CMP: AIE: رواية ندبات الفؤاد الفصل الثامن والعشرون
أخر الاخبار

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثامن والعشرون

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثامن والعشرون


   رواية ندبات الفؤاد

 

الفصل الثامن والعشرون.

بقلم زيزي محمد



بعد مرور أسبوع..


جلس زيدان في غرفة مكتبه، يتابع الاوراق التي أمامه بتركيز قاطعه 





صوت هاتفه، دقق بأسم المتصل فوجده يزن،









 أجاب بصوت هادئ ينافي مشاعر ثارت فجأة لتذكره بفعله الاحمق 







بحق أخيه، والذي كان على أثره هرب لمدى أسبوع كاملاً ولم يعود للمنزل:


- ايه يا باشا مختفي عننا ليه!.


زفر زيدان بخفوت مجيبًا:


- لا عادي شغل، اخباركوا ايه!.


- الحمد لله، بما إن النهاردة الجمعة تعال عشان تتغدا معانا، مش






 عايزين ماما تحس بفراق بابا كفاية الحالة النفسية اللي هي فيها.


رغمًا عنه وجد نفسه يجيب بالموافقة:


- ماشي، سلام.


اغلق الهاتف ووضعه فوق المكتب بضيق حينما لمح الاستنكار من صوت يزن ملوحًا له عما فعله، هو نفسه استنكر ما قاله









 لسليم ولكنه حينها كان أشبه بمجنون زج به في غرفة بيضاء يهزي بالكلمات غير مدركًا ما يقوله، كل ما يريد فعله هو إخراج مشاعره 






المشحونة والتفريغ عن ضجيج صدره وعقله بالافكار السوداوية.


لن ينسى مقابلته لنهى بعد الوفاة بيومين وحاول حصرها في العديد من الاسئلة حول لقاء أبيه بوالدتها ولكنها كانت تهرب منه بالكلمات المراوغة، فأصابت الحيرة عقله وحينها شعر بالغضب من نفسه، ففضل الا يعود للمنزل ويبقى في عمله ينهك نفسه بإجهاد حتى لا يدخل في بقعة تعذيب الضمير.


دق الباب ودخل العسكري يخبره بوجود سيف في الخارج، فأشار على الفور بدخوله، وقف مرحبًا به بحفاوة..وانتقل معه نحو اريكة جليدية سوداء وجلسا معًا.


- اخبارك مختفي ليه!.


سخر زيدان وهو يجيب:


- في إيه كله بيقولي مختفي..مختفي، هو انا مش ورايا شغل ولا إيه!.







- مين قالك كده كمان، أكيد يزن صح!.


هز رأسه بإيجاب فتابع سيف حديثه المتهكم:


- ماهو مش هيكون سليم أكيد، بعد اللي أنت قولته، أنا لو مكانه اقطع علاقتي بيك.


لم يؤخر سيف حديثه ولم يجمله، فيجب أن صارمًا معه بعد ما فعله، فعقدت ملامح زيدان بحدة:


- انت جاي تسمعني كلام في جانبي يا سيف ولا إيه!.


هز سيف رأسه بنفي وقال بحدة مماثلة:


- لا جاي اهزقك على عملته في اخوك الكبير، واقعد واسمع كلامي عشان أنا بردوا في مقام اخوك الكبير.


وضع سيف كفه فوق يد زيدان يمنعه من النهوض وعيناه تزداد حدة، قائلاً بانفعال لم يمنع نفسه منه:


- أنت مش ملاحظ انك عمال تعك مع اخوك وهو ساكت.


- مكنوش كلمتين يا سيف قولتهم في وقت خنقه.


جيد فالأمر سيكون سهلاً بعدما برر زيدان فعله، فكان متوجسًا من إصرار زيدان على اتهامه لسليم.


- ودول مش أي كلمتين، أنت تعرف يعني إيه تيجي تقولي أنت السبب في موت ابويا، تعرف أنا بحس إيه من جوايا







 وانت بتتهمني الاتهام البشع ده، يابني هو سليم عاملك إيه بالظبط، أنا بدأت اشك انك ممكن تكون غيران منه.


تجهم وجه زيدان، واستنكر على الفور ما يقوله بحقه:


- أنا هغير منه ليه، المفروض سؤالك ده يتسأله هو، اسأله هو بيعاملني 





أنا بالذات كده ليه، ليه بيفضل يزن عني، بيضحك مع يزن وأنا لا، بيتكلم معاه وأنا معايا يتخشب





 وعلى فكرة الكلام ده مش سنة ولا من سنتين، ده من سنين..هو السبب في الحالة اللي أنا وصلتها دي.


كان يحاول إبعاد اللوم عنه بأي طريقه، وتفهم سيف محاولاته تلك، فقال بهدوء عكس الحدة التي كانت تختلط بصوته قبل قليل:


- ومسألتش نفسك إيه الحالة اللي هو وصل ليها عشان يعاملك كده، ما هو أكيد مش من فراغ.


نهض زيدان يقول بعصبية طفيفة:


-ده كله عشان إيه يا سيف، عشان شالنا ومسك مكان ابوه، طب ما ده واجبه وانا لو مكانه كنت عملت كده ومن غير تفكير.


نهض سيف هو الآخر يواجه عصبيته بضيق حينما لمح الاستخفاف من تضحية سليم في كلماته:


- لا الوضع مش بالسهولة دي اللي انت مفكرها، أصل مش بقولك تعال اشرب ميه مكان عصير المانجا...أنت بتسيب





 حلمك انك تبقى ظابط عشان خاطر أهلك، تتحط في شغل انت مش حابه عشان خاطر اهلك،






 تتمرمط وتفضل نايم في المحل كل شغلك وتفكيرك تسد ديون ابوك وتصرف على اخواتك وتكبر شغل ابوك، تتحرم انك تكمل تعليمك لمجرد ما انت خلاص بقيت تاجر كبير هتعوز التعليم في إيه!.


- هو كان عايز يبقى ظابط؟!


صدمة لجمت تفكيره حيث ظل واقفًا عن تلك النقطة، في ظل حديث سيف المندفع يدافع به عن صديق عمره:


- اه حلمه ومقدرش يكمله عشانكوا، سليم خسر كتير فوق ما أي حد يتخيل، أنا كنت معاه خطوة بخطوة، وعشان كده بدافع عنه بقلب جامد، يا اخي انا لو مكانه 








وعاملتوني نص المعاملة دي اسيبكوا تغرقوا، بس هو دايمًا حاطط عيلته في المقام الاول واتعود على كده، طب حتى برر طريقته دي من الضغط اللي هو بيمر به.


- واشمعنا عليا أنا وبس.


قالها زيدان بحنق  من هجوم سيف عليه.


- اتكلم معاه واساله، يابنى أنا لو طايل اخ زيه هحاوط عليه، اوع تكون فاكر نفسك كبير بقا ومش محتاج السند بالعكس، هتحتاجه بعدين في حاجات كتير.


حرك زيدان رأسه برفض لتلميح سيف المبطن:


- أنا مش بكرهه يا سيف، أنا بكره معاملته ليا.


- فبتعامله بالأسوأ صح، ما هي مش حياة دي، أنت بتستخف منه وبتعامله كأنه مبيعلمش أي حاجة، وهو مستني








 منك شكر او امتنان حتى ومبيلاقيش فبيعاملك معاملة زفت، وفي الأخر الغلطان في ده كله هي امكوا..


عقد زيدان ما بين حاجبيه غير قادرًا على تفسير حديثه الأخير، فسارع سيف بالتوضيح في هدوء رغم ثوران مشاعره من تفكير ذلك الأحمق والذي تربى على أمور خاطئة:


- اه متزعلش مني، معرفتش واحد زيك مقام اخوه الكبير إيه، وعمل إيه وضحي بإيه عشانكوا، لانك أكيد لو عرفت هتعامل اخوك الكبير باحترام وادب حتى لو كنت







 راجل بشنبات، هتقدر تضحياته وهتقف جنبه، متكنش السكينة اللي تدبح فيه واقول اصل هو اللي بيعاملني كده.


