رواية وقت الذروة
بقلم نهلة جمال
الفصل الخامس
تنقش بيدها بعض الورود الصغيرة في طرف الرداء الأبيض الحريري ، ثم تعتدل وهي تنظر للعروس بلطف والدموع تملأ مقلتيها ، لتقوم العروس وتعتدل ف ينحني القماش الناعم على جسدها وتنظر لنفسها بثقة وإنتصار كأنها قد أخذت نصيبها من السعادة في الدنيا على هيئة زوجها " ريان الحاكم "
وصبا التي نقشت الورود على رداء الزفاف الخاص بسديم تقف بجانب الحائط تنظر لها بعين مكسورة وجريحة ، يسندل على وجنتيها الحمراوين خطين من الدموع ينقشون في حياتها رحلة جديدة من الألم ، لتظهر صورة فجأة أمام أعين صبا لوالدتها وهي ملقاة أرضاً وقد غطى جسدها الميت بقماش أبيض مليء ببقع الدماء
تحركت صبا للخلف وهي تبكي وتحاول أن تركض من جثة والدتها وهي تبكي ك طفلة ، حتى توقفت أمام قاعه واسعة وكانت سديم تراقص ريان بفستان الزفاف الأبيض وصبا تبكي على والدتها وعلى ما يحدث
شعرت أن العالم قد خذلها في أبسط احلامها ، ظلت تبحث حولها عن شيئاً يخلصها من ذلك الألم السرمدي الذي لا ينتهي
لتجد جثة والدتها تقف أمامها وفي منتصف راسها طلقة سلاح تنزف دماً وهي تمسك بملعقة صغيرة وتقول لصبا وهي تضحك
بطريقة مخيفة : وقت الطعام يا صغيرتي ، إقتربي ولا تخافي
إنتفضت رعباً لتركض للقاعة التي إمتلأت بالضحكات العالية وريان مازال يراقص سديم
لم تجد من ترتمي في حضنه لتستشعر الامان ف سارت ببطيء ودموع خائبة بإتجاه والدتها ، لتحتضن والدتها وهي تبكي بتعب حتى سال من فمها الدماء
شهقة شقت سكون المنطقة المعزولة وعلى إثرها أستيقظ البقية
لتسعل صبا ووجها قد تحول للون الأحمر من كثرة إرتجافها
خلعت حجابها وهي تحاول إلتقاط أنفاسها لينسدل شعرها الناعم على جسدها وحول وجهها
كانوا الجميع يحاولون تهدئتها عدا ريان الذي كان يتفحص بعينيه جمالها الدافيء المختبيء تحت الحجاب واليوم قد أظهرته رغماً عنها لإنها تختنق ، وما كاد أن يشر بأدق تفاصيلها
حتى وضعت وجهها بين يديها وهي تبكي بصوت مرتفع غير آبهه بما يحدث فقط كانت تود رؤية والدتها المتوفية في المنام ولكن أبداً لم تكن تود رؤيتها هكذا ، وريان ! الرجل الذي عشقت
كانت في حفل زفافه وتضع الزهور الصغيرة على رداء عروسه ! أي نوع من الكوابيس ما رأت ! أكثر ما تخافه وتحاول الهرب منه بتفكيرها المحدود وتحاول أن تخرجه من عقلها جاء دفعة واحدة في كابوس واحد
رفعت راسها لتنظر لهم وتقول بنبرة المغلوبة على أمرها : أنا هموت ، مش هلحق أرجع معاكم
لتقول تالين ببكاء : لا يا صبا متقوليش كدا من فضلك
قامت وهي ترتدي حجابها مرة أخرى وتحاول التماسك لتقول بنبرة حزينة : أنا هتمشى شوية عشان أخد نفسي ، لو مش هضايقكم
ثم سارت مبتعدة ، كان ريان يشعر بالألم تجاهها ، قد أوصاه والدها عليها وهو يقول له " صبا عانت كتير جداً بسبب تنمر زميلاتها في المدرسة إنها من غير أم ، كانت في كل سنة في
يوم عيد الأم تقعد تعيط وترفض تروح حفلة المدرسة ، حاولت أطلع بنتي شخص يقدر يتحكم في مشاعره ويكون قوي عشان يواجه المجتمع اللي مبيرحمش حد دا لكني فشلت ، صبا كانت حساسه لدرجة أنها مقدرتش تعمل دا وإختارت العزلة في
