أخر الاخبار

رواية ندبات الفؤاد الفصل التاسع والعشرون

 

رواية ندبات الفؤاد الفصل التاسع والعشرون

رواية ندبات الفؤاد


الفصل التاسع والعشرون. 

بقلم زيزي محمد




الهدوء المنبعث من حوله لطيف لدرجة أنه أطفأ 




نيران الغضب التي كانت تتفاقم بداخله مع كل



حرف كان ينطق به أخيه المعتوه ...نعم ليس سوى 



معتوهًا كي يتحدث هكذا بكل بساطة دون أن 




ينتبه لما عانى منه في الماضي، وحتى لو قدم 




ملايين الاعتذارات لن تفيد بشيء فالجرح غائر ولن 





يعالج باقوالاً لفظية تنسف مع أول عاصفة تهاجم حياتهما.


خرج من عمق تفكيره الهادئ على صوت صراخ منبعث من الأسفل، فركض سريعًا نحو مصدر الصوت والقلق يجتاح صدره ولكن شعوره تحول إلى الخوف..نعم خوف لم يتذوقه منذ زمن بعيد، وذلك حينما استمع لبعض الكلمات المتناثرة هنا وهناك حول حادثة زيدان.


لم يشعر بنفسه وهو يركض كالمجنون نحو سيارته بثيابه البيتية، يخترق قوانين المرور من أجل أن يطمئن عليه، رغم أن قلبه مشوه بأثار ندوب الزمن القاسية إلا أنه مازال ينبض من أجل عائلته، هم كنزه الوحيد رغم العواقب التي كانت تحيطه، يكره أن يصيبهم مكروه ومع أي أذى يتعرضوا له يخفق قلبه بشدة لدرجة أنه يهوى من السماء السابعة لاسفل الارض، تمامًا مثل حاله الآن وهو يتابع أخيه مثبتًا بالأجهزة الطبية من خلف زجاج غرفة العناية المركزة، فكان يستمع لكلمات الطبيب ولا ينتظر الا شيء واحد متى سيفتح عيناه ويعود ذلك المعتوه لطبيعته!.

                                  ***

مر شهرًا على ذلك الحادث..وها هو يجلس قعيد الفراش يتلقى الخدمات والعلاج من عائلته بالكامل لا يتركونه إلا على النوم، وهذا شيء كرهه بشدة لحاجته بالاختلاء قليلاً مع نفسه للتفكير رغم آلام جسده والكسور التي تحتل معظم عظامه.


دخلت شمس بصينية العشاء وعلى وجهها ابتسامة واسعة:


- العشا يافندم.


- أنا زهقت من الاكل ومنكوا.


قالها بحنق وكلماته اللاذعة تضرب وجهها بقوة فاتسع فمها باندهاش من فظاظته:


- كلك أخوك سليم، مفيش فرق ما بينكوا.


التوى فمه ساخرًا لتشبيه بسليم ذلك القلب المتحجر والذي لم يدخل مرة واحدة للاطمئنان عليه، بل لم يعطيه أي انتباه، يستمع لصوته في الخارج ومن بعدها يصعد لشقته، أليس في قلبه ذرة رحمة وغفران؟!

ودون تفكير منه وجد نفسه يتحدث بسخط:


- عمري ما هكون زيه، ده مفيش اتنين على وجه الارض منه.


- طبعًا..سليم الشعراوي واحد وبس.


قالتها بكبرياء وثقة وابتسامة الحب تشق ثغرها، فرد زيدان بهجوم وكأنه لم يعِ لما يقوله: 


- بتحبي فيه إيه ده!، ده قلبه حجر، محدش فيكوا واخد باله انه معبرش اخوه من وقت ما عمل الحادثة.


هزت كتفيها بلامبالاة وكأنها كانت تتوقع كلماته القاسية ولكنها ليست سوى تنفيث عما يشعر به من اضطراب نفسي لما آلت إليه علاقتهما الأخوية:


- لا مش واخدين بالنا..انت الوحيد بس اللي حاسس بكده، عشان انت عايز تشوفه كده.


رفع أحد حاجبيه فورًا بذهول من حديثها، فأكملت هي بسلاسة تلقي بكلماتها بهدوء دون أن تنتبه لفيضان مشاعره وتكدس أفكاره بالأسئلة:


- وانت في المستشفى مش حاسس بنفسك كان جنبك ورفض يسيبك لحظة، ولما فوقت اطمن عليك مقدرش يدخلك لانك اول ما فوقت سألت على كله ما عدا هو، يعني وجوده مش فارق معاك، ببساطة قرر أنه يحتفظ بنفس المسافة اللي أنت عاملها، بس ده ميمنعش انه بيكلمني يوميًا ويسألني أكلت وشرب واخدت دواك ولا لا.


