رواية مراة الحب الفصل الثالث3بقلم نجلاء لطفي

رواية مرآة الحب

الحلقة الثالثة

بقلم نجلاء لطفي



-يبدو أن صفاء فهمته جيدا إنه يريد من تصادقه لتهون عليه 



غربته ولكني لست من ذلك النوع، ألم ير دمامتي؟ ماذا اجتذبه في؟ هل أبدو فتاة سهلة؟أم أنه 





يظن أني سأستلم لأي معاملة رقيقة لأعوض نقصي؟ هل يظن أني فتاة  تتلهف على أية 





علاقة؟؟ لابد أن انتبه لتعاملاتي بعد الأن. عدت لغرفتي وقصصت عليهما ما حدث فقالت صفاء 

-خيرا ما فعلت فلابد من وضع حدود صارمة مع الجميع

بدأت الدراسة جديا في اليوم التالي كنت مُكلفة بالتدريس لطالبات الصف الثالث والرابع الإبتدائي سرعان ما تعرفت على الطالبات وتجاوبن معي ماعدا فتاه صغيرة اسمها سهيلة بالصف الثالث لم تتجاوب







 معي أبدا ولم تكن تكتب الواجب أو تنتبه لي في الفصل فأرسلت معها إنذارا لولي أمرها وطلبت حضوره وفي اليوم التالي أخبرتني المديرة أن ولي أمر سهيلة موجود، ذهبت للقائه وفوجئت أنه ذلك التافه الذي كان يجلس بجواري في الطائرة تمالكت نفسي ودخلت وقلت:

-مرحبا أنا معلمة سهيلة

-تقصدين أنك من فشلت في تعليم سهيلة

-أنا لم أفشل إنما هي لا تستجيب لي وتلهو دائما إما بموبايل أو ترسم  نجلاء لطفي في كراستها وترفض أن تنتبه وكلما تحدثت معها بكت لذا طلبت مقابلتك لأعرف أي مشكلة تعاني منها

-إنها لا تعاني أية مشاكل ولم يشتك منها أحد من قبل سواك أليس معنى هذا أن العيب فيك؟

هنا دخلت المديرة وقالت بابتسامة:

-مرحبا بك لقد تشرفت المدرسة بحضورك

-الأنسة طلبت ولي أمر سهيلة بحجة أنها تعاني من مشكلة في التحصيل هل هذا صحيح؟

-أرجو أن تهدأ قليلا ربما لأن سهيلة انتقلت من مدرستها وهي صغيرة وتلك أول مرة تقابل المعلمات و التلميذات فهي تعاني من الخوف والإضطراب لذا فهي تحتاج بعض الوقت لتتأقلم كما أن ظروف وفاة والدها بالتأكيد لها تأثير عليها

نظرت بذهول إليه وقلت:

-ألست والدها؟

-لا أنا أخوها الكبير

-من فضلك أريد التواصل مع والدتها

-لماذا؟

فقالت المديرة:

-في تلك السن تكون المعلمة بالنسبة للطفلة بمثابة الأم وفعلا التواصل بينهما ضرورة لحل مشكلة سهيلة

فقال بحدة:

-سهيلة لا تعاني أية مشكلات ولاتنشروا الشائعات باسمها

فقلت:

-شائعات؟ أنت واهم أنا أريد مساعدة الفتاة لا الإضرار بها، أنت لا تستطيع الإحساس بفتاة صغيرة ولا بما تعانيه إنما تستطيع ذلك أمها أو أختها فقط من فضلك هذا رقمي إن أردت مصلحة سهيلة حقا دعني أتواصل مع أمها 

تركته وخرجت وأنا أتعجب من ذلك المغرور الذي لا يشعر بألام أخته وينكر وجود مشكلة بحياتها حفاظا على اسمه فقط. عدت لفصلي وتابعت الدراسة ومنحت سهيلة إهتماما أكثر لعلي أقترب منها وأستطيع مساعدتها لكنها كانت تتهرب من الإستجابة لي. تمنيت أن تستجيب لي أمها ولا تكون بنفس تعالي أخوها وبعد عدة أيام اتصلت بي والدة سهيلة وقالت:

