CMP: AIE: رواية الباسمة الفصل السابع والثامن 7و8بقلم روتيلا حسان
أخر الاخبار

رواية الباسمة الفصل السابع والثامن 7و8بقلم روتيلا حسان


 رواية الباسمة 

الفصل السابع والثامن 

بقلم روتيلا حسان 

.

.

أول جلسة من العلاج الإشعاعي الذي نصح به الطبيب كوسيلة لتقليل  حجم الورم الذي يأخذ موضع صعب الوصول إليه جراحياً كان العذاب بعينه للمريض ومرافقيه ..

فالمدينة القريبة من القرية والتي وجدت بها المصحة الخاصة بإجراء الجلسة العلاجية كانت بإمكانيات ضعيفة وعدد أسرة قليلة لا تتناسب مع عدد المرضى الذين يأتون إليها من كل القرى المحيطة ..اما الأطباء والممرضين فقد أعموا أعينهم عن ما يدور حولهم وأصبح صفة لا اسمع لا اتكلم هي الشائعة بينهم أتخذوها وسيلة للهروب ليس من واجباتهم فهم لم يقصروا ولكن لضيق اليد وعدم قدرتهم بعددهم المحدود وخبرة معظمهم القليلة على سد العجز ..

أما الباسمة والتي قررت التفرغ يوم جلسة أبيها من عملها بمساعدة مدير المدرسة الرجل الطيب الذي كان صديق وجار كحال أهل القر ية جميعاً أتاح الفرصة أمامها بعدم التقيد بمواعيد العمل في سبيل مرافقة والدها فقد أخذت حائط ووقفت بجواره تستند عليه بينما افترش عمها الأرض بعدما أُرهق من وقفته بانتظار خروج أخيه الغالي ..

لم يكن بإمكان هارون التواجد بسبب عمله الذي لا يتسم بالحرية في خروجه مثلها ولكنه كان معها على الهاتف معظم الوقت ..

وهنا بهذا المكان الصغير عندما نرى آلام البشر تكون مشكلة العشق التي أشغلت عقلها به صغيرة جداً لتستصغر نفسها كثيراً وتبدأ بالشعور بجمود غريب يصيب قلبها ..وأصبح المنظار الوردي الذي كانت تحاول أن ترى به الدنيا غير متناسب ..هل هي صورة من الإكتئاب أم صورة من رفض أي سعادة قد تجدها فتلهيها عن الأهم وهو مرض والدها ..

ولكن الأكيد أنه عندما تنظر للمكان المزدحم تغيب أحلام الصبا 

وعندما تنظر للأرض خجلاً فترى من يفترشها مرضاً تغيب أحلام المراهقة 

وعندما تنظر للسماء لتبحث عن  السكينه بين سحبها فتسمع آنات المرضى فتغيب أحلام الأنثى بداخلها

فأين وقت تجده الباسمة لتحب وتعيش العشق بآماله وأحلامه ..


انتبهت من لجة أفكارها على صوت الممرض يدعوهم لمعاونة المريض على الخروج ..

ليقف العم فوراً تتبعه الباسمة فيروا الحبيب مسجى على فراش المرض شاحب الوجه مغمض العينين ..

لم يتفوهوا بكلمة فكل الكلام لن يعبر عن الحزن الذي بالقلوب ..

تعاونوا باستخدام مقعد متحرك بعد أن أقرضوا الممرض بعض النقود ليساعدهم على إصال المريض للسيارة التي تنتظرهم وعندما وصلوا للبيت بدأت معاناة جديدة للوصول للشقة العلوية لم يتركهم شباب شارعهم الطيبين ليعانوا منها ليضعوه متكاتفين على مقعد عادي ويصعدوا به لشقته ..

كان أبي لديه كل الحق عندما عاد بينهم فهذه العاطفة والتكاتف هو ما يحتاجه والدي بالفعل ..

لم تعير الباسمة حماتها المستقبليه أي إهتمام عندما نادت عليها كالعادة لتختار من بين بعض الأشياء التي اشترتها لجهاز العروسة مردده لها ببساطة بما أسعد اعتماد 

: ما تريه مناسب خالتي إفعليه 

وظلت بجانب والدها يساعدها عمها على محاولة تخفيف الأعراض المصاحبة للعلاج  وقرب المغرب وصل هارون ليصعد هو ورباب ليتعاونا معاً بأخذ دور الباسمة وأبيه وهم يرغموهم على الراحة قليلاً ..

وتمر الأيام والحبيب يضعف ويزداد غثيانه مع فقده للشهية فتكون النتيجة خسارة متزايدة للوزن .. وقلق يزداد على عدم قدرته على التحمل

الورم خبيث وسنوات عمره الكبير لا يساعد على المقاومة...

يأتي يوم زواج رباب السعيد و بخفية عن الجميع كما تم عقد القران بالشقة السفلية للعروس الذهبية تم عقد القران بغرفة العم المريض للعروس السمراء..

وبينما كانت التهاليل والرقص والغناء في الشقة الأولى ..كانت هناك الشجن والدموع بالشقة الثانية ..

 وتصبح الجميلة السمراء زوجة الجبل الشامخ

اختارت مكان من الشرفة الواسعة  بطولها المميز ورشاقتها التي زينها فستانها بذهبيته الخفيفه المطعم بوردات مفرغة يبطنها قماش حريري من اللون البيج  فيعطي إيحاء للناظر من بعيد إنه عاري الكتفين والذراعيين ينزل يضيق من الصدر حتى ما بعد خصرها ليتسع بحرية ليطول من الخلف أكثر من الأمام .. ظلت هنا حتى لا تبتعد كثيراً فتصعد كل حين تطمئن على والدها واختارت ليلى الذهبية الأخرى الخجولة صحبتها على المكوث بالشارع وسط جمع غفير من المهنئين  يشاهدوا زفة العروس  حيث أقيمت مراسم الفرح .... 

لم يحدثها من بعد عقد قرانهم  لكن لم تغفل عينيه عنها أراد محادثاتها قليلا لكنها كانت بعالم آخر يضم أباها فقط ..

لا يجب أن يكون أناني ولكن ما المانع أن تبدي بعض المشاعر الإنسانية كالخجل والفرح.... هناك همس داخله يوسوس له إنها لازالت تنظر لزواجهم على أنه فعل اضطراري وهذا الهمس ينغص عليه حياته ..

ولأنها وجه جديد فكانت ملفته للنظر بطلتها الذهبية المتناغمة مع بشرتها  ووصل لمسامعه بعض كلمات التي توصفها  ..كاد يجن وصعد لشقتهم 

ليجد أمه تهامس خالته وواضح من وجه الخالة إنها علمت بالزواج المرتقب ..

