CMP: AIE: رواية رحيق الهلالي الفصل الحادي والعشرون21بقلم داليا السيد
أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل الحادي والعشرون21بقلم داليا السيد

رواية رحيق الهلالي
 الفصل الحادي والعشرون21
بقلم داليا السيد
عندما رأته واقفا مع عزت وهو يرتدي تلك البدلة التي اشتروها سويا وصفف شعره بأناقة وأزال شعر ذقنه وبدا أكثر جاذبية من جاذبيته الطبيعية
توقفت عيونه عليها بجمالها الذي أخذه وجذبه من بين كل نساء العالم ولم يشعر بجواد الذي ارتدى بدلته هو الآخر وتحرك إليها وانتبهت إليه وهو يمنