CMP: AIE: رواية ذكري حب الفصل الاول1بقلم داليا السيد
أخر الاخبار

رواية ذكري حب الفصل الاول1بقلم داليا السيد


رواية ذكري حب
 الفصل الاول1
بقلم داليا السيد




زوجة الأب
كان الوقت مبكرا عندما استيقظت إيمان لتذهب إلى عملها الذي حصلت عليه مؤخرا بعد ما تخرجت من كلية التجارة إدارة الأعمال، ولولا إمكانيات والدها



 البسيطة لدخلت هندسة ولكنها تراجعت من أجله وبعد إلحاح زوجته التي دائما ما كانت عائقا في حياتها منذ أن دخلتها



 بعد وفاة أمها بعدة سنوات
طبعت قبلة على وجنة والدها وهو جالس أمام مائدة الطعام المتهالكة لتناول الإفطار وقالت "صباح الخير بابا" 
ابتسم لها الرجل بود لا يظهره إلا في عدم وجود زوجته وقال "صباح النور حبيبتي، تبدين مشرقة اليوم بالتأكيد بعد مكافأة منصور بيه لك بالأمس لابد وأن تبتسمي للحياة" 




تناولت بعض الطعام البسيط وقالت وهي تتذكر نظرات ذلك الرجل الذي يلاحقها وقالت "لا تذكرني بابا، أشعر بالخوف من نظراته، لا أعلم كيف تتعاملون معه" 
خرجت سهير زوجة والدها لتضع أكواب الشاي وقالت بغيظ "هل سأعد الإفطار لك كل يوم؟ أنا لست خادمتك، استيقظي مبكرا بعد ذلك كي تعدي الإفطار" 


توقفت عن تناول الطعام ونظرت لوالدها الذي ضاعت منه الكلمات بينما قالت إيمان "تعلمين أني أفعل ولكني أستعد للعمل، ألم يكن هذا حلمك الأول أن أعمل مع بابا بنفس الشركة وها أنا أفعل" 
قالت سهير بحدة "العمل نعم ولكن هذا لا يعني أن أتحمل أنا كل شيء وحدي عليك بمساعدتي، أنا يكفيني إعداد الغداء"
نفضت يدها من الطعام وقد أدركت أنها ستدخل بصراعها اليومي مع تلك المرأة فنهضت وقالت "بابا سأذهب أنا وتعالى أنت وقت تنتهي" 
قالت المرأة بغضب "أنا أتحدث إليك فلا تذهبي وتتركيني" 
لم تنظر إليها وهي تذهب وتقول "تعلمين ردي" 
كانت بالبداية تهتم بألا تثير المشاكل معها من أجل والدها ولكنها تعبت من كثرة مشاكلها فلم تعد تهتم بكلامها 
وصلت إلى عملها الذي أمضت به شهور قليلة بدأت فيه كسكرتيرة للرئيس التنفيذي للشركة وقد أثبتت جدارتها فيه مكانها بشهادة رئيسها المباشر، ولكن منذ يومان تم ترقيتها فجأة إلى رئاسة مكتب سكرتارية رئيس مجلس الإدارة، منصور الرفاعي ولم تدرك السبب ولكن قيل أنها كانت بارعة بعملها وربما سمعت بعض الإشاعات عن أنه معجب بها لذا يقربها منه خطوة بخطوة ولكنها لم تهتم بهذا الكلام طالما أنها تعلم أنها لم تفعل أي خطأ
دخلت الشركة الكبيرة ذات الاسم المعروف ووصلت إلى مكتبها عندما قالت سهر إحدى البنات العاملات معها 
“إيمان، منصور بيه وصل ويطلبك"
نظرت إليها بدهشة وقالت "الآن؟ متى وصل؟" 
قالت سهر "منذ دقائق" 
أخذت نفس عميق وجمعت أوراق العمل وقالت "لقد بدأ اليوم مبكرا جدا" 
رمقتها هنا الفتاة الأخرى بنظرة غير محببة وقالت "لا تخشين شيء، تعلمين أنه يتمنى رضاكِ" 