عين خالته الحزينه رأته أولاً لتلفت نظر عين أمه فوراً فتبتسم له وهي تراه مُقبل عليها ببدلته السمراء التي رسمت جسمه الرياضي لتعطيه الصرامة التي يشتهر بها مع رابطة عنق حلها قليلاً فأظهرته بمظهر الشاب الوسيم اللعوب فعبرت اعتماد فوراً عن فخرها بابنها وهي تقبل عليه تحتضنه مرددة عبارات الترحيب ودعاء من القلب أن ينول فرحته هو الأخر بمن يتمنى غامزة لإحسان بعينها اليسار التي لم تستطع سوى الرد عليها بابتسامه باردة 

ليجد نفسه في موقف حائر كيف يعبر عن غيرته على زوجته دون أن يمس رغبة والدته بالسرية حالياً وبحسبه بسيطة قاطع حديثهم : أمي نادي على البنات من الشرفة ليدخلوا فوقفتهم تلك لا تصح..

ثم تحرك سريعاً للعودة للإحتفال ولم تتاح له الفرصة رؤية تلك التي كانت بطريقها لوالدها للاطمئنان عليه وشقت الابتسامه وجهها للحظة لإعتقادها أنه يخصها بغيرته لتكتمها باللحظة الأخرى دموع وصراخ يشق الصدرعندما سمعت اعتماد 

: أرأيتِ  و دون تدبير سمعتِ بأذنيك كيف هي لهفته وغيرته على ليلى 

لتشيح لها إحسان بيدها تكتم غضبها : قد يكون قصد بسمة بكلامه

وضعت اعتماد يديها على خصرها  :  هل تسمعي نفسك ..بسمة من التي قصدها  ..إنها الشقراء التي تنير بالليل من لفتت النظر وأثارت غيرته ليترك كل شيء وكل المهنئين ويصعد لإدخالها ولكنه خجل عندما وجدكِ معي و لا تنسي الوضع الذي أُرغم عليه بسبب عمه ..

عندما رأت إعتماد موافقة أختها اللحظية : هيا لنعود لأولادنا وقريباً سننال ما نتمنى ونجلس بفرح ليلى وهارون أيضاً بعد أن يتخلص من رباطه الصوري مع ابنة عمه ..

خرجوا لتكملة مراسم العرس دون أن يلاحظوا التي تحول قلبها لشظايا وبدل أن تنهار بكاء أكملت طريقها بجمود معلنة بكل بساطة إنها تستحق فهي من طلبت أن تُعامل هكذا  ...

دخلت غرفتها وأبدلت ملابس السهرة بأخرى تشعرها أكثر بالراحة  قميص اختارت اللون الأسود كأشارة واضحة لمزاجها  أدخلت أطرافه بالسروال الجينز وجمعت شعرها في ضفيرة طويله ..

وظلت بجانب والدها الذي يشعرها دائماً بأنه الأمر الثابت الوحيد الذي تستند عليه ويمنحها الثقة ..قد يكون تعلقها طبيعي ولكنها تشعر بعد  ما سمعته إنه وصل للتعلق المرضي ..

لم تنتبه للحظة على انتهاء الحفل و بعد فترة  استقبلت بغرفة والدها عمها وهارون الذي تخلص من السترة فقط  للإطمئنان أولاً عليه ..نظرت لملابسها ببرود و لم تبدي اي رغبة بالتأنق أو تبديلها ..فهي بالرغم من كل ما تحاول أن تقنع نفسها به إلا إنها تأثرت بكلام اعتماد واعتبرت نفسها قضية خاسرة لابن عمها   ..

فجأة حالتهم الساكنة تماما بجانب والدها أصابها الصخب مع  صوت اعتماد الغاضب على تسرعهم بعقد قران ابنها وتراشقها وعمها بالكلام عن محاولته إقصائها عن كل ما يسعدها 

لتبتسم بسخرية تحت انظار هارون الغاضبة من تعابيرها الباردة وقد أصبح عنده شبه يقين أن ابنة عمه لا تعير زواجهم اي أهميه لم يوقفهم جميعاً عن الحالة التي وصلوا إليها جميعاً مع أفكارهم  إلا صراخ الباسمة عندما انتبهت على إغماءة تصاحبها تشنجات واضحة لوالدها ..

ومع صوته العالي حتى لم تسمعه ... 

 أو تشويح يديه وهو يشير بها بعصبية..

 قرأت الكلمات من حركة شفاهه التي تنفخ هواء وصلها ساخن ..

ولكنها لم تصل أبداً بالرغم من معرفتها للكلمات لفهمها..

ظلت أمامه وهي تحرك رأسها بتوتر و  كل تركيزها مع أبيها بكل مرة كانت إغماءاته قصيرة   لكن هذه المرة كانت طويلة ..

طويلة لدرجة إنها اعتقدت إنه فارق الحياة ..

يا ربي لالا ...

ظلت تحرك رأسها برفض تام لما شعرت به من ألم الفقد ...

 أصابه الضيق من حالتها الهستيرية وعدم فهمها له ...   

سمع صوت خطوات على الدرج فعلم بوصول الطبيب الذي استدعاه والده   

فمد يده وأمسكها بعنف من عضدها يجرها  لغرفتها ثم بحركة عنيفة كادت تسقطها لخفتها أدخلها وهو يشير لملابسها و يسحب المفتاح من داخل الباب ويغلقه بإحكام ... 

يمنعها من الخروج ...

فلن يكون هارون العابد ويتركها تقابل الطبيب الوحيد المتاح بقريتهم البائسة

 أمجد الخاطب السابق ..

عندما أفاقت على حقيقة إنه يحبسها بغرفتها وتأكدت إنه لن يعود لها بالقريب ظلت تدور كنمرة شرسة  ببكاء حار يصل لصرخات مكتومة وكلما مر الوقت أكثر تزداد عنف لترمي كل ما حولها  وخاصة و عن قصد كل ما حاولت خالتها اعتماد تمريره لها كنوع من الحب والاهتمام وهو في الحقيقة طريقة لتكسر من ثقة الباسمة بنفسها خاصة تلك المستحضرات التجميليه وكريمات تفتيح البشرة والعدسات اللاصقة الملونة حتى وصلت  للطاولة التي تجاور فراشها وتحمل علبة صغيرة هدية حماتها المستقبلية أمسكتها بيدها وهي تضحك وتبكي بنفس الوقت مرددة 

: أسبوعان من الخداع خالتي وأنتِ توهميني إنني مثل رباب وتمنحيني نصائحك كلما رأيتيني وإنني لابد أن أهتم بنفسي وخاصة مع نحافتي التي تصيبك بالخوف على زوجة ابنك وأم حفيدك المرتقب وتعطيني علاج فاتح للشهية  أمام الجميع حتى توهميهم أيضاً باهتمامك بي وأنتِ بالحقيقة تتأمري من خلفي ..فكيف كان سيكون الحال لو عرفتِ الحقيقة وان ابنك الغالي بالفعل غُصب على الارتباط بالسمراء النحيلة الصماء 

فترميها بسلة القمامة الصغيرة وتجلس بالأرض مستندة بظهرها على فراشها وهي تبكي بحرقة   ..