حك أنفه بقوة وبصوت يغلب عليه الحيرة سألها:


- انتي بتتكهني ولا...


قاطعته وهي تنهض حينما استمعت لصوت يزن يخبرهما بمجيء أصدقاء زيدان:


- أنا أكتر واحدة عارفة اخوك على إيه، وحاسة بيه كويس، عشان كده مش بلومه أبدًا من ناحيتكوا.


أنهت حديثها وخرجت سريعًا تفسح المجال لاصدقاء زيدان وبعد ترحيب طويل بهم، ربت أحدهم على ساقه قائلاً:


- مستنينك يا بطل ترجعلنا.


- ان شاء الله، دعواتكم بالشفا أصل أنا حاسس إني خللت هنا.


صاح أحدهم ليقول بحنق مشاكس:


- ياخي طب أنا الاقي نص المعاملة دي، ولا اقولكوا بلاش اتمنى حاجة أصل مش هلاقي اللي يقف جنبي.


ضرب أحدهم على كتفه ليقول:


- انت بتحسده على أهله يابني.


هز رأسه دون حرج، فراح صديق زيدان المقرب يقول مؤكدًا على حديثه:


- كلنا بنحسدك يا زيدان والله.


حاول كتم ابتسامته الساخرة أثناء حديثهم، ولكن الصدمة أصابته حينما نطق أحدهم:


- فاكر يا زيدان لما كلنا كنا نخاف من سليم أخوك زمان ولا لما قفشنا بنشرب سجاير ادنا  علقة موت يالهووي عمرى ما انسى ايده الطرشة وهي بتنزل على قفايا، طول عمري بقول عليه جبروت عمري ما كنت اتخيل اشوفه بالمنظر ده وهو خايف عليك، ده أنا شكيت ان هو اللي بيموت مش أنت.


لقد أصابته صاعقة من السماء الآن، فطاحت به هنا وهناك، حتى أنه شعر بروحه الضائعة  ترسى أخيرًا في مرفأها وذلك أثناء استرسال صديقه المستمر عن سليم وعن هيئته بالمشفى.


أجفل من شروده على قول أحدهم وهو يضغط على يده:


-هو أنت لسه بتشرب السجاير من وراه؟!


ابتلع ريقه وهو يجيب بتوتر:


- اه لسه.


نعم هو يفعل ذلك الأمر من ورائه، وذلك بعدما اصطدم به سليم ذات مرة، وقام بتوبيخه علنًا، بل أصدر بحقه حينها عقبات لاذعة، تذكر جيدًا كيف كان متعجبًا من أمره، فسليم بالفعل أحيانًا يدخن سجائر، لما يعارضه إذاً، فعادت حروف كلمات أخيه تتجسد أمامه في ومضة سريعة وهو يقول بعصبية بالغة.


" حتى لو كنت بعمل حاجة زي دي، فأنا مش عايزك تعمل حاجة غلط وتضرك، عايزك أحسن مني".


أغلق عيناه بقوة كيف له أن يتجاهل كلماته ويلقيها في بئر النسيان، كيف له أن يتخذ قرارًا حينها بمعارضته والاستمرار على ذلك الفعل من أجل ألا يرضخ له فقط، حتى أنه كالجبان اختار الخفاء ليفعل ذلك دون علمه، بعدما فشل في مواجهة طوفان غضبه في مرات عديدة.


حاول أن ينغمس مع اصدقائه لينسى حاجته الملحة لأخيه الآن، جاهد مشاعره المشتعلة الطالبة بعناق يشعر فيه بوجود أخيه بجانبه، بعدما فقده بغبائه وتهوره.


                                 ***

دخل سليم لشقته وهو يلقي بسترته على أول كرسي يقابله، بحث بعينيه عنها فوجدها تدخل خلفه تلقي بحجابها جانبًا، وما إن رآته حتى ابتسمت له كعادتها:


- سولي أنت جيت؟!


جذبها من يدها نحوه، فوضعت كفيها على صدره تمنع اصطدام وقحًا انبثق من عينيه العابثة تلك:


- كنتي بتعملي إيه تحت، هو أنا مش منبه وقايل لما اصحاب زيدان يكونوا تحت، متنزليش؟!


