أخر الاخبار

رواية الباسمة الفصل الخامس والسادس 5و6بقلم روتيلا حسان


 رواية الباسمة 

الفصل الخامس والسادس 

بقلم روتيلا حسان 

.

.

بينهم ولكنه كان بعيد ..بعيد بما يفوق المائة كيلومتر المسافة بينه وبين ابنة عمه التي أخذته على حين غرة ..لم يستطع أن ينطق أمامها  .. بل لم يستطع أن يتنفس هل هكذا يكون تأثير سقوط بناء على رأس إنسان والدفن تحت أنقاضه .. 

 خشيت أن تراني بتلك الصورة ..

ضعيف و أبداً لم أكن ضعيف ..

ولكنها أخافتني ..

نعم هارون الجبل الشامخ فزع من كلمة نطقتها ابنة العم 

 ..زواج ..لا ..بل هي أربع حروف كحبل المشنقة  تعكس كلمات تدور بذهني ..

زهق ..

وجع  ..

اخفاق ....

 جرح...   

لا ..لم تعد جرح بل أصبحت جبن من إعادة التجربة 

فكيف أصبحت هكذا أمامها ماذا تقول عن ابن عمها  الأن..

 هربت لأني رفضتها ..

وهل أنا أرفضها ...

ليتمتم صامتاً

 وهل هناك من يرفض هذه الباسمة ..

 ولكن لماذا حدث ذلك معي ..

هل لأنها هي من طلبت...

 هل رجولتي لم تستوعب أن تطلب إمرأة أي كان من هي هذا الطلب حتى ولو على استحياء..

ولما شعرت بنفور إنها تطلب هذا الطلب بينما يمكني التركيز على اتضطرارها لذلك ...

وهل هذا ما يحزني إنها كانت متضطرة وخاصة أني أكاد أشعر إني كنت قاب قوسين أو أدنى من ...

من ماذا يا هارون وهل أنت أصبحت على استعداد لخوض التجربة مرة أخرى ...

ولما لا ..

وحينها أخرس الأفواه حولي وأحصل على الابناء الذين لا تكف أمي عن تذكيري بهم وبنفس الوقت لا أفقد حريتي الغالية فالباسمة لن تجرؤ على ذلك بعد طلبها الغريب  ...

كان يغرق بتفكيره حتى إنه فقد الإنصات للضوضاء حوله بل فقد الإحساس بلمسات على صدره  ثم انتقلت لوجهه بنعومة شديدة حتى اقتربت بوجهها ناحية شفتيه لتغتم عينيه بقربها  ورائحة الياسمين تزكم أنفه فانتبه لها ليزيحها بعنف أسقطها أرضاً  واندفع بإلقاء كلمات مهينه بحقها ثم وقف يتبعه صديقه حاتم 

: ماذا حدث لك يا رجل لماذا فعلت ذلك إنها ياسمين وأنت تعرفها كيف هي جريئة ويتمنى كل من بالمكان وصالها ولكنها اختارتك 

أمسك مقبض الباب يعتصره بيده وبحدة : أنت تعلم أني لا أقع في تلك العلاقات و أقصى ما أقوم به هو مكالمات هاتفية أو جلسة لطيفة لا أتخطى فيها الحدود أما الياسمين فهي بالكثير تفوح منها رائحة القذارة بكثرة أصدقائها الحميمين 

: إهدئ فقط وأخبرني إلى أين أنت ذاهب 

فتح الباب : سأعود ..عمي بحاجتي 

خرج وهو يردد الكلمة التي أقتنع بها 

: عمي الطيب بحاجتي ...

وهمس قلبه  : والباسمة أيضاً

وعندها لم تنتبه على الوقت الذي يمر.. تكاد تذوب داخلها خجلاً .. ألهت نفسها ظاهرياً أمام أباها بدفاتر لتحضير مادتها الأثيرة لعودتها المتضطرة بانتهاء عطلتها  بينما أبيها صاحب عمها للمسجد القريب ليصلي المغرب ويظل به حتى صلاة العشاء ..

وبمجرد أن تخطت قدميه باب شقتهم حتى تركت ما بيدها وأخذت تجول بالمكان وهي تحدث نفسها تارة وتوبخ نفسها تارة أخرى...  تحاول ان تجد لنفسها مخرج لمشكلتها التي أوقعت نفسها بها ..

وضعت يديها على وجهها 

: ماذا أفعل كيف سأقابله بل كيف سأعود كما كنت معه ابنة عم وأخت 

يا ألهي كيف جَرؤت ... كيف خرجت تلك الكلمات من فمي..

 وأه من كلمات أسقطتني من عليائي وقودت اعتزازي بنفسي ..

يا رب ساعدني  ..

وبينما كانت بأفكارها تحاول الخروج من معضلتها  كان هارون بسيارته يحاول أن يفعل العكس كيف يدير الأمر بصورة ترضي غروره الذكوري فهو بالنهاية لابد وأن يرضي نفسه ويقدم على تلك الخطوة بطريقته ..وبطريقة لا تدع ابنة عمه تعتقد للحظه إنها أرغمته على القبول بها فهذه الزيجة لابد وأن تنجح ..فهو ارتباط شرعي وعائلي لا فكاك منه 

وهو بغمرة أفكاره جاءه هاتف من صديقه حاتم هاتفاً لمسامعه : الحمدلله إنك ذهبت بالوقت المناسب.. الله يرضى عليه عمك 

هارون عاقداً جبينه :ماذا هل جننت 

حاتم وهو ينهت : لا والله لم أجن ولكن لو تدري ماذا حدث لقد حاولت اللحاق بك ولكني لم أجدك فظللت مكاني بالشارع للحظة... فقط يا صديقي للحظة لأجد الشرطة تهجم على العقار بسبب وشاية أحد الجيران الذي انزعج من الأصوات العالية التي نخلفها وبلحظة كل من بالشقة كان بسيارة الشرطة ... إنها قضية كبيرة كان سيضيع اسمك واسمي  بالوزارة ..الحمد لله 

ليرددها خلفه الذي أوقف السيارة جانباً فأغلق الهاتف ونزل منها راكعاً بالأرض ركعتي شكر ثم عاد لها وجلس مغمض العينين يفكر بتسلسل الأحداث ليدرك إنها هي كالعادة سبب سعادة من حولها بتلقائيتها ودون تدبير... ليعمل على تشغيل المحرك والإنطلاق سريعاً لوجهته التي يعرفها يقيناً....

لم يتزحزح من مكانه بالسيارة منذ وصوله ينتظر صلاة الفجر فيبدأ بتنفيذ فكرته وكل حين يرفع رأسه فيلمح خيالها بين حرير الستائر الذي يغطي نافذة غرفتها 

يشعر بتململها ..بماذا تفكر 

هل تريد يا ابن العم أن تعرف بماذا أفكر...

 ببساطه لا أفكر بسوى أن أنزل كي أخرجك من تلك السيارة التي تنزوي داخلها ..أريد أن امنحك الحرية وأقول لك إنه كانت لحظة ضعف مني وإنك برئ من غباء ابنة عمك ...وإنها ستريح الجميع وتوافق على أمجد بشرط إن يبدأ والدها بالمواظبه على العلاج فالتأخير ليس من مصلحته ..

وفي غمرة أفكارهم صدح نداء الحق لتبدأ الأعين والعقول الغافلة في الصحو ملبين النداء ..

......

