بغرفتها تتلوى من الحزن الذي أطبق على صدرها حتى جعلها تكاد تصرخ وهي تمنع صداها بالصعود لأعلى فيسمعها كل البشر أو الأهم أن يسمعها من يقبع بغرفته فتضغط على فمها بكفيها وهي تميل بجسدها أماماً وخلفاً...
لم تكن دموع تلك التي ذرفتها عندما علمت بمرضه بل كانت دماء نزفتها لأخر قطرة ..كيف هانت عليه وأخفى ما به عنها وكيف علم وتأكد من مرضه ومتى أجرى تحاليل وأشاعات طبية وهي في غفلة عنه... أسئلة كثيرة وجميعها بلا إجابة ..
هي لم تتركة أبداً .. لم يفترقوا أبداً.. فمتى فعل تلك الأمور ..
كانت تراه يئن من الصداع ..كانت تراه يعاني من غثيان و إغماءات خفيفة و انخفاض وزن
وهي كانت بغفلة ..
لكن الأن بعد معرفتها بإن كل ما يعانيه كان بإمضاء ساخر من مرض خبيث أصاب رأسه الغالي تنعت نفسها بالغباء والتراخي ..
فليحق لكِ يا أمي أن تغضبي مني فابنتك لم تراعي الحبيب الذي طلبتي منها مراراً وتكراراً أن تراعيه وأنتِ على سرير المرض ... انشغلت بنفسها حتى إنها لم تنتبه ... يا ربي كيف كان يواظب يومياً على مزاولة عمله الذي كان يتطلب منه التركيز بالسياقة ..
لكن لا ..
لن أظل هنا أسأل نفسي والإجابة عنده لن أدع لحظات ضعفي امامه حاجز يمنعني من معرفة كل ما يخصه يكفي أسبوعان من الهروب المتبادل بيننا والتي ستنتهي الأن ..
انتفضت من مكانها بتصميم واقتحمت عليه خلوته لتراه ممسكاً بكتاب الله من بعد صلاة الفجر كما عود نفسه فيرفع رأسه بجمود ولم يتوقف لحظة بل اعاد عينيه للمصحف و استمر بالترتيل حتى انتهى بينما هي اتخذت الجانب المقابل له صامتة ومنصتة والعزم بعينيها يخبرانه أن صمته انتهى ليبادرها بقوله
:لم تستأذنِ قبل إقتحام الغرفة وكأنك لازلتِ طفلة لأعلمك أداب الدخول لغرفة والدك هذا أولاً
لتشير له بهدوء وكأنه لم يوبخها هي ابنة الثلاثين : وثانياً
:لن أفصح لكِ عن أي إجابة عن أسألتك التي تدور بعينك الحمراء مثل الدم حتى توافقي على مقابلة أم الطبيب أمجد التي ستأتي اليوم معه لتطلبك للزواج من إبنها وستقابليها كأي عروس فرحة
وكأنها لم تسمعه وكأنها لم تخترقها كلماته عن عريس جديد يريد إراغمها على مقابلته والأدهى القبول به فحركت يديها على وجهها بعصبيها تحاول أن تقاوم الإنهيار ثم اشارت له بيديها مع ثقل لسانها : لماذا لم تخبرني بطبيعة مرضك .. هل لهذه الدرجة غير مهمة عندك
وضع المصحف على المنضده بجانبه بعدما قبله بتقديس لكلمات الله العزيز : بل لأنك اكثر أهمية حتى من حياتي
تبتسم بحزن وهي تحرك رأسها يمين ويسار برفض لمنطقه : هل تراني ضعيفة ... هل تكاسلت أنت او أمي بتربيتي وتنشئتي لأصبح قوية في مواجهة مرضي ولكن أنانية لاشاركك مرضك هل هذا رأيك يا أبي في باسمتك
أجابها بهدوء حزين :باسمة أرجو أن تفهميني ..كل ما أردته أن أطمأن عليكِ من بعدي
الباسمة بإنهيار : وأنا أريدك ...يا أبي أنا احتاجك ...أريدك أن تبدأ بخطوات علاجك كما اقترح الطبيب
حسن وهو يقاوم الاستسلام لضعفها : وأنا لن أفعلها حتى أطمئن عليكِ وانتِ بجانب رجل يراعاكِ ويحافظ عليكِ ..انا أعرفك جيداً إذا تركتك ستظلي هكذا وحيدة لن تُسلمي بضرورة أن يرافق حياتك زوج و ذرية
الباسمة تمسح دموعها و بتأنيب : أبي كيف تثق كأب بإنسان لم تعاشره لتمنحه ابنتك بعقد زوجية ..وشقة ووظيفة كما تقدمني لهم
كيف تثق وأنت ستتركني بين أُناس لأول مرة نعرفهم أو نسمع بهم ..
كيف تثق لتلك الدرجة بإنه يستحقني ..
كنت دائما جوهرتك الثمينة والتي أبداً سمحت لأي كان بأن يقتنيها..
بل حتى عندما وافقت على أحمد كان لك بعض الملاحظات عليه ...
واجهها بحدة وتقطيبه تعلو جبينه كانت لتصيبها بذعر بوقت آخر : هذا أخر كلام عندي قابليهم اليوم وبعدها نتحدث بترتيبات العلاج ..أنا واثق تلك المرة إنه مناسب ..
ثم تمدد على الفراش مديراً لها ظهره قائلاً: إغلقي الإضاءة وأنتِ بطريقك للخارج
:أبي أرجوك
: أيقظيني بعد ساعتين
وقفت مستسلمة : وإذا وافقت على المقابلة هل ستفكر بالعلاج أم ستعاند أيضاً
أجابها بصوت مرهق : سنرى
تراجعت لإغلاق الإضاءة والباب وهي تردد على مسامعه : نعم سنرى
وبالموعد كانت بالانتظار بالصورة التي ارادها والدها كعروس ولكن برداء أسود من رأسها حتى قدميها ..
و من يرى حمرة خدها ويفسرها إنها خجل فهو لا يعرف الباسمة التي منعت لسانها عدة مرات من النطق بأحرف الطرد ..
كانت تسترق النظر لوالدها الذي يهرب بنظره بعيداً عنها حتى لا تقرأ فيهم رفضه لما يحدث ... يجاوره عمها علي الذي أصبح في عالم آخر بعد معرفته بمرض أخيه فقد أصبح اكثر صمتاً وإنزواءً و أحيانا أخرى أكثر غضباً وهياجاً بالاختصار كان متطرف بكل مشاعره حتى أصاب الخالة إعتماد بالجنون ولكنها كانت متماسكة لدرجة كبيرة حتى تشاركت مع أبيها بضرورة الاسراع بتزويجها..لا تدري السبب ولكنها تراها اليوم في قمة سعادتها والوحيدة التي تحاور السيدة الغريبة بأريحية كأنها صديقتها ..بينما العريس الذي لم تنظر له مرتين فهو بالتاكيد سيكون اقصر منها ولكنه وسيم بنظارة طبية يعدلها كل دقيقة هي ورابطة العنق التي تبدو إنها تعاني منه أكثر ما يعاني هو منها ..
قامت بإشارة من زوجة عمها إعتماد بتجهيز واجب الضيافة الذي كان منفذ لها للتنفس بينما رباب التي حضرت جزء من اللقاء نزلت لشقتهم لتستقبل اخيها الذي سمعت صوت سيارته قادمة وهي تردد لنفسها هل كان يعلم باللقاء فجاء مبكراً أم هي صدفة ..
كان يجلس بغرفة المعيشة يريح جسده مغمض العينين عندما دخلت رباب تقذف بحذائها بعنف وهي تتمتم بكلمات غاضبة لم يفهم معناها ولكنه انتبه لكلمة عريس
:ما بك هل جننتِ
جلست بجانبه على الأريكة وهي تنفخ بغيظ : : من يوم ما حدث بسهرة الشواء وعلمنا بعدها بطبيعة مرض عمي وخطورته وضغوطه على بسمة زادت حتى توافق على مقابلة عدة عرسان احضرتهم أمي لها وكلهم تستطيع القول عنهم انهم نسخة مكررة من خطيبها السابق بل ألعن وكانت ترفض حتى مجرد التفكير بهم فما بالك باستقبالهم .. لا أدري يا أخي ماذا حدث لأمي فجأة اصبحت تشارك عمي حسن هوايته بجلب العرسان لبسمة لم تفعلها معك أو معي أبداً
تحرك هارون وأدار ظهره لها وتوجه للنافذة ينظر بتوه للمحيط الخارجي مردداً : الباسمة لا يستطيع أحد إجبارها على فعل لا تريده
: ذلك في الظروف الطبيعية يا أخي ..
أدار لها وجه بضيق : ماذا تقصدي هل تلمحي لإعاقتها
أجابته بصدمة من قوله : بالطبع لا ..أنا أتحدث عن مرض عمي ..
ثم صمتت دقيقة تفكر : لا أدري ما أصاب بسمة اليوم أصبحت أكثر هدوء وعينيها لا تفارق عمي حتى انها أخذت عطلة بالرغم من صعوبة ذلك كونها حديثة النقل للمدرسة ... أنا أخاف عليها يا أخي وعلى صحة قرارتها ولا أريدها أن تعاود الخوض بتجربة تكون فاشلة مثل التجربة السابقة التي سرقت ثلاث أعوام من عمرها
مرر يده على رأسه بتنهيدة : ولكنها بالنهاية استفاقت لنفسها ولم تتنازل
أجابته بامتعاض : بالطبع لكن تلك المرة ضغوط عمي أكبر ولم تستطع أن ترفض وأنا أكاد أجزم إنه يساومها على تقبل العلاج مقابل أن تستقبل العريس وأمه
: ولما إصراره هذه المرة
: لأن الطبيب أمجد من وجهة نظر عمي الأنسب
أجابها بعنف بينما أستحضرت ذاكرته نظرات ذلك الأحمق لها :ماذا..
نظرت له بتوجس : ألم تكن تعلم
أجابها غاضباً : لا ..