-علمت أنك تريدين مقابلتي فإن كان يناسبك أن أرسل لك السيارة في الخامسة سيكون لطيفا أن نتناول الشاي معا ونتحدث

-الوقت مناسب جدا 





-شكرا لك

وصلت السيارة وانتظرني السائق في الإستقبال فنزلت إليه واصطحبني نجلاء لطفي لقصر فخم فاستقبلتني الخادمة وتوجهت بي نحو صالون لم أر في حياتي في مثل فخامته ،ثم  دخلت سيدة في بداية العقد الرابع ترتدي فستانا أسود في منتهى الأناقه وتضع طرحة سوداء على رأسها ورحبت بي، وبعد كلمات المجاملة قالت:

-أحب أن تعرفي ظروف سهيلة لأنك غريبة عن البلاد، والدها كان أمير المنطقة الشرقية وكنا نعيش معه هناك وتوفي فجأة في حادث سيارة فكانت صدمة كبيرة علينا جميعا..صمتت للحظات لتمنع عبراتها من الهطول ثم قالت:

-كانت الصدمة كبيرة جدا على سهيلة لأنها كانت ابنته الصغيرة المدللة المتعلقة به بشدة وإزدادت صدمتها عندما اضطررنا لترك الحياة هناك والعودة لبيتنا هنا في العاصمة فتركت جيرانها وأصدقاء طفولتها وزميلاتها في المدرسة ومعلتمها التي أحبتها ومع بداية هذا العام الدراسي كانت تبكي بشدة ولا ترغب في الحضور حتى أرغمها أخوها الكبير عبد الله- الذي جاء لمقابلتك- على الذهاب للمدرسة.

سكت للحظات وقلت:

-ماحدث أكبر من قدرة قلب وعقل طفلة صغيرة مثل سهيلة على التحمل لذا قررت ألا تتعلق بأحد حتى لا تعاني مرارة الفقد مرة أخرى، سأبذل جهدي أن وزميلاتي لمساعدتها لكنها تحتاج من يعوضها حنان الأب ويمكن أن يقوم أخوها بهذا الدور

-هو مشغول بحاله ويرى ما هي فيه تدليل زائد، لكني أحاول أن أتقرب منها وأخفف عنها خاصة أنه لم يبق لي سواها بعد زواج كل إخوتها البنات ولم يتبق لها سواي أنا وعبد الله

-هل تسمحي بأن تناديها لتجلس معنا؟

أرسلت الخادمة لتنادي سهيلة التي جاءت تتعثر في خجلها فقالت لها أمها:

-سلمي على معلمتك الأستاذة منة

مدت يدها في صمت ونظرت إلي للحظات ثم أشاحت بوجهها فقلت لها:

-مرحبا يا سهيلة كيف حالك؟

-الحمد لله

-هل أعجبتك المدرسة الجديدة؟

أومأت برأسها بالإيجاب

-هل صار لك صديقات في المدرسة؟

أومأت برأسها نافية 

-انظري ماذا أحضرت لك معي

نظرت إلي باهتمام فقلت:

-كراسة وألوان لنرسم ونلون معا هل تحبين التلوين؟

اتسعت عيناها وأبدت القليل من الإهتمام وأومأت بالإيجاب 

-هيا لنبدأ

جلست بجواري وفتحت الكراسة على صورة بطة كبيرة ومعها صغارها وقلت لها:

-ترى بأي الألوان سنلونهم؟

بدأت تختار الألوان ثم تحدثت معي قليلا فتركتنا أمها ، جلست معها نحو الساعة وتحدثت عن طفولتي وعن الألعاب التي كنت ألعب بها وأنا صغيرة فحدثتني عن دميتها وذهبت لتحضرها لي وأرتني إياها وضحكت معي فأدركت أن الحاجز الذي بيننا قد سقط ، عندما عادت والدتها تعجبت من تغير سهيلة معي ثم ابتسمت فاستأذنت في الإنصراف وقلت لسهيلة:

