CMP: AIE: رواية ذكري حب الفصل الثامن 8بقلم داليا السيد
أخر الاخبار

رواية ذكري حب الفصل الثامن 8بقلم داليا السيد


رواية ذكري حب 
بقلم داليا السيد

الفصل الثامن





الجزيرة
انتهى الاجتماع بوقت متأخر كالعادة ولكن الصداع الذي لازمها أرهقها وربما بدا عليها، انفض الجميع من حولهم ونهض هو إلى مكتبه وقال
“أريد ملخص لاجتماع الليلة وإرسال القرارات الجديدة لفروعنا والتأكيد على بدأ العمل بها، هل استجابت شركة منصور لرسالتك"
كانت تعبث باللاب فأجابت "لا، أرسلت القرارات للفروع، والتقرير سيكون عندك الليلة" 
ارتدى جاكته وقال "تمام أراك بالصباح" 
وخرج دون أن يتحدث بأي شيء آخر وقد تغيرت طريقته معها فهل أخطأت عندما حكت له قصتها؟ بالتأكيد أدرك أنها فتاة لعوب وليست كما كان يظن بها؟ زاد الصداع والحزن يملأ قلبها والخوف من أن تفقد تلك الوظيفة التي لم تتمنى أفضل منها ومع ذلك الرجل الذي امتاز بصفات لم تراها بأحد ورجولة تتحدث عن نفسها، هل يمكن أن يطردها ويعيدها مصر؟ أو ربما يلقيها خارج شركاته ولا يعبأ بعودتها فلا تجد غير بلد غريبة لا تعرف بها أحد؟ يا الله! ماذا يمكنها أن تفعل لو فعل بها ذلك؟ 
زاد الصداع وربما شعرت بدوار فوضعت رأسها بين يديها وأغلقت عيونها وما زالت الدموع تحاول الفرار للخروج وهي تمنعها فكفاها ما زرفته من قبل فقط لو يتركها ذلك الدوار! 
سمعت صوت يناديها من بعيد ففتحت عيونها بصعوبة وهي تدور بنظراتها حولها حتى رأت تلك العيون الخضراء تنظر إليها وهو يناديها
“إيمان هل أنت بخير؟ ماذا أصابك؟"
كانت بنفس مكانها ورأسها كانت على اللاب فاعتدلت وقالت "ماذا حدث؟" 
قال بحيرة "لا أعلم عدت من أجل هاتفي ووجدتك هكذا، تقريبا فاقدة للوعي وببعض العطر أعدتك ماذا حدث؟" 
نهضت وهي تترنح واستندت على مقعدها وهو لا يخطو تجاهها خطوة فقالت "لا أعلم فقد شعرت بصداع شديد وبعض الدوار وبعدها لم أشعر بشيء أنا آسفة" 
ابتعد إلى مكتبه وأخذ هاتفه وقال "أغلقي اللاب وتعالي سأوصلك بسيارتي لن تعودي وحدك" 
ظلت واقفة تتأمله فلاحظ ذلك فقال دون وعي "أخبرتك من قبل أني لست أمير فهل تمنحيني بعض الثقة؟" 
أخفضت وجهها وقالت بهمس "آسفة لم أقصد ولكن أنا لا أستحق كرمك الزائد هذا أنا" 
وقاطعتها الدموع فتركها للبكاء وهو يقترب ليقف أمامها حتى هدأت وقال "أنت فتاة مجنونة وتتدخل بقرارتي وأنا لا أحب ذلك أنا من يحدد إذا كنت تستحقين أم لا فقط كفي عن التفكير بأني أمير هيا" 
وتحرك وهي تتبعه بنظراتها فتوقف عند الباب ونظر إليها فاستعادت نفسها وأغلقت جهازها ولملمت أغراضها وتحركت إليه دون كلام
نظر إليها وهي بجانبه بالسيارة وقال "أنت واثقة أنك لست بحاجة لطبيب؟" 
ابتسمت بوجه شاحب وقالت "أنا بخير وغدا أجازة نهاية الاسبوع وأظن أني سأقضيها بالفراش" 