أقتربت تهمس له وهي تتلفت حولها :الغريب أن أمي بمجرد معرفتها بالأمر أتصلت بأمه بعد أن أخذت رقم الهاتف من الطبيب وحادثاتها أمس وتخيل بعد تلك المحادثة جاءت المرأة بابنها اليوم لكن الغريب بالأمر ما رأيته منها
ضيق بين عينه بتوجس : ماذا تقصدي
: هذه المرأة أم أمجد لم تنظر لبسمة أو تحدثها مرة واحدة بل كلامها كله عن شقة عمي هنا وبالعاصمة حتى إنها كانت تريد أن تعاين الشقة وتضع شروط بالأثاث وغرفتها التي ستأسسها حتى تقيم فيها كلما زارتهم ..أنا أعلم يا أخي إنه من بلدة مجاورة وإنه رقيق الحال لكن ليس لهذه الدرجة أليس كذلك
كان تركيزه بعيد عن رباب ولكنه لم يكن بعيداً تماما عن ما يدور بشقة عمه قلبه يحدثه أن كل ما يحدث من تدبير أمه لكن لما ..لا يدري... حتى إنها لم تخبره بقدوم أمجد هل كانت تقصد مثلاً
أخذ يغمغم وهو يحرك براحتي يديه على رأسه : لماذا يا أمي ..بما تفكري
قاطع تفكيره قول رباب : هارون أريد أن أصعد أجلب هذه المرأة من شعرها دحرجة للشارع هل حينها تستطيع هذه السيدة أن تقدم شكوى ضدي
يضحك هارون بسخرية وبتنهيدة : بل حينها سنتأكد إنك مريضة وتستحقين عن جدارة مكان مريح بمصحة الأمراض العقلية
رباب برقتها الساحرة : أخي أنا خائفة على بسمة فهي لا تستحق ذلك يكفيها القلق على عمي الذي سرق النوم من عينيها
هارون بتنهيدة : لا تخشي على الباسمة أنا واثق إنها ستتغلب على المشكلة كالعادة ..
ترفع رأسها لتنظر لأخيها الذي يفوقها طولاً : هل تعلم إنك الوحيد بعد عمي الذي يقول الباسمة دون تصغير
:أليس أسمها
: نعم ولكنه ثقيل وطويل بينما بسمة
يقاطعها ضارباً بيده بخفة على مؤخرة رأسها : تريدين أن تساوي بين الباسمة وبسمة
تضيق بين عينيها بتفكير :ولكني أظن أن بسمة أجمل
يضحك بشجن ثم يتجه للنافذة الصغيرة التي تطل على الصفصافه التي عمرها من عمر صاحبتها : بسمة هي اسم على كل شفاة أما الباسمة فهو خاص بها فقط ..كانت أمل وبهجة لكل من حولها دخلت حياة عمي وخالتي أمال فتغيرت أحوالهم وأصبح لحياتهم معنى ولياليهم الكئيبة تحولت للفرحة ..
الأسم الذي ظلت محتفظة بكل معانيه ومنحته برضا لكل من حولها فتمس قلبك وتخترقه... عندما تنظري لوجهها ببسمته التي تزين ثغرها معلنه ثقتها بنفسها مهما كنتِ محبطة أو غاضبة يذهب غضبك أدراج الرياح مقتدية بها و فوراً تشهدي بإنه مادام مثلها موجود أن الحياة بخير .. وأن هناك أمل
ثم صمت قليلاً تاركا عيينه تتبع اهتزاز الأوراق بفعل الرياح محاولاً فك طلاسم دقات قلبه التي تبدلت فقط من مجرد كلمات توصفها ولم توفيها
وقفت رباب وهي مبهورة كلياً بنبرة صوت هارون
وبهدوء شديد تخشى خدش فقاعة حالمة نادرة الحدوث لأخوها
: حتى الأن
انتبه هارون ودار فجأة ينظر لأخته بتشوش : نعم ماذا قلتِ
اقتربت منه ضاحكة وهي تربت على صدره موضع قلبه : حتى الأن النظر لوجهها يمنحك أمل بالحياة
هز رأسه بهدوء يستوعب كلماتها ثم فجأة تركها لخارج الغرفة
: أين تذهب يا هارون
ضحك بمرح وهو يجري لشقة عمه : تعالي ستحبي ما سأفعله
دخل لشقة عمه وسلم على الجميع ثم أمجد وهو يعصر على يده بقبضة قوية جلبت الألم ليد الأخر وهو يأن بصوت خافت ثم جلس بجانبه دون الالتفات لأم الطبيب وأمه وكأنه يعاقبهم على شيء لا يفهمه قلبه..
بينما اعتماد شعرت بالقلق من عودته المبكرة من عمله بالرغم من حرصها على إخفاء الأمر عنه وكانت تريد إنهاء كل شيء... تريد أن تبعدها عن ابنها فسكون هارون المريب من لحظة معرفته بمرض عمه القريب من قلبه أصابتها بالخوف ... فقد ترك سهراته مع أصدقائه وسفره الأسبوعي لهم ومعظم الوقت يشارك أبيه والباسمة برعاية حسن ..
ثم تنهدت وهي تعدل حجابها وتبتسم بوجه أم أمجد بتوتر وهي تصبر نفسها أن اليوم كل شيء سيعود لوضعه الطبيعي و ستزوج الباسمة للطبيب فبمجرد ما سمعت رغبته بها حتى سارعت بالتواصل مع أمه وجذبها بكل الطرق لاتمام الزيجة حتى إنها كادت تسمع الترجي بلسان السيدة بعد أن عرفتها على إمتلاك الباسمة للمال والراتب الوظيفي وشقتين إحدهما هنا والأخرى بالعاصمة أي انها عروس كاملة حتى لو ينقصها حاسة السمع ..
قاطع أفكارها صوت هارون القوي
: أعتذر لأني تأخرت ..
ثم نظر لوالده
: أين عمي
: إنه بغرفته شعر ببعض التوعك
همس بخفوت : شفاه الله وعافاه ..
ثم لمح بطرف عينه الباسمه تحمل صينية بها أكواب القهوة الساخنة فمد ساقه للحظة فاختل توازنها فوقف سريعاً ليساعدها قبل ان تسقط وهو يزيح الصينية من يدها بصورة مبالغ فيها ناحية امجد لتقع كل محتواياتها من أقداح القهوة الساخنة عليه.. لينتفض من حرارتها وأم أمجد برعب تساعده برفع بنطاله بعيداً عن جسده محاولة لتخفيف حرارتها عن ابنها وليزيد الأمر سوء برسالة واضحة لإهانته ورفضه يحمل هارون قارورة ماء مثلجة كحل سريع ويغرق بها العريس من رأسه حتى قدمية .. تحت أنظار والده المتفكهة وغضب وإحمرار وجه اعتماد التي وقفت تساعد الطبيب وأمه ...
بينما هارون يعود لمكانه واضعاً ساق على الأخرى شاغلاً نفسه بهاتفه وكأنه لم يفعل شيء ويلمح الباسمة التي تملكها الضحك تجري لغرفة عمه...
لتجده كأنه بانتظارها
يتكئ على فراشه مغمض العينين وبمجرد دخولها : ما رأيك
إقتربت منه وهي تضع يدها على جبينه بأناملها الباردة : كيف حالك الأن ..هل أصبحت أفضل
أزاح يدها برفق وهو يجلسها بجانبه ويفتح عينيه : الحمد لله ..اجيبي على سؤالي
همست له : أنت تعرف رأي
مرر يده على ظهرها بهدوء : ابنتي الغالية هذه المرة لا أوافقك الرأي أبداً ...
أمجد شاب له مستقبل وإن كان على أمه فاتستطيعي بسهولة ان تسايريها
أمالت شفتيها ببسمه ساخرة : نعم مثل ما استطاعت أمي أن تساير جدتي
عنفها حسن : لا تكوني وقحة
نظرت له برفق : أبي نفس هذا الطريق مشينا فيه سابقاً حتى انتهى بي الأمر أن أخسر من عمري ثلاثة أعوام مع أحمد فلا تعيدها أرجوك .. لماذا تعتقد إني بحاجة إلى خانة ذكوريه تلي اسمي كأن يقولوا زوجة فلان ..أنا انسانه تعودت أن تكون مسئولة عن قرارتها ولي عملي الخاص لماذا تريد وضعي بخانة قليلات الحيلة ..لماذا
: لأن مخك أصغر من أن يدرك إنكِ ستكوني مطمع لكل رجل دنئ ..
لن تفعلي بي ذلك أنا أعرفك لن تجعليني أفارق الدنيا وبقلبي حرقة عليكِ
أدمعت عينيها وهي تبلع غصه عند ذكره الموت هكذا بكل بساطه أمامها : ما كنت اعتقد بحياتي إنك ستجعلني أوافق على زوج أنت نفسك ترفضه ..
أبي انظر لي ..إنها أنا
: ولأني أعرفك اكثر من أي أحد واعرف كم أنتِ هشة من داخلك أفعل ما أفعله..لا تخدعني ثقتك ولا بسمتك التي تقابلي بها الناس
عقدت ما بين حاجبيها : لأني أمامك أظهر ما بقلبي ولا ارتدي قناع القوة .... ألم تكن دائماً تشجعني أن أكون معك واضحة مفهومة بدون أقنعة
أغمض عينيه بتعب : أقبلي بالطبيب أمجد
: ليس قبل أن تبدأ بالعلاج الإشعاعي كما نبه الطبيب
يمسك رأسه بكلتا يديه : ناوليني الحبوب المسكنة
ناولته العلاج المسكن سريعا ثم همست ببكاء : أبي
أغمض عينيه وأراح رأسه للخلف وبهدوء : لا تخافي حبيبتي ..سأصبح افضل بعد قليل أتركيني وحدي
يريدها أن تخرج حتى لا تراه بنوبة صداعه الفتاك الذي يكاد من قوته يسكت قلبه
ظلت تبكي بصمت جانبه حتى سمعت همسه
: هيا يا باسمتي
حينها قبلت يديه وجبينه ثم اندفعت لخارج الغرفة عندما لم تستطع كبت دموعها أكثر من ذلك لتصطدم بطريق اندفاعها بهارون الذي كان بطريقة للإطمئنان على عمه فأمسكها من كتفيها ليثبت أقدامها التي أصبحت هشة وهي تبكي بطريقة أربكته وألمته بنفس الوقت هامساً لها
: أرجوكِ إهدئي ..أرجوكِ
: ظلت واقفة بين يديه فترة حتى أفاقتها همساته المهدئة فوقفت باستقامة وابعدت نفسها بهدوء و تقابلت أعينهم بنظرة صمت وقلق من ناحيته وتفكير من ناحيتها وإدراك يعقبه تصميم فمسحت دموعها بظهر يديها وهي تتلفت حولها
: أين الجميع
: نزلوا مع أمجد ووالدته
همست : أفضل
ثم نظرت له قليلاً :هارون أريد محادثتك على انفراد
: بالطبع
مدت يدها بإشارة أن يتبعها لغرفة معيشة جانبية
: تفضل
جلس هارون على مقعد وبالمقابل جلست الباسمة ظلت فترة وهي تحاول ترتيب الكلام
فكانت تحت أنظاره مرة تهز رأسها ومرة تعدل حجابها ومرة تضع يديها على وجهها تداري وجهها الفاتن منه ..
لم يتحمل كل مظاهر القلق على وجهها فهتف بهدوء: باسمة أنا اسمعك يا ابنة عمي ..أرجوكِ تحدثي لقد توجست خيفة من هذا الصمت..
لم تستطع أن تنطقها ولكن يدها أرادت المساعدة فانطلقت تشير له وهي تذم شفتيها بصراع بينهما فلا تستطيع ترجمة ما تخبره بها يديها ..كيف تقولها وهل بعد قولها ستكون قادرة على النظر بعينه أم ستريد بعدها ان تنشق الأرض لتبتلعها كما تبتلعها أحزانها الأن بسبب مرض والدها ...