كان يتكئ على فراشه مريحاً رأسه للخلف من بعد صلاة الفجر بعد أن أصر ابن أخوه أن يوصله له بنفسه مغلقاً الباب عليهماً..يرى تراقص الكلمات بعينيه وأيضاً يرى التردد والقلق ليغمض عينه براحة لثانية بعد طلبه الصريح الزواج من الباسمة .. ويفتحها وهو عاقد جبينه  

: طلبتها من أجلي يا هارون 

نظر له هارون فاقداً القدرة على الرد وعينيه تدور بمحجريهما تبلغ الأب بتردده

تنهد الأب : لا أوافق 

استفاق هارون من غفلته منتفضاً من مكانه و بحدة لم يستطع كبتها  : هل تفضل ان تعطيها للغريب 

: نعم 

: ما هذا المنطق يا عمي 

حسن بتنهيدة : الغريب إذا أساء لها وقفت بالمحاكم وأخذت حقها ..ووقفت أنت بجانبها يا ابن عمها ..لكن أنت لو أساءت لها يا ابن أخي من سيقف بجوارها 

فلذا فجوابي علي طلبك  لا 

ليرد بغضب : وأنا لا أريد الباسمة لأحد سواي ..

ثم يهدأ وجلس يردد هامساً حتى لا يكاد يسمع نفسه 

:انا لا أرى الباسمة مع أحد سواي...أنا حتى لا أعرف كيف كنت غافل عن إنها كانت مخطوبة وعلى وشك الزواج ..

ثم نظر لعمه بضعف  

:يا عمي  

كاد يقول ساعدني ولكن نظرة عمه القوية  له وكأنها أيقظته من حديثه الهامس مع نفسه 

ليدرك إنه إذا أراد موافقة عمه لابد وأن يكون صادق مع نفسه أولا ليتمتم :  

  عمي أنني كنت لا أفكر بالزواج بعد تجربتي الأولى كما تعلم ..ولكن حالياً أصبح الموضوع يراوضني والحقيقة أن ابنة عمي هي أنسب زوجة لي .. كل الذي أطلبة منك أن توافق على منحي هذا الشرف ..  و حق ابنة عمي  ستأخذه مني بيدي إذا جاء يوم مستحيل وتجرأت وأذيتها ..

أمسك حسن  يد ابن أخوه وهو يشد عليها براحة تملكته : هل توعدني 

يقبل هارون يدي العم ثم جبينه وجلس بهدوء وعزيمة : أوعدك ..الباسمة حقها عندي محفوظ ..

عاد حسن ليتكئ وبابتسامه راضية : توكلنا على الله ..انتظرك تأتي بوالديك لتطلبها كما يجب وحتى ذلك الوقت أنت أخيها الكبير وابن عمها الذي سيظل سند لها حتى لو لم نقبل بك يا ابن اعتماد .. 

وكأنه قصد وهو قاصد يذكره بأمه التي يتوقع اعتراضها فنظرته المتلاعبه تجعله يدرك ذلك 

ابتسم حسن بهدوء عندما أدرك أن رسالته وصلت : هيا  أذهب لتوصلها لعملها  

خرج هارون من غرفة عمه لتقابل عينيه  الباسمة خارجاً تضع حقيبتها أرضاً  وتجلس واضعه ساقاً على الأخرى لكنه لم يكن غافلا عن حمرة وجهها الواضحة ومحاولتها الثبات أمامه  

: أخيراً انهيت مباحثاتك الهامة والسرية مع أبي 

:نعم 

: جيد ..لأني لدي أيضا ما أخبرك به ..ما حدث أمس كانت لحظة ضعف بسبب ظروف أبي والحمد لله استفقت منها .. اليوم بعد عودتي من العمل سأبلغ أبي بموافقتي على أمجد ..

أقترب منها وهو يشدها من عضديها بعنف لتستقيم أمامه فتلحفها انفاسه الغاضبة : نعم ..اتريني لعبة و أيضاً تتجرأي على ذكر اسم ذلك الأبله أمامي 

أزاحت يديه وهي تفرك موضع اصابعه التي ألمتها : ما بك هل فقدت عقلك ..أنا أوضح لك خطواتي القادمة فأنا لن أنتظر حتى أفقد أبي ولقد فكرت جيداً فأنت بالأول والأخير ابن عمي واخي ولا أريد أن أورطك ...

عقد هارون ذراعيه أمامه مقاطعاً لها : و زوجك 

فاجأتها الكلمه لتصمتها هنية : نعم ..ماذا قلت 

كان وقوفه أمامها بتلك اللحظة بثبات هو أكثر مجهود قد بذله لضبط النفس ..فالباسمة بكلها الأن أصبحت له ونظرته الحياديه سابقاً فقدها كلياً لتظهر مشاعر ودقات قلب صريحة المعاني  عينيه كانت تجوبها بشوق جديد من رأسها بحجابها الوردي لونها المفضل والذي يغطي بإحكام شعرها الليلي والذي يعرفه جيداً والذي يشبه بلونه رموشها التي تكحل عينيها البنية التي تشبه عينه و أما خديها اللذان يشتعلان خجلاً من نظراته مع سمرتها المحببة فهي شهية كحبتي دراق ناضجة  بألوانه ما بين الذهبي والأحمر الناري ..وتجرأت عينه للنظر بمنحنيات جسمها الطويل والذي يشبه أجسام ملكات الجمال ووقفتها الواثقة أمامه بالرغم من ذلك فهي لن تستطيع إخفاء قلقها وخجلها الواضح بتمرير لسانها لتبلل شفتيها التي فيما يبدو قد نالت من جفاف حلقها الذي تحاول أن تجليه بنحنحة خفيفة كل حين..أما القوام الرفيع فغطته بقميص متعدد الألوان يغلبه الوردي و نوعاً قصير مع سروال أسود ..

لينال منه الغضب ليهتف بحدة : لا ترتدي بنطال مرة أخرى 

صدمتها كلماته لتستعيد ثباتها الظاهري مرددة : إنه الأنسب بعملي مع الأطفال 

: سمعتِ ما قلت لا ترتدي بنطال و إن كان ولابد ارتديه يعلوه قميص طويل 

ثم تحرك من أمامها للخروج 

 : هيا سنتحدث بالطريق 

حملت حقيبتها بتوهة تتبع خطواته الواثقة بإحساس غريب يمتزج فيه الخجل من طلبها  بالخوف من فقدها لنفسها الواثقة أمام شخصية هارون العاكسة لمعنى اسمه..

......

بالسيارة لم ينتظر كثيراً 

: لقد أخذت مباركة عمي على زواجنا ...

نظرت له بتمعن ومشاعر حزينة نطقت بها حروفها : أنا أعتذر منك يا هارون لأني وضعتك بهذا المأزق ولكن أوعدك إنه أمر مؤقت قد نطيل الخطبة قليلاً وبعد أن يشرع أبي في بدء العلاج نفضها قائليين مثلاً إننا لا نرى أنفسنا سوى أخوة ..

قبض على مقود السيارة بكلتا يديه بعنف بين : هل انتهيتِ 

نظرت له بحيرة : نعم 

تنحنح يبلع غضبه : جيد فأنا أريدك ألا تقاطعيني أبدا عندما أتحدث ..

ما تخيلتي إنك بدأتيه وبيدك أن تنهيه فهو اسمه زواج ...

وليس أي زواج فهو زواج من ابن عمك ...الذي لو تخيلتي للحظة إنه يتركك حسب كلامك لأسباب لا يراها مجتمعنا الصغير بالقرية ذات أي أهمية بل بالعكس سيضحكوا قطعاّ على بنت المدينة التي تتخيل إنه أمر يمكن العبث به 

أنتِ بدأت الأمر.. جيد لديكِ كل الحق لقول ذلك..  ولكن ما سأقولة الأن هو ما ستضعيه برأسك 

أنا طلبت الاقتران بكِ بصورة رسمية من عمي وأعطاني كلمة وأنا أعطيته وعدي بأن أصونك وأحرص على سعادتك ..هل تعتقدي عندما أضع يدي بيد أب وبالمناسبة هذا الأب هو عمي سيكون اتفاق صوري مثلاً 

نطقت بحروف حاولت أن تكون قوية ولكنها كانت مهتزة بوضوح : هذا ما كنت اعرضه عليك..

