لا تتحدي الصقر ج٢
أسماء_عبد_الهادي
الفصل التاسع والثلاثون
_____
لم تستطع البقاء بعيدة عنه ...ترمقه بحسرة وتلهف ..يكفي بعدا عنه إلى هذا الحد ..ذهبت إلى الباب الذي يفصلها عنه وفي عينيها عزيمة أن تبقى لجواره لن تفارقه ... حاولت الممرضات معنها لكنها بدأت تصرخ وتصيح لكي يسمحوا لها بالدخول لن تقبل بغير أن تكون جواره ... لن تسمح أن تكون بعيدة عنه بعد الآن... تقدم بلال رأفة بحالها وطلب من الممرضة السماح لها لأن تكون جوار زوجها
فسمحت الممرضات على مضض وقمن بتعقيمها وجعلها ترتدي الزي المناسب...التفت مودة برأسها لبلال
_خد بالك من شاهين يا بلال من فضلك.. أنا مش هقدر أسيب صقر لوحده بيعاني بعد النهاردة
أقترب منها مشفقا
_وجودك معاه مش هيفيد إلا بتعب ليكي إنتي يا مودة ...صقر دلوقتي مش حاسس بحاجة
أغرورقت الدموع في عيني مودة وحركت رأسها ترفض ما يقوله
_لا بردو مش هسيبه.. ارجوك خد بالك من شاهين.. خايفة يحاول إنه يمشي.
أشار لها بعينيه بأنه سيفعل ..لتلج هي للداخل ...لتبصر الصقر على حالته المنهكة ..تحيطه الأجهزة من كل مكان
إحساس بالضعف والخور تملكان منها، كأنما أصبحت أطرافها لينة لا عظام فيها، خانتها قدماها فلم تستطع الوقوف..انحنت ساقيها لتسقط على الأرض جوار فراشه ...إحساس بأنها ربما تفقده ..يصيبها بالجنون.. ينهش كل إنش في جسدها ...ظلت تبكي لمدة طويلة حتى ..أفرغت كل مخزونها وتعبت من البكاء...مدت يدها نحو الفراش تستند عليه لتنهض من جديد ... جلست على الكرسي قبالته ..وأعينها تجوب كل تفاصيل وجهه باشتياق وتوق رغم جهاز التنفس الذي يخفي معظم وجهه .. هبطت ببصرها نحو صدره تحديدا نحو الحرج الذي خلفته رصاصة أبيها..لينقبض قلبها فجاءة وكأنما وخزت هي برصاصة مفآجئة لتشعر بنفس الألم الذي يمر به
أمسكت أطراف أصابعه الباردة بيدها برقة شديدة حتى لا تؤلمه وهتفت بصبابة وتوسل
_اتحمل ياصقر علشان خاطري أنا... قاوم علشان حبيبتك يا روح قلبي...عارفة إنك شوفت كتير أوي.. بس معلش ..عارفة إنك قدها ... إنت وعدتني إنك هتفضل جنبي ومش هتسيبني... إوعى تخلف وعدك يا صقر ها... أرجوك ارجعلي ياصقر... يارب يارب .
انكفت بوجهها قرب يده لتبكي بقلة حيلة منتظرة أن يحدث الله معجزة فيعيده إليها
استمر بها الحال معه في العناية ليومين كاملين .. تحادثه ترجوه أن يفيق أن يعود لها لكنه لا يشعر بها أبدا .. راقدا لا يتحرك.
____
استغرب عادل أن صقر لم يهاتفه كما يفعل كل مرة
_غريبة ..أستاذ صقر متصلش زي عوايده ...لما اتصل بيه كنت بلاقيه بعدها بيكلمني .
هتفت والدته
_أكيد مشغول... ربنا معاه ويعينه على حاله.
أمنت أميرة وعادل على دعاء أمهما
_آمين يارب.
في هذه الأثناء... رن هاتف أميرة ..لترفعه لحتى ترى المتصل ...فتبتسم عندما تعرف من يكون وتهم بالصعود لأعلى بعد أن تضع حجابا على رأسها وتقول على عجل
_أنا طالعة لسلمى
ليستغرب عادل فعلتها ويظن أن المتصل هو أسامة فيهتف وهو يحك ذقنه
_رايحة فين يا بنتي....هتكلمي أسامة فوق ولا إيه.
_لا ده مش أسامة.. هبقى أقولك لما أنزل سلام.
صعدت إلى بيت خالها ..واستقرت على الاريكة جوار سلمى ..لتبدئا محادثة الفيديو مع هنا
وما أن بدأت المحادثة ..حتى سمعتا
هنا تصرخ فيهما
_أندااااال ..تعملوا كتب كتابكم من غيري ..هاا...طب عقابا ليكم ...هيجوا تقضوا اليوم معايا بكرة ...ومفيش أعذار... أنا بفضل طول اليوم لوحدي أنا وجنى ...عايزة أفرفش شوية.
هتفت سلمى وهي تحاول أن تكف عن الضحك
_يابني ابلعي ريقك ..بالعة راديو ... خدي نفَسك يا ماما.
لتصرخ بها هنا بنرفزة
_انتي تسكتي خالص وليكي عين تتكلمي كمان ... هتيجوا بكرة يعني هتيجوا وده آخر كلام عندي.
لتحرك سلمى رأسها بأن لا فائدة ترجى منها وستظل تصرخ بهما كعادتها
_حاضر حاضر.... بس اتكلمي براحة ..البنت جنبك هيجيلها صرع.
لتقبل هنا وجنة ابنتها وهي تهتف بعدم اهتمام
_لا متقلقيش ...جنى اتعودت هيه وباباها على كدا ..فمتحطيش في بالك.
لتقول أميرة بإعتذار
_آسفين والله يا هنا... كتب الكتاب جه فجأءة زي ما قلتلك ...لو كنا نعرف كنتي أول واحدة هنقولك... إحنا ملناش غيرك بعد مودة
لهتف هنا وهي تكز على اسنانها بأسف
_وأنا كمان معنديش أي اصحاب غيركم... لولا مودة عرفتني عليكم.. كنت هفضل لوحدي... أنا مش شاطرة في تكوين صداقات
لتهتف سلمى محاولة جعل صوتها مرح لتغيير جو الكآبة الذي ساد دردشتهما
_إحنا معاكي يا هنون.. وهنجيلك بكرا نقرفك لحد ما تزهقي مننا ..بس يارب عادل يوافق
لتهتف هنا بشراسة وصوت منفعل
_مين ده اللي ميوافقش ..ده أنا كنت أجيله أعرفه شغله.
لتنفجر سلمى وأميرة ضاحكتين من أسلوب هنا..وتقول سلمى
_وربنا إنتي بقيتي شرسة أوي إيه يابنتي هو الجواز بيعلم الشراسة ولا إيه.
لتقول هنا محاولة ترقيق صوتها
_لا ده أنا بسكوتاية خالص ... بس بتحول لما اتعصب وانتوا عصبتوني
لتقول أميرة مازحة
_غلطة ومش هتتكرر ،خلاص هدي نفسك.
لتزفر هنا بارتياح
_ماشي منتظراكم بكرا ..هجهزلكم أحلى قاعدة.
هتفت أميرة
_طب استنى هنرد عليكي لما نشوف عادل هيوافق ولا لأ
لتشير إليها هنا بتحذير
_هتعصوني تاني ولا إيه
______
أنهت المكالمة ودونت ما تحتاجه في مطوية صغيرة وانتظرت إلى أن عاد زوجها من العمل وأتم غدائه ...فجلست لجواره لتهتف محاولة التدلل عليه
_أيمن.. حبي... مينو .
التفت إليها مبتسما بينما كان يتصفح هاتفه ليقول رافعا إحدى حاجبيه
_الداخلة دي وراها حاجة ..ادخلي في الموضوع علطول يا هنا.
حطت هنا أعلى أنفها تبتسم بسخافة
_هوا أنت علطول كدة قافشني!!؟
أجابها مداعبا أنفها بيده
_طبعا يا حبيبتي.. أنا حافظك وفاهمك.
_طيب حيث كدا أدخل في الموضوع علطول
مدت يدها تناوله المطوية التي دونت بها ما تحتاجه
_اتفضل أنا محتاجة دول.
قرأ محتويات الورقة لتتسع عينيه من كثرة الحاجيات التي تريدها
فهتف بتهكم
_إيه كل دون إنتي هتفتحي بقالة هنا يا روحي ولا إيه؟
_لا بس.. صاحباتي جايين بكرة ومن زمان جدا متجمعناش ..والحاجات دي لزوم القعدة .