فوجئ بها تتحدث بطلاقة ولكن بلغة الاشارة وكأنها تلبسها جني تحرك أصابعها بحركات منظمة شديدة الرقة وكأنها تقود اوركسترا عالمية دون ان تخطئ في النوتة هكذا حتى استيقظ من تمعنه بأصابعها إنه لا يستطيع فهمها فأغمض عينه بصبر ثم فتحها واشتد ظهره بحمائية لابنة عمه ونطق حروف اسمها بنبرة حانية ولكنها صارمة : الباسمة
اوقفها ندائه هكذا اسمها من بين ثغره يشعرها بالدفء والحماية فتوقفت عما تفعله وأنزلت يديها بحضنها ناظرة للأرض بخجل ..
فابتسم هارون يطمأنها : انظري لي و إهدئي
امر استجابت له فوراً و همست بتردد : ..اعتذر ..هارون أوعدني إن ما تسمعه مني الأن سيكون سرنا
ضرب على صدرة بكفه اليمين بحمائية ورد بقوة : أوعدك يا ابنة عمي .
: أبي يرفض العلاج
: أنا حاولت معه وأبي أيضاً لا أدري ما يفكر به
قاطعتة بإشارة من يدها : أنا أعلم .. يرفض العلاج نهائيا حتى يطمئن علي ..بالله عليك كيف يفعلها ويضعني بهذا المأذق ..انت يا هارون أملي الوحيد وأمل أبي في تلقي العلاج ..
:كيف ..
:اعرف ..ما سأطلبة في عرفنا جرأة ولكنة في عرفي انقاذ ..هارون أنا لن أقف مقيدة بعادات وتقاليد واترك أبي الذي أصيب فجأة بتحجر الرأي ..
ثم صمتت قليلاً تفكر بأبيها ناظرة لغرفتة المغلقة على أفكاره الجديدة
:لم أعد أعرفه ..كان يعطيني الحرية الكاملة في اتخاذ قراراتي ..
ثم نظرت لهارون الذي يعطيها كامل انتباهه
:هل تصدق يا ابن عمي انه كان سيوافق على عريس عنده ابناء اكبرهم بسني فقط لانه يريد الاطمئنان علي لولا عمي كان فعلها ..هل تصدق ان كل من يأتي للإطمئنان عليه يطلب منه أن يبحث لي عن عريس
عادت للأشارة بيدها و دموعها وشهقاتها منعتها من الإسترسال فترة تحت انظار هارون الغاضبة فأمسك بيدها التي تشير بها يحاول أن يجذب انتباها و تركيزها له فنظرت ليدها بين راحتي يديه الكبيرة كعصفور صغير مطمئن فرفعت نظرها لها فوجدته يحثها على المتابعة
فرفعت يديها تشير له بلغتها التي تعرفها وتعطيها الثقة وقت توترها يصاحبها تلك المرة ترجمتها :
سأقول لك الحل الذي توصلت له ..حل سيرضي أبي ويمنحني الوقت فيبدأ علاجه ويعود لي أبي الذي أعرفه والذي كان يشجعني أن أسير بالحياة معتمدة على نفسي ...
ثم توقف كل شيء وكانت فقط تسمع دقات قلبها برعب فأغلقت عينيها وأطلقت جملتها دفعة واحدة : أنا اطلب منك الزواج بي
ظل يتأملها فترة وعينه تدور عليها كأنها تتلمس الحقيقة ..حقيقة انها نطقت بطلبها الغريب من الزواج منه ...كثيرات أملن الإرتباط لكنه دائماً كان يملك القدرة على التملص والخداع ..وبالتدريب أصبح أكثر خبرة بالتخلص من الفتاة قبل أن تقدم على تلك الخطوة ...فبكثرة عشيقاته أصبح يحفظ المؤشرات ...الباسمة لم تكن عشيقة الباسمة ابنة عمه ... وابنة عمه لم يتخيل بحياته ان يساويها بهؤلاء ..
تبدل موضع عينيه عليها وحتى ملامحه التي تحولت بالتدريج من الطبيعي للشاحب للمحمر بشدة الأن صدمها ثم اخافها فانكمشت على نفسها تعدل طيات ثوبها الوهمية وحجابها الذي لم يفقد موضعه وشفتيها التي تبللها بلسانها ترطب جفافها عند تلك اللحظة وقف وهرول للخارج ...
تتبعته عين الباسمة التي توسعت من المفاجأة هاتفةً:
هرب
ظلت مكانها تشعر كأن روحها سحبت والغريب إنها تخيلتها أمامها تنظر لها من علو تعاتبها من موقعها بنظرات خزي وخجل تقتلها بالتدريج ..
تناقشها بهدوء كي تتفهمها
: صدقيني إنه كان الحل الأنسب ..هارون لم أخذه من زوجة أو من حب بالعكس فهو يهرب بعيداً عن أي تلميح بالزواج والاستقرار وأيضاً كان يكاد يشعرني إني صديقه بالمعنى الحرفي ..فهو لم يوهمني يوماً إنه ينظر لي كأنثى جميلة حتى فلماذا لا يقف الصديق مع صديقه لن أقول من أجل عمه ..
هل تنازلت ..هل سينظر لي الأن إني فتاة فقدت حيائها ..
بل هل قللت من فرصتي معه ان يحبني يوماً
لترد عليها روحها التي فقدتها: لقد تنازلتِ
والتنازل يبدأ بخطوة وأنتِ قطعت به أشواط ....
الفصل الخامس والسادس
بقلم روتيلا حسان
.
.
بينهم ولكنه كان بعيد ..بعيد بما يفوق المائة كيلومتر المسافة بينه وبين ابنة عمه التي أخذته على حين غرة ..لم يستطع أن ينطق أمامها .. بل لم يستطع أن يتنفس هل هكذا يكون تأثير سقوط بناء على رأس إنسان والدفن تحت أنقاضه ..
خشيت أن تراني بتلك الصورة ..
ضعيف و أبداً لم أكن ضعيف ..
ولكنها أخافتني ..
نعم هارون الجبل الشامخ فزع من كلمة نطقتها ابنة العم
..زواج ..لا ..بل هي أربع حروف كحبل المشنقة تعكس كلمات تدور بذهني ..
زهق ..
وجع ..
اخفاق ....
جرح...
لا ..لم تعد جرح بل أصبحت جبن من إعادة التجربة
فكيف أصبحت هكذا أمامها ماذا تقول عن ابن عمها الأن..
هربت لأني رفضتها ..
وهل أنا أرفضها ...
ليتمتم صامتاً
وهل هناك من يرفض هذه الباسمة ..
ولكن لماذا حدث ذلك معي ..
هل لأنها هي من طلبت...
هل رجولتي لم تستوعب أن تطلب إمرأة أي كان من هي هذا الطلب حتى ولو على استحياء..
ولما شعرت بنفور إنها تطلب هذا الطلب بينما يمكني التركيز على اتضطرارها لذلك ...
وهل هذا ما يحزني إنها كانت متضطرة وخاصة أني أكاد أشعر إني كنت قاب قوسين أو أدنى من ...
من ماذا يا هارون وهل أنت أصبحت على استعداد لخوض التجربة مرة أخرى ...
ولما لا ..
وحينها أخرس الأفواه حولي وأحصل على الابناء الذين لا تكف أمي عن تذكيري بهم وبنفس الوقت لا أفقد حريتي الغالية فالباسمة لن تجرؤ على ذلك بعد طلبها الغريب ...
كان يغرق بتفكيره حتى إنه فقد الإنصات للضوضاء حوله بل فقد الإحساس بلمسات على صدره ثم انتقلت لوجهه بنعومة شديدة حتى اقتربت بوجهها ناحية شفتيه لتغتم عينيه بقربها ورائحة الياسمين تزكم أنفه فانتبه لها ليزيحها بعنف أسقطها أرضاً واندفع بإلقاء كلمات مهينه بحقها ثم وقف يتبعه صديقه حاتم
: ماذا حدث لك يا رجل لماذا فعلت ذلك إنها ياسمين وأنت تعرفها كيف هي جريئة ويتمنى كل من بالمكان وصالها ولكنها اختارتك
أمسك مقبض الباب يعتصره بيده وبحدة : أنت تعلم أني لا أقع في تلك العلاقات و أقصى ما أقوم به هو مكالمات هاتفية أو جلسة لطيفة لا أتخطى فيها الحدود أما الياسمين فهي بالكثير تفوح منها رائحة القذارة بكثرة أصدقائها الحميمين
: إهدئ فقط وأخبرني إلى أين أنت ذاهب
فتح الباب : سأعود ..عمي بحاجتي
خرج وهو يردد الكلمة التي أقتنع بها
: عمي الطيب بحاجتي ...
وهمس قلبه : والباسمة أيضاً
وعندها لم تنتبه على الوقت الذي يمر.. تكاد تذوب داخلها خجلاً .. ألهت نفسها ظاهرياً أمام أباها بدفاتر لتحضير مادتها الأثيرة لعودتها المتضطرة بانتهاء عطلتها بينما أبيها صاحب عمها للمسجد القريب ليصلي المغرب ويظل به حتى صلاة العشاء ..
وبمجرد أن تخطت قدميه باب شقتهم حتى تركت ما بيدها وأخذت تجول بالمكان وهي تحدث نفسها تارة وتوبخ نفسها تارة أخرى... تحاول ان تجد لنفسها مخرج لمشكلتها التي أوقعت نفسها بها ..
وضعت يديها على وجهها
: ماذا أفعل كيف سأقابله بل كيف سأعود كما كنت معه ابنة عم وأخت
يا ألهي كيف جَرؤت ... كيف خرجت تلك الكلمات من فمي..
وأه من كلمات أسقطتني من عليائي وقودت اعتزازي بنفسي ..
يا رب ساعدني ..
وبينما كانت بأفكارها تحاول الخروج من معضلتها كان هارون بسيارته يحاول أن يفعل العكس كيف يدير الأمر بصورة ترضي غروره الذكوري فهو بالنهاية لابد وأن يرضي نفسه ويقدم على تلك الخطوة بطريقته ..وبطريقة لا تدع ابنة عمه تعتقد للحظه إنها أرغمته على القبول بها فهذه الزيجة لابد وأن تنجح ..فهو ارتباط شرعي وعائلي لا فكاك منه
وهو بغمرة أفكاره جاءه هاتف من صديقه حاتم هاتفاً لمسامعه : الحمدلله إنك ذهبت بالوقت المناسب.. الله يرضى عليه عمك
هارون عاقداً جبينه :ماذا هل جننت
حاتم وهو ينهت : لا والله لم أجن ولكن لو تدري ماذا حدث لقد حاولت اللحاق بك ولكني لم أجدك فظللت مكاني بالشارع للحظة... فقط يا صديقي للحظة لأجد الشرطة تهجم على العقار بسبب وشاية أحد الجيران الذي انزعج من الأصوات العالية التي نخلفها وبلحظة كل من بالشقة كان بسيارة الشرطة ... إنها قضية كبيرة كان سيضيع اسمك واسمي بالوزارة ..الحمد لله
ليرددها خلفه الذي أوقف السيارة جانباً فأغلق الهاتف ونزل منها راكعاً بالأرض ركعتي شكر ثم عاد لها وجلس مغمض العينين يفكر بتسلسل الأحداث ليدرك إنها هي كالعادة سبب سعادة من حولها بتلقائيتها ودون تدبير... ليعمل على تشغيل المحرك والإنطلاق سريعاً لوجهته التي يعرفها يقيناً....