نفث  وهو يحاول ضبط نبرة صوته الغاضبة منها ومن تفكيرها الذي أصبح يغيظه فهي تنظر له كحل مؤقت ومع ذلك خرج قوياً  : أنا قلت لا تقاطعيني .. 

ثم هدئ من نبرة صوته التي غافلتها فانكمشت بعيداً بوضوح وهي تضم يديها بقبضة قوية ناحية صدرها بفعلتها المتكررة  

:  باسمة ...أعتذر لم أقصد إخافتك لكن أريدك ان تفهميني  يا ابنة عمي تُخطئي إذا اعتقدتي اني سأتزوجك صوريا ..زواجنا سيكون صحيح الأركان شرعاً وقانوناً ..لابد أن تعيدي التفكير جيداً... فمن طلبتي منه هذا الطلب هو هارون ..ومن سيلبي هذا الطلب فهو أيضا هارون الذي لا يقع تحت طائلة الضغط من اي أحد حتى ابنة عمي المكلومة بمرض أبيها ..لا تجعليني أكررها مرة أخرى  ..

ردت بحرج هامسة : هذا لم يكن رأيك بالأمس 

: هل كنتِ تتوقعي أن ألبي طلبك فوراً كأي طلب عادي كأن أحضر لكِ شيء من السوق مثلاً ..كنت لابد وأن أخذ وقتي بالتفكير ..وأعود أذكرك إنه زواج هل تفهمي هذه الكلمة يا باسمة 

كادت أن تصيبها سكته قلبيه من تصريحاته بأنه يريده زواج صحيح الأركان فبداخلها يقين إنها أجبرته فنظرت له بضعف وخجل أحمرت له وجهها وهي تستخدم لغة الإشارة وبكلمات خرجت ثقيلة أصابته بمقتل : هارون أنا لا استطيع تخيل أني أرغمتك على الزواج وهو قرار كنت بعيد عنه بأميال 

: غير صحيح 

: بل صحيح أنت بعد انفصالك عن نجلاء أخرجت فكرة الزواج من تفكيرك وهو أمر كنا نعلم به جميعاً و ..

يقاطعها هارون بنفاذ صبر ظهر بوضوح بصوته الصارم  : سأقولها لك لأخر مرة هارون العابد لا يؤمر فيأتمر ..هارون العابد تعود أن يعيش حياته بخطوات مدروسة ولست أفكار وليدة اللحظة ...

ثم صمت قليلاً يأخذ أنفاس تعيد لدقات قلبه اتزانها فهمس يمازحها : ثم يا ابنة عمي لا تجعليني أشعر أني غير جدير بك ام تريني كذلك  ..

ماذا هل تعتقد ذلك إنني أكاد أشعر إني بحُلم لا أريد الإفاقة منه فأشارت بخجل جلي بلا طبعاً 

فهمس مائلاً رأسه قليلا بابتسامه شقت طريقه منه إليها : لم أسمع ..فكما تري عيني على الطريق ولا أشاهد إشارتك 

فنظرت ليديها التي جمعتهم بقبضة واحدة تحاول نطق الحروف بهمس خجل : بالطبع لا..

ضحك هارون : الحمد لله لقد بدأت أشك بنفسي ...والأن أريد وعداً منكِ أن تنسي تماماً طلبك السابق وتتذكري فقط إني طلبت  اليوم من عمي الارتباط بك وهو وافق وانتظر منك الموافقة ومساعدتي مستقبلا بإنجاح هذا الزواج ..

هل سمعتي يا ابنة عمي و زوجة المستقبل القريب 

وكأنه لفظ أعاد الحيوية لكلاهما لينظر أمامه بتركيز يقاوم النظر لها فدقات قلبه لم يعد يستطيع التحكم بها ولكنه سيتمهل معها ...

 فأولاً تمنحني مقومات الثقة بها ثم أمنحها احتوائي وحبي المطلق ..نعم هكذا هو الأمر ببساطة ..

 بطرف عينه نظر لها ثم أعاد عينه للطريق وهو يردد لنفسه 

 أنها تستحق ثقتي بها ابنة العم لن تخدع أو ....تخون 

أما هي فهي أشاحت بوجهها للنافذة لا تنظر لشيء سوى لحقيقة كأنها مكتوبة بالخط العريض على صفحة السماء 

أصبحت له ...


ترك الباسمة بالمدرسة وعاد لحربه الصغيرة مع أمه فوجدها بنقاش حامي مع أبيه وصوتهم عالي 

: السلام عليكم 

نظروا له مرددين السلام ثم هتفت أمه : هل رأيت يا هارون ما يفعله أبيك 

يضحك هارون لوالدة الذي كان يضرب كف بكف ويجلس مقابلهم في حين اتخذوا هم من أريكة واسعة مجلس لهم 

: خير يا أبا هارون لماذا أحزنت مليكتنا المتوجة وأجمل نساء الكون 

تميل بفمها بامتعاض وهي تعقد ذراعيها على صدرها بينما رجليها لا تصلان للارض : أخبره ناكر الجميل كان لا يملك قرش و مع ذلك وافقت عليه وأنا التي كان يطلب وصالي أكابر القرية 

يغمغم علي : وليتك رفضتيني 

تضيق بين عينيها  : ماذا قلت 

اقترب منها حاضناً كتفيها ومقربها منه : قلت يا أم الغوالي لقد فزت دنيا وأخرة برضاكي 

فتبتسم اعتماد بخجل وهي تضربه على صدره بلطف  : بل أنا التي فازت يا أبا هارون 

انطلقت ضحكات هارون مجلجلة حتى أدمعت عيناه : بالله عليكم لقد تهت منكما أريد أن أفهم هل تريدان من يفض خلافكم أم وصالكم 

وكأنها تذكرت فاندفعت بغضب وهي تزيح زوجها بعنف : هشام ابن خالتك بعد أن كان يريد خطبه لعام حتى يؤسس شقته فجأة أتى له عقد عمل بإحدى الدول العربية ويريد الزواج مباشرة وابيك وافق تخيل 

أدار هارون رأسه يبحث عن رباب : وأين صاحبة الشأن 

: عديمة التربية وافقت أبيها وهرولت على غرفتها تحتمي بها 

يبتسم هارون بهدوء محاولاً امتصاص غضب أمه متذكراً غضبه المكتوم يوم سهرة الشواء واعتقاده أن هشام كان يمازح عمه رغبة في الباسمة وكيف كان هو أول المباركين على رغبته بأخته ليخرج من أفكارة على صوت امه : وما رأيك أنت 

:أولاً أريدك أن تهدئي حتى لا يرتفع ضغطك كالعادة فصحتك عندنا أهم من كل شيء يدور حولنا أما رأي فببساطة هشام ابن خالتي  نعرفه جيداً فما الداعي بإطالة الخطبة وخاصة أن صاحبة الشأن وولي أمرها لا مانع لديهم 

ردت عليه بحزن : كنت أريدها تفرح بيوم للخطبة يدللها بها خطيبها ثم يوم لعقد القران ثم نأخذ وقتنا بالتجهيز لها بما يليق بفرحتي لابنتي الوحيدة ..حتى شقته ليست جاهزة وهو يريد أن يجهز غرفة نوم بشقة أمه حتى يعود من الغربة فيؤسس شقته ..