مدت يدها لأعلى وداعبت عنقه وخاصة تفاحة آدم التي كانت تتمركز في المنتصف تثير جنونها:


- هتصدقني يا سولي إن مكنتش أعرف.


جف حلقه عقب حركتها المدروسة رغم أنه تفاجئ من جرأتها أحيانًا والتي زادت في الفترة الأخيرة، وكأنه اعترافاته بحبه لها ليلاً أكسبتها ثقة وقوة فجعلتها تتلاعب معه على أوتار الحب دون أن تخشى السقوط.


- انتي بتلعبي بالنار كده ومترجعيش تلومي إلا نفسك.


- دي نار حبك...


وبتنهيدة أخرجتها تتزامن معها ابتسامة صافية أكملت :


- ولا نار قلبي.


لم يمنع نفسه من الضحك، ضحك بشدة لدرجة أنه ارتفع صوته عاليًا وهو يتابع حالتها المندهشة تلك منه، وكان اندهاشها يتلخص أنها أول مرة تسمع ضحكته المميزة بتلك الرنة الرجولية ورغم أنها قاسية خشنة إلا أنها لها سحر مميز وخاص.


فقالت بهيام:


- ضحكتك حلوة اوي يا سولي.


أرجع خصلات شعرها للخلف وهو يتجول بعينيه على ملامحها الجميلة والتي تشبه الشمس في إشراقها:


- هيجرالك حاجة لو قولتي سليم..سولي مش قادر ابلعه، بيجبلي حموضه.


عقدت حاجبيها بضجر وهي تواجه وجهه مباشرةً:


- مضايق من ياء الملكية بتاعتي؟!


- ياء الملكية بتتقال بردوا في حبيبي وقلبي وروحي.


هزت رأسها بإيجاب وهي تتركه وتجلس فوق الأريكة تستند بظهرها عليها تشير بيدها إلى جانبها فامتثل لأمرها ولم تتركه كثيرًا على حالة الاستفهام التي غزت عينيه:


- اممم واضح من كلامك إنك محتاج جرعة من حناني الخاص.


لانت ملامحه وتحرك نحوها أكثر يميل برأسه ناحيتها كي يضع رأسه كعادته فوق صدرها يجني من حنانها قدر ما يمكنه أن يواصل به أيامه القادمة، سعيدًا منه نفسه أنه تخلى عن نقطة الخجل التي كانت تعيقه أثناء إعلانه لحاجته لها.


راقب ابتعادها المفاجئ عنه، وقالت بخبث وغنج:


- وفين المقابل؟!


- نعم؟!


جذبته نحوها تحتضنه كما تحتضن الأم ابنها وانطلقت تطلب منه برفق:


- ممكن تنزل لزيدان تطمن عليه، وتقعد معاه شوية.


 حمد لله كان هادئًا ولم يثور:


- مين طلب منك تقوليلي كده؟!


دثرت أصابعها في خصلات شعره الكثيفة والتي أصبحت تعشقها فوضوية:


- محدش، بس بيني وبينك كده ومتقولش لحد، بحسها من عنيه.


رفع وجهه لها يقابل عينيها بنظراته الشرسة الممزوجة بنيران الغيرة:


- وانتي تبصي في عينه ليه؟!


احتدت ملامحها وهي تجيبه ولم تبتعد عنه:


- وانت سايب الموضوع المهم وبتركز في إيه...


صمت لبرهة حينما لمحت اعتراضه الناري، وقالت بنبرة أهدأ:


-أنا أسفة، مبصتش في عينه أنا لمحتها...سوري يا سولي خاني التعبير.


حتى تلك اللمحة يرفضها وهي قرأت ذلك، فاغتاظت منه قائلة بعتاب لذاتها:


- خلاص أنا غلطانه اصلا إن بتكلم في حاجة متخصنيش.


أكد على قولها وهو يعود بدفن وجهه بها متمتمًا بتأكيد وقح:


- ايوه بالظبط من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه.


ابتعدت عنه وشهقت بصدمة:


- انت بتقولي أنا الكلام ده، بس مش هزعل على فكرة... أنا عارفة انك بتحاول تهرب من النقطة دي.


ضاقت عيناها في أواخر حديثها، فانزعج منها مردفًا:


- بهرب مرة واحدة، كبرتي اوي الموضوع يا شمس.


رمقته شرزًا، فأدرك ما يجول بعينيها المتمردة والتي أصبحت مؤخرًا تصدر قوانينها الصامتة وهو كالمغيب ينفذها:


- اقصد يا حبيبتي.


