
رواية فتاة البار
الفصل الرابع والخامس والسادس
بقلم/ قسمة الشبيني
.
حضر حامد صباحا فى موعده تصحبه زوجته لتعمل على التنظيف ليجد أحمد مرتديا ملابسه كاملة وبجواره حقيبة السفر لينظر له حامد متعجبا : واه على فين يا بيه ؟؟
إلتفت احمد باتجاه حامد وقال ببساطة : رايحين سوهاج .روحوا جهزوا حاجتكم وارجعوا لى بسرعة قدامنا ساعة ونتحرك
ظهر القلق على ملامح حامد وتساءل مسرعا : راچعين سوهاچ ؟؟ حوصل حاچة يا بيه ؟؟
هز احمد رأسه نفيا ليطمئن حامد : ماتخافش يا حامد رايحين إجازة اسبوع.يلا بسرعة اتحرك
وبالفعل فى خلال ساعة واحدة كان احمد فى طريقة لبلدته بعد أن أبلغ عن إجازته عبر الهاتف ،عائدا الى أحضان والدته الحبيبة حيث يجد الراحة دائما .
بعد ساعات من السفر وصل للمنزل ذلك المنزل الفخم المكون من ثلاثة أدوار ذو بناء معمارى عريق يدل على ذوق رفيع وما إن توقفت السيارة حتى أسرعت الخادمة تزف البشرى ل صابحة والدة احمد وهى على يقين من حصولها على مكافأة لتلك البشرى السعيدة .
***********
كانت صابحة تجلس في بهو المنزل تصحبها ثلاث فتيات هن فى الواقع زواجات أشقائه وما أن أعلنت الخادمة عن وصول احمد حتى هبت صابحة للقاءه لتسرع خطاها بينما هو يسير بتمهل حتى أتاه صوت والدته : ولدى نورت بيتك يا جلب امك
اتجه فورا ناحية الصوت لتستقبله ذراعيها ليخفض رأسه ليصل الى كتف امه التى تربت على ظهره بحنان : اتوحشتك جوى يا ولدى
استتشق احمد رائحة امه : وانى اتوحشتك جوى يا اما
رفع رأسه قليلا متسائلا: ابوى مش اهنه؟
اعادته الى صدرها وهى تمسح على ظهره: هنشيع له ..كان لسه عشية بيجولى لازمن ندلوا مصر نطمنو عليك .
همس احمد بالقرب من اذنها : الله يبارك لى فيكم يا اما ....مين معاكى ؟
تساءل حين ارهف السمع ليتأكد أن أمه ليست وحدها فأسرعت تطمئنه : محدش غريب يا ولدى حريم خواتك .
شعر بالحرج ليبتعد عن ذراعى والدته التى تأبطت ذراعه وهى تسير بجواره هو يحفظ كل خطوة داخل المنزل وحوله لذا يسعد
حين تتابط امه ذراعه وتشرق ابتسامته فهو يعشق قربها بشدة ما إن اقترب حتى قالت نوارة زوجة أخيه الأكبر محمد وابنة عمه : نورت الدار يا واد عمى
ألتفت بإتجاه صوتها : الدار منور بيكى يا نوارة العيلة .
جلسوا جميعا لتقول ريم زوجة أخيه الاوسط عبدالله: حمد الله على السلامة مش كنت تشيع لنا نچهزولك الوكل اللى بتحبه
إلتفت لها مبتسما : الوكل اللى فى الدار هأكل منيه المهم اكون وسطيكم .
لتضحك مجنونة العائلة الصغرى رضا زوجة أخيه الأصغر سالم: يا سلام على حديتك اللى بينجط شهد اهو ده الكلام المهم انك وسطينا ومن النچمة نعملوا لك احلى وكل
لتعترض صابحة فورا : لاه يا رضا الله يرضا عنيكى يا بتى انى هعمل له كل حاچة انا مش مستغنيه عنيه
ليضحك الجميع بينما تتذمر رضا : بجا إكده يا أما وكلى ما هيعچبكيش .
ضحكت صابحة : وكل ايه يا بتى مش لما يبجا منيه حاچة بعد ما تحرجيه زى كل مرة
عاد الجميع للضحك لتعود رضا للتذمر : وانى هعمل ايه؟هو بيتحرج لحاله .
