رواية سهر الفهد
الفصل الثالث والرابع
بقلم داليا السيد
قرصان .. موت
تراجعت من أمام النافذة بعد أن رأت تلك العين
الواسعة التي تحدق بها والأخرى موضوع عليها
قماشة سوداء كما لو كان قرصان من الذين تشاهدهم في الأفلام، لذا فزعت
وتراجعت، ترى من هذا الرجل الذى يتسلل في الليل؟ إنها الثالثة صباحا، سمعت حركة بالخارج فالتصقت بالحائط ودقات قلبها تتسارع من الخوف ولم تقو
على الحركة إلى أن عاد الصمت مرة أخرى، حاولت أن تتحرك ببطء إلى الباب ومدت يدها وهي ترتجف إلى الباب وفتحت بالتدريج ومدت رأسها ولكنها لم
تر سوى ظلام في الممر فعادت تغلق الباب وارتكنت عليه وهي تحاول أن تهدء من أنفاسها ولم تعرف ماذا تفعل؟ هل هو حرامي؟ أم من سكان البيت ليتها تعرف؟
عادت إلى الفراش ومازال المطر لا يتوقف جلست في منتصف الفراش وتكورت على نفسها وهي تنظر إلى اللا شيء
ما أن سطع أول شعاع للشمس حتى اغتسلت وغيرت ملابسها وقد شعرت بالحركة في المنزل كانت السابعة عندما تحركت إلى غرفة والدتها، دقت الباب ودخلت كانت إيميلي مازالت نائمة ولكنها هبت عندما اغلقت هي الباب
تقدمت سهر للداخل ونظرت إلى إيميلي وقالت "ايقظتك؟"
نهضت الفتاة وقالت "آسفة ولكن المدام تعبت قليلا بالليل وسهرت بجانبها إلى أن نامت"
نظرت لأمها لم تتغير ملامحها تمنت لو تستيقظ لتسمع منها حكايتها ولكن يبدو أن المرض أقوى.
قالت "متى تستيقظ؟"
قالت إيميلي وهىي تتأمل سهر في فستانها الربيعي الوردي القصير ويظهر كتفيها بحمالته العريضة
وصدره المفصل وشعرها الأحمر الذي رفعته كما تعلمت فقد بدت جميلة حقا ثم قالت
“ ربما بعد ساعة آنسة، حضرتك الإفطار فىي الثامنة يمكن لحضرتك تناوله وربما بعدها تكون استيقظت"
هزت رأسها وقالت "تمام من فضلك ناديني عندما تعود، سأنزل إلى الحديقة حتى موعد الإفطار"
كانت الحديقة جميلة وبها كل أنواع الزهور ولم تستكف بالتجوال بها بل انتابها الفضول لتلك الأشجار الكثيفة وتذكرت الطريق الذي أتت منه مع بيل، ترى هل يمكنها العودة مرة أخرى؟ ربما أمضت مع هالينا بعض الوقت؟ كانت الثامنة عندما عادت إلى البيت كانت غرفة الطعام واضحة كبيرة وبها مائدة كبيرة أيضا لأثنى عشر شخصا، كانت إيلينا تضع الأطباق فقالت
"صباح الخير إيلينا"
ابتسمت الفتاة وقالت "صباح الخير آنسة، دقائق وأضع الطعام"
لاحظت أنها تعد الأطباق لشخصين ترى من الشخص الثاني كادت تسألها إلا أنها اختفت
وقفت تتأمل اللوحة الزيتية التي تعتلي المدفأة الاثرية التي لم يعد لها مثيل كانت اللوحة لتلك الأشجار الكثيفة ومن بينها يتسرب نهر صغير وعليه فتاة صغيرة تحاول أن تتناول بعض من ماؤه و..
