CMP: AIE: رواية الباسمة الفصل الاخير بقلم روتيلا حسان
أخر الاخبار

رواية الباسمة الفصل الاخير بقلم روتيلا حسان

 

 رواية الباسمة 

الفصل الثاني عشر والاخير 

بقلم روتيلا حسان 

.

.

وكعاداتها مؤخراً ظلت صامتة متقوقعة على ذاتها متخذة من نصرة أبيها لها ملجأ ..

ومحايلة هارون لها منفذ حتى لا يقسوا قلبها ويفترعشقها له ..

ولكنها أبداً لم تطالبه للعودة لتفسير شكه بها بعد حادثة الشجرة أو حسابه على أفعال أمه ..

فالصمت أحيانا أبلغ من الكلام 

طال الصمت بهما بالسيارة بطريق المدرسة وحتى المذياع لم يساعد على كسر حدة الحوار الصامت بينهما ولكنه لم ييأس من محايلتها أبداً وهي بداخلها تشكر له ذلك  

أدار وجهه لها بلمحة خاطفة :  هل تشعري بالجوع او العطش ..

همست :لا ..هل لازالت المسافة طويله .. 

ضحك متمتماً :ألا تدري .. 

:لا .. 

نظر لها بدهشة أجاد تمثيلها : حقاً .. لماذا إنه نفس الطريق

 احمرت وجنتيها بفتنة جذبت نظره وقالت بتردد : أأنا .. لا أحفظ الطرق 

يضحك هارون :إنه الطريق نفسه الذي نسلكه كل يوم يا باسمة كيف لا تحفظيه .. 

همهمت بخفوت : عندما أكون معك أشعر أني لا أحتاج أن أكون متيقظة فمعك أترك نفسي تماماً لا أحمل هماً فأنا واثقة أنك ستصلني لوجهتي بأمان ... 

عندما انتهت وأدركت ما قالت في غفلة تملكها الخجل بشدة فأدارت وجهها بعيد عنه لكن عنده كان تأثير كلماتها البسيطة كبير فقد ايقظت فيه شعور أكبر للحماية ومسئولية أكبر تجاه ابنة عمه وزوجته الباسمة  لمست شغاف القلب بقوة ..

أخذ نفس عميق في نفس لحظة وصولهم ليدير رأسه ناحيتها وأمسك يدها التي بقربه وقبلها بتمهل شديد وهمس بحب : الباسمة

 نظرت له بضعف يتملكها عندما ينطق اسمها بكل هذا العطف والحب 

: اطمئني تماماً حبيبتي ..سأكون أنا دائماً هنا لإيصالك لبر الأمان..

 غادرت السيارة وهو يشاهد خطواتها المهرولة مبتعدة بعد أن منحته ابتسامتها الساحرة التي أعطته أمل بالقادم ..

قاد السيارة وهو يضحك بشدة على نفسه فاحتمال أن تعرف الباسمة الطريق بعد فترة قريبة ستكون معجزة لأنه كل يوم كان يتخذ طريق مختلف ..

والغريب أنه كان يفعل ذلك من قبل حتى أن يتزوجا حتى لا تعتمد على نفسها كما كانت تردد وأيضاً حتى يطيل الطريق في الذهاب والعودة ...

......

:اتركيني وهارون وحدنا 

قالها حسن وهو متكئ على فراشه مغمض العينين بعد أن عاد من جلسة علاجه 

فهمست وهي تدثره  : أنت مرهق الأن 

ربت بيده بحنية على كفها التي تضعه على صدره : أنا بخير ..أخرجي وإغلقي الباب خلفك 

فعلت ما أراد وجلس هارون بجانبه على مقعد ملاصق للفراش وهو يميل بجذعه للأمام سانداً بمرفقيه على ركبتيه يولي عمه كل انتباهه بكل احترام 

:أردت أن أحكي لك تجربة عمك  ..أمال كانت زوجة لطيفة المعشر لم ترفع صوتها يوماً مطالبة بحق لها ..لم تغضب يوماً من تطاول أمي عليها ..لم ترفض لي يوماً طلباً ..ولم تشتكي يوما من ضيق سعة اليد 

همس هارون : كلنا نعلم يا عمي 

تنهد حسن : إلا مرة واحدة ..عندما أصيبت الباسمة بالحمى الشوكية ونجت منها بإعجوبة وخرجت من مرضها ولله الحمد فقط بفقد قدرتها على السمع بطريقة طبيعيه ..وبدأت تعاني ابنتها حينها ارتفع صوتها مطالبة ليس بحقوقها وإنما بحق ابنتها وأنا ضعفت وأخذتهم وهربت 

: حقك يا عمي ..وكلنا كنا نعلم الضغوط التي تعرضت لها 

تنهد حسن بحزن : ولكن الذي لم تعرفه أن عمك أخطأ ولأول مرة أخبر أحداً بذلك..

رفع هارون عينه ليواجه ضعف عمه ودموعه ويجده يجاهد ليخرج الحروف 

: عمك أخطأ بحق أمه ..أمي السيدة الطيبة التي لم تأذيني ...

إنها لم تفعل سوى الكلام ..وهل كانت ستقتلني الكلمات ..

مرضت وماتت وأنا بعيد عنها كيف أعيدها يا هارون وأقول لها سامحيني يا أمي  ..

كيف يا ابني  

وأخذ يبكي الرجل الكبير وهو يغطي بيديه وجهه وهارون أمامه عاجز عن أن يهدئه أو يجد كلمة يقولها يخفف بها عنه .. 

وبعد فترة همهم عمه : إفعل الصح بني ..إفعل ما لم أقدر أنا على فعله ..