-انتظرك غدا في المدرسة وكلما أحرزت تقدما في دراستك سأحضر لزيارتك نجلاء لطفي ونلعب معا في يوم الأجازة

ابتسمت سهيلة وودعتني، أعادني السائق لسكن المعلمات وكنت حائرة في أمر سهيلة وكيفية التعامل معها فاستعنت بصديقة تدرس علم النفس





 وسألتها فأرشدتني و رشحت لي عددا من الكتب لأستعين بها في التعامل مع الأطفال.في الأيام التالية تحسنت استجابة سهيلة قليلا وإزدادت استجابتها عندما قررت عمل مسابقات 




في نهاية كل أسبوع وتقسيم الفصل لمجموعات تتنافس فيما بينها وحرصت على تغيير أعضاء المجموعة كل مرة فكان لإندماج سهيلة معهن تأثير جيد إلى حد ما. 

كنت أخصص يوم الجمعة من الخامسة مساءا حتى الثامنة لسهيلة لنلعب معا أو نقرأ قصة أو نرسم ونلون، بينما يوم الخميس فكنت أقضيه 



مع زميلاتي في أحد المولات نتناول الطعام ونشتري ما نحتاجه أو في إعداد طعام جيد والسهر أمام التليفزيون. كثيرا ما كنت 




ألتقي بياسر -بائع المحل- في جولاتنا في المول وكنا نتبادل التحية والسؤال عن الأحوال أو تصطحبني إحدى الزميلات لشراء بعض إحتياجاتنا من محله لتضمن أن يعمل لها تخفيضا 



خاصا إكراما لي، فقد كن يسمينه مجنون منة ولم أكن أبالي فقد كنت أعلم أنه لن يعشق فتاة دميمة مثلي .

مرت بي الأيام على ننفس الوتيرة لكني كنت سعيدة بحياتي الجديدة وبالزميلات اللاتي 




تعرفت عليهن وجاءت أجازة منتصف العام فعادت هالة وصفاء لبلديهما وكذلك كثير من الزميلات وسافرت سهيلة مع أسرتها في رحلة للخارج لمدة أسبوع وبقيت وحدي أعاني 



من الفراغ والوحدة فلم أكن أرغب في العودة لأهلي فليس هناك من يهتم بأمري. كنت أقضي وقتي بين القراءة ومشاهدة



 التليفزيون ثم شعرت بالملل فقررت أن أذهب للمول لأتناول طعامي هناك وبينما أنا جالسة بالمطعم وجدت ياسر أمامي يقول:

-ألم تسافري كزميلاتك؟

-لا

-ولماذا هل تدخرين أجازتك للصيف؟

-ربما وربما لأنه لا أحد ينتظرني هناك

جلس على طاولتي وقال:

-أليست لك أسرة؟

-لي ولكن كل منهم مشغول بحاله عني ولا أحد يهمه أن أعود أو لا أعود

-أليس لك أصدقاء أو...حبيب؟

نظرت إليه وابتسمت بمرارة وقلت:






-لي زميلات لكن صديقة حميمه لا فكلهن إما يرفضن صداقة فتاة ليست بجميلة مثلهن أو يخشين من فتاة عانس مثلي على أزواجهن

-أولا أنت لست بدميمة أنت فتاة عادية جدا كباقي الفتيات ثانيا مقاييس الجمال تختلف من شخص لأخر

-مقاييس الجمال في مجتمعنا فتاة بيضاء بعيون ملونة تفيض أنوثة ودلال، أما غير ذلك فتصنف تحت بند دميمة

-لم تجيبي سؤالي أليس لك حبيب؟

-لم يفكر أي شاب أو رجل يوما ما أن يُبدي إعجابه بي سواء من الأسرة أو من خارجها ، شخص واحد فقط من أقارب زوج أختي حاول التحرش بي وعندما صددته وهددته بالفضيحة قال لي: (احمدي الله أني تنازلت وقررت أن أبدي إعجابي بدميمة مثلك ينفر منها كل الرجال)