“ أهلا بالضيفة"
كانت الكلمات بالعربية ومن صوت رجولي خشن التفتت لتتراجع مرة أخرى لقد كان هو الرجل الذي رأته امس بتلك القماشة السوداء على عينه اليسرى فبدا كنفس القرصان الذي عرفته بالأمس أما عينه اليمنى فقد كانت واسعة وسوداء جميلة وجذابة ووجهه المستدير لا ممتلئ ولا نحيف أما طوله الشاهق فقد أثارها بالفعل وأكتافه العريضة بصدره العريض يدل على أنه شخص رياضي لا يمكن أن يكون جسده هذا إلا لرجل يواظب على تمارين رياضية وقاسية
عندما تحرك باتجاهها فب قميصه الأبيض المفتوح لمنتصف صدره موضحا عضلات قوية اسفله وبشرة خمرية لامعة عادت إلى وعيها وقالت
“أهلا بحضرتك"
وقف أمامها وهو يتأملها كانت فاتنة تشبه أمها كثيرا ولكنها أجمل بكثير قال بهدوء وقوة
“ تشبهين هدى جدا"
إنه يتحدث عن أمها بدون ألقاب ترى من هو؟ رفعت رأسها وقالت "هل ممكن أن أعرف من حضرتك؟"
لاحت ابتسامة راحت على الفور من على شفتيه وقال "فهد ..فهد خليل تفضلى لتناول الإفطار"
تحرك إلى المائدة وارتجف جسدها من هذا اللقاء الغريب فتبعته، لم ينتظرها وإنما جلس دون أن ينظر حتى إليها فجلست دون تعليق من الواضح أنه شخص همجب كما أخبرتها هالينا وهو أمر لا يعنيها في النهاية هي ضيفة وستنتهي ضيافتها قريبا ..
وضعت إيلينا الإفطار وذهبت وتناول الاثنان الطعام في صمت إلى أن قال "اعتقد أنك التقيت هدى أمس؟"
قالت "نعم ولكنها كانت متعبة تمنيت أن التقيها مرة أخرى"
نظر إليها بعين واحدة، تمنت لو رأت وجهه بدون تلك العصبة قال "غريبة الآن تريدين لقائها وهي على فراش الموت وقد كانت موجودة طوال عشرين عاما بصحتها"
نظرت إليه بقوة وقالت محاولة الا تغضب "لا أفهم كلماتك"
واجه عيونها الجميلة بنفس القوة وقال "ليس هناك ما لا تفهميه يا آنسة، يمكنك رؤيتها مرة أخرى عندما تفيق"
ونهض وتركها وذهب دون حتى أن يقل أي كلمة أخرى، لم يعجبها أبداً ذلك الفهد.
لحظة مضت وهي تحاول أن تستوعب ذلك اللقاء الغريب، قاطعتها إيميلي التي دخلت وقالت "إنها تطلبك يا آنسة"
نهضت وأسرعت إلى غرفة الأم واتجهت إلى فراشها، كانت المرأة هذه المرة تجلس نصف جلسه فرأت ملامحها بوضوح، توقفت أمام الفراش فابتسمت المرأة من بين الامها وقالت
“ تعالي اجلسي بجانبي ربما أشبع عيوني منك"
تحركت ببطء وجلست على طرف الفراش فأمسكت المرأة بيدها ورغم أن يدها كانت باردة إلا أنها لم تبعدها قالت الأم
"احك لي عن نفسك، كم أتمنى أن أعرف عنك كل شيء"
اخفضت وجهها وقالت "ربما لا أفضل أن أتذكر الماضي فلا شيء به جميل ليس سوى جدي الذي أفنى حياته من أجل إسعادي"
أغمضت المرأة عيونها بألم ثم فتحتها وقالت "ووالدك؟"
أبعدت وجهها وقالت "تزوج ورحل مع امرأته ولم أراه أبداً لا أعرفه أصلا "
هزت هدى رأسها وقالت "الممثلة؟"
نظرت سهر إليها بدهشة وقالت "كنت تعرفين؟"
ابتسمت هدى بضعف وقالت "للأسف حبيبتي نعم وربما هي سبب كل ما حدث"
نظرت سهر إليها وقالت "كيف؟ ولماذا؟ وما الذي حدث؟ أريد أن أعرف "
رفعت الأم يدها على وجه ابنتها وقالت بحنان "لا داع لماض سيؤلم أكثر ربما يكون الحاضر أفضل حبيبتي بكثير"
قالت بضيق "أي حاضر؟ أنا أعيش يتيمة الأب والأم وهما على قيد الحياة فأي حاضر هذا الأفضل؟"
صمتت المرأة قليلا ثم قالت
"لا وقت لدي لاحكي لك أي شيء أنا طلبتك لأراك قبل أن أذهب وأخبرك أني لم أكن أعلم بوجودك والآن أريدك أيضا أن تعرفي أني سأترك لك كل ما أملك
نصف هذا البيت ونصف قارب كبير ونصف الشركة والأراضي وجزيرة صغيرة كان خليل قد اشتراها من أجلي لكن لم يسعه الوقت أن يمنحني إياها فقد أخذه الموت"