هز رأسه لحظة قبل أن يقول "أنا ذاهب غدا إلى الجزيرة لو فضلت البحر والهواء عن الفراش اتصلي بي" 
توقف السائق أمام بيتها بينما نظرت هي إليه فعاد يكمل "القصر به الكثير من الخدم والجزيرة ممتلئة ببيوت سكانها وهناك جزء خاص بالضيوف خارج القصر لقضاء ليلتك هذا إذا شأت" 
لم ترد وفتحت الباب ونزلت وتحركت إلى باب المبني ودخلت وما أن أغلقته حتى تحركت السيارة وظلت هي واقفه أمام الباب وقد أغلقت عيونها وهي لا تعلم لماذا حدث لها كل ذلك؟ والآن ماذا عليها أن تفعل؟ عمر رجل مختلف، الاحترام هو أول سلمة للتعامل معه والأخلاق قمة صفاته فهل لمثلها مكان بحياته الزاخرة بالمشاغل؟ 
أخذت حمام وارتدت ملابس النوم وأعدت عشاء خفيف تناولته بالفراش وهي تكمل التقرير على اللاب وتستقبل ردود الفروع ثم أرسلتهم إليه على الايميل الخاص به فجاءتها رسالة على هاتفها، التقطت الهاتف لترى اسمه ورسالته تقول 
“هل فكرت بدعوتي؟ أم أن النوم يفوز"
ابتسمت وشعرت براحة لم تعرف سببها وهي ترد "أليس لديكم مكان للراحة بعد التعب من قضاء يوم بين البحر والهواء؟" 
ابتسم وأجاب "بالتأكيد موجود ولكن ربما لا تجدين وقت للراحة فجمال المكان يأخذ كل الانتباه" 
كتبت "أخشى من أن لا أجد من يحملني لو فقدت الوعي مرة أخرى من التعب" 
لم يرد وهلة وبالنهاية كتب "ربما أجيد التعامل بتلك المواقف، هل هذا يعني الموافقة؟" 
ردت "لا يمكنني مقاومة الإغراء" 
كتب "ستأخذك السيارة بالسادسة صباحا" 
ردت "تمام" 
توقف الاثنان عن الكتابة ولكنها كتبت رغم أنها تراه أون لاين "ما زلت موجود" 
كتب "نعم" 
كتبت "شكرا" 
فكتب "أهلا بك" 
تمددت على الفراش وهي تشعر براحة غريبة تتسرب إلى عقلها وتهدأ من أحزانها، ربما بعد أن ألقت بهمومها أمامه ارتاحت لأن هناك من يشاركها إياها وربما لأن عمر لديه قدرة غريبة على امتصاص السلبيات ممن حوله.. 
نزلا من الطائرة على مرفأ خاص على الجزيرة وقد ظهر النهار لتبدو الجبال حول الجزيرة تحميها من مياه البحر القوية، تطاير شعرها من المروحية وتحركت خلفه وهو يقودها إلى ممر مجهز للمارة وقال 
“بنهاية الممر مدخل القصر والدي أعده منذ زمن طويل وأنا قمت بتعديله"
بالفعل انتهى الممر الشجري لتجد نفسها أمام قصر رائع كبير وسط حديقة مزدهرة الورود ومبني صغير على اليمين أشار إليه وقال 
“هذا مكان إقامتك، سيحضرون حقيبتك إليه، هل نتناول الإفطار أولا وبعدها نبدل ملابسنا وستكون الرحلة بانتظارنا" 
قابلتهم سيدة بدينة وقصيرة قالت باليونانية وهي تأخذ البالطو الخاص بكلا منهما "مرحبا بعودتك سنيور" 