صمت لبرهة يفرك وجهه من كم الضغط الذي شعر به الآن أمام مواجهة زيدان والذي أحس بها بمشاعر سليم التي 







كان يحاول شرحها له، ثم عاد وقال بنبرة حاول تخفيف لمحة التوبيخ بها:


- أنت مسألتش نفسك أنا مروحتش ليزن ليه، لان يزن برغم إن هو اخوك الصغير بس عقله اكبر منك.


رفض توبيخه بعبوس وجهه وقال مبررًا بقوة:


- لا يزن اقرب له مني..عشان كده اي حاجة سليم بيعملها يزن بيفتكر مواقفه وخوفه عليه ويبرر له، أما أنا مش فاكر غير القلم اللي ادهولي لما سألته مالك بتعاملني ليه كده.


تذكر سيف امر تلك الصفعة والتي عاتب بها صديقه كثيرًا حينها، ولكن عاد وقال بنبرة رزينة:


- أنا مش من حقي اوضح حاجات اكتر من كده، أنا جتلك من واجب صحوبيتي مع سليم، وإن أنا بعتبر نفسي اخوك الكبير









، وبقولك احترم نفسك وروح اعتذر لاخوك حتى على اللي عملته وبعدها ابقا شوف انت عايز تعمل ايه...سلام.


أنهى سيف حديثه ولم يبقى كي يستمع لمبررًا آخر أو ربما غضبًا






 ينطلق من بين حروف ذلك الثائر والذي واجهه بفعل حاول التهرب منه، محدثًا ربكة بمعتقداته





 وما كبر عليه، تاركًا إياه يخوض معركة مع جلد الذات والصراع النفسي لذكريات مضت





 وتضحيات ركضت أمام عيناه في مشاهد سريعة كان يتغاضى عنها.


                                 ****


تابع سليم ركض أنس هنا وهناك بسعادة لوجوده اليوم بالمنزل، متمنيًا أن يحصل على ربع راحة باله الطفولية كي ينسى ذكرى فقدان والده، تذكر حينما سأله أنس عن غياب جده المفاجيء، حينها اختفت الحروف من جوفه وود أن يبكي بأحضان صغيره حينما آل إليه عقله بفكرة وفاة والده التي لا فرار منها، حيث كان يصدق كل شيء كان يمر به وبل يواجهه بعنفوان إلا فقدان والده تهرب منه وحاول جزء صغير بعقله ألا يصدق ما يمر به.


مر أسبوع قاسيًا عليه، حاول تجنب الجميع به حتى شمس التي أظهرت مدى قوتها له، فكان يزجرها صباحًا بكلما






 قاسية وليلاً كان يضع رأسه فوق صدرها يزيح همومه من فوقه، تاركًا نفسه لصفاءها الذي 





حمد لله لم يعكره شيء، فهنا أمانه، هنا المأوى الذي لن يتخلى عنه أبدًا.


وضعت عصير الفراولة أمامه ولوحت أمام عيناه قائلة بنبرتها الرقيقة:


- اشرب يا سولي.


تغاضى عن لقبها الذي يشعره أحيانًا بالامتعاض، وقال بصوته الجامد:


- أنا قولت عايز قهوة.


استغلت دخول أنس لغرفته، وجلست فوق ساقيه تبتسم له بثقة:


- وأنا قولت هتشرب العصير.


- خلاص ولا عصير ولا قهوة.


اغتاظت حينما لم يحرك يده ويحاوطها، فظهر الحنق على ملامحها حينما عناد معها، ظلت مكانها وهي تغمغم:


- يالهوي تموت كده ولو متعاندش معايا، هو أنا عدوتك.






سألته باستنكار يحمل التهديد، فظهر شبح ابتسامة على محياه وهو يقول ببرود:


- لا أنتي شمس.


اتسعت ابتسامتها وهي تقترب منه تستند على صدره، حيث تقلصت المسافة بينهما، وبيدها حركت يده على خصرها، وهي تقول برقة:


- شمس إيه؟


اتسعت ابتسامته هو الأخر بل عض على شفتيه السفلية حينما أدرك محاولاتها في التخفيف عنه وإخراجه من حزنه بأي شكل كان، عادت تضغط على صدره بغنج وبصوت رقيق همست له:


- شمس إيه قول متتكسفش!.


