أخر الاخبار

رواية جحر الشيطان الفصل الثلاثون30بقلم ندي ممدوح

رواية جحر الشيطان 
الفصل الثلاثون30
بقلم ندي ممدوح

ما زال للعشق بقية 


فتحت منة عينيها على ألم حاد في معدتها فقبضت بيدها فوق الألم وهي تكتم أنينها، ألقت نظرة على آجار النائم




 بجوارها وآثرت الخروج من الغرفة حتى لا تزعجه، لكن ما إن همت برفع رأسها من فوق الوسادة وإذا بالغروفة تدور بها دوارًا شديدًا، و دوار شديد داهم رأسها فتهاوت رأسها على الوسادة وأطبقت أجفانها وهي تجز على أسنانها حتى لا يصدر صوت






 تأوهها، انسابت دموعها من حدة الألم الذي لم تتحمله وقد بلغ ذروته، ومغصٌ فظيع كالسكاكين يُقطع في امعاءه، تململ آجار بجوارها حين بلغته نهنهت بكاء، فهب مفزوعًا وأنار الضوء ليغمر الغرفة ويطل على منة وهو يتساءل في جزع  : 

_ منة، ما بكِ؟ 






لم تستطع منة أن ترفع عيناها إليه، فأجابت باكية وهي تكاد تعصر بطنها في كفها  : 

_ أموت من الألم يا آجار، لا أتحمل. 

نهض آجار من فوق الفراش ودار حوله وجثى على ركبتيه أمام رأسها، وتساءل وهو يمسد على خصلاتها برفق  : 

_ هذا لأنك لا تأكلي جيدًا، بات اكلك ضعيف فكيف لا تريدين لبطنك أن لا تؤلمك؟ 

بدا له إنها لم تسمعه إذ وثبت دافعة إياه من طريقها وهي تهب واقفة وكفها الآخر فوق فمها وركضت إلى دورت المياه فذهب في إثرها وهو يهتف في قلق  ويطرق الباب الذي أُغلق  






_ منة، لا تصبيني بالقلق يا فتاة؛ ماذا تشعرين؟ تبًا لهذه القرحة التي أصابتها غدًا سنذهب إلى طبيب آخر. 

تناهى له صوت أستفراغها وهي تتأوه بصوت مزق قلبه فعاد يطرق الباب، قائلًا  : 

_ افتحي الباب يا منة دعيني أكون معك. 

لم ينتظر طويلًا فقد فُتح الباب، ونظر إلى وجهها الشاحب الذي غطاه الأصفرار، والهالات السوداء، وجسدها الهذيل، وهي تقبض على معدتها، وتسند على الجدار وتمتمت بصوتٍ خفيض  : 

_ إني بخير يا آجار لا تقلق. 

أمسك كفها في راحته وطوق ظهرها وهو يسندها إلى حيثُ الفراش، لكنّ في منتصف المسافة توقفت بغتة زائغة العينين ورأت الغرفة تدور  … وتدور، والأرض تميدُ بها، وغشى عيناها ضبابًا حجب الرؤية ثُم لم تسمع إلا صوت آجار المنادي بإسمها في جزع، وصوت ارتطام صم أذنيها. 

لم تكن خديجة نائمة في هذه السويعات من الليل حين استمعت إلى وقع أقدام جارية آتية من عند غرفة آجار، فأسرعت لترى ما الذي يحدث وفتحت الباب ليتراءى لها آجار يحمل منة بين ذراعيه فلحقت به عند الدرج وهي تتساءل  : 

_ آجار، ما بها منة؟ 

ألتفت آجار إليها كالتائه، وقال  : 

_ لا أدري فجأة أغمى عليها سأخذها إلى المستشفى. 

كادت أن تجيبه، لكن اراس أجاب بدل عنها، حين قال من وراءها في عجل  : 

_ أنتظر سأذهب معك، ثوان واكون جاهز. 

_ وأنا أيضًا. 

أومأ لهما آجار وتابع نزوله، ولم يلبث إن حضرا أراس وخديجة التي بدت متوترة وهي تسأل آجار بقلق داخل السيارة التي تنهب الأرض نهبًا  : 

_هل الطبيب الذي شخص حالتها وقال إنها قرحة جيد؟ هل عمل إشاعات وما شابه! 

هز آجار رأسه وعيناه لم تحيدن عن وجه منة بين ذراعيه، بان القلق على وجه خديجة وهي تضع كفها على معدة منة ثُم ألقت نظرة إلى أراس عبر مرآة السيارة التي أمامه وآثرت الصمت وكبح شكها. 

وصلوا إلى المستشفى وظلت خديجة معها اثناء الفحص الذي أسفر عن سرطان في المعدة، سُقط من يد خديجة ولم تدري ماذا تفعل؟! 

كيف تخبر آجار بذاك المرض اللعين؟ 

أنَّى لها بالقدرة أن تبوءُ بذلك خبر سيحطمه؟ 

كان عسيرٌ عليها إن يأتيها مريضٌ بهذا المريض الخبيث وتخبر اهله وربما كان عاديًا لكن أن يصبح المريض فجأة قريبها. 

بكت في صمت وهي تتطلع إلى وجه منة بكسرة، كانت المحاليل تسري في أوردتها في أنتظار أن تفيق لتستكمل عمل الإشاعات لتعرف حجم الورم وإلى أين يمتد وكم ستستئصل من المعدة إذا لم يكن كلها! لكنها ستدعوا الله ألا يكون المرض تمكن منها بذاك السوء. 

سبحان الله، كيف الأنسان يكون في كامل صحته وقوته، وفي غمضة حين يغدا طريحُ الفراش، مجرد عظامٌ يكسوها الجلد. 

سبحان الله! كيف المرض قادر على سلب الإنسان كل شيء؟! 

يا الله من هذه الدنيا حين تنقلب على المرء فجأة وتذره ريشة في مهب الريح، جسدًا خاويًا من الحياة، يحيا على الأدوية! 

تطلعت إلى هاتفها الذي لم يكف عن الرنين لحظةٍ واحدة بغير مبالة، كان كل ما يشغل بالها هو كيف ستبوء لآجار بمصاب منة؟ 

كيف تكون هي من تحطمه؟ وتكسر قلبه؟! 

_ طبيبة خديجة، هلا نظرتِ رجاءً؟! 

قالت الممرضة من وراءها فـ التفتت لها خديجة في تساؤل، فـ أستتبعت الممرضة تقول  : 

_ ألم تعرفي ما الذي حدث؟ 

في تعجب جم، رددت خديجة  : 

_ ما هو؟ هل حدث أسوء مما أنا فيه؟ 

_ هلا تنظري إلى الهاتف رجاءً!؟ 

_ وهل هذا وقته؟ 

_ رجاءًا الأمر جلل، لا ضير إن ألقيتِ نظرة!