لم يتزحزح من مكانه بالسيارة منذ وصوله ينتظر صلاة الفجر فيبدأ بتنفيذ فكرته وكل حين يرفع رأسه فيلمح خيالها بين حرير الستائر الذي يغطي نافذة غرفتها
يشعر بتململها ..بماذا تفكر
هل تريد يا ابن العم أن تعرف بماذا أفكر...
ببساطه لا أفكر بسوى أن أنزل كي أخرجك من تلك السيارة التي تنزوي داخلها ..أريد أن امنحك الحرية وأقول لك إنه كانت لحظة ضعف مني وإنك برئ من غباء ابنة عمك ...وإنها ستريح الجميع وتوافق على أمجد بشرط إن يبدأ والدها بالمواظبه على العلاج فالتأخير ليس من مصلحته ..
وفي غمرة أفكارهم صدح نداء الحق لتبدأ الأعين والعقول الغافلة في الصحو ملبين النداء ..
......
كان يتكئ على فراشه مريحاً رأسه للخلف من بعد صلاة الفجر بعد أن أصر ابن أخوه أن يوصله له بنفسه مغلقاً الباب عليهماً..يرى تراقص الكلمات بعينيه وأيضاً يرى التردد والقلق ليغمض عينه براحة لثانية بعد طلبه الصريح الزواج من الباسمة .. ويفتحها وهو عاقد جبينه
: طلبتها من أجلي يا هارون
نظر له هارون فاقداً القدرة على الرد وعينيه تدور بمحجريهما تبلغ الأب بتردده
تنهد الأب : لا أوافق
استفاق هارون من غفلته منتفضاً من مكانه و بحدة لم يستطع كبتها : هل تفضل ان تعطيها للغريب
: نعم
: ما هذا المنطق يا عمي
حسن بتنهيدة : الغريب إذا أساء لها وقفت بالمحاكم وأخذت حقها ..ووقفت أنت بجانبها يا ابن عمها ..لكن أنت لو أساءت لها يا ابن أخي من سيقف بجوارها
فلذا فجوابي علي طلبك لا
ليرد بغضب : وأنا لا أريد الباسمة لأحد سواي ..
ثم يهدأ وجلس يردد هامساً حتى لا يكاد يسمع نفسه
:انا لا أرى الباسمة مع أحد سواي...أنا حتى لا أعرف كيف كنت غافل عن إنها كانت مخطوبة وعلى وشك الزواج ..
ثم نظر لعمه بضعف
:يا عمي
كاد يقول ساعدني ولكن نظرة عمه القوية له وكأنها أيقظته من حديثه الهامس مع نفسه
ليدرك إنه إذا أراد موافقة عمه لابد وأن يكون صادق مع نفسه أولا ليتمتم :
عمي أنني كنت لا أفكر بالزواج بعد تجربتي الأولى كما تعلم ..ولكن حالياً أصبح الموضوع يراوضني والحقيقة أن ابنة عمي هي أنسب زوجة لي .. كل الذي أطلبة منك أن توافق على منحي هذا الشرف .. و حق ابنة عمي ستأخذه مني بيدي إذا جاء يوم مستحيل وتجرأت وأذيتها ..
أمسك حسن يد ابن أخوه وهو يشد عليها براحة تملكته : هل توعدني
يقبل هارون يدي العم ثم جبينه وجلس بهدوء وعزيمة : أوعدك ..الباسمة حقها عندي محفوظ ..
عاد حسن ليتكئ وبابتسامه راضية : توكلنا على الله ..انتظرك تأتي بوالديك لتطلبها كما يجب وحتى ذلك الوقت أنت أخيها الكبير وابن عمها الذي سيظل سند لها حتى لو لم نقبل بك يا ابن اعتماد ..
وكأنه قصد وهو قاصد يذكره بأمه التي يتوقع اعتراضها فنظرته المتلاعبه تجعله يدرك ذلك
ابتسم حسن بهدوء عندما أدرك أن رسالته وصلت : هيا أذهب لتوصلها لعملها
خرج هارون من غرفة عمه لتقابل عينيه الباسمة خارجاً تضع حقيبتها أرضاً وتجلس واضعه ساقاً على الأخرى لكنه لم يكن غافلا عن حمرة وجهها الواضحة ومحاولتها الثبات أمامه
: أخيراً انهيت مباحثاتك الهامة والسرية مع أبي
:نعم
: جيد ..لأني لدي أيضا ما أخبرك به ..ما حدث أمس كانت لحظة ضعف بسبب ظروف أبي والحمد لله استفقت منها .. اليوم بعد عودتي من العمل سأبلغ أبي بموافقتي على أمجد ..
أقترب منها وهو يشدها من عضديها بعنف لتستقيم أمامه فتلحفها انفاسه الغاضبة : نعم ..اتريني لعبة و أيضاً تتجرأي على ذكر اسم ذلك الأبله أمامي
أزاحت يديه وهي تفرك موضع اصابعه التي ألمتها : ما بك هل فقدت عقلك ..أنا أوضح لك خطواتي القادمة فأنا لن أنتظر حتى أفقد أبي ولقد فكرت جيداً فأنت بالأول والأخير ابن عمي واخي ولا أريد أن أورطك ...
عقد هارون ذراعيه أمامه مقاطعاً لها : و زوجك
فاجأتها الكلمه لتصمتها هنية : نعم ..ماذا قلت
كان وقوفه أمامها بتلك اللحظة بثبات هو أكثر مجهود قد بذله لضبط النفس ..فالباسمة بكلها الأن أصبحت له ونظرته الحياديه سابقاً فقدها كلياً لتظهر مشاعر ودقات قلب صريحة المعاني عينيه كانت تجوبها بشوق جديد من رأسها بحجابها الوردي لونها المفضل والذي يغطي بإحكام شعرها الليلي والذي يعرفه جيداً والذي يشبه بلونه رموشها التي تكحل عينيها البنية التي تشبه عينه و أما خديها اللذان يشتعلان خجلاً من نظراته مع سمرتها المحببة فهي شهية كحبتي دراق ناضجة بألوانه ما بين الذهبي والأحمر الناري ..وتجرأت عينه للنظر بمنحنيات جسمها الطويل والذي يشبه أجسام ملكات الجمال ووقفتها الواثقة أمامه بالرغم من ذلك فهي لن تستطيع إخفاء قلقها وخجلها الواضح بتمرير لسانها لتبلل شفتيها التي فيما يبدو قد نالت من جفاف حلقها الذي تحاول أن تجليه بنحنحة خفيفة كل حين..أما القوام الرفيع فغطته بقميص متعدد الألوان يغلبه الوردي و نوعاً قصير مع سروال أسود ..
لينال منه الغضب ليهتف بحدة : لا ترتدي بنطال مرة أخرى
صدمتها كلماته لتستعيد ثباتها الظاهري مرددة : إنه الأنسب بعملي مع الأطفال
: سمعتِ ما قلت لا ترتدي بنطال و إن كان ولابد ارتديه يعلوه قميص طويل
ثم تحرك من أمامها للخروج
: هيا سنتحدث بالطريق
حملت حقيبتها بتوهة تتبع خطواته الواثقة بإحساس غريب يمتزج فيه الخجل من طلبها بالخوف من فقدها لنفسها الواثقة أمام شخصية هارون العاكسة لمعنى اسمه..
......
بالسيارة لم ينتظر كثيراً
: لقد أخذت مباركة عمي على زواجنا ...
نظرت له بتمعن ومشاعر حزينة نطقت بها حروفها : أنا أعتذر منك يا هارون لأني وضعتك بهذا المأزق ولكن أوعدك إنه أمر مؤقت قد نطيل الخطبة قليلاً وبعد أن يشرع أبي في بدء العلاج نفضها قائليين مثلاً إننا لا نرى أنفسنا سوى أخوة ..
قبض على مقود السيارة بكلتا يديه بعنف بين : هل انتهيتِ
نظرت له بحيرة : نعم
تنحنح يبلع غضبه : جيد فأنا أريدك ألا تقاطعيني أبدا عندما أتحدث ..
ما تخيلتي إنك بدأتيه وبيدك أن تنهيه فهو اسمه زواج ...
وليس أي زواج فهو زواج من ابن عمك ...الذي لو تخيلتي للحظة إنه يتركك حسب كلامك لأسباب لا يراها مجتمعنا الصغير بالقرية ذات أي أهمية بل بالعكس سيضحكوا قطعاّ على بنت المدينة التي تتخيل إنه أمر يمكن العبث به
أنتِ بدأت الأمر.. جيد لديكِ كل الحق لقول ذلك.. ولكن ما سأقولة الأن هو ما ستضعيه برأسك
أنا طلبت الاقتران بكِ بصورة رسمية من عمي وأعطاني كلمة وأنا أعطيته وعدي بأن أصونك وأحرص على سعادتك ..هل تعتقدي عندما أضع يدي بيد أب وبالمناسبة هذا الأب هو عمي سيكون اتفاق صوري مثلاً
نطقت بحروف حاولت أن تكون قوية ولكنها كانت مهتزة بوضوح : هذا ما كنت اعرضه عليك..
نفث وهو يحاول ضبط نبرة صوته الغاضبة منها ومن تفكيرها الذي أصبح يغيظه فهي تنظر له كحل مؤقت ومع ذلك خرج قوياً : أنا قلت لا تقاطعيني ..
ثم هدئ من نبرة صوته التي غافلتها فانكمشت بعيداً بوضوح وهي تضم يديها بقبضة قوية ناحية صدرها بفعلتها المتكررة
: باسمة ...أعتذر لم أقصد إخافتك لكن أريدك ان تفهميني يا ابنة عمي تُخطئي إذا اعتقدتي اني سأتزوجك صوريا ..زواجنا سيكون صحيح الأركان شرعاً وقانوناً ..لابد أن تعيدي التفكير جيداً... فمن طلبتي منه هذا الطلب هو هارون ..ومن سيلبي هذا الطلب فهو أيضا هارون الذي لا يقع تحت طائلة الضغط من اي أحد حتى ابنة عمي المكلومة بمرض أبيها ..لا تجعليني أكررها مرة أخرى ..
