بس, علشان مصلحة مودي.
لتربت رباب على أرجل ابنها بامتنان وفخر- كتر خيرك ياولدي انك سترت المسكينة دي, أهلها كانوا هيجولوا عليها ايه؟
ليبتسم الصقر بسخافة, فهي من فعلت هذا بنفسها بإرادتها , ولو كانوا علموا بالحقيقة ما كان هذا الاشفاق رد فعلهم ابدا.
رفع الزيني حاجبيه- وانا اللي كنت هتجنن ازاي ولدي العاجل زين الرجال.. يوم ما يفكر يتزوج يتجوز الخوجاية دي؟
لتقول رباب بإعجاب شديد- بس صراحة البنية جمر جوي .. كيف البدر ليلة التمام.
وكأنها جاءت على السيرة كما يقولون ..فهم لمحوها تتوجه نحوهم بملابسها التي اعتادت ان ترتديها, فهز الصقر رأسه بضجر وغيط منها لكنه لم يعلق أمام والديه.
ياسمينا بابتسامة- هاي
رحبت بها رباب كثيرا واجلستها جوارها – اهلا يا حبيبتي .. نورني البلد اجعدي جاري اقعدي
ابتسمت ياسمينا لها –ميرسي يا انطي
سالتها رباب عن سبب مغادرتها غرفتها وانها لم تاخذ قسطا من الراحة- جومتي ليه يا بنتي.. اكيد انتي تعبانة من السفر
هزت ياسمينا رأسها بالنفي- نو انا مش تعبانة .. انا متعودة على السفر..
ربتت رباب على ظهرها بحنان – ماشي يا جلبي.. البنات بيجهزوا الوكل ونص ساعة ونتغدى كلياتنا .. زمانك جعتي انا عارفة
ياسمينا- صراحة يا انطي جدا
رباب بتعاطف شديد- يا عيب الشوم علينا تبقي جعانة في دارنا .. تعالي ياحبيبتي اجيبلك تاكلي .. تعالي
ياسمينا- مفيش مشكلة يا انطي .. انا هستنى لما ناكل سوا
لكن رباب اخذتها متوجهة للداخل- لاه لاه تعالي ادوجك اكلما ده هيعجبك جوي
فتح الصقر فمه ورفع حاجبيه مندهشا من معاملة أمه اللطيفة مع ياسمينا فهي تعاطفت معها جدا على عكس ما كان ينبغي ان تفعله, ولكن كذبته قد فعلت مفعولا كالسحر .
--------------------
كان يتحدث بالهاتف بصوت مرتفع سمعته هي من غرفتها – عتقول ايه؟ صقر جه اهنه الصعيد؟ وكمان شكله مطول اهنه كمااان؟
وكأنما كان لذكر اسمه تأثير كالمخدر الذي يسري في عروقه لكنه مخدر من نوع خاص, مخدر يحيي القلب بهوى العشق , فها هو حبيبها بالقرب منها فعلا, وها هي فرصتها زادت في ان يعرف الحقيقة ويعودوا لبعضهم من جديد.. ابتسمت بحماس
وتنهدت بفرحة كبيرة لكن هذه الفرحة لم تدم الا لثواني قليلة حتى استمعت الى والدها يقول بشر وتوعد شديد- حلو جاي علشان نهايتة جربت على يدي
لتضع مودة يدها على قلبها بخوف – صقر لا .. ياريتك ماجيت .. ياريتك ترجع تاني ياصقر.. يارب نجيه من شر ابويا يارب
لتدلف مرة اخرى غرفتها بعد ان كانت تقف عن الباب وتنخرط في البكاء بمرارة خوفا على قرة عينها وحبيبها التي اشتاقت له
كثيرا وتخشى ان يصيبه مكروه قبل ان تلقاه...فهي مستعدة ان تبقى بعيدة عنه المهم انه يكون بخير ولا يصيبه مكروه
ولقراءة الجزء الاول جميع الفصول من هنا