في سئم تناولت خديجة الهاتف منها، لترى فيديو لما حدث لملك، 

العروسة التي تركها زوجها في ليلة قرآنهم لأنها سارقة؟! 

فيديو آخر. 

" في ليلة زفاف حفيدة عائلة الشرقاوي حدث حادث أودي بثمانية كبارٌ من السن وطبيب "

الكثير والكثير من الإشاعات والفيديوهات التي أنتشرت على جميع شبكات التواصل الاجتماعي، كاد جسد خديجة يتهاوى من هول الصدمة، دموعها طفقت تهوى دون أن تشعر، وأحست بقدميها لم يحملاها، أسندتها الممرضة، لكن خديجة أبتعدت مغادرة عن الغرفة، و وقفت أمام أراس وآجار الذي كاد يبادر بسؤاله عن زوجته لكن ما ان لاحظ حالتها آثر الصمت، قلبت خديجة بصرها فيهما في توهان، فبادر أراس متسائلًا وهو يمسك ذراعها  : 

_ خديجة، ما بكِ أنتِ بخير، ما هذه الحالة؟ 

في صوتٌ باهت همست خديجة بتصوت متهدج  : 

_ من منكما قتل … 

لم تستطع أكمال عبارتها، بالأساس أمرٌ لا يصدق، هل خسرت في طرفة عين أجدادها؟! كبار عائلتها، فقدت الحنان جله؟! 

من ذا يصدق إنه خلاص الفراق وليس ثَم أمل لترآهم! 

قطب آجار عينيه متذكرًا رنين أخيه الذي تجاهله حتى يطمئن على زوجته، فسئل بجزع  : 

_ من مات يا خديجة؟ 

لكن خديجة بدلًا أن تجيب سألت بصوت متحشرج  : 

_ من الذي أتهم ملك بكل تلك التهم؟  من دمر أختي يا هذا؟ 

أنهت عبارتها وهي تقبض على ملابس أراس بتشكك بيَّن في عينيها أصابته بالحزن، هل تعتقد أنه قد يكون سبب في حزنها يومًا؟ 

إلى الآن لم تعرف كيف يحبها بجنون؟ 

نزع كفيه عنها وقال وهو يقبض عليهما بين راحتيه  : 

_ لماذا تتهميني دائمًا بأي مما يحدث؟ هل لهذه الدرجة تريني بكل هذه البشاعة! 

رأى تخبطها، ندمها عما تفوهت، زوغان مقلتيها التي تناشده إن يكذب كل ما علمت به توًا، فجذبها إلى حضنه واستكانت تبكي في صمت وهي تهمس  : 

_ كل هذا كذب يا أراس، أليس كذلك؟ 

حين أعود سأجد أدهم في انتظاري، وسأتجادل مع هالة لأنها نستني، وستعاتبني حبيبة لأني غبت، و …

_ أشش، اهدئي … دعيني أعلم ما الأمر. 

همس أراس في أذنها وهو يربط على رأسها برفق. 

رفعت خديجة رأسها تنظر في عينيه، وأردفت  : 

_ منة! 

_  هل هي بخير؟ 

_لديها ورم في المعدة! 

صُعق أراس متسع العينين وهو يتطلع إليها ذاهلًا، عيناه حادت إلى موقع آجار فلم يجده. 

كان آجار في هذا الحين يجيب على اتصال إسلام، الذي هتف ما أن فُتحت المكالمة  : 

_ أنت سبب هذا الحادث، أليس كذلك؟  ما الذي جنيته الآن! هل انبسطت؟ أتكرهني لهذه الدرجة حتى تريد قتلي؟  كان يجب أن أكون أنا مكان هيثم الآن …

أغلق آجار المكالمة، لم يكن لديه المقاومة أن يوضح لأي أحد، او يبرأ نفسه لأيًا كان. 

💫سبحان الله 💫 

ولج آجار إلى منزل ماهر وهو ينادي عليه هائجًا، فخرج الآخر من غرفة نومه، وقال  : 

_ ها أنا ذا، ما الذي آتى بك في هذا الوقت المبكر؟ 

توجه صوب الدرج لكنّ آجار سبقه وهو يرتقي السلم في خطوات سريعة ، و وقف قبالته يجأر بصوته  : 

_ ما الذي فعلته من وراءي؟ كيف سولت لك نفسك على محاولة قتل أخي …

قاطعه ماهر وقد زوى ما بين عينيه متعجبًا  : 

_ أخيك؟ تقصد جان؟ وهل أفعلها؟ تظنني حقًا حتى قد افكر في هذا ؟ 

دفعه آجار بحدة من صدره، وقال في أمتعاض  : 

_ اتفاقنا كان فقط لمار لما أذيت كل من أذيت منهم. 

رفع ماهر كفيه يستوقفه، وهو يقول  : 

_رويدك يا آجار، وهل أفعل؟ كانت خطتي لقتل لمار لكن ما العمل إذا فشلت الخطة وحدث ما حدث للآخرين!؟ 

ومال هامسًا في أذنه  :

_ وهيثم قد لقى مصرعه. 

تبسم آجار بسمة شرسة، وغمغم  : 

_ أوه، قُل هذا يا رجل! 

ثم أردف  : 

_ كنت أفضل أن أسوموه سوء العذاب، أن أقتله بنفس الطريقة التي قتل فيها أبي؟! 

وضع ماهر كفه على منكبة، متمتمًا في دهاء  : 

_هون عليك، لا ضير فقد تعذب ايضًا، وتعذبت لمار. 

وغمز له فقهقه آجار في نشوة ظفر،  مستريحًا أن ماهر قد قتل هيثم ولقى حتفه. 

هم آجار بالتحدث قاطعه رنين هاتفه باسم أراس فأشار لماهر بإشارة من يده، ورد عليه فأسرع اراس متسائلًا  : 

_ أين ذهبت يا بُني؟ تعال في الحال، أريدك في شيء هام! 

_ هل منة بخير؟ فاقت!؟ 

_تعال يا آجار لأخبرك قبل أن تفيق! 

أنقبض قلب آجار ما أن نطق أراس دون سبب، احتدم في نفسه الضيق ومار في قلبه القلق. 


💫 سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه 💫


تذرنا الحياة في منتصف الطريق، وتحيطنا بكلاليب الأحزان تتخطفنا من كلُ حدبٍ وصوب، نقف تائهون، متأملون هؤلاء الذين رحلوا عن عالمنا ولم يرحلوا من قلوبنا، من ذا الذي قال إن الحزن يقتصر على لحظات الوداع الأولى؟  نحن فقط نختزنها في خانة الذكريات متى شئنا، أشتقنا؛  أحضرناها تأملناها. 