صمت للحظات وبان الضجر على ملامحها، فقال بعدها بخبث قاصدًا بعثرة مشاعرها:


-  شمس مراتي.


- وإيه كمان؟!


وبعبث أرهق مشاعرها الثائرة بالقرب منه أخبرها بهمس أمام شفتيها الوردية:


- وحبيبتي وام ابني وحياتي كلها.


كان يتحدث بنبرة تختفي تدريجيًا وبحة صوته جعلت دقات قلبها




 تنتفض بقوة وكأنها على وشك دخول حرب كانت شرارتها العشق المتأصل بروحهما، اغلقت عيناها 





حينما اجتاح ثغرها بقلبة عميقة يتناثر منها شغف الحب والغرام، حاوطت عنقه وجذبته نحوها 




تطلب أحقيتها بذلك الحب الذي دفن لأعوام دون أن يعلنه حتى استطاع أخيرًا أن يحرره من قيوده الجامدة، ورغم أن كلماته بسيطة  إلا أنها لها سطوة تذيب مشاعرها بل تجعلها تنصهر معه، تترك ما يعكر حياتهما جانبًا، وتغرق معه في بحره غرامه المهيب.


وأثناء خضم مشاعرهما التي اختلطت معًا فأصبحت أكثر حميمة ظهر صوت صغيرهما يقول بعدم فهم وهو يرمش برموشه الكثيفة:


- بتعملوا إيه!.


سؤال طفولي توقف أنفاسهما لأجله، واحمرت وجهها خجلاً وهي 




تحاول أن تختفي من نظرات طفلها والتي لم تعِ ما يحدث، فأجاب سليم على الفور بحدة زائفة:


- قولتلك اغسلي سنانك كويس، ينفع  سنانك تبقى مسوسه بالشكل ده.


قامت بمجاراته بالحديث وحاولت تمثيل آلام أسنانها:


- آه، حاضر..لازم اغسلها كويس، شفت السوسه كويس.


انطلق أنس يتأخذ مكانًا فوق والده هو الآخر ينظر في فم والدته بفضول:


- أنا كمان عايز اشوف السوسه.


فتحت شمس فمها له تحاول أن تريه اي شيء كان وبعينيها كانت






 تغمز لسليم الغارق في صفاء تلك اللحظة والتي أزالت شوائب كثير تحتله، مدركًا أن تلك اللحظات






 لن يعوضها شيء، لذا اقسم على أن يعطي عائلته الصغيرة حقهما في الجلوس معه حتى وإن تحدثا بأمورًا تافهه، فاحتضنهما معًا في




 قوة يرفض ابتعادهما عنه، فبدا عناقه متملك وقوي وهو يضغط على جسدهما مستنشقًا عبيرهما الآخاذ.

                                  ****

بعد مرور عدة ساعات...


عاد سيف من الخارج ودخل شقته باحثًا عن تلك الشرسة التي قررت معاقبته طيلة تلك الأيام بتجاهلها له لمجرد أنه كان يذهب لمواساة صديقه في محنته، غير قادرًا على تفهم أسبابها وهياج مشاعرها حينما عاد تلك الليلة محاولاً أن يقدم لها الأسف فقابلته هي بهجوم حاد ترفض حتى سماع مبرراته.


وجدها أمام التلفاز تشاهد فيلمًا كوميديًا وملامح الضحك تختفي من على وجهها بل العبوس كان مسيطرًا عليها، اقترب منها وهو يخرج تنهيدة قويه من أعماقه وقبل وجنتها قبلة طويلة سائلاً إياها بلطف:







- عاملة إيه يا حبيبتي.


رمقته بحدة وتجاهلت قوله بالنظر للتلفاز مرة أخرى، فجلس بجانبها ضاغطًا على نفسه بعدما أحس بالتجاهل منها:


- ليال أنا بكلمك، ردي عليا.


التفتت برأسها تطالعه بحنق تخرج كلماتها الحادة علنًا:


- وأنا مش عايزة ارد، مش مقتنعه أصلاً بسؤالك.


- فين الغلط في سؤالي، أنا بسأل مراتي عامله ايه بعد ما خرجت...





قاطعته بعصبية طفيفة:


- خرجت فين..روحت لصاحبك، زي ما سبتني تاني يوم جوازنا وروحتله.