ليزم شفتيه باستياء
_لزوم القعدة قولتيلي
لتهتف هنا بحماس
_أه أنا ما صدقت إنهم جايين ...يلا انزل بسرعة هاتهم وتعالى
_طيب خليها وأنا نازل بالليل
لتهتف به بصرامة
_لا مفيش نزول بالليل ..إنت وعدتني إنك مش هتسهر برا تاني وهتفضل معانا أنا وبنتك.
ليتنهد بقلة حيلة
_حاضر يا هنا زي ما تحبي... هقوم أجيلك اللي إنتي عايزاه
تعلقت هي بذراعه ومن ثم تقبله على وجنته بحركة طفولية
_ربنا يخليك ليا يا حبيبي.
ليبتسم بمكر
_حيث كدا بقا أنا عايزك تحضري عشوة حلوة كدا على زوقك.
لترمقه بابتسامة صافية
_بس كدا... أحلى عشا لأحلى زوج في الدنيا.
___
في اليوم التالي
حضرت الفتاتان إلى بيت هنا ،بعد أخذ موافقة أهلهن وقبل أن تطرقا الباب..زاغت أعينهما تلقائيا نحو باب شقة مودة
لتتنهدن بحزن على فراق رفيقة مخلصة كمودة
أخفضت أميرة بصرها بحزن بينما طرقت سلمى الباب ..لتفتح هنا الباب على الفور...وتحسن استقبالهن ... لكنها تلاحظ الحزن البادي على وجه أميرة
_مالك يا أميرة ؟؟
حاولت أميرة ألا تبدو حزينة حتى لا يتأثر الجميع وتنقلب الجلسة إلى نكد
_مفيش يا حبيبتي أنا كويسة مبسوطة إننا معاكي
لتهتف هنا بفرحة
_وأنا كمان مبسوطة جدا
قضت الفتيات وقتا ممتعا معا وتناولن التسالي التي طلبت هنا من زوجها إحضارها ...لتضحك كل منهن طويلا وكأنهن لم تضحكن هكذا منذ زمن... فهن حقا كُن بحاجة إلى هذا اليوم للتفريج على قلوبهن.
لتهتف أميرة بشوق
_تعرفوا العقدة دي ناقصها إيه... مريم ياريتها كانت موجودة في القاهرة وتشاركنا اليوم
لتهتف سلمى
_وياسو كمان... دمها خفيف وكانت هتخلي العقدة غير.
لتمسك هنا هاتفها
_طب إيه رأيكوا نكلمهم ... هما أساسا الاتنين مع بعض في الصعيد
اتصلت هنا بمريم عدة مرات لكن لم يأتيها رد
فقالت سلمى
_طيب هحاول أكلم ياسو .
لكن أيضا لم ترد ياسمينا على الاتصال
ليتسرب القلق إلى الفتيات ،فتهتف أميرة باستغراب
_إيه اللي بيحصل هناك... مش بيردوا ليه ...حتى أستاذ صقر كمان مش بيرد.
لتهتف هنا بقلق
_ربنا يستر... هحاول أكلم مريم تاني.
لتجيب مريم هذه المرة.. فهتمت هنا بفرحة
_الحمد لله .. أهي ردت
لكن بدأ صوت مريم ضعيفا ومختنقا
لتقول هنا بقلق حقيقي
_مريم مالك يا حبيبتي ...صوتك متغير.
حاولت مريم إخفاء ما بها عنهما
_مفيش الحمد لله أنا كويسة.
لتهتف سلمى للاطمئنان على ياسمينا
_مريم .. ياسمينا عندك مش كدا...هيه كويسة
لتنظر مريم تلقائيا إلى تلك الصامتة التي تجلس جوارها ولم تتحدث منذ إصابة الصقر إلا قليل
_يعني الحمد لله .
لتهتف أميرة بشك
_مريم في حاجة إنتي مخبياها عننا .. صوتك باين جدا إنك زعلانة في إيه يا حبيبتي.
لم تستطع مريم الصمود أكثر فانفجرت باكية
_أبيه صقر في العناية بقاله يومين.. ومش عارفين الوضع هيستقر على إيه... ادعوله يا بنات بالله عليكم.