ساذجٌ من يظن إننا ننسى الراحلين، وكيف القلب ينسى وهو ساكن في السويداء، يشاركه أفراحه، واتراحه. 

نحن فقط نفتقد وجودهم، لمس طيفهم، ضمهم في أوج أوجاعنا، أفراحنا. 

يُنتزعون من بيننا فجأة ويسرقهم الموت منا دون إنذار فنبكي لبقائنا بدونهم ،  إشتياقًا إليهم  ، وأنتظارًا لعودتهم ونحنُ على يقين إنهن لن يعودُ ولن نرآهم  ...  يرحلٌ ولا يدروا ما يُصيبنا بدونهم وما أخلفُه وراءهم من قلوبٌ مُهشمة،  وأروَحًا مُحطمة ودموعًا لا تجف. 

آه لو يعلمٌ إننا ببعدهم آحياء كـ الأموات 

كانت تجلس لمار متشحةٌ بالسواد فقدت زوجًا وأخوة وإخوانًا. 

كانت تصافح النسوة بقلبٌ غائب وعين تائهة، كانت تنصت للقرآن بروحٌ راضية، غافلة عن جسد وعد الذي كان يتشنج، والتنميل سرى في قدميها العاجزتين ما أن وصل القارئ إلى بعض آيات السحر، وزامت فجأة غير واعية، وحدقتيها تحولتا لبياض خالص مخيف، كفيها قبضا على ذراعين المقعد المتحرك وانفاسها تسارعت، وضاق قلبها، وسكن جسدها وثقلة أجفانها وذهبت روحها حبيسة إلى عالمٍ آخر … بعد وقت تنبهت لها مكة فأخذتها إلى الغرفة معتقدة أنها غافية. 

صوت أشعار رسالة نبه لمار فما أن لمحت أول عبارة في الرسالة جزت على اسنانها وأبتعدت عن المجلس، فتحت الرسالة وجرت عيناها عما مكتوب.

" ما رأيك في هديتي يا سيدة لمار؟  أوجعتك أليس كذلك؟ كيف حال قلبك إذن؟ اتمنى إنه ما يزل قويًا للهدية الأخرى! وآه أنتِ من اضطررتيني للهدية الأخرى فـ أنتِ من أرسلتِ حفيدتك إليّ … ودعيها قبل فوات الآوان فـ أنتِ لن تستطيعي أنقاذها! "

خديجة! تلك البعيدة في بلاد الغربة! 

تعاني الحزن دون آنيس! 

دون إخوانها. 

أشتعلت حدقتيها، لو إن النيران تخرج من العين لكن كل ما حول لمار الآن رمادًا، كادت أناملها أن تتصل برقم معين، لكنّ ذو الرقم كأنما يشعر فقد أضاءت الشاشة بإسمه وردت هي هاتفة بفزع قبل حتى ان ينبس  : 

_ خديجة، ألحق خديجة، لا تفارقها ماهر يخطط لشيء سيأذيها. 

في هدوء عجيب بارد جاء رد متصلها واثق: 

_هدئي من روعك، سأهدم مأرب ماهر برمته فقط اهدئي خديجة في عيناي لا اسمح ان يصيبها أذى … الآن أصغي لما سأقوله! 

_ هات ما لديك. 

_لقد علمت عين ماهر عندك! 

في تريث جم، وقلبٌ يخفق، وعينان تطوف حول الجميع، همست لمار  : 

_ من قُل؟ 

أطبقت جفنيها، كانت تهاب أن تسمع اسمًا يصيبها في مقتل، وفتحت عيناها في عنف مرعب حينما نطق  :

_ ضياء، ضياء زوج إسراء وصديق زين. 

أستتبع الصوت يقول في جدية  : 

_ انشغلي فقط بضياء، ولا تشغلي عقلك بخديجة أنا كفيل بسلامتها 

💫الحمد لله 💫 

حانت اللحظة المفارقة في حياة ضياء كان في قرارة نفسه يعلم إن الأمر جلل، فـ لمار من المحال أن تطلبه مقابلته في وقتٍ كهذا! تاركة زائريها المعزين، طرق على غرفة المكتب، ولم يلبث أن بلغه صوت لمار تدعوه للدخول، فـ أخذ نفسًا عميقًا حبسه في صدره مخافةً من الآتي، دفع الباب ودخل مغلقًا أياه خلفه، أشارت له لمار أن يجلس إزاءها؛ فجلس، وتلاقت الأعيُن في حديثٌ صامت سرى الرعب في جسد ضياء، نظر ضياء إلى وجه لمار ورأى شرارة غضب اقشعر لها بدنه، هل يمكن أن يكون إسلام باح بما يعلمه عنه؟ 

أيمكن أن يكون قد قدمه لها لقمة سائغة؟ 

هذه المرأة التي أمامه أسدٌ ضاري  سواء كانت تتكلم أم لا فهي مرعبة، تبدو لينة، جميلة، عطوفة، حنونة، لكنَّ الصراحة هي نمرٌ يتربص بفريسته وينقض عليها يفترسها دون شفقة. 

من يعصمه من افتراسها الآن، تبسمت له أخيرًا، فشعر بالأرتياح مما دفعه ليستجمع أطراف شجاعته ويبادر متسائلًا  : 

_ طلبتي تقابليني ليه ، في حاجة ولا إيه؟ 

هزت لمار رأسها مبتسمة، وهي تتفرس في ملامحه، وبغتة مالت بجزعها وأشارت بسبابتها له أن يدنو برأسه، فدنا … فمدت كفها بكل رفق وأمسكت بمؤخرة رأسه، وهمست بصوتٍ كالفحيح، وعيناها في عينيه مباشرةً  : 

_ قتلت زين ليه؟ عملت نفسك الصاحب المخلص ليه؟ دمرت بنتي وعيالها ليه؟ استفدت إيه من كل ده؟! 

صرخت في آخر ما لديها، كلماتها كما الصاعقة ضربت في أذنيه وعبرت إلى قلبه تنبئه بالخطر، فخرج صوت ضياء في صعوبة قائلًا بتلعثم خائف  : 

_ إيه … إيه إللي بتقوليه ده؟ كل ده غلط …

لم يسترسل في حديثه، بسبب لمار التي هبت ضاربة وجهه في المنضدة، صارخة  : 

_ مبحبش الكدب، إلا الكدب. 

تصاعد أنين ضياء وهو يرفع رأسه ممسكًا بأنفه الذي تضرج بالدماء، ناظرًا إلى لمار التي دارت واقفة بجواره مباشرة ومالت على أذنه هامسة بنبرة جمدت دماءه  : 

_ يبدو إنك مكنتش عارف مين لمار عز المعرفة. 

