رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الاول1والثانى2بقلم سارة محمد

في إحدى شقق القاهرة بالمناطق الراقية ، و وسط ذلك الجو شديد الحرارة ، فتاة يافعة ترتدي كفوف الملاكمة و أمامها كيس الملاكمة الطويل ، أخذت تضرب به بقوة بقدميها وبكفيها ، عاقدة خصلاتها التي تصل لما بعد ظهرها كذيل حصان مما أعطاها مظهرً جاد ، مرتدية زي الرياضة بكنزته "الكت"




 و بنطاله الملتصق بساقيها الرشيقتان ، تنبعث من بين جفنيها المغطان بأهدابٍ كثيفة تصميمٍ شديد ، ظلت تضرب الكيس حتى تصببت عرق من جميع أنحاء جسدها ، أمسكت بالكيس بكلتا كفيها لتسند رأسها عليه وصدرها يعلو و يهبط بلهاث..


ثم قامت بنزع الكفوف بعصبية و هي تلقيها أرضاً ، شرست ملامحها و هي تقف أمام المرآة ، شردت قليلاٌ و هي تنظر لنفسها ، بملامحها الشرسة و الحادة إلا أن بهما جاذبية خاصة بلون بشرتها الخمري و مقلتيها العسليتان سبحان الخالق و كأنه



 صب العسل بأعينها ..! و خصلاتها الفحمية المجعدة بغجرية و بالطبع جسدها الرشيق الممشوق لمواظبتها على التمارين الرياضية ، أُنتشلت من شرودها على صوت رنين هاتفها بـ موديله الحديث ، ألتقطته من على فراشها الوثير لتضغط على زر الإجابة ثم وضعته على أذنها قائلة :

- خير ؟


أجاب الطرف الأخر والذي لم يكُن سوى صوت أنثوي به رجفة خوف :

- أنا أسفة يا فندم اني ب.. بتصل في وقت بدري كدة بس في موضوع مهم حضرتك لازم تعرفيه .. 


أشتدت ملامحها غضباً لتجأر بها :

- مـ تنجزي في أيه ؟!!!


- الشركة يا فندم .. بتضيع !!


"ملاذ خليل الشافعي" 


صاحبة أكبر شركات الأزياء بالوطن العربي ، أستطاعت تكبير شركتها في سنة ونصف رُغم صغر سنها الذي لم يكن سوى أربعة و عشرون ، إلا أن شركتها الكبيرة و سيطها العالي يعود إلى عمليات النصب و الأحتيال التي قامت بها ، فـ أخر عملية نصب قامت بها كانت حول رجلٍ بالخمسون من عمره فقد



 بصره ، تلاعبت عليه ك الأفعى .. نصبت شباكها بحرفيه ليقع العجوز بالفخ دون عناءٍ يُذكر ، كتب لها أملاكه .. ثروة بملايين الجنيهات فُرغت في أحضانها ، و حتى لا تُكشف وتقع خلف القضبان  دائماً ما كانت تحرص على التلاعب بالرجال الفاقدين



 حاسة البصر خاصة كبار السن .. و تفكر مئات المرات قبل أي خطوة تتقدم بها ، حيث تظهر بأسماءٍ مختلفه كـ "سميرة" "اسيل" دنيا" و الكثير من الأسماء الزائفة ، تتميز بوجهٍ حاد الملامح ، عينان سمرواتين مغلفتين بقسوةٍ و برود و حواجز



 منيعة هي من وضعتها ، عيناها حادة خاصةً عندما تضع ظل العيون الأسود -مستحضر تجميل- ، خمرية البشرة ذات جسد ممشوق  ، خصلاتها بها تمويجة بسيطة ليصل لما بعد ظهرها ، توفى والديها أثر أنفجار حدث ببلدتهما الفقيرة نجت منها هي




 و شقيقتها عندما كانا عند خالتها -المرحومة - بالأسكندرية ، كانت طفلة لا تتعدى الست سنوات ، و شقيقتها كانت رضيعة عمرها لا يتعدى السنتان ، لم تكن تعي أنها لن ترى والديها مجدداً ، دائماً ما كانت "براء" شقيقتها رغم صغر سنها إلا أنها



 كانت المدللة لوالديها ، يجلبوا لها ما تريد إن كان بإمكانهم ، يجلبون لها الألعاب وو كأنهم لم ينجبوا إلا إياها !! ، بينما "ملاذ" يصرخون بوجهها و يضربونها أحياناً ، دائما عند طلب و لو شئٍ صغير كانوا يزمجرون بها ، لم تجد "ملاذ" حنان أبداً في



 طفولتها ، فـ بقيت تلك الفتاة المنطوية المنبوذة من جميع من حولها لاسيما والدها !! ، ربما هي لم تكره والدتها بقدر كرهها لذلك الرجل الذي بالخطأ أُطلق عليه ذلك المسمى ..!!




بعد تلك الحادثة المريرة .. رفقت بحالها السيدة "كريمة" جارتهما التي لم تُرزق بأطفالٍ ، إلا أنها هي من ربتهما تربية صالحة ، كان دائماً زوجها يعترض على وجودهما في المنزل ، فكانت تقول له بفظاظة :

- دة بيتي ياخويا و اللي مش عاجبه الباب يفوت جمل !!!


تهدج صدرها علواً وهبوطاً تنفي برأسها بحركات هيستيرية و هي تحاول إبعاد تلك الذكريات عن عقلها ، لملمت شتات نفسها لترتدي ملابسها الرسمية ، ألتقطت مفاتيح سيارتها بعجلة ..

• • • •


- أنتوا أيه متعرفوش تعملوا حاجة من غيري أبداً ، مشغَلة عيال صغيرة !!!


صدح صوتها بالشركة بأكملها و أمامها صفٍ من الموظفين مطأطأين رؤسهم بخوفٍ ، فـ هم يعلمون أنها لا تتهاون في العمل ، و غضبها الجحيمي أيضاً ..


أهتاج صدرها بغضبٍ لتطرق بكعب حذائها الأنيق على الأرضية و هي تعقب محذرة :

- قسماً بالله لو حصل حاجة زي دي تاني هرفدكوا كلكوا و مش بس كدة هخليكوا مش لاقيين تاكلوا فـاهمين !!!


أومأوا جميعهم مبتلعين الإهانة كالعادة لتبتعد عنهم و هي تدفع باب مكتبها بقوة ، كان أنيق يطغى عليه اللونين الأبيض و الأسود تتوسطه طاولة خلفها مقعد وثير و نافذة شديدة الأتساع ، أتجهت نحو النافذة و طرقات كعبها تصدح بالمكتب ، و قفت أمام الزجاج الشفاف لتطالع المنظر و راءه ، سمعت طرقات عشوائية ليدلف الطارق حتى دون أن ينتظر أستئذانها ، أشتعلت مقلتيها العسليتان لتلتف مطالعة الشخص الذي أمامها و هي تقول ببرودٍ :

- بـرا ..


توسعت حدقتي الشخص ليفتح ثغره ببلاهة قائلاً :

- نـعـم ؟!!


- إنت أستئذنتني قبل مـ تدخل ؟! 

كانت لهجتها هادئة ، بينما تنحنح الشخص بإحراج ليخرج مغلقاً الباب ، طرق مجدداً منتظر أستئذانها لتعتلى ملامحها رضا و هي تستطرد:

- أدخل .


دلف الشخص ليطالعها بحنق و هو يقول :

- مش هتبطلي معاملتك الناشفة دي ؟ دة أنا حتى خطيبك يعني ..


تحركت نحوه بخطوات أنثوية غير مقصودة لتقف خلف مكتبها مقربة وجهها منه بملامحها المشدودة :

- إذا كان عاجبك يا عماد !!


حدق بها المدعو "عماد" بعشق و بملامحها القوية الجذابة ليقول بلوعة :

- عاجبني و نص يا قمر !


حدجته بسُخرية لتعود جالسة على مقعدها و هي تعقد كفيها بعملية ليظهر أظافرها المطلية باللون الأسود و هي تقول :

- خير ؟


أبتسم "عماد" ليجلس و هو يقول بجدية :

- نصَباية جديدة !!


تأففت بحنقٍ لتضرب على المقعد :

- أحنا مش كُنا خلصنا م القرف دة !!


غمز لها "عماد" قائلاً بإنتشاء :

- حد يقول لـ ظافر سرحان الهلالي لاء !!!!!


تغيرت معالم وجهها للصدمة الشديدة و هي تنهض قائلة بذهولٍ :

- قولت أيـه ؟!!!!


قهقه "عماد" بسماجة و هو يقول :

- لاء بقولك أيه ونبي كدة نضفي ودنك و ركزي معايا ، هننصب على ظافر الهلالي اكبر رجل أعمال يا ملاذ !!


جلست "ملاذ" و هي تنظر للفراغ ، بينما أكمل "عماد" :

- طبعاً هو غني ع التعريف ، ابن المرحوم سرحان عيلة الهلالي أكبر صعايدة في مصر !! ، هو الوحيد اللي عنده سيط جامد أوي أوي مع أنه عنده أخوات بس ميجوش نقطة في بحر شهرته و أيده الطايلة !!