ردت بحرج هامسة : هذا لم يكن رأيك بالأمس
: هل كنتِ تتوقعي أن ألبي طلبك فوراً كأي طلب عادي كأن أحضر لكِ شيء من السوق مثلاً ..كنت لابد وأن أخذ وقتي بالتفكير ..وأعود أذكرك إنه زواج هل تفهمي هذه الكلمة يا باسمة
كادت أن تصيبها سكته قلبيه من تصريحاته بأنه يريده زواج صحيح الأركان فبداخلها يقين إنها أجبرته فنظرت له بضعف وخجل أحمرت له وجهها وهي تستخدم لغة الإشارة وبكلمات خرجت ثقيلة أصابته بمقتل : هارون أنا لا استطيع تخيل أني أرغمتك على الزواج وهو قرار كنت بعيد عنه بأميال
: غير صحيح
: بل صحيح أنت بعد انفصالك عن نجلاء أخرجت فكرة الزواج من تفكيرك وهو أمر كنا نعلم به جميعاً و ..
يقاطعها هارون بنفاذ صبر ظهر بوضوح بصوته الصارم : سأقولها لك لأخر مرة هارون العابد لا يؤمر فيأتمر ..هارون العابد تعود أن يعيش حياته بخطوات مدروسة ولست أفكار وليدة اللحظة ...
ثم صمت قليلاً يأخذ أنفاس تعيد لدقات قلبه اتزانها فهمس يمازحها : ثم يا ابنة عمي لا تجعليني أشعر أني غير جدير بك ام تريني كذلك ..
ماذا هل تعتقد ذلك إنني أكاد أشعر إني بحُلم لا أريد الإفاقة منه فأشارت بخجل جلي بلا طبعاً
فهمس مائلاً رأسه قليلا بابتسامه شقت طريقه منه إليها : لم أسمع ..فكما تري عيني على الطريق ولا أشاهد إشارتك
فنظرت ليديها التي جمعتهم بقبضة واحدة تحاول نطق الحروف بهمس خجل : بالطبع لا..
ضحك هارون : الحمد لله لقد بدأت أشك بنفسي ...والأن أريد وعداً منكِ أن تنسي تماماً طلبك السابق وتتذكري فقط إني طلبت اليوم من عمي الارتباط بك وهو وافق وانتظر منك الموافقة ومساعدتي مستقبلا بإنجاح هذا الزواج ..
هل سمعتي يا ابنة عمي و زوجة المستقبل القريب
وكأنه لفظ أعاد الحيوية لكلاهما لينظر أمامه بتركيز يقاوم النظر لها فدقات قلبه لم يعد يستطيع التحكم بها ولكنه سيتمهل معها ...
فأولاً تمنحني مقومات الثقة بها ثم أمنحها احتوائي وحبي المطلق ..نعم هكذا هو الأمر ببساطة ..
بطرف عينه نظر لها ثم أعاد عينه للطريق وهو يردد لنفسه
أنها تستحق ثقتي بها ابنة العم لن تخدع أو ....تخون
أما هي فهي أشاحت بوجهها للنافذة لا تنظر لشيء سوى لحقيقة كأنها مكتوبة بالخط العريض على صفحة السماء
أصبحت له ...
ترك الباسمة بالمدرسة وعاد لحربه الصغيرة مع أمه فوجدها بنقاش حامي مع أبيه وصوتهم عالي
: السلام عليكم
نظروا له مرددين السلام ثم هتفت أمه : هل رأيت يا هارون ما يفعله أبيك
يضحك هارون لوالدة الذي كان يضرب كف بكف ويجلس مقابلهم في حين اتخذوا هم من أريكة واسعة مجلس لهم
: خير يا أبا هارون لماذا أحزنت مليكتنا المتوجة وأجمل نساء الكون
تميل بفمها بامتعاض وهي تعقد ذراعيها على صدرها بينما رجليها لا تصلان للارض : أخبره ناكر الجميل كان لا يملك قرش و مع ذلك وافقت عليه وأنا التي كان يطلب وصالي أكابر القرية
يغمغم علي : وليتك رفضتيني
تضيق بين عينيها : ماذا قلت
اقترب منها حاضناً كتفيها ومقربها منه : قلت يا أم الغوالي لقد فزت دنيا وأخرة برضاكي
فتبتسم اعتماد بخجل وهي تضربه على صدره بلطف : بل أنا التي فازت يا أبا هارون
انطلقت ضحكات هارون مجلجلة حتى أدمعت عيناه : بالله عليكم لقد تهت منكما أريد أن أفهم هل تريدان من يفض خلافكم أم وصالكم
وكأنها تذكرت فاندفعت بغضب وهي تزيح زوجها بعنف : هشام ابن خالتك بعد أن كان يريد خطبه لعام حتى يؤسس شقته فجأة أتى له عقد عمل بإحدى الدول العربية ويريد الزواج مباشرة وابيك وافق تخيل
أدار هارون رأسه يبحث عن رباب : وأين صاحبة الشأن
: عديمة التربية وافقت أبيها وهرولت على غرفتها تحتمي بها
يبتسم هارون بهدوء محاولاً امتصاص غضب أمه متذكراً غضبه المكتوم يوم سهرة الشواء واعتقاده أن هشام كان يمازح عمه رغبة في الباسمة وكيف كان هو أول المباركين على رغبته بأخته ليخرج من أفكارة على صوت امه : وما رأيك أنت
:أولاً أريدك أن تهدئي حتى لا يرتفع ضغطك كالعادة فصحتك عندنا أهم من كل شيء يدور حولنا أما رأي فببساطة هشام ابن خالتي نعرفه جيداً فما الداعي بإطالة الخطبة وخاصة أن صاحبة الشأن وولي أمرها لا مانع لديهم
ردت عليه بحزن : كنت أريدها تفرح بيوم للخطبة يدللها بها خطيبها ثم يوم لعقد القران ثم نأخذ وقتنا بالتجهيز لها بما يليق بفرحتي لابنتي الوحيدة ..حتى شقته ليست جاهزة وهو يريد أن يجهز غرفة نوم بشقة أمه حتى يعود من الغربة فيؤسس شقته ..
كيف أسمح لها بالزواج هكذا بحياة مشتركة مع حماتها
:يا أمي حماتها هي أختك
: حتى ولو أختي أنا اشترطت عليها من البداية الحياة المنفصلة لابنتي وهي وافقت ..يسافر وعندما يجهز شقته يأتي وحينها نعطيه ابنتنا
تدخل علي بغضب : وأنا أعطيته كلمة ولن أرجع بها
: ولكن...
: لن تكسري كلمتي
تدخل هارون لتلطيف غضب والده الجديد على والدته : ومتي سفر هشام
: بعد أسبوعين ..
ذهب هارون لأمه و قبل رأسها : أسبوعان يا أمي من الفرح إن شاء الله حققي فيهم كل ما تتمنيه .. ثم رباب ستكون سعيدة أليس سعادتها تلك هي كل ما تتمنيه لها وأغلى من كل الحفلات عندك ..
تمسح اعتماد دموعها : نعم ..ولكنها ابنتي الوحيدة كنت أحلم من يوم مولدها بهذا اليوم ..وأنت بني لا تريد أن تريح قلبي وتفكر بالزواج ألن تفرح قلبي بزواجك أيضاً فتعوضني بزوجتك عن غياب أختك ..
تنحنح هارون وهو يستقيم ناظراً لأبيه بابتسامه : قريباً جداً
قفزت اعتماد من مكانها وهي تمسح دموعها بكلتا يديها : والله ..هل قررت
:نعم
كادت أن تهرول باتجاة الهاتف :سأخبر إحسان حالاً ..سيكون يوم زواج أختك هو نفسه يوم عقد قرانك على ليلى
: ليست ليلى
وقفت مكانها ثم أدارت وجهها له بينما وقف علي عاقدا جبينه بتفكير : من إذن
: الباسمة
فقط الباسمة قالها ليجد نفسه بإحضان أبيه الذي غشيت عينيه دموع فرح بينما اعتماد سقطت جالسة على الأريكة خلفها تضرب بيديها على صدرها ثم فخذيها ضربات خفيفة أولاً ثم ضربات عنيفة جذبت أنظار هارون وأبيه لها
: الباسمة ... الباسمة يا هارون ..تصوم تصوم ثم تفطر على بصلة ..هل هذا تحقيقك لأمنياتي تكسر فرحتي وتغضب أختي مني ..ماذا أقول لها.. هل أقول يا أختي بعد أن جعلتك تنتظري سنتين يأتي ابني ويرفض ابنتك ويأخذ الصماء
: إخرسي يا إمرأة إخرسي لا أريد أن أسمع صوتك ولا أن أراكي حتى ..
ثم وجه نظره لابنه : وأنت يا هارون لم أطلب منك سابقا الارتباط بالباسمة ولكن أقولها لك الأن أمام أمك أنا راضي وقلبي راضي عليك يا ابني ..الباسمة من كنت أدعو الله بكل صلاة أن يوفقك للتفكير بها ..والحمد لله الذي جعلني أرى هذا اليوم ..الحمدلله ..سأذهب لأخي
خرج علي مهرولاً يكابد لمنع تساقط الدموع من عينيه ..بينما اعتماد المبهوته من هجومه لم تتوقف دموعها عن الهطول ليجلس هارون بجانبها هامساً لها بكلمات يحاول بها أن يقتنص رضاها ولو كان هو نفسه غير مقتنع بها
: لا تحزني حبيبتي ..الباسمة مناسبة لي من عدة جوانب أهمها العمر..كما أنه أمر سيريح عمي المريض ويجعله يبدأ بخطوات علاجه والذي نعلم جميعاً إنه يؤجلها خوفاً أن جسده لن يستطع تحملها فيترك الباسمة وحدها ألم تكوني تفكري بذلك وأنت تساعديه في جلب عريس مناسب لها ..أنا أمامك أليس مناسب
تبتسم اعتماد بسخرية وهي تمسح دموعها وبصوت مبحوح من البكاء : وهل تعتقد أنك بكلامك هذا تقنعني يا ابن قلبي ..فكل ما فعلته سابقاً كان لأبعدك عن تلك المصيدة
: اشتدت يد هارون بقبضة جانبه غيظاً مما كان يحاول أن يقنع نفسه بالعكس أن أمه لن تفعل ذلك حتى مع كل المؤشرات التي كان يراها
: أمي وإذا كانت سعادتي حالياً بالارتباط بها من أجل عمي وصحته هل سترفضي أن تكوني السبب في شفاء مريض ..