أصاب قلب الفتيات الحزن على الصقر...ذلك الرجل الطيب التي لم ترين منه إلا الصلاح
وتدعين له بالشفاء العاجل
تذكرت مريم أنها لم تخبرهم بأمر مودة ..لذا هتفت بتردد تخشى ردة فعلهن المنصدمة
_بنات أنا هقولكم على حاجة بس بالله ..إمسكوا أعصابكم.
لتصيح أميرة بخوف
_أستاذ صقر..جراله حاجة!!؟
لتزدري مريم ريقها قبل أن تهتف على عجل
_مودة..
صمتت الفتيات لتسمعن بقية حديث مريم
لتردف مريم
_مودة .. لسه عايشة .. وهيه دلوقتي مع أبيه صقر مش راضية تسيبه الا لما يفوق.
لحظات من السكون عمت المكان لتقطعه سلمى بعدم استيعاب
_مودة مين..اللي عايشة أنا مش فاهمه حاجه
لتهتف مريم لتوضيح الأمر
_اللي ماتت اتضح انها مكانتش مودة.. ومودة باباها كان حاسبها معاه طول الفترة دي هيه وابنها شاهين
ليعم الصمت مرة أخرى فلقد إحتلت الصدمة وجوه الجميع.. فلم يُسمع إلا صوت ارتطام هنا على الأرض من هول المفاجئة
عملت الفتيات على إفاقتها ومازالت معهن مريم على الهاتف لتطمئن عليها
لتفيق هنا بعد أن أحضرت سلمى ..زجاجة عطر لتنثره قرب أنفها
وتهتف بفرحة وكأنما أصيبت بالجنون
_مودة....مودة لسه عايشة... أنا مش مصدقة
لينظرن الفتيات إلى بعضهن البعض ..خوفا من أن تكن تتوهمن
لتهتف مريم بتأكيد
_عارفة انكم مصدومين.. إحنا كنا زيكم كدا أول لما عرفنا... بس للاسف لما شفتها تاني لأول مرة بعد اللي حصل كان أبيه صقر انصاب ومكانتش فايقة لأي حاجة وهيه دلوقتي معاه ومش عايزة تفارقه لاحظه واحدة.
غمرت السعادة قلوب الفتيات بهذا الخبر السعيد مع شعورهن بالحزن أيضا من أجل زوجها الصقر
لذا قررن أنهن لن تتركنها في هذا الموقف وحدها وسيسافرن إليها ليكن جوارها ليشددن بأزرها..وأيضا لأنهن إشتقن إليها كثيرا... فما سمعنه أشبه بحلم غريب أو درب من الخيال.
___
بينما هي تمسك يده بحنان ..متشبثة به لا تريد أن تبرحه خوفا من أن يبتعد عنها ...أحست بحركة خفيفة من إصبعه...لم تصدق نفسها ،توهمت أنها تحلم من طول انتظاره أن يفيق.
لكنها استمعت لصوت همهمات خافتة جدا من شفتيه...لتنهض من مكانها بلهفة حتى كادت أن تسقط على الأرض ونظرت إليه بأعين دامعة تلمع من الفرحة منادية باسمه
_صقر!!
لتسمعه يردد ثانية دون أن يفتح عينيه...لكنها لم تفهم ما يقوله فالصوت ضعيف جدا
لذا قربت وجهها لفمه أكثر حتى تسمعه جيدا
لتجده يردد بخفوت شديد باسمها وكأنه يناديها
_م...و...د..ة.
لتصيح مودة من الفرحة فها هو ينطق باسمها حتى في منامه ..فأمسكت يده تقبلها ببكاء
_أنا أهو جنبك يا حبيبي.. ومش هسيبك أبدا.
لتجده يرمش عدة مرات ومن ثم يفتح عينيه ببطىء وكأنه متلهف لرؤيتها رغم حالته المتأزمة
لتهتف بفرحة
_صقر انت رجعتلي.. الحمد لله يارب ... حمدا لله على سلامتك يا حبيبي.
لتجده يحاول أن يضغط على يدها القابضة على يده محاولا أن يطمئن عليها لذا هتف بضعف
_مودة... إنتي ..كويسة!!
لتقترب وجهها من وجهه تحتضنه بسعادة
_أنا روحي اتردلتي تاني دلوقتي يا صقر ... ربنا يخليك ليا يا حبيبي
ظلت على وضعها لبرهة بينما أغمض هو عينيه باطمئنان لقربها وأنها بخير
لتحاول هي الابتعاد عنه لتنادي الطبيب
_هروح أشوف الدكتور بسرعة علشان يطمنا عليك.