رمش عدة مرات محاولاً استيعاب كلماتها الغاضبة، فقال بعدم فهم:


- هو أنتي ليه مش مقدره انها حالة وفاة..ابو صاحبي مات.


أشارت نحو نفسها بانفعال مفرط:


- وأنا المفروض أهم عندك منه، وبعدين إيه الصحوبية اللي تخلي عريس يسيب عروسته فجأة لوحدها وينزل.


عقد ما بين حاجبيه وهو يستمع لها، فقال بانفعال مماثل: 






- انتي حاجة وهو حاجة تانية...انتي مراتي اللي المفروض تقدري وضع زي ده وتكوني عارفة إني هرجع اخر الليل انام





 جنبك، لكن ده صاحبي اللي ابوه مات ومينفعش انزل بعد اسبوع ولا شهر اقوله البقاء لله معلش.


خرج الاعتراض من فمها فور انتهائه غير مقتنعه بما يقوله:


- وإيه يعني هو كان هيعاتبك يعني ما هو المفروض يكون مقدر وضعك.


- وقبل ما يقدر وضعي، أنا اقدر الحالة اللي بيمر بيها، ليال أنا وسليم مش صحاب عادية احنا اكتر من اخوات، بينا مواقف كتير جدعة، وقف في ضهري وقت موت ابويا...


فجأة صرخت به وكأنها لم تدرك ما تفعله، فكان جسدها يهتز بانفعال وملامح وجهها تسخط وهي تقول من بين أسنانها:


- متحكيش حاجات أنا محستهاش قبل كده، عشان مش هفهمها.


قالت حديثها ودخلت صوب غرفتهما تحتمي بها من نظراته المصعوقة







 حين نطقت ببعض الكلمات التي كانت تحارب من أجل ألا تخرج من جوفها، كي لا يكنشف الساتر الذي كانت تحتمي به.


فتح الباب الذي أغلقته خلفها، ودخل خلفها فوجدها تقف في منتصف الغرفة تبكي بانهيار، ناقمة على قدرها في هذه الحياة التي لم تجرب بها سوى القسوة والقهر حتى العلاقات فشلت في إعادة ترميمها واختارت البعد كوسيلة تريح بها نفسها المضطربة.


شعرت بيده وهو يعانقها من الخلف، محكمًا يده عليها رافضًا فرارها منه، وبهمس حنون داعب أوتار قلبها:


- أنا أسف.


قالها ولم يشعر بالخجل منها أو منه، بل كان عليه أن يستوعب حالة الضياع التي تشعر بها في تلك المرحلة المهمة في حياتهما، تغاضى عن مشاعرها الحزينة تحت بند حبه وزواجه منها، ولم يدرك أنها كالطفل الصغير الذي يتعلم التعبير عن نفسه وإظهار حبه لمن حوله.


- حقك عليا، بس الوضع كان اقوى مني.


التفتت إليه تتمسك بثيابه تهتف من بين شهقاتها:


- أنا بحبك ولسه محستش بحبك كفاية عشان اقدر أي وضع هتسيبني فيه.


كانت مشاعرها ترفض الابتعاد عنه نظرًا للدفئ الذي أغرقها فيه فجأة







 بعدما كانت تسري البرودة بجسدها، من الطبيعي أن تتذمر وتطالب بأحقيتها به، وهو تفهم 





ذلك الآن، فشدد على خصرها وهو يجذبها داخل أحضانه أكثر:


-طيب المفروض اعمل إيه عشان تصدقي إن بحبك.


- تفضل جنبي ومتسبنيش، تحاول تفهمني وتفهم إن أنا متعودتش على حاجات كتير، عشان كده هبقى مستغربة اللي بتعمله.


رفعت وجهها وهي تخبره بما تريده في صراحة هي اعتادت عليها منذ صغرها، قبل أنفها بحب محركًا رأسه بإيجاب واقتناع:


- حاضر يا ليال، بس بعد كده بلاش عصبيتك دي، خلينا نتكلم بهدوء، جوزك مش همجي عشان تتكلمي بالطريقة دي.


-أنا مش بتعصب عليك يا سيف، أنا منفعله بس.