واجه مشاكلك مع أمك بعقل فقدته أنا بلحظة ضعف ..

حافظ على زوجتك فكراماتها من كرامتك ..

قود عائلتك نحو بر الأمان دون أن تخسر دينك ..

وأدعو لعمك أن يغفر الله له ..

أغمض هارون عينيه وغمغم بالدعاء لعمه ثم ساعده على الاستلقاء 

.......

كانت وهارون يساعدانه في الوضوء لصلاة الفجر ..

أصر أن يمدوا له سجادة الصلاة ليصلي وقفوا جميعاً معه ليصلوا خلفه بأخر سجدة ظل على السجادة ولم يرفع رأسه سلم هارون والباسمة بعد شعورهم أنه أطال السجود اقتربوا منه يحركوه بلطف اعتقاداً إنها إغماءة أصابته كالعادة ولكن عندما لامسوه عرفوا إنه ذهب ..

العم حسن مات ...

حمله هارون ووضعه على الفراش وعاد لتلك التي كانت تحرك رأسها يمين ويسار برفض هبط على ركبتيه أمامها مردداً 

: إنا لله وإنا إليه راجعون 

يردد ويردد لعلها تسمعه وتبرد قلبها بقولها ولكنها أدارت رأسها ناحية والدها وأخذت تبكي فأخذها بحضنه باكياً معها 

صوتها الذي ضاع مع صراخاتها المستمرة ... حركتها العنيفة الهاربة من أحضانه كل  محاولاته كانت لكبح حركتها  لخوفه عليها من الانهيار ظل الصراع بين المحب الخائف والمكلومة بفقد والدها فترة حتى تركت نفسها أخيراً مستسلمة لحضنه تنهت بقوة ..

تنهت حتى سكنت تماماً حتى كاد يعتقد إنها غابت عن الوعي تلاشت قوتها من داخلها فقدت العزيز فقدت أخر ما جعلها تتمسك بتلك الحياة وعند احساسها بذلك ابتعدت بلطف عن أحضانه متمتمة بكلمة ظلت ترددها : انتهى ..انتهى 

وتحركت ببساطة ناحية والدها تقبل جبينه ثم همست

: إنا لله وإنا إليه راجعون ...

إنا لله وإنا إليه راجعون ...

.......


صماء مع سبق الاصرار ..

 تلمس هارون سماعة الأذن التي بيده بإحباط ...

تركها لها تعني شيء واحد أنها تريد ان تُخرس الأصوات حولها .. 

تلقي بالسماعة وتغلق عينيها معظم الوقت هي طريقة الباسمة في الانفصال عن أصوات خبيثة حولها ...


تزوج الصماء لماذا تأخرت في الحمل هل هي مثل أمها لا تنجب وكأن أمها لم تنجبها .. 


أمه لا تساعد أبداً صحيح لا تشارك  بتلك الهمسات ولكنها لا تبترها وهو لا يدري ماذا يفعل معها ..

وخاصةً وهو يشعر أن صمت الباسمة لن يؤدي لنتيجة جيدة ..

لا حول ولا قوة إلا بالله يرددها ثم يقف من خلف الباب يراقبها بخفية لازالت تحوم بالمنزل بخطواتها الرقيقة طريقة أخرى للباسمة تخرج بها شحنة غضبها وتعود له باسمة ... 

لكن منذ وفاة عمه منذ ما يزيد عن الشهر وهي تفعل كل ذلك دون أن تعود له الباسمة ..

لم تترك شقة عمه فعل أخر يوجع قلبه ولا يدري ماذا يفعل معها ..

تجنب لفت نظرها ولكن إلى متى ..

........


: ولمتى ستظل بشقة والدها 

جلس هارون أمام أبيه الذي تضاعف عمره بعد وفاة أخيه : حتى تهدأ أحزانها قليلاً 

اشاح علي بيده :إذن ستنتظر العمر كله ....وهل فراق أبيها سيجعلها يوما تنساه .. 

لا أعرف بماذا يعلموكوا بالمدارس ... هل عندما أموت ستنساني أم ستضعني دائماً في ركن خفي بقلبك وتداوم الحياة

:أبي 

ردد خلفه بسخرية : أبي.. 

اقترب من ابنه بجدية  : تعلم يا هارون من أبيك الجاهل الذي ترك المدارس لفشله فيها ..لا تترك زوجتك تواجه احزانها بمفردها ..

: لكنها لا تريد 

عاد بظهره للخلف هاتفاً بغضب : لا تريد مواساتك الظاهرية 

مسح هارون على وجهه بكلتا يديه : أنا نفسي مكلوم بوفاة عمي 

نطق بنفاذ صبر : وهل حزنك يساوي حزن البنت على فقدان أبيها 

: أرادت الخصوصية 

هتف علي بغضب : بل أرادت حربك لتقتحم خصوصيتها 

هتف هارون بقيلة حيلة : أبي أنا لا أعرف كيفية التصرف معها أصبحت أكثر انغلاقا على نفسها 

: أحببت مجالستها بفرحها وكرهته بحزنها 

انتفض هارون بحمية : لا والله 

: إذن بني لا تتركها تفهم ذلك لأني لو مكانها كنت تخيلت مثلها 

🔴


كانت بشقتها تجمع بعض الأغراض التي تحتاجها بشقة أبيها عندما سمعت هارون يدلف للشقة ويصادف أن يصدح هاتفه برناته..  للحق  لم يعد يتحدث معهن ولكنه لا يقدم على فعل يريحها ويقطع هذا الطريق فاليوم هو لديه القدرة على المقاومة لكن ماذا تفعل عندما يأتي يوم تتلاشى فيه مقاومته ... 