هز رأسه وأشار إليها وهي تتأمل المكان المعد حديثا وبدا رائعا وهي تتحرك معه إلى غرفة جانبية فتحها فدخلت وقال "أحب الالتزام ببعض التقاليد القديمة التي ورثتها عن أبي فقد كان يعشق التجمع على مائدة الطعام، كان يخبرني أن الناس بمصر كانت تفعل حول ما يسمى طبلية، كنت أحب قصصه عن الحياة هناك" 
أجلسها بأدب وجلس على رأس المائدة فقالت "وأنت ألم تعش بمصر؟" 
قال "بلى عشت بها سنوات كثيرة ببداية ميلادي وقبل أن تموت والدتي كنت بالخامسة تقريبا أو أقل لا أذكر تلك الأيام عندما قرر أبي الهجرة إلى هنا وهو موطن أمي ولكني كنت عائقا بحياته ولكن وجود جدتي هنا يسر له الأمر حيث قامت بتربيتي حتى ماتت وأنا بالعاشرة كان أبي وقتها قد حقق نجاح بعمله كمهندس إنشاء اعتبره الكثيرين عبقري ومع الوقت انشأ شركته الخاصة وما أن أنهيت الجامعة حتى رحل وترك لي هذا البيت والشركة الرئيسية وبداية فرع مصر وأنا أكملت" 
وضع الخدم الطعام باحترام واضح وما أن ذهبوا حتى قالت "عشت وحيدا؟" 
لم ينظر إليها وهو يجيب "لم يكن لدي وقت للتفكير بالوحدة، العمل يسرق العمر ولم أستوعب أن الزمن سرق عمري إلا قريبا عندما فاجأني العمال بعيد ميلادي لأكتشف أني أتممت الثامنة والثلاثين، سنوات كثيرة لا أعلم أين ذهبت ولكني دفعتها مقابل ما عرفتيه من عملي" 
قالت "ثمن غالي والمقابل؟" 
ولم تكمل فرفع وجهه إليها وقال "لم يكن هناك سواه" 
تجرأت وقالت "ولم تفكر بأسرة وأولاد" 
أبعد نظراته وقال "أخبرتك أني لم أملك الوقت لأي شيء سوى العمل" 
هزت رأسها وعادا لتناول الطعام في صمت ثقيل مر كالدهر عليهما وقد تؤلم الذكريات حتى ولو كانت سعيدة.. 
بدلت ملابسها بمقر إقامتها الرائع وخرجت لتراه بملابس خفيفة منحته عمرا أقل بكثير، كان يقف مع أحد الرجال وما زال يحتفظ بطريقته الهادئة وهي تقترب منهما، نظرات الرجل إليها جعله يلتفت كانت تبدو كالفراشة بملابسها الوردية وشعرها يتناثر حول وجنتيها 
انتبه لنفسه وقال "علي هو قائد اليخت سيأخذنا إلى الجبل أولا ثم نتناول الغداء بين المياه الزرقاء أو لو شأت على الشاطئ الجنوبي للجزيرة فهو لا يقاوم" 
ابتسمت وهي تبعد خصلاتها عن عيونها من الريح وهي تضع جاكيت على أكتافها وتحرك علي فقالت "كل العاملين مصريين" 
ابتسم وقال "هذا مبدأ، أولاد بلدي أولى برعايتي من الغريب" 
ابتسمت وهي ترى اليخت الكبير يقف على جانب المرفأ وللحظة تذكرت ذلك اليوم مع أمير وقد كان ذلك اليوم بداية العد التنازلي لانتهاء علاقتهم، حاولت ألا تبدي تأثرها بالذكريات وإن ذهبت ابتسامتها وهي تقف على مقدمة اليخت وتتأمل المياه ومنظر الشاطئ وقد أخذها شكل الشاطئ بشكل أبعد كل شيء عن ذهنها سمعته يقول
 "لحظات وستشاهدين الجبال وهي تهيمن على الجزيرة دون منازع، لا أراك متضررة من ركوب البحر" 
هزت رأسها وقالت "ليست أول مرة، ركبت مع أمير بشرم و.." 