كيف أسمح لها بالزواج هكذا بحياة مشتركة مع حماتها 

:يا أمي حماتها هي أختك 

: حتى ولو أختي أنا اشترطت عليها من البداية الحياة المنفصلة لابنتي وهي وافقت ..يسافر  وعندما يجهز شقته يأتي وحينها نعطيه ابنتنا  

تدخل علي بغضب : وأنا أعطيته كلمة ولن أرجع بها 

: ولكن... 

: لن تكسري كلمتي 

تدخل هارون لتلطيف غضب والده الجديد على والدته : ومتي سفر هشام 

: بعد أسبوعين ..

ذهب هارون لأمه و قبل رأسها  : أسبوعان يا  أمي من الفرح إن شاء الله حققي فيهم كل ما تتمنيه .. ثم رباب ستكون سعيدة أليس سعادتها تلك هي كل ما تتمنيه لها وأغلى من كل الحفلات عندك ..

تمسح اعتماد دموعها : نعم ..ولكنها ابنتي الوحيدة كنت أحلم  من يوم مولدها بهذا اليوم ..وأنت بني لا تريد أن تريح قلبي وتفكر بالزواج  ألن تفرح قلبي بزواجك أيضاً فتعوضني بزوجتك عن غياب أختك ..

تنحنح هارون وهو يستقيم ناظراً لأبيه بابتسامه : قريباً جداً 

قفزت اعتماد من مكانها  وهي تمسح دموعها بكلتا يديها : والله ..هل قررت 

:نعم 

كادت أن تهرول باتجاة الهاتف :سأخبر إحسان حالاً ..سيكون يوم زواج أختك هو نفسه يوم عقد قرانك على ليلى 

: ليست ليلى 

وقفت مكانها ثم أدارت وجهها له بينما وقف علي عاقدا جبينه بتفكير : من إذن 

: الباسمة 

فقط الباسمة قالها ليجد نفسه بإحضان أبيه الذي غشيت عينيه دموع فرح بينما اعتماد سقطت  جالسة على الأريكة خلفها تضرب بيديها على صدرها ثم فخذيها ضربات خفيفة أولاً ثم ضربات عنيفة جذبت أنظار هارون وأبيه لها 

: الباسمة ... الباسمة يا هارون ..تصوم تصوم ثم تفطر على بصلة ..هل هذا تحقيقك لأمنياتي تكسر فرحتي وتغضب أختي مني ..ماذا أقول لها.. هل أقول يا أختي  بعد أن جعلتك تنتظري سنتين يأتي ابني ويرفض ابنتك ويأخذ الصماء 

: إخرسي يا إمرأة إخرسي لا أريد أن أسمع صوتك ولا أن أراكي حتى ..

ثم وجه نظره لابنه : وأنت يا هارون لم أطلب منك سابقا الارتباط بالباسمة ولكن أقولها لك الأن أمام أمك أنا راضي وقلبي راضي عليك يا ابني ..الباسمة  من كنت أدعو الله بكل صلاة أن يوفقك للتفكير بها ..والحمد لله الذي جعلني أرى هذا اليوم ..الحمدلله ..سأذهب لأخي 

خرج علي مهرولاً يكابد لمنع تساقط الدموع من عينيه ..بينما اعتماد المبهوته من هجومه لم تتوقف دموعها عن الهطول ليجلس هارون بجانبها هامساً لها بكلمات يحاول بها أن يقتنص رضاها ولو كان هو نفسه غير مقتنع بها 

: لا تحزني حبيبتي ..الباسمة مناسبة لي من عدة جوانب أهمها العمر..كما أنه أمر سيريح عمي المريض ويجعله يبدأ بخطوات علاجه والذي نعلم جميعاً إنه يؤجلها خوفاً أن جسده لن يستطع  تحملها فيترك الباسمة وحدها ألم تكوني تفكري بذلك وأنت تساعديه في جلب عريس مناسب لها ..أنا أمامك أليس مناسب 

تبتسم اعتماد بسخرية وهي تمسح دموعها وبصوت مبحوح من البكاء : وهل تعتقد أنك بكلامك هذا تقنعني يا ابن قلبي ..فكل ما فعلته سابقاً كان لأبعدك عن تلك المصيدة 

: اشتدت يد هارون بقبضة جانبه غيظاً مما كان يحاول أن يقنع نفسه بالعكس أن أمه لن تفعل ذلك حتى مع كل المؤشرات التي كان يراها 

: أمي وإذا كانت سعادتي حالياً بالارتباط بها من أجل عمي وصحته هل سترفضي أن تكوني السبب في شفاء مريض ..

تقاطعه أمه وهي تنظر لعمق عينه : وهل هذه هي أسبابك 

: طبعاً

: إن كان كذلك اعقد عليها وبعد فترة انفصلوا عندما نتطمئن على عمك 

إحمر وجه هارون بغضب مكتوم بصدرة من مجرد سماعه للفكرة ليحدثها بصوت خافت وحاد : وهل ترتضيها بحق ابنة عمي أن يقول الناس عنها إن ابن عمها تركها بعد مدة صغيرة 

: أي أنك لا توافق

: بالطبع أمي سمعة وشرف ابنة عمي 

تقاطعه اعتماد : أصبح الحل الثاني هو ما ستوافق عليه 

رد هارون بتوجس : وما هو 

: الزواج بليلى أيضاً

يقف هارون بفزع : ماذا ..كيف تطلبي هذا الطلب مني وماذا يكون رأي عمي والناس بي عندما أفعل ذلك 

تقف اعتماد أمامه عاقدة يديها على صدرها : إذا أردت موافقتي على بسمة ..توعدني الأن أن تتزوج من ليلى إذا مر ستة أشهر على زواجك منها  دون أن تبشرني بحملها ..وإلا لن أكتفي برفضها أمامها وأمام عمك أيضا وأنا  أجزم إنه حينها سيرفض ارتباطكم بل سأرفضها  أمام كل من أراه يوم فرحك وقبله وبعده وحتى أخر يوم بعمري .. وأنت تعرفني جيداً وتعرف إنه لا يهمني أي أحد وأفعل أكثر من ذلك ..وحينها سنرى نظرة نساء قريتنا لها 

بهت هارون أمام قسوة أمه التي يعرفها جيداً والتي توازي حنيتها وحبها الشديد له بطريقة تجعله أحيانا يصيبه الدهشة من كم التناقض بداخلها

ليطرق رأسه قليلا بتفكير عميق لم تخدشه  واثقة إنه سيحقق ما تطلبه  فسمعته كرجل شرطة وسمعة عائلته على المحك 

هارون بمراوغة : ألم تفكري يا أمي أنه ربما يكون العيب مني وإني لا استطيع الإنجاب والدليل أن نجلاء أنجبت من زواجها الثاني 

تضحك اعتماد عاليا حتى أصابت هارون بالتوجس: لازلت صغير يا هارون وهل إذا كنت كذلك كنت رشحت لك ليلى والتي انفصلت عن زوجها الأول لحبها في الأطفال 

ضيق هارون عينيه بغضب مكتوم : متى عرفتِ 

: بالرغم إني سأفاجئك إني لا أعرف كل شيئ ولكن على الأقل عرفت ما جعلها تترك كل حقوقها خوفاً من الفضيحة ..خوفاً من يعرف الناس أنها كانت تتعاطى حبوب منع الحمل حتى لا تنجب أطفال يربطوها بعلاقة أبدية معك حتى تستطيع أولاً تكوين حياة مستقلة بعيداً عن بيت العائلة الذي كانت ترفضه بشدة ..أليس كذلك ام أن طلاقك لها كان بسبب أخر 

أغمض هارون عينيه بهدوء يكتم عواصف من الغضب بإطلاقها بوجه أمه 

:موافق 

: مبروك عليك زواجك بليلى بعد ستة أشهر ..