كانت تعلم أن هناء هي رأس الإشاعات بالشركة فنظرت إليها وقالت بهدوء "ومن أين عرفت ذلك هل أخبرك؟ لأنه لو فعل فسأغير نظرته لأشخاص كثيرة هنا لا تنال رضاي" 
ثم تركتها ودخلت وهناء تكاد ترد عليها ولكنها لم تمنحها الفرصة لتفعل، كان منصور العجوز يجلس خلف مكتبه ورفع رأسه إليها ثم ابتسم وقال 
“تأخرت يا إيمان"
تقدمت إليه بقلب غير مرتاح وهي تضع الأوراق أمامه محافظة على مسافة آمنة بينهم وقالت "حضرتك من أتى مبكرا ما زالت الثامنة والنصف" 
لم ينظر إلى الأوراق وظل يحدق بعيونها الزيتونية الواسعة بين وجهها الأبيض المستدير ووجنتيها التى تخضبت بالأحمر من إحساسها الداخلي بالخوف من شيء لا تعرفه، سمعته يقول
“أصبحت أدمن التواجد هنا من أجل أن أرى تلك العيون بالصباح من كل يوم وأختم بها يومي"
نظرت إليه وارتجفت يدها وهي تضمهم لبعضهم لتخفي ارتجافها ورأته ينهض بقوامه القصير وجسده الممتلئ فتراجعت أمام تقدمه وهو يقول 
“إيمان أنا تحدثت مع والدك بالأمس فهل أخبرك؟"
توقف أمامها بينما ضاقت عيونها وهي تقول "أخبرني بماذا؟" 
كان يقف أمامها وهو يتأملها قبل أن يقول "بأني أريدك" 
قالت باستنكار "ماذا؟" 
قال بابتسامة ماكرة "أقصد الزواج أريد أن أتزوجك، منذ رأيتك وأنا لا أفكر سوى بكِ" 
أخذتها المفاجأة وسمرتها بمكانها وتوقف عقلها عن العمل وتوالت دقات قلبها متسارعة تحذرها مما سيكون شعرت بيده تتسرب إلى يدها فانتفضت وأبعدت يدها وهي تنظر إلى ملامحه الدالة على تجاوزه الستين من عمره 
أدرك أنها تفاجأت فقال "سأمنحك ما لن تحلمي؛ به فيلا بل قصر باسمك وأموال كثير بالبنك بحساب خاص بك، سيارة أو اثنان كما تشائين، مجوهرات من أثمن ما تتخيلين فقط وافقي" 
أخذتها المفاجأة ولجمت لسانها قبل أن يناديها "إيمان أين صوتك؟" 
انتبهت وقالت بارتباك "حضرتك أكيد لم تفكر جيدا، أنا، أنا مجرة فتاة فقيرة لا أليق بك" 
اقترب منها فتراجعت فقال "لا يهمني لست بحاجة لأموال ولا أسماء عائلات أنا أريدك أنت" 
ابتعدت تماما من أمامه وقالت "لا يمكن، أنا لا أفكر بالزواج ما زلت ببداية حياتي" 