وجهت حديثها ل احمد : يرضيك اكدة يا خوى .؟
ضحك احمد : بزياداكى سالم بيحامى عنيكى
لوت فمها بإمتعاض لتقول نوارة : حج ربنا سالم اكل وكل محروج مايكلوش بر بناسه
ضربت رضا قدمها بالأرض بغيظ : يعنى انى ماعچباش حد واصل . طب انى طالعة فوج لحد ما ياچى سالم .
ليأتيها صوت حسن الذى دخل للتو هو وأبناءه : مين اللى مزعلك يا مچنونة ؟
لينفجر الجميع بالضحك ويهب احمد واقفا يستقبل ابيه الذى اسرع إليه يضمه بحنان : حمد الله بسلامتك يا ولدى .إكدة مصر هتاخدك منا اياك .
اغمض احمد عينيه يستمتع بدفء صدر أبيه : مفيش حاچة فى الدنيا تاخدنى منكم يا ابوى .كلها كام شهر واخلص رسالة الدكتوراه وارچع هنا چامعة سوهاچ.
يقف الاشقاء ليعترض سالم : چرى ايه يا بوى خلينا نسلم عليه احنا كمانى
ليربت حسن على ظهر احمد ويتجه لمقعده بصدر المكان تاركا المجال لأبنائه للترحيب بشقيقهم الغائب .
جلسوا اخيرا احمد بين امه وشقيقه محمد ،عبد الله بجوار ريم سالم بجوار رضا التى عقدت ساعديها بغضب واضح وقطبت جبينها بمبالغة واضحة ليتساءل حسن : مالك يا رضا ؟
نظرت له رضا وكأنها ام غاضبة من ابنها الصغير: وهفرح كيف يا عمى وانى ماعچباش حد منيكم وبتتمسخروا على الوكل اللى بعمله ولساك جايل لى يا مچنونة ؟
ضحك حسن وهو ينظر لها بحنان : طب تعرفى احلى فنچان جهوة بشربه من يدك .
أشرق وجهها فورا وهى تتساءل بلهفة : عن چد يا عمى ؟
ضحك حسن وهو يقول بنفس الحنان : عن چد . وجومى اعملى لى وماتعمليش لحد منيهم .
هبت واقفة لتتجه للمطبخ بحماس كبير لتنظر له صابحة بلوم : بجا بتعمل لك احلى فنچان جهوة؟
ابتسم الجميع حتى حسن ليقول : لساها صغيرة يا حچة بالراحة عليها
ويسرع سالم قائلا برجاء : علميها يا أما واحدة واحدة .
نظرت له صابحة وهى تضحك : ليه بطنك وچعتك من الوكل المحروج ؟
اخفض سالم رأسه وهو يقول: الله يا أما لما ما احاميش لمرتى مين يحامى لها ؟
طال الوقت والكل يتسامر بسعادة ليشعر احمد براحة نفسية تتسلل لقلبه المتألم لتربت عليه بيد حانية ،وينشغل تماما مع اسرته فسرعان ما وصل الجيل الثالث ، ابناء محمد وعبد الله اما سالم فهو لم يرزق بالذرية بعد .
يتسابق الاطفال إلى احمد بسعادة لرؤيته لتتخلله براءتهم فتعود به لبراءتها فورا ويبدأ يشرد للحظات يتذكر صوتها و الكلمات القليلة التى تبادلها معها . لكن يفيق مسرعا ليتفاعل من جديد مع الأطفال ومع الجميع.
سعادتهم بوجوده معهم لا تخفى عليه من صوتهم .الحنان الذى يغدقه والديه على الجميع زاد من ترابط القلوب ...فلم يعد بينهم مكان لخلاف أو اختلاف... قوة ترابطهم تمر بهم من بين الخلافات بسلام
بعد تناول الغداء توجه احمد لغرفته ليحظى ببعض الراحة على أن يصحبه محمد فى جولة بين حدائق الفاكهة الخاصة بالعائلة فى المساء . كان مجهدا فنام فى لحظات بمجرد أن استقر بفراشه ولم يستيقظ إلا على طرقات امه التى جاءت تطمئن عليه .