   فخلعت السماعة من أذنها بنفس اللحظة التي دخل بها غرفتهم فارتبك للحظة لكن عاد لصلابته عندما شاهد السماعة بيدها بفعلة تذكرها بالماضي عندما كان يفعلها ظناً منه إنها لا تسمعه فتقرأ حركة شفتيه الهامسة والضاحكة فأثار الأمر غثيانها لمجرد تذكرها لخزي صمتها 

فشعرت ببرودة تسري بعروقها مسببة الشلل بأطرافها استندت على الخزانة التي تقف بجانبها وسقطت الأشياء التي تحملها وأغمضت عينيها ...

 صعب أن تشعر بأنه تُستغل تحديداً بإعاقتك ..

بمجرد أن شاهد وقفتها الضعيفة تخلص من الهاتف وحملها ووضعها برفق على فراشهم الوثير ثم دار من الناحية الأخرى وصعد بجانبها ليشدها إليه برفق حتى تستريح على صدره دون أن يحادثها أو تبدي هي أي استعداد ..

كانت لحظة هامة لهما معاً أن يشعرها بنبضات قلبه حتى لو لم تسمعها بإصرارها على عدم التواصل معه وتركها لسماعة الأذن .. أخرجه من أفكاره التي تحاول الوصول لطريقة تساعده على إيصال مشاعره ناحيتها همسها الضعيف

: لقد افتقدته .. انتظر بكل لحظة أن يظهر لي  فيحدثني بضحكته المميزة إنه كان يضاحكني وإنه لازال موجود ..

أغمض عينيه بتعب كيف يرد عليها ويخبرها أن أبيها سيظل موجود بذاكرتك وقلبك فبدل من الكلام أخذ يمسح بيده الحرة  بهدوء على شعرها وظهرها لتعاود همسها 

: أنا أحبك 

ثبتت يده على شعرها يكاد النفس لا يخرج من صدره أول مرة تنطقها ... أول مرة يسمع منها كلمات حب صادقة ليهمس لها : وأنا أعشقك 

ولكنها لم تسمعه أرادها ان تسمعه لتفاجأه بقولها 

: ولكني أحب كرامتي التي دوست عليها أكثر

ينتظرها أن تكمل فقد شعر بانقباض بقلبه  ولم تكذب ظنونه 

ابتعدت عنه وكأنها لم تلقي بقذيفة من العيار الثقيل على رأسه 

: طلقني 

وغادرت.. تركته بمكانه...وجَرؤت بالخروج من الغرفة بل من شقتهما ...

انتفض من مجلسه يدور بالغرفة يمنع نفسه من الانقضاض عليها وصفعها على الكلمة التي نطقت بها .. يكاد يشد شعره وهو يوبخ نفسه على استمراره بعدم مراعاتها وتأخره بأخذ إجراء قاطع ضد تجاوزات أمه ورنات هاتفه التي كانت تحزنها معتقداً إنه بهذه الطريقة يمتلك زمام الأمور ويمتلك حريته   ..

: غبي وكأنه أمر يستحق حتى تثبت به حريتك ورجولتك ..

يتذكر الأن إشاراتها المتكررة كلما سمعته يحادث إحداهن لقد فهمها ولكنه أدعى عدم فهمها ..

فهم إنها تردد له الحديث الشريف 

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ...

صحيح مسلم


: استغفر الله العظيم ..

كيف تجاهلت و سقطت في فخ الرجولة المزعومه ..فخ لسان أصدقائي بأنك سُجنت في قفص الزواج يا رجل وستتحكم بك بعد الأن ظروف تسمى زوجتك ..

فلن تتهنى بصحبة الأصدقاء ولا بمهاتفة النساء ..

صحيح لم يعد لشقة المرح ولكنها تلك المحادثات التي كان يقوم بها قبل ثورتها عليه .. وهاتف رقمه  لازال باب لم يغلقه ودخل منه الشيطان ليفرق بينه وبين ابنة عمه وزوجته

وقف عن الحركة يهتف بغضب 

: بل حبيبتي 

نظر حوله يبحث عن هاتفه فيجده بالأرض بجانب دفتر وردي يخص الباسمة حملهما بيده وتوجه لطرف الفراش وأخرج من الهاتف الشريحة وكسرها ليغلق هذا الباب بعزيمة ورغبة باسترداد باسمته ..

وبينما يعيد الهاتف على الطاولة بجانب الفراش يده حركة المذكرات الوردية لتسقط على الأرض لتفتح على الصفحة التي كتبتها الباسمة بدموعها لتلفت نظره كلمت كذبت  فتجرأ وأخذ يقرأها 

كذبت عليك يا أبي...

 لأول مرة أفعلها ...

نظرت بعينيك وبجرأة قلت لك أني حامل 

ما أصعبها من حروف كاذبة خرجت من لسان كان يدعو الله الصدق بها 

أبي تمنيت اليوم أن أبشرك بقلبي بحملي من رفيق أيامي  وتوأم روحي كنت أتمنى ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ...

أبي أدعو لي بحمل البذرة التي أن فارقني صاحبها بقيت هي ترافق أيامي 

أدعو لي يا أبي أن يتحمل هارون قربي حتى يمنحني نبضة قلب صغيرة بأحشائي تمنحني الحياة وبعدها أقسم لك أن أمنحه مباركتي للارتباط بمن يريد حتى لو ذبحتني الغيرة وتمزق الفؤاد لوعةً

أغلق المذكرات فما قرأه يكفيه ليتأكد من حبها..و ليتأكد من غباء شكه أن تكون تناولت ما يمنع حملها ..