لم تنظر إليه بينما التفت هو إليها وقال "تقصدين السن؟ سأعوضك عن هذا الفارق بأي طريقة تريدينها فقط وافقي، سأجعل والدك مدير عام وسأنقلهم إلى مكان لا يحلمون به، سأفعل أي شيء تأمريني به" 
التفتت إليه وقد كان ينظر إليها برجاء ولكنها قالت "لن أفعل أخبرتك أني لا أفكر بالزواج" 
وتحركت لتخرج ولكنه اعترض طريقها وقال بنبرة تهديد غير واضحة "ستفكرين، لأن رفضك لن تكون نتيجته جيدة لكم" 
قالت بدون اهتمام لتهديده "لا يمكنك إجباري على شيء واعتبرني مستقيلة" 
وتحركت بسرعة لتخرج قبل أن يوقفها ولملمت أشيائها وسط نظرات البنات ولكنها لم تهتم وهي تندفع إلى الخارج واصطدمت برجل ذا قامة عالية لم تنظر لوجهه ولم تهتم له أصلا وهي تخرج من المكتب ولم تسمع منصور وهو يناديها بغضب واضح.. 
لم تعد إلى البيت كي لا تواجه زوجة أبيها ولم تجد أحد يسمعها فاتجهت إلى كورنيش النيل المزدحم بالمارة من كل مكان ووقفت أمامه وهي تحاول إعادة الهدوء لنفسها وتحاول أن تفكر في ما يمكن أن يحدث لها ولوالدها 
عادت إلى البيت بعد موعد عودة والدها، لتجد زوجته بانتظارها والغضب يتطاير من عيونها فأدركت ما كان، دخلت ولم تتحدث لكن أمل قالت 
“انتظري هنا"
توقفت ولم تنظر إليها بينما وقفت أمل أمامها وقالت "ما الذي حدث اليوم بالعمل؟ هل أصابك الجنون كي ترفضي رجل مثل منصور؟" 
نظرت إليها إيمان وقالت "أعتقد أن ما حدث لا يخصك فلا داعي للحديث عنه" 
كادت تتحرك ولكن أمل ثارت بغضب "بلى يخصني وهذا الرجل لن يكون إلا لك، هل عرفت ماذا فعل مع والدك؟ لقد هدده بالفصل لو لم يتم الزواج، أما لو تم فسننتقل جميعا من هنا وأنا لن أترك فرصة كهذه تضيع مني" 
قالت إيمان ببرود "إذن تزوجيه أنت" 
وتركتها إلى غرفتها ولكن الأخرى تبعتها إلى الداخل وقالت "ليتني كنت أستطيع أن أفعل، ولكني وقعت في أبوك الذي لم يمنحني إلا الفقر والجوع والآن تأتي فرصة العمر ولن أسمح لك بأن تضيعيها هل تسمعين؟ غدا سيأتي منصور ليتقدم لك رسمي ويضع خاتم بيدك حتى يتم الزواج ولن ترفضي هل تفهمي؟" 
وتركتها وذهبت وهي تتابعها بنظراتها الحائرة ولا تعلم ماذا تفعل؟ لحظات ودخل والدها فتألق الأمل بعيونها وقالت 
“بابا أنت لا توافق على كل ذلك أليس كذلك؟"
أخفض الرجل عيونه لحظة فتراجعت بخوف وهمست "لا بابا لن تفعل بي ذلك لن أتزوج رجل أكبر منك لن يحدث" 