دمعت عيون المرأة فقالت سهر "كنت تحبيه؟"
قالت هدى بألم "ليتني أحببته نصف حبه لي؟ كنت حياته كلها لم يوفر أي
جهد في إسعادي، كل يوم عشته معه كان أجمل من الذي سبقه، عوضني عن أحزان عمري كله لم أشعر يوما بالغربة فب وجوده ليتني مت قبله"
وانسابت الدموع على وجنتي المرأة فتأثرت سهر من أجلها واحترمت صمت المرأة إلى أن قالت
“ ربما سألحق به قريبا لذا أتمنى أن تبق هنا صدقيني حبيبتي ستجدين السعادة
هنا، البراءة والأمان، كل من عرفتهم هنا من أفضل الناس أحببتهم وأحببت كل ذكرياتي هنا"
أبعدت وجهها وقالت "لا أعرف أنا لا يمكنني أن أترك جدي"
ابتسمت الأم وقالت "محمود رجل رائع أعلم أنه حنون ولكن له حياته الناجحة ولن يتأثر ببعدك كما تتخيلين لأنه يعلم أن السعادة ليست في بقائنا بجانب بعضنا وإنما وجودنا مع من نحب"
قالت سهر "وأنا احبه إذن سعادتب معه"
ربتت المرأة على يدها وقالت " لا أعني هذا الحب ابنتب الجميلة وإنما هو الحب الآخر، هل بحياتك رجل؟"
هزت رأسها وقالت "لا، بالطبع لا"
قالت الام "حبيبتي إذن أنت لم تعيشي الحياة بعد، عندما يدخل الحب حياتك
وقتها ستعرفين ما أعني، الحياة لا تكون جميلة إلا بجوار من يدق له قلبك"
قالت "إذن لنترك الأمر إلى أن يحدث دعينا نتحدث عنك"
قالت الأم "عملية مثل جدك تعملين معه؟"
قالت بصبر "نعم أدير له بعض الأعمال"
بدأت المرأة تشعر بالألم مرة أخرى فقالت سهر "سأستدعى إيميلي"
ولكن الأم أمسكت يدها وقالت بضعف "لا حبيبتي لا وقت لدي اريدك أن تبقي معي ما زال ...مازال لدي كلام لكِ"
جلست سهر فأكملت المرأة "أعلم أن حياتك بمصر ولكني لا أريدك أن
تعودي بعد موتي مباشرة ابق قليلا، فهد ليس بسيء هو ابني أنا ربيته لأني لم استطع أن أنجب من بعدك
أحببته كأنه ابني وهو كان نعم الابن فلا تغضبي منه ربما هو جاف في معاملته ولكن له ظروفه ربما تعرفيها بيوم.."
تألمت المرأة فقالت "دعيني أحضر الممرضة"
ولكن المرأة قبضت على يدها وقالت "لا حبيبتي انتظري، أملاكك لابد أن تكون لك لا تتخلي عنها لأحد أيا كان هي أملاكك أنت عديني حبيبتي عديني ألا تتركيها لأحد"
صمتت قليلا إلى أن قالت "حاضر أعدك، دعيني أحضر إيميلي"
تغير لون المرأة ولكنها قاومت وقالت "هل يمكن ..أن ..اطلب طلب آخر؟"
دمعت عيون سهر من تألم المرأة وقالت "نعم تفضلي"
قالت بصعوبة "لو أمكنك الزواج من فهد ...فافعلي ..من أجلي هو أفضل من
يمكنه الحفاظ عليك من الجميع... صدقيني .. أنا .. والدك ..لن يت..يتركك فه. .. فهد هو ..من يمكنه ا.. أن يتصدى ..له"
وبدأت المرأة تختنق فأسرعت إلى الباب واستعدت إيميلي التي أسرعت إليها ووقفت هي متصلبة لا تقو على الحراك والدموع تغشى عيونها، هل سترحل المرأة هكذا وبمثل تلك
السرعة؟ إنها لم تتمتع بها بعد .. تراجعت حتى التصقت بالحائط وتتابع إيميلي وهي تقوم بالإسعافات ثم اتصلت بالطبيب وعادت إلى المرأة التي صارعت المرض
بقوة أو ربما كانت تقاوم شيء آخر ..اتصلت إيميلي بفهد الذي لم يأخذ سوى دقائق حتى كان بجانب الأم وهو يلهث أمسك يدها وقال
“ هدى لا تذهبي هدى هل تسمعيني؟"
كانت انفاس المرأة تعلو وعيونها الزائغة لا تدل على أنها موجود إلا اأنها قالت بعض الكلمات "فهد ... لا تترك ..ابنتي ..هي..أما.. أمانتك أنت"
وأخيرا سقطت يد المرأة وتوقفت العيون عن الحركة والصدر لم يعد يلهث أو يعلو بالأنفاس، سقطت هي على الأرض والدموع
تسقط معها دون أي موانع بينما أغلق هو عيون المرأة وتساقطت دموع إيميلي هي الأخرى وتوقفت الدنيا عند الموت الذي يأخذ بدون أي موانع فهو القدر والاجل ..