للمرة الألف سامحيني يا باسمة قلبي فتلك ليست أمنيتك وحدك بل أكبر أمنياتي أن تحملي طفلي ليربطك بهارون الجبل الذي سقط من عليائه بحبك ..

فتح الجارور بجانب الفراش ليضع دفترها الوردي لتقع عيناه على علبة فاتح الشهية التي كانت تحرص على تناولها بوقت من الأوقات حتى منعتها الطبيبة ..أمسكها بيده يقلبها وفجأة أغمض عينه برعب وفتحها وأمسك واحده منهم ليضيق بين عينيه بتوجس بحجمها الصغير جداً الذي لا تتناسب مع حجم  فواتح الشهية والمقويات التي يعرفها 

وقف يردد : يا رب سترك ... يا رب سترك 

ثم انطلق خارجاً ليتبين الحقيقة التي ما إن اكتشفها حتى كاد يغيب عن الوعي ..عبوة دواء لفاتح شهية بداخلها سم مغلف بالسكر ..كيف لم ينتبه إنها فكرة أمه ..كيف لم ينتبه أن أمه كانت واثقة من عدم حمل الباسمة ..كيف يا هارون يا رجل الشرطة لم تتبين خبث الأفكار والنوايا عندما تتحكم الغيرة بالقلوب ..

جلس على سلم بيتهم أمام باب شقة والده وهو يحاوط رأسه بيديه مغمغماً 

: كيف يا عمي سأفعلها ..كيف سأحكم عقلي ..

كيف سأحفظ ديني ..كيف ..

لماذا لم تخبرني بالطريق الذي سأسير به..

كيف نبرهم وهم من يقودونا لعصيانك يا إلاهي ..

 هل لتلك الدرجة صعبه ..

نعم إنها صعبة يا هارون وإلا لم يبلغنا سبحانه وتعالى بوصيته بهم بكتابه العزيز ..

صعبه يا إلهي ..والله صعبه 


بسم الله الرحمن الرحيم

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.

صدق الله العظيم

(لقمان14-15)


لم تصدق أمه عندما خرجت من شقتها  فتجد ابنها البكري على درجات السلم يعاني ..

لتجلس  بجانبه تأخذ رأسه بحضنها 

: هارون بني ... ما الذي يؤلمك حبيبي ...فداك قلبي يا نور عيني  ..يا رب خذ عمري ولا تحزن ابني  ..يا رب 

كانت تبكي وتتساقط دموعها على رأس ابنها المكلوم ليهز رأسه بحضنها ويرفعه بينما هي  تمسح دموعه ..فيمسك بيدها بين يديه ينظر لها يكتم غضبه عليها فهي بتلك اليد حضنته وبها أعطت زوجته ما يمنعها من حمل ابنه ..هي لحظة غضب تملكته وهو يستمع لدعائها على نفسها بالموت بمقابل سعادته ..فيقبلها  ثم ينظر لها بضعف 

: أمي أنا أحبك وأنتِ تحبيني أليس كذلك 

: أحبك فقط  لا والله بل أنا أفديك بروحي 

: أنا أعرف أن دعوة الأم مستجابة هل تدعي لي من فضلك 

: بليلي ونهاري أدعيلك يا ابن قلبي 

: الباسمة تريد تركي وأنا أموت بدونها ..ابنك لأول مرة بحياته يحب ..هل تدعو لي براحة البال 

ابتعدت اعتماد و بامتعاض اجابته : ولماذا تريد ابنة أمال تركك وهل كانت ..

قاطعها هارون بفكرة راودته فجأة : لقد وجدتها أمس تصرخ بكلام غير مفهوم عن علب دواء كنتِ تحضريها لها ..وعندما حاولت الاستفهام منها وجدتها تهمس بكلمات مثل مانع للحمل أو ما شابه ثم صمتت فجأة والدموع تغرق وجهها وهي تردد بحسبي الله ونعم الوكيل ثم طلبت الطلاق واعتصمت بشقة عمي ..

ثم حدق بها : هل تعرفي شيء عن كلامها ذلك 

وقفت أمه وهي تعصر يديها برعب جلي : ومن أين لي أن أعرف ثم أين ذلك الدواء 

: الغريب أنها ألقت بها من النافذة وعندما خرجت ابحث عنها لم أجدها 

بلعت الغصة بحلقها وهي تبتسم باضطراب : بسمة حزينة لموت أبيها ولابد إنها كانت بتلك الحالات التي تصيب المكلومين 

هارون بهمس وهو ينظر لها بتدقيق : هيسترية 

انتفضت هاتفة : نعم تلك ..أكيد هي السبب أيضاً بطلبها الغير معقول بالانفصال عنك ..

أمسكت يديه وحثته للوقوف 

: أصعد حبيبي لها إنه واجبك أن تتحملها وتساعدها على تخطي حزنها ..أم  تريد مني أن أكلمها .

وقف أمامها بقوة أجفلتها وهو ينظر لها بعيون حادة : أفهم من ذلك إنك لن تعترضي على مواساتي لها والإهتمام بها ..وإنها لظروفها الخاصة وضعفها الظاهر لن تجعليها تساعدك بشئون البيت وتكتفي بشئون بيتها .. وإنه لا بد أن تحتفظ بخصوصياتها بشقتها ..أليس كذلك ولن أنسى بالطبع عدم ترديدك لأمر زواجي المرتقب بغيرها نتيجة عدم حملها والأكيد عدم تنغيص حياتها بتذكيرها بنجلاء أو حمل رباب 

أجفلت إعتماد من نبرة هارون  وتهديده الواضح فأرخت رموشها تغطي اتضطراب نظراتها : نعم بني حتى أنني سأحضر لك مفتاح شقتك حتى تضمن ذلك 

هز هارون رأسه وهتف : نعم يا أمي غداً صباحاً سأمر عليك لأخذه منك وبعد عودتي من عملي سأحضر لكِ جهاز هاتف تستطيعي مهاتفة رباب منه ..