توقفت عندما أدركت نفسها، أبعد وجهه إلى المياه دون أن تتغير ملامحه وقال "لماذا توقفتِ؟ أعلم أن الذكريات لا تمحى بسهولة خاصة إذا كانت سعيدة" 
أخفضت وجهها وقالت "ليست سعيدة، فقد كان ذلك اليوم بداية الانهيارات بيننا لأن من وقتها وأمير بدأ يزيل التحفظ من بيننا ولكني أوقفته وكانت النتيجة أني سقطت بالمياه ومرضت بعدها وانقطعت علاقتنا كما أخبرتك" 
نظر إليها وقال "لو طلبك للزواج كنت ستوافقين؟" 
نظرت إليه وهلة وهي تفكر دون أن تجد إجابة فأبعدت وجهها وقالت "ولكنه لم يفعل" 
وعادت تتأمل كل تلك الجبال التي تحتضن الجزيرة وتكاد لا ترى بها أي شواطئ ولا بيوت وتلك المياه الكريستالية التي تأسر إعجاب كل من يراها والنسمات الباردة التي تداعب وجنتيها برقة فقالت بشغف
“يا له من منظر رائع إنها جميلة، أين السكان وماذا يفعلون وكيف يعيشون؟"
أشار إلى جبل بعيد وقال "هم يقيمون خلف ذلك الجبل وعلى جانبيه، الأرض هناك صالحة للزراعة وأنا لا أنال منهم إلا ما يلزم البيت من الطعام فقط وبعضهم يعيش على الصيد والبناء ولكن لديهم اكتفاء ذاتي وأنا أنشأت لهم مدرسة لتعليم أولادهم وساعدت الحكومة في إرساء المرفأ وزودته بقوارب تساعدهم على الانتقال للعاصمة" 
نظرت إليه بإعجاب وقالت "لا تخبرني أنهم مصريين" 
ابتسم وقال "لا المصريين لا يقبلون بتلك الحياة فجميعهم يريدون المال كي يوفون التزاماتهم بمصر" 
لم تترك وجهه وقالت "تفهمهم جيدا" 
تأمل عيونها الجميلة التي تلمع مع ضوء الشمس فتتحول إلى الأخضر الجذاب وقال "ربما" 
توقف اليخت بعيدا عن الشاطئ وأنزل الرجل مركب صغيرة ونزل هو الأول وحاولت أن تنزل وحدها للقارب ولكنها لم تستطع ولأول مرة يمد لها يده للمساعدة فنظرت إليه كما فعل ثم وضعت يدها بيده ونزلت لتقف أمامه وهي ترفع رأسها لتلتقي بعيونه التي لاحقتها دون أي تعبيرات 
ابتعدا ليتحرك القارب إلى الشاطئ وهي تشعر بالإثارة من الشكل النصف دائري للجبال وبينها رمال بيضاء تخلو من الحياة 
للمرة الثانية يساعدها على النزول من القارب ولكنه لم يقف وإنما ابتعد بمجرد أن نزلت وقد ارتاحت هي لبعده فقربه يربكها ويزيدها خوفا والتصاقا بالماضي
أخذها منظر الجبال التي تحيطها ولم تلاحظ الرجل الذي تقدم منهما إلا عندما سمعته يقول "المنظر من أعلى أجمل هل يمكنك الصعود؟" 
قالت بإثارة "هل يمكن أن نفعل؟ أشتاق لرؤية المكان من أعلى" 
هز رأسه ونظر إلى الرجل وقال "حسنا سليم سنصعد إلى الأعلى هل الطريق آمن؟" 
هز الرجل رأسه وقال بجدية واضحة "بالطبع يا فندم لكن لا نضمن الطقس اليوم لذا من الأفضل الصعود الآن والنزول قبل الظلام" 
وافقه الرأي وهو يشير لها للتقدم بينه وبين سليم فقالت "أشعر بشعور رائع لهذه المغامرة" 
قال "نعم هي هوايتي المفضلة خاصة عندما تتكاتف علي الهموم وأعود من هنا وكأني شخص جديد بذهن صافي وربما أصل لحلول لم أكن لأصل لها وسط الأعمال" 
وبدأوا التسلق وسط طريق ضيق ولم يكن الأمر بالسهل وبه بعض الخطر ولكن بدا أن الطريق معد مخصصا للصعود وهو ما قاله
“لقد أعد الرجال هذا الممر الضيق وسط الصخور لتسهيل الصعود ويتم التأكيد على صلاحيته كل ثلاثة شهور"