دوى الصوت بأذنها عدة مرات ، فـ لم تستمع حتى لباقي كلماته ، "ظافر سرحان الهلالي" بن "سرحان الهلالي" ، ذلك الرجل الذي سلب منهما الكثير ، ذلَّها ، تشبَّع ببكاءها ، لم يرحمها أو يرحم شقيقتها حتى عندما كانت طفلة صغيرة ، برقت عيناها بوميض ثم ألتفتت إلى "عماد" قائلة :

- أمتى ؟


• • • •

في الوجه القبلي من مصر حيث الصعيد ..


بـ جناحٍ راقي يجعلك تتأكد من ذوق صاحبه الرفيع ،

أغلق أزرار قميصه الأسود القاتم الذي عزز عضلات جسده عدا أول زرين ، ثم شمّر عن ساعديه و عيناه متصلبة على المرآة


 أمامه ، ألتقط ساعة ذات ماركة عالمية ثم إرتداها ، صفف خصلاته بعناية لينثر عطره الجذاب بغزارة ، ثم ألقى نظرة واثقة على نفسه بالمرآة ، أنتعل حذاءه ليلج لخارج جناحه 


"ظافر سرحان الهلالي" 


أكبر تاجر سلاح بالشرق الأوسط ، يفوق القوانين فـ بنظرهما هو فوق مستوى الشبهات ، كيف وهو من يخضع له الصغير و الكبير ، دائماً ما يُرسم لنفسه صورة نظيفة .. خالية من



 الأوساخ ، سمعته لم و لن تُلطخ ، رغم سنه الأثنان والثلاثون إلا أنه يملك أمبراطورية كبير بإسمه البرّاق "ظافر سرحان الهلالي" .. ذو جسد مُعضل يجعل الفتيات تُلقين بأنفسهن تحت قدميه ، يمتلك طولٍ يافع أطول من المعتاد بقليل ، بشرة برونزية ، و



 عيناه حادة كالصقر و لكن يشفع لذلك غابات الزيتون التي زُرعت بمقلتيه ، توفى والده لتآكل السرطان بجسده و لحالته المتأخرة لم يتقبل جسده أية علاجات ، عندها جن جنونه ، ذلك اليوم لن ينساه مهما حيا ، أنقلبت المشفى رأساً على عقب



 .. خاصةً ذلك القرار الذي أخذه والده و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ذلك القرار الذي كان ظالماً بحقه ، و عندما مات أبيه بعد مرور أسبوعان ، لم يذرف دمعةٍ واحدة ، بقى متحلياً بالقوة عكس أشقائه  


• • • • 


و بالأسفل ، زُين بهو القصر المتسع -ذو الطابع الفرعوني الأصيل- بـ مزينة كبيرة تدلت من السقف العالي ، تعالت الضحكات المرحة على طاولة وُضِعت بالمنتصف ، ولكن ع ضحكاتهم العفوية صوت خطوات "ظافر" التي صدحت بالمكان ، ألتزموا الصمت لـ هالة "ظافر" التي تحيط به ، أقترب منهم



 "ظافر" ليترأس الطاولة ، تفحصهم جيداً ثم أخذ بتناول الطعام أمامه ، تطلعوا الجميع له بحذرٍ ثم أمتدت كفوفهم ليشرعوا بتناول الطعام بهدوء ، رفعت "مريم" (زوجته) عيناها لتحدق



 به ، بزوجها ، معذبها ، جلادها ، كم تعشقه .. و كم هو باردٍ ، كم سعت لتتزوجه ، نعم فـ "ظافر" ابن عمها ، تزوجها ليرضي أبيه الذي كان على فراش الموت ، تزوجها قسراً ، إلا أنه يحترمها و يقدرها ، و لكن لم يُحبها يوماً و لن يفعل ، ليس لأنها ليست



 جميلة .. "مريم" ذات قدرٍ من الجمال و لكنه لا يكن لها الحب مطلقاً ، لم يرزقهما الله بأطفال إلى الأن .. رُغم مرور سنتان على زواجهما .. الأمر الذي جعل العائلة بأكملها تمقت منها ، و الأمر الذي جعل "مريم" تنتفض خوفاً من أن يتركها "ظافر" ..



 تمتلك "مريم" جمالاً صعيدياً أصيل ، حيث الخصلات الفحمية و البشرة البيضاء الناعمة و المقلتي المتسعتان بلونها البني و الجسد الآخاذ .. و برُغم كل ذلك ، لم يراها يوما "ظافر" كحبيبته .. هي فقط زوجته و هي يأست من أن تنتظر منه الأكثر من ذلك ..


رفع "ظافر ناظريه يحدق بهما ، على يساره تجلس والدته السيدة "رقية"التي زحفت السنوات على وجهها لتطبع تجاعيدٍ وقورة بخصلات فحمية تتخللها بعض الخصلات البيضاء



 واضعة وشاح على رأسها ..هي أغلى شئٍ على قلبه .. عيناها بهما بريقٍ من الحزن على وفاة زوجها ، رُغم مرور العديد من السنوات إلا أن حبه بقلبها لن يموت ..


أنتقل ببصره لما يلي والدته ، ليجد شقيقته "ملك" .. شقيقته الصغرى التي لم تكمل عقدها الثاني ، فتاة مرحة دائماً ما ترسم البسمة على وجوه الأخرين ، تملك جمالاً من نوع خاص حيث البشرة السمراء و العينان الزيتونية ورثتها عن أخيها و



 الخصلات الحريرية تحجبها حجابٍ زين وجهها الأسمر كالشوكولا الذائبة . "ملك" و "مريم" لا يطيقا بعضهم ، حيث دائماً ما كانت "مريم" تسخر منها على ألتزامها و على -الوشاح



- (مثلما أسميته مريم) التي ترتديه و لكن دائماً ما يتصدى لها "ظافر" ، حيث أخر مرة زمجر بها بعنفٍ جعل أوصالهم ترتجف :

- قسماً بالله لو كلمتيها بالطريجة دي تاني هنسفك يا مريم !!!


و لأنها تعشقه ، صمتت .. وقفت الحروف على طرف لسانها .. عادت من شرودها لتستفيق على واقعٍ مرير


حرَّك "ظافر" ملعقته بالصحن أمامه ليقول بلهجةٍ باردة :

- فين باسل ؟!


تكلفت والدته الرد عليه و هي تقول بنبرة عادية :

- باسل سبقك على مصر ع الشركة ، بيقول عنده شغل كتير رايد يخلصه ..


تابع "ظافر" دون تكبد عناء النظر لها :

- مازن ؟


تابعت والدته مجيبة إياه بنبرة حزينة :

- والله يابني من الفجرية مختفي تلاجيه بيعمل مصيبة زي العادة ..


أُظلمت عيناه على ظلامها ، ليضرب بكفه على الطاولة بقوة جعل الأطباق تهتز خائفةٍ كأهتزاز قلوب الجالسين ، جأر بهما بحدةٍ :

- يعني أيه بيعمل مصيبة !!!! مازن لو عمل مصيبة تانيه هخليه يترمي في السجن و هوصي عليه أوي عشان يتربى ..!!!


ثم تركهم ملتقطاً "چاكت" بذلته السوداء و مفاتيح سيارته ليصفع باب القصر بقوة حتى أهتزت جدران القصر ، أنقبض قلب "مريم" لتركض ذاهبة وراءه و هي تنادي عليه بأعلى صوتها :

- ظــافـر .. ظـافر !!


فتحت باب القصر لتجده مازال يتجه لسيارته ذات النوع الفاخر .. ، لم يتوقف "ظافر و أكمل خطواته الهادئة عكس ما بداخله ، وقفت أمامه "مريم" بصدرٍ يعلو و يهبط من أنفاسها التي تبعثرت ، بينما زفر "ظافر" بتأففٍ ثم نظر لها بتململ ، حاوطت "مريم" وجنتيه بدورها ثم قالت بحنوٍ :

- أهدى يا ظافر صدقني مازن هيبجى كويس ، و سوق على مهلك يا حبيبي ..


رمى لها أبتسامة باردة خالية من الحياة ، ثم أبعد كفيها متابعاً سيره .. دون ان ينبث ببنت شفة ، تجلت خيبة الأمل واضحة



 على وجهها ، تهدلا كتفيها بأملٍ تبعثر على الأرضية ، فرت دمعة هاربة من عيناها تليها دمعات تُلهب وجنتيها ، ركضت لداخل القصر ، ثم إلى داخل جناحهما .. أرتمت على الفراش تبكي على حالها و بروده معها ..

• • • •


أدارت إطار مقعدها المتحرك حتى تسطيع التحرك في المنزل التي تقطن به وحدها سوى من خادمة ترعاها ، خصلاتها الناعمة منثورة على كتفيها ، شحب وجهها وكأنها بالسبعون من



 عمرها رُغم سنها الذي يصغر شقيقتها بـ عامين ، سمعت صوت صرير باب الشقة يُفتح ..نظرت خلفها لترى شقيقتها ، سُرعان ما تغيرت معالم وجهها إلى الحقد ، صرخت بغلٍ أنبعث من بين شفتيها بوضوحٍ :

- هو أنا مش قولتلك متجيش هنا تاني !!! 