لكنه حاول إمساك يدها بضعف
_لا ..خليكي.. جنبي ..متسيبنيش
لتعود مكانها جواره ثانية متنهدة براحة حامدة الله أنه أعاد لها زوجها وحبيبها
لتسمعه يقول محاولا فتح أعينه متجاهلا الألم الذي يشعر به فهو على مايبدو يحتاج لمسكن...لكن كيف يطلبه وجواره مسكن لكل آلام قلبه ... زوجته ونبض قلبه
لذا هتف بعشق رغم ضعفه وألمه
_أنا مش.. طالب حاجة.. من ربنا... أكتر... كفاية عليا.. وجودك جنبي...يا عمري كله
كانت كلماته كفيلة بأن تضمد جروح قلبها ...فكلماتها سرت في كل خلية في جسدها لتعيد إليها الحياة من جديد..لتقوم بجبر كسر قلبها الذي تحطم بسبب بعدها قسرا عنه ...أزابت كلماته أنين قلبها ..فتنهدت براحة وكأنما لم يصيبها ألم قط.
فأسنتدت ناصيتها بناصيته وهمست له بعشق
_وأنا حياتي مكانش ليها طعم ولا معنى من غيرك... مكنتش هتحمل يجرالك حاجة...ربنا لطف بقلبي..وردك ليا تاني يا حبيبي
أغمض عينيه بسعادة غامرة تجتاحه ..لا يريد لهذه اللحظة أن تنتهي ..يريد أن ينعم بدفء أنفاسها ثانية بقربه ... فمن كان يصدق أن روحه تعود إليه من جديد بعد أن يأس من الأمر وظن أن الموت قد أبعدها عنه.
علم الجميع بأمر تحسن حالة الصقر وإفاقته من الممرضات ...فسمح لهم الطبيب بالدخول والاطمئنان عليه وذلك بعد نقله لغرفة آخرى وتم فحصه للاطمئنان على مؤشراته الحيوية
وأثناء ذلك كله لم تفارقه مودة قط ولم تترك يده بل ظلت متشبثة به فرحة بلقاءهما ثانية.
كانت أول من دخل بلهفة وخوف هي ياسمينا...التي ما أن رأته حتى هفت نحوه معانقه إياه بشدة بينما هو ممد على ظهره على الفراش
_صقر ماي لاف... أنا كنت هموت من القلق عليك.
انزعج الصقر من فعلتها تلك وخاصة أمام مودة فهو خشي أن تفهم الأمر بالخطأ وأنهما متزوجان حقا
وما أكد له انزعاج مودة للأمر ..هو ضغطها على يده التي تمسكها بقوة ..لكنها لم تتحدث
لذا أراد اللعب على أعصابها قليلا ليرى إلى أي مدى ستأخذها غيرتها عليه
فهتف بابتسامة هادئة
_بعيد الشر عنك يا ياسمينا.. أنا كويس متخافيش.
مررت ياسمينا يدها على جسده تتفحصه بقلق
_صقر ..حاسس بألم في حاجة بتوجعك.. أنادي الدكتور؟
لتهتف مودة وهي تكز على شفتيها كعادتها
_اه يا ياسمينا معلش ناديه بسرعة
لتخرج ياسمينا على الفور تنادي الطبيب
ليستغل الصقر فرصة عدم ولوج أحد آخر
ويضحك بعشق لفعلتها
_وحشتني الحركة اللي بستفزني دي أوي ... وحشتيني أوي يا مودة.
لتبتسم له مودة متناسية غضبها وكادت لترد إلا أنها وجدت جميع العائلة يدلفون واحدا تلو الآخر للاطمئنان عليه
هتفت أمه رباب بسعادة
_ولدي حبيبي... حمدا لله على سلامتك يا بني وقعت قلبنا من الخوف عليك .