تقاطعه أمه وهي تنظر لعمق عينه : وهل هذه هي أسبابك
: طبعاً
: إن كان كذلك اعقد عليها وبعد فترة انفصلوا عندما نتطمئن على عمك
إحمر وجه هارون بغضب مكتوم بصدرة من مجرد سماعه للفكرة ليحدثها بصوت خافت وحاد : وهل ترتضيها بحق ابنة عمي أن يقول الناس عنها إن ابن عمها تركها بعد مدة صغيرة
: أي أنك لا توافق
: بالطبع أمي سمعة وشرف ابنة عمي
تقاطعه اعتماد : أصبح الحل الثاني هو ما ستوافق عليه
رد هارون بتوجس : وما هو
: الزواج بليلى أيضاً
يقف هارون بفزع : ماذا ..كيف تطلبي هذا الطلب مني وماذا يكون رأي عمي والناس بي عندما أفعل ذلك
تقف اعتماد أمامه عاقدة يديها على صدرها : إذا أردت موافقتي على بسمة ..توعدني الأن أن تتزوج من ليلى إذا مر ستة أشهر على زواجك منها دون أن تبشرني بحملها ..وإلا لن أكتفي برفضها أمامها وأمام عمك أيضا وأنا أجزم إنه حينها سيرفض ارتباطكم بل سأرفضها أمام كل من أراه يوم فرحك وقبله وبعده وحتى أخر يوم بعمري .. وأنت تعرفني جيداً وتعرف إنه لا يهمني أي أحد وأفعل أكثر من ذلك ..وحينها سنرى نظرة نساء قريتنا لها
بهت هارون أمام قسوة أمه التي يعرفها جيداً والتي توازي حنيتها وحبها الشديد له بطريقة تجعله أحيانا يصيبه الدهشة من كم التناقض بداخلها
ليطرق رأسه قليلا بتفكير عميق لم تخدشه واثقة إنه سيحقق ما تطلبه فسمعته كرجل شرطة وسمعة عائلته على المحك
هارون بمراوغة : ألم تفكري يا أمي أنه ربما يكون العيب مني وإني لا استطيع الإنجاب والدليل أن نجلاء أنجبت من زواجها الثاني
تضحك اعتماد عاليا حتى أصابت هارون بالتوجس: لازلت صغير يا هارون وهل إذا كنت كذلك كنت رشحت لك ليلى والتي انفصلت عن زوجها الأول لحبها في الأطفال
ضيق هارون عينيه بغضب مكتوم : متى عرفتِ
: بالرغم إني سأفاجئك إني لا أعرف كل شيئ ولكن على الأقل عرفت ما جعلها تترك كل حقوقها خوفاً من الفضيحة ..خوفاً من يعرف الناس أنها كانت تتعاطى حبوب منع الحمل حتى لا تنجب أطفال يربطوها بعلاقة أبدية معك حتى تستطيع أولاً تكوين حياة مستقلة بعيداً عن بيت العائلة الذي كانت ترفضه بشدة ..أليس كذلك ام أن طلاقك لها كان بسبب أخر
أغمض هارون عينيه بهدوء يكتم عواصف من الغضب بإطلاقها بوجه أمه
:موافق
: مبروك عليك زواجك بليلى بعد ستة أشهر ..
تركته مهرولةً لغرفتها دون أن يرى الإصرار الذي بزغ بشر من عينيها
بينما هو لا يدري لما وقف هكذا أمام أمه يوافقها على جنون الارتباط بليلى ..
وهو متى كان يريد إعادة تجربة الزواج ليقرر الزواج باثنتين بيوم واحد ..
لكن لماذا يا هارون تنازلت ولو بالقول فقط وأنت تعلم جيداً أن أمك مستحيل تقدم على أي فعل يسيء لك وأنك لم تكن ستسمح بأفعال تسيء للباسمة ..
أم هو عقاب متأخر لتلك ..
.
🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔴
الحلقة 6
.
.
: أخي ...لا تظلمها
استدار هارون ليواجه وجه رباب الباكي : نعم
: الباسمة لا تظلمها وترتبط بها إذا كنت ستجرحها
وقف أمامها بإرهاق واضح وهو يحرك يده على رأسه في محاولة للإفاقه لاستيعاب كلمات أخته : لا افهم ما تعني
: لقد سمعت شرط أمي بأن تتزوج ليلى مقابل موافقتها بارتباطك بالباسمة
الباسمة لا تستحق ذلك لا تستحق أبدا.... صدقني يا أخي أنت تعرفها أكثر مني وستعرفها أكثر عند زواجك بها ...
ليلى ابنة خالتي والباسمة ابنة عمي واحدة هي روحي والأخرى قلبي صدقني لو كان لدي أخين كنت لن أتوانى عن ضمهم الاثنتين لأسرتنا لكن دائما كنت سأفضل الباسمة لك
هي نصفك الثاني ...
ثم غطت وجهها بيديها وانخرطت في البكاء
فوضع هارون يديه برفق على كتفيها كي تهدأ :وهل هذا رأيك بأخيكِ ..هل هكذا تريني ندل وغير مؤتمن ..هل تفكري بداخلك أن أكون سبب بأذية ابنة عمي ..
جففت عينيها وبصوت مبحوح : لا والله
: إذا كان هذا رأيك فلما إعتقدتي أني سوف أفعل ذلك بالباسمة
: لكنك قلت لأمي ...
قاطعها بهدوء : قلت ولكن هل فعلت أو سوف أفعل ثم أنا فقط قلت ما قلت كي أكسب وقتاً معها ..إذا أراد الله والباسمة أصبحت حامل انتهى الأمر أما إذا العكس فلن أبقيها لحظة واحدة تحت رحمة كلمة لم أعنيها أبداً ..هل فهمتِ ..أنا لست وغد لهذه الدرجة ..
ثم أنا لا أقبل أن أخدع الباسمة ..لا أقبل ليس لأنها ابنة عمي بل لأنها ..
ثم صمت قليلا يبحث عن حروف الكلمة
: تحبها
نظر لها من علو وهمس : أحب مرافقتها و معاندتها وأعود مراهق في دفاعي عنها ومساندتها ..كل هذا وأكثر ألا يكفي
ابتسمت رباب لأخيها الكبير وهي تحرك حاجبيها هامسه لنفسها : إنه أكثر من الحب يا أخي
ضيق بين عينيه ناظراً لابتسامتها التي رأها بلهاء : ماذا
ترتمي رباب بحضن اخيها وهي تبكي فرحاً: اخي.. أخي ...أنا سعيدة لأجلك ..
تعالت ضحكاتها وابتعدت : أنا سعيدة لأجلكما ....سأصعد لأطمئن على عمي ..
ثم جرت صاعدة لشقة عمهم تحت أنظار هارون المغلفة بالحب لأخته الصغيرة هامساً
: مجنونة
.......
مر عليها يوم عمل هو الأثقل بحياتها أخطأت بكل عمل قامت به... سرح عقلها مع أحلام مستقبلية وكان بطلها الأوحد هو حلم طفولتها و مراهقتها ..أعادت بذاكرتها كل مواقفهم سوياً ..سمحت لقلبها بتسارع الدقات والغيرة ..نعم الغيرة على عمر عاشه مع زوجة أخرى وأمل ما فتئت زوجة عمها بصبه صباً بأذانها عن زواج هارون المرتقب بليلى ..لتشعر بإحمرار وجهها فتغطيه بكلتا يديها هامسه
الخجل يقتلني ... خجل من نفسي.... خجل من تصرفي ..أحاول أن ارتفع بروحي عن فعلتي ولكن أظل أنظر لها من أعلى ولا تعجبني تصرفاتها وكأن الجسد له أفعال ..والروح لها أفعال ..لكن لماذا
من حقي بعض الأنانية .. نعم فأنا لم أخذه من حب أو زوجة فلما القلق أو الشعور بالذنب بل بالعكس لقد فتحت أمامه باب كان يغلقه دوماً امام فكرة الزواج ...
....لا توهمي نفسك يا باسمة فهو فعلها من أجل عمه ...
لتجيب روحها التي تؤنبها .. حتى ولو كان ليريح عمه ...أليس من حقي أن أتنفس الراحة قليلا بإقدام والدي على العلاج وقد يكون زواجي سبب أخر لتقبل جسمه له عندما يرتاح نفسياً من جهتي ..
تركت ما بيدها وعادت لبيتها بوسائل المواصلات المتاحة وعندما وصلت كتبت رسالة لهارون تعلمه بوصولها حتى لا يوافيها لهناك ...
وجدت والدها ينهي طعامه الذي تعده مسبقاً و قدمته رباب له ثم يتناول علاجه وأكتفيا بنظرات متفهمه بينهما
وكأنها تقول له لم يعد لديك حجه تمتنع من أجلها عن العلاج بينما يرد عليها بابتسامه حنونه ثم تركها ليرتاح قليلا بينما دخلت هي غرفتها لتذهب من فورها للخزانة ساحبه منه وشاحها هدية هارون الوردية الشفافة والتي عندما كانت تسود أيامها تفردها على وجهها باسمة على حالها مقنعة نفسها إنها الأن تنظر للدنيا بلون مختلف ....لون وردي
دخلت عليها الغرفة بهدوء ورأتها بتلك الحالة على فراشها واضعة وشاح حريري على وجهها
فاقتربت بهدوء شديد وسحبت الوشاح وهي تبتعد عن يد الباسمة التي تحاول منعها من أخذه ضاحكة بمرح يليق بها وتعقده أمام أنظار الباسمة المذهولة حول وسطها الملفوف وتبدأ بالغناء والرقص
طلي على الأحباب طلي .. يا لايقه في الطرحه طلي
يا هله بالفرحه تملي .. زي القمر ع النبي صلي
يا لايقه بالطرحه .. يا هله بالفرحه
يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا
يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى
ثم اقتربت من الباسمه دون التوقف عن الرقص والغناء وأخذت يد الباسمة تراقصها وهي تشير لها بسبابتها
فات الهوى على حيينا .. قلناله أدي العينه
من قدنا مين .. مين زينا مين
ده البدر شافنا واتلوى
يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا
يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى
ثم توقفت عن الغناء وهي تنهت ودموع فرح تغرق عينيها ويديها ترتعش بوضوح بين يدي الباسمة
: مبارك أختي ..مبارك لأخي أنتِ ..مبارك لنا فرحتكم
ضمتها الباسمة هامسة بخجل : وهل هذا يستدعي كل هذه الدموع
يزداد بكاء رباب بحضنها وهي تردد : بل لأني سأكون بعيدة جداً أختي حتى أشاركم أيامكم كما كنت أتمنى
أبعدتها لتنظر بوجهها الباكي شديد الإحمرار : ماذا تعني
تضحك رباب ودموعها تغرق وجهها وهي تحكي لها عن ظروف هشام الجديدة ثم تمسح وجهها بضحكة
: أنا فرحي بعد أسبوعين
الباسمة تدمع عينيها وهي تحتضنها بشدة ثم ابتعدت وهي تسحب الوشاح من يدها وهي تفرده عاليا وهي تدور وتدور وتطلق لسانها بكلمات الأغنية التي تغافلت رباب عن ترديدها بالبداية
يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا ..
يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى ..
يا ام العروسه زغرطي .. يا ام العروسه ..
يا ام العريس زغرطي .. يا ام العريس ..
قولوا معايا يا فرحتي .. لما الهوى يجي سوا ..
ثم ضحكا عاليا وناموا سويا على الفراش وجههم متقابليين
: بسمة
: أممم
: تحبيه أليس كذلك
لم يفاجئها سؤال رباب فهي كانت تقرأ دوماً بعيونها فهمها لمشاعرها الخاصة جداً نحو هارون لتمتم راضيه : نعم
ردت رباب بخجل : إذا ستصبري على أمي
ابتسمت وهي تلعب بخصلات شعر رباب القريبه منها : نعم
قبلتها من وجنتيها وعادت تغمض عينيها : أنا هكذا سأسافر لأخر الدنيا وأنا قلبي مرتاح
أغمضت الباسمة عينيها كذلك مرددة : سافري حبيبتي مع عشقك خالية البال ومرتاحة فمن أجل من نحب نضحي ..
.......
عنده وبألية تعودها أعاد ترتيب زيه الرسمي وسلاحه بخزانة مغلقة ..
ثم أدار نظره لغرفة نومه بتقييم ثم أكمل بتمهل المرور بباقي الشقة ليدرك إنه ترك كل أثاثه القديم كما هو دون أن يمعن التفكير..
فبعد الطلاق سافر وترك لوالديه انهاء الأمور المادية العالقة بينهم ..كيف لم ينتبه أن مطلقته لم تأخذ كل الأثاث كما هو متعارف عليه بمثل حالتهم وأكتفى بقول أمه وقتها إنها عوضتها مادياَ فلن تقبل أن شقى ابنها وتعبه بتجهيز شقة الزوجية يذهب هباء ..
ضيق بين عينيه لتفكيره السطحي الذي توصل إليه وقتها بأن نجلاء تركت كل شيء خلفها هامساً لنفسه إنها لم تحب الاحتفاظ بأي شيء جمعهم يوماً فأخذ يزيح من طريقة بغضب كل ما يقابله من طاولات أو غيره ليقرر بيع كل شيء وتأسيس بيته من جديد ..
كما حياته التي يريد بدأها مع الباسمة جديدة يملؤها الثقة ..
كما يأمل ...
.....
وفي الموعد
أكملت اعتماد وضع شال من القطن على رأسها جالسه على أريكتها المفضلة تفكر بهدوء بالخطوة التي هي مقدمة عليها وكيف تديرها بالطريقة التي تراها مناسبة دون أن تفقد سيطرتها على الأمر أو يحاولوا أن يقصوها فزوجها وابنها من الأن أخذوا جانب واحد في مواجهتها حتى تلك الصغيرة رباب ..
لا يفهموا أبداً إنها كانت تدبر لهم حياة مثالية رباب مع هشام وهارون مع ليلى لكن الأن مع الظروف الجديدة أصبح حتى ارتباط هشام برباب مهدد ...
هذه الخطبة لابد وأن تؤجل قليلاً لبعد زواج ابنتها
رفعت الحاجب الشمال وانزلته بابتسامه وهي تهنئ نفسها على تفكيرها ..
نعم هذا هو الحل للمعضلة الأولى أما الأخرى فأمرها سهل ستخبر أختها بأنه أمر مؤقت وأن هارون أُرغم على الارتباط بالباسمة من أجل عمه الذي يحبه وأنه ارتباط صوري أما الارتباط الذي ينتظره هارون بفارغ الصبر ويحلم به حتى إنه صرح سراً لأمه برغبته فهو سيكون مع ليلى ..
أما المعضلة الأخير فهي المهلة التي اتفقت مع هارون عليها وهي بيدها وحدها حلها وأرغامه على الوفاء بها ..
وقفت وهي راضية عن ما توصلت له وهي تتلكئ للصعود للطابق الأعلى منادية على ابنتها التي بغرفتها ترتدي ملابس مناسبة لخطبة أخوها من ابنة عمها الحبيبة : يا رباب
خرجت كوردة بفستان ازرق حريري يعكس بوضوح جمال عينيها تاركة شعرها الذهبي على جانب واحد وبيدها حذائها الفضي عالي الكعب جلست ترتديه
: لا تقلقي أمي أصبحت جاهزة ثواني فقط
قالتها وهي تضع الحذاء بقدميها ثم رفعت رأسها لتفتح فمها بذهول وهي تمعن النظر لملابس أمها المكونة من جلباب قديم تظن أنه يعود للجدة تستعمله عادة أمام فرن الخبز فيغطيه بقع العجين والطحين وشالها القطني الذي تضعه على رأسها والذي اختفى لونه من كثرة الغسيل ..
يا إلهي وأنا الذي أعتقدت ان الأمر سيكون مجرد مشاكل بسيطة ستوجدها أمها مع كنتها... الأمر لن يكون سهل أبداً عليكِ يا بسمة ..
: أمي ما الذي ترتديه ....هل هكذا سنصعد نطلب الباسمة من عمي لتكون زوجة لأخي الحبيب ..
نظرت اعتماد لملابسها ثم نظرت لابنتها بتمعن : بل أنتِ التي جننتِ ما هذا الذي ترتديه هل تظني إنه يوم خطبتك ..ثم أنتِ لن تصعدي معي ..هل فهمتِ
:كيف
: هكذا ... أريدك الأن أن تجهزي الطحين لنعد خبز يكفينا الفترة القادمة
: أمي وما الداعي ففي معظم الوقت نشتريه جاهز
: لا أحبه ..ثم لا تعاندي ..فقط بعض الوقت وننزل وبسمة كي نتعاون بإعداده
شهقت رباب : بسمة لا تعرف أبداً إعداده
تحركت للخروج من شقتها ببطئ وهي تذم شفتيها وتحركها يمين ويسار بسخرية : تتعلم ..ما دامت وافقت على الارتباط بهارون فتتعلم كل ما يخص حياتنا وتنسى حياتها السابقة بالمدينة
جلست مكانها وقد عقد حوارها مع أمها غصة استحكمت حلقها فكتمت تأوه ..فأمها ستتجاوز كل الخطوط الحمراء .. غمغمت نادمة
: سامحيني يا ابنة عمي لقد أخذت منك وعد سيقضي لا محالة على راحة بالك ..لكن ما باليد حيلة ..كنت أتمنى أن أكون بجوارك أخفف عنكِ حبيبتي لكن أملي بربي كبير أن تتخطى أمي غيرتها العمياء على ابنها الوحيد ..يا رب نور بصيرتها
بينما كان بغرفة المعيشة مع والده وعمه والباسمة الوردية بفستانها الحريري الذي أظهر قوامها الرشيق بطيات ضيقة على كامل جذعها ليطير متحرراً متسعاً حتى كاحليها مع وشاحها التي احتفظت به كجوهرة ثمينة لم ترتديه إلا بهذه المناسبة العزيزة على قلبها
تقدم لهم فناجين القهوة وعندما وصلت لهارون التقيت أعينهم البنية بحوار ساخر عن موقف مشابه كان من إخراج هارون نتجت عنه حروق من الدرجة الثانية أصابت الطبيب الشاب .. كتما ضحكاتهم بصعوبة حتى لا ينتبه عليهما الشيخان ... ثم تراجعت تجلس بجانب والدها في مقابل هارون وعمها
كان انتهى علي تقريباً من كل الترتيبات التقليدية الخاصة بالزواج مع أخيه حتى رفع صوته يطلب من الجميع قراءة الفاتحة لحظة دخول اعتماد بصوت باكي صاخب
: بدوني ..أه من حظك القليل يا اعتماد... بدوني تقرأ فاتحة ابني البكري... ابني الوحيد ... كيف تفعل ذلك بي يا علي ..اشهد يا أبا بسمة اشهدِ يا بسمة على عمك الذي لم يخبرني إنه هنا ليقرأ فاتحة ابني ..الضغط أرتفع... ضغطي.. انجدني يا هارون ..
انتفض هارون يتقبل يدها التي تمدها له بأعصاب منهارة وهي ترتمي بحضنه فيجلسها بهدوء يقبل رأسها : لا والله هي فقط قراءة الفاتحة على ما اتفقنا عليه ..لكن بدونك هل تحلى لنا جلستنا يا سيدة النساء ..
قامت الباسمة عندما أفاقها والدها بدفعة من يده لتذهب لحماتها المستقبلية لتقترب منها بهدوء محمرة الوجه : لن يحدث شيء خالتي بدونك
رفعت اعتماد رأسها بعيونها الباكية لترى الباسمة بأعين أخرى تقيمية لتراها بكامل بهائها كما لم تراها قبلاً ليزداد بكائها بنشيج حار وهي تحرك رأسها يمين ويسار بغير تمثيل هذه المرة فهي الأن صدقت أن هارون سيكون من الصعب عليه التقيد بكلمته معها لم تستمع لكلمات حسن المهدئة ولا نظرة علي الضيقة بوعيد مكتوم ولا هارون الحذرة من تصرفات أمه الجنونية أما الباسمة التي جلست بجانبها وتمسك يدها اليسار تدلكها بلطف وهي تهدئها بكلمات لطيفة فكانت كسوط على قلب الأخرى فتسحبها بعنف لتمسح وجهها وهي تنظر للباسمة بنظرات قوية : لولا أني صعدت لأناديكي كي أعلمك كيفية صناعة الخبز الفلاحي الذي يحبه هارون لم أكن سأحضر فرحة ابني الوحيد أليس كذلك
شعرت الباسمة بالخجل الشديد وهي تنقل بنظراتها التائةً بينهم جميعاً حتى غرقت عينيها بالدموع فلقد أصابها ما يشبه قلة الحيلة مع زوجة عمها وأم حبيبها لا تدري كيفية التصرف وقلبها يخبرها أن اعتماد ترفضها كزوجة لابنها وإلا كيف حضر هارون وعمها ولم يخبروها إلا إذا كان ببالهم وضع اعتماد أمام الأمر الواقع ..
الصمت كان علاجها الفعال لكتم مشاعرها لكن كانت هناك تلك النغزة المؤلمة بصدرها تذكرها إنها من أرادت وطلبت وخاصة مع صمت هارون على تصرف امه إذن فلتتحمل فالقادم أصعب ..
نطق علي بكلمات أراد بها إنهاء المهزلة التي صنعتها زوجته : لا داعي يا اعتماد لكل تلك الجلبة وها أنتِ أتيتِ فدعينا نقرا الفاتحة ..