رفع نظراته الحزينة إليها وقال "يا ابنتي أنت تعلمين ظروفي، منصور يعرض علي الكثير مقابل هذا الزواج وأنا بحاجة لذلك تعلمين أننا عشنا كثيرا في الفقر وأنا تعبت من صراعي مع الحياة وأتمنى أن ابنتي الوحيدة تساعدني على الراحة ربما لو كان لدي ولد" 
ولم يكمل وابتعدت هي والدموع تلمع بعيونها ولم تجد ما تقول ولكن الرجل عاد يقول "إيمان أعلم أني حكمت عليك بصعوبات كثيرة بسبب فقري وزواجي ولكن أنت ابنتي وليس بيدي حيلة" 
لم ترد وهي تشعر بالدموع الدافئة على وجهها ولم توقفه وهو يذهب تاركا إياها بين ألم التضحية بنفسها ومستقبلها وألم بنوتها له.. 
بالصباح كانت قد فكرت وقررت، لديها صديقة تقيم بالإسكندرية تعرفت عليها أثناء الدراسة بالجامعة وما زالت على علاقة بها عن طريق النت لذا قررت أن تذهب إليها ربما تساعدها على أن تختفي بعض الوقت ثم بعد ذلك تبدأ حياة جديدة بعيدا عن كل ما حولها
بالطبع لم تهتم بغضب أمل وصراخها من أنها لم تعد الإفطار وإنما أغلقت باب غرفتها على نفسها واستندت إليه لحظة وهمست 
“سامحني يا بابا لا أستطيع أن أضحى بحياتي وشبابي من أجل زوجتك، ما زال لدي أحلام كثيرة أريد أن أحققها وليس منصور منها"
أعدت حقيبة ملابسها وأخفتها وجهزت نفسها لحضور منصور كما أمرتها أمل التي دعت الجيران لحضور الأمر وامتلأ البيت بالناس وما أن دقت السادسة حتى سمعت الزغاريد تنتشر فعرفت أن منصور قد وصل فتحت الباب قليلا ورأت الجميع يتجمع بغرفة الضيوف فتسربت بحقيبتها إلى خارج الشقة وأسرعت إلى الشارع حيث قطرات المطر التي لم تمنع الناس من أن تعيش حياتها بذلك المكان الشعبي ولكنها وضعت غطاء الرأس على رأسها حتى لا يراها أحد وما أن وصلت إلى الطريق العام حتى زادت خطاها وتحركت لتعبر الطريق لتوقفها عربة فارهة توقفت فجأة أمامها بطريقة أثارت خوفها وملأت عيونها بالفزع لم ينتهي عندما نزل سائق السيارة واتجه إليها ووقف أمامها وهي تتابعه بنظراتها وربما لم يمكنها المطر والظلام من أن تتبين ملامحه جيدا وهو يقول
“هل أصبتك بشيء؟"
لم تنطق وهي تهز رأسها بالنفي بينما تأمل هو ملامحها الرقيقة فقال "ترى إلى أين تذهب فتاة مثلك بوقت كهذا؟" 
انتبهت لنفسها وأبعدت عيونها عن عيونه العسلية وقالت "أظن أنه أمر لا يخصك" 
كادت تتحرك مبتعدة ولكنه تحرك ليسد طريقها وقال "انتظري يا آنسة" 





تأملته بدهشة وقالت "أنتظر ماذا؟" 
نظر بعيونها الزيتونية الفاتنة وقال "انتظري ربما طريقنا يكون واحد" 
تأملته بوجه الحاد وشعره المنمق وبدلته الثمينة وطوله الواضح أما عطره فلا تعلم أين اشتمته من قبل!؟ 
قالت "لا أظن عن إذنك" 
ولكنه أيضا لم يبتعد وقال "الآنسة إيمان على ما أتذكر أليس كذلك؟"
توقفت وهي تنظر إليه باستفهام فأكمل وهو يدرك نظرتها "رأيتك بشركة منصور الرفاعي وسمعت عنك الكثير" 
تذكرت الآن عطره عندما اصطدمت به بالمكتب فقالت "وماذا سمعت عني؟" 
قال وهو يشير إلى المطر "لن نتحدث تحت المطر اسمحي لي أن أوصلك لأي مكان بعيدا عن الأمطار" 
تحركت مبتعدة وقالت "شكرا لا أحتاج توصيل أحد" 
تحركت ولكنه فاجأها عندما أمسك ذراعها وأوقفها ونظر بعيونها مباشرة والمياه تتساقط من خصلات شعره وقال بحزم
“بلى تحتاجين، وتحتاجيني أنا بالذات فقط اركبي وسأمنحك تفسير مقنع"
أبعدت ذراعها من قبضته وقالت بقوة "إذا كان لديك تفسير فأخبرني به الآن وهنا وإلا فاتركني أذهب" 
تأمل إصرارها الواضح فنفخ بضيق وقال "حسنا أنا أعرف بموضوع منصور ورغبته في الزواج منك وأعلم أنك الآن هاربة من بيتك وإن لم نرحل الآن فربما يلحق بنا أهلك ويعيدونك لإتمام الزواج فهل تأتين معي بعيدا عن هنا وأعدك أن أساعدك بشرف؟" 
تفاجأت من كلماته وصمتت تحت الأمطار قبل أن تقول "من أنت؟" 
صمت قليلا قبل أن يقول "أمير، أمير محي الدين رجل أعمال أدير أملاك عائلتي هل نذهب من فضلك؟" 
لا تعلم لماذا ضعفت وهو يأخذ حقيبتها ويقودها إلى السيارة فتركب في صمت لتشعر بالدفء يسري بجسدها وقد أدركت فخامة السيارة وعادت لنفسها عندما ركب بجوارها ومنحها مناديل لتمسح قطرات المياه.. 
قاد السيارة بهدوء قبل أن يقول "لم أظن أنك سترفضين رجل مثل منصور" 
قالت "ولم لا؟ لأني فقيرة وهو فرصة بالنسبة لي؟" 
نظرت إليه فرد نظرتها وقال "هذه إجابة مقنعة" 
أبعدت وجهها وقالت "ليس بالنسبة لي" 
هز رأسه وقال "أستطيع أن أرى ذلك" 
أوقف السيارة على جانب الطريق وقال "وما خططك الآن؟" 
لم تنظر إليه وهي تقول "أعتقد أنه أمر لا يشغلك وأظن أني لابد أن أذهب طريقنا مختلف" 