رُغم صراخها ، نبرتها الحادة و الغل الكامن بداخل صوتها ، إلا أن "ملاذ" أبتسمت بـ حنوٍ يظهر فقط إلى "براءة" ، أقتربت من مقعدها متجاهلة تماماً كلماتها و النظرات التي ترميها بها التي كانت كالنصل يمزق جسدها بلا رحمة ،  قرفصت أمام مقعدها لتصل إلى مستواها لتضع يداها على كتفها ، و سريعاً ما نفضتها "براءة" بعنف و كأنها ستلوثها !! ، أبتسمت "ملاذ" وكأن شيٍ لم يكن لتقول بنبرة حانية :

- كلتي ؟


نكزتها "براءة" في كتفيها بعنف حتى كادت "ملاذ" أن تسقط للوراء و لكنها تماسكت ، لم تؤلمها تلك الضربة العنيفة التي صدرت من شقيقتها بقدر من آلمتها ما قالته "براءة" :

- أنتِ أيه معندكيش دم مبتحسيش بقولك مش عايزة أشوف وشك !!!


تماسكت "ملاذ" كالجبلٍ و لم تُعلق لتنادي على الخادمة بصوتٍ شديد العلو ، جاءتها الخادمة راكضة و هي تقول :

- أؤمري يا ست هانم ..


- براءة هانم أكلت ؟


ردت الخادمة سريعاً وسط تأففات "براءة" :

- أكلت يا ست هانم و غيرت للهانم هدومها حاجة تانية ؟


- على شغلك ..قالت "ملاذ" بقوة لتذهب الخادمة للمطبخ ، نظرت إلى "براء" قائلة بحنانٍ بالغ :

- أنتِ كويسة يا براءة ؟ محتاجة أي حاجة ؟


صرخت بها "براءة" بـ قهرٍ :

- محتجاكي تبعدي عني ، أنت أيه يا شيخة عايزة مني أيه تاني بسببك بقيت مشلولة وقاعدة على كرسي ، قوليلي عايزة تاخدي أيه مني تاني ، أبعدي عني بقى أنت بتوسخيلي حياتي !!!!!!


جمدت عيناها على عينان شقيقتها ، تخشبت ملامحها و كأنها أصبحت صنم ..دون أن تتفوه بحرف ، نهضت على قدميها تخفي تماماً الأنكسار الذي تجلى في مقلتيها بوضوعها نظارة الشمس السوداء التي حجبت ترقرُق الدمعات في عيناها ..


تركتها وذهبت خارج الشقة ، و صدرها يعلو و يهبط بإهتياجٍ كالغريق ، خرجت من العمارة الراقية بأكملها و هي لا تستطيع



 إدخال الأكسجين إلى رئتيها ، سرعان ما أخرجت رذاذ الربو من حقيبتها لتضغط على الرذاذ داخل فمها ، بعد أن هدأت قليلاً



 ذهبت مستقلة سيارتها الفخمة بلونها المستردة ، قاومت اادموع التي تصرخ بالخروج داخل مقلتيها ، قاومت ذلك الشعور لتضغط على مكابح السيارة بقوة مخلفة ورائها دخانٍ كثيف ..


• • • • 


دلفت لشقتها ذات الذوق الرفيع ، و لكنها باردة ، رُغم الطقس الحار و لكن شقتها تبعث الرجفة في الأنفس ، أغلقت الباب



 بقدميها ثم دلفت بهدوءٍ ، ألقت حقيبتها على الأرضية بإهمالٍ لتجلس على الأريكة بالبهو الواسع ، كل شىٍ ضدها ، بدايةٍ بـ شركتها التي خسرت مبلغٍ عظيم نتيجة تسرُب تصاميم الأزياء



 التي صممتها ، أقسمت على أن تعلم تلك الخائنة التي سرقت الصور إلى الشركة المنافسة ، وصولاً بـ عماد الذي أخبرها على أحتيالٍ جديد ، " ظافر سرحان الهلالي" .. فريستها الجديدة ،



 والده سبب كل شئ ، هو من جعل شقيقتها تكرهها بتلك الطريقة ، و هي التي أعتقدت أنها ستخرج من ذلك الوحل ، لا تلاحظ أنها أصبحت تنغمس به.. 


أمسكت بهاتفها تحادث "عماد" بنبرتها الجامدة :

- عماد ، أسمعني كويس ، طبعاً أنت عرفت أن تصاميمنا أتسرقوا ، عايزاك تعرفلي مين اللي سرق الصور ..بليل يكون عندي أسمه يا عماد !! ، و تقول للموظفين على أجتماع بكرة عشان نبدأ نصمم تصاميم تانية قبل ال show مـ يبدأ .. قدامنا شهر يا عماد شـهـر !!!


• • • •


وقف واضعاً ذراعيه المفتولين وراء ظهره ، عيناه تجول على المنظر البديع أمامه ، حتى زجاج المكتب لم يستطيع إخفاء جمال المنظر أمامه ، سمع رنين هاتفه المحمول ، دس يده بجيبه ليخرج الهاتف ، ضغط على زر الإتصال بجمودٍ :

- في حاجة يا مريم ؟


سمِع صوتها الحنون و هي تقول :

- وصلت بالسلامة يا ظافر ؟


أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ليقول بصوتٍ جاهد أن يكون هادئاً :

- مـريـم ، لاحظي أني قولتلك قبل كدة أني مش صغير ، فـاهـمـة !!!!

لم يستطيع كبح غضبه فـ صرخ بأخر كملة حتى برزت عروقه ، زمت "مريم" شفتيها بحزنٍ لتقول :

- مش قصدي والله .. أني بس كنت خايفة عليك عشان الطريج بيبجى طويل من أهنه لمصر .. 


تأفف بصوتٍ عالي لتسرع "مريم" قائلة :

- طب خلاص متتلجلجش .. هسيبك دلوكتي تشوف شغلك ..


ثم أغلقت سريعاً قبل أن يُفرغ غضبه بها ، مسح على خصيلاته السوداء بقوة ليجد "باسل" يدلف له و الأبتسامة تغمر ثغره قائلاً بمرحٍ :

- بتشد في شعرك ليه ؟!!


"باسل سرحان الهلالي" ..

يصغر أخيه بعامين فقط ، ذو سيطٍ عالٍ بالسوق ، و لكن بالطبع ليس كأخيه ، إلا أنه دائماً ما يعترض على أعمال أخيه



 المشبوهة، حاول الكثير من المرات أقناعه أن يتوقف عن تصدير الأسلحة وغيرها من الكوارث و لكن دائماً يزجره "ظافر" و يحذره ألا يتدخل فيما لا يعنيه، لذلك بنى "باسل" شركته



 المنفردة ، مبتعداً تمام البعد عن أعمال "ظافر" و الوحل الذي أخذ يقحم نفسه به بإرادته، و أصبحت شركته من منافسين شركاتٍ كبيرة في وقتٍ قصير، يمتلك "باسل" جسدٍ رياضي



 كأخيه ، عيناه سمراء تختلف عن مقلتي "ظافر" الزيتونية ،يقصر "ظافر" ببعض السنتيمترات المحدودة جداً ، بشرته حنطية جذابة ، و خصلاته سوداء .. ، رُغم ضيقه من أفعال أخيه الأكبر إلا أنه يحبه ، لا يستطيع أن يخسره ..


زمجر "ظافر" بحدة و هو ينظر له بتهكمٍ :

- خفة ياض !!!


قهقه "باسل" ملء فمه ليقترب من مكتب أخيه جالساً على المقعد الوثير :

- لاء بجد أيه اللي مضايقك أوي كدة ؟ 


- مافيش .. ردّ بغموضٍ و هو يدس يداه بجيب بنطاله ناظراً من النافذة بشرودٍ ،تفهم "باسل" حالته و لم يشأ أزعاجه فـ قال مغيراً مجرى الحديث :

- طب أنت راجع الصعيد ولا هتقعد فـ القاهرة شوية ..


قال "ظافر" بهدوءٍ : 

- لاء راجع بكرة عشان أشوف أخوك هبب أيه المرادي !!!


أتسعت مقلتي "باسل" و هو يقول بـ صدمة :

- مـازن !! عمل أيه تاني الغبي دة !!


ألتفت له "ظافر" و أخيراً ليرفع له سبابته محذراً بلهجة شديدة :

- باسل أسمع ، المرادي لو مازن عمل حاجة أنا مش هعتقه ، و رحمة أبويا مـ هعتقه يا باسل !!!!


إزدرد "باسل" ريقه و هو يرى أخيه نظراته ملتهبة ، و هو يعلم تمام العلم أنه إذ أقسم برحمة والدهما إذاً هو لا ينتوي خيراً .


• • • •


عندما ذهب "باسل" جلس "ظافر" منكب على أعماله ، طرقت سكيرتيرته الخاصة الباب ليأذن لها بالولوج ، دلفت "سمر" مطأطأة رأسها و هي تقول بحذرٍ شديد :



- بعد أذن حضرتك يا فندم لو كنت بزعجك حضرتك أنا بس كنت جاية عشان أقول لحضرتك يعني آآآ أنا كنت جاية اقول يعني ..


صرخ بها بنبرة جعلتها ترتد للخلف و هي على وشك البكاء :

- مـ تخلـصـي !!!