الزيني
_حمدالله على سلامتك يا غالي
مريم
_أبيه ألف سلامة عليك.. يارب متشوفش شر أبدا
بلال مربتا على كتف صديقه قائلا بمزاح
_وبتقول عليا ..زي القطط بسبع ارواح...إنت بقا بتسعة .. الرصاصة كانت خلاص هتخترق قلبك ..بس الحمد لله ربنا ستر...حمدا لله على سلامتك يا صاحبي ..قوم كدا متعملش فيها تعبان
ليرمقه صقر مداعبا إياه بينما ينظر لعيني مودته
_لا أنا مبسوط كدا ومش عايز أقوم
ليغمز له بلال
_ااااه بقا كدا.. يعني نخرج إحنا منها ..ماشي يا عم حقك ... بس بردو هفضل على قلبك شوية
ليضحك الجميع على عناد بلال للصقر
بينما تدلف ياسمينا وخلفها الطبيب ..وخلفهما الصغار والذين كانوا يشترون الحلوى من الأسفل
لتهرول مودي ويحيى تجاه الصقر بسرعة كبيرة
مودي مقبلة أبيها
_بابي .. مس يو أوي... كدا تقلقني عليك
ليقبل الصقر مودته الصغيرة
_لا طبعا أنا آسف حقك عليا
ثم ينظر إلى مودته بأعين لامعة يرفرف الحب بهما حتى أصبح يراه كل من ينظر إليهم
_شوفتي يا مودة قلبي النسخة المصغرة منك...كانت بتخفف عني شوية بعادك عني.
لتقبلها مودة أيضا بحب
_هو أنا بالحلاوة دي ياناس
ليرمقها بعشق سمعه الجميع غير مبالي بوجودهم، حتى ياسمينا التي كانت تبصرهم بغبطة كبيرة فهي رغم سعادتها لسعادتهما إلا أنها لم تستطع أن تمنع ذلك الشعور بالألم الذي أصابها بسماع كلماته التي قالها لمودة على مرأى ومسمع من الجميع
_مفيش حد في الدنيا دي كلها بحلاوتك إنتي يا نور عيني
ليتنحنح الطبيب بحرج
_احم.. واضح أن حضرتك يا استاذ صقر كويس.. هستأذن أنا وحمدا لله على سلامة حضرتك.
ليدفشه بلال في كتفه
_يعني لازم يا عم النحنوح قدام الدكتور
ليرمقه صقر بغيظ
_إيه!!! واحد ومحروم من زوجته بقاله خمس سنين.. المفروض انت تحس على دمك وتهوينا
ليجلس بلال على الكرسي جواره على الناحية الأخرى بغية مشاكسته فهو فرح بنجاة صاحبة
_ لا أنا قاعد على قلبك.. عندك مانع؟
ليهتف الصغير يحيى
_بابا صقر ..سلامتك ..بابا بلال كان زعلان جدا على حضرتك .. هو بيحبك...أنا شوفته بعيط علشان خايف عليك بس كان يحاول يداري ده علشان محدش يشوفه
ليمسكه أبيه ويكتم فمه
_فضحتني الله يكسفك
ليهتف صقر بامتنان بعد أن قبل الصغير يحيى
_ أنا لو لفيت الدنيا كلها مش هلاقي صاحب وفي زي أبوك يا يحيى... طول عمره متحملني ومتحمل عصبيتي ..ووقت الشدة عمره ما بيتأخر أبدا.
ليحمحم بلال بحرج قائلا
_تسلم يا صاحبي... تقوملنا بالسلامة يارب
لينتبه صقر أنه ثمة فرد آخر لم يقترب منه ولم يطمئن عليه فيجول ببصره بالغرفة ليجده يقف عند إحدى زواياها ...يرمقه بوجه خال من الملامح ويجلس هادئا دون حِراك....يشاهد الجميع فرح بنجاة الصقر فيستغرب كيف يحبونه لكنه برع في عدم اظهار أي ملامح على وجه
ليشير إليه مناديا
_شاهين ..واقف بعيد ليه تعالى.
لكن شاهين لم يستجيب له وأحاد ببصره عنه متجاهلا
ليطلب صقر من الجميع بهدوء ..الانصراف لحتى يتحدث مع ابنه
ذهبت مودة لتجعل ابنها يقترب من أبيه لكنه رفض تماما أن يتحرك من مكانه
ليهتف صقر بجدية
_مودة ممكن تسنديني اتعدل شوية .
لتفعل مودة على الفور ..فيهتف بها
_حبيبتي سيبيني شوية مع شاهين لوحدنا
لتهتف بلوعة
_صقر .. ..كلنا حاولنا معاه..شاهين محتاج فترة علشان ي...
ليشير إليها صقر بعينيه ..محركا رأسه .. فتتنهد بقلة حيلة وهي تقول
_حاضر ياصقر هسيبكم .