*******************
استيقظت امل في اليوم التالي فلم تجد اخيها بالمنزل لكن وجدت مبلغا ماليا فوق وسادتها فتأكدت انه غادر لعمله نهضت تجوب المنزل وتتعامل بكأبة مع ذكرياتها به التى أغلبها مؤلم عملت على تنظيفه فقد كان فى حالة مزرية وقد ساعدها هذا على قضاء معظم ساعات النهار.
أنهت التنظيف فتوجهت للمال الذى تركه شقيقها ارتدت عباءة سوداء تخص والدتها الراحلة وتوجهت للخارج فى تردد وقلق من مواجهة الناس .
تجولت بالطرقات لتتفاجأ من ترحيب الناس بها وثناءهم عليها وكم اسعدها هذا واشعرها بالفخر هى حقا لم تخطئ لقد دافعت عن شرفها خطأها الوحيد كان هروبها .
عادت للمنزل وقد تسوقت بعض الخضروات والفاكهة لتعد طعاما وتنتظر عودة اخيها والذى لم تطل غيبته كثيرا فقد عاد عصرا .
جلسا يتناولان الطعام وقد كان محمود يأكل بشهية وهو يثنى على مهارتها فى إعداد الطعام الجيد الذى حرم من تناوله منذ مغادرتها بينما شعرت بالسعادة والرضا لتتشجع وتبدأ في التحدث : محمود انا هنزل بكرة ادور على شغل .
نظر لها محمود وقد تبدلت ملامحه: ليه يا امل ؟
تعجبت سؤاله لتقول : يعنى هسيب الحمل كله عليك ؟ اهو ايد على ايد بتساعد
ابتسم محمود لطيبتها : يا حبيبتي دلوقتي مفيش غير أنا وانتى ..وانا ولله الحمد شغال كويس جدا يعنى انتى مش محتاجة تشتغلى تانى
ربت على كفها بحنان: انتى تقعدى ست البنات لحد ما يجى لك نصيبك .
شعرت بالمرارة فى حلقها وشعر محمود بإنقباض ملامحها ليقترح عليها : او ممكن ترجعى المدرسة
ابتسمت بإستخفاف : مدرسة ايه يا حودة ؟؟ انت عارف بقا لى كام سنة سايبة المدرسة ؟؟
صمت محمود لحظة ثم قال بحماس: عندى ليكى فكرة تشغلك وتصونك .
نظرت له وقد انتقل حماسه لها : ايه رأيك تحفظى القرآن ؟؟
علت الدهشة وجهها للحظة من اقتراحه لكن سرعان ما رحبت بالفكرة ليخبرها شقيقها أن ثمة مسجد قريب افتتحت به مقرأة لتحفيظ السيدات وتتولى تحفيظهن سيدة فاضلة .
لتكون هذه الخطوة هى اولى خطوات امل على الطريق الصحيح.
.
🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔵
الحلقة 6
.
.
لم تحاول صابحة الضغط على احمد لمعرفة ما يحدث معه ،تعلم أنه يجاهد ليبدو طبيعيا أمامها هى بالذات لأنه يعرف انها تشعر به .
تركته يوما واثنين وثلاثة أيام على أمل أن يذهب إليها ليروى لها ما به إلا أنه لم يفعل أو لم يجرؤ لتقرر أن تبدأ هى وتوجهت بالفعل للتحدث إليه.
طرقت الباب ليأذن لها هو يعلم أنها الطارقة لتدخل وتتوجه إلى حيث يجلس على فراشه بإسترخاء جلست على طرف الفراش ليبدل موضع رأسه فيرفعه عن الوسادة ليستقر فوق ساقها،تخلل أصابعها بين خصلاته الكثيفة الناعمة ليتتهد براحة ويغمض عينيه .
ساد الصمت لفترة قبل أن تبدأ الحديث : فيك ايه يا جلب امك؟
تنهد احمد لا يقوى على محادثة امه عن أمل : انى زين يا أما
تعلم أنه يراوغ ولا نية لديها للتراجع دون أن تصل للحقيقة : زين كيف يا ولدى ؟ انى جلبى حاسس بيك .