بسمة شرسة تألقت على ثغرها وهي تغمز له، قائلة  : 

_كنت مفكر إيه؟ 

أمسكت بفكه تنظر بإمعان عن كثب إلى عينيه، مستكملة  : 

_ إنت فكرت عشان كبرت مش هعرف عملتك؟  ادعي ربنا إن ملك الموت يرأف بيك وياخدك لأن من دلوقتي أوعدك بأنك مش هدوقك طعم الراحة ابدًا. 

فجأة … أبتعدت عنه دافعة برأسه إلى ظهر المقعد، وتحركت في آرجاء الغرفة على غير هدى، كأنها تعاتب نفسها على عدم اكتشافه قبلًا، كيف كانت معمية البصر بسبب فقط إنه أنقذ أبنتها وغشى الأمتنان عينيها عن خبثة؟ 

_ مين ماهر؟ وده مش اسمه اصلًا! مش كده؟ 

أرتجف جسد ضياء تلقائيًا من شدة الرعب، إن باح بماهية ماهر فهو بميت؛ ماهر لن يتركه حي! 

وإن لم يبح فلمار لن تتوان عن فعل أي شيء ليصرح بما في جعبته. 

إي النار أرحم يا ترى؟ 

نار ماهر أم ناهر لمار؟! 

كلهما نار ستحرقه حتمًا فالنار هي نار ستشوي لحمه وتذيب عظمه! 

أنَّى له بمهربٍ الآن، وأين السبيل للخلاص؟ 

تبًا للمال الذي أغراه به ماهر ليصبح من بعدها وحشًا ضاري يجري وراء المال فقط … زين يموت وستبقى أخته بمفردها بكل أملاك والدهم فلمَ لا يستغل الفرصة؟! فتخلص من زين مع ماهر وقد عمى حب المال عينيه وغشاهما. 

فُتح الباب ودخل آخر شخص كان يود رؤيته، وهو إسراء زوجته التي ما همت بفتح فاهٍ حتى وثبت إليه فزعة ما أن رأت دماءه، لكنَّ لمار جذبتها من مرفقها بعيدًا وهي تغمغم بحقد  : 

_ أظن لهفتك دي مهيكونش ليه أثر لو عرفتِ إنه شارك في قتل أخوكِ، وأخويا إللي ضحى عشان بنتي إللي أنتِ معتبراها أختك، وشتت عيال اخوكِ وفي منهم بقى مجرم. 

آخر عبارة لمار الغامضة لم تفقه إسراء منها حرفًا، فقد اتسعت عينيها على آخرهما في صدمة جمة، وشخصتا على وجه ضياء الذي أطرق في خزى. 

وخرج صوتها كأنما يأتي من مكانٍ سحيق  : 

_ إيه؟! 

صرفت بصرها إلى لمار مستتبعة  : 

_ إللي بتقوليه ده صح؟ بجد! 

طفقت دموع عينيها وعلى يقين تام بأن لمار لن تمزح بمثل تلك الطريقة، وإنها أن أتهمته بأي شيء فأكيد عن تأكيد ولكنَّ القلبُ لم يأبى التصديق، والروح هفت إلى شريك الدرب، تسأل في لوعة وهي ترفع وجهه إلى وجهها  : 

_إللي قالته لمار ده صح؟ أنت … أنت شاركت في قتل زين أخويا؟! 

هز ضياء رأسه في خفوت بالغ يكاد يُرى، وهمس في تهدج متألم  : 

_دي …دي كدبة! 

ندت عن لمار ضحكة مستهزئة وهي تعقد ذراعيها ولم تنبس. 

اندفع ضياء مدافعًا عن نفسه علّ كذبه يجد مآواه  : 

_ أنا أنا مستحيل اعمل كدا،  أنتِ شفتِ أنا أنقذتكم اصلًا معرفش مين اللي عاوز يوقع بينا وبلغ لمار بالكدب ده كله. 

كانت لمار الآن تجلس إزاءه واضعة قدمٌ فوق الأخرى، مسندة ذقنها إلى قبضتها تستمع إلىه في أستمتاع ساخر بثه بالرهبة. 

لم تدرِ إسراء ماذا تفعل، لكنها نظرت إلى لمار وأردفت بثقة وهي تكفكف أدمُعها  : 

_أنا واثقة في لمار، و واثقة في كل كلمة قالتها ومعاها في اي إجراء هتاخده عليك. 

تجلت الدهشة على وجه ضياء وهو يحدق في إسراء مصعوقًا، لم يتدارك إياهما ماذا حدث فقد اتسعت عينين لمار وفي لمح البصر كانت تدفع إسراء جانبًا لتخترق رصاصة جبهة ضياء فورًا قبل ان تصل يد لمار لتدفعه، شهقا الأثنين من الدم الذي انبثق متدفقًا من ثقب بين عينين ضياء  … ولأن الرصاصة التي أندفعت كانت من مسدس مذودًا بكاتم للصوت لذلك لم يكن إي من الحاضرين يستمع لأي شيء إلا صراخ إسراء وزهول لمار التي أحدقت بجسد ضياء الذي خر أرضًا، وأنفتح الباب على مصرعية داخلًا منه ياسين الذي كان قريبًا من غرفة المكتب و وقف مبهوتًا في الجسد المسجى أرضًا أمامه... 


             💫 الحمد لله رب العالمين 💫


رأت شيماء عبد الله وهو يدس مسدسًا خلف ظهره، وهي تقف في الشرفة فـ أنتابها الشك حوله. 

وطوفان من الذكريات التي أيدت شكها هجمت على ذهنها بلا هوادة. 

كم مرة بكلماته الرقيقة جعلها تتصنت على حمزة لتعلم إلى أين سيتجه أثناء عمله؟! 

كم مرة فشل حمزة من بعد ظهور عبد الله في حياتهم؟! 

لماذا هاج وضربها حين أرسلت أروى؟! 

ترآه يحبها حقًا أما إنها موهومة؟ 

لا … لا فيمَ تهذي هي الآن إنها مجرد هواجس هوجاء فقط وسرعان ما ستتلاشى عبد الله يحبها! 

تناولت هاتفها وحادثته بإرادتها في رؤيته فوافق، وكانا الأثنين في منزل آل شرقاوي 

تقابلا في منأى عن أعيُن ومسمع الحاضرين، بحيثُ لا يرآهم أحد ولا يسمع وهنالك وقفت شيماء قبالته، متمتمة  : 

_ عبد الله، عمو ضياء توفى أتصاب برصاصة وهو قاعد في المكتب، اللي ضرب عليه أكيد من هنا. 

