(الفصل الثاني والعشرون)
وصلت مكية لشقتها بعد يوم شاق مليئ بالتعب وحافل بالمغامرة كانت خائفة مرتجفة على ان يصيب بدر اي مكروه تنهدت بأرتياح فرغم الفزع والأختطاف الا انها عادت الى منزلها بخير قرعت الجرس، فُتح الباب على مسرعه بسرعة عالية تراجعت للخلف قليلا مترقبة لنظرات أشرف القلقة
أسرع بالحديث بنبرة فزعة وهو يتفحص ثيابها الغير مهندمة: انتي أتأخرتي ليه يا مكية؟ في حاجة حصلتلك يا حبيبتي؟ حد اذاكي؟ انطقي انتي ساكتة ليه؟
أكملت هالة قولها بطمائنينة: الحمد لله انك بخير.. ادخلي تعالي
أبتلعت مكية لعابها ودلفت للداخل بتريث أغلق أشرف الباب بهدوء ثم تابع بهدة قليلا: لو كنتي أتأخرتي شوية تانية كنت هنزل أدور عليكي في الشارع
ردت عليه بفتور متحاشية النظر له: انا واصحابي نسينا نفسنا في الكلام
خرجت مريم من غرفتها واسرعت بأحتضان شقيقتها بوجها البشوش: خضتينا عليكي يا مكية.. وموبايلك مقفول
تذكرت هاتفها الذي حتماً تعطل لمدى الحياة بسبب وقوعها في المياه لتقول بجدية مصطنعة وهى تعبث بخصلات شعر شقيقتها: أتصورنا سيلفي كتير عشان. كده فصل.. ماتقلقوش عليا انا كويسة.. بس بصراحة جعانة اوي
أستأنفت هالة الكلام بحماس: طيب انا هحضرلك الأكل.. لما تغيري هدومك يكون جهز
أومأت رأسها وكانت ستتوجه لغرفتها ولكن يد والدها التي وضعت على كتفها رمقته بتساؤل بينما رأت في عينيه نظرات أسف وحرج تابع أشرف بتريث: سامحيني يا بنتي انا كنت قاسي في عقابك.. بدل
ماأخدك في حضني وافهمك الصح من الغلط طردك من البيت.. انا مش عارف عقلي كان فين وأنا بعمل كده.. أوعدك عمري ماهجبرك على حاجة انتي مش مقتنعة بيها وأنا واثق فيكي انك مش هتخذليني
يا مكية.. كنت فاكر عشان الوحمة اللي في وشك محدش هيقبل يتجوزك عشان كده كنت عاوزك تتجوزي ابن عمك بس انسي الكلام ده
انتي اللي تختاري حياتك مش انا.. آآآ
أوقفته مكية عن أكمال الحديث بأحتضان والدها ورددت: ماتتأسفش يا بابا انا المفروض اللي أتاسفلك.. انا خدت قرارات غلط كتير في حياتي وماخدش رأيك فيها
بادل أشرف أحتضان أبنته وتأسف لها عن الأذى النفسي الذي عانته ولم يهتم به، أشرأبت هالة من فتحة المطبخ بأبتسامة كبيرة هى ومريم ثم دلفت مكية لغرفتها وأخذت ملابسها القطنية. لتتوجه لتغتسل من أثار اليوم الجاد
بعد أنتهائها تناولت الطعام مع عائلتها عدا مودة التي أخذت المذاكرة حجة لها بعدم سماحة الوقت لها بالأكل، دلفت مكية لغرفتها بأبتسامة رضا أرتدت اسدال صلاتها وشرعت بصلاتها التي فاتتها في الصباح بعد انتهائها أرادت
أن تسمع القرآن من حاسوبها لا تعرف ما الذي دفعها لتشغيل سورة "الدخان" تركتها لتسمع بها وهى تطوي ملابسها والشيء الذي جعلها تقف بخوف هى أكمال القارئ ترتيل السورة وعند قوله تعالى
﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الاَْثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِى فِى الْبُطُونِ (45) كَغَلْىِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إلى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47). ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هـذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ (50)﴾
وقعت بيجامتها من كفها على الأرض بخوف شديد فهمت الأيات ودخلت لقلبها ماذا ستفعل أن قابلت الله هكذا، بعد خلع حجابها، بعد أرتدائها ملابس تظهر من لحمها، بعد كذبها على الناس، كانت ملتزمة ولكن
أنجرفت لأفكار سطحية نظرت لنفسها بالمرآة منكرة نفسها، هزت رأسها بنفي وهى تهمس: مين دي؟.. دي مش انا.. دي واحدة كدبت على الناس وعلى نفسها
تركت لأعينها السماح بالبكاء على وجنتيها وهى مستمرة برمق نفسها بأنكار: لو توبت ورجعت لربنا.. هيقبل توبتي؟
كأن الرد كان منظر إياها ليكمل القارئ قوله بصوته العذب:
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
......................