سكت قليلا فقلت:

-كل من تقدموا للزواج بي إما يريدون زوجة لترعى أبناءهم أو لهم مطامع معينة

-هل تناولت طعامك؟

-لا ليس بعد

-إذا اسمحي لي أن أدعوك للطعام ستتذوقين صنفا جديدا وأعتقد أنه سيعجبك

-لكني لا أريد أن أكلفك ليدفع كل منا ثمن طعامه

-يبدو أنك بخيلة

-لا أبدا لكن لابد أنك جئت لتعمل هنا لتجمع المال لتحسن ظروفك عندما تعود فلا تبدد مالك وجهدك




نظر إلي صامتا ثم طلب الطعام تناولناه ونحن نتحدث عن الكتب والقراءة وعن الأفلام والموسيقى، انتهينا من الطعام وأنا مستمتعة بصحبته جدا ثم قلت:




-سأعود للسكن حتى تعود أنت لعملك

-غدا يوم أجازتي هل تريدين أن اصطحبك لرؤية المناطق الشعبية هنا؟

-أخشى من كلام الناس فالمدينة صغيرة والكل يعرف بعضه

-لو تملكنا الخوف من كلام الناس فلن نعيش خوفا من كلامهم الذي لن ينقطع في كل الأحوال




-أنت رجل لن يتناول أحد سيرتك مهما فعلت لكن الفتاة إن ابتسمت يعلقون لها المشانق ويتهمونها بالفُجر

-كنت أريدك أن تستمتعي بوقتك

-شكرا لك وبالفعل لقد استمتعت كثيرا




-إن جئت المول بعد غدا سأحضر لك الرواية التي حدثتك عنها هل ستأتين؟

-ربما ، شكرا لك على الوقت الممتع

انصرفت وأنا سعيدة بصحبته، حقا لم يكن وسيم الملامح لكن روحه أنيقة وعقله راقِ وسلوكه محترم.



ذهبت له كما وعدته وأخذت منه الرواية ووعدته بمناقشتها ولكن على الهاتف

 نجلاء لطفي حتى نتجنب كلام الناس فوافق كنت أتصل به بشكل منتظم أو يتصل بي ونتحدث في أمور شتى وحكى لي أنه عمل



 منذ صغره لمساعدة والدته في مصروفاته هو وإخوته البنات وعندما توفي والده تحمل عبء إخوته مما جعل جارته



 وحب عمره تتخلى عنه مع أول عريس جاهز هربا من شبح الفقر والعنوسة عندها قرر أن يتخلى عن حلمه بالحب ويتحمل




 مسئولياته وبعد وفاة والدته وزواج شقيقاته لم يعد له من يعود إليه فقرر البقاء هنا،فقلت له:

-ولماذا لا تعود وتتزوج وتكون لك أسرة؟

-لم أجد من تشاركني حياتي وأفكاري وأحلامي كلهن يرغبن في مشاركتي مالي فقط




ضحكنا معا وتحدثنا باستمرار في كل شيء حتى صرنا قريبين من بعضنا. 




عادت أسرة سهيلة في منتصف الأسبوع الثاني من الأجازة ودعتني والدتها لزيارتهم 






فذهبت ورحبت بي الأم كثيرا واحتضنتني سهيلة واصطحبتني لغرفتها لتريني صور الرحلة وما اشترته هناك، أفادتها تلك 



الرحلة كثيرا فبدت سعيدة، ثم جاءت والدتها وجلست تتحدث معي ودعتني لقضاء يومين معهما في بيتهما الريفي



 فاعتذرت لأن إدارة سكن المعلمات تمنع بيات المدرسات خارج 



السكن فوعدتني أن يعيدني السائق مساءا فرجتني سهيلة أن قبلت فضعفت أما رجاءها وقبلت واضطررت أن أؤجل موعدي 



مع ياسر للأسبوع القادم وقد لا نلتقي لأن عندها ستكون كل المدرسات قد عدن من أجازاتهن.


                    الفصل الرابع من هنا

لقراة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



<>