اذدرد عبد الله لعابه في توتر، وغمغم متسائلًا  : 

_ ايوة، ايوة سمعت بس ليه؟ 

_ هو أنت معاك مسدس ليه؟ 

سؤالها أربكه وتجلى الخوف على قسمات وجهه، وتلقائيًا تلفت حوله، ثُم دار بعينيه صوب المكان الذي تخفى فيه حينما أطلق على ضياء، وأجاب في تلعثم  : 

_ مسدس إيه اللي معايا وهجيبه ليه معايا اصلًا، وبعدين أنا مبمسكش مسدسات. 

بدا الكذب واضحًا كضوء القمر في ليلةٌ معتمة، وبقت لدقائق فقط تتطلع إليه حائرة، مفكرة وشحب وجهها فجأة وتراجعت خطوتين، أطل الخوف في مقلتيها، وأرتجف جسدها بصورة واضحة، وخفق قلبها وهي تقول شبه مزعورة  : 

_ يا الله،  أنت … أنت اللي قتلته؟ أنت السبب في الحادثة … أنت سئلتني عنهم قبل ما الحادثة تحصل واختفيت … أنت السبب في اللي كان بيحصل لحمزة، أنت خدعتني؟ 

صاح عبد الله خائفًا، مزعورًا وهو يتلفت حوله  : 

_ بتقولي إيه أنت أسكتِ؟

فاضت عينا شيماء بالدموع وجرت على وجنتيها، وهي تقول  : 

_ ليه، ليه أنا أنا حبيتك بجد، ليه؟ 

كاد يمسك ذراعيها وهو يهم بكلامٌ معسول ليهدأها لكنها سحبت مرفقيها صارخة بأسم حمزة في رعب شديد، كتم هو فمها بكفه وجذبها من طرحتها نحوه هامسًا بصوتٍ خشن  : 

_ بما إنك فوقتِ يا غبية فـ اسمعي بقا آه انا كنت بضحك عليكِ، تخيلتي إني ممكن أحبك؟ اللي زيك متتحبش ولا يتأمن لها … وحطيها حلقة في ودنك محبتش غير أروى ومش هخلي اخوكِ يتهنى بيها، أنتِ طالق انا كنت مجبور اصلًا أرتبط بيكِ بأمر من اللي بشتغل معاهم عشان أنقلهم اخباركم وأنتِ كنتِ متساقة زي البهيمة كدا بالظبط، واعرفي انا اللي قتلت ضياء، وأنا سبب الحادثة. 

فجأة … أفلتها في عنف وما كادت تستدير حتى شهقت ما ان لاح لها المسدس المصوب إليها، وأشتمت رائحة الموت من كلماته البغيضة  : 

_ وزي ما موتهم هموتك يا حلوة، مع إني مكنتش عايز أعمل كدا بس لازم اخرسك للأبد عشان اطمن. 

سحب إبرة السلاح على مهل كأنما يستمتع بخوفها، وأرتجاف جسدها، وتراقص بريق مخيف في عينيه وهو يهمس  : 

_وداعًا يا طلقتي. 

صرخت شيماء وهي تسد اذنيها بكفيها، وتغلق عينيها، في انتظار اختراق الرصاصة جسدها، لكنَّ لم يحدث شيء، فتحت اجفانها لتجد شابٌ يقبض على رسغ عبد الله رافعًا كفه للأعلى ثُم هوى بقبضة ساحقة على وجهه سقط على إثرها، دفعها الشاب للخلف وهو يلقي عكازه و نصب قامته امام عبد الله الذي قفز واقفًا وكر على الشاب كره أوقعته ارضًا وجلس فوقه وراح يلكم وجهه في جنون. 

استجمعت شيماء شجاعتها وأمسكت بالعكاز وهوت به على عنق عبد الله الذي ألتفت إليها مزمجرًا، وهم بالنهوض عندما رفعت العكاز وهوت به على رأسه عدت مرات … فسقط على الأرض بجوار الشاب الذي لم يكن إلا محمد رفيق خالد  ، الذي تناهى له أثناء مغادرته صرخة فحضر على الفور وفي الوقت المناسب منقذًا شيماء. 

بصق محمد دمًا كان عالقًا في فمه، وهرعت نحوه شيماء تحاول أن تسانده ليجلس، وسألته بلهفة وهي تبكي  : 

_ أنت … أنت كويس؟ 

ثُم تابعت بصوت متحشرج  : 

_ انا آسفه مكنش لازم تيجي كنت سبته قتلني! 

تطلع فيها محمد كأنما يحاول تذكرها، وضيق عيناه لوهلة متذكرًا وقال في تعجب  : 

_أنتِ قريبة خالد قالت مش كده؟ 

أومأت له شيماء ولم تكف عن الأرتجاف فـ أشفق عليها وقال  : 

_ تمام، تمام حصل خير مفيش حاجة أنتِ كويسة صح؟ 

هزت رأسها في صمت فألقى محمد نظرة إلى جسد عبد الله وسئلها  : 

_ مين ده؟ كان عاوز يقتلك ليه؟ 

أطرقت شيماء وذاد نحيبها، فرق قلبه وأقترح  : 

_روحي طيب نادمي حد من العيلة وانا هبقى مع الكلب ده! 

هم أن يقف لكن دوار رأسه درءه عن ذلك وكاد يسقط لولا مساندة شيماء التي قالت في أصرار  : 

_ لا، لا مش هسيبك معاه مينفعش لو فاق هيقتلك … أمشي معايا وهقول لحمزة يجيله. 

سقط محمد فجأة منها مغشيًا عليه، فذاد هلعها وركضت إلى البيت وهي تنادي باسم حمزة غير عابئة بأحد، ما ان تناهى لحمزة والشباب نداءها حتى هبوا جميعًا إلى مصدر الصوت، ارتمت شيماء بين ذراعين حمزة اللذين تلقاها في خوف، وهو يسألها ملتاعًا  : 

_ في إيه، مالك إيه حالتك دي؟ 

ذاد بكاءها وذاد تهدأته وهو يربت على ظهرها برفق، ثم بدأت تهذي قائلة  : 

_ عبد الله … عبد الله كان هيقلتني. 

صاح حمزة مقاطعًا كلامها في موجة عارمة من الغضب وهو يهزها  : 

_ بتقولي إيه؟ مين ده اللي يقتلك هو فين الكلب؟ 

ظن حمزة إنه مد يده عليها فقط، لكنها ما كادت تشير على أحد الأزقه حتى أندفع عاصم ومعاذ ومالك ليجدوا محمد ملقيًا أرضًا ولا أثر لعبد الله. 