أومأت سريعاً و هي تقول :

- حاضر .. حاضر ، حضرتك كنت قايلي أفكرك انك عايز تعمل uniform (زي موحد) للعمال و عايزني أدور لحضرتك على شركة أزياء .. 


هتف متذكراً :

- أيوة ايوة أفتكرت ، شركة أيه بقا اللي لقتيها ؟


- الـ company صاحبتها ملاذ خليل الشافعي ..


قطب حاجبيه قليلاً ، أسمها مألوفٍ بالنسبة له ، اومأ بهدوءٍ و هو يقول :

- تمام ، تتصلي بالشركة و تاخديلي منهم معاد بكرة ..


أومأت "سمر" ليشير لها "ظافر" بالإنصراف ، فـ ذهبت تهاتف "عماد" لتخبره بما فعلت ..


• • • •


في إحدى ضواحي القاهرة ، سيارة تمشي على سرعة مائتان ، صاحبها يكاد يتحكم في المقود بسبب يداه الأخرى الممسكة بقنينة مليئة بالخمر من نوعها الفاخر ، أخذ يدور بالسيارة -ذات



 الطراز الحديث- بلا هوادة ، و لكنه توقف فورما لمح فتاة جالسة بزاويةٍ ما بـ أزقة الشارع مخبئة وجهها داخل كفيها و هي تبكي بحرقة حقيقية ، ترجل "مازن" مترنحاً أثر المشروب



 الذي اودى بعقله ، أقترب منها بعينان زائغتان ، سال لعابة بطريقة مقززة عندما رأى ساقيها البيضاويتان يظهران للعنان ، و بلا وعي منه و بحذرٍ شديد أمتد كفه لتلمس ساقيها قائلة بلا وعي و عيناه شبه منغلقة :

- أنتِ حلوة أوي !!!!


أنتفضت المسكينة تطالعه برعبٍ شديد ، نهضت محاولة الفرار منه إلا أنه جذبها من خصرها و هو يقربها من صدره هامساً أمام وجهها كفحيح الأفعى و رائحة أنفاسه الكريهة منبعثة منه تضرب وجهها بقسوة :



-أنتِ رايحة فين هو دخول الحمام زي خروجه يا مُزة !!!!


أهتاج صدرها علواً و هبوطاً والذعر يكاد يقفز من عيناها ، حاولت دفعة عنها و هي تشعر بيده تستبيح جسدها ، هتفت في رجاءٍ حار وسط بكاءها :

- بالله عليك سيبني أمشي ، أنت مش في وعيك ..


لم يبدو أنه سمعها ، مال برأسه نحوها حتى كاد أن يقبلها إلا أنها ألتقطت القنينة من يداه ثم ضربت بها رأسه بقوة جعلته



 يُطرح أرضاً ، وضع يداه على رأسه بإعياء و هو ينظر لها بحقدٍ ، بدأت رأسه تترنح ليسقط كالجثة الهامدة ، نظرت له "رهف" بذعرٍ ، لا تعلم أين تذهب و إلى من ، أرتجفت يداها و هي



 تلتقط هاتفه من جيبة ، و عندما علمت أنه بالبصمة أخذت أصبعه ليفتح الهاتف ، وقع نظرها على أسم "باسل" الذي من الواضح أنه هاتفه عشرات المرات ، وضعت الهاتف على أذنها


 بأيدي مرتجفة ، جاء صوتٍ رجولي جذاب و لكنه حاد :

- أنت فين يا حيوان دة أنا لما أشوف و الله لأظبُطك أنا و ظافر !!!


أزدردت ريقها بهلعٍ و من دون قصدها فُلتت منها شهقة لم تستطيع كبحها ، بينما ارتسمت ملامح الذعر جليه على وجه "باسل" عندما سمع شهقاتٍ أنثوية ، هتف بقلقٍ :

- ألو !!! مين ؟؟؟؟


حاولت التكلم و لكن رغماً عنها خرجت كلماتها متقطعة و وسط كل كلمة و الأخر جسدها ينتفض ببكاءٍ :

- لو .. لو سمحت تعالي بسرعة ، اخوك بينزف أوي !!!!


جحظت مقلتي "باسل" بقوة ليأخذ منها العنوان منطلقاً بسيارته و الغضب أرتسم أشده على وجهه ..


بعد دقائق وصل ، وجد فتاة ترتدي ملابس تظهر أكثر مما تخفي و من الواضح أنها منامية ، تكتم شهقاتها بيديها ، و أمامها أخيه !!!! غارقاً بدمائة !!!!


ركض نحوه بقوة ليجلس كالقرفصاء صائحاً بجنون :

- مـازن !!!! مـازن قوم ..


تحامل على نفسه ثم حمله على ظهره و أجلسه بالأريكة الخلفية لسيارته ، تخضب قميصه و يداه بالدماء إلا أنه ذهب لها جاذباً إياها من ذراعيها صارخاً بها بنبرة جعلتها تزداد في بكائها :

- أركـبـي !!!! و رحمة أبويا ما هسيبك !!!!!


 حافية على جسر عشقي 


بقلم سارة محمد

الفصل الثاني:



 صرخ "باسل" بكل ما أوتي من قوة ليصدح صوته بالمشفى ،جاء جميع الأطباء و طاقم كامل من الممرضين على صوته ،



 وقفت المشفى على قدمٍ وساق عندما وجدوا صغير عائلة "الهلالي" قاطع النفس و رأسه تنزف ، وضعوه على ناقل المرضى ليركضوا به نحو غرفة العناية المركزة ، هم "باسل"



 بالذهاب و رائهم إلا أن عيناه لُهبت جمراً عندما تذكر  ان تلك الفتاة  مازالت جالسة بالسيارة منكمشة على نفسها و عيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع ، ذهب نحوها يطوي الأرض بقدميه



 لينزلها من السيارة جاذباً إياها من ذراعيها ، لتصرخ "رهف" بألمٍ من قبضتيه الحديدية ..أخذت تبكي بحرقة و أصابعه تكاد تخترق ذراعها ، ألتفتت الأنظار نحو الفتاة ذات الجسد المكتنز




 بتناسق و ملابسها التي لايصلح التجول بها في الشارع ، نظر لما ترتديه. بإحتقارٍ هو لا يستطيع تحمل النظرات الجائعة الموجهه لها ، و بحركةٍ سريعة كان ينزع بذلته ليضعها على كتفيها بصرامة، ظهر قميصه الملتصق بصدره ليجعله بمظهرٌ




 جذاب ، أحاطت "رهف" بذلته و رائحة العطر تخترق أنفها ، أستطاعت بذلته إخفاء جسدها الضئيل إذا قورن بجسده الضخمة بحركة سريعة فتح باب سيارتها ليدفعها داخلها بقوة ،



 أرتطمت رأسها بسقف السيارة لتتأوه بألمٍ ، لم يعيرها أهتمام ليقبص على فكها بقوة مقرباً وجهها من خاصته . لم يفصلهما سوى بعض السنتيمترات ، ألتهبت عيناه بقوة و خرجت نبرته مرعبة :

- إياكي تتحركي من هنا .. حسابنا لسه مخلصش ..


دفع وجهها ليغلق باب السيارة بقوة أخرج به شحنات غضبه .. أرتجفت ضلوعها و هي تراه يبتعد ذاهباً صوب المشفى بخطوات أشبه بالركض ، فتحت باب السيارة لتترجل منها راكضة وراءه و هي تقول بتوسلٍ عله يسمعها :

- لو سمحت أفهمني أنا معملتش حاجة !! أنا ..


كان قاب قوسين أو أدنى من دفنها مطرحها ، لذلك ألتفت لها قابضاً على كتفيها بقوة شديدة ليضرب ظهرها بالحائط خلفها حتى تأوهت هي بتألمٍ و هي تشعر بعظامها تهشمت ، ناهيك عن رأسها الذي يكاد يفتته الصداع من الضربة المؤلمة التي تلقتها ، أقترب بوجهه منها بشدة و هو يقول بنبرة جحيمية :

- قسماً بالله لو أخويا حصله حاجة بسببك هدفنك !!!


لم تستطيع النبث ببنت شفة ، و كأن لسانها رُبط ، و عيناه السمراء تقتحم عيناها الرصاصية بقوة !!!

نفضها و كأنها مرضاً معدي ثم ذهب حيث يرقد أخيه ..


سقطت "رهف" على الأرضية تشهق شهقات متتالية ، ضمت بذلته إلى صدرها لتخفي جسدها عن الناظرين ، البعض يرمقها بشفقة و البعض بلا مبالاة و كأن قلوبهم أصبحت كالحجر ، منذ هروبها من منزل والدتها و زوجها الذي كان يتحرش بها يومياً و هي مطبقة الفم ، ليأتى و يكمل عليها ذلك الحقير ، ثم يليه أخيه الذي ما إن رأته و هو يعنفها دون حتى سماعها ..