رواية سهر الفهد
الفصل الرابع
بقلم داليا السيد
وصية
تمت إجراءات العزاء بهدوء ووصل أشخاص كثيرة للعزاء لم تعرف منهم إلا بيل وهالينا فقط ولم تنتبه لأحد، كانت
شاردة في كل ما حدث ولكنها مع ذلك كانت في استقبال الجميع بجانبه وقد نبتت ذقنه وتحلقت عينه الطليقة بالسواد وكأنما هو أكثر حزنا
منها، ربما لم يعبر عن حزنه ولكن ملامحه كانت واضحة وقد ترك القماشة على عينه ولكن هدوءه كان سمة واضحة ولم تحاول أن تتحدث مع أحد إلا جدها الذي سألها
“ إلى متى ستبقين؟"
قالت "لا أعلم جدو أخبرتك أنها طلبت مني البقاء قليلا قبل أن أعود، لا أعلم ما السبب ولكنها حذرتني من أن أترك أملاكي لأحد ولم أفهم كلامها ولا أعلم ماذا أفعل"
كانت تتحدث وهي تجلس بالحديقة بعد يومين من العزاء فقال جدها "لا تفعلي شيء فقط انتظري عدة أيام وربما الأيام توضح لك ما أخفته هي وإذا أردت البقاء أكثر فابق حبيبتي إلى أن ترتاحي ثم عودي"
قالت "حاضر حبيبي أنا افتقدك جدا"
قال الرجل بحنان "وأنا أيضا حبيبتي خذي حذرك وأتمنى أن تعودي لي بسلامة، إلى اللقاء حبيبتي"
قالت بحنان "إلى اللقاء حبيبي خذ بالك من نفسك"
ثم أغلقت وفزعت عندما سمعت صوته يقول من خلفها "لم تنتهي إجراءات العزاء وأنت تفكرين بحبيبك"
رأته يتقدم منها فنظرت إليه بضيق وهو يتعدى على خصوصياتها، جلس أمامها فقالت "أعتقد أن حضرتك تتدخل فيما لا يعنيك"
قال بهدوء "طالما نحن ببيت واحد إذن ما يخصك يخصني"
قالت بغضب "ولكني لا أسمح لك، فليس هناك ما يربطنا عن إذنك"
تحركت من جانبه ولكنه أمسك يدها بقوة وقال "إذن لنجعل هناك ما يربطنا بصرف النظر عن شراكتنا في الأملاك"
نفضت يدها من يده بقوة وقالت "لا تلمسنى هل تفهم؟ ثم أنا لا تهمني تلك الأملاك ولا أنت أصلا، أنا هنا من أجل أمي فهي طلبت مني أن أبقى قليلا بعد رحيلها وأنا أفعل فقط من أجلها"
نهض ووقف أمامها ورغم قامتها الطويلة إلا أنها اضطرت إلى أن ترفع رأسها لأعلى كي تنظر إليه وهو ينظر إليها ويقول
“ لا تشعريني أن أمرها كان يهمك وأن الاموال لا شيء بالنسبة لك"
قالت بغضب واضح "كيف تجرؤ؟"
ابتسم بسخرية وقال "هل تجاوزت أم ماذا؟ أليست هي الأملاك التي أحضرتك هنا؟ أين كنت طوال تلك السنوات العشرين إذن لو كانت هي تهمك هكذا؟"
لم يذهب الغضب عنها وقالت "لم أكن أعلم أصلا أن لي أم، نشأت وأنا أعرف أنها ماتت منذ مولدي"
لم تذهب سخريته وهو يقول "ومن المفترض أن أصدق ذلك الآن؟"
لم تفعل أكثر من أنها صفعته على وجهه وقالت "أيها الوقح أنا لا أكذب"