تركته مهرولةً لغرفتها دون أن يرى الإصرار الذي بزغ بشر من عينيها 

بينما هو لا يدري لما وقف هكذا أمام أمه يوافقها على جنون الارتباط بليلى ..

وهو متى كان يريد إعادة تجربة الزواج ليقرر الزواج باثنتين بيوم واحد ..

لكن لماذا يا هارون تنازلت ولو بالقول فقط وأنت تعلم جيداً أن أمك مستحيل تقدم على أي فعل يسيء لك وأنك لم تكن ستسمح بأفعال تسيء للباسمة ..

أم هو عقاب متأخر لتلك ..

.

🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔴

الحلقة 6 

.

.

: أخي ...لا تظلمها 

استدار هارون ليواجه وجه رباب الباكي : نعم 

: الباسمة لا تظلمها وترتبط بها إذا كنت ستجرحها 

 وقف أمامها بإرهاق واضح وهو يحرك يده على رأسه في محاولة للإفاقه لاستيعاب كلمات أخته : لا افهم ما تعني 

: لقد سمعت شرط أمي بأن تتزوج ليلى مقابل موافقتها بارتباطك بالباسمة 

الباسمة لا تستحق ذلك لا تستحق أبدا.... صدقني يا أخي أنت تعرفها أكثر مني وستعرفها أكثر عند زواجك بها ...

ليلى ابنة خالتي والباسمة ابنة عمي واحدة هي روحي والأخرى قلبي صدقني لو كان لدي أخين كنت لن أتوانى عن ضمهم الاثنتين لأسرتنا لكن دائما كنت سأفضل الباسمة لك 

هي نصفك الثاني ...

ثم غطت وجهها بيديها وانخرطت في البكاء 

فوضع هارون يديه برفق على كتفيها كي تهدأ :وهل هذا رأيك بأخيكِ ..هل هكذا تريني ندل وغير مؤتمن ..هل تفكري بداخلك أن أكون سبب بأذية ابنة عمي  ..


جففت عينيها وبصوت مبحوح : لا والله 

: إذا كان هذا رأيك فلما إعتقدتي أني سوف أفعل ذلك بالباسمة 

: لكنك قلت لأمي ...

قاطعها  بهدوء : قلت ولكن هل فعلت أو سوف أفعل ثم أنا فقط قلت ما قلت كي أكسب وقتاً معها ..إذا أراد الله والباسمة أصبحت حامل انتهى الأمر أما إذا العكس فلن أبقيها لحظة واحدة تحت رحمة كلمة لم أعنيها أبداً ..هل فهمتِ ..أنا لست وغد لهذه الدرجة ..

ثم أنا لا أقبل أن أخدع الباسمة ..لا أقبل ليس لأنها ابنة عمي بل لأنها ..

ثم صمت قليلا يبحث عن حروف الكلمة 

: تحبها 

نظر لها من علو وهمس : أحب مرافقتها و معاندتها وأعود مراهق في دفاعي عنها ومساندتها ..كل هذا وأكثر ألا يكفي  

ابتسمت رباب لأخيها الكبير وهي تحرك حاجبيها هامسه لنفسها : إنه أكثر من الحب يا أخي 

ضيق بين عينيه ناظراً لابتسامتها التي رأها بلهاء  : ماذا 

ترتمي رباب بحضن اخيها وهي تبكي فرحاً: اخي.. أخي ...أنا سعيدة لأجلك ..

تعالت ضحكاتها وابتعدت : أنا  سعيدة لأجلكما ....سأصعد لأطمئن على عمي ..

ثم جرت صاعدة لشقة عمهم تحت أنظار هارون المغلفة بالحب لأخته الصغيرة هامساً

: مجنونة

.......


مر عليها يوم عمل هو الأثقل بحياتها أخطأت بكل عمل قامت به... سرح عقلها مع أحلام مستقبلية وكان بطلها الأوحد هو حلم طفولتها و مراهقتها ..أعادت بذاكرتها كل مواقفهم سوياً ..سمحت لقلبها بتسارع الدقات والغيرة ..نعم الغيرة على عمر عاشه مع زوجة أخرى وأمل ما فتئت زوجة عمها بصبه صباً بأذانها عن زواج هارون المرتقب بليلى ..لتشعر بإحمرار وجهها فتغطيه بكلتا يديها هامسه 

الخجل يقتلني ... خجل من نفسي.... خجل من تصرفي  ..أحاول أن ارتفع بروحي عن فعلتي ولكن أظل أنظر لها من أعلى ولا تعجبني تصرفاتها وكأن الجسد له أفعال ..والروح لها أفعال ..لكن لماذا 

من حقي بعض الأنانية .. نعم فأنا لم أخذه من حب أو زوجة فلما القلق أو الشعور بالذنب بل بالعكس لقد فتحت أمامه باب كان يغلقه دوماً امام فكرة الزواج ...

....لا توهمي نفسك يا باسمة فهو فعلها من أجل عمه ...

لتجيب روحها التي تؤنبها .. حتى ولو كان ليريح عمه ...أليس من حقي أن أتنفس الراحة قليلا بإقدام والدي على العلاج وقد يكون زواجي سبب أخر لتقبل جسمه له عندما يرتاح نفسياً من جهتي ..

تركت ما بيدها وعادت لبيتها بوسائل المواصلات المتاحة وعندما وصلت كتبت رسالة لهارون تعلمه بوصولها حتى لا يوافيها لهناك ...

وجدت والدها ينهي طعامه الذي تعده مسبقاً و قدمته رباب له ثم يتناول علاجه وأكتفيا بنظرات متفهمه بينهما 

وكأنها تقول له لم يعد لديك حجه تمتنع من أجلها عن العلاج بينما يرد عليها بابتسامه حنونه ثم تركها ليرتاح قليلا  بينما دخلت هي غرفتها لتذهب من فورها للخزانة ساحبه منه وشاحها  هدية هارون الوردية الشفافة والتي عندما كانت تسود أيامها  تفردها على وجهها باسمة على حالها مقنعة نفسها إنها الأن تنظر للدنيا بلون مختلف ....لون وردي 

دخلت عليها الغرفة بهدوء ورأتها بتلك الحالة على فراشها واضعة وشاح حريري على وجهها 

فاقتربت بهدوء شديد وسحبت الوشاح وهي تبتعد عن يد الباسمة التي تحاول منعها من أخذه ضاحكة بمرح يليق بها وتعقده أمام أنظار الباسمة المذهولة حول وسطها الملفوف وتبدأ بالغناء والرقص


طلي على الأحباب طلي .. يا لايقه في الطرحه طلي 

يا هله بالفرحه تملي .. زي القمر ع النبي صلي 

يا لايقه بالطرحه .. يا هله بالفرحه 


يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا 

يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى


ثم اقتربت من الباسمه دون التوقف عن الرقص والغناء وأخذت يد الباسمة تراقصها وهي تشير لها بسبابتها  


فات الهوى على حيينا .. قلناله أدي العينه 

من قدنا مين .. مين زينا مين 

ده البدر شافنا واتلوى 


يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا 

يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى


ثم توقفت عن الغناء وهي تنهت ودموع فرح تغرق عينيها ويديها ترتعش بوضوح بين يدي الباسمة 

: مبارك أختي ..مبارك لأخي أنتِ ..مبارك لنا فرحتكم 

ضمتها الباسمة هامسة بخجل : وهل هذا يستدعي كل هذه الدموع 

يزداد بكاء رباب بحضنها وهي تردد : بل لأني سأكون بعيدة جداً أختي حتى أشاركم أيامكم كما كنت أتمنى 

أبعدتها لتنظر بوجهها الباكي شديد الإحمرار : ماذا تعني  

تضحك رباب ودموعها تغرق وجهها وهي تحكي لها عن ظروف هشام الجديدة ثم تمسح وجهها بضحكة 

 : أنا فرحي بعد أسبوعين 

الباسمة تدمع عينيها وهي تحتضنها بشدة ثم ابتعدت وهي تسحب الوشاح من يدها وهي تفرده عاليا وهي تدور وتدور وتطلق لسانها بكلمات الأغنية التي تغافلت رباب عن ترديدها بالبداية  


يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا ..

يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى ..

يا ام العروسه زغرطي .. يا ام العروسه ..

يا ام العريس زغرطي .. يا ام العريس ..

قولوا معايا يا فرحتي .. لما الهوى يجي سوا ..

ثم ضحكا عاليا وناموا سويا على الفراش وجههم متقابليين 

: بسمة 

: أممم

: تحبيه أليس كذلك 

لم يفاجئها سؤال رباب فهي كانت تقرأ دوماً بعيونها فهمها لمشاعرها الخاصة جداً نحو هارون لتمتم راضيه : نعم 

ردت رباب بخجل : إذا ستصبري على أمي 

ابتسمت وهي تلعب بخصلات شعر رباب القريبه منها : نعم 

قبلتها من وجنتيها وعادت تغمض عينيها : أنا هكذا سأسافر لأخر الدنيا وأنا قلبي مرتاح 

أغمضت الباسمة عينيها كذلك مرددة : سافري حبيبتي مع عشقك خالية البال ومرتاحة فمن أجل من نحب نضحي ..

.......

عنده وبألية تعودها أعاد ترتيب زيه الرسمي وسلاحه بخزانة مغلقة ..

ثم أدار نظره لغرفة نومه بتقييم ثم أكمل بتمهل المرور بباقي الشقة ليدرك إنه ترك كل أثاثه القديم كما هو دون أن يمعن التفكير..

فبعد الطلاق سافر وترك لوالديه انهاء الأمور المادية العالقة بينهم ..كيف لم ينتبه أن مطلقته لم تأخذ كل الأثاث كما هو متعارف عليه بمثل حالتهم وأكتفى بقول  أمه وقتها إنها عوضتها مادياَ فلن تقبل أن شقى ابنها وتعبه بتجهيز شقة الزوجية يذهب هباء ..

ضيق بين عينيه لتفكيره السطحي الذي توصل إليه وقتها بأن نجلاء تركت كل شيء خلفها  هامساً لنفسه إنها لم تحب الاحتفاظ بأي شيء جمعهم يوماً فأخذ يزيح من طريقة بغضب كل ما يقابله من طاولات أو غيره ليقرر بيع كل شيء وتأسيس بيته من جديد ..

كما حياته التي يريد بدأها مع الباسمة جديدة يملؤها الثقة ..

كما يأمل ...

.....


وفي الموعد

أكملت اعتماد وضع شال من القطن على رأسها جالسه على أريكتها المفضلة تفكر بهدوء بالخطوة التي هي مقدمة عليها وكيف تديرها بالطريقة التي تراها مناسبة دون أن تفقد سيطرتها على الأمر أو يحاولوا أن يقصوها فزوجها وابنها من الأن أخذوا جانب واحد في مواجهتها حتى تلك الصغيرة رباب ..

لا يفهموا أبداً إنها كانت تدبر لهم حياة مثالية رباب مع هشام وهارون مع ليلى لكن الأن مع الظروف الجديدة أصبح حتى ارتباط هشام برباب مهدد ... 

هذه الخطبة لابد وأن تؤجل قليلاً لبعد زواج ابنتها 

رفعت الحاجب الشمال وانزلته بابتسامه وهي تهنئ نفسها على تفكيرها ..

نعم هذا هو الحل للمعضلة الأولى أما الأخرى فأمرها سهل ستخبر أختها بأنه أمر مؤقت وأن هارون أُرغم على الارتباط بالباسمة من أجل عمه الذي يحبه وأنه ارتباط صوري أما الارتباط الذي ينتظره هارون بفارغ الصبر ويحلم به حتى إنه صرح سراً لأمه برغبته  فهو سيكون مع ليلى ..

أما المعضلة الأخير فهي المهلة التي اتفقت مع هارون عليها وهي بيدها وحدها حلها وأرغامه على الوفاء بها ..

وقفت وهي راضية عن ما توصلت له وهي تتلكئ للصعود للطابق الأعلى منادية على ابنتها التي بغرفتها ترتدي ملابس مناسبة لخطبة أخوها من ابنة عمها الحبيبة  : يا رباب 

خرجت كوردة  بفستان ازرق حريري يعكس بوضوح جمال عينيها تاركة شعرها الذهبي على جانب واحد وبيدها حذائها الفضي عالي الكعب جلست ترتديه

: لا تقلقي أمي أصبحت جاهزة ثواني فقط

 قالتها وهي تضع الحذاء بقدميها ثم رفعت رأسها لتفتح فمها بذهول وهي تمعن النظر لملابس أمها المكونة من جلباب قديم تظن أنه يعود للجدة تستعمله عادة أمام فرن الخبز فيغطيه بقع العجين والطحين  وشالها القطني الذي تضعه على رأسها والذي اختفى لونه من كثرة الغسيل ..

يا إلهي وأنا الذي أعتقدت ان الأمر سيكون مجرد مشاكل بسيطة ستوجدها أمها مع كنتها... الأمر لن يكون سهل أبداً  عليكِ يا بسمة ..

: أمي ما الذي ترتديه ....هل هكذا سنصعد نطلب الباسمة من عمي لتكون زوجة لأخي الحبيب ..

نظرت اعتماد لملابسها ثم نظرت لابنتها بتمعن : بل أنتِ التي جننتِ ما هذا الذي ترتديه هل تظني إنه يوم خطبتك ..ثم أنتِ لن تصعدي معي ..هل فهمتِ

:كيف 

: هكذا ... أريدك الأن أن تجهزي الطحين لنعد خبز يكفينا الفترة القادمة 

: أمي وما الداعي ففي معظم الوقت نشتريه جاهز 

: لا أحبه ..ثم لا تعاندي ..فقط بعض الوقت وننزل وبسمة كي نتعاون بإعداده

شهقت رباب : بسمة لا تعرف أبداً إعداده 

تحركت للخروج من شقتها ببطئ وهي تذم شفتيها وتحركها يمين ويسار  بسخرية : تتعلم ..ما دامت وافقت على الارتباط بهارون فتتعلم كل ما يخص حياتنا وتنسى حياتها السابقة بالمدينة

جلست مكانها وقد عقد حوارها مع أمها غصة استحكمت حلقها فكتمت تأوه ..فأمها ستتجاوز كل الخطوط الحمراء .. غمغمت نادمة 

: سامحيني يا ابنة عمي لقد أخذت منك وعد سيقضي لا محالة على راحة بالك  ..لكن ما باليد حيلة ..كنت أتمنى أن أكون بجوارك أخفف عنكِ حبيبتي لكن أملي بربي كبير أن تتخطى أمي غيرتها العمياء على ابنها الوحيد ..يا رب نور بصيرتها 


بينما كان بغرفة المعيشة مع والده وعمه والباسمة الوردية بفستانها الحريري الذي أظهر قوامها الرشيق بطيات ضيقة على كامل جذعها ليطير متحرراً متسعاً حتى كاحليها  مع وشاحها التي احتفظت به كجوهرة ثمينة لم ترتديه إلا بهذه المناسبة العزيزة على قلبها 

 تقدم لهم فناجين القهوة وعندما وصلت لهارون التقيت أعينهم البنية بحوار ساخر عن موقف مشابه كان من إخراج هارون نتجت عنه حروق من الدرجة الثانية أصابت الطبيب الشاب .. كتما ضحكاتهم بصعوبة حتى لا ينتبه عليهما الشيخان ... ثم تراجعت تجلس بجانب والدها في مقابل هارون وعمها 

كان انتهى علي تقريباً من كل الترتيبات التقليدية الخاصة بالزواج مع أخيه حتى رفع صوته يطلب من الجميع قراءة الفاتحة لحظة دخول اعتماد بصوت باكي صاخب 

: بدوني ..أه من حظك القليل  يا اعتماد... بدوني تقرأ فاتحة ابني البكري... ابني الوحيد ... كيف تفعل ذلك بي يا علي ..اشهد يا أبا بسمة اشهدِ يا بسمة على عمك الذي لم يخبرني إنه هنا ليقرأ فاتحة ابني ..الضغط أرتفع... ضغطي.. انجدني يا هارون ..