كان الاشمئزاز يندثر بين حروفه، فقالت باعتراض واضح:


- ومالك بتقولها من غير نفس ليه، لا لا خلاص مش عايزه اسمعها.


مط شفتيه بضيق وهو يتابع استياءها، وكي يتخلص من حالة الغيظ والنقاش التي ستدخل بها الآن، قاطعها بقبلة شرسة يسكتها بها، ولسذاجتها استسلمت له بل هامت معه في جنة عشقه تنهل منها ما تريد، ابتعد عنها بعد قليل قائلاً بصوت حاول إخراجه ثابتًا بعدما شعر بفقدانه لوقاره في منتصف الصالة فبدا كالمراهق تمامًا معها:


- تعالي ندخل اوضتنا، عشان أنس بقا عامل زي عسكري المرور.


ضحكت بخفة وفتحت ذراعيها قائلة:


- طيب شيلني.


حملها بين يديه وهو يقبلها بوجهها مردفًا بهمس:


- على أساس إن بطلت اعمل كده.


وضعت رأسها فوق صدره وعلى وجهها علامة الانتصار لكل شيء، انتصار استحقته لسبرها أغواره دون خوف، وايضًا لتأكدها انه حين ينتهي من وصلة العشق التي يحتاج إليها سيذهب لأخيه يطمئن عليه، سنوات زواجهما لم تضيع هباءًا، ولا فترة ابتعادهما لم تمر مرور الكرام، بل اكتسبت منها ثقة وقوة تضاف إليها كي تستطيع الصمود أمامه.

                                  ***

أغلقت الباب خلف فاطمة التي قررت أن تقابل طليقها العائد كي تسوى أمورها معه، حيث طلب العودة لها، وبعد تفكير منها ومساندة من ليال ساعدتها في وضع بعض الشروط كي تنقذ ابنتها من هلاك معتم لحياة غير مستقرة تنتظرها ومن أهم شروطها هو أن تسافر معه هي وابنتها، وتنهي بذلك رحلة عذابها من والدته الحرباء.


لن تنكر الألفة التي شعرت بها مؤخرًا بسبب عودة فاطمة وتوته بالإقامة معهم مجددًا، ولن يخفى عنها حالته المزاجية السيئة حينما يحاول يداعبها بالأحاديث اللطيفة ليلاً فتزجره هي كي لا تسمع فاطمة أو توته... فينتهي المطاف بحفظها لأثار غضبه وآخرهم ليلة أمس.


خرج من غرفته بعد أن أبدل ثيابه، فعقدت ما بين حاجبيها تسأله برقة:


- انت نازل يا سيف؟!


رد بوجوم:


- اه في حاجة.


اقتربت تعانقه ثم قبلته فوق وجنته برقة:


- انت لسه زعلان مني، طب اعملك ايه انت بتضحكني جامد وصوتي بيكون عالي.


- ما تضحكي يا نكدية، ولا هو النكد بتشربيه زي البيبسي.


داعبت أزرار قميصه وبنبرة صادقة أخبرته:


- أخاف اختك تقول عليا قليلة الادب.


رد بضيق وهو يحاول الابتعاد عنها:


- وماله حتى تطلعي بحاجة مفيدة في حياتك.


فتحت كفه ووضعت شريط الدواء به وهي تقول بحنق:


- مش هرد عليك، خد الدوا ده هاته وانت جاي علشان خلص  من عندي.


رفع عينيه بقلق:


- ايه ده، انتي تعبانة.


حركت رأسها وهي تجيب بنفي:


- لا.


تابع بسؤال يشوبه الحيرة وهو يقلب الدواء بين يديه:


- امال ايه ده؟!


أجابته ببساطة ردت في صدره وزلزلت كيانه:


- دي حبوب منع الحمل.


كرر خلفها غير قادرًا على ترجمة حديثها:


- ايه حبوب إيه!.


- منع الحمل.


ابتسم غير مصدقًا وهو يهز رأسه ويعود للخلف خطوتين، وشيطان الغضب يغزو عقله بأفكاره الخبيثة:


- قولي إجابة غير دي عشان مقولكيش لفظ  مش تمام يخليكي تلفي حوالين نفسك.


ابتعدت هي الأخرى غير مدركة حجم الكارثة التي تفوهت بها الآن:


- ايه ده في إيه، ايه الاسلوب الهمجي ده.


صاح بصوته الجهور فتراجعت بخوف وهو يحرك الدواء في انفعال أمامها:


- ليــــااال، ايه ده؟!