ظلت جالسة على الأرضية ما يقارب الساعتين ، قررت النهوض عندما لم تجد فائدة من جلوسها هكذا ، سارت في الرواق بإنهاكٍ تجُر قدميها ، حتى رأته يقف بهيبته ناظراً لزجاج غرفة أخيه ، أستطاعت رؤية عيناه تلمع بدموع رافضة النزول ، أقتربت منه ببطئٍ خائفة من بطشه، لم يتكبد "باسل" عناء النظر لها ، ظل شارداً و هو يسألها بصوت جاف مميت :

- عمللك أيه عشان تضربي دماغة بالإزازة اللي كانت ممكن تفتحله دماغه ؟ عـمـلك أيــه ؟؟!!!!!!


صرخ بحدة بالأخير و هو يلتفت لها قابضاً على فكها حتى كاد أن يهشمه ، مما جذب أنظار الناس من حوله والجميع يغمغمون بغرابة ، أنسابت دموعها لتضربه بصدره بقوة منفضة يداه عنها و هي تصرخ به بصوتٍ هز أرجاء المشفى :

- كـان عايز يغتصبني !!!!!!!


جمدت عيناه داخل عيناها ، "مازن" أخيه ولكنه يعلمه جيداً و يعلم قذارته، لاسيما أنه لم يكن بوعيه أساساً ، إذاً فهو يتوقع أي شئٍ منه ، أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ، و الأهم الأن أن لا يعرف ظافر شيئاً مما حدث و إلا سيقوم الدنيا و لن يعقدها و لن يبرح من "مازن" إلا و هو جثة هامدة ..


بهدوءٍ أخرج من جيبه رزمة مال ليمد كفه بها و هو يقول ببرود :

- أظن أنه ملحقش يعمل حاجة ، خدي دول و إياكي حد يعرف باللي حصل و لا حتى تقوليه بينك و بين نفسك !!!!


و كأن دلواً من الماء البارد سُكب عليها ، نظرت له بحقدٍ شديد ، أخذت المال منه إلا أنها ألقتها بوجهه بأقوى ما لديها من قوة لتصيح به بحدة :

- واضح أن كلكوا نفس الوساخة !!!!


ثم أبتعدت عنه ببعض خطوات ، بينما "باسل" يكاد ينفجر من الغضب ، لم تتحمل "رهف" فسقطت مغشياً عليها يُحيطها الظلام من جميع النواحي 


• • • 


طرقات تتوالى على باب منزلها ، قطبت حاجبيها قليلاً فمن سيزورها ، نهضت بثقلٍ لتجد "عماد" يقف و الأبتسامة مرسومة على ثغره ، نظرت له بجمود لتسند يداها على إطار الباب مانعة إياه من الدخول و هي تردف بفظاظة :

- خير ؟!!


أستطرد "عماد" بدهشة :

- الله !! مش هتدخليني ولا أيه دة أنا حتى جايبلك أخبار عنب .. ثم نظر إلى ما ترتديه الذي كان عبارة عن شورت يصل لفوق ركبتيها بقليل تعلوه كنزة بيضاء خفيفة ، لاحظت "ملاذ" نظراته الجائعة تجاهها لتمسك بفكه بحدة و هي نقول :

- عـمـاد !!! لم نفسك و شوف أنت واقف قدام مين ، أنا ملاذ أنت واعي صح !!!


- نسيتي تقولي أنك خطيبتي !!!

قال بسُخرية ، بينما هي جمدت نظراتها و هي تقول بتهكمٍ :

- أظن أنت عارف أنا خطيبتك ليه ، مش عشان سواد عيونك و حُط في بالك أن أنا محدش يجبرني على حاجة ، ممكن في ثانية ألغي الخطوبة دي خالص !!!!


أمسك "عماد" بيدها و هو يقول برجاءٍ :

- لاء يا ملاذ و حياة أغلى حاجة عندك دة أنا سمعتي تبوظ !!!


نفضت يدها عنها و هي تقول :

- يبقى خاف على نفسك ، أحنا مخطوبين قدام الناس بس أنا حتى مش لابسة دبلتك يا عماد !!!


زفر "عماد" بيأسٍ ، فـ لطالما كانت "ملاذ" حلمه الوحيد ، تمنى لو تُحبه مثلما أحبها هي ، نظر لها قائلاً بنبرة واهنة :

- طيب ممكن أدخل بقا عشان فعلاً الموضوع مهم ، متقلقيش انا مش هعمل حاجة !!


قهقهت ملء فمها لتفتح الباب على آخره و هي تقول :

- أقلق ؟ و مش هتعمل حاجة ؟ ع أساس أن ممكن تفكر تعمل حاجة معايا يا ماجد ، طلعت غبي أوي بس معلش هعديهالك ، يلا أدخل .


دلف "عماد" متغاضياً عما قالته "ملاذ" ، جلس على الأريكة لينظر لها و هو يراها تتوجه ناحية المشاية الكهربائية ، ظلت تركض عليها و أصبعها يضغط على الزر مما جعل الآلة تُزيد سرعة الركض ، بدأ "عماد حديثه قائلاً :




- سمر لسة مكلماني من شوية وقالت أنه وافق أنه يتعامل مع شركتنا و هييجي الشركة بكرة عشان التصميم بتاع الـ uniform ..


برقت عيناها بنشوة و هي تقول :

- براڤو يا عماد ، بس أهم حاجة تكون دافع للبت سمر دي.كويس عشان متفكرش تلعب بديلها ..


نفى "عماد" برأسه قائلاً بثقة :

- لاء متقلقيش ، البت دايبة فيا ومتقدرش تطعني في ضهري أبداً ..


نظرت له بسخرية والعرق يتصبب من جبينها :

- ويا ترى عارفة أنك خاطب ؟


- عارفة و راضية ..


- طب كويس ..


قالت "ملاذ" :

- أنا أصلاً بفكر ألغي تعاقدي مع شركة الهواري و هدفعلهم الكام ملطوش اللي مكتوبين في الشرط الجزائي ، كدة كدة التصاميم اتسرقت و انا مش هفضي أصمم تاني أنا عايزة بس أنشغل بال uniform اللي هعمله مع ظافر دة ، بس مش قبل مـ أعرف مين اللي سرق التصاميم ..


حك "عماد" ذقنه و هو يقول :

- معاكي حق ، أنا هعرفلك مين اللي عمل كدة ، بس المشكلة بقا دلوقتي ظافر الهلالي ذكي أوي يا ملاذ ، أزاي هنعرف نضحك عليه !!! و بعدين دة لو عرف أن أحنا اللي مخططين لـ ده كله مش بعيد ينسفك !!!!!!


رمت به نظرة جامدة لتقول :

- عماد حاسب على كلامك مين دة اللي ينسفني ، و بعدين أحنا سمعتنا في النور كل اللي نصبت عليهم قبل كدة ميعرفونيش أصلاً مكنوش بيسمعوا غير صوتي حتى أسمي ميعرفهوش أنت ناسي أن كلهم كانوا عاميين ؟!!

أنا في دماغي خطة كدة عشان أوصل لظافر وفلوسه .. و أقهره زي مـ أبوه قهرني و قهر أختي اللي بقت تكرهني بسببه !!!


جحظت مقلتي "عماد" و هو ينظر لها بضياع :

- مش فاهم ..


- مش مهم !!!


• • • •


وُضعت "رهف" على فراش المرضى ، كانت لا تشعر بما حولها ، بينما "باسل" يطالعها بقلقٍ ، لاسيما عندما أخبره الطبيب أنها تعاني ضغوطاتٍ نفسية حادة ويجب عليها الراحة التامة ..


خرج من الغرفة ليتركها ترتاح ، ليجد طبيب حالة أخيه يخرج من الغرفة ماسحاً العرق المتصبب من جبينه ، ركض له باسل قائلاً في خوف شديد :

- عامل أيه يا دكتور ..


نظر له الطبيب قائلاً يطمئنه :

- متقلقش يا باسل باشا ، مازن بيه عال .. الأزازة اللي أتخبط بيها مأذتهوش جامد هو بس نزف شوية بس أحنا وقفنا النزيف ..


زفر "باسل" براحة شديدة ليقول :

-طب هيفوق أمتى ؟؟؟


- كمان ساعتين هو بس عايز راحة تامة ، بعد أذنك ..


مسح "باسل" وجهه بعنف ، ترك الطبيب ذاهباً لغرفة مدير المشفى بخطوات أقرب للركض، باغته بصفع الباب بقوة ، أنتفض على أثره المدير ذو الخصلات البيضاء التي تتخلل




 خصلاته السوداء ، أرتبك المدير بقوة و هو يقف مرحباً بحفيد صاحب المشفى ، و رغماً عنه خرجت نبرته مهتزة :

- أتفضل يا باسل بيه ، خـ .. خير في حاجة ؟


حدجه "باسل" بنظرة باردة أربكته ، اقترب بخطواتٍ هادءه ، وقف أم مكتبه ثم سرعان ما قبض "باسل" على تلابيب الرجل أمامه ليجعل رأسه على مقربه منه ، نظر له الأخير بإرتعادٍ ليردف "باسل" بنبرة هادئة و لكنها تبث الخوف بالأوصال :




- و رحمة أبويا يا "مهاب" ، لو حد من عيلة الهلالي ولا الصحافة عرفوا أن مازن أتنقل ع المستشفى خاصةً ظافر هخليك تبيع بليلة ع الطريق ، فــاهم !!!!!