عند الحارة الشعبية التي بها بدر الدين مع الرجل العجوز سمير، أتسعت أعينه. بصدمة كبيرة عند رؤية الرجل والسيدة هما ألسكندر وڤيكتوريا والدين رفائيل لاحظ سمير تعجب وصدمة بدر ولكن أثر السكوت
أقترب السكندر برفقة زوجته الى المكان الواسع محدقين بالأرض بفراغ كبير راقبهم بدر من بعيد وعن كثب يطالع لتعبيرات وجههم كانت ڤيكتوريا
تبكي والعبرات ظاهرة اما السكندر غالب عليه الحزن ومرتبك جالس على ركبتيه وزوجته متكأة عليه ظلوا قرابة ساعة لينهض هو وزوجته مغادرين المكان
تنهد سمير وشرع بقول: بقالهم ١٥ سنة على الحال ده
سأله بدر بنبرة فضول: ماحدش سألهم ليه بيجوا يقعدوا هنا؟
هز سمير رأسه مجيبا بدر بتأكيد: الست لما بتتكلم مابفهمش كلامها شكلها خواجاية.. والراجل بيقول كلامي ماهيرجعش اللي ضاع
زفر بدر على مهل وسار متوجها الى سيارته لم ينطق بحرف من تلك الصدمة الكبيرة التي تلقاها قاد سيارته الى منزل علوية فتحي لكي يتأكد منها
ترجل من السيارة ودلف للداخل ثم طرق على الباب تعجبت من الذي سيطرق لها في ذلك الوقت، باتت الشمس تغرب أعتقدت علوية أن أولادها أولائك الذين هجروها مبررين بأشغالهم وزوجاتهم
هرولت بصعوبة لفتح الباب مرددة بحماس: ايوة يا حبايبي انا جاية أهو.. اخيرا قلوبكم حنت عليا
عند فتحها الباب عبس وجهها برؤية بدر لتهتف به بنفاذ صبر: عاوز ايه؟ مش انا قولتلك اللي عندي
كانت معتقدة أنه سيصرخ ويهتف بها باغتها برده الهادئ: ممكن أتكلم معاكي ومش هاخد أكتر من عشر دقايق
رمقته مطولا ثم أفسحت له الطريق ليدلف ويجلس على الأريكة المتهالكة. وتبعته وجلست قابلته على الكرسي البلاستيكي ثم قالت بجدية: سمعاك
رفع بصره إليها بعيناه الرمادية وأخذ نفس طويل ليزفره على مهل وقال بجدية: النهاردة شوفت راجل وست في نفس المكان اللي لقيتوني فيه
قاطعته علوية بنبرة فظة: وعشان شوفت راجل وست في نفس المكان معنى كده أنهم ابوك وأمك
هدر بها بغضب لعدم أنصاتها ومقاطعته في الحديث: انا ماقولتش انهم ابويا وامي.. الست أنا بشبها أكتر من أولادها ولما سألت الراجل قالي بقالهم ١٥ سنة بيجوا.. بس الراجل والست مسيحيين وبرضو الراجل بيقولي العيل اللي لقيته كان معاه سلسلة صليب
توترت علوية من الحديث وأجابته مدعية الكذب: آآ.. انا معرفش حاجة عن الصليب.. كل اللي أفكره زمان لما الشرطة سلمتك ليا ماكنش معاك حاجة
جز بدر على أسنانه وقبض على كتفيها ويحركها عنوة صارخا بها بعنف: انتي لسة مصممة على الكدب رغم كل اللي قولته.. قولي الحقيقة اعملي حاجة لأخرتك تقابلي بيها ربنا
أهتزت علوية وهتفت بألم ممزوج بحدة خفيفة: يا ابني براحة انا مش قد حركة وتعب.. أخرج برا واياك تيجي تاني هنا