: أنا السبب ..انا وحدي السبب ..ليس خطأك يا خالتي ولا خطأك يا هارون 

..نعم  ليس خطأك يا ابن عمي 

ظل نظرها مع تلك التي تقبع داخل السلة حتى عادت وأخذتها مرة أخرى ووضعتها على الطاولة وقبلها  أخرجت منه واحداً وتناولته وهي تضحك ودموع القهر تغرق وجنتيها على فعلتها فهي تريد زيادة وزنها حتى تكون جاهزة لاستقبال قطعة من هارون تبقيها حيه ..

أو تبقيها زوجة هارون حتى لو تزوج بأخرى ..

هكذا هداها قلبها في غياب عقلها والتفكير السليم...

نظرت للباب الذي يفتح..

 لوهلة تلاقت الأعين لتهب واقفة تلكم صدره بقبضتها الصغيرة وهي تحاول أن تزيحه  

: لقد أغلقت الباب بالمفتاح  لماذا ..قل لماذا ..

منعها من الخروج بجسده العريض وأغلق الباب خلفه  ثم نظر على الفوضى التي أحدثتها بالغرفة بتأثر 

بينما كانت تحاول أن تمر من جانبه ولكنها كانت أضعف من أن تحركه قيد أنملة فصرخت به :  دعني أمر لأطمئن على أبي

:عمي نائم الأن  

عادت مرة أخرى تحاول المرور : دعني يا هارون  ..حتى ولو نائم أريد أن أراه ..ثم ماذا قال الطبيب ..وكيف تجرؤ على حبسي  

نظر لعيونها الحمراء وشعرها بجديلته المشعثة فرق قلبه  لحالتها و حدثها بمهادنة : عَرض جانبي مصاحب لمرضه ..  لكن إطمئني سأستغل عطلتي بالغد  و أذهب معه لإجراء صور مقطعية نتأكد من الحجم الذي وصل إليه الورم  بعد جرعات العلاج التي أخذها ..

ثم عقد ذراعيه أمام صدره وببرود أصابها بالجنون  

:ولماذا حبستك لأنه كان أمامي خيار أخر بالتأكيد لم يكن سينال رضاكي فحالتك كانت هيسترية ولأخرجك منها حسب دراستي بعلم النفس بكليتي كان على  صفعك حتى أفيقك ..

صرخت بوجهه وهي تشير بيديها بسرعة مع كلماتها : لا تعيدها مرة أخرى ...وهل تلك الدراسة كانت مخصصة للمجرمين أم معي فتتحير مابين حبسي وصفعي ...

لا تسمح لنفسك أن تحبسني مرة أخرى هل تفهم..

انا لم أكن هستيرية بل خائفة يا دارس القانون وعلم النفس .. خائفة حتى الموت على أبي ..

وكنت إفعلها واصفعني يا ابن عمي وأنا كنت رددتها لك بدل الصفعة اثنتان وعشرة ..ليست الباسمة من تُصفع 

عض هارون على شفته السفلية وهو يقترب ببطئ دعاها للتراجع  : في عادتنا ذبح القطة للعروس يوم عرسها هل تعرفيها 

لم ترد عليه بينما تتراجع للخلف وهي تنهت بشدة ودموعها التي بللت خديها ومسحتها أمامه جعلت من بشرتها الذهبية متوهجة أمام عينه المقدرة للجمال  ليكمل هو تقدمه وكلامه  : بما إنه اليوم كان عقد قراننا أي عرسنا شرعاً سأبدل تلك العادة بقطع لسانك يا ابنة عمي أو ذبحك أنتِ شخصياً إن لم تكفِ عن إثارة غضبي بلسانك وصوتك العالي  

تراجعت للخلف حتى التصق ظهرها بالحائط ليتركها وهو مبتسماً لنفسه إنه أوقف كلماتها الصاخبة بحلقها  ثم أعاد نظره حوله و أخذ يرتب الأغراض التي بعثرتها في موجة غضبها  

فتهمس مذهولة من تصرفه : ماذا تفعل 

واصل ترتيبه للأشياء وهو يصدر أصوات ساخرة ورافضة بلسانه : زوجتي الجميلة غير مرتبة .. مسكين يا هارون لقد تورطت بتلك الزيجة 

وكأنه أصاب قلبها المكلوم بخنجر بكلماته  التي أراد منها تلطيف الجو مع ابنة عمه والتخفيف عليها لتصرخ به بغضب وهي تقترب منه وتشد الأشياء التي بيده وترميها بعيداً 

: لم تكن تحتاج سوى ان ترفض عرضي بدل أن تُرغم على فعل شيء وببالك فتاة أخرى 

نظر لها بذهول : يا الله من أين يخرج هذا الصوت منك يا فتاة إنك تكادي تختفي وراء القلم الرصاص..

ثم عقد ذراعية على صدره :ثم لا أدري من أين تستحضري تخيلاتك 

: أنا لا أتخيل ..

هدأت من صوتها وجلست أمامه واضعة ساق على الأخرى وبهدوء شديد تحاول إقناعه بثباتها الظاهري  

: هارون أنا فتاة  عقلانية وطلبت منك الزواج لأحصل على تجاوب أبي لبدء العلاج ..

والحمد لله حدث ما رغبت فيه ..انا أرى إننا نفتــ...

شوح بيده يسكتها وقاطع حديثها : كفى ..كفى ..الزواج ليس لعبة أنا قلتها لكِ سابقاً وأعيدها مرة أخرى وستكون الأخيرة  ..

أنا كنت صريح معكِ منذ البداية تخطي طلبك فهو مجرد شرارة بالنسبة لي أشعلت رغبتي بالارتباط بكِ يا ابنة عمي ..وأصبح من واجبك أن تساعديني على نجاح زواجنا ..ولا أريد أن اسمع كلام عن إرغامي أو رغبتي بغيرك ..هل كلامي مفهوم 

وظلِ شجاعة للنهاية كما عهدتك  يا باسمة لأننا قد نحتاجها بحياتنا الزوجية مستقبلاً 

شجاعتك وأنتِ تبحثِ عن حل يرضي أباكِ ما حركت الجبل ..لا تفقديها في غمرة تخيلات غير مبررة ..لا تفقدي ميزتك يا عزيزتي ..