ثم قبلها يديها وبلطف زائد  : لن أنسى لكِ يا أمي أبداً تفهمك ورعايتك للباسمة ونصيحتك لي ودعواتك لولا ذلك كنت أخذتها بعيد يا أمي بعيد جداً لترتاح قليلاً بل لنرتاح جميعاً..

هتفت باكيةً : لا لا بني ..لن أكون سبب بحزنها أبداً او تعبها فهي حبيبة ابني ..لن تفعلها يا هارون أليس كذلك ..لن تبعد عن أمك 

ظلت تنتظر رده وهي تكاد تموت رعباً ان ينفذ تهديده 

فهمس : ولما أسافر ..

ثم تركها بمكانها تكاد تذوب خجلاً من فعلتها وإحساسها إنها كادت تخسر ابنها وعادت لشقتها لتصطدم بعلي الذي نظر لها باحتقار وهو يقترب منها فتراجعت حتى اوقفها لطمته التي أدارت وجهها ثم أمسكها من عضديها يهزها وقد غاب عقله 

: كيف فكرت ودبرت ونفذتي بغفلة منا ..كيف تحولتي لهذا الشيطان ..كيف كنت أعيش مع إمرأة مثلك حية بثوب براق كيف 

كانت تهز رأسها برعب فهمست وهي تجمع الكلمات : لا لا لم أقصد ..لم أفعلها ..

:لا زلتِ تقولي  لم تفعليها لا تكذبي 

صرخت به وهي تبتعد عن مجال يديه التي تريد البطش بها : فعلت ما يجب ..فعلت فقط ما يجب 

كان يدور حولها يتبعها من مكان لأخر وهي تهرب أمامه : ما يجب هل أنتِ مجنونة هل تريدي أن تقنعيني الأن أنك أمرأة مجنونه فاعذرك .. لكن اسمعي حتى لو مجنونة لن أعذرك هل تفهمي 

جلست أرضاً وهي تنوح : فعلتها من أجلها هي... من أجل الباسمة 

صرخ بها بجنون من علو : من أجلها تحريميها من الذرية ... تحرمي ابنك 

رفعت رأسها تشاهده كالأسد الذي يريد إفتراسها فأخذت تصرخ بكلماتها وهي ترفع يديها تحمي بها وجهها  : نعم نعم فعلتها ..نعم ألا ترى ما أراه هل أنا فقط التي ترى صباح ..

بهت علي من سماع كلماتها واستمرارها بالصراخ بها 

:صدمتني الباسمة عندما عادت لنا ..صدمتني قوتها وثقتها بنفسها ..رأيت صباح أمامي 

رأيت قوة أمك ..أردت فقط أن أكبح قوتها قليلاً ..كان سيذوب فيها هارون 

أمسكها من كتفيها يوقفها أمامه وهو يحدثها وقد غرقت عينيه بدموع القهر : هل ترديني عندما أقابل أخي ويعاتبني لما لم أحمي ابنته أقول له أن زوجتي رأت أمك في ابنتك ..هل تريديني أن أجن يا إمرأة 

ابتعدت عنه وهي تحرك رأسها يمين ويسار : لم أراها كما تتصور كجني تلبسها او تلبسني ..رأيتها قوية واثقة محبوبة ..لم يكن هارون سيظل طويلاً دون أن يدرك حبه لها بل عشقه الذي لمحته بعينيه عندما شاهدها  أول يوم خطت بقدميها بيتنا ..رأيت العشق الذي يُنسي الرجل حاله ويُلغي بها عقله ويهرول خلفها 

ظل يتلفت حوله بتيه وهو يرفع يديه بعدم فهم : لا أفهم وما علاقة ذلك بتلك ..لماذا أردتي منعها من الحمل 

: بل التأخير بالحمل فقط .. عدة شهور حتى أكبح جماحها أكبح ثقتها أميت صباح بصدرها قبل ان تغرقنا جميعاً ..

ثم همست بتعب وهي تنهت : رأيت نفسي عندما كنت صغيرة ودخلت هذا البيت وحملت بهارون كنت أمشي مختالة بينكم أكيد لأمال لتأخرها وأتدلل عليك ..تذكرت كل ذلك فأنا كنت أفعل ذلك وأنا صغيرة وضعيفة  فما بالك الباسمة شبيهة أمك ماذا ستفعل عندما تدرك عشق زوجها وأيضاً تحمل بطفله الأول

جلس وقد هده ما سمعه وهو يضغط بيديه على جانبي رأسه : لا أصدق ما اسمعه ..لا أصدق 

ركعت أمامه وهي تبكي : صدقني يا على لقد توقفت قبل وفاة حسن لم يعد لديها غير علبة واحدة وهي لا أدري كيف علمت بأمرها ورمتها 

حرك رأسه وهو يهتف بها : وهل تصدقي ابنك وحكايته ..هارون فقط الذي عرف بفعلتك القذرة ..

لو عرفت الباسمة هل كانت ستظل هنا بقوتها التي تدعي ..أو كانت صمتت عنك ..

لقد خسرتينا ابنك يا اعتماد ..

لقد خسرتينا ابنك يا اعتماد 

كيف سأواجه بسمة وانظر بعينيها شبيهة أبوها ..

ثم أمسكها من كتفيها وهو يغرس أصابعه بلحمها وهو يصرخ بها 

: و ماذا سأقول لهم عندما أقابلهم.... ماذا أقول لأمي وحسن عندما أقابلهم يا اعتماد ..