تركها ثم نظر لها بغضب بينما هى متابعة التحديق بقسوة مكررة جملتها: سمعت قولت ايه.. أخرج يا بدر ولو جيت هنا تاني انا هصوت واقول انك حرامي
تشنجت قسمات وجهه وتقدم للباب بخيبة أمل ثم ألتفت لها وقال بنبرة منكسرة: وأنا وصغير في الملجأ كنتي ديما بتعايرني بأني ابن حرام وعشان يخلصوا من الفضيحة رموني في الشارع.. مش يمكن كل الحكاية دي غلط وانا مش ابن حرام
رمقته بتوتر ليعاود إليها مجددا ويجلس أسفل ويمسك بكفيها متابعاً قوله بهدوء حزين تحت نظراتها المنصدمة: انتي عارفة قد ايه انا بكره كلمة ابن حرام.. وبسببها انا جالي الصرع.. أبوس ايدك يا ماما علوية قوليلي الحقيقة
أرتعدت أكثر عندما قبل ظهر يدها وأستأنف حديثه بنبرته الحزينة: ولادك سابوكي عايشة لوحدك ومايسألوش عليكي انا مستعد اخدمك وأخليكي تعيشي معايا لأخر عمرك ومسامحك في اللي عملتيه فيا زمان.. بس قولي الحقيقة
ربتت على وجنته وقالت بجدية: صدقني دي الحقيقة.. هقولك نصيحة يا بدر.. عيش حياتك وماتقلبش في حاجات هتتعبك.. أنت دلوقتي مستواك كويس تقدر تعمل اي حاجة بفلوسك
أستقام بدر من مجلسه فحدجها بقسوة ونطق من بين شفتيه بغلاظة: انا ماشي ودي اخر مرة هجيلك فيها
تعجبت علوية من التغير الجذري الذي أصابه ليعود الي الباب ويخرج من هتاركا اياه موارب، شعرت بأنقباضة في قلبها من حديث بدر فعند عملها بالدار كانت دائمة السب به والمر الذي أصابه متأكده ان سببه هو عقدة نفسية التي حبكت عقدتها
شردت بحزن على أولادها الذين فعلت لهم المستحيل لكي يتعلموا افضل تعليم والأن تاركين ايها تصارع المرض والوحدة، الجزاء من جنس العمل
نهضت علوية من مجلسها وسارت بسرعة رغم ألم ساقيها لتخرج من الشقة الى الشارع بحثت بأعينها
لتجد بدر بداخل سيارته واضع رأسه على عجلة القيادة صاحت بأسمه فلتفت لها بدون تصديق هل ستخبره الحقيقة وهى ستقترب إليه لتأتي سيارة أخرى وتصدمها في منتصف الطريق وقعت علوية طريحة على الأرض
توقف الزمن وتوقف كل شيء والصدمة الكبيرة التي نقشت على وجه بدر كلياً، ترجل من سيارته بوجه متصلب كأنه أيقن انها ماتت أقترب ودنى منها
صاح رجل بهلع: والله يا استاذ هى اللي غلطانة انا فجأة لقيتها قدام العربية.. انا مش قتلتها.. انا هطلب الاسعاف
نظر للدماء التي تنزف منها ليقول بتوتر: كان معايا السلسلة ولا لأ
لم يجد منها اي رد فقد غابت عن الوعي ليحملها بحرص شديد وساعده الرجل بفتح باب السيارة ليدخلها به ويتوجه بها الى اقرب مستشفى
أيشعر أحدكم بما يشعر به بدر الأن، صدمة مبالغ بها كأن الأمل جاءه وسيعرف الحقيقة لتأتي الرياح بما تشتهي السفن وتتحطم السفينة ويغرق في المحيط