قالها وهو يعود ليحمل الأغراض التي على الأرض ليعيدها مكانها فيلمح عبوات التجميل التي تحضرها أمه بصورة مبالغ فيها  من كريمات تفتيح البشرة والصبغات  والعدسات الملونه وبابتسامة ساخرة على شفتيه 

:لم تستعمليهم 

كانت لا زالت تحت تأثير كلماته بينما تجيبه : لا أحبهم 

ألقى بهم بسلة القمامة الصغيرة ثم استقام أمامها ناظراً لعينيها بقوة : لا تحتاجيها ..أحببتك حرة طليقة شجاعة ..لا شقراء زرقاء العينين 

لتضحك بمرارة : صحيح لديك الأصل 

ضيق هارون بين عينية وهو يسمع نبرة جديدة بصوتها : ماذا تعني 

وقفت تواجهه بشراسة : أقصد ليلى 

أغمض هارون عينيه لحظة يشتم داخله فواضح بشدة تأثير أمه .. فابتسم ببرود يحاول إخراج شراستها المعهودة معه التي يبني عليها الكثير بالمستقبل في بناء حياتهم الزوجية بوجود أم غيورة 

: أعتبرها غيرة يا ابنة عمي 

لتضحك وهي تعقد ذراعيها على صدرها : على من يا هارون ..

هل لابد أن أذكرك كل حين إنني من طلبت منك هذا الزواج 

ظل يحرك رأسه يمين ويسار بعصبيه : ألا تتعبي من ترديدها 

أجابته بإصرار : ولكنها الحقيقة 

هتف بها بحدة أجفلتها: حقيقة لا أريد سماعها أو حتى ذكرها بينك و بين نفسك ....

وفي محاولة لنفي التهمه عن نفسه بإحراجها حتى يجد حل مع والدته 

: ثم لماذا ذكرتي ليلى بالذات وهل ستزجي باسمها بكل مشكلة تقابلنا بحجة إنكِ من إقترحت الزواج ..

خجلت من نفسها كيف فقدت ثباتها أمامه واستسلمت للغضب ..

بل للغيرة وهل من حقها الغيرة ..

أريد أن اصدق صدقني يا هارون أريد أن أصدق كل حرف تقوله...  ياليتني لم أسمعها كنت صدقت كل كلامك وتصرفاتك ..

ثم ماذا أقول لك بعد عقد قرانا بعدة ساعات اشتكي من أمك ..

وكأن خطبتنا طبيعية توددت فيها لنيل رضائي وانا أتدلل 

حركت يدها بالإشارة بتوتر مع ثقل لسانها لأول مرة من بدء حوارهم : لا .. بالطبع لا ... أعتذر لم أقصد

 حرك يده على شعره القصير وهو يبتسم وعينيه البنيه تلمع بالمكر  :  كل القضايا التي خضتها في عملي حللتها بسهولة إلا تلك التي كانت العقل المدبر فيها إمرأة كانت تأخذ مني وقت أطول ... لديكن قدرة عجيبة للتخيل وتوجيه الرجال لفعل المستحيل من أجلكن 

بدأت تشعر ببرودة الجو تسري أو لمستها كلماته الماكرة و نظراته فدلكت يديها وأحاطت نفسها بذراعيها  تحت أنظار هارون المستمتعة وهي تحاول الهروب من تركيز عينيه وإنهاء الحوار : هنيئاً لهن ..

ابتسم لمحاولاتها الخجولة للتهرب من نظراته : بل هنيئاً لنا تحملنا لحماقتكن وتقلب مشاعركن ..من يصدق إن تلك المحادثة هي الأولى بعد زواجنا ..وهذا بدل أن ترحبي بي وتهنيني  أو تتركيني أنا أهنيكي بطريقتي 

نظرت لساعة يدها وهي تتجه لباب الغرفة وهي تقاوم تزلزل كيانها أمام كلماته

: لقد سهرت كثيراً وأمامنا يوم طويل غداً الأفضل أن تنام قليلاً

هارون باستمتاع وهو يقترب منها بصوت أجش : هل تلك دعوة من زوجتي الرقيقة للنوم معها 

تراجعت للخلف بتوجس : هارون .... 

اقترب أكثر منها وهي تتراجع حتى التصقت بظهرها بالحائط خلفها وهو يكاد يلامسها : نعم يا زوجتي الرقيقة

 خرجت الكلمات من فمها بتقطع وهي تشير بيدها بسرعة :أخرج من فضلك 

همس بمكر :لما ألم نصبح زوجين 

حاولت المرور من جانبه وهي تبعده بكلتا يديها : لن أعيدها هارون.. لا تجعلني أعلي صوتي

منعها من التحرك قبضته القوية التي أمسكت بكفيها وراء ظهرها والأخرى التي تشد على جديلتها السوداء التي تستفزة من لحظة رؤيتها لحلها  فترجع رأسها لأعلى لتواجه بوجهها الصافي وجهه 

هامساً متمتعاً قربها  : مظلومين نحن معشر الرجال وأنتن من تقودونا بسلاسل وهمية لنقع فريسة لأفكاركم الخبيثة التي تطلقوها في صورة كلمات تدعين أنها غير مقصودة فنسقط بالرزيلة وتخرجن أنتم منتصرين 

شهقت هامسه بتلكؤ: مااااذا 

قبلها بخفة بجانب فمها مستغلاً ذهولها من كلماته ليئن بعدها بثانية كاتماً صراخاً و محرراً لها على ضربة مباغته منها لقصبة ساقه 

: مجنونة 

 تفتح الباب بعنف وهي تتحدث بصوت عالي غير مكترثة بمن قد يسمعها : بل أنت المجنون أخرج حالاً من غرفتي 

تحرك يخرج وهو يعرج قليلاً بتمثيل واضح ثم مال نحوها عند الباب هامساً : تذكري تلك الضربة جيداً لأنها أول ما سأعقبك عليه عندما يغلق علينا باب واحد بعد أسبوعين من الأن يا زوجتي الباسمة

ثم شد ضفيرتها بعنف غامزاً لها وخرج متوجهاً لشقته بالأعلى وهو يضحك عالياً جاذباً الضحكة جذباً من قلبها وهي تمسد رأسها من الألم اللذيذ هامسةً : ابن عمي المجنون ...

أغلقت الباب مستنده بظهرها عليه

: بل زوجي الحبيب المجنون ....

..........


كانت تجلس تنظر للسماء من نافذة حجرتها الصغيرة  تستمع لكلام خالتها على لسان أمها الخاص بزواج هارون المتضطر من ابنة عمه ..فضحكت بسخرية دون أن تتمكن من كبح دموعها 

: وهل نحن في زمن تغصب فيه البنت حتى يغصب الولد يا أمي .. هل تصدقي أنتِ أو خالتي ما يقال ..

تحدثت إحسان بتيه : لا أدري هذا ما قالته خالتك ... أنا حتى لا أدري لما أوافقها على ما تقوله أو تفعله بالرغم أني شعرت من البداية بتعلق هارون بابنة عمه لكن كلمات خالتك يبدو إنها جاءت على هوى ضعفي ناحيتك حبيبتي ..

كل ما تمنيته أن تنالي الزوج الذي يصونك و عندما أخبرتني اعتماد برغبتها بكِ كزوجة لابنها تعلقت فوراً بهذا الأمل 

اقتربت من أمها  تنام بحضنها كطفلة صغيرة خائفة

: أمي هل أخطأت ..هل أخطأت ابنتك عندما اختارت الإنفصال عن زوج كريم في سبيل أطفال كانت تحلم بهم من صغرها  ..

أليس من حقي أمي ..أكاد أشعر بالرعب أن يكون ذنب زوجي السابق ما أتعرض له من إخفاقات في كل مشروع زواج أُقدم عليه... فكل من طلب الزواج بي كان إما أرمل أراد أم لأولاده دون الحصول على أطفال مني أو رجل كبير يريد الشعور بالشباب بالزواج من فتاة جميلة وصغيرة  وأيضاً دون أطفال يتحمل مسئوليتهم ..

لما الجميع ينظر لي كأني خاطئة .. لما يتعجب الجميع من سبب انفصالي ..أليس الرجل يتزوج ثانية من أجل الأطفال ويعطوه كل الحق حينها حتى أحياناً يرغموا الزوجة الأولى بالقبول بالأمر الواقع بل أحياناً تنتقي عروس لزوجها وعندما يحصل على الأولاد يتنازل عن الأولى بسهولة .. 

لما يشعرني الجميع بخطأ قراري ...

أمي أنا أحب الأطفال ..

لم أحب الدراسة أبداً بل أحببت أن أكون مثلك ربة منزل محبه لزوجها وعندي أولاد ألعب معهم بالكرة  وبنات صغيرة أسرح لهن شعرهن وأفصل لهن ملابسهن كما كنت أفعل مع دميتي 

هل لهذه الدرجة حلمي صعب ..

كانت تبكي وهي تستمع لأنين ابنتها التي تعرف أنها تتعلق بحلم الأمومه أكثر من حلم الزواج من أي شخص حتى لو كان هارون مسحت دموعها هامستةً : لا حبيبتي إنه حقك الذي شجعتك أنا وأخيكِ عليه ..أنه الحق الذي سأظل طوال عمري أحارب حتى تحصلي عليه 

مالت ليلى على يد أمها مقبلة لها ثم استقامت  : أشكرك أمي كنت محتاجة أن أتحدث والأكثر أن أسمعك تؤيديني ..أظن أن خالتي وابن خالتي يحتاجان مني زيارة سريعة ..ما رأيك 

أومأت لها إحسان مبتسمة برضا عن تربيتها التي اثمرت عن ابناء بارين وأخلاقهم مثال للنبل 

: نعم إذهبي حبيبتي 

مسحت ليلى دموعها عن وجهها المحمر وقبلت رأس أمها وذهبت للقاء خالتها وهارون 

.

🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔵🔴

الحلقة 8 

.

.

انتفض هارون صارخاً :  أين كنتِ يا أمي 

 تجلس وهي تخلع حجابها لتعيد على مسامعه ما قالت : كنت عند أختي اتفق معها على زواجك من ليلى 

مال بجسده العريض ناحية أمه وهو يجز على اسنانه بغضب : تتفقي على زواجي من أخرى دون استشارتي وقبل حتى أن اتمم زواجي من الباسمة .. 

أراحت رأسها للخلف ببرود : كنت أدري إنك ستتراجع لذا فقد انهيت الأمر حتى تلتزم بكلمتك 

إستقام واقفاً واضعا يديه بجيبي بنطاله : نعم عندك حق أنا فعلا كنت سأتراجع..  بل أنا تراجعت فعلا .. وتخيلي تراجعت متى بنفس اللحظة التي لم أعطيكِ فيه وعداً ..ها أنا صارحتك اخبريني الأن كيف ستصلحي الأمر دون أن تخسري أختك 

أحمر وجه إعتماد الأبيض بشدة حتى أثارت قلق هارون عليها وهمهمت : كنت أعرف.. كل تصرفاتك تخبرني أنها سرقتك مني ..سرقت ابني الوحيد 

تنهد كاتماً غضبه و ركع أمامها وهو يمسك يديها بلطف وبهدوء: أمي لم يسرقني أحد منك غلاوتك بقلبي لن يمسها أحد ..

ارتجفت يديها بين يدي ابنها الوحيد وهي تبكي : ستبعدك عني ..ستفعل كما فعلت أمها بجدتك صباح 

مسح بيديه دموعها : لا حبيبتي لن يحدث يوماً ..

ثم أنا مرتبط بعملي وليس حر كما عمي حسن تأكدي من ذلك ...

 لو تحبي أن تكون  حياتنا مشتركة ولا نصعد لشقتنا إلا للنوم لكي ما تريدين ...أو حتى يمكننا تجهيز غرفتي هنا  ماذا قلتِ 

قبلت رأس وحيدها هامسه بصوت مبحوح : لن توافق 

جلس بجانبها وهو يأخذها بحضنه :  سوف أطلب منها ذلك وأنا أكيد ان الباسمة لن ترفض طلبي ..هل هكذا تكوني راضية 

قاطع حوارهم طرقات على الباب المفتوح جزئياً كحال بيوت الريف العائلية ..

فذهب يفتح الباب ليفاجئ بليلى ابنة خالته 

كانت تعصر يديها بشدة محمرة الخدين وهمست بخجل يصاحب حديثها دوماً بابن خالتها الذي كانت تعده الأخ الأكبر لأعوام كثيرة ماضية

:أ.. أريد... الحديث معك 

تقدمها هارون بضيق يخشى من تفاصيل الحوار الذي قد يسمعه بسبب تسرع أمه 

:طبعاً تفضلي 

سلمت على خالتها التي وقفت لاستقبالها 

: الحمدلله أنك موجودة خالتي  ليكون حديثي أمامك ..

جلست اعتماد بقلق واضح: اجلسِ حبيبتي 

ظلت واقفة تدير رأسها لخالتها دون أن تستطيع أن تواجه هارون : لا داعي خالتي ..هناك فقط كلام أريد قوله ..أ.أ نااا..

اقترب هارون منها يواجهها بنظرات لطيفه مهدئة: ما الأمر يا صغيرتي  ..هل كل أمورك بخير ..

ظلت تعصر يديها وهي تحبس أنفاسها تحدث نفسها كيف فكرت يوماً أن توافق على الزواج من شخص تشعر نحوه بكل تلك الرهبة ..