ضحك بقوة وهو يستمع لمبررها الطفولي، قائلاً:


- تصدقي تفرق، كل يوم بتبهريني بيكي زيادة.


خرجت حروفها الحانقة:


- هو أنتي مديني فرصة حتى ابهرك.







توسعت عيناه بحماس وتركها ثم جلس فوق الفراش يشير لها بشقاوة:


- يلا ابهريني..خدي فرصتك والله ما هقطعك.


أدركت مزاحه الوقح ونظراته العابثة التي شملتها في وقاحة لم تعتاد عليها منه، فرفعت حاجبيها له تزيد من إغاظته:


- أكيد هبهرك في الاكل، في التنضيف، في الخناق، خيالك يعني ميروحش بعيد.


قالتها واتجهت صوب الباب تغادر تاركه إياه يغلي منها فهتف من بين أسنانه بغيظ:


- اقعدي ادلعي وضيعي علينا شهر العسل والاقي فاطمة في الأخر نازلة تقعد هنا وأنا مستفدتش بحاجة.


- ازاي بقا وجودي في حد ذاته فايدة ليك، وبعدين شهر ليه أنا قولت لفاطمة تنزل بقا مالوش لزمة تقعد في شقتي.







- ازاي تاخدي قرار زي ده من غيري!.


- هو أنت فاضي يا حبيبي، الله يكون في عونك دايما واقف مع صاحبك.


القى الوسادة بوجهها بغيظ، فضحكت وهي تحرك حاجبيها قائلة بهمس:


- زمانها بتلم هدومها ونازلة يا سوفه.


اندفع خلفها بينما هي ركضت في أرجاء الشقة وهو يحاول الامساك بها، تلك المتمردة تزيده جنونً بأفعالها تلك التي







 ستصيبه يوم ما بجلطة، أمسك بها بعد معاناة ودون أي أحاديث قد تعيق ما ينوى عليه، التهم






 ثغرها في قبلات جنونية وكأنه يعاقبها عما فعلته، فراحت تبعده بعد فترة تلهث بها من فرط 






أحاسيسها المبعثرة، تخبره حتى يهدأ قليلاً فبدا وكأنه في سباق مع الزمن:


- أنا مقولتش حاجة وفاطمة مش نازلة.


- يعني بتكدبي، دي ليها عقاب لوحدها.


ابعدته عنها بقوة وركضت صوب الغرفة تضحك بنعومة بينما هو خلع قميصه سريعًا والقى به أرضًا ثم ركض خلفها، 






ينوى الامساك بها في معركة يهدم بها أسوارها العالية والتي قد تصيبه بجنون ذات مرة، يكفي 






ما يشعر به أثناء محاولاته لاحترام رغبتها، فالاحترام في تلك اللحظة غير محبذًا ابدًا،






 الوقاحة أهون مئة مرة كي يطفيء لهيب مشاعره المشتعل بقربه منها الذي أصبح متلذذًا به وبحلاوته.

                                  ***

رفعت شمس الاطباق من فوق طاولة السفرة، ونهض الجميع في هدوء نحو الصالة..قرر سليم ألا يجلس مع زيدان في






 نفس الغرفة، بعدما أرغم نفسه على أن يأكل معه، وخاصةً بعد محايلات شمس له.


تابع زيدان خروج سليم، فقبض على يده حينما تفهم موقفه العدائي منه، ولكنه لم يقدر على تقديم الاعتذار له، لم يعتاد على ذلك، بل وجد صعوبة بالغة في إقامة حوار هادئ معه.


حول بصره نحو يزن، فوجده يضع اللوم عليه في وصولهم لتلك المرحلة، 





تجاهل نظراته وحاول التحدث مع والدته التي لأول مرة كانت تتعامل معه بجفاء، ترفض خوض أحاديث أخرى معه.


فنهض بعصبية مردفًا:


- يعني أنا اللي بقيت غلطان دلوقتي، حاضر هروح اعتذرله.


وقبل أن يغادر استمع لصوت والدته الصارم:


- لو زعلت اخوك..هزعلك مني يا زيدان، كفاية اوي العك اللي انت قولته.