كنت ضعيف أمام تقويمك فكنت سأخسر أمانة أخي  

لكن لا يا اعتماد لم يعد لك حياة بهذا البيت  

قاطعته وهي تمسك يديه تقبلها و تشهق باكية : بالله عليك لا تفعلها وأوعدك لن أقرب من ابنة أخيك 

لا تقسم بالله عليك ..ستقتلني يا علي لو فعلتها ..ارحمني بالله عليك 

: وهل أنت رحمتي احد بأفعالك ..

ظلت تبكي بحرقة وتقبل يديه : سأموت يا علي ..من أجل أبناءك ليس من أجلي أنا أخطأت وأقسم لن أقربها ..

ظل مكانه ينظر لها راكعة أمامه وهو يقلب بعينيه ويفكر بأمرها... لا يستطيع بعد هذا العمر أن يفضح نفسه أمام خلق الله ..ماذا يقول الناس ..

وقف وهو يزيحها من أمامه بقرف وهتف بها 

: سأظل بشقة أخي ..ليس من أجلك يا اعتماد بل من أجل أولادي والباسمة التي لا أريدها ان تشعر بالقهر من عمها الذي وعدها بالحماية ولم يفعل 

اقتربت تحاول ان تقنعه وأمسكت ذراعه بترجي :  : أرجوك يا علي ظل هنا حتى بغرفة هارون 

أزاح يدها واقترب من رأسها وهو يجز على اسنانه : من مصلحتك أن تدعيني أبعد عنك ..الحمد لله الذي كشفك وكشف ألاعيبك فتخسري ما كنتِ تحاربي وتتأمري من أجله..

 ابنك وزوجك يا اعتماد

........

دلف لشقة عمه لباسمة قلبه الذي لولا وصية أبوها  له كان خسر دنياه وأخرته 

ولكن كيف سيعيدها لحضنه وكيف سيعيد ابتسامتها التي أصبحت الهواء الذي يتنفسه ..

وجدها بغرفتها وعلى فراشها تقرأ في إحدى كتبها جلس بجانبها فأدارت له ظهرها وحاولت أن تخلع السماعة فأمسك يديها هامساً 

: من فضلك دعيها وإن لم يعجبك كلامي سأتركك من نفسي 

تركتها من أجله ومن أجلها أرادت سماعه وبقوة ماذا يمكن أن يقوله ويجعلها تستمر بالحياة معه ..

شهقت وحاولت الابتعاد عندما وجدته يحل جديلتها التي لم تعد تتذكر متى أخر مرة تركت شعرها طليق ..

ثبتها أمامه وبهدوء : لا تحرميني من لمسه ورؤيته مسترسل فهو يكاد يقتلني وهو مخنوق داخل الجديلة 

تركته يمرر أنامله بين خصلاته حتى فرده على ظهرها ولم يتركه من يده وهو يتمتم 

: جميل ..رائع يا باسمتي 

استسلمت للمساته الحانية فترة ثم أبعدته عندما أفاقت لنفسها وهبطت من  على الفراش وهي تبعد عينيها عنه بخجل..

: لقد طلبت منك طلب 

أخذ نفس عميق : لا تكرريها يا باسمة من فضلك لا تكرريها ..

أنا تركتك فترة لتريحي أعصابك وأظن أن الأوان أن نتحدث 

صرخت به : لا أريد الحديث.. تلك الحياة لا أريدها ..لا أريد زوج يرفض أن يمس  أمه حتى ولو أخطأت بينما يعاقب زوجته على أقل هفوة غير مقصودة ..

لا أريد زوج لا يحترمني ويتحدث مع الفتيات بالهاتف مستغلاً إعاقتي ..

لا أريد زوج لا يثق بي ....هل فهمت ..

حرك يده على جبينه وبألم : أريد دواء لألم الصداع الذي يفتك برأسي 

وقفت شاحبة أمامه وهي تضم يديها لصدرها برعب : لا تستدر عطفي 

رفع نظره بخوف عليها عندما أدرك حالتها وتذكرها لألم والدها 

فاقترب منها أخذاً إياها بحضنه : حبيبتي أسف أقسم لكِ إنه صداع لا أقصد أن أستدر عطفك ..

أسف لأني سبب ألمك ..اسف لأني سبب حزنك ..أسف لأني سبب غياب بسمتك ..

أرجوكي تقبلي أسفي ..أرجوكي باسمتي ..

تركت قلبها يفكر وجسدها يستجيب لقبلاتها واعتذاره ..تركت عشقها له يتحكم بها ويقودها لسماعه عندما أجلسها أمامه يمسح دموعها التي لم تستطع كبتها 

: لن استطيع التحمل يا هارون يكفي ..

أخرج هاتفه من جيبه وناوله لها 

نظرت له بتيه دون أن تأخذه  : ما هذا 

وضعه بيدها وأحكم إغلاق أناملها عليه : انظري له وتأكدي بنفسك ..لا يحمل كلمة سر ..

حاولت أن تعيده له ورفض متمتمة : لا أريد 

: بل يجب أن تريه ..يجب أن تعرفي أن هارون من الأن أصبح كتاب مفتوح أمامك لن يخذلك أبداً لن يستغل إعاقتك كما تقولي .. بل أكثر من ذلك لقد أخبرت أمي  أنكِ من اللحظة لن تكوني مسئولة أبداً عن شقتها لتعود هي لتدبر حالها كما كان قبلاً حتى يمكن أن أجلب لها خادمة تساعدها كل فترة 

همست بدهشة : وافقت 

مسح على وجهها وبابتسامة : نعم وغداً ستجلب لي مفتاح شقتنا وسأحضر لها هاتف حديث تحادث به رباب ..