شخصت أبصار المدعو "مهاب" و أرتجف جسده من صراخ "باسل" بآخر الجملة ، أومأ بحركاتٍ سريعة و هو يقول بأنصياع تـام :

- حاضر يا باشا .. حاضر .


تركه "باسل" ببطئ مبقياً يداه على تلابيبه و لكن تلك المرة حتى يهندمها له ملقي له بإبتسامة جافة ، ثم تركه و ذهب تاركاً الباب خلفه مفتوح على مصراعيه .. ندى جبين "مهاب" و



 تجمعت حبات العرق عليه ، أزدرد ريقه ليمسك بهاتفه الأرضي عابثاً بأزراره ، وضع سماعة الهاتف على أذنه ، أنتظر قليلاً حتى هتف سريعاً :

- ظـافر بيه .. مصيبة !!!!!


• • • • 


شرد بذهنه بالفراغ ، و كأن عقله توقف عن العمل ، منذ أنهاء مكالمته مع "مهاب" و هو كمن تلقى صاعقة أودت به ، لم يستوعب بعد ما فعله أخيه المراهق ، تشنجت تعابير وجهه و



 تقلصت ملامحه ، برزت عروقه و ألتهبت مقلتيه ، لن يجعل الأمر يمر مرور الكرام ، و بنفس الوقت سيحول دون ألقاء أخيه خلف القضبان و تلطُخ سمعة عائلة "الهلالي" التي لم يشوبها



 شائبة منذ العديد من السنوات ، تأهبت جوارحه لينهض و عيناه مظلمة لا تنوي خيراً ، ألتقط مفاتيح ليلقي نظرة على ساعة معصمه ذات الماركة المعروفة ، وجدها بالواحدة و



 النصف بعد منتصف الليل ، ألتقطت مفاتيح سيارته وهاتفه ليلقي نظرة على الشركة التي فُرغت تماماً سوى من سكيرتيرته الخاصة التي أسندت وجهها على مكتبها غافيةٍ بإرهاق مطلقة شخيراً عالياً ..


أقتضب وجهه ثم نادى عليها بحدة جعلها تنتفض من مكانها و بوادر النعاس لازالت على وجهها ، وبخها "ظافر" بحدة قائلاً :

- دة مكان شغل يا أنسة مش أستراحة عشان سيادتك تنامي فيها ، مش عايز أشوف وشك هنا تاني !!!!!


جحظت المسكينة و ترقرقت العبرات في عيناها بقوة البرق لتتوسله قبل أن يذهب بـ نبرة مهتزة :



- والله يا فندم أنا خلصت كل الشغل اللي عليا و كلمت الـ assistant بتاعة الشركة اللي حضرتك قولتلي عليها ، و بصراحة أتحرجت أقول لحضرتك أمشي و حضرتك لسة موجود .. 


قالت آخر الجملة و هي تضغط على شفتها السفلية بحرجٍ ، نظر لها "ظافر" ببعضٍ من الرفق ليقول بنبرة صارمة :

- أخر مرة تتكرر و تنامي في المكتب يلا روّحي ..


أشرق وجهها لتومأ بقوة و هي ترى سرابه و كأنه تبخر من أمامها ..


• • • •


أستقل سيارته حديثة النوع ليدس المفتاح بها منطلقاً بها إلى وجهته ، و سرعان ما وصل إلى الشقته بـ منطقة "المعادي" ، صف سيارته بموقف السيارات الخاص به ، صعد للبناية المرموقة التي يقطن بها لنظر للبواب الذي أنتفض ما إن وجده قائلاً بترحيبٍ شديد :



- ظافر بيه حمدلله ع السلامة يا بيه العمارة نورت ، أنا عملت زي م حضرتك قولت و بعت مراتي تنضف الشقة و آآآ..


بتر "ظافر" عبارته بنظرة نارية جعلت الكلمات تقف على لسان البواب رافضة الخروج ، تركه "ظافر" ماضياً نحو المصعد ، فُتح المصعد ليستقله "ظافر" بوجهٍ خالٍ من التعبير ، ضغط على



 الطابق الذي يقطن به ثم خرج من المصعد بعد دقيقتان ، أخرج مفتاح شقته ليدسه بالباب ، ما إن فتح الشقة حتى بردت أطرافه ، و كأنه دلف لإحدى المقابر و ليست شقة طبيعية ،



 برودة ليست طبيعية رُغم الطقس الحار ، تفتقر شقته لذلك الدفئ العائلي المفتقده هو ، رُغم أنه متزوج إلا أن "مريم" لم تكن يوماً سوى مجرد زوجة ، ليست حبيبه أو صديقة أو أم له ،




 هي فقط زوجة تنصاع لزوجها في كل شئ و كأنه دمية هو المتحكم الأساسي بخيوطها ، نوعاً ما لا يُحب ذلك ، لا يحب عندما يقول لها تذهب تذهب .. تجلس تجلس .. تبقى أو تغادر ، تلبي ما يؤمرها به بفمٍ مطبق..


أشتاق لتلك الشقة ، فـ هو لم يزورها لثلاثة أشهر ، إلا أنه حرص على تنضيفها كل يوم من قِبل زوجة البواب الثرثار ، تجول بعيناه متفرساً أرجاء الشقة ، لدائماً ما يتمتع "ظافر" بذوق رفيعٍ ، ذو خبرة و كفاءه بـ كل شئ يخصه ، كان يطغى




 على الشقة اللون الرصاصي المخلوط باللون البنفسجي القاتم ، حيث السقف يخلط بين اللونين الرقيقين متدلي من السقف "نجفة" أنيقة ، معظم الأثاث بنفس اللونين ، و الستائر



 بنفسجية أيضاً ، رمى بهاتفه و مفاتيحه على الأريكة بإهمالٍ ، ليدلف لغرفته التي أشتاق لها، أخرج مفتاحها من جيبه ثم فتح الباب ، الأتربة بكل مكان، لم يستطيع أن يرى سوى تلك الأتربة




 تطغى على الغرفة محجبة الأثاث خلفها ، ظهرت ملامح الأمتعاض على وجهه جلياً ، ولكن هو من قرر ألا تدلف زوجة الواب لتنظف تلك الغرفة محتفظاً بخصوصياته ، نفض التراب



 بيده من على الفراش بتقزز ليجلس عليه بإرهاقٍ ، أسند مرفقيه على فخذيه عاقداً كفيه مطالعاً الفراغ بتركيزٍ شديد و هو أصبح متيقن لما سيفعله .. حل بذلته عنه ملقياً بها على الأرضية بزفيراً مختنقاً، ظهرت عضلاته بوضوح أسفل قميصه



 الأسود الملتصق بصدره العريض ، حل أزرار قميصه بدوره ليظهر صدره الأسمر و بطنه ذات العضلات السداسية ، كان يتفوق على شقيقاه رياضياً و لياقةً ، فـ الكل يحسده على



 جسده المتناسق و عضلاته ، انزل بنطاله أيضاً ليبقى بالشورت فقط ، ولج خارج الغرفة لبهو الشقة الواسع ، أرتمى بجسده على الأريكة بإنهاكٍ محجباً عيناه بذراعه المفتول ، و هو قد علم كيف يعاقب "مازن" على ما فعله ..


• • • •


منذ ذهاب "عماد" و هي تفكر في مقابلته ، أقسمت و قطعت عهداً مع نفسها بإذلاله و قهره مثلما فعل أبيه بالماضي ، جلست على فراشها الوثير ذو الأغطية الحريرية ، نظرت للسقف بشرود




 و هي تطلق تنهيدة غامضة ، ليست حزينة أو خائفة ، تنهيدة فارغة .. ألتقطت هاتفها لتضغط على أزراره ، رفعته لأذنها منتظرة إجابة الطرف الأخر ، و بعد لحظات كانت "ملاذ" تقول بإيجاز إلى خادمة "براءة" :

- براءة عاملة أيه يا فتحيه ..


أخفت "فتحية" نظرة حزينة داخل عيناها ، فـ هي تعمل لدى الشقيقتين "ملاذ" و براءة" منذ أكثر من عشر سنوات ، تعلم "ملاذ" جيداً ، فـ هي ذات قلب طيب خاصةً مع شقيقتها ، رُغم علم "فتحيه" بالغل و الحقد الذي تكنه"براءة" إلى "ملاذ" ، و



 لكن لم تبادلها "ملاذ" يوماً ، بل على العكس كانت تتعامل معها برفق و كأنها أبنتها رُغم فارق العمر الذي لا يذكر ، و لكن دائماً




 ما ترى "ملاذ" ليست مجرد شقيقة إلى "براءة" .. بل كانت بمثابة الصديقة و الأخت و الأم لها ، و لكن دائماً "براءة" ما تصفعها بكلماته القاسية ، زوت ما بين حاجبيها بإستغراب ، قالت "ملاذ" بعدما ساد ذلك الصمت الرهيب :

- فتحية أنتِ معايا ؟


جاء صوت "فتحية" الحنون :

- معاكي يا ست البنات ، براءة هانم كويسة متقلقيش يا هانم و نامي .. تصبحي على جنة يارب ..


أبتسمت "ملاذ" نصف أبتسامة لم تصل لعيناها ، ثم أغلقت الهاتف مودعة إياها ، أصبح من الروتين أن تهاتف "فتحية" ليلاً قبل أن تنام لتطمئن على "براءة" ..