صفق الباب خلفه بقوة، محاولاً التحكم بغضبه طالما دائمًا يعاني من سرعة انفعاله، صعد لشقة سليم وخطواته تتسابق






 مع مشاعره الثائرة لمواجهة يخشى أن تسفر بشيء قد تهدم طرق الوصال بينهما.


طرق الباب ثم فتح له سليم بوجه جامد وكأنه كان متأكدًا من مجيئه خلفه، فتح الباب على مصراعيه ثم دخل وتركه يقف على باب دون أن يرحب به حتى!.


هز زيدان رأسه بيأس وانطلق خلفه في صمت طال كثيرًا بينهما وهما يجلسان معًا، فقطع زايدن ذلك الصمت القاتل لهدوئهما الزائف:


- سيف جه وتقريبًا هزقني عشان قولتلك شوية كلام كنت متعصب وقتها ومش عارف بقول إيه!.


رد سليم بوجوم:


- دي كلمة أسف يعني!.


رفع حاجبيه معًا متعجبًا منه وهو يقول: 


- عايز تسمعها مني هترتاح بعدها.







هز كتفيه بلامبالاة وهو يضع ساق فوق الأخرى بعنجهية:


- متفرقش معايا، كانت هتفرق زمان لكن دلوقتي لا.


- وأنا عمري ما غلطت في حقك الا المرة دي.


حرك سليم رأسه عدة مرات وملامح السخرية تغزو وجهه:


- لو هتحسبها كده ماشي!، بس الغلط ده اقوى مليون مرة من أي غلط ممكن تيجي عليا فيه.


زفر زيدان بحنق محاولاً تبرير فعله الأهوج بقول أحمق خرج منه ولم يكن واعيًا لما يقوله:







- قولتلك كنت متعصب مش شايف قدامي الا موت ابوك بين ايديا و وهو بيقول اسمك، انت حتى وقتها مهتمتش انك تدافع عن نفسك وسكت.


استنكر حديثه فورًا:


- ادافع عن إيه...ولمين وفي إيه.


أشار له زيدان بعصبية ولم يعد قادرًا على كبت مشاعره الدفينة:


- شوفت دايمًا بتعاملني كأني اهبل مجنون بيقول أي كلام وخلاص،








 عمرك ما قدرتني زي يزن، لو هتقول غيران اه غيران من علاقتك به لأني دايما على الهامش.


- عشان هو الصغير المتهور اللي دايما كان بيعمل مصايب، كنت متحمل مسؤوليته وخايف عليه.


- مكنتش حاسس وقتها انك بتبعدني عنك، مكنتش قادر تفهمني من نظراتي ليك.


زعق بها سليم في هجوم حاد:


- مكنش عندي وقت افهم او احس، المسؤولية اللي كانت بتتحط قدامي كنت بنفذها من غير تفكير، أنت بتلوم عليا في إيه بالظبط.


انبثقت الحيرة من بين حروف كلماته، مستاءًا لما وصل إليه مع أخيه والذي يكن له كل الحب والتقدير، كل عاقبته






 مع أخيه تتلخص في أنه يتشوق لرؤية الحب في عينيه ناحيته، يشعر بخوفه عليه، يعامله كما يعامل يزن.






- أنا مبلومش، لا أنا مش عارف فين الغلط اللي في حياتنا، مكنتش اتمنى إن علاقتي باخويا الكبير تبقى بالوضع ده.







هنا لم يتحمل سليم كلماته، حتى أنه لم يتحمل نفسه بكل الظلام المتأصل به، وكأنه خطط في قدره ألا يسعد أبدًا، 




شاعرًا بالحرمان الشديد لأمورًا ركض خلفها طيلة حياته ولم يجني منها إلا ثمارًا فاسدة، نيران





 أضرمت بصدره وسببت حروق جديدة ستترك أثارها بجانب القديمة، لقد اكتفت روحه من السواد




 المعتم المحاوط بها، فأخرج مشاعره دفعة واحدة دون أن يقاطعه زيدان والذي نكس





 رأسه في منتصف حديثه خجلاً من نفسه، معطيًا له نصف الحق في معاملته الجافة معه:






- الوضع ده انت اللي حطيت نفسك فيه، دفنت نفسك وقفلت عينك عن اللي بعمله عشانك أنت واخوك، كلامك ليا  