عندما وصل للمستشفى أخذها الطاقم الطبي ودلفوا بها لغرفة العمليات، أتكأ بدر على الحائط بتعب شديد وجلس على الارض وامسك برأسه قطع شروده قول الممرض بجدية: لو سمحت يا استاذ لازم تعمل محر وتقول على اللي حصل لأمين الشرطة
رمقه بدر بدون اكتراث فأسرع الرجل الذي صدمها بقوله المرتبك: انا اللي كنت سايق العربية اللي خبطتها بس والله ماقصدش والاستاذ يشهد عليا
تابع الممرض قوله: طب أتفضلوا عند الاستقبال
نطق بدر بنبرة ضيق: مش دلوقتي لما الدكتور يخرج ويقولي على وضعها
وضع الرجل بكتف بدر برفق وقال بأعتراض: أبوس ايدك ماتودنيش في داهية تعالى قول اللي شوفته
وقف بدر على مضض وتوجه مع الرجل والممرض قص لأمين الشرطة ان الرجل لم يقصد ان يخبط السيدة عن عمد ولم يكثر او يقل في الكلام ليعود ويجلس على الكرسي المعدني امام غرفة العمليا
قرر مهاتفة رفيق دربه سيف ولكن هاتفه قد تعطل من الصباح عند قفزه بالماء أخذ الهاتف من الرجل وهاتفه لكي يأتي له
خرج الطبيب من الغرفة وهو ناكس رأسه ليهرول له بدر ويسأله بلهفة: ها.. عملت ايه يا دكتور.. اكيد كو
قاطعه الطبيب بنبرة أسف: البقاء لله
لطم الرجل على وجنتيه خوفا من ان يتم سجنه، فنظر بدر للطبيب مطولا وتحدث بصلابة: يعني ايه
أكمل الطبيب قوله بنبرة هادئة: الست اللي جوا ماتت ربنا يرحمها
ساله بدر مجددا بنبرة جافة: ايوة يعني ازاي تموت من قبل ما...
صاح سيف بقلق بعد ان دخل للمستشفى: بدر.. ايه اللي حصل انا مافهمتش حاجة
أستطاع الطبيب التعرف على سيف ليقول بجدية: سيف!!
رد عليه بنبرة جدبة ممزوجة بتساؤل: ايه اللي حصل يا علي انا مش فاهم حاجة
أستطرد علي القول بنبرة جادة نسبياً: في ست كبيرة خبطتها عربية والاستاذ هو اللي جابها بقوله انها أتوفت
أردف بدر بسخط وبدون تصديق: ماتت
لم يزيد اكثر من ذلك ليخرج من المستشفى كلها ويستقل سيارته تبعه سيف وقبل ان يسرع له كان قد تحرك بسيارته
فاستقل هو الاخر سيارته وتوجه خلفه خبط سيف على عجلة القيادة: أنت مش حمل صدمات تانية يا بدر
..........................
بمنزل (السكندر الخواجة)
دلفت ڤيكتوريا لداخل غرفتها بحزن جلي وهى تقول: ده اكيد ابني
جلس بجوارها على حافة الفراش وحدث نفسه بتعجب: شبهك اوي يا ڤيكتوريا
اردفت والعبرات تنهمر من مقلتيها بحزن: بور فاڤور (من فضلك) السكندر.. انا.. مش قادرة.. اصبر.. اكتر من كده.. نفسي أشوف ابني
تنهد السكندر وحدثها بجدية: الشبه مش دليل اكيد انه ستيڤن.. يخلق من الشبه اربعين بس ده مسلم والسلسلة الصليب كانت مع ستيڤن.. لو فعلا هو كان اللي....