حركت رأسها يمين ويسار بذهول : لا أصدق 

: بل صدقي حبيبتي 

: كيف 

تجنب النظر لها وهو يحبس بقلبه الكيفية التي أقنع بها أمه لن تحتاج الباسمة لذلك لن تحتاج أن تفقد الثقة بمن يحيط بها : أنا أردت قربك وحبك ورضاكي ألا يكفي تلك الأسباب أن استطيع بها محاربة العالم كله 

ابتسمت بخجل وهي تنظر للأرض للحظة بتفكير ثم رفعت رأسها وهي تعض على شفتيها وهي ترفع الهاتف له : هل أنت أكيد أيضاً من ذلك الأمر 

قبل يدها التي تحمل الهاتف وهو يهتف بسعادة : بل أكيد جداً باسمتي ولكِ كل الحق بعقابي إذا أكتشفت أمر كهذا مرة أخرى 

تركت الهاتف جانباً ثم صمتت مرة أخرى وهي تفكر بالأمر الأخر الذي يؤرقها 

:هناك أمر أخر يشغلك أليس كذلك 

هزت رأسها بنعم ورفعت يديها تسأله بتوتر فأمسكهما فكانت يديها الصغيرة بين يده الكبيرة كعصفور صغير يرتجف من شدة البرودة فابتسم بلطف هامساً 

: لا تجعلي بيننا حواجز وقلق حتى ولو كانت تلك الطريقة تريحك فهي بالمقابل تجعلني أشعر أني مقصر معكِ لدرجة أنك تتصوريني وحشاً سيلتهمك فتتوتري بوجودي 

ثم لمس بأنامله ثغرها وبصوت أجش من العاطفة : صارحيني بأفكارك

همست بتلكؤ: لماذا شككت بي هل هي طبيعة عملك التي تجعلك تشك بكل شيء..

عندما لم يرد عليها ولاحظت توتره وابتعاده 

فنظرت لعينه بعمق تقرأ الإجابة : لا ليست طبيعة عملك ماذا إذن هل هي خيانة 

ما رأته الباسمة من ملامح الخزي ثم اسباله أهدابه ليبعد عينه عن مواجهتها 

أعطتها الإجابة لتشهق واضعة يدها على فمها هامسة :  إنها الخيانة 

هذا الألم الذي ينغص عليك حياتك وجعلك تغرق في ملذاتك وتخوين أقرب الناس لك ..

ينطق أخيراً بصوت خالي من الحياة 

: وهل الخيانة جسدية فقط ... من عشر سنوات شاب صغير ابن عائلة متوسطة الحال لأب تاجر غلال وقرية بالكاد يوجد اسمها عرضاً على اشارات المرور المهترئة كإشارة وحيدة على الطريق كان هو الأول الذي يلتحق بكلية الشرطة فيجلس يتربع موقعه على مكتب المسئولية ... 

طاووس يتخيل إنه أصبح يملك سلطة ويملك الأولوية للحصول على أجمل بنت في القرية والذي كان مثار حسد كل شباب القرية بحصولي عليها 

نجلاء كانت اسم على مسمى عامين من المؤشرات الواضحة إنها غُصبت على الزواج مني ولكني كنت من العنجهية حتى ألتقطها فمن بقريتنا التعيسة كان لا يحلم بالحصول على أفضل شبابها وأوسمهم ...

خلافات مع أمي لا تنتهي وغضبها كل حين ببيت أهلها المستمر ... 

كانت بخيلة المشاعر والكلام ..و مع الوقت تحول وجهها الفاتن بعيني لوجه كرية من كثرة عبوسها وافتعال المشكلات ...

بعد أن كنت أجن حتى أحصل على عطلة  لأقابلها وأتمتع باللجوء لأحضانها حتى ولو باردة أصبحت أتقبل الغياب بل أكثر من ذلك أصبحت أرفض العطلات  و أمنحها بنفس راضية لزملائي ..

تحملت اقسم لكِ أني تحملت لكن كانت هناك القشة التي قسمت ظهري ..

النجلاء كانت لا تريد الإنجاب ... تخيلي أنها كانت تتناول ما يمنعها من الحصول على طفلي الذي كنت وعائلتي نهفو  إليه ... والذي اكتشفت عبواته  فجأة بين أثوابها وكتمته بصدري حتى أصل للحقيقة كاملة ..

وبابتسامة مريرة وهو ينظر لبعيد 

: لقد تغلب عليا حسي الوظيفي وإن كنت أعتقد إن ما غلب عليا وقتها برود ونبذ لها فهي عكسك حبيبتي لم تمتلك قلبي ... 

مد يده برهبة لموضع جنينه الذي يتمناه عند الباسمة وهو يحركها ببطء على بطنها المسطح ...

:كان هذا ما كان سيجعلني أتحمل لكن إذا كانت لا تريد فما الذي يجعلني أتحملها فهي لم تكسب قلبي الذي كنت على استعداد لتسليم حصونه لمن ارتضيت الارتباط بها وسعيت له ..لكنها نبذته ..

كسرت كبريائي وقتلت ببساطة النجاح الذي تتدرجت فيه في مجال عملي ..

أصبح لي شخصيتين واحدة أقابل بها الناس والأخرى لا استطيع حتى مقابلة نفسي بها بمرآة...