خرجت مودة على مضض وتغلق الباب خلفها
ليهتف صقر بهدوء
_شاهين ممكن تقرب مني شوية ..زي ما انت شايف مش هقدر أقوملك أنا
لكن شاهين لم يستجيب له ايضا
ليهتف صقر بضجر
_شاهين خلينا نتكلم مع بعض راجل لراجل من فضلك قرب مني ..تعالى
بالفعل اقترب شاهين من صقر ..لكنه في حركة مباغتة ضغط بكل قوته على جُرح أبيه
ليتأوه صقر من الألم فجرحه ما زال لم يبرأ بعد
_اااه
ليبتسم شاهين بسخرية ويهتف بتهكم
_عاملي فيها راجل.. وانت بتصرخ بالشكل ده .
ليرمقه صقر بوجه جامد
_والراجل يبقى إيه بالنسبة ليك ..ممكن تفهمني
_الراجل مش بيتوجع.
حاول الصقر أن يزيح تلك المحاليل المعلقة بيديه وتحامل على نفسه ليقف على رجليه..رغم شدة الألم وخطورة الحركة على صحته إلا أنه حاول فعلها من أجل ابنه
وهتف بصوت رغم الألم الذي يعصف به من وقوفه فقال باسطا ذراعيه جانبا
_ها كده بقيت راجل ..أديني وقفت أهو ومش بتوجع
صمت شاهين ليردف صقر
_مش معنى الراجل إنه ميحسش ..او يتجرد من المشاعر.. الراجل بجد هو اللي يحس بالناس ويتألم لألمهم ،يحاول يساعدهم على قد ما يقدر، ينصر المظلوم فيهم،وياخد بإيد الضعيف...الراجل بجد قوته مش بتبان غير في نصرة الحق ومحاربة الظلم.
ليرمقه شاهين بلا مبالاة ويهتف مغادرا
_أنا رايح لماما
ليمسكه الصقر من ملابسه ويهتف بحدة
_أنا لسه مخلصتش كلامي علشان تمشي
أزاح شاهين يد والده بسهولة فالصقر لم يعد يقو على الوقوف لذا جلس على طرف الفراش بألم بينما يهتف شاهين
_أنا مش بحبك
_وأنا مهما قلت أو عملت بحبك جدا ..عارف ليه لإنك ابني
قالها الصقر بعاطفة شديدة ..قابلها شاهين ببرود تام
ليتنهد الصقر ويعرف ان مهمته ستكون بالفعل عسيره .
صمت قليلا ثم قال
_ممكن أسألك انت ليه مش بتحب أبوك!
_علشان إنت مش كويس... إنت سبتني أنا وماما.. انت السبب أن ماما تعيط كل يوم.. عارف انها بتحبك لكنك بتعذبها دايما... وانت السبب في دخول جدو السجن.
ليهتف صقر وهو يكز على أسنانه غضبا من عمه
_مش حقيقي كل اللي قولته ده... أنا مسبتكش ولا اتخليت عنكم أبدا... بعدي عنكم مكانش بمزاجي ... ومامتك ..دي روحي الهوا اللي بتنفسه...هي الالوان اللي بتعمل لدنيتي شكل ولون ..هي روحي اللي أنا عايش بيها..وعمري ما في يوم أقدر أءذيها أو اجرحها.
_طيب ليه بتكره جدو
_مش بكرهه
_طالما مش بكرهه ليه دخلته السجن؟
_علشان أحميه من نفسه.. دخلته السجن علشان بحبه...جدك غلط وكان لازم يتعاقب وعقابه بدخوله السجن...جدك كان قدوتي ومثلي الأعلى لكنه..مشي في طريق غلط ..حاولت أمنعه من الطريق ده مقدرتش فكان الحل الوحيد إنه يدخل السجن.
_بس جدو بيقول إنك شرير ومحدش بيحبك وإنهم بيبينوا انهم بيحبوك علشان خايفين منك
_شوفت إنت كل العيلة هنا... تفتكر كانوا قلقانين علينا علشان خايفين مني ولا بيحبوني؟؟
_مش عارف
_قولي إنت حسيت بإيه ... هل لو كانوا خايفين مني زي ما بتقول ..كانوا هيظهروا حزنهم وقلقهم عليا وأنا نايم تعبان هنا مش حاسس ولا شايف بيعملوا إيه برا ..ولا كانوا هيفرحوا إن الراجل اللي بيخافوا منه راقد وتعبان ؟؟
_
_رد عليا يا شاهين
_مش عارف
_لا انت عارف بس بتكابر
_جدو بيقول إنك بتقدر تخدعهم ... وانت هتخدعني إنت كمان بأي كلام .