توقف عن الحديث عند سماع طرق بابه من قبل چايدن وهو يردد: بابا.. كنت عاوز اتكلم معاك
أجابه السكندر بجدية: ادخل يا چايدن
دلف لداخل الغرفة فتفاجأ بوالدته تبكي ليسألها بقلق: مالك يا ماما بتعيطي ليه؟ في حاجة حصلت يا بابا
نهض السكندر من مجلسه وأمسك أبنه مجيباً بجدية ويغير للموضوع: تعالى برا.. عاوز تقول ايه؟
نظر چايدن لوالدته بقلق ثم أجاب والده وهو يتوجه للخارج: هى بتعيط ليه؟
جلس السكندر على الاريكة وأجابه بأعين زائغة: فين أخواتك
جلس بجواره ثم قال بفتور: ماريا نامت ورفاييل في المطعم
عاود السؤال بفضول أكبر: انتوا متخانقين؟
أبتسم السكندر على أبنه ليقول مدعياً المرح: لا يا كابتن مش متخانقين هى بس أفتكرت أخوك ستيڤن
لوى چايدن فمه بسخرية ورفع عينيه للأعلى وقال بتهكم: بخصوص ستيڤن مش ملاحظين انه ميت وانتوا بتتكلموا عنه وبتزوروا قبره أكتر من اللازم كأنوا عايش مامتش.. ده حتى بتشتروا الهدوم لشخص في سني انتوا فاكرين انه هيرجع تاني
نظر السكندر للسقف وهمس بتمني: ياريت يكون عايش
حدجه أبنه بنفاذ صبر ثم أردف بجدية: انتوا عايشين في وهم ان ستيڤن عايش وهيرجعلكم بس في الحقيقة الميت مابيرجعش
نهض السكندر بضيق وأمر ابنه: طيب هما دول الكلمتين اللي كنت عاوز تقولهم.. شوف بقا هتعمل ايه ولا هتروح فين.. عشان انا تعبان
......................
وصل سيارة سيف أسفل البناية التي يعيش بها بدر خلفه ترجل من سيارته وركض إليه ثم أمسكه من كتفه وقال بجدية: فهمني يا بدر أنت عملت في علوية ايه؟
تنهد بدر بصوت عالي وهتف بحدة: سألتها على السلسلة وكانت هتقولي الحقيقة في عربية خبطتها وماتت
وضع سيف كفه على فم رفيقه ليمنعه من الحديث وتابع هو: ششششش الناس هتسمعنا
أبعده بدر ودلف لداخل وضغط على ازرار المصعد وخلفه سيف عند وصولهم فتح بدر الباب ودلف لشقته بعصبية: انا ليه بيحصل معايا كل ده
أغلق سيف الباب وأجابه بتأكيد: عشان ربنا عاوزك أقوى من كده
ألتفت له ونطق بسخرية: أقوى من كده ده اللي هو ازاي؟ انا اكتر أنسان ضعيف على وجه الأرض.. مايغركش النفخة الكدابة اللي أنا فيها
رد عليه سيف على مضض: احنا اهل بعض يا بدر الدين.. مالناش غير بعض وعينا على الدنيا هفضل أقولهالك وآآ
بتر سيف حديث عند صراخ بدر به بعصبية: وأنا هفضل أقولهاك في فرق كبير بينك وبيني.. أنت عيشت مع ابوك وأمك خمس سنين ولما ماتوا عمك خد فلوسك ورماك في الملجأ.. انا بقا وعيت على الدنيا وانا في الملجأ الراجل والست اللي شايل اسمهم دول مش اهلي
توقف لحظة عن الحديث بتعب ثم نطق بتعلثم اكبر: و.. و آآ.. لأ
بدأ جسد بدر بالتصلب ليعلم سيف انه دخل بالنوبة لبمسك به ويقول بقلق: أهدى يا بدر ماتتكلمش.. اهدى
أرتعش جسد بدر بحدة وعنف ليقع على الارض وهو مستمر بالارتعاش فك سيف ازار قميص رفيقه وأخذ وسادة من فوق الاريكة وقام بوضعها اسفل رأسه لاحظ استكانة جسد بدر ثم فقد وعيه
تظر سيف لأرجاء الشقة باهتياج وتوتر زفر بحدة وقام بحمل رفيقه وتوجه به الى غرفة نومه وضعه على الفراش برفق ثم هاتف زوجته وأخبرها انه سيبيت بالخارج لأنشغاله بأمور مهمة
أمسك بالكرسي المقابل له ووضعه بجانب الفراش يحدق برفيقه والعقدة التي عانى منها طيلة حياته، لم تغفل عيناه عليه
.....................