ثم تركته وذهبت ولكنه تبعها وأمسكها من ذراعها بقوة واحمرت عينه الوحيدة وهو يقول "إلى أين؟ هل تظنين أنك ستفلتين بفعلتك هذه؟"
لم تشعر بالخوف وهي تحاول أن تخلص يدها منه وتقول بقوة أدهشته "وماذا يمكنك أن تفعل؟ هل كل شيء عندك بالقوة حتى مع النساء؟ هيا فلتفعل أنا لا أخاف من أحد، ولكني لن أسمح لك بأن تشكك في صدقي هل تفهم؟ والآن اتركني وابعد يدك هذه عني أخبرتك بألا تلمسني"
أبعد يده وقد تراجع من هجومها الغريب وقال "أي قوة التي تتحدثين عنها هل أخبرك أحدهم أنني زعيم عصابة أو ما شابه؟"
قالت دون تراجع "أنا لا أعرف أي شيء سوى أنك تتهم الناس جزافا فابتعد عني واتركني"
وتحركت مبتعدة من أمامه ولكنه لم يتركها
وأسرع ووقف أمامها مرة أخرى وقال "للأسف لا يمكنني، لا تنسي أننا شركاء بكل شيء والمحامي يريدنا سويا غدا لذا لن يمكنك التخلص مني بسهولة"
حدقت فيه لحظة ثم قالت "وما المطلوب مني؟"
تأمل عيونها الزرقاء وقال "لا شيء؛ في الصباح سنذهب إلى المحامي، بالطبع نحن نعرف الوصية ولكنها مجرد إجراءات عادية وربما تبيعين لي نصيبك أنا يمكنني أن اشتري"
تذكرت كلمات أمها فقالت "لا أريد أن أبيع"
أبعد وجهه وتنفس ليهدء من عصبيته وقال "وماذا؟"
هزت كتفيها وقالت ببساطة "لا شيء عليك أن تتحمل فكرة الشراكة"
وتركته وذهبت وهو يتبعها بنظراته إنها ليست بخصم سهل ولكنه لا يستطيع أن يمنع نفسه من أن يهاجمها أو يحاول إبعادها عن هنا إنها لا تنتمي لهنا ولا يصدق أنها لم تأتِ من أجل
الأموال ومع ذلك لا يستطيع أن ينسى وصية هدى وأنها جعلتها أمانته، إنها أحكمت عليه الخناق، ثم من ذلك حبيبها الذي كانت تتحدث معه!؟ بالتأكيد فتاة بجمالها هذا لابد وأن يكون لها رجلا بمكان ما ..
في الظهيرة نزلت مرة أخرى كان البيت صامت جدا والمكان لا حركة به شعرت بأنها لا تطيق البقاء، ذلك الرجل يشعرها بالضيق والغضب تحركت وسط الأشجار الكثيفة كان الطريق طويل والجو حار جدا ولكن الملل دفعها لتكمل إلى أن وصلت لنهاية الممر لتجد منظر رائع من الرمال البيضاء التي تنتهي بشاطئ من المياة الزرقاء الرائعة بالتأكيد هذا هو الشاطئ الخاص بهم كما أخبرتها هالينا، تمنت لو أنها تسبح بالبحر
تحركت إلى أن وصلت إلى المياة خلعت حذائها وتركت قدماها تغوص في المياة الباردة، شعور رائع هذا الذي شعرت به، سارت قليلا ثم جلست على الرمال الناعمة وهي تتذكر كلمات أمها عن فهد؛ إنه ليس بسيء، لماذا أخبرتها عنه والزواج منه و..؟ إنها لن تبق هنا لا يمكنها لا شيء يربطها بهذا المكان ..