كادت تنزل عندما قبض على معصمها وقال "ربما يمكننا الاتفاق، صفقة اسمعيها قبل أن تذهبي" 
نظرت إلى يده فأبعدها ورفعها وقال "آسف ولكن أنت متهورة وقليلة الصبر" 
اعتدلت وقالت "قليلة الصبر؟ ألا تعتقد أن كل ذلك غريب؟ أن تظهر أمامي فجأة وتقنعني بالركوب معك أليس غريب؟ أن أدرك أنك تعرف عني كل شيء وأنا لا أعرف عنك شيء، والآن تتحدث عن صفقة؟ أي صفقة التي يمكن أن تنالها من فتاة مثلي؟" 
حدق بنظراتها الغاضبة قبل أن يخرج علبة سجائر فضية ويخرج واحدة ويشعلها بهدوء قتل آخر قطرات صبرها قبل أن ينفخ الدخان ويقول
“بلى هناك صفقة مع فتاة مثلك بل وصفقة رابحة لك أكثر مني فقط ابعدي غضبك هذا وتحلي ببعض الهدوء كي يمكننا التحدث"
ظلت تنظر إليه دون أن تجد كلمات لترد بينما عاد ينظر لها قبل أن يقول "أنت فتاة ذكية ناجحة بعملك، زوجة والدك تمغص عليك حياتك، منصور يطارك والآن المجهول يطارك هذا هو واقعك يا آنسة أليس كذلك؟" 
قالت "وما الجديد بكلامك؟" 
قال "وظيفة لم تحلمي بها بالإسكندرية بمرتب خيالي، شقة على الكورنيش لا يعرف مكانها أحد" 
ضاقت عيونها وهي تحاول أن تستوعب كلماته إلى أن قالت بنفس الطريقة العملية "المقابل؟" 
تأمل جديتها وكلامها قبل أن يقول "ألا تعودي للخلف، منصور ينتهي من حياتك، وتنسي والدك وزوجته وتبدأي تلك الحياة الجديدة دون قيود، أنا فقط من يحق له تسوية الحساب معك بحكم أني رئيسك المباشر فالشركة فرع من شركاتي" 
أبعدت عيونها عنه إلى الظلام الذي انتشر أمامها وقطرات المياه التي تناثرت على الزجاج الأمامي لسيارته الفارهة وهي تحاول أن تستوعب كلماته وما إذا كان يمكنها أن تقبل بم يريد أم لا؟ وكيف يمكنها أن تثق برجل لا تعرفه وتسلمه مصيرها هكذا؟ 
سمعته يقول "لا أسمعك يا آنسة؟" 
التفتت إليه وقالت "من أنت؟  ولماذا تفعل ذلك معي؟" 
أبعد وجهه عنها وهو ينفث الدخان بقوة قبل أن يقول "أخبرتك من أنا أما لماذا فلأني أبحث عن مصلحتي والتي هي بعدك عن منصور فهزيمته أمر يسعدني، كما أني عرفت بقدراتك بالعمل وفكرت أن أستفيد منك وأفيدك فهل نحكم العقل؟" 
ظلت تنظر إليه ثم قالت "كيف أثق بك؟" 
أدار السيارة وتحرك وهو يقول "لا إجابة لدي لهذا السؤال، مجرد كلمتي لك بأن نجاح هروبك بيدي، أما الثقة فلا أطالبك بها" 
اندهشت من ذلك الرجل وصراحته التي صدمتها، طال الصمت بينهم وهي تلاحظ أنه اتخذ الطريق الصحراوي فقالت