انتفض هارون يتقبل يدها التي تمدها له بأعصاب منهارة وهي ترتمي بحضنه فيجلسها بهدوء يقبل رأسها : لا والله هي فقط قراءة الفاتحة على ما اتفقنا عليه ..لكن بدونك هل تحلى لنا جلستنا يا سيدة النساء ..

قامت الباسمة عندما أفاقها والدها بدفعة من يده لتذهب لحماتها المستقبلية لتقترب منها بهدوء محمرة الوجه : لن يحدث شيء خالتي بدونك 

رفعت اعتماد رأسها بعيونها الباكية لترى الباسمة بأعين أخرى تقيمية لتراها بكامل بهائها كما لم تراها قبلاً ليزداد بكائها بنشيج حار وهي تحرك رأسها يمين ويسار بغير تمثيل هذه المرة فهي الأن صدقت أن هارون سيكون من الصعب عليه التقيد بكلمته معها لم تستمع لكلمات حسن المهدئة ولا نظرة علي الضيقة بوعيد مكتوم ولا هارون الحذرة من تصرفات أمه الجنونية أما الباسمة التي جلست بجانبها وتمسك يدها اليسار تدلكها بلطف وهي تهدئها بكلمات لطيفة فكانت كسوط على قلب الأخرى  فتسحبها بعنف لتمسح وجهها وهي تنظر للباسمة بنظرات قوية : لولا أني صعدت لأناديكي كي أعلمك كيفية صناعة الخبز الفلاحي الذي يحبه هارون لم أكن سأحضر فرحة ابني الوحيد أليس كذلك 

شعرت الباسمة بالخجل الشديد وهي تنقل بنظراتها التائةً بينهم جميعاً حتى غرقت عينيها بالدموع فلقد أصابها ما يشبه قلة الحيلة مع زوجة عمها وأم حبيبها لا تدري كيفية التصرف وقلبها يخبرها أن اعتماد ترفضها كزوجة لابنها  وإلا كيف حضر هارون وعمها ولم يخبروها إلا إذا كان ببالهم وضع اعتماد أمام الأمر الواقع ..

الصمت كان علاجها الفعال لكتم مشاعرها لكن كانت هناك تلك النغزة المؤلمة بصدرها تذكرها إنها من أرادت وطلبت وخاصة مع صمت هارون على تصرف امه  إذن فلتتحمل فالقادم أصعب ..

نطق علي بكلمات أراد بها إنهاء المهزلة التي صنعتها زوجته  : لا داعي يا اعتماد لكل تلك الجلبة وها أنتِ أتيتِ فدعينا نقرا الفاتحة ..

نظرت اعتماد لحسن دون الرد على زوجها : يا أبو بسمة هل يرضيك أن أغيب عن فرحة ابني حتى أخته المسكينه التي ستتزوج وتسافر بعد أسبوعين بالأسفل تجهز الطحين وتنتظرني أحضر بسمة وهي لا تدري إنكم هنا أقصيتوها عن مشاركتكم ..ماذا أقول لها وهي تبكي من الأن على إحساسها إنها ستفتقدنا وتبتعد عنا

: لا يرضيني يا أم هارون 

ونظر بعتاب لأخوه : لماذا تعجلت دون انتظار زوجتك 

وأنت يا هارون كيف تأتي بدون أمك 

نظر هارون للأرض خجلاً مما يحدث فهو لا يعرف كيف يقول لعمه أن أمه  عندها علم وهي التي أصرت أن نصعد بمفردنا وسوف تلحقنا هي وأخته عندما تنتهيان من إرتداء ما يليق بالمناسبة  

لينقذه أبيه 

:كنت متعجل من سعادتي يا أخي سامحني 

هز حسن رأسه بتفهم لكلمات أخوه : ما الذي يرضيكي يا أم هارون 

: فقط التأجيل 

انكمشت الباسمة بمكانها عند سماعها كلام اعتماد تحت أنظار هارون الغاضبة بينما علي تحدث بحدة : وما الداعي هل تعاقبينا يا إمرأة 

تحدث حسن بهدوء: أصمت يا علي ..

يا أم هارون ولو تريدي إنهاء الأمر برمته فسوف..

تقاطعة اعتماد : ما الذي تقوله يا أبو بسمة هل تعتقد إني أفكر بذلك لقد فهمتوا كلامي خطأ لو صبرتوا جميعاً ستعرفوا السبب الذي ستؤيدوني قطعاً فيه 

لينطق هارون أخيراً : وما هو يا أمي 

:العين 

نظرت ثلاثة ازواج من العيون لها وكأنها تنطق لغز وهي كذلك بالنسبة لهم 

: لا حول ولا قوة إلا بالله ..أليس الحسد مذكور بالقرآن وأنا سأزوج إبنتي وابني الوحيدان هل تريدون الناس يصيبونا بالعين فاخسرهم ..

يضحك علي بسخرية من كلامها : وهل تريدينا أن نزوجهم بالسر يا زوجتي العزيزة 

: لا يا علي كل ما في الموضوع التأجيل والسرية لما بعد سفر رباب وهشام 

هارون وهو يكاد يشد شعره من كلام أمه أمام الباسمة التي فقدت ابتسامتها وأبوها الذي ينظر لابنته الحزينة ولا يعيرهم إهتمام هتف بهدوء: وهل بعد سفر رباب بعد أسبوعين لن يحسدنا الناس 

: نعم 

عم الصمت المكان 

لتنطق الباسمة بكلمات متقطعة مع حديث يديها وهي ناظرة لعيني والدها : من باكر ستبدأ علاجك أليس كذلك 

أدار هارون عينيه بينهما ليشاهد أجمل حوار سمعه من لحظة دخول أمه فهو في غفلة منه ومع رغبته باتمام الزواج بالباسمة نسى شرارة البداية للقصة وهي علاج عمه 

ليكتفي عمه بإشارة من رأسه بنعم 

فتقف الباسمة وتجلس بجانب والدها تقبل يده وتضع رأسها بهدوء على كتف أبيها اليمين ليحاوطها الأب بيده التي تجاورها و دون أن يفلتها تحدث لأخيه 

: يا علي عقد قرانهم سيكون بعد سفر رباب إن شاء الله ..ولا تُغضب أم هارون أبداً  فطلباتها أوامر ...هل فهمت 

: نعم يا أخي فهمت 

تدخل هارون بإصرار دون الالتفات لشهقة أمه  : عقد قران و زفاف يا عمي 

: سنقرر بوقت أخر 

تدخل علي بمؤازرة لابنه : بل هو القول الحق ..شهر يا أخي من الأن ونفرح بأولادنا إن شاء الله ..لا تردني يا أخي 