لم يجد بد من الحقيقة فهو بكل الأحوال سيفشل فى الكذب عليها فلا داعى للمراوغة اكثر من ذلك ،صمت لحظة قبل أن يقول : بحبها
دقات قلبهما كانت متشابهة في الحماس هو لذكر حبيبته وهى سعادة لأجله ظهرت على وجهها فورا لتتساءل: ومين بجا اللى انت بتحبها دى ؟
اعتدل ليستلقى على ظهره لترى امه ملامحه وتستشف حبه خلالها وهو يقص عليها كل ما حدث بمنتهى الصراحة والدقة ،ورغم خوفه لعدم تمكنه من رؤية رد فعلها إلا أن لمسات كفها الحانية لوجهه اشعرته بالراحة،لطالما كان قادرا على التواصل مع والدته بشكل لم يفهمه أحد .لذا كان صريحا معها وهو يثق في حكمها فهى رغم كل شيء امه التى تطلع على قلبه بسهولة .
أنهى حديثه وانتظر حكم امه على قلبه لكنها تساءلت ببساطة: هتسمع حديت امك ؟؟
خفق قلبه خوفا وقال : طبعا يا أما
مسحت على صدره بكفها وقالت : يبجا تخلص الدكتوراه وبعدين نتحدت فى حكاية البنية دى .وجلبك الغالى ده اذا ضل متعلج بيها الكام شهر دول يبجا بتحبها صوح أما إذا نساها يبجا ماكانش بيحبها من الأساس .نعطى جلبك فرصة لاچل يتأكد ..انت يا ولدى جلبك لساته نضيف بلاش تضحى بيه من غير ما تتأكد أنه بيحب صدج
امه محقة هو حتى الآن لم يتقبل فكرة انها كانت تعمل بهذا المكان ،كيف سيكمل حياته معها إن كان فى قلبه شئ تجاهها يدينها .
شعر بالسكينة..امه محقة يحتاج لبعض الوقت.
***********************
بدأت امل تتردد على المسجد ،واجهت صعوبة في الحفظ فى البداية سرعان ما تغلبت عليها،وكان شقيقها نعم السند ، بدأت ايامها تبدو اجمل وسعادتها تشرق بملامحها .
إلتزمت بالحجاب لتشعر روحها بالسكينة اخيرا بعد طول عذاب .لقد كان هذا الغريب محقا حين نصحها أن تلجأ لله .
الغريب !!!!!
نعم إنه هو الذى اقتحمت عينيه الساحرتين حياتها منذ اصطدمت به ،تبتسم كلما تذكرت ذلك اللقاء ،فقد كان بداية التحول الذى شهدته حياتها للأفضل .
لم تعلم يوماً عن لقاء اخيها به ولم تعلم أيضاً أنهما يتواصلان طيلة الوقت فهو من وقت لآخر يهاتف محمود ليطمئن على أحوالها .
**************************
انقضى الاسبوع وكان على أحمد العودة للقاهرة .وكم كان متحمسا للعودة والعمل على أبحاثه ،فهذا سيمنح قلبه الوقت الكافي الذى تحدثت عنه امه وسيمنحه هو كرجل الوقت ايضا ليتعامل مع طبيعة عملها السابق ويتقبله .هو لا يشكك فى براءتها ولا يشكك في عفتها بل هى من يؤتمن على العرض لقد حاولت القتل دفاعا عن نفسها، حتى لا يغتصب منها شخص حقير ما لا يحق له فكان رد فعلها عنيفا كاد يودى بحياته ...يالها من فتاة قوية .
بل وقد برر لها خوفها وهروبها بإحساس غريزى رغبة في البقاء ،فهى انثى رقيقة قبل اى شئ ومهما كانت قوية إلا أن رقتها وفطرتها ترفصان القتل وسفك الدماء لذا كان هروبها أمرا طبيعيا متوقعا بعد حادث كهذا.
_______
مرت أربعة أشهر منذ عاد للقاهرة وهو يعمل على رسالته وأبحاثه وكان اتصاله بعائلته طول هذه الفترة عبر الهاتف فقط .تم تحديد موعد مناقشة رسالته ورغم ثقته فى أبحاثه إلا أنه شعر بالقلق .