في صباح اليوم التالي غفى سيف مكانه واستيقظ على أنتفاصة بدر من بعنف
همس سيف له بهدوء: اهدى يا بدر انت كويس
أردف بدر بنبرة مرهقة: انت ماروحتش؟
أومأ رأسه وهو يفرك عينيه مجيبا بصوت متحشرج: ماقدرتش امشي واسيبك في الحالة دي
أعتدل بدر وأتكأ على الفراش ثم قال بفتور: شكرا يا سيف وآآ
سأله سيف بتريث: ماتتعالج يا بدر.. أنت رافض ليه
مط شفتيه وأخذ دفعة من الهواء ثم زفرها على مهل وأردف بشرود: انا مش رافض.. انا معنديش وقت أتعالج
نهض سيف من المقعد وقال بجدية: فوق انا هحضر فطار
خرج سيف من الغرفة وقام باعداد فطار تناوله هو ورفيقه بعد ان عاد لطبيعته أخذ منه ثياب ليذهب بها للعمل تحت الحاح بدر وان حالته تحسنت وهو ايضا سيذهب لعمله
قرر بدر الذهاب للمزرعة عند فارس اغتسل وارتدي ثياب وخرج من شقته
....................
بالطابق السادس استعدت مكية للذهاب لجامعتها أحتارت بماذا ترتدي فتحت دولابها على مسرعه رأت الجاكيت الجينز الذي القاه بدر عليها لأول مرة ابتسمت وقالت بحبور ممزوج بخجل: هلبسه.. ده جاكيت حبيبي.. اكيد بدر نسي شكله
أرتدته مكية ونسقته مع باقي ملابسها ثم فتحت الدرج السفلي الذي به جميع طرحها أخذت واحدة ونظرت بها للمرآة بعزم
..................
في الصالة كانت هالة تقوم بوضع الفطار على السفرة ثم هتفت بصوت عالي: يا مكية تعالي افطري
خرجت مكية من غرفتها وسارت تحت نظرات والدته المنصدمة والمتعجبة في آن واحد، همست هالة بعدم تصديق: مكية.. انا مش مصدقة عنيا.. انتي لابسة طرحة بجد؟
أومأت مكية رأسها بهدوء حزين، لاحظت هالة حزنها لتقترب منها وتسألها بقلق: انتي زعلانة؟
آجهشت بالبكاء وقالت بخوف كبير: انا خايفة يا ماما من ربنا اوي
جففت والدتها عبراتها المنهمر ثم تابعت مهدئة اياها: اهدي يا حبيبتي.. فهميني انتي اتحجبتي غصب
ردت مكية من بين شهقاتها الحزينة: مافيش حاجة اسمها حجاب غصب او مش غصب.. الحجاب فرض على كل مسلمة زيه زي الصلاة والصوم.. كل البنات المش محجبة وانا اللي كنت منهم عارفين الحجاب فرض علينا.. انا زعلانة على الايام اللي ضيعتها على معصية ربنا.. تفتكري ربنا هيسامحني؟
قبلت هالة جبهة أبنتها وأجابتها بتأكيد: أكيد يا حبيبتي.. ربنا رحيم جداا على عباده.. وانك حاسة بالندم ربنا هيسامحك.. بس بلاش عياط انتي معاكي جامعة دلوقتي
جففت مكية عبراتها وتابعت حديثها: انا حذفت أكونتاتي كلها اللي على النت وهبقا اعمل خاص وبصور الحجاب مش عاوزة الشهرة ماخدتش منها غير الشتايم والشفقة.. وهركز في دراستي انا همشي عشان ماتأخرش
أوقفها صوت والدتها الممتن: انا فخورة بيكي اوي يا مكية
أبتسمت لوالدتها ولوحت لها ثم خرجت من شقتها داخلة الى المصعد
......................