“إلى أين؟"
لم ينظر إليها وهو يجيب "اسكندرية، فرع الشركة هناك ينحدر في طريقه للانهيار، لا أنكر أني أهملتها الفترة الأخيرة بسبب سفري الدائم ولكن هذا لا يعني أن أترك أولئك اللصوص يمرحون بأموالي أكثر من ذلك، أمامك شهر لاستعادة الشركة وسأمنحك كل الصلاحيات للتصرف كما تشائين فقط أريد استعادة ما يخصني" 
ارتجفت قليلا وقالت "وإن لم أنجح؟" 
التفت إليها وواجه نظراتها وقال "ستنجحين، أنا أجيد الحكم على الأشخاص جيدا" 
تناولا بعض الطعام بإحدى الاستراحات وقال "أحمد رئيس الشركة السابق، كان من أفضل الرجال الذين عرفهم والدي ولكن يبدو أنه ليس كذلك بالنسبة لي، لن يكون من السهل عليك إثبات تورطه بأي شيء" 
أخرج هاتفه وقال "رقمك، أريد إرسال بعض الملفات إليك لتساعدك بالأمر" 
أبعدت وجهها وقالت "ليس معي هاتف، تركته بالبيت كي لا يصل إلي أحد" 
رفع نظره إليها لحظة فواجهته بقوة فقال "أخبرتك أنك فتاة ذكية، هيا لابد أن نذهب لنصل قبل الصباح" 
بالرابعة صباحا كان يدخل الإسكندرية التي اشتدت بها البرودة والمطر أكثر وتأملت المدينة الساحرة وهي تتدلل على شاطئها الغاضب عليها من تلك الرياح التي تضربها، وأخيرا هدأ من سرعته وهو يقترب من ذلك المكان الفاخرة الذي يقف أمام البحر بشموخ يناطحه ويمتاز بشقق فندقية لا مثيل لها إلا بالقاهرة طبعا، دخل الجراج حتى توقف ونزل فنزلت وتابعته وهو يحضر حقيبتها فقال 
“الشقة خاصة بي لا يعرف عنها أحد، ستكون ملك لك وحدك، هيا تعالي"
ركبا المصعد وهي في حالة من الذهول من كل ما يحدث حولها بذلك المكان العجيب الرائع والذي لم تحلم به يوما 
دخلت الشقة التي لا تسمي شقة وإنما فيلا صغيرة بمساحتها الكبيرة والمنظر الرائع المطل على الكورنيش مباشرة، ولاحظت أن الأثاث جديد ولم يستعمل، ترك حقيبتها وقال
“هي جديدة لم يقيم بها أحد لا يوجد طعام بالطبع سنطلب توصيل للمنزل ولكن بعد أن نبدل ملابسنا أولا ونحصل على حمام دافئ"
ظلت واقفة لا تتحرك وهي تحاول أن تستوعب كل ما يحدث لها إلى أن لاحظ صمتها فتحرك إليها ووقف أمامها وقال 
“هاتي ما عندك يا آنسة"
أبعدت عيونها عنه فنظراته تثير رجفتها وعطره يفقدها اتزانها، تماسكت وقالت "لا شيء ولكن" 
أعاد وجهها إليه بطرف إصبعه لتواجه عيونه الجذابة ونظرته الساخرة قبل أن يقول "لا أحب أن أتحدث عن أني لا أميل لأخذ امرأة لا تربطني بها صلة شرعية فابعدي هذا الشك من عيونك واذهبى لأي غرفة من تلك الغرف واغلقي على نفسك جيدا لأني لن أذهب وسأمضي ما تبقى من الليلة هنا بغرفة أخرى، لابد أن نكون بالشركة في التاسعة" 
زاغت نظراتها بعيونه ولم تجد أي كلمات تعبر عما داخلها وهو لم يمنحها الفرصة حيث تركها وأخذ حقيبة صغيرة لم تلاحظها واتجه إلى مكان جانبي بعيدا عن ذلك