💫 الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه 💫


كانت تجلس خديجةٌ فوق الفراش تستمع إلى رعاية الصلاة "للشيخ سمير مصطفى" والدموع تستمطر من عينيها حينما أشتمت بغتة رائحة بنزين قوية جعلتها تسد أنفها بأصبعيها وتغلق الهاتف مغادرة الفراش، واتجهت إلى المطبخ كي تطمئن إن كل شيء على ما يرام 

وجدت كل شيء في محله ولا أثر لتسريب مثل ما تشم. 

خرجت من المطبخ متنهدة في حيرة، حرارة مفاجئة لفتحها ونارٌ تندلع من الخارج في ثنايا المكان، فتجمدت محلها وقد شلتها الصدمة … لم يكن غيرها في المنزل فـ آجار وأراس مع منة في المستشفى، وهنا لدى أخيها الذي لم تراه إلى الآن آركان. 

طفقت تنظر إلى النار التي انعكست في عينيها بشكل مرعب وتلقائيًا راح لسانها يكبر الله، ألسنة النار بدأت تنتشر في اركان المنزل من الداخل حتى كادت تلامسها، الدخان ملئ رأتيها فراحت تسعل بثقل، ثُم اندفعت على السُلم وذهبت إلى غرفتها، وفي هدوء غير مناف للنكبة التي تحيط بها أخذت الهاتف وأجرت أتصال على أراس الذي لم يجيب، ففي يأس تركت الهاتف و وقفت تفكر في سبيل للخروج من هذا المأزق. 

لمحت النار تكاد تصل إلى غرفتها تلتهم جل ما يقابلها التهامًا. 

فأغمضت أعيُنها مستسلمة وهي كلها يقين إن الله بقادرٍ أن يكفيها شر النار إن كُتب لها النجاة أما إن كان قد زف خروج روحها فهو أمر الله. 

فجأة! دفعةٌ قوية مع صوت رجولي يسعل بشدة، جعلتها تفتح أجفانها لتجد ذات الشاب الذي أعطاها منديلًا عند الشاطئ رث الهيئة وحروقٌ بدت واضحة في اجزاء جسده، أنطلق نحوها وتمتم من بين سعاله  : 






_ أأنتِ بخير، كنتُ أهاب أن يصيبك أذى! 

أطلت الحيرة في وجه خديجة لكن صوت معمعمة النار ارجفت جسدها وهمت أن تسأله كيفما يخرجان لكنه، أسرع قائلًا  : 

_ الآن ليس لدينا حلٌ أخر، أسرعي وراءي. 

لحقت به إلى الشرفة ورأته وهو يقفز في لمح البصر على السور، ثم يغمغم  : 

_ سنقفز لا سبيل للخروج من بين النيران إلا هكذا! 

_ماذا؟؟؟ 

ما كادت خديجة تكمل صراخها وكان كفه المغطى يجذبها من مرفقها وقبل ان تستوعب ألقى جسدها وجسده ليهويا أرضًا، سقوط مدويٍ مصحوبٌ بصراخٌ خديجة المفزع التي ظنت أنها لن تنجو فإذ بها تجد ذاتها فوق ذاك الشاب الذي تحمل ثقلها وكل الألم، أبتعدت خديجة عنه سريعًا فكان يتأوه بشده من عظام جسده التي تأن إثر السقوط … ولحسن الحظ إنهما كانا في الدور الأرضي. 

راقبت خديجة المنزل الذي احترق أمام بصرها في أسف، وجاءها صوت أراس المتلهف مناديًا بإسمها في قلق وهو يهرع إليها متسائلّا  : 

_ خديجة، أنتِ بخير لم تصابِ بأي سوء، أليس كذلك؟ 

رغم أنها هزت رأسها نفيًا إلا أنه شملها بنظرة فاحصة قبل أن يضمها لصدره بقوة كأنما يخشى أن تنزلق من بين يديه وتتلاشى.

لثم أراس رأسها بحنان، وهمس  : 

_ يا إلهي كاد قلبي يتوقف خوفًا عليكِ ما أن لاحت ليٌ النيران. 

تهربت خديجة من عيناه الهائمة التي تتفعم بالحب وغمغمت متذكرة  : 

_ هذا الشاب هو من … 






تفاجئت خديجة بخلو الأرض بجانبه دون اي أثر لأحد، فرفرفت بأهدابها بدهشة، وصاحت  : 

_ يا إلهي أين ذهب هذا الشاب؟ 

استوضح اراس في تعجب غمر فؤاده بالغيرة  : 

_ مَن يا خديجة، أي شاب هذا؟ 

_ الذي انقذني كان هنا، أين بالله ذهب؟! 

_ لا يوجد غيرك يا خديجة. 

دون أن يأبه بأي شيء آخر رمق منزله الذي استحال رمادّا ومال حاملًا إياها، متجهًا إلى السيارة. 

أخذها إلى المستشفى وجعل الأطباء يفحصوها قسرًا، حتى ما أن أطمئن عليها جلسا سويًا بعد ما احضر لها عصير. 

وسألها في اهتمام  : 

_ كيف أندلعت النيران في المنزل؟ 

تطلعت خديجة بصمت لوهلة إلى العصير بيدها، ثم وضعته جانبًا فسرت على شفتيّ أراس همهمة حانقة عما تفعل، وهتف  : 

_ العصير من مال حلال يا خديجة، منذُ تزوجتك وعلمت إنك تستحرمين الأكل في بيتي وكل شيء وأنا اعمل … هذا من تعبي ولا أكذب عليكِ، صدقًا. 

رآها ترتشف من العصير اسفل نقابها، فتمتم في مرح  : 

_آراكِ صدقتيني في الحال هذه معجزة! 

ضحكت خديجة لطرافته في هدوء، وقالت  : 

_ انا لا أدري كيف اندلع الحريق، فجأة وجدت النيران تحيط بالمنزل! 

_ إذن فثم من يحيك من وراءنا؟ 

استفسرت خديجة في جدية  : 

_ عمد؟ الحريق تم عمدًا لقتلي! 

رقت نبرة أراس، وضم يسراها في راحتيه بحنان، وهمس  : 

_ لا يمكن لأحد أن يقتلك وأنا ما زال فيّ نفس يروح ويجيء! 

آنست الروح بوجوده، واطمئن إليه الفؤاد فوارت عينيها عنه منشغلة في ارتشاف العصير. 

كانت خديجة على يقين إن ماهر وراء الحريق ولا مرية في ذلك. 

تذكرت ما حل بمنة وآجار، فألتفتت إلي أراس، وقالت  : 

_ كيف حال آجار؟ 

سكت أراس لوهلة، أطل فيها الأسف في عينيه، وارتسم الحزن على قسمات وجهه، وردد في أسى  : 

_ ليس بخير يا خديجة! أهاب أن يحدث له شيء مما ألَم به، آجار لم تزوره الفرحة قط وهآنذا ما أن زارته وكان للقدر رأيٌ أخر! 

في استنكار ييَّن هتفت فيه خديجة  : 

_ يا الله ما هذا التشاؤوم، منة ستتعافى وستعود بكامل صحتها وأفضل بإذن الله … إن الله قادرٌ على كل شيء ستتعافى. 

_ أتمنى ذلك من كل قلبي! 

وفي لطف سألها  : 

_ أنتِ بخير؟ هل اصبحت أحسن؟ 

لم يتلق ردًا سوا عينا خديجة التي تعلقت بعينيه في حديثٌ صامت بين كلام العيون. 






وفجأة! ترقرق الدمع في مقلتيها، وأمسكت بكفه في راحتيها، وقالت في نبرة تقطر حزنًا  : 

_ أراس، أن كنت تنتظر مني حبًا أنا محال أن أفتح قلبي لك! 

لا يمكنني أن أحبك رغم أنك تستحق كل الحب، حاولت صدقني لكني لم استطع ليس بيدي، أنا لا أستحق حبك، وكل هذه المشاعر الجميلة التي تغرقني بها، منذُ تزوجتك وأنت تفعل كل شيء لسعادتي، وراحتي، ورضاي، وهذا والله يبهجني لكني لا يمكنني أن أحبك. 

هل أحترق فؤادك يومًا؟ 

هل استشعرت كيف تتوقد فيه النيران ولا تجد من يخمدها! 

أوَ ليت النيران طالت جسده وأحرقته على أن يسمع هذه الكلمات من فم خديجة! 

ربما كان الموت حرقًا اهون عليه من حرق القلب بكلامٌ قاسي! 

لم ينبس أراس ببنت شفة لكنه سحب كفه في هدوء، وقام واقفًا وهو يقول  : 

_ هيا سنغادر. 

ولم ينتظر ردها بل سار غير آبهًا إذ لحقت به ام لا، لقد تقرح قلبه قرحًا ليس له علاج إلا بحبها المحال. 


                     💫 الله أكبر 💫


أيامٌ قلائل مرت، كانت قاسية كالصمُ الصلاب على قلبُ خديجة، فمنذُ قالت ما قالت لـ أراس وبات يتجنبها يأخذها يوميًا إلى المستشفى ويعودان دون حديثٌ يذكر كأنما لا يرآها، ولم تكن تدرك إن حضوره الغائب مؤلم مضنينًا لروحها. 

كانت قد انهت وردها اليومي، واستوحشت الحديث مع اراس الذي أحضرها إلى هذه الشقة ولا يلتقيان إلا نادرًا. 

لكنها حسمت الامر اليوم وفي الحال ستتحدث معه، ستكلمه وتعيده إليها، خرجت من الغرفة واتجهت إلى الغرفة التي أصبحت مأواه، وتناهى لها عن كثب نهنهة بكاء، وهمهمت كلام، فتهافت روحها، وارهفت السمع مقربة أذنها فإذا بها تسمع صوت الشيخ سمير مصطفى. 

نعم! تعلم هي هذه المحاضرة! 

الجزء الثاني من رعاية الصلاة! 

تعلم هذا المقطع وقد ابكاها كثيرًا! 

لكنّ أراس! يا عجبي لذلك؟! 

دقائق وأستمعت إلى صوت تكبير متحشرح باكي، فعلمت إنه يصلي؛ يا الله كم هذا عجيبًا، ورائعًا. 

لم تشعر بدمعها الذي انسكب وقد اسبلتا عينيها. 

أترعت الفرحة قلبها، كأنها فراشة تخفق بجناحين جميلين تطير في حرية …كانت تضحك وتبكي في آن يحسبها الرائي إحدى المجانين ربما. 

وفجأة! كتمت ضحكتها بكفها وقفزت مكانها كطفلة صغيرة تودُ بالفعل ان تطير من شدة الفرح الذي جعلها خفيفةً الثقل. 

أنتظرت حتى سلم من صلاته، فطرقت الباب طرقًا خفيفًا وهي تكبح ضحكتها، وانتظرت قليلًا حتى جاءها صوته يأذن بالدخول، فأطلت من الباب وتفاجئت إذ لم تجد أثر لمصلاة، ولا مصحفٌ فنظرت له رافعة إحدى حاجبيها، لكنه سأل بجفاف  : 

_ ما الأمر؟ ما الذي أتى بكِ؟ 

_ هل يتم استقبال الناس هكذا، أين الترحيب، اين تفضلي يا خديجة؟ 

كتم أراس ضحكة كادت تفلت من بين شفتيه، وكرر  : 

_ تفضلي يا خديجة. 

دفعت خديجة الباب ودلفت، وهي تقول  : 

_ بالطبع سادخل، هل سأنتظر ان تسمح او لا تسمح بالأساس! 

جلست على طرف الفراش، وأشارت له ليجلس، فجلس مبرطمًا وهو يقول في تأفف  : 

_هآنذا كلي آذان صاغية، هاتِ ما لديكِ أريد ان انام لست متفرغّا. 






قربت خديجة وجهها من وجهه، وقالت في تحد  : 

_ ستتفرغ ليّ وقتما أشاء وأين ما اشاء'! وستسمعني قسرًا او طواعية. 

أشاح بوجهه مسبلًا جفنيه التي فاضت حبًا، وبسمة واسعة تراقصت على شفتيه، وغمغم بخشونة متعمدة خرجت رغم عنه لطيفة، حنونة  : 

_ أسمعك يا خديجة في أي وقت تشاءين لا يشغلني شيء عنك. 

فتبسمت خديجة في ظفر وهي تعقد ذراعيها، وقالت  : 

_ إذن اسمعني ما سأقوله مهمًا للغاية! 

تنحنح أراس ناظرًا إليها في اهتمام، وقال: 

_ أخبريني أنصت! 

_ عيرني كل حواسك رجاءًا! 

قطب أراس دون فهم لكنه في اضطرار اومأ برأسه ودنا منها، وهو يقول في ترقب  : 

_ أقلقتيني يا خديجة، هل حدث إي شيء؟ هل أمر محزن! أعائلتك بخير؟ أم أنك تمرين بمشكلة! 

صاحت خديجة في لهفة  : 

_ هآنتذا وصلت لما أريده، نعم، انا واقعة في مشكلة، مشكلة … عميقة ليس لها حل وأخاف كثيرًا ألا اجد. 