أطبقت بكفيها على بعضهما ثم وضعتهما أسفل رأسها ، أغمضت عيناها ببطءٍ لتذهب في سُباتٍ عن العالم ..


• • • • 


أبتعد "مازن" قليلاً عن ظهر الفراش الطبي ليفسح المجال إلى الممرضة التي تضع الوسادة خلف ظهره ، نظر لها بمكرٍ و هو يمسك بيدها قائلاً بغزلٍ صريح :

- متشكر يا قمر، قولتيلي أسمك أيه بقا ؟


أبعدت ذراعه بحدة قائلة بعينان تشعان جمراً :

- هطلب لحضرتك الدكتور يطمن عليك ..


ألتمعت نظرانه إعجاباً و هو يتمتم بنبرة لعوبة :

- أموت أنا في القطط اللي بتخربش !!!


"مازن سرحان الهلالي"


يصغر أخيه "باسل" بثلاث سنوات فقط حيث يبلغ من العمر خمسة وعشرون عاماً ، يختلف تماماً عن اشقائه ، فـ هو ذو ألاعيب ملتوية ، غير متحمل للمسؤلية فقط يركض وراء الفتيات ، دائماً ما يسبب العديد من المشاكل إلى عائلة الجارحي مما جعل أشقاءه غير معتمدين عليه أبداً و لم يفكروا



 أبداً أن يجعلوا "مازن " يتولى منصب في شركاتهم ، ذو مقلتي سمراء ورثها عن والدته مع بشرة مائلة للسمار ، جسده رياضي متناسق بطبيعة الحال كأخوته ، مدلل والدته دائماً ما تدافع عنه من بطش أخيه الأكبر ..


أحتدت نظراتها بقوة لتصرخ به :

- أنت بني آدم مش محترم و متستاهلش السرير اللي أنت نايم عليه في غيرك أحق بالأوضة دي !!!!


فغر ما بين شفتيه ، كيف تجرؤ أن تتحدث معه بتلك الطريقة و هي تعمل لديه بمشفى عائلة "الهلالي" !! 


أحتدت عيناه لينهض من على الفراش بتأهب ، رُغم الدوار الذي شعر به إلا أن عزيمته على أن يشعر تلك الفتاة بقدرها الحقيقي كان أكبر حتى من تألمه ، صرخ بها بقوة بنظرة حادة :



- أنتِ بتعلي صوتك في مستشفى أبويا دة أنتِ ليلتك طين !!! أنتِ فاكرة نفسك بنت دة أنتِ متسويش في سوق الستات تعريفة !!!


كانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير ، رفعت كفها لتهوى به على صدغه ، لم تكتفي بل رفعت سبابتها في وجهه قائلة بنبرة قوية لاتنهزم :

- أحترم نفسك .. هو أنت اللي راجل ؟!!! أنت كنت هتغتصب البنت اللي مرمية في الأوضة اللي جنبك ، دي أقل حاجة عملتها أنها ضربتك بإزازة القرف اللي بتشربة دة أنت تستاهل



 الشنق !!! بُص لنفسك الأول في المراية يا أستاذ ، يمكن أكون أنا عادية شكلاً بس عايزة أقولك أنك مشوه من جوة يا مازن بيه !!!!


ألتفتت موجهه ظهرها له خارجة من الغرفة صافعة الباب خلفها ، تعالت أنفاسه الحادة ليطيح بالأجهزة التي بالغرفة بجنون هيستيري 


ولج "باسل" يطالع الغرفة التي أصبحت على الارضية ، وجده صدره يعلو و يهبط بغضب شديد ، أقترب منه في خطواتٍ



 معدودة ، و بإندفاع أهوج قبض على تلابيبه ، ثم و من دون مقدمات أخذ يسدد له اللكمات بقوة صارخاً به واصلاً لأقصى بلوغ غضبه :

- يا زبالة يا *** ، دة أنا هطلع ******** يا *** ..


دلف طاقماً من الممرضين والأطباء مفزوعين ، وبصعوبة شديدة أستطاعوا تخليص "مازن" الذي بصق دماً من أيدي "باسل" بصعوبة ، صرخ بهم "باسل" بقوة ليرتدوا جميعهم



 للخلف منصاعين لأحفاد "الهلالي"، أخذ "مازن" يسعل بقوة حتى كادت روحه أن تخرج من مكانها ، بينما لم تهدأ النيران



 المستعرة بداخل "باسل" ، أهتاج صدره بقوة ثم ركل الأرض بقدميه باصقاً على أخيه ، ثم سبّ بنابية وخرج من الغرفة صافعاً الباب خلفه ، جلسة على إحدى مقاعد المشفى المترصاة



 ، أسند مرفقيه على فخذه ليمسك بجبينه منكساً برأسه ، يعلم أخيه و تهوره و أندفاعه الأهوج ، إلا أنه لم يكن يتخيل أنه كان قاب قوسين أو أدنى من أغتصاب فتاة ليس لها ذنب بقذارته ،



 جمع رباط جأشه ثم نهض بثبات ، دنى من الغرفة الماكثة بها و بحذرٍ شديد فتح الباب ، رآها تتمدد على الافراش غارقة بسُباتٍ عميق ، أغلق الباب خلفه ثم مضى نحو فراشها بخطواتٍ هادئة



 عكس غضبه الثائر قبل برهـة ، تفحص وجهها بنظرات شاملة دقيقة منزوياً ما بين حاجبيه ، وجهها مستدير كالبدر ببشرته البيضاء ، خصلاتها مفروشة بجانبيها عدا خصلات ثائرة سقطت



 على وجهها ، جفنيها المطبقان تحول دون رؤية عيناها ، هل كانت تلك البريئة سيُنتهك عرضها بتلك البساطة ، ماذا لو كانت متمددة هكذا ولكن و هي جثة هامدة لا مجرد أغماءً بسيط !!!!


أطلق زفيراً مشفقاً على حالها ، أمتدت أنامله لتزيح خصلة ثائرة على جبينها متلمساً بشرتها الناعمة ، تملمت "رهف" على أثر لمسته الخشنة ، و فجأة فتحت عيناها برعبٍ معتقدة أنه



 من حاول أغتصابها ، صرخت بهلع على تلك الذكرى و هي تضع يداها على أذنها صـارخة بهلعٍ و نبرة صائحة :

- أبعد عنـي ، سيبوني في حالي بقـا !!!!!!


تذكرت زوج والدتها و ما يفعله بها ، و أستنكار والدتها معتبرة حديث أبنتها مجرد هذيان و ترهات ، تجسد أمامها أنتهاك جسدها على يد زوج والدتها ، دائماً ما يحاول تلمسها بيدته



 القذرة و عيناه التي تجعلها كالعارية أمامه ، أندهش "باسل" من حالة البكاء الهيستيرية التي تملكتها ، أمسك بكتفيها بقوة



 محاولاً أن يهدأها ، و لكنها بدت كالمغيبة لا تعي شئ ، جلس "باسل" أمامها سريعاً ثم أزاح بكفيها بعيداًعن أذنها و هو يقول بصوتٍ حنون لأول مرة يخرج لفتاة :




- أهدي ، مافيش حاجة هتحصلك طول مـ أنا جنبك ..


هدأت تدريجياً عندما أنبعث صوته الدافئ لجوارحها ، اهتاج صدرها و كأنها تصارع غرق روحها ، حاوط "باسل" كتفيها بذراعه ليصبح شبه محتضنها ، سارت رجفة في جسدها و



 كأنها صُعقت بصاعق كهربي ، نظرت لعيناه السوداوية ، غرقت في ظلمات عيناه ، شعورٍ قوي يطمأنها مادامت بجانبه ، كان



 وجهه يبعد وجهها بعض الإنشات ، سقطت "رهف" ببصرها ، ثم فرت دمعة هاربة منها عندما تذكرت أن لا مفر من زوج والدتها ، و أنها ستعود للجحيم مجدداً و بقدميها ..


سمع رنين هاتفه المكتوم في جيب بنطاله ، لذا نظر لها قبل أن ينهض تاركاً الغرفة ، أضاءت شاشة الهاتف بإسم أخيه ، أزدرد ريقه توجساً من أن يكن علِم "ظافر" بما فعله أخيه ..



تحلى بالشجاعة ثم ضغط على زر الإجابة ليضع الهاتف على أذنه ، أنتظر ردَّ "أخيه" و لكن ساد صمتاً موحشاً ، لذا بادر "باسل" بثبات :

- ظافر ..


- بكرة .. الـ *** اللي عندك يبقى  عندنا في القصر ، تجيبه و تيجي ، وتجيب البنت اللي عمل فيها كدة ، الصحافة مش عايزها تشم خبر ، فــاهـم !!!!!!!


ثم أغلق الخط و لم ينتظر جتى ردّ أخيه ، ألتهبت مقلتي "باسل" حتى أصبحا كالجمر ، غمغم بعدائية شديدة و هو يقول متوعداً :

- ماشي يامهاب الكلب !!!!