طلقتها لم يكن هناك أبسط من هذا القرار فحجتها بأنها كانت تريد التأكد من قدرتها على الاستمرار ببيت العائلة كما أسمته بالرغم من كونها كانت بشقة منفصلة ومعظم فترات وجودي بعملي كانت تقيم ببيت عائلتها لا تساوي خداعها لي بمنع نفسها من الإنجاب دون علمي ..  ولا بالخيانة عندما علمت أسبابها الحقيقية والذي كان ابن خالتها الذي كانت تحبه ولكن أبوها رفضه لأنه بالمقارنة بهارون العابد كفة الميزان كانت لصالح اسمي  بمراحل ... 

طلقتها في جمع لأسرتينا عندما أرادوا التقريب بيننا فمبجرد ما قالت إنها تريد حياة منفصلة وشقة بالقرب من مكان عملي والذي كان بمحافظة أخرى وقفت بكل برود وقلت لها أسرتي أولاً وأنتِ طالق ...

صدقيني النظرة التي رأيتها في عينيها كانت تستحق  فمهما كان المرأة تخونها ثقتها بنفسها عند الرفض وخاصة على الملأ .. تلك النظرة ردت لي جزء من كرامتي كرجل ..

بعد شهور العدة تزوجت ابن خالتها في غرفة صغيرة بشقة أمه وبظروف معيشية صعبة وأصبح الناس يروا أنها انحدر بها الحال ولكن.. أنا فقط ..أنا فقط يا باسمة  أعلم أنها نالت النجوم بحصولها على حبيبها ...

أنا فقط الأن وبعد حبي لك أعلم معنى أن نحصل على الحبيب..اذا قلت إنه شعور  يشبه لمس النجوم فأنا أكذب.. فهو شعور يشبه بنظري العيش بالجنه ....

اقترب منها وهو يحاوطها بذراعيه يحبسها بين ضلوعه 

: امنحيني الحق بجنتك باسمتي امنحي انسان لازال يتعلم بخطى طفل يحبو كيف يثق وكيف يعبر عن حبه ..

ابتعدت تنظر له وهي داخل مجال ذراعيه عيونه اللامعة التي تعشقهم باحت لها بصدق حروفه التي خرجت من بين شفتاه لتلمس قلبها وتنشر الفرحة بدمها فردت بكلمات  من ثغرها الباسم برقة حروفها  المتأنية 

 : هل تعلم ان تصرفك الذي أردت منه رد كرامتك هو تصرف بمنتهى الرجولة ....الأن وأنت تدعي أنك كنت بمنتهى الضعف وبقمة جرحك كرجل تقول أنك اكتفيت أن تطلقها واكتفيت منها بنظرة مكسورة ليست من حقها برد جزء من كرامتك أشعر أني حصلت على جنتي مع رجل يستحق ...

وقفت أمامه بفخر رافعة الراس وهي تشير بيدها دون نطق الحروف : جبل كأسمك يا هارون ..

ثم أشارت لقلبها الذي حملته كطفل صغير ناحيته : هو لك 

............................

بعد مرور عام ..

من الحب والكثير من الغيرة وسط صمت اعتماد المحاصر بنظرات علي الحادة  

كانت متكئةً على الفراش بمستشفى الولادة تنظربحب لعمها ورباب التي جاءت بعطلة وهم يتدافعا حول اعتماد لرؤية ابنتها 

أخيراً استطاعت رباب حملها بحب وأخذت تقبلها لتعود لتأخذها اعتماد  من يدها وهي توبخها

: اتركيها و إذهبي لابنتك التي تركتيها لإحسان تربيها 

: أمي أرجوكِ أريد أن أرى لمن تشبه 

تحركت اعتماد وهي تضعها بأحضان الباسمة التي يحاوطها هارون من لحظة خروجها من غرفة الولادة 

: لا تتعبي نفسك يا رباب إنها نسخة من أمها لم تأخذ منا أي لمحة ولو قليلة  

فينظر هارون للفتاة الملفوفة بلفات من اللون الوردي 

: حقاً ..

فنظرت له الباسمة بتوجس خفيف ضاع تماماً مع قبله هارون على جبينها بعد أن قبل ابنته ويهتف بكلمات صادقة نابعة بتأثر من قلبه 

: الحمدلله لقد استجاب الله لدعائي ووهبني بسمة 

همست بخجل : حقاً ستسميها بسمة 

ضحك هامساً : وسأزرع لها صفصافة تجاور الأخرى التي زرعتها لك 

ظلت تنظر له وهي تكابد تساقط دموع فرحها بلطفه معها وحنيته التي غمرتها 

فهمس لها بحب عندما رأى دموعها 

: ما بكِ حبيبتي  ..لما الدموع 

ابتسمت له للحظة واحدة قبل أن تختفي وتقابل نظرته المحبة بعبوس بسبب تكرار سماعها لنغمات رسائل ورنات فيضحك عالياً وهو يهمس لها وحدها وهو يفتح شاشة الهاتف أمامها :  إفهمي حبيبتي إنهم أصدقائي و زملائي بالعمل يهنأوني بالمولود وسلامتك 

تدير رأسها بخجل : أنا أحاول ولكنها تلك الغيرة التي لا تعرف الفهم 

ضحك وهو يحاوطها بحب يهمس لها ويضع كفها على موضع قلبه  : أحبك هل تحسيها هل تشعري بما يبوح به قلبي ..هل تحسي بدقاته ..

 خفقاته تؤلم صدري يا حبيبتي لهفة وشوق لكِ..

أرجوكِ امنحيني فرصة أرد لكِ جميلك بمنحي الحياة ..

هزت رأسها وهي تكابد لمنع دموعها ولا تستطيع فوضعت رأسها على كتفه متمتمةً

: يا الله يا رحيم أن الكلمات تعجز عن وصف سعادتي اللهم لك الحمد ..


                                 تمت 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-