لم يكن الوقت الذى منحه لنفسه ليتأكد قلبه من مشاعره فى صالحه بشكل كبير،فقد افتقدها بشدة ،حقا لم يكن يراها لكنه كان على ثقة انها بجواره ..قريبة منه ...يمكنه فى وقت ما أن يستمع لصوتها ، وزاد اشتياقه لها عدم تمكنه من سؤال محمود عن تفاصيل حياتها ،فهو يكتفى بقوله إنها بخير .وقد كان هذا كافيا لقلقه .
إلتزم البقاء بالمنزل منذ ليلة أمس فأمامه يوما واحدا بعد قبل مناقشة رسالته لذا عكف على التأكد من كل معلومة .
هو يدرس منذ ساعات لذا قرر أن يأخذ بضع دقائق ليهاتف محمود فقلبه غير مطمئن يشعر بالقلق ويحتاج لوجودها بشدة وقد يشعره الحديث عنها ببعض الراحة.
دق الهاتف ولم يأتيه ردا مما اشعره بالمزيد من القلق ليعيد الاتصال وبعد لحظات جاءه الرد لتعلو دقات قلبه حتى كادت تصم أذنيه فهى من اجاب وبصوتها الرقيق الذى لم تغادره نبرته مطلقا : السلام عليكم.
كلمتان فقط كانتا كافيتان للإخلال بكل موازينه وتلجيم لسانه ايضا فلم يأتيها إلا صوت انفاسه المضطربة لتقول بحزم : مين بيتكلم ؟؟
وخوفا من حرمانه من هذه اللحظة اسرع يقول: مش ده رقم محمود السنوسى؟
صمتت لحظة وكأنها تتشكك بأمر صوته لتقول: هو نزل يجيب طلب من تحت بس نسى التليفون اقوله مين ؟
اسرع يقول: أ .أ ..انا هكلمه تانى .
كاد أن ينطق بإسمه لكن تراجع عن ذلك فقد لا تتذكره وهذا سيؤلمه بشدة لتأتيه اخر ما تفوهت به : إن شاء الله.
وأغلقت الخط نظرت لاسم المتصل مرة أخرى" الدكتور أحمد" .لتضع الهاتف من يدها وتعود لغرفتها بصمت بينما شد قبضته على الهاتف وقربه من صدره المضطرب وهو يغلق كيانه كاملا على كلماتها القليلة.
يا ااااالله ،كم كان بحاجة لهذة اللحظة ليشعر انها مازالت في حيز حياته.ظل على وضعه لدقائق قبل أن يعلو رنين هاتفه مرة أخرى بإتصال من محمود ليجيبه احمد بحماس : السلام عليكم.ازيك يا محمود؟
ليجيبه محمود بود : عليكم السلام.انا بخير الحمدلله حضرتك اخبارك ايه؟
تنهد احمد براحة وهو يقول: انا دلوقتي فى احسن حالاتى .كنت بتصل اطمن عليكم وامل ردت عليا ... هى كويسة؟؟
اجابه بنفس الكلمات البسيطة: بخير الحمدلله.وزى ما اتفقنا ماتعرفش انى قابلتك . بس انا عاوز افهم انت بتعمل كده ليه ؟
ليتمتم ايضا بنفس الكلمات: الحمدلله يا رب دايما .هتفهم يا محمود كل حاجة.بس اتمنى انك تتفهم ظروفى .انا بس مضطر أقفل دلوقتي وهكلمك تانى .
أنهى اتصاله وعاد ينكب على أبحاثه بنشاط كبير وظل لوقت متأخر حتى تأكد من كل كلمه بالبحث ليطمئن قلبه ويتوجه للنوم فأمامه الغد فقط .
________
استيقظ أحمد فزعا فثمة خطوات خارج غرفته ،قد يكون حامد !!! هل تأخر بالنوم ؟؟
مد يده للساعة المجاورة لفراشه انها الرابعة فجرا!!!! نهض عن الفراش مسرعا فمن يكون بمنزله في هذا الوقت !!!!! وما ان تحرك حتى استمع للخطوات القادمة بإتجاه غرفته .ارهف السمع ليشرق وجهه وهو يسرع للخارج بلهفة وما إن فتح باب الغرفة حتى تلقفته صابحة بين ذراعيها وهو يقول بحماس : أما !!! چيتو ميته ودخلتوا كيه ؟؟
تربت على ظهره بحنان وتضمه لصدرها يستنشق كل منهما رائحة الآخر لترتاح القلوب المشتاقة ليأتيه صوت أبيه الدافئ : تونا واصلين يا ولدى وحامد اللى چه جابلنا وفتح لنا .