أغمضت عينيها بخوف واضح ثم أطلقت كلماتها دون توقف وهي تنهت بقوة ..هي صاحبة حق ولن تتنازل عنه ابداً واجهت مجتمعها من أجل رغبتها  بالأمومه ولن تخاف من مواجهة ابن خالتها 

: لن أكون يا ابن خالتي تلك المرأة التي تأخذ حق ليس حقها ...عندما انفصلت عن زوجي السابق كنت أخذ حق من حقوقي وأجنبه خيبة أمل عندما أذكره دون أن أعي حبي للأطفال ..أنا لست أثمة أنا أخذت فقط حقي ..وهذا الحق الذي انتزعته انتزاعاً هو نفسه الذي يوقفني عندما يتلامس مع حقوق الأخرين ..

صحيح بسمة لم تكن صديقتي يوماً ولكن بمجرد أن أصبحت زوجتك أصبحت بمنزلة رباب عندي ..اعتذر يا ابن خالتي أرفض طلبك وأتمنى أن نظل دائماً أهل وعائلة تساند بعضها بعض بكل وقت وكل زمان ..

بعد قولها هرولت ليلى خارجاً وتركته واقفاً ينظر بأسى ظاهر على ملامحه أجاد رسمه تجاوره أمه التي استقامت شاهقة بينما الباب يغلق ...

رفع رأسه للسماء حامداً الله على عقل ابنة خالته الكبير الذي جنبهم الكثير من الإحراج أخذاً نفس عميق وأدار جسده بكامله ناحية أمه ناظراً لها من علو 

:اتركيها أمي تعتقد إنها من رفضتني 

تمالكت اعتماد نفسها : لماذا ..حتى ولو ابنة أختي من هي حتى ترفضك 

زمجر جازاً على أسنانة : أمي 

نظرت له أمه بعتاب صامت فتمالك نفسه : أمي يا حبيبة قلبي اتركي ليلى تعتقد أنها من رفضتني فأنا رجل لن تهزني كلمة رفض بينما هي رقيقة لدرجة قد تنهار وتفقد ثقتها بنفسها وبالنهاية أنتم من وضعتم برأسها تلك التفاهات وليس أنا من أوحيت لها بالفكرة فأقل تقدير من ناحيتك جهتها أن تتركيها تتنعم بكلمات رفض لن تنتقص من رجولة ابنك كما أنه بالنهاية فائدة للجميع وحفاظاً على العلاقة العائلية بيننا وخاصة هشام ورباب وأنتِ أيضاً  ..

حركت اعتماد رأسها بنعم بامتعاض هامسة : وأنا ما الفائدة التي ستعود علي

يضحك هارون مقبلاً رأسها : تستطيعي كل مرة تجالسي بها أختك إحسان أن تمارسي عليها ضغوط وهمية فتحصلي على مساعدتها لك بصناعة خبزك الطري اللذيذ بسهولة وغيرها من الأمور التي كانت تجيدها وتمن عليك بها دون تأخير ما رأيك حبيبتي 

تضحك اعتماد حاضنة ما طالته بقامتها القصيرة من قامة  ابنها الطويلة : لا يوجد أحد بالدنيا كلها يجيد إقناعي وإدارة عقلي سواك يا رجلي الصغير 

يضحك هارون مشيراً لطولة المميز  : الصغير كل ذلك والصغير ..

ابتعدت عنه قليلاً ناظرة لعينيه رافعة حاجب واحد 

: هذا لا يعني تغيير رأي السابق وأنا عند كلمتي ..لا تتذاكى على أمك يا ابن علي

ثم تركته بمكانه فترة ينظر لانصرافها وهو يشعر بالذهول من تصرفات أمه وكلامها  

أه.. يا أمي.. أه ..لا أريد أن أقسو عليكِ وأنتِ تضعيني بكل مرة بموقف الاختيار بين ارضاء ربي بإرضاءك  وبين الحق ..

تسيطري وتتمسكي برأيك وترفضي مشاركة أي أنثى بحياتي بحجة سيطرتهم على ابنك ..

 ابنها الذي يفوقهم جميعاً طولاً وعرضاً ويخاف منه كل من يعمل معه أو يصادفه الحظ السيء ويخطئ أمامه ..كيف أكون بار بكِ وأنتِ لا تتنازلي أبداً ..

 يا إلهي إلهمني الصبر عليها والحكمة لتصريف أموري دون جرحها ..

اتجه لشقة عمه في محاولة لإرضاء أمه لتغض الطرف مستقبلاً عن الأمور الهامة ويقلل من تملكها المرضي به ..فمن وجهة نظره أن أمر كمشاركتهم الحياة الأسرية مع أبيه وأمه وخاصة مع سفر رباب هو أمر مستساغ ومقبول ما دامت ستكون للباسمة شقة منفصلة تستطيع اللجوء لها مساءًا بينما تقضي النهار بعملها وبعد عودتها بشقة والديه وخاصة إن عمله يحتاج منه أحياناً المبيت أو الغياب فترات طويلة ..

بالنهاية لن يكون أقل جرأة من الباسمة التي طلبت منه الزواج لصالح صحة أبيها ..

نعم هذا هو الحل الأمثل الأن ..لابد أن ترضى ..

,,,,,,,,

دلفت لغرفتها وهي تعقد شالها الحريري الصغير على رأسها لتصدم بجلسة زوجها على طرف الفراش سانداً بمرفقيه على ركبتيه وواضعاً رأسه بين كفيه ..

لا يتخيل يوماً إنه قد يسمع ما سمع ..

عاد من رحلة شرائه لبعض السلع التي يحتاجها متجره ليرتاح قليلاً قبل صلاة العصر 

ويا ليته لم يعد وليته ما سمع 

وصلها صوته المكتوم : لهذه الدرجة وصل بكِ الجبروت ..لهذه الدرجة أوصلتك بحبي لكِ للأنانية 

وكأنها لم تسمعه صعدت على الفراش وجلست عاقدة يديها ومحركتاً جذعها للأمام والخلف 

: حبك ..عن أي حب تتحدث ... عندما تركتني صغيرة بالكاد اكملت الثمانية عشر عاماً تحت رحمة أمك الغير رحيمة وسافرت ..تحملت سنين طويلة لم أكن أراك فيها إلا شهر كل عام ..خسرت أبنائي واحداً يلي الأخر وأنت بعيد عني .. كنت خادمة بهذا البيت  في حين أمال لم يرضى لها حسن بالخدمة بحجة إن لكل منا شقته وأمكم  اختارت الإقامة عندي لسفرك 

عض على نواجذه بغضب : لا تذكريها بسوء أمامي ..

اشاحت بيدها ناظرة لعمق عينه: لن نذكر صاحبة العصمة بسوء أمامك ..