نظرت اعتماد لحسن دون الرد على زوجها : يا أبو بسمة هل يرضيك أن أغيب عن فرحة ابني حتى أخته المسكينه التي ستتزوج وتسافر بعد أسبوعين بالأسفل تجهز الطحين وتنتظرني أحضر بسمة وهي لا تدري إنكم هنا أقصيتوها عن مشاركتكم ..ماذا أقول لها وهي تبكي من الأن على إحساسها إنها ستفتقدنا وتبتعد عنا
: لا يرضيني يا أم هارون
ونظر بعتاب لأخوه : لماذا تعجلت دون انتظار زوجتك
وأنت يا هارون كيف تأتي بدون أمك
نظر هارون للأرض خجلاً مما يحدث فهو لا يعرف كيف يقول لعمه أن أمه عندها علم وهي التي أصرت أن نصعد بمفردنا وسوف تلحقنا هي وأخته عندما تنتهيان من إرتداء ما يليق بالمناسبة
لينقذه أبيه
:كنت متعجل من سعادتي يا أخي سامحني
هز حسن رأسه بتفهم لكلمات أخوه : ما الذي يرضيكي يا أم هارون
: فقط التأجيل
انكمشت الباسمة بمكانها عند سماعها كلام اعتماد تحت أنظار هارون الغاضبة بينما علي تحدث بحدة : وما الداعي هل تعاقبينا يا إمرأة
تحدث حسن بهدوء: أصمت يا علي ..
يا أم هارون ولو تريدي إنهاء الأمر برمته فسوف..
تقاطعة اعتماد : ما الذي تقوله يا أبو بسمة هل تعتقد إني أفكر بذلك لقد فهمتوا كلامي خطأ لو صبرتوا جميعاً ستعرفوا السبب الذي ستؤيدوني قطعاً فيه
لينطق هارون أخيراً : وما هو يا أمي
:العين
نظرت ثلاثة ازواج من العيون لها وكأنها تنطق لغز وهي كذلك بالنسبة لهم
: لا حول ولا قوة إلا بالله ..أليس الحسد مذكور بالقرآن وأنا سأزوج إبنتي وابني الوحيدان هل تريدون الناس يصيبونا بالعين فاخسرهم ..
يضحك علي بسخرية من كلامها : وهل تريدينا أن نزوجهم بالسر يا زوجتي العزيزة
: لا يا علي كل ما في الموضوع التأجيل والسرية لما بعد سفر رباب وهشام
هارون وهو يكاد يشد شعره من كلام أمه أمام الباسمة التي فقدت ابتسامتها وأبوها الذي ينظر لابنته الحزينة ولا يعيرهم إهتمام هتف بهدوء: وهل بعد سفر رباب بعد أسبوعين لن يحسدنا الناس
: نعم
عم الصمت المكان
لتنطق الباسمة بكلمات متقطعة مع حديث يديها وهي ناظرة لعيني والدها : من باكر ستبدأ علاجك أليس كذلك
أدار هارون عينيه بينهما ليشاهد أجمل حوار سمعه من لحظة دخول أمه فهو في غفلة منه ومع رغبته باتمام الزواج بالباسمة نسى شرارة البداية للقصة وهي علاج عمه
ليكتفي عمه بإشارة من رأسه بنعم
فتقف الباسمة وتجلس بجانب والدها تقبل يده وتضع رأسها بهدوء على كتف أبيها اليمين ليحاوطها الأب بيده التي تجاورها و دون أن يفلتها تحدث لأخيه
: يا علي عقد قرانهم سيكون بعد سفر رباب إن شاء الله ..ولا تُغضب أم هارون أبداً فطلباتها أوامر ...هل فهمت
: نعم يا أخي فهمت
تدخل هارون بإصرار دون الالتفات لشهقة أمه : عقد قران و زفاف يا عمي
: سنقرر بوقت أخر
تدخل علي بمؤازرة لابنه : بل هو القول الحق ..شهر يا أخي من الأن ونفرح بأولادنا إن شاء الله ..لا تردني يا أخي
دون أن ينظر مرتين لوجه اعتماد الأحمر أو قبضة الباسمة التي ضمتها لصدرها وهي تنظر له برجاء أن يرفض : توكلنا على الله ..الفاتحة
قُرأت الفاتحة على اتفاقهم وبعد الإنتهاء من تلاوتها لم تستطع اعتماد إلا أن تضع بصمتها على فرحتهم البسيطة
: جيد شهر مناسب وخاصة أن شقة هارون جاهزة ومؤثثة بالكامل من زيجته السابقة ولن تحتاج أي تغير
تختفي ابتسامة باسمته مع كلمات أمه ليتدخل بهدوء : الشهر أكثر من مناسب فعلاً وخاصة إني اتفقت مع تاجر اثاث سيأتي من الصباح الباكر يفرغ الشقة بالكامل ونذهب له أنا والباسمة لننتقي غيره وندفع الفرق
لتهمس الباسمة بإحراج : لا داعي
تنظر اعتماد لابنها : أرأيت بسمة من رأي الأثاث لازال جديد وخسارة
تدخل علي بخبث : لا تحملي هم سنعطي غرفة النوم لرباب وهشام ونوفر عليهم شرائها
كتم حسن الضحكة من خبث أخيه شاكراً بقلبه تدخله الذي أراد به توبيخ اعتماد التي أخرستها المفاجأة بسابقة تعد الأولى من نوعها فيتدخل برزانة
: هارون و الباسمة لهم من عندي غرفتين هدية مني وأيضاً ...
يقاطعه هارون بإصرار زاد من إعجاب عمه ويقينه إنه الأنسب لابنته : اعذرني يا عمي هديتك وصلت برضاك على ارتباطي بالباسمة ولكني أريد تجهيز شقتنا بنفسي والذي لا يكون بمقدوري جلبه اليوم سأحضره بالمستقبل إن شاء الله
ثم نظر للباسمة محاولاً استجلاب ابتسامتها : أليس كذلك يا باسمة
اشارت له الباسمة بخجل بنعم مع بسمة خفيفة تحمل من الحزن الكثير ولكنها تكفيه الأن ليبتسم لها بالمقابل ..
لكن حسن الذي أراد إرضاء اعتماد تحدث موجهاً حديثه لها : أتمنى ان تلبي يا أم هارون لي طلب ..
: طبعاً يا أبو بسمة
: أريدك ان تعتبري نفسك من الأن أم الباسمة أكثر من كونك أم هارون .... أريدك أن تعتبريها كرباب بكل التجهيزات التي تخص العروس فكما تعرفي ان الرجال يجهلوا تلك الامور كما أن هناك تلك الأمور المتوارثة كهدية الكنه لبيت حماها وما إلى ذلك من تلك الأمور وأيضاً الحلويات التي توزع تالي العرس
يرد علي بضيق : هذا الكلام يا أخي مع الغرباء كما أن كثير من تلك التقاليد قد عفى عليها الزمن
حسن بابتسامه لابنته : الباسمة ابنتي الوحيدة وأريد فرحها بالكامل كما حلمت أمها ولأنها حبيبتي تركت القرية منذ زمن فلا خبرة تذكر لديها أريد أم هارون تتولى هذا الأمر تماماً كما كانت أمال ستفعل بل أكثر ..
ثم نظر لاعتماد برجاء حقيقي : هل ستفعليها يا أم هارون أم أجد من سيدات العائلة من يوافق أن يقوم بهذا الدور
لو أرادت الرفض لن تفعلها بعد رجاء الرجل الكبير وبالطبع نظرة ابنها الراجية وعلي المحذرة : تحضر غريبة يا أبو بسمة وأنا موجودة ..اطمئن .. أوعدك
ابتسم علي أخيراً براحة ووقف يقبل أخيه الأكبر : الحمد لله ..مبارك يا أخي
ثم أخذ الباسمة بحضنه هامساً لها : لن تُظلمي ببيتي أبداً يا ابنة الغالي ولو أراد أحدهم بكِ سوء سيجدني أمامه خذيها من عمك الطيب كلمة وعهد
تنعمت الباسمة بحضن عمها وعهده ووعده ثم قبلت يده بحب وهي تشكره هامسة بخجل ليتحرك من أمامها فتجد هارون يبارك هو الأخر مستغلاً انشغال الأخين وأمه بحديث عن التجهيزات والسرية المبالغ فيها من أمه ليهمس لها
: مما رأيته واستشعرته من الأن أنك على ما يبدو لازالت فكرتك عن زواجنا أنها نزهة أو مشوار للسوق...ولن أحاسبك اليوم على عودتك من العمل دون انتظاري لكن من باكر لن تتكرر هل فهمتِ يا ابنة عمي
ردت الباسمة هامسة بغيظ: قبل أن تذكرني بهيمنتك الذكورية يا ابن عمي أحب أن أوضحلك أن والدتك لا تشاركك رغبتك بالزواج مني
ضحك بتفكه : بل أنتِ التي لا تري الحقيقة فأمي تمارس دورها بالتاريخ بإتقان يا معلمة التاريخ
عقدت جبينها بتفكير : ماذا تقول
همس لها : أقول ان أمي حماة درجة أولى بينما أنتِ فشلتِ للأن بدورك كخطيبة وزوجة مستقبلية أين صينية العرس التي تحوي العصير الأحمر بطعم روح الورد
نظرت له بذهول هامسه : أي صينية وأي عصير ... لا أعرف عن ماذا تتحدث
ضحك هارون حتى إنه لفت أنظار الأخريين له :عموماً خذي
أخرج من جيب سرواله ظرف يحوي نقود ورقية ووضعها بيدها بعد أن فتحها قصراً : لم يكن لدي الوقت لأحضر لكِ هدية من الذهب
لتشهق هامسه وهي تحاول أن تعيدها بيده فيرفض هارون ويطبق يديه عليها بقبضة صارمة : ما هذا يا هارون
: هذا يا خطيبتي صور من تراثنا على بهجة العريس عندما يرى العروس وتعجبه وأخذك لها الأن معناه أن لديكِ القبول أيضا من ناحيتي ..هل فهمتِ
ثم تركها بمكانها فارجة بين شفتيها بذهول نست فيه التنفس حتى أعادت شهقاتها الناعمة انتظامها وابتسامة رقيقة زينت وجهها الناعم لتنظر حولها بعدها فتجد البيت فارغ إلا منها وأبيها الذي تملكته ضحكات صاخبة لم تراها منذ زمن فشاركته الضحك لتجلس بجانبه
:أعجبني هارون اليوم وهو يحاول إرضاء أمه وفي نفس الوقت فعل ما يجب عليه ناحيتك الوحيد الذي يستطيع التعامل مع اعتماد هو هارون ..
ثم نظر لابنته بحنيه ورجاء: ساعديه يا ابنتي دائما على برها
الباسمة بتنهيدة : الأولى ان تساعد نفسها
:ماذا تعني
نظرت لأبيها بحب : أعينوا ابناءكم على بركم
: نعم صحيح
نظرت لبعيد كأنها ترى مستقبل تخشاه مع اعتماد : أدعو الله أن تكون أكثر هدوءاً وتفهماً فهي تقود هارون على القسوة عليها دون ان تدري
ربت بلطف على رأسها النائمة على صدره : المهم عندي أنكِ لا تكوني السبب
همست بوعد :اطمئن يا أبي لن أكون