- حبوب منع الحمل.


كررت بهمس اخترق قلبه قبل مسامعه، فكان واقعه حاد كضربة خنجر سام تصيب القلب في مقتل.


- ليه، انتي..


بترت أي حديث لديه وهي تجيب بحزم رغم الخوف المتسرب بداخلها مخدرًا بعض أجزاء جسدها:


- أنا واخدة قرار اني مخلفش دلوقتي.


- واخدتيه ازاي ده، أنهي ذرة عقل فكرتي فيه.


صرخت فيه وهي تشير نحو نفسها بإصرار لا تخشى عاصفة غضبه:


- ده قراري يا سيف..وانا حرة على فكرة أنا اللي هحمل وهخلف وهشيل واربي يبقي قراري لوحدي ومش من حقك تتدخل.


أمسكها من مرفقها يضغط عليه بعنف وهو يهزها بقوة كي تستقيظ من الوقاحة التي تتحدث بها غير عابئة بما يشعر به الآن:


- يعني إيه مش من حقي ادخل، انتي عايزني اتجنن عليكي دلوقتي..انتي ليه مصرة تطلعي أسوأ ما فيا، أنا بحاول اكون هادي معاكي بس بجاحتك دي مشفتش زيها.


زجرته بعنف وهي تبعده عنها وقد تملك الغضب منها هي الأخرى وقررت أن ترد له إهانته الصاع صعين:


- أنا مش بجحه، أنا مش عايزة اخلف منك.


- لا بجحه.


صرخ بها وصفعها على وجهها دون أن يعِ ما يفعله، ربما كان يريد اسكاتها بعدما كانت تضغط بكل جرأة بشعة فوق جرحه التي تسببت فيه الآن، ثارت أنفاسه وكأنه يجاهد من أجل الحفاظ على روحه بعدما سجنتهما ليال في قوقعة لا يسمع بها سوى كلماتها فقط، ابتعدت عنه تحمي نفسها منه وخاصةً حينما اقترب منها مرة أخرى بهجوم شرس:


- اوعي لكلامك كويس، عشان مموتكيش دلوقتي، انتي عارفة يعني إيه يا محترمة تقولي لجوزك انك مش عايزة تخلفي منه، فاكرة نفسك متجوزة ميــــن؟


- طلقني...طلقني حالاً. 


كاد أن ينطقها في لحظة تسرع ولكنها تراجع...تراجع بعدما أن كان ينهي طريقه معها، ويترك نفسه بعدها للندم يأكله، ابعدها عن الباب ثم خرج وصفقه خلفه بقوة جعلتها تهوي لأرض الواقع بعدما كانت تحلق في سماء الحب.

                                   ****

- يعني أنت بتستغل إن ايدي مكسورة!.


عاد يزن بظهره للخلف وهو يصفق لنفسه بحرارة:


- دي النقطة كام يا زيدان بس سمعني عشان بحب اسمع خسارتك منك.


أغلق زيدان الشطرنج مردفًا بغيظ:


- قوم أنا غلطان إن قولتلك تقعد معايا أساسًا.


رفع يزن جانب شفتيه بامتعاض:


- وانت جاي تحس بغلطك دلوقتي، ضيعت عليا ملايكة الرحمة الله يسامحك.


- اقطع دراعي إن ما كنت عارف اسمهم اصلاً.


أشار على نفسه مستنكرًا:


- أنا!، ده أنا انسى أي حاجة الا اسمهم.


كرر زيدان خلفه بتهكم:


- اسمهم...ايه يابني قلبك ده مرجيحة!.


حرك يزن يده بانسيابه لليمين ثم يعود بها لليسار:


- رايحة جاية..جاية رايحة، تنزل قطاقيط تطلع صواريخ.


توسعت أعين زيدان بصدمة منه، ولوهله أحس أنه أخيه يعاني من الادمان المفرط للنساء، لم يرى بحياته أحد مثله، دخل سليم فجأة للغرفة فانتفض يزن وعاد لوقاره قائلاً:


- المهم يا زيدان الصواريخ هتتدرب عليها امتى، ولا أنت تخصص موسيقى الشرطة ولا إيه!.


رفع زيدان أحد حاجبيه ورمقه بتهديد مما جعل يزن ينتفض خارجًا، تابعه سليم بعدم فهم:


- ماله ده شاف عفريت!.


- لا ده كان بيلم كرامته اللي كانت هتتبعتر دلوقتي.


- امممم وأنت عامل إيه، كويس.