دون أن ينظر مرتين لوجه اعتماد الأحمر أو قبضة الباسمة التي ضمتها لصدرها وهي تنظر له برجاء أن يرفض : توكلنا على الله ..الفاتحة 

قُرأت الفاتحة على اتفاقهم وبعد الإنتهاء من تلاوتها لم تستطع اعتماد إلا أن تضع بصمتها على فرحتهم البسيطة

: جيد شهر مناسب وخاصة أن شقة هارون جاهزة ومؤثثة بالكامل من زيجته السابقة ولن تحتاج أي تغير 

 تختفي ابتسامة باسمته مع كلمات أمه ليتدخل بهدوء : الشهر أكثر من مناسب فعلاً وخاصة إني اتفقت مع تاجر اثاث سيأتي من الصباح الباكر يفرغ الشقة بالكامل ونذهب له أنا والباسمة لننتقي غيره وندفع الفرق 

لتهمس الباسمة بإحراج : لا داعي 

تنظر اعتماد لابنها : أرأيت بسمة من رأي الأثاث لازال جديد وخسارة 

تدخل علي بخبث : لا تحملي هم سنعطي غرفة النوم لرباب وهشام ونوفر عليهم شرائها 

كتم حسن الضحكة من خبث أخيه شاكراً بقلبه تدخله الذي أراد به توبيخ اعتماد التي أخرستها المفاجأة بسابقة تعد الأولى من نوعها فيتدخل برزانة 

: هارون و الباسمة لهم من عندي غرفتين هدية مني وأيضاً ... 

يقاطعه هارون بإصرار زاد من إعجاب عمه ويقينه إنه الأنسب لابنته : اعذرني يا عمي هديتك وصلت برضاك على ارتباطي بالباسمة ولكني أريد تجهيز شقتنا بنفسي والذي لا يكون بمقدوري جلبه اليوم سأحضره بالمستقبل إن شاء الله 

ثم نظر للباسمة محاولاً استجلاب ابتسامتها : أليس كذلك يا باسمة 

اشارت له الباسمة بخجل بنعم مع بسمة خفيفة تحمل من الحزن الكثير ولكنها تكفيه الأن ليبتسم لها بالمقابل ..

لكن حسن الذي أراد إرضاء اعتماد تحدث موجهاً حديثه لها :  أتمنى ان تلبي يا  أم هارون لي طلب ..

: طبعاً يا أبو بسمة 

: أريدك ان تعتبري نفسك من الأن أم الباسمة أكثر من كونك أم هارون .... أريدك أن تعتبريها كرباب بكل التجهيزات التي تخص العروس فكما تعرفي ان الرجال يجهلوا تلك الامور كما أن هناك تلك الأمور المتوارثة كهدية الكنه لبيت حماها وما إلى ذلك من تلك الأمور وأيضاً الحلويات التي توزع تالي العرس 

يرد علي بضيق : هذا الكلام يا أخي مع الغرباء كما أن كثير من تلك التقاليد قد عفى عليها الزمن 

حسن بابتسامه لابنته : الباسمة ابنتي الوحيدة وأريد فرحها بالكامل كما حلمت أمها ولأنها حبيبتي   تركت القرية منذ زمن فلا خبرة تذكر لديها أريد أم هارون تتولى هذا الأمر تماماً كما كانت أمال ستفعل بل أكثر ..

ثم نظر لاعتماد برجاء حقيقي : هل ستفعليها يا أم هارون أم أجد من سيدات العائلة من يوافق أن يقوم بهذا الدور 

لو أرادت الرفض لن تفعلها بعد رجاء الرجل الكبير وبالطبع نظرة ابنها الراجية وعلي المحذرة : تحضر غريبة يا أبو بسمة وأنا موجودة ..اطمئن .. أوعدك 

ابتسم علي أخيراً براحة ووقف يقبل أخيه الأكبر : الحمد لله ..مبارك يا أخي 

ثم أخذ الباسمة بحضنه هامساً لها : لن تُظلمي ببيتي أبداً يا ابنة الغالي ولو أراد أحدهم بكِ سوء سيجدني أمامه خذيها من عمك الطيب كلمة وعهد 

تنعمت الباسمة بحضن عمها وعهده ووعده ثم قبلت يده بحب وهي تشكره هامسة بخجل ليتحرك من أمامها فتجد هارون يبارك هو الأخر مستغلاً انشغال الأخين وأمه بحديث عن التجهيزات والسرية المبالغ فيها من أمه ليهمس لها 

: مما رأيته واستشعرته من الأن أنك على ما يبدو لازالت فكرتك عن زواجنا أنها نزهة أو مشوار للسوق...ولن أحاسبك اليوم على عودتك من العمل دون انتظاري لكن من باكر لن تتكرر هل فهمتِ يا ابنة عمي  

ردت الباسمة هامسة بغيظ: قبل أن تذكرني بهيمنتك الذكورية يا ابن عمي أحب أن أوضحلك  أن والدتك لا تشاركك رغبتك بالزواج مني

ضحك بتفكه : بل أنتِ التي لا تري الحقيقة فأمي تمارس دورها بالتاريخ بإتقان يا معلمة التاريخ 

عقدت جبينها بتفكير  : ماذا تقول

همس لها : أقول ان أمي حماة درجة أولى بينما أنتِ فشلتِ للأن بدورك كخطيبة وزوجة مستقبلية أين صينية العرس التي تحوي العصير الأحمر بطعم روح الورد 

نظرت له بذهول هامسه : أي صينية وأي عصير ... لا أعرف عن ماذا تتحدث 

 ضحك هارون حتى إنه لفت أنظار الأخريين له :عموماً خذي 

أخرج من جيب سرواله  ظرف يحوي نقود ورقية ووضعها بيدها بعد أن فتحها قصراً : لم يكن لدي الوقت لأحضر لكِ هدية من الذهب 

لتشهق هامسه وهي تحاول أن تعيدها بيده فيرفض هارون ويطبق يديه عليها بقبضة صارمة : ما هذا يا هارون

: هذا يا خطيبتي صور من تراثنا على بهجة العريس عندما يرى العروس وتعجبه  وأخذك لها الأن معناه أن لديكِ القبول أيضا من ناحيتي ..هل فهمتِ 

ثم تركها بمكانها فارجة بين شفتيها بذهول نست فيه التنفس حتى أعادت شهقاتها الناعمة انتظامها وابتسامة رقيقة زينت وجهها الناعم لتنظر حولها بعدها فتجد البيت فارغ إلا منها وأبيها الذي تملكته ضحكات صاخبة لم تراها منذ زمن فشاركته الضحك لتجلس بجانبه 

:أعجبني هارون اليوم وهو يحاول إرضاء أمه وفي نفس الوقت فعل ما يجب عليه ناحيتك  الوحيد الذي يستطيع التعامل مع اعتماد هو هارون ..

ثم نظر لابنته بحنيه ورجاء: ساعديه يا ابنتي دائما على برها 

الباسمة بتنهيدة : الأولى ان تساعد نفسها 

:ماذا تعني 

نظرت لأبيها بحب :  أعينوا ابناءكم على بركم  

: نعم صحيح

نظرت لبعيد كأنها ترى مستقبل تخشاه مع اعتماد : أدعو الله أن تكون أكثر هدوءاً وتفهماً  فهي تقود هارون على القسوة عليها دون ان تدري 

ربت بلطف على رأسها النائمة على صدره : المهم عندي أنكِ لا تكوني السبب 

همست بوعد :اطمئن يا أبي لن أكون

                       الفصل سابع من هنا 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-