أخرجها من شرودها صوت امرأة تنادي فنظرت يمينها فرأت فتاة لا تتعدى العشرين تجري خلف طفل في سن الثانية أو أكثر وهو ينطلق في اتجاهها نهضت ووقفت فتوقف الطفل أمامها فلحقت به الفتاة وحملته بين ذراعيها واقتربت من سهر وقالت كلمات بلهجة لم تفهمها فقالت سهر
“ أنا أتحدث الإنجليزية فقط"
عادت الفتاة تقول بإنجليزية واضحة "أنا سيرينا بالتأكيد أنت سهر؟"
تراجعت سهر وقد تذكرت اسم الفتاة هل هي تلك الفتاة التي.. وهذا ابنه؟ هزت رأسها وقالت "نعم أنا سهر"
ابتسمت الفتاة بطفولية وقالت "أهلا، عزاء لك لفقدان والدتك كانت امرأة حنونة كلنا أحببناها جدا"
هزت رأسها وقالت "شكرا"
قالت الفتاة "هذا ابني توني، أليس لديك أولاد؟"
قالت "لا، لست متزوجة؟"
قالت الفتاة "كيف فتاة جميلة مثلك ولم تتزوج حتى الآن؟"
كانت الفتاة سلسة جدا في كلامها فقالت "لا أعلم، لم أفعل ربما لم أجد من يمكن أن اتقبله كزوج"
ضحت الفتاتان وتحركتا على الشاطئ وتبادلتا الحديث، كانت ممتعة لم تنكر ولم تتحدث أيا منهما عن الطفل أو والده وأخيرا سارا عائدين إلى حيث التقتا وهناك رأته مرة أخرى وهو يرتدي ملابس مختلفة، بدى كرجل أعمال وقد وقف ينتظرهم إلى أن اقتربتا وأسرع الطفل من بين يدي أمه مسرعا في اتجاهه وهو يناديه ببراءة
“فهد.. فهد"
التقطه فهد بابتسامه جميلة وحمله وهو يرفعه إلى أعلى والطفل يضحك بقوة وأخذ يداعبه إلى أن تعب فتوقف هو يحدق في الفتاتان ثم قال
“ سيرينا الوقت تأخر وتوني لن يتحمل تقلب الجو لو ساء"
حمل الطفل بحنان بالتأكيد فهو ابنه ابتسم الطفل له وهو ينطق اسمه بطريقة طفولية، أبعدت عيونها عنه بينما قالت سيرينا
“ كنت استمتع مع سهر متى عدت؟"
قال بهدوء "منذ لحظات هيا اذهبي يبدو أنها ستمطر"
ابتسمت سيرينا إليها وقالت "سأقابلك مرة أخرى لن ترحلي أليس كذلك؟"
ابتسمت وقالت "ربما"
ابتعدت الفتاة بطفلها فلم تنتظره وإنما تحركت عائدة فنظر إليها بقوة وتبعها وهو يقول "عليك بترك خبر بمكانك حتى لا أجوب الجزيرة بحثا عنك"
لم تنظر إليه وقالت "لم تكن مضطر لتفعل"
كان قد وصل إليها وبدء الظلام يحل فقال ببرود "من وصية هدى أن أحافظ عليك"
أبعدت غصن الشجرة الذي علق بشعرها فانساب جزء من شعرها دون أن يتركه الغصن، حاولت أن تبعد الغصن ولكنها لم تفعل فاقترب منها تراجعت لا تعلم لماذا ينتابها الخوف من قربه؟ نظر إليها بعينه وهو يخلص شعرها من الغصن وقال
“لماذا ينتابني شعور أنك تخافين مني؟ على فكرة أنا لست هجمي أو عدواني"
ابتعدت بعد أن خلصها وقالت "أمر لا يهمني ولكن ربما هذا يمنحني شعور خاص"
كانت تشير بطرف عينها إلى القماشة فابتسم وقال "آه فهمت، تقصدين ذلك ثم أبعد القماشة فلاح لها ورم عينه واللون الأزرق المحيط بها ولكن لم يمنع أنها كانت تمنع وسامته من أن تكتمل، أكمل قائلا
“ وضعتها من أجلك كي لا تفزعين من مظهرها ولكن يبدو أني كنت مخطئ"
قالت "إذن لم أخطئ في اعتقادي بأن القوة من شيمك"
تحرك وهي بجانبه وقال "إذا كان دفاعي عن امرأة احتبسها رجلين أرادا النيل منها يسمى بالقوة فلا مانع عندي"