لتتركه صابحه ليتحرك نحو حسن الذى ضمه بقوة وهو يقول: كان لازمن ناچو نتشرفو بيك وانت بتاخد اكبر الشهادات.
شد احمد ذراعيه حول والده وهو يقول: ربنا ما يحرمنى منيكم يا ابوى .
يال هذا اليوم الذى يمنحه السعادة على دفعات متتالية فمنذ ساعات استمع لصوت مالكة قلبه الغائبة وها هو الآن ينعم بدفء أبويه .
لحظات بعد قبل أن يستمع للخطوات القادمة من الخارج وصوت الحقائب التى انزلت يتبعها صوت أخيه الأوسط عبدالله الذى اتجه إليه فورا : كيفك يا احمد ؟
ليزداد اشراق وجهه : عبدالله انت كمان أهنه !!!
يضمه عبدالله ويقول: امال ايه معندناش اغلى منيك يا خوى ..ومحمد كمان ويانا
ابتعد عن أخيه يتلفت بلهفة : هو فين؟
لياتيه صوت امه : انى شيعته مشوار هو وحامد .
لتظهر على وجهه علامات التعجب لكن هذه المرة كانت علامات مشتركة بينه وبين الجميع حتى والده الذى قال : شيعتيه وين ؟؟كان يسلم على خوه الاول .
لتقترب هى من احمد تتأبط ذراعه حتى وصلا للاريكة وقد فهم الجميع أنها لن تتحدث ولن يعلم ايهم اين ارسلت محمد
جلسوا لدقائق قبل أن يقول حسن : الفجر فاتنا جماعة ..صليت يا احمد؟؟
ليحمحم احمد بحرج : لا والله يا بوى كنت نعسان مادريتش بالاذان
لينهض حسن فورا بوجه بشوش : يبجا نصلوا كلنا چماعة اهنه.
****************
مر اليوم التالى سريعا كانت صابحة تراقب أحمد طيلة الوقت وقد منحوه جميعا الوقت والمساحة لإعادة مراجعة أبحاثه ،ونعم هو بدفء اجتماعهم حوله ومن الغريب أن محمد لم يعد إلا فى المساء ليقابله احمد بترحيب كبير ولأول مرة منذ وصول امه يشعر بعدم وجودها بجانبه. وبالفعل لم تكن لقد انفردت ب محمد بعد أن تناول طعامه لمدة ساعة ونصف لم يعلم أحد اين كان أو لما يجتمع هو وأمه .
واخيرا ها هو اليوم الذي طال انتظاره...اليوم سيحصل على شهادة الدكتوراة ....اليوم سينهى مرحلة من حياته ليبدأ مرحلة جديدة.
جاءه حامد صباحا ليستقل سيارته ويلحق به أبويه وشقيقيه فى سيارة محمد .ليتوجهوا جميعا للجامعة.
جلست صابحة وحسن متجاورين وكل منهما يمتلئ قلبه سعادة وفخر .يستمعان صغيرهما الذى يناقش اكبر الأساتذة بحنكة وروية وفصاحة بالغة .
ادمعت عينا صابحة ليربت حسن على كفها هامسا : ماتبكيش يا ام الرچالة ..اللى تخلف راچل كيه أحمد ماتبكيش واصل .
لتهمس صابحة : فاكر يوم ما الدكتور جالنا ابنكم بصره كف
نظر لها حسن بألم فهذا اليوم يعد أسوأ ايام حياته رغم أنه حمد الله على نجاة صغيره هلكا بتلك الحمى اللعينة التى اصابته إلا أن قضاء حياته كفيفا كان يعتصر قلبه ألما .
تنهد حسن لهذه الذكرى المؤلمة لتقول صابحة : يومها جلبى كان بيبكى لكن كنت مخبياه بصدرى وبحمد ربنا إن نچاه من الموت والنهاردة بس جلبى اطمن عليه . صحيح هو ما بيشوفش زينا لكن جلبه بيشوف احسن مننا