أتعتقد أنني وافقت على زواج رباب وسفرها لأنك أمرت لا والله بل لأنها سافرت مع زوجها فلن أكون اعتماد التي عانت الأمرين وتجعل وحيدتها تعاني مثلها وتعيش وحيدة هنا بينما زوجها يسافر ويعود لها كل عام فلا تعيش عمرها ولا تعيش حبها ..ثم  ما مشكلتك مع ما سمعت ..إنه ابنك الوحيد قرة أعينا الذي أحافظ له على مستقبله واضمن له الحصول على الذرية .. هل أخطأت أم لأنها ابنة أخيك 

:ولازلتِ تسألي يا اعتماد .. ثم ألم تفكري بأن العيب من ابنك فزوجته السابقة أنجبت بدل الواحد اثنين

: لا أنا متأكدة 

: وكيف تأكدتي 

نظرت له رافعة حاجبها الأيسر وهي تميل بفمها المزموم جانباً ثم أمالت برأسها ليدرك فوراً أن زوجته العزيزة لابد وأن تعتمد على قدراتها الفذة والتي تتلخص بالتصنت  

:لكن متى وكيف عرفتي 

: قبل انفصالهم بوقت قليل سمعت نجلاء تحدث أختها إنها لم تترك حبوب منع الحمل بعد تمعنها في التطاول علي أنا بما لا استحق وتتهمني زوراً إني أتدخل بحياتهم الزوجية وإنها ستحرمني من الحفيد الذي أموت شوقاً له ..تلك ناكرة الجميل التي كان هارون يتركها ببيت اهلها طوال سفره وتعود عندما يحصل على عطلته ..تلك التي كان يجلسها بشقتها ولا يرضى أن تنزل حتى لتجتمع معنا بسهرة تجلس فيها أميرة ونحن نخدمها  ..

هل عرفت ..سمعتهم دون قصد مني ..

هكذا صدفة ..

وهل كنت تعتقد إنها رفضت كل حقوقها كرم منها صحيح 

: لا حول ولاقوة إلا بالله ..ألن تكفِ عن تلك العادة  

: لا  يهم 

:اتقِ الله يا اعتماد بابنة اخي أنتِ لديك ابنه ترتجي سعادتها  

أشاحت بيديها عالياً بغضب : الله أكبر ..لماذا تذكر ابنتك الأن وهل تقارنها ببسمة

انتفض مبتعداً عنها وهو يكاد يجن من أفعالها : لا حول ولا قوة إلا بالله .. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ..

لو كنتِ تتخيلي إنه سيكون بمقدورك إذاء بسمة وأنا حي يرزق تكوني واهمة ..

إذا كنتِ تتخيلي إن هارون الرجل الذي أعرفه جيداً ابني الذي ربيته سيظل للنهاية مراعي لكِ  تكوني أكثر وهماً ..نصيحة مني لا تخسري ابنك

سأذهب للصلاة  ..

وتركها مع نفسها التي لازالت توهمها بصواب فعلها فهي تتذكر جيداً عندما أخذ حسن زوجته وابنته وسافر للعاصمة ليترك الجدة التي كانت متعلقة بأولادها لتصاب بالضعف والمرض بعدها حتى توفاها الله ..لا تريد ان يحدث لها ما حدث لأم زوجها تعتقد جدياً أن حسن اشترى خاطر زوجته على خاطر أمه ..وأن بسمة ستكون كأمها تجعل هارون يهاجر مثل عمه ..

وما أسهل من أن يترك الرجل الدنيا وما فيها من أجل من يحب 

......

فرحة تلك التي أصابت قلبها فجعلته يرقص ويغني طرباً على أنغام دقاته ..

فرحة تلك التي تجعلها بالمطبخ تحضر القهوة لوالدها التي تمنعها عنه من يوم عرفت بمرضه 

فقررت أن اليوم عادت لتنظر للدنيا بمنظارها الوردي وأن هارون كان صادق بكل كلمة عن تطلعه لحياة زوجية سوية معها ..

لم تؤنب نفسها عن سمعاها عرضاً لجملة واحدة وهرولت بعدها لا ترغب بالمزيد وهي تكاد ترقص على السلم عائدة لشقتها ..

كانت سعيدة بل تكاد تطير فرحاً عندما هاتفت طبيب أبيها الذي وعدها بإخبارها بنتيجة المقارنة بين صورتي الأشعة التي أجراها أبيها قبل وبعد العلاج ليخبرها إن الورم أصبح أقل حجماً لتطير على هارون الذي سمعت صوته عند عمها ليفرحوا جميعاً معها ..

والحمد لله سمعت قبل أن تطرق الباب بثانية واحدة الجملة التي أعادت لها الحياة 

سمعت توبيخ هارون لأمه ورفضه لمخططها ..

الحمد لله ..الأن أبدأ حياتي مع زوجي على أساس صحيح دون خجل من طلبي أو إحساس بإنه كان بباله أخرى ..الأن صدقته 

,,,,,,,,,,,,,,,,


ما السر فيكِ....

  يهواكِ الناس يا قهوة وأنتِ بالمر نسميكِ.. 

هل لونك عيون معذبته أم أنتِ فقط تسليه... 

أم حرارتك تلك أنفاسها فيرتشفها حتى ترويه .. 

أم خطوط يدها على جدران قدحك تتركيها فتوهميه ... 

فيعيد الكره ويطلبها وتكون إدمان لمحبيه....

R.H. ..


أخذ كوب القهوة الصغير الذي لا يملئ بالكاد نصفه من شراب القهوة الساخن وهو يشرب منه بعشق لمذاقها 

: بخيلة ..فقط  رشفتين زيديهم قليلاً حبيبتي 

أخذت منه الكوب وهي تبتعد ضاحكة : لأنك تنعتني بالبخيلة فسأشربهم أنا وانتظر حتى أنسى كلمتك لتحصل على أخرى  ..

فوجئت بهارون الذي جاء من خلفها وأحاطها بيديه  دون لمسها ساحباً منها الكوب 

وارتشف بتلذذ وهو يبدي إعجابه : أمممم لذيذ ...

ثم همس لها  : هل شربت من مكانك العسل 

كتمت الباسمة ضحكتها وهي تنظر له من أعلى كتفها هامسه : بل شربت مكان عمك .... 