أسفل العمارة أستعد بدر لركوب سيارته مرت أمامه فتاة محجبة لم يدقق النظر بها الا عندما طرق على زجاج السيارة نظر لها بدون اكتراث ثم عاود النظر الى مايفعله ولكن لحظة هل هذه هى مكية؟
عاود النظر لها بصدمة فخرج من السيارة ومازال مستمر بالتحديق بها أبتسمت له بخجل: ايه يا استاذ هتفضل تبص كده كتير مش عيب
أردف بدر بأبتسامة تلقائية: شكلك أحلى بالحجاب
خجلت مكية من حديثه لتتنهد وتقول بغيظ مصطنع: يعني انا كنت وحشة وانا بشعري
هز رأسه بنفي وهمس لها: واحد بس اللي يشوف شعرك
تحول وجه مكية لكتلة من الجمر ثم قالت مغيرة للموضع: انا عرفت النهاردة بالصدفة ان سكان العمارة كل شهر بيعملوا تحدي.. بينقسموا فريقين.. فريق مطلوب منه يشتري هدوم وفريق هو اللي يجيب الأكل ويوزعوا الحاجات على الناس المحتاجة.. تحب أكتب اسمك فين
أجابها بتلقائية: على ضهر بطاقتك
أتسعت مقلتيها ورددت بتعلثم: انا اقصد اكتب اسمك في فريق ايه؟.. انا لازم امشي متأخرة على جامعتي
ابتعدت من أمامه ولكن أوقفها مرة أخرى عادت له من جديد بنفاذ صبر: نعم؟
اشار بأصبعه على ثيابها وقال بجدية: الجاكيت ده بتاعي.. انتي ماجبتهوش ليه؟ هو الجاكيت الجلد والتيشرت كمان
رمشت بأعينها بتعلثم وحدثت نفسها: وانا اللي كنت طمعانة فيهم
زادت نبرتها واصطنعت الجدية: آآ.. انا كان نفسب يكون عندي اخ عشان أسرق هدومه
أجابها بدر بسخرية: بس انا مش أخوكي
جزت على اسنانها وقالت بتهكم خفيف: اعتبرني أختك
حدجها ببرود على جملتها السخيفة فزجرها بقوله: بس انا مش عاوز اكون أخوكي
نظرت مكية للمرآة الامامية بسيارته ولم ترد عليه رأت وحمتها بعفوية وضعت طرف الحجاب عليها لتخفيها بأبتسامة هامسة: كده محدش هيشوفها
أبتعد عن بدر وقالت بهدوء: انا اتأخرت يا بدر لازم امشي.. تسنيم وماريا هيولعوا فيا
وقف قابلتها واشار على طرف حجابها الذي يخفي الوحمة وأردف بجدية: شيلي طرف الطرحة من على وشك.. انتي ماتخلقتيش عشان الناس تنبهر بيكي.. وشك هو الوش المفضل ليا من بين كل الوشوش
أبتسمت مكية على حديثه الجميل الرائع دائم من رفع معنويات نفسها لا يريد ان تشعر بأنها اقل من أحد لتقول له بأمتنان: وانت كمان بلاش تكون قاسي على نفسك.. الدنيا مش مستاهلة
أبتعدت عنه وأكملت طريقها للجامعة ذهب بدر للمزرعة للألتقاء بفارس وأخبره بأمر لطفي ثم صنعوا خطة لإيقاع به، بعد مرور ثلاثة اشهر قام بدر بدفن علوية وتكفل بلقائها الأخير لله، ألتزمت مكية بدراستها وأتمت امتحانتها وزادت الفرحة عند نجاحها أخبرت بدر بان يأتي لحفلة تخرجها
جاء اليوم الذي ستستلم شهادتها مرتدية زي التخرج وفي كامل فرحتها أستلمت الشهادة بسعادة عارمة
كان بدر يشاهدها من أخر مكان في القاعة بأبتسامة فخلال الثلاث اشهر لم يصارحها بطلب زواجه منها ختى لا تنشغل عن دراستها، أبتسم عند رؤيتها مع عائلتها تهنئها، أخرج هاتفه وتحدث بجدية: نفذ دلوقتي
طالع مكية التي تلتفت وكأنها تبحث عنه راقب اربعة رجال حاملين باقات زهور متنوعة جميلة عطرة صاح احدهم: أنسة مكية
التفت لهم بتعجب ورمقتهم بتساؤل وللزهور الممسكين بها تابع الرجل بلهجة جادة: أتفضلي الورد ده عشانك