قالها سليم وهو يجلس فوق الكرسي المجاور للفراش، كانت نبرته خالية من المشاعر، فرد زيدان بنبرة تناقض تمامًا لنبرته فكانت ممزوجة بالحيرة والشقاء لأمرًا أراد تحقيقه:


- زي الفل، أو يعني بمثل إن أنا زي الفل.


حمحم وهو يسأله بصوت يخفي فيه القلق:


- تعبان..محتاح تروح لدكتور.


وبصراحة لأول مرة تملكت منه، استطاع التخلي أخيرًا عن لجام لسانه بعد صراع طويل مع ذاته:


- لا كنت محتاح اشوفك بس أنا تمام دلوقتي.


اندهش سليم منه، فعبر عن ذهوله بسؤالاً كان يتخلله شيء من القسوة:


- ليه مصر تقرب مني؟!


ابتلع لعابه وهو يجيب بعد تفكير قصير استغرقه في الصمت الذي لأول مرة كرهه سليم:


- مش عايز افتح في كلام زمان اكتشفت بعدين إن أنا غبي، بس هجاوبك إن محتاج اخويا جنبي.


مازالت القسوة تعتلي صوته، ولكنه كان يحتمي بها من علاقة كان يهابها:


- عندك يزن...بلاش أنا.


حاول زيدان الضغط على نفسه بعد رفض سليم له، ورد بإصرار أعجب سليم قليلاً:


- بس أنت غيره.


اعتلى ثغره بسمة ساخرة حاقدة عليه حيث قرر مصالحته بعد فوات الآوان:


- جاي تعرف قيمتي دلوقتي!.


أجابه بيقين زعزع حصونه الوهمية بل تعرت نفسه أمام أخيه الملتاع لأنهاء ذلك الخلاف:


- طول عمري عارفها، بس أنت يا ترى عارف قيمة وجودي في حياتك ولا أنا زي الهوا!.


تحفز جسد زيدان وهو ينتظر إجابته التي كانت بمثابة القشة التي من الممكن أن تقصم ظهره:


- امممم فعلاً...


صمت للحظة تنهد بها ثم قال بصدق نابع منه: 


- أنت واخوك الهوا اللي بتنفسوا.


ارتاح صدره أخيرًا من لوعته وابتسم وهو يقول باعتذار استحقه:


- حقك عليا يا سليم، مكنش قصدي ازعلك يوم موت بابا.


- طب واللي قبل كده؟!


رد بشراسة لعدم اقتناعه أنه أخطأ بحقه قبل ذلك الوقت، هو مجرد فقط تلبسه العناد في كل مرة كان يواجهه:


- أنت اللي كنت بتغلط فيا على فكرة.


نهض سليم وهو يربت بقوة فوق كتف زيدان، قائلاً بصلابة:


- قالولي انك مبتعرفش تنام بسببي، خلاص سامحتك.


ضحك زيدان بصفاء وهو يفتح ذراعيه:


- طب فين الحضن الاخوي.


تركه سليم كالمشرد يفتح ذراعيه في الهواء ووقف على أعتاب الباب مردفًا باشمئزاز:


- متطلبش مني تاني حاجات تافهه.


رمش زيدان عدة مرات غير مستوعبًا رده، وقبل أن يغادر سليم ألقى بكلماته التي كانت تحمل تحذيرًا خافتًا وفي الأصل كان رجاءًا من أخيه كي لا يجرحه مجددًا فقلبه لن يتحمل ندوب أخرى.


- زيدان، حاول متجيش تاني على علاقتي بيك، عشان المرة دي مش هسامحك.


غادر فورًا واستمع بعدها لصوت زيدان المرتفع:


- ده تهديد ولا إيه!.


- اعتبره كده، سلام.


رد ببرود جعل زيدان يضحك براحة بال بعدما 



أخيرًا بدأت الفجوة بينهما تتقلص شيئًا فشيء.


 👇

 🌹 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

🍁🍁🍁🍁مرحبا بكم ضيوفنا الكرام 
هنا نقدم لكم كل ما هوا حصري وجديد
اترك ١٠ تعليقات ليصلك الفصل الجديد فور نشره

عندنا  ستجد كل ما هوا جديد حصري ورومانسى وشيق فقط ابحث من جوجل  باسم المدوانة 

    وايضاء  اشتركو على

 قناتنا        علي التليجرام من هنا

ليصلك اشعار بكل ما هوه جديد من اللينك الظاهر امامك

 

  🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

                         الفصل الثلاثون من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-