نظرت إليه فلم ينظر إليها فقالت وقد شعرت أنها ربما ظلمته "وماذا حدث؟"
نظر إليها وقال "لا شيء أعطيتهم درسا لن ينسوه ولكن بالطبع كان لابد أن ينالني القليل من رجلان ضد واحد هيا ستمطر خلال دقائق"
كانا قد وصلا إلى البيت وبالفعل بدء المطر يتساقط فقالت وهي تسرع إلى الداخل "كيف عرفت؟'
قال وهو يفتح لها الباب "لا يهم هيا ربما نتناول العشاء ونتناقش ببعض الأمور"
هزت رأسها ولم تعترض وأخيرا جلسا يتناولان العشاء في هدوء فقال "سنرحل في الصباح الباكر، هل ستبقين كثيرا؟"
قالت "وكأنك تتمنى ألا أفعل"
لم ينظر إليها وقال "لا تعرفين ماذا أتمنى من عدمه، إنه مجرد سؤال"
أبعدت عيونها وقالت "لم اتخذ قراري بعد"
هز رأسه وقال "ربما تفضلين رؤية القارب والأراضي والجزيرة"
قالت "أحب أن أرى الشركة وأتعرف على العمل بها"
اندهش وقال "لم أتوقع أن تهتم فتاة مثلك بالعمل"
قالت "لا تعرف بماذا أهتم من عدمه إنها تخصني أنا، اسمح لي"
لم يعترض وقد كان حديثها صعب وليس بسهل ولا هو أيضا كلاهما يصد الآخر دون أسباب.
في الصباح تحركا إلى مهبط الطائرات وركبا
نفس الطائرة دون أي حديث وعادا إلى المدينة المزدحمة، كانت سيارة فاخرة بانتظارهم بدا مختلفا في بدلته الكاجوال ولكن كرجل أعمال ربما منحته منتصف الثلاثينات ولكنها لم تنكر وسامته وأناقته رغم تصرفاته الهمجية في بعض الأحيان، اتجه إلى باب القيادة ولم يفتح لها الباب فنظرت إليه بدهشة ثم ركبت دون تعليق وما أن ركبت حتى قال وهو يقود وسط الزحام
“ ربما لا ألق اهتماما بالإتيكيت ليس من اهتماماتي"
فقالت "أستطيع أن أرى ذلك"
انبهرت بالمدينة الجميلة ومناظرها الرائعة وتمنت لو زارت كل مكان فيها ولكن لم تهتم كثيرا لأن ذهنها تعلق بما ستفعل بعد الوصية..
كان مكتب المحامي حديث ورطب من المكيف الذي برد الجو استقبلتهم السكرتيرة بابتسامة ساحرة وجهتها إليه بالطبع وهي توجه كلامها إليه بالبرتغالية التي لم تفهمها ..
ابتسم بجاذبية ورد عليها ثم قال لها "تفضلي لويي ينتظرنا"
تقدمت أمامه إلى الحجرة لم يفتح لها الباب وإنما فعلت هي ودخلت وهو خلفها استقبلهم رجل في العقد الخامس بابتسامة هادئة وقال بالإنجليزية
“أهلا آنسة سهر، فهد كيف حالك؟ تفضلا"
ابتسمت بهدوء في فستانها الأسود الذي لم تملك سواه وداومت على ارتداؤه منذ وفاة أمها سمعت الرجل يقول
“ سهر سعيد بلقائك عزائي في الفقيدة هدى"
قالت "شكرا مستر لويي"
قال بأدب "لويى، لن أضيع وقتكم بالتأكيد
الوصية معروفة لا شيء بها يسترعي الاهتمام، فقط كل أملاك هدى تنتقل إليكِ بمجرد وفاتها ولكن هناك أمر هام هو ما يجب أن نهتم به"
نظرت إليه ولم ترد، فعاد يفتح الورقة التي أمامه وقال "شرط واحد فرضته هدى وهو أنه لا يمكنكِ التصرف بالبيع في أملاكك لأي أحد"
ضاقت عيونها وقالت "لا أفهم "
ترك الورقة وقال "أعني أنكِ لا يمكنكِ أن تبيعي الأملاك لأحد سوى لشخص واحد"
بالطبع فهمت وقالت "فهد"