 البهو الكبير وسمعت بابا يغلق مما أفزعها وأعادها للواقع الذي هو أمر غير طبيعي بل وغير صحيح 
وجودها هنا غير صحيح كيف وافقت على ذلك واتبعت رجلا لا تعرفه لمكان لا تعرفه وستنام معه بمكان واحد؟ هل تركها عقلها وحل الجنون محله أم ماذا؟ 
تعبت وشعرت بصداع فتحركت إلى حقيبتها وهي تستسلم للواقع الذي وجدت نفسها فيه وفتحت آخر باب بالممر ولم تمنع نفسها من أن تنبهر بجمال المكان وروعته بكل شيء، أخذت حمام وارتدت ملابس ثقيلة رغم المكيف ثم اندست بالفراش المثير للراحة وظلت لحظات تحدق بالظلام الذي بدأ يتلاشى أمام النوم الذي تسرب لعيونها
حصلت على قسط غير وفير من النوم ولكنها اغتسلت وبدلت ملابسها وخرجت لتراه بالمطبخ الأمريكي يعد قهوة عندما سمعت دقات على الباب فقال
“هل تأخذين الطعام منه؟"
لم ترد وهي تتحرك إلى الباب وتحصل على الطعام ثم عادت إلى المطبخ فقال وقد بدل قميصه وبنطلونه ووضع ربطة العنق حول عنقه دون أن يعقدها وبدا وسيما بالنهار وببشرته البيضاء التى بدت لامعة بعد أن أزال شعر ذقنه وشعره البني الكثيف الذي لمع مع لون عيونه، جبهته العريضة التي زادته قوة مع فمه المزموم دون سبب 
قال "يبدو أني أحوز على إعجابك يا آنسة" 
احمر وجهها وهي تزيح خصلة شعرها الذهبي عن عيونها ولكنه تابع وهو ينظر لوجهها ويقول "فلنجعلها إيمان دون




 ألقاب هكذا أفضل" 
تحرك بأكواب القهوة إلى مائدة الطعام فانتبهت وأخذت الطعام وأعدته وجلست أمامه فتناوله بينما رن هاتفه نظر إلى




 الرقم ولم يرد ثم قال
“سنحصل لك على هاتف ورقمه سيكون خاص بي أنا فقط ورقم آخر بهاتف آخر لمباشرة حياتك العادية والعملية، لا تتصلي



 بي أنا من سيفعل، لا تنسي أني أمنحك كل الصلاحيات وكأني أنا الموجود"
هزت رأسها وهي تحاول أن تركز بكل ما يدور حولها وهي تدرك أن كل ذلك خطأ ولكن ما باليد حيلة هو طريق سلكته




 ولا مجال للتراجع منه
كانت الشركة قريبة من السكن ولكن بعيدة عن البحر ما أن وصلت سيارته أمام باب الشركة حتى شعرت بحركة



 غير عادية حولهم، نزل وترك المفتاح للرجل الذي فتح له الباب وانتظرها حتى لحقت به وتغيرت ملامحه إلى الجدية ونظر إليها وقال
“ملامحك أمام موظفيك أول درجة إما للهاوية أو للقمة فتحكمي 




بملامح الخوف هذه واخفيها وراء قوتك التي مارستها معي بالأمس فهنا مكانها الحقيقي"
كانت كلماته قوية وكأنها تدفعها بقوة لتعيد إليها وعيها فرفعت رأسها بكبرياء غريب وقالت "الخوف لا مجال له




 عندي يا فندم، لقد تركته بالقاهرة مع كل ما كنت انتمي إليه والآن قوتي هي قائدي الذي لا أملك سواه" 





هز رأسه ولمس ظهرها بطرف يده ليدفعها أمامه للداخل حيث رأت الكثيرين يتحركون بكل مكان توقف البعض منهم عندما لاحظ وجوده وهو يتقدم إلى الداخل بخطى ثابتة وأسرع إليه أحدهم وهو يقول 