وقت موت ابوك دبحني عارف يعني إيه دبحني، بعد العمر ده كله تيجي وتقف قدامي تقولي




 انت السبب في موت ابوك، كنت رضيت اموت امك






 زمان بحسرتها يا زيدان، مكنتش هرضى بالوضع اللي هي غصبتني عليه عشانكوا، مشفتنيش




 ولا قالت ابني الكبير من حقه يشوف احلامه، كنت مهمل ومرمي بالنسبالها عشان خاطركوا..كفاية






 بقا أنا زهقت وفاض بيا، محدش فيكوا اتجرح زي، تعال يا باشا وجرب كده تسيب تعليمك وتقف في تجارة أنت مش فاهم فيها أي حاجة





، سدد ديون ابوك، استحمل إهانات من التجار، استحمل خوفك انك تتقدم للأنسانة الوحيدة اللي 







بتحبها عشان خايف ترفضك عشان أقل منها ومكملتش تعليمك، وجاي تقولي الغلط فين، الغلط فيكوا انتوا.


صمت للحظات يلتقط أنفاسه المبعثرة ثم قال بحدة مخيفة: 


- اطلع برة يا زيدان، اطلع وخليك في نفس الوضع اللي انت فيه، متتحركش خطوة مش هتفيدك لقدام حاجة،





 أنا ولا اي حاجة بالنسبالك..انت حاسس بفرق وانا بقولك كلامي ده، لا...عشان انت تعودت تبص لنفسك وبس.


- سليم أنا....


- ولا كلمة..ولا كلمة بالله عليك وسيبني في حالي دلوقتي، يلا انزل شوف امك واخوك.







ذلك الرفض الممزوج بالنفور الذي لوح له من قبل سليم أوجعه، مجددًا يعود لنقطة الصفر معه، ولم تجسر تلك المواجهة






 بشي، سوى بقتل أخر أمل لديه كان يحاول به كي تبدأ علاقتهما في منحنى أصبح صعب المنال.


غادر المنزل بأكمله وقاد سيارته وهو يشعر باختناق بصدره، وكأن ضلوعه تنطبق على بعضها في شراسة، وكلمات 





سليم تتردد في ذهنه بلا توقف، رغم أنها قليلة ولم تفِ بحجم المعاناة التي لم يعلم بها إلا مؤخرًا، بسبب صمت والديه الدائم، ورغم أن طريقته في الاعتذار كانت خطأ كبير، إلا أنه أحس بأخيه هو الأخر كان يسعى من قبل للتقرب منه ولكن طريقته كانت غير مألوفة لذا كانت تتوارى عن عينيه.


لقد ابتلى فؤاده بجرح جديد، وشعر بخيوط الغضب تلتف حول عنقه تنسج شبكتها التي  حتمًا ستزهق روحه بسبب الجفاء المحاوط لهما، فك ازرار قميصه





 ومد يده يفتح زجاج النافذة كي يلتقط بعض 






ذرات الهواء البارد في الطريق السريع.


استمع لهاتفه فحول بصره جانبًا يرى المتصل 



وجدها نهى، فاغتاظ منها ومن إصراره على اقحامه شيء لم يريده.


- مش وقتك يا نهى...مش وقتك.




عاد ببصره للطريق بعدما استمع لبوق سيارة عاليًا وفجأة انقلبت





 سيارته عدة مرات بعدما 





حاول التحكم بها وفشل، مستسلمًا لفقدان وعيه 



حينما اصطدمت رأسه بشيء قوي جعله يفقد وعيه فورًا.

    

 👇

 🌹 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

🍁🍁🍁🍁مرحبا بكم ضيوفنا الكرام 
هنا نقدم لكم كل ما هوا حصري وجديد
اترك ١٠ تعليقات ليصلك الفصل الجديد فور نشره

عندنا  ستجد كل ما هوا جديد حصري ورومانسى وشيق فقط ابحث من جوجل  باسم المدوانة 

    وايضاء  اشتركو على

 قناتنا        علي التليجرام من هنا

ليصلك اشعار بكل ما هوه جديد من اللينك الظاهر امامك

 

  🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-