وأخيرا وصلا إلى قمة الجبل ووقفت تنظر إلى البحر الممتد إلى مالا نهاية والشاطئ الذي بدا صغيرا من أسفل ومن الجانب الآخر رأت البيوت البيضاء الصغيرة متلاصقة بجانب بعضها البعض وهي تحد أراضي خضراء مزروعة بانتظام، تنسمت الهواء النقي وقالت 
“إنه رائع، لم أرى مثل ذلك الجمال من قبل، أحسدك على هذا"
ابتسم وأشار لها لتتقدم ناحية المائدة التي تم وضعها وعليها أكواب القهوة والكعك الطازج فتراجعت بدهشة وقالت وهو يجلسها كعادته 
“ومن أين أتى ذلك؟"
رأت سليم يسكب القهوة بأدب فتناولتها وتناولت بعض الكعك الشهي فقال سليم بأدب "السكان ترحب بكم هكذا اعتادوا عندما يعرفون بمجيء الريس" 
ابتسمت وهي تنظر لعمر ولكنه لم يهتم وهو يتناول القهوة وابتعد سليم مختفيا فقالت "أين ذهب؟" 
قال "نزل، بانتظارنا ما رأيك أين نمضي الليل؟" 
قاطعته "أريد أن أزور القرية وأرى السكان وكيف يعيشون" 
تأملها بهدوء ثم قال "حسنا يمكننا أن نفعل غدا بالنهار فالليل هنا شديد البرودة وربما لا تتحمليه" 
هزت رأسها وقالت "رائع وأين سنمضيه إذن؟" 
قال "عندي بالقصر، نتناول العشاء ونرقص قليلا على أنغام الموسيقى العالمية فأنا أحبها" 
ابتسمت وقالت "تبدو كلاسيكي الطباع" 
حدق بها وقال "تقصدين على الطراز القديم" 
أخفضت عيونها وقد أدركت معنى كلماته وقالت "لا، لست بعجوز لأعني ذلك وإنما لديك من العادات والتقاليد ما تجعلني اندهش فقليلا من المصريين من يملكون ذلك" 
نهض واتجه لحافة القمة تجاه البحر وقال "ربما لأن نصفي يوناني والنصف الآخر مصري وورثت عن جدتي تلك الصفات أو ربما هي من علمني إياها" 
وقفت بجواره وقالت "إذن لم تكن فقيرا بيوم ما" 






نظر إليها وقال "هل هناك فارق؟" 
أبعدت وجهها وقالت "بالطبع، من عرف الفقر لا ينساه ولو عرف الغنى بعده فإما أن يتحول إلى إنسان يشكر الله على نعمه وإما أن يتحول لمن يقال عنهم، شبع بعد جوع" 
لم يبعد عيونه عنها وقال "وأنا أيهم؟" 
قالت وهي تلتفت إليه "لست منهم بالطبع، فأنت ذا أخلاق لم أعرفها بأحد من قبل أنت جنتلمان حقيقي" 
ظل ينظر إليها وقال "أختلف عن أمير؟" 
شحب وجهها عند ذكره وعادت الدقات تدق داخل ضلوعها وارتدت إلى الماضي والألم والحزن فأبعدت وجهها وقالت "لا وجه للمقارنة كالفرق بين أقصى البرد وشدة الحر" 
لم يتخلى عن الموضوع وقال "يستحوذ على عقلك و.. وقلبك" 
نظرت إليه نظرة لم يفهمها ولا هي لم تضمنها أي شيء إلى أن قالت "غصب عني، لا أملك من نفسي شيء بل وأتمنى لو اقتلعت قلبي من صدري لأوقفه عن ذكره" 
أبعد نظره إلى الفضاء الخالي من حولهم وقال "هذا يعني أن لا مكان لسواه بحياتك؟" 
لم تبعد نظراتها عنه وهو يقف بشموخ كالجبال وحدة نظرات كالصقر ووسامة كملك جمال العالم، عندما لم ترد عاد ينظر إليها فقالت "لا ينظر الناس للأشياء الممزقة فهي لا تستهويهم" 
وابتعدت إلى المائدة قبل أن تسقط دموعها وتنهار بالبكاء، تابعها بنظراته وهي تسكب بعض القهوة ثم ارتد إليها فمنحته الفنجان فنظر بعيونها وقال 
“والبعض يحب اقتناء بعضها بعد إصلاحها"