أوضتها ، إنت أقرب حد ليها يا ريان ومبتثقش في حد أد ما بتثق فيك ، حاول تتكلم معاها وتفهم مالها ، أنا عارف أني بزود حمولك ومسؤولياتك معانا بس أنا عارف إنك راجل وهتصون بنتي "
أفاق من شروده ليقول لهم : هقوم أدور على أي حاجة ناكلها أو نشربها ، لأحسن بالطريقة دي هنموت
ذهب ريان وسار ليبحث ولكن عن صبا ، نظرت له سديم وهو يقوم لتستند على ذراعها ، قالت تالين لسديم : مش هتقومي معاه ؟
سديم : تؤ مش قادرة بصراحة ، بعدين ريان حبيبي راجل وهيقدر يخلي باله من نفسه ، أنا بس معجبتنيش المسرحية اللي عملتها صبا دي
فارس بضيق : مسرحية إيه ؟ قصدك إنها بتمثل إنها شافت أمها في الحلم ! حرام عليكي تسيئي الظن في حد وبعدين صبا طول عمرها محترمة مش بتاعت حركات لفت النظر دي
سديم : بالراحة شوية إيه في إيه ؟ وبعدين متنخدعوش أوي كدا مبحبش حركات المحن دي عشان أبان رقيقة يعني
فارس بغضب : طب إسكتي لو سمحتي عشان لو تلاحظي إننا في مصيبة
أنس : أنا جعان أوي وبجد مش قادر أقف من كتر الجوع
تالين : أهو ريان راح يشوفلنا حاجة ناكلها أو نشربها يارب بس يلاقي ولو تفاحه حتى لو خربانة
فارس بقرف : الله يسد نفسك يا شيخة !
ذهب ريان وراء صبا ليمسك ذراعها ويقول : مالك ؟
صبا وهي تبكي وتنظر حولها : إيه اللي جابك ورايا
ريان بهدوء : عشان عارف إنك هتفضلي تعيطي بعدين المنطقة هنا مش أمان ، عاوزة تتمشي هكون معاكٍ
صبا : أنا فعلاً كنت خايفة عشان الدنيا إبتدت تِضلم
ريان : متخافيش أنا جمبك ، تعالي ندور على أي حاجة ناكلها أو نشربها
مد يده إتجاهها لتشبك أصابع يدها بأصابع يده ويسيروا سوياً
ريان بهدوء : مش معنى إنك شوفتي والدتك كدا إنها وحشة ومخيفة ، دا مجرد كابوس عشان إحنا قريبين من الموتيل بس ، المفروض تدعيلها بالرحمة وتفتكريها بالخير
دمعت صبا لتقول : إنتحرت ! كانت أنانية أوي وأنقذت نفسها من ضغط العالم وسابتني أنا من غير ما تفكر لحظة فيا ! هتربى إزاي وهيتقال عني يتيمة طول عمري ، مكانش نفسها مثلاً تشوفني عروسة في يوم ؟
ريان وهو يشد على يد صبا قال : عشان كدا إدعيلها بالرحمة ، الإنتحار حرام طبعاً عشان كدا هي دايماً هتحتاج دعواتك ، المنتحر دا بيكون عنده حالة نفسية وشايف إن خلاصه إنه يعجل بموته بنفسه ف سامحيها
صبا بشرود وهي تغلغل أصابع يدها في أصابعه : مش دا بس اللي شوفته في الكابوس
توقف ريان وهو يعقد حاجبيه ليقول : أمال إيه كمان ؟
أقتربت منه صبا لتقول بعينين لامعتين من الدموع : شوفتك إنت !
نظر لها بصدمة ليقول : أنا !
صبا بحزن : شوفتك في فرحك مع سديم
ظهر على وجهه علامات الدهشة ليقول : طب ما دي حاجة كدا كدا هتحصل !
ضيقت صبا عينيها لتبكي بحسرة ف قال ريان محاولاً تهدئتها : في ايه بس !!
صبا ببكاء وحزن : عشان بحبك ، هيكون أسوأ كابوس في حياتي إنك تكون لواحدة غيري
ثم إحتضنته بقوة وهو لم يلف ذراعيه حولها ولكنها تبسبثت به قائلة : ماليش غيرك .. متسبنيش أنا بجد بحبك ! 💔