ليطرق الصقر بغضب على الطرف الخشبي للفراش ..وأغمض عينيه ليحاول التحكم في غضبه..ومن ثم فتحهما وتحدث بهدوء
_ممكن تديني فرصة علشان أثبتلك إني بحبك وان كل اللي سمعته ده مش حقيقي!!
_لا
_جرب مش هتخسر حاجة
_مش عايز
_بس أنا عايز ... واللي هقوله هو اللي هيمشي.
هم شاهين بالمغادرة ..لكن صقر مد يده نحوه ليدفعه لصدره يضمه إليه بقوة بيد واحدة فيده الأخرى لم تعد تقو على الحراك بسبب آلام صدره
ليهمس شاهين بفزع وهو يري ضمادة صدر أبيه تخضبت بالدماء بالكامل
_جرحك .. بينزل دم
_مش مهم
_انت عايز تموت!!
_وهيفرق معاك إيه؟؟انت كدا كدا مش بتحبني
_مش بحبك لكن مش عايزك تموت
_سيان عندي طالما مش بتحبني
_خلاص هعطيك فرصة علشان تخليني أحبك .
ابتسم له الصقر وقبل ناصيته بحنان
_ اتفقنا
طرقت الباب لتدلف ياسمينا وهي تمسك في يدها الطعام الخاص بالصقر وما إن ترى الدماء تنتشر في صدره حتى تصرخ بفزع
ليحاول صقر تهدئتها
_إهدي متخافيش أنا كويس ..إطمني ..تعالي بس ساعديني اتمدد تاني لإني تعبت
وضعت ياسمينا الطعام على الطاولة وحاولت مساعدة الصقر في التمدد على الفراش...كانت سعيدة بقربها ذاك من الصقر.. لكن الصقر أحس بناقوس الخطر يقترب منه فهتف بارتباك طالبا من شاهين أن ينادي أمه
_شاهين .. إطلب من مودة تجيني حالا.
لتهتف ياسمينا بخوف
_خد بالك من نفسك يا صقر... هروح أنادي الدكتور تاني.
ليهتف صقر بارتياح فهو لا يريد قربها الذي يحزن مودته
_ياريت
وعندما عادت ياسمينا بالطبيب ثانية ..دلف الجميع للاطمئنان عليه..فلم يجد من بينهم مودته
فهتف يجول بعينيه عنها
_مودة فين؟؟
لتقول مريم باستغراب
_أنا فكرتها معاك هنا
ليهز رأسه بالنفي
_لا هيه خرجت بعدكم علطول
ومن ثم يسأل شاهين الذي دلف للتو
_فين ماما؟
ليهز شاهين كتفيه بعدم معرفة مكانها
_مش عارف ..مش لاقيها
ليبدأ الخوف يتسرب إلى قلب صقر ..خوف لا يدري سببه
ويطلب من بلال البحث عنها
بلال_تلاقيها في الحمام أو نزلت تشتري حاجة من تحت هتكون راحت فين.. هروح أشوفها
بدأ الطبيب في تضميد جرح صقر من جديد لكن على ما يبدو أن جرحه يأبى أن يضمد والأيام تريد أن تجعله ينزف بشدة أكثر من زي قبل
فلقد عادل بلال بعد أن بحث في كل مكان ولم يجدها
ليصرخ الصقر مناديا بأعلى صوته ..صراخا من أعماق قلبه ..صراخا يصم الآذان ويفتك بالقلوب..خوفا على محبوبة ونبض قلبه
_موووودددة....مـــوووودة
....
(تنقلب الموازين وتتقلب الاحداث وتتغير الأحوال في لمح البصر فلا تغرنك نفسك وأسأل الله السلامة )
أسماء عبد الهادي
___
مش عارفة أقول إيه
بس مودة اختفت ومش لاقينها .. علشان بس شوفتكم فكرتم أن الدنيا هتبقى خلاص وردي
😁😁😁
ولقراءة الجزء الاول جميع الفصول من هنا