وغادر هو ومن معه صاحت بتوتر: من مين؟ طب استنى يا استاذ
همست لنفسها بأبتسامة: اكيد بدر
هناك فتيات حقدت عىيها واعتبروه عدم احترام للمكان العام بان احد يحبها والبعض الاخر ابتسم ومازحوها، رأى بدر السكندر وڤيكتوريا مع ابنتهم ماريا فرحين لها فخرج بهدوء لا يريد ان يعكر فرحة مكية بشيء
سار ف مغادرا للقاعة ولكن اصطدم بشاب رفع بصره فتفاجأ برفائيل يبتسم له ويقول: ايه ده يا يحيى انت هنا.. تعرف مين بقا
أجابه بهدوء مختصرا الكثير: بدر.. اسمي بدر الدين
لمح بدر بقلادة على هيئة صليب معلقة برقبته وفوقه الجاكيت خاصته قبل ان يتفوه بكلمة سمع صوت ڤيكتوريا تقول لأبنها: رفاييل ڤاموس (هيا) ڤينير (تعالى) أشان تبارك لأختك
أجاب والدته بجدية: طيب طيب.. انا جاي
ثم حدث بدر بفضول: انت مروح بدري ليه؟
أقتربت ڤيكتوريا منه ونظرت كثيراً لبدر الدين بأبتسامة فسألته: امشي ديسباسيتو
حدق بدر بها ليسرع رفائيل بقول: قصدها تقولك امشي ببطء.. على مهلك يعني.. اصلها اسبانية والله.. يا ماما اتكلمي عربي ابوس ايدكي الناس هتفتكر انك بتشتميهم
أصطنع بدر الأبتسامة ثم قال بهدوء: عن اذنكم
ابتعد بوجه متصلب لم بعد ان تجاهل الموضوع ها هو يقترب إليه مجددا، همس رفائيل لوالدته: يلا يا ماما.. الراجل مشي وانتي بتبصي عليه
......................
قاد سيارته وتوجه الى اسفل منزل علوية ترجل من السيارة وجلس فوق غطاء المحرك تذكر انها كانت ستخبره الحقيقة ولمح منظرها وهى ملقية على الارض تنزف الدماء شعر لها بالأسف تنهد بثقل
وقبل ان يقفز ليمشي لمح امراة عجوز تقترب منه وتسأله بهدوء: أنت مين يا ابني.. ابن علوية؟ هانت يا ابني عليك امك انت واخواتك ماتحضروش غسلها ولا دفنتها.. خليتوا الغريب اللي يدفنها
هز راسه للجانبين بنفي وقال بفتور: انا مش ابنها
تحدثت بنبرة سريعة ويشوبها التشكيك: أنت بدر الدين؟
عبس حاجبيه بتعجب وسألها: انتي تعرفيني منين؟
تنهدت بأرتياخ وقالت برضا: الحمد لله انك بدر.. انا بدور عليك من ٣ شهور كانت موصياني انها لما تموت لازم أديك مفتاحين واحد بتاع شقتها والتاني بتاع كوميدينو موجود في أوضتها
أدارت جسدها عنه لتخرج من صدرها مفتاحين مربوطين بخيط رفيع ببعضهم البعض ثم مدت كفها له: اتفضل يا ابني.. الكلام ده قبل ماتموت بأسبوعين
أخذ بدر المفاتيح بينما عى غادرت من أمامه توجه لمنزلها بسرعة وقام بفتح الباب تنهد بهدوء ممزوج بارتباك ثم دلف للداخل وتوجه لغرفتها البسيطة اقترب من الكوميدينو وجلس على الأرض ثم قام بفتحه بارتباك
ليجد أوراق كثيرة وصور اكثر من ضمن الصور وجد صورة تجمعه مع رفيقه سيف واطفال الدار كثيراً
أبتسم لتلك الطفولة الأليمة وجد ايضا جوابات كان يكتبها لرفيقه سيف بعد ان غادر مع عائلته الجديدة كالعادة تكذب عليه وتقول انها تحضرها له وسيف لا يعير اي انتباه له
مد بكفه جميع الأوراق لتقع بحجره وما بها من علبة سوداء أخذها وقام بفتحها فوجد بها قلادة ذهبية لصليب اتسعت مقلتيه بصدمة كبيرة
ليرفعها امام عينيه كأنه يتأكد أهى قلادة الصليب التي يبحث عنها ام لا.