“أمير باشا، نورت يا فندم، لم تخبرنا بزيارتك"
كانت تتبعه بخطى ثابتة وعيونها تتلفت بالمكان بينما قال "هل أحصل على الإذن بالحضور يا ولي؟" 
رأت ممر طويل انتهى بباب فتحه ولي وهو يقول "لا، بالطبع لا يا فندم تفضل" 





ما أن دخل حتى رأت رجل آخر نهض من خلف المكتب وظل واقفا ولكنه تحرك عندما تحرك أمير ليجلس مكانه وهو يقول 
“أراك بخير صحة يا أحمد"
ارتبك أحمد وهو ينظر إلى أمير ولاحظت تصبب العرق على جبينه وهو يقول





 "هذا لأني رأيتك يا فندم بعد طول الغياب" 
نظر أمير إليه بدقة ثم أبعد نظراته إليها وهو يقول "الأستاذ أحمد المدير العام للشركة سابقا، الأستاذة إيمان المدير العام حاليا" 





تراجع أحمد وقد تشنجت عضلاته وحدقت عيونه بأمير واتخذ وقت قبل أن يقول "سابقا!؟" 
تراجع أمير بمقعده وقال "زياد الصفتي قرر مصيرك معي منذ أن



 وقعت معه على حسابي" 
تحررت حنجرته وقال "كاذب أنا لم أفعل، أستاذ أمير أنا بريء من هذا الاتهام أنا بالفعل قابلته ولكنه لقاء عادي لم.." 
كان أمير يعبث بهاتفه وكأنه لا يسمع الرجل عندما صدع صوت



 أحمد من هاتف أمير وتراجعت هي مما سمعته من اتفاقه مع صوت آخر يطالبه بكل ما يعرفه عن أمير وصفقاته والطريقة التي




 سيتبعها الاثنان، تراجع أحمد والتزم الصمت بينما أخرج أمير علبة سجائره ودخن واحدة ثم قال 




"هل تريد المزيد؟ الآنسة إيمان ستتسلم منك كل ما يخص الشركة فعليك تسليم كل شيء لها وأفضل التعاون، أنا سأكتفي باستبعادك من الشركة دون الإبلاغ




 عنك من أجل السنوات الخالية فلا تحاول نصب أي شرك لها رغم أني واثق أنها أذكى من أن تقع فريسة لك، كل ما حصلت عليه من أموال



 وعقارات أو سواهم هي هدية مني لك والآن لنبدأ العمل، آنسة إيمان الآن يبدأ دورك" 
نهض واتجه إلى مائدة الاجتماعات وترك لها زمام الأمور ونظر إليها





 نظرة ذات معنى وهو يمر من جوارها مما جعلها تستعيد قوتها وتتحرك إلى المكتب وتقول 
“مبدئيا أريد كل الأصول والسندات للشركة وبعدها أتسلم منك




 الميزانية والعقود الداخلية والخارجية"
هز الرجل رأسه وهو يمسح حبات العرق من على وجهه وبدأ العمل




انتصف النهار وهي لا تشعر بالوقت حولها عندما شعرت به بجوارها، كادت تنهض لولا أن وضع يده على كتفها ثم




 انحنى عليها وهمس 
“تبلين جيدا، أنا لابد أن أرحل ولا أعلم متى سأعود لا تنسي طريقة الاتصال"




نظرت إليه وقد تسرب الخوف إليها الآن ولكنه لم يبادلها النظرة وهو يتحرك إلى الخارج وتركها كالذي ضربته دوامة


 قوية تجذبه للأعماق دون أن يجد يدا تجذبه إلى الأعلى وتملكها شعور بالوحدة والغربة



 وتذكرت الآن أنها هنا وحدها بعيدا عن والدها وحياتها الأصلية التي كانت تحياها فهل يمكنها 


أن تنتصر على الوحدة والغربة وتتعايش؟ أم ستنهار وتتراجع 


وتسقط وتتداعى مهزومة؟ 



                            الفصل الثاني من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-