هز اراس رأسه في ضيق، وغمغم في ثقة  : 

_لمَ تقولين هذا؟ لا يوجد مشكلة ليس لها حل، اخبريني. 

حركت خديجة كتفيها في اسهتار، وقالت في بساطة  : 

_ هل يرضيك أن يعاملني زوجي بجفاء، كأني غير موجودة؟ ايرضيك الا أجد من احادثه في هذه الشقة؟ 

هل تجد فتاة مثلي بكل تلك الرقة ليس لها أحد تكلمه وقتما تشاء وهذا لأن زوجها الغبي ذاك مخاصمًا لها. 

كان اراس في بلاهة يهز رأسه في استنكار حتى استوعب إنه هو زوجها فصاح مقاطعّا إياها  : 

_ على رسلك يا حبيبتي ماذا قُلتِ توًا،  من هذا الغبي؟ 

بسطت خديجة كفها على وجنته وهي تجيب  : 

_ زوجي! 

كظم اراس ضحكته، وردد: 

_ إذا قُلتِ إنه غبي فهو غبي بالطبع … وسيرضيكِ كيف يالله يتركك هكذا دون ان يحادثك؟ 

هزت خديجة رأسها متصنعة الحزن، وبوجهًا عابس قالت  :

_ إنه قاسي القلب! 

_ هل تهذين يا خديجة تحرميني من نومي فقط لأنك تشعرين بالضجر! 

_ أليس هذا سبب كافي برأيك؟ 

_ سأفكر في هذا والآن دوري لأخبرك ما عندي! 

في جدية رمقته خديجة، فقال في هدوء  : 

_ نحن معزومان لحفل عند ماهر صديق أبي هل …

قاطعته خديجة بلهجة حاسمة تعجبها  : 

_ سأذهب معك. 

_ ولكن؟ 






_ سأذهب يا أراس قُلت. 

وتمتمت في نفسها  : 

_ أنها فرصتي الوحيدة. 

وافق اراس واشار لها نحو الباب قائلًا  : 

_ اريد ان انام، هيا تصبحين على خير انرتِ غرفتي! 

فزمت خديجة شفتيها، قائلة وهي تدور حول الفراش  : 

_ سأنام هنا من قال أني ساغادر من الأساس، هل سمعتني اقول؟  بالطبع لا، فلا تقول شيئًا لم أقوله. 

استقرت على الجانب الآخر من الفراش ورنت بوجهها نحوه، وأردفت  : 

_ أتعلم ما الذي اشتاق إليه؟ 

هز أراس رأسه نفيًا، فقالت في حنان وعيناها تفيضان شوقّا  : 

_ أن يصلي بيّ زوجًا إمامًا، ونتشارك الصلاة. 

ثُم شردت بعينيها قائلة في هيام  : 

_ أن أقف وراءه ونصلي معًا يا الله كم اشتاق لهذا! 

أذدرد أراس لعابه متوترًا، مرتبكًا، واجفًا، بينما لمعت الدموع في عينا خديجة حتى فاضتا، واستتبعت  : 

_ أتعلم ما هو اقسى اشتياق ايضًا؟ 

هز أراس رأسه نفيًا، وبدا الاهتمام في عينيه، فقالت  : 

_ الأشتياق لشخصٌ وارى الثرى! لمن رحل عن عالمنا، وأخذه الموت، إنه اقسى أشتياق لأننا لن نرآهم مجددًا مهما أجج الأشتياق قلوبنا. 


💫الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرةً وأصيلا 💫


في حفلة ماهر، حضرت خديجة قسرًا لسببٌ محدد، رغمًا عنها كانت تشعر بالأشمئزاز من كل ما حولها، لكن أراس كان حينئذ وضيء الوجه، بهي الطلة، ترتاح له العين، وتأنس النفسُ به، ويطمئن إليه الفؤاد، لم تحيد خديجة بنظرها عنه كأنه أجمل من بالحفل، والحق يقال إنه في نظرها كان أجمل الحاضرين رغم إنها لا تدرِ من الحاضرين، كان يغمرها باهتمامه، ويضمها بين جفونه، كان خائف عليها من كل من بالحفل …أجواء لم تحياها خديجة قبلًا، ولا تعرف عنها شيء كان يعلم علم اليقين أن أتيانها وراءه امر ولا مرية في هذا. 

كان ماهر منذُ دخولها المنزل يراقبها، حتى اقترب منهما وراح يتحدث مع أراس بعدما حياها برأسه، فـ استغلت انشغالهما خاصةً حين اقترب نفرٌ من الرجال منهما، فتسللت خفية وسط الحضور وارتقت الدرج للأعلى بحذر وهي تتلفت حولها، وفي ترقب حذر دخلت إلى أول غرفة قابلتها فإذا بها غرفة نوم، انسابت في داخلها تفحص كل ما تراه في اهتمام من… أوراق، ملفات 





وبينما هي تولي ظهرها إلى الباب، واقفة امام الخزانة، أوجدت ملفٌ راحت تقلب فيه فإذا بها تجد صورٌ لكل عائلته بداخله. 

بغتة! أحست بيد تمسك بمرفقها، وظل شخصٌ خلفها، لم تدري كيف دخل! كيف لم تشعر او تحس بوجوده! 

ألتفتت بعنف لتجد ماهر أمامها فتقهقرت للخلف مرتطمه في الخزانة بقوة وهي تشهق في فزع، فإذا بصوت ماهر يأتي دافئًا  : 

_ لا تخافي. 

مد ليمسك ذراعها لكنها هوت على وجهه بصفعة قوية اودعت فيها كامل قوتها، و وقفت تلهث أمامه في خوف كعصفور وقع في المصيدة، اتسعت عينيها، وتدلى فكها وتلاشى خوفها إلى صدمة وهي تنتفض ملتاعة  : 

_ يا الله 


يُتبع..... 

تُرى ماذا سيصنع ماهر في خديجة بعدما رآها ئلة تفتش في اغراضه؟ 

هل تنجو منة من سطوة المرض؟ 

هل بإمكان حمزة إيجاد عبد الله؟ 


حقيقي مش عارفة اأقول إيه على التأخير، اللي ممكن يسببلكم نسيان للأحداث، وملل، أو كره تجاهي … بس بجد بمر بفترة صعبة، أنا بخلص فصل كامل في يوم وده انهارده كان مخلص بس للأسف بسبب التعب 





انا مبقتش أكتب زي الأول، أتمنى تستحملوني الفترة دي وتدعولي ربنا يشفيني   … وبعتذر على التأخير أتمنى تعذروني 

 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. 


" اللهم أجعلنا من رفقاء الرسول في الجنة "

           الفصل الحادي والثلاثون من هنا

لقراة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-