ظلت تنظر إليه وقالت "هذا لوضعها بمكان بعيدا عن اللمس لأنها ستتفتت من أول لمسة لذا لن يستمتع بها صاحبها فقط مجرد منظر يبهر من يراها لكن بدون فائدة" 






عادت لتسكب لنفسها القهوة وانتظرها حتى انتهت وقال "وهل نترك الجروح تنزف حتى تدمرنا؟ لماذا وجد العلاج إذن؟" 
نظرت إليه وقالت "سألتك من قبل فأجبتني بإجابة زادت من حيرتي" 
ترك قدح القهوة وقال "يمكنني مساعدتك على الشفاء" 
تعلقت بعيونه وكأنها حبل النجاة من الغرق وهتفت "وفيم انتظارك؟" 
حدق بها قليلا ولكنه ابتعد وأخرج هاتفه وقال وقد لاحظ تغير الأجواء "من الأفضل أن نذهب الآن فقد تغير الجو" 
تحدث إلى سليم ثم قال لها "هيا من الجيد أنك أحضرت جاكيت معك يبدو أننا سنواجه عاصفة" 
قالت "ولكنك لم تفعل" 
وصل سليم بسرعة غريبة ومعه رجل آخر ليعيد الأشياء بينما تقدم سليم إليهم ومنحهم حبل غليظ وقال "من الأفضل ربط الحبل حولكم للأمان" 
هزت رأسها وهي تحكم ربطه حول خصرها وقد شعرت بتبدل الريح وغيمت السماء وهم يبدؤون بالنزول وكما توقع عمر فقد تحول الأمر بسرعة غريبة إلى رياح شديدة عصفت بهم وبدأ الرعد يرتج بالسماء بعد البرق لتبدأ الأمطار بالتساقط وهي تنزل بصعوبة من الريح وهي تتوسط الرجلان والتفتت لتتأكد من أن عمر يتبعها ولكنها فزعت عندما رأت صخور كثيرة تتساقط من أعلى باتجاه عمر فصرخت وهي ترتد إليه لتبعده عن الصخور ودفعته لتسقط فوقه وحمدت الله أن الحبل يربطها، وقبل أن يتدارك أحد ما كان سقطت صخرة أخرى لتصطدم بالجبل من فوقهم ثم تسقط على ساقها فتصرخ من الألم فجذبها بذراعيه بقوة بعيدا عن باقي الصخور وساعدها لتعتدل بصعوبة وهي تتألم من ساقها فهتف من بين الأمطار
“إيمان اهدئي ولا تحركي ساقك"
هتفت بألم "أنا لا أستطيع تحريكها فهي تؤلمني بشدة" 
توقفت الصخور وحل ظلام عليهم معبأ بالأمطار الشديدة فنهض ونادى على سليم الذي رد فقال عمر "ما أن تهدأ الأمطار اذهب لطلب المساعدة الآنسة أصيبت" 
استجاب سليم بينما عاد هو إليها وهو ينظر إلى ساقها المجروحة وفك الحبل عنها وقال "يبدو أن بها كسر ولا يمكن تحريكها هل يمكنك تحمل الألم؟" 
هزت رأسها وقالت "ليس هناك بديل" 
مر الوقت ببطء والألم لا يتوقف وهو ينظر إليها بقلق وخفت الأمطار قليلا وسرعان ما رأت سليم ومعه رجل آخر ومعهم خشبة طويلة وقال عمر
“سيكون علي رفعك إلى الخشبة فهل يمكنك التحمل"




نظرت إليه وهزت رأسها وبصعوبة ووسط صرخاتها حملها ليضعها على الخشبة ونزل بها الرجلان بعد أن أحاطوها بحزام لتثبيتها
لم تتوقف الأمطار حتى بعدما وصلا إلى القصر ومكان إقامتها وعاد يحملها إلى الفراش وهو يعطي أوامره لعلي
“اطلب الطبيب حالا، وارسل لي خديجة لتبدل لها ملابسها هيا يا علي"
هز علي رأسه وتحرك مبتعدا وهو يضع الغطاء عليها وهي ترتجف من البرد نتيجة ملابسها المبللة بالإضافة للألم الشديد وسمعته يقول
“لم يكن عليك فعل ما فعلتيه كدت تقتلين نفسك"
قالت بصعوبة "لم أكن لأتركك تصاب" 
نظر إليها والمياه تتقطر من شعره ووجهه بينما دخلت فتاة بالسابعة عشر فمنحها التعليمات ثم خرج وتركها بين أيادي خديجة.. 