• • • •


حل الصباح سريعاً ، و نهضت "ملاذ" مقاومة بوادر النعاس التي علقت بجفنيها ، أغتسلت ثم ذهبت نحو المطبخ ، وقفت أمام الموقد تعد قهوتها ، أنتشرت الرائحة لتنبعث داخل رئتيها مصيبة إياها بحالة عجيبة من الأنتشاء ، أرتشفتها ببطئٍ متلذذ



 ، ثم ذهبت لغرفتها و فتحت ضلفة خزانتها ، أخرجت ملابس رسمية حيث التنورة تصل لأعلى ركبتيها بقليل مظهرة سمار بشرتها الجذاب ، أعلاها كنزة بيضاء خفيفة بجانب بذلة نسائية



 رسمية ، عقصت خصلاتها للأعلى ليسقط كذيل حصان مفرود بنعومة على ظهرها ، نثرت عطرها  بغزارة ، ثم أنتعلت حذائها



 ذو الكعب العالٍ ، حرصت "ملاذ" على أن تبقى بكامل أناقتها وجمالها ، لذا وقفت أمام المرآة ممسكة بأحمر الشفاة ، زمت شفتيها لتضع احمر الشفاه الصارخ بحرص ، نظرت لنفسها



 بغرور ، أرتسمت بسمة متحدية على شفتيها و عيناها الحادة تراقب أدق تفاصيلها ، طقطت بكعبها العالي الأرضية لتخرج من المنزل ملتقطة هاتفها و مفاتيح سيارتها .. 


• • • •


نظرت لمرآة سيارتها لتتأكد من مظهرها ، أبتسمت برضا ثم ترجلت من السيارة مطرقة بكعبها العالي الأرضية ، تغنجت في سيرها ، جذبت أنتباه الواقفين أمام شركتها بكعبها العالي ، أكلتها النظرات الشهوانية و هما يطالعونها بدقة شديدة ،



 طالعتهم بنظرة متعالية ثم دلفت لشركتها ، سرعان ما لحقتها السكرتيرة الخاصة بها و هي تقول بتوترٍ ملحوظ :

- ظافر بيه جيه ومستني حضرتك في مكتبك يا فندم ..


لم تتغير تعابير وجهها المتصلبة و هي تتابع سيرها حتى وصلت أمام مكتبها ، أخذت زفيراً عميقاً ثم وضعت كفها على المقبض بثبات لتديره ، رأته يقف بطوله المهيب أمام نافذة



 مكتبها الزجاجية واضعاً كفيه بجيبه ، أغلقت الباب لتلفت أنتباهه و بالفعل ألتفت لها ، جمدت عيناها على عيناه الزيتونية القاتمة ، لم تهتز عيناها من عيناه المظلمة و الحادة عكس



 أقرانها ، رسمت أبتسامة لم تصل لعيناها لتمضى نحوه بخطواتها المتغنجة ، مطالعة إياه بنظرة بدت و كأنها تنبعث من أفعى !! ، وقفت أمامه لتطالع قامتها التي فجأة أصبحت



 قصيرة إذا قورنت بضخامته ، هي لم تكن يوماً قصيرة و لكن أمامه تلاشى طولها ، جمد وجهها مجدداً ثم مدت كفها لتصافحه قائلة بنبرة قوية :

- ملاذ خليل الشافعي ..


أخرج يد واحدة من جيبه ثم بادلها المصافحة لا بل أبتلع كفها بين كفه الغليظ مستشعراً نعومة بشرتها ، ثم قال بنبرة لا تقل قوة عنها :

- ظافر سرحان الهلالي ..


حاولت الحفاظ على نظرة الحقد التي برقت بعيناها بلحظة و هي تسمع أكثر أسم تمقته بحياتها ، تدفقت الذكريات لذهنها و



 لكنها حافظت على رباطة جأشها لتبتسم نصف أبتسامة و هي تبعد كفها عن كفه الخشن ، بادرت "ملاذ"و هي تتجه صوب مكتبها :

- تشرفنا ..


جلست على الكرسي خلف مكتبها بهدوءٍ ، ثم عقدت يداها ببعضهما مظهرة أناملها المطلية بطلاء الأظافر الأسود ، راقبته بتفحصٍ و هو يجلس على الكرسي أمام مكتبها ، نظر لها بعيناه الزيتونية ثم بدأ حديثه قائلاً بنبرة فاترة :

- أكيد عرفتي أني جاي عشان الـ uniform الجديد بتاع شركتي ..


بتر عبارته باب المكتب الذي فُتح بقوة ، حرّكا كلاً من "ملاذ" و "ظافر" على الباب ، وجدت "ملاذ" "سالم الهواري يقتحم مكتبها تعاقبه سكيرتيرته التي أردفت له بتوترٍ شديد :

- يا سالم بيه مش كدة ..


نظرت السكرتيرة لـ "ملاذ" مبررة بنبرة مهتزة :

- صدقيني يا ملاذ هانم أنا قولتله أن حضرتك في أجتماع مهم بس هو آآ


بترت عبارتها مشيرة بأصبعها لتخرج من المكتب ، أزدردت السكرتيرة ريقها بتوترٍ ثم خرجت من المكتب بحذرٍ، ظلت



 "ملاذ" جالسة على كرسيها بغرور و هي تطالع "سالم" الذي يكاد يخرج نيران من أذنه ، قالت "ملاذ" بوجهٍ جامد :

- خير يا سالم بيه ؟!! في حد يقتحم مكتب حد كدة ..


تأججت النيران المستعرة بداخل المدعو "سالم" ثم أقترب من مكتبها في خطوات سريعة ، ليضرب على المكتب بقوة صارخاً بها بذروة غضبه :

- يعني أيه تلغي الأتفاق اللي بينا في يوم وليلة ، أنتِ كدة بتدمري سمعة شركتي !!!! الـ show بعد أسبوع فاهمة يعني أيه ..


لم تتغير تعابير وجهها ، بينما نهض "ظافر" عندما شعر بتجاوز حدود المدعو "سالم" ، وقف أمام مكتب "ملاذ" محجباً الرؤية عنه ، وضع كفيه بجيب بنطاله ثم نظر له بإستهزاء ليقول بنبرة باردة :

- مش واخد بالك أن في راجل قاعد !!! ولا أنت مبتتكلمش غير مع النسوان بس !!


شخصت أبصار "سالم" على "ظافر" ، أشتعلت عيناه ليهدر به :

- أنا كلامي مش معاك .. 


ثم أبتعد عنه ملتفاً حول مكتب "ملاذ" التي نهضت بغضبٍ شديد ضاربة المكتب بكفيها :

- صوتك ميعلاش في مكتبي يا سالم أحسنلك و أطلع برا عشان متتهانش أكتر من كدة !!!!!


جحظ بعيناه من أهانتها له ، رفع يده عالياً متأهباً لصفعها و لكن تعلقت يده بالهواء عندما أمسك به "ظافر" الذي أحتدت عيناه بل توحشت ، سدد له لكمة أطاحته أرضاً و هو يزمجر به :

- أيدك متتمدش على ست يا *** !!!!!


أفترش "سالم" أرضاً لتنزف أنفه ، بصق دماً و هو ينظر له بعدائية كبيرة ، حاول التوازن ثم نهض مزيلاً الدماء على أنفه موجهاً نظرة نارية إلى "ملاذ" قائلاً بصراخ هزَّ الشركة بأكملها :

- مش هسييك يا ملاذ !!!!


خرج من المكتب صافعاً الباب، نظرت له "ملاذ" و هي تقول بغيظ حاولت كبحه :

- مكنتش محتاجة حضرتك أنا أعرف أدافع عن نفسي كويس أوي ..


قهقه ملء فمه و هو يطالعهاً بتهكمٍ قائلاً :

- هو أنتِ فاكرة أني ضربته عشانك ؟!! لاء خالص أنا بس مبحبش أشوفة واحدة بتضرب و أنا واقف !!!


جمدت أنظارها عليه ، حاولت كبح ثورتها لتعاود مجالسة و هي تشير بيدها على المقعد ليجلس ، نظر لها "ظافر" بإستهزاءٍ ثم عاود النظر في ساعته ، و بعجرفته المعتادة قال :



- نكمل كلامنا وقت تاني هبقى أبعتلك السكرتيرة تتفاهموا مع بعض .. 


ألتقط مفاتيحه ثم ولج خارج المكتب بخطواتٍ رزينة ، أشتعلت حدقتي "ملاذ" بغضبٍ ، ولجت خارج مكتبها بخطواتٍ تحفر الأرض بقوة ، خرجت من الشركة بأكملها ثم وققت أمام حارس البوابة قوي البنية ، رفعت سبابتها في وجهه قائلة بلهجة صارخة :



- الحيوان سالم ميعتبش باب الشركة تاني يا أما أقسم بالله أرفدك فـاهم !!!!


لم يكن أمام الحارس سوى الأنصياع لها ، ألتفت "ملاذ" عندما شعرت بنظراتٍ مصوبة نحوها كالسهام المندفعة ، رأته ينظر لها بعيناه الزيتونية فاتحاً باب سيارته مستعداً للولوج لها ، أحتدت نظراتها نحوه ولكنه بقى ساكناً ، جامداً ..!!


رمى بها نظرة هازئة ثم أستقل سيارته ، و أنطلق بها بقوة مخلفاً وراءه أدخنة كثيفة ..



                    الفصل الثانى من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

تعليقات



<>