هز رأسه وقال "نعم هو ليس شرط فى الحقيقة وإنما هو تأمين لأملاك خليل لتبقى في العائلة ولا تذهب لأحد آخر "
قالت وقد فهمت "مثل والدي بالطبع"
قال "لا أقصد أحد وإنما أتحدث عن الغرض من الشرط"
أبعدت وجهها عنه وقالت "ليس في نيتي أن أبيع لا له ولا لسواه"
تراجع المحامي وضاقت عيون فهد ثم قال الرجل "إذن وكأن الشرط لا معنى له"
هزت رأسها وقالت "ومتى استلم أملاكي؟"
قال الرجل "منذ تلك اللحظة إذا شأتِ"
قالت "وأنا أتمنى أن أفعل "
ضحك لويي وقال "يبدو أنك وجدت شريك قوي يا فهد"
قال فهد وهو ينظر إليها "ترى إلى متى ستظل تلك القوى؟ تعلم أن الأمر ليس بسهل يا لويي"
نظرت إليه بتحد وقالت "وأنا أحب الصعب دائما فهو متعتي"
حدق الاثنان ببعضهما لحظة قبل أن ينهض فهد ويقول "هل انتهيت يا لويي؟ لا وقت لدي كما تعلم"
ابتسم لويي وقال "نعم كل أوراق الملكية ستكون جاهزة خلال أيام، يمكنكم التعامل بحرية هي أصبحت شريكتك ولها نفس حقوقك في التصرف"
قال فهد "تمام شكرا لويي"
نهضت وقالت "شكرا لويي"
تحرك إلى الخارج كالعادة دون أن ينتظرها وتحركت خلفه وهي تلاحظ نظرات الفتاة إليه وهو يودعها
ركبت السيارة فقال "ستعيدك الطائرة إلى البيت"
نظرت إليه وقالت "أريد أن أرى الشركة من فضلك"
نظر إليها بقوة وقال "لا تفكرين في الشركة"
قالت بقوة "ولم لا لقد سمعت المحامي"
قال بغضب "إنها شركتي، أنا من تعب بها لن تأتي أنت وتأخذين ما تعبت أنا فيه هكذا"
قالت بتحد "الأمر ليس بيدى ولم أفرضه عليك وأنا لن أترك ما يخصني بيد أحد، لست تلك المرأة"
أوقف السيارة بقوة وقال "ومن تظنين نفسك إذن؟ مجرد شخصيه انتهازية مادية أتت هنا لتبحث عن المال والأملاك تحت ستار البنوة لأم لم تعرف عنها أي شيء والآن ماذا؟"
قالت بغضب "أنت سافل وحقير ولا تعرف شيئا عن الأخلاق"
ثم فتحت الباب ونزلت، نفخ بقوة وقال بغضب "اللعنة عليك وعلى هدى لماذا فعلت بي ذلك؟"
نزل من السيارة وأسرع خلفها، أمسكها من ذراعها دون أن يهتم بالمارة من حولهم وقال "أنت مجنونة إلى أين تذهبين؟"
أبعدت يده بقوة وقالت من بين دموعها بغضب "أخبرتك ألا تلمسني ولا شأن لك بي"
تحركت ولكنه عاد ووقف أمامها وقال بغضب "لن تذهبي لأي مكان وأنا لن اتركك"
حدقت بعيونه ومسحت دموعها وقالت "وأنا لا أريد أن أعرفك هل تفهم لا أريد"
كادت تتحرك مرة أخرى ولكنه قال "لن تفعلي وإلا أقسم أن أحملك وأضعك بالسيارة بالغصب، فلا تثيري غضبي أكثر من ذلك أنت لا تعرفيني"
قالت بغضب "لن يمكنك أن تفعل أي شيء وابتعد من أمامي الآن لا أطيق رؤيتك أمامي أيها الحقير"
ولكن ما فعله بعد ذلك جعلها تصرخ فقد أحاطها من خصرها بقوة وحملها بقوة على كتفه وتحولت الأنظار إليهم وهىي
تصرخ وتطالبه بأن ينزلها وهي تضربه على ظهره بقوة ولكنه لم يفعل ولم يهتم بصراخها أو ضرباتها
ثم فتح الباب بقوة ودفعها إلى الداخل وأغلق الباب بقوة أفزعتها وشعرت بالمهانة وهو
يركب بجانبها حاولت أن تفتح الباب مرة أخرى ولكنه كان قد أغلق الابواب وتركها تصرخ دون أن يعيرها أي اهتمام