ضحك حسن فرحاً من رؤية تقارب ابنته من زوجها : وهل تلك التي تصنعها الباسمة لذيذة ..أه لو كنت شربت التي تصنعها أمال أو جدتك صباح على الشعلة النحاسية الصغيرة  


ردت الباسمة ساخرة  : أنتم  جيل معقد جعلتم من عمل قدح بسيط من القهوة مهمة معقدة 

يضحك حسن عالياً : وأنتم جيل كقهوتكم سريعة التحضير لا طعم ولا رائحة

 هارون باستمتاع هامساً لها : وإنتِ جعلتي شربها مهمة ممتعه تحدثني نفسي  تذوقها من شفتيك 

خجلت الباسمة من قربه ووقفته التي لم يغيرها وراء ظهرها وهمساته الوقحه فضربته بمرفقها بخفية كما تعتقد عن والدها فتألم بصورة مبالغ فيها ليضيق حسن بين عينيه كاتماً ضحكته  : ما بك بني 

جلس هارون بجانب عمه : هل يرضيك يا عمي أطلب من زوجتي كوب من القهوة وترفض 

شهقت الباسمة : أبداً يا أبي

غمز هارون لها بعينه  : إن لم أكن طلبت منك القهوة فماذا كنت أطلب 

نظرت له بضيق مغمغمة بغضب :وقح 

ثم  ابتسمت ببرود :  بل طلبتها وسأذهب لإعدادها 

استغل هارون خروج الباسمة ونظر لعمه بهدوء 

: عمي هناك أمر أريد رأيك فيه 

: تفضل بني أسمعك 

: أمي عاشت عمرها تفعل كل ما تقدر عليه لتسعدنا ..لا استطيع أن أتناسى فضلها بسنوات غياب أبي وأنت أيضاً تعلم تعلقها بي ..وعندها رجاء طلبته مني ولم استطع الرد عليها قبل أن أخبرك به وأخذ موافقتك وموافقة الباسمة أيضاً 

دخلت الباسمة واضعة صينية القهوة على الطاولة أمام هارون وهي تسمع استرساله في عرض طلبه فالتفتت برجاء لوالدها خفية عن هارون أن يرفض ولكنه لم يلتفت إليها بل قال : كما قلت يا هارون عملك وغيابك أو سهرك سيجعل الباسمة معظم الوقت بمفردها فلما لا .. 

لتنظر له الباسمة تفتح فمها وتغلق كأنها تستجدي الهواء فأخر أحلامها أن تشارك بحياتها وخصوصيتها مع الأخرين ...

لينظر لها هارون بهدوء منتظراً اجابتها : باسمة 

نظرت له بحيرة وغضب فهي ليست غبية لتفهم إنه أراد بإثارة الأمر أمام أبيها الحصول على موافقتها دون مناقشة فهو يعلم تماماً أن عمه بظروفه الحالية لا يريد مشاكل مع اعتماد 

 فقالت بهدوء: لكن أنت تعلم رعايتي لأبي وعملي فما الداعي لذلك ..

حاورها بهدوء : هذا أدعى لتلبية رغبة أمي فهي ستجعلك تتفرغي لعمي في حين ستتولى هي إعداد الطعام وغيره من أمور المنزل التي لا تكوني متفرغة لها 

: لكني حاليا أقوم بتلك الامور بنظام جيد ولا ..

يقاطعها والدها بصرامة وهو عاقد جبينه : أنه أمر بسيط يا باسمة وفيه ارضاء لوالدة زوجك والتي في نفس الوقت زوجة عمك ومن واجبك تشجيع زوجك على بر والديه ..أليس كذلك 

صمتت الباسمة وهي تنظر ليديها التي عقدتهم بحزن أمام صدرها تحت انظار هارون الذي كان يمنحها الاختيار بإسلوب ماكر حتى توافق بنفسها فهو يفعل ذلك ليضمن هدوء حياتهم الزوجية بالمستقبل ويجنبها المشاكل مع أمه 

همست بحزن وبحروف خرجت ضعيفة : موافقة 

لم تتاح الفرصة امام هارون ان يحدثها عندما قامت لتستجيب لدقات الباب ليتفاجئ بدخول اعتماد برباط رأسها المعقود على جبينها بشدة وعيونها الحمراء من البكاء وجلست بمقعد قريب من فراش حسن بينما يتبعها علي الذي جلس بجانب أخيه بعد السلام عليه

ليتحدث حسن بهدوء : يا أم هارون ..كل ما يرضيكِ ستفعله الباسمة بنفس راضية هي ابنتك كما علي أبوها وأنا وضعتها بأمانتكم ..

ليقاطعه علي الذي يرفض ما اتفقوا عليه : لا داعي يا أخي الباسمة بشقتها التي تعلونا ونحن جميعاً حولها 

تدخل هارون الذي وقف بجانب الباسمة : الباسمة وافقت يا أبي 

فتقف إعتماد فرحة وتأخذ الباسمة التي انحنت لتطالها حماتها لتحضنها وتقبلها : حقاً حبيبتي ..

أرأيت يا علي لقد وافقت حبيبة قلبي ..

ثم نظرت لحسن : تأكد إنها ستكون بمنزلة رباب عندي وكل أمور البيت ستكون مسئوليتي حتى تتفرغ لعملها ولك ..

وتضحك غامزة لهارون فتجلب الخجل وحمرة الخد للباسمة وضحك الأخين : وأيضاً تتفرغ لحمل أحفادي ..أليس كذلك يا هارون 

ما دار بعد ذلك من اتفاقات حول حفلة العرس كان المتحدث فيها اعتماد وحدها  والجميع بحالة وجوم أو انصات حذر حتى وصلت للحديث عن فستان العرس 

: فستان ليلى كان جميل سأحضره لكِ غداً  تقيسيه ونعطيه لخياط جيد يضيقه قليلاً فنحافتك لم أرى مثلها  .. 

شعر باشتداد قبضة الباسمة بجانبه وتحفزها للرد على كلام أمه الغير منطقي ليتحدث بهدوء 

: بالعكس أنا أرى أن تأجير الفستان كما فعلت رباب أفضل و أصبح متعارف عليه حالياً ومنه تختار ما يناسبها فوراً لأن الوقت ضيق ..

ثم نظر للباسمة بابتسامه حانية : غداً إن شاء الله سأكون بانتظارك بعد مواعيد العمل لنذهب معاً لسوق المدينة القريبة لنختار واحداً ما رأيك 

حركت له رأسها بنعم دون كلام فضاق صدره لرؤيتها لا تنطق الحروف ولو بتلكؤ عندما تضطرب فصمتها كان نابع من حزن وليس خجل كما قد يتخيل الأخرون  ..صبر نفسه إنه سيحاول مراضاتها مستقبلاً تقطع أفكاره رؤيته لتنهيدتها الحزينة عندما سمع أمه تسترسل بمخطاطتها عن حفلة العرس الضيقة المعالم حتى تكاد تكون صادمة لفتاة تحتفل بعرسها لأول مرة ليتدخل مرة أخرى بصوته القوي دون أن يحيد بنظرة عن ثغر الباسمة الذي ابتسم اخيراً عندما سمعته يقول : حجزت لعرسنا قاعة الاحتفالات بنادي الشرطة وانتهى ... 

بعد ما فعله هارون وقاله لم تستطع إلا أن تقابل ابتسامته المطمئنة بأخرى راضية فهي ترى أن تنازلها بمشاركة الحياة مع عائلة زوجها كما هو معروف بقريتهم أمر بسيط أمام ذوق هارون وحرصه على فرحتها وارضائها بالأمور الأخرى ..

وبالنهاية عائلته هو عمها الحبيب...

وزوجته اعتماد....

  الغيورة على ابنها ....

                       الفصل التاسع من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-