وصل الطبيب اليوناني وقال "لابد من المشفى يا ريس الإصابة شديدة والكسر خطير سأضعها بجبيرة حتى تنقلها للمشفى" 
لم يناقشه وهو يطلب المروحية التي سرعان ما وصلت ومعها رجال الإسعاف وقد منحها الطبيب بعض المسكنات لتهدأ الألم 
بالمشفى طمأنه الطبيب أنها ليست بحاجة لجراحة وسيقوم بوضع الجبس لأن الأمر اقتصر على شرخ وليس كسر وطلب منه الراحة بالطبع





أعادتهم المروحية إلى الجزيرة رغم اعتراضها ورغبتها بالذهاب لشقتها ولكنه أصر وما أن وضعها بالفراش وانصرف الرجال حتى تبعته خديجة وقد كان نهار اليوم التالي قد بدأ في الظهور ورحلت العاصفة، لم يتحدث معها وتركها واستسلمت هي للنوم من التعب ولم تشعر بشيء
أيقظتها خديجة لتناول الدواء فوجدت الظلام قد حل فاعتدلت بصعوبة وقالت "كم الساعة؟" 







قالت الفتاة "الثامنة مساء آنسة" 
تناولت الدواء وقالت "أين الأستاذ عمر؟" 
قالت الفتاة وهي تضع الطعام أمامها "يتناول العشاء وقد مر على حضرتك مرتين وكنت نائمة" 
لم ترد وهي تشعر بأنها أفضل، تناولت الطعام والمشروب الدافئ ثم سمعت دقات على الباب فذهبت خديجة وهي تراه هو يدخل أنيقا كعادته وينظر إليها ويقول
“مساء الخير، تبدين أفضل حالا"
ابتسمت بوجه شاحب وقالت "بل أبدو بحالة مزرية، لا أحب البقاء بالفراش هكذا أريد العودة إلى العمل" 
جلس أمامها وقال بهدوء "ليس قبل اسبوع هي تعليمات الطبيب وعلى عصا طبية" 
نفخت بضيق وقالت "حسنا يمكنني القيام باللازم على اللاب من شقتي" 
ضاقت عيونه لحظة ثم قال "ألا تفضلين البقاء هنا تحت رعاية الجميع بدلا من الوحدة هناك؟" 
نظرت إليه ثم أخفضت عيونها فعاد يقول "أنا راحل إلى المدينة بالصباح أي لن أكون موجود وستكونين براحتك لو أردت التجول بالحديقة أو تصرفي كما يحلو لك" 
قالت "لكن بالمدينة سيكون من السهل الاتصال بك ومواكبة العمل" 







انحنى إلى الأمام وما زال ينظر إليها وهو يقول "لا تهتمي بذلك فسأفعل بطريقتي، ولكني سأكون مطمئن عليك هنا أكثر" 
رفعت عيونها إليه فالتقت بالمروج الخضراء بعيونه وظلت تتأملها لحظة قبل أن تقول "كما تشاء، فقط أنا يهمني العمل" 
نهض وقال "هذا أمر سهل تدبيره كما أخبرتك، هل تريدين شيء قبل أن أذهب؟ سأرحل مبكرا" 
هزت رأسها نفيا وقالت "لا ولكن شكرا على كل ما فعلته معي" 
لم يتحرك وهو يقول "أعتقد أني أنا المدين لك بالشكر فقد أنقذتِ حياتي" 
ظلت النظرات عالقة وكأنها تسافر عبر الزمن دون تلاحق وهي تحمل معاني غفل عنها الاثنان أو ربما أحدهم فقط؟؟ 




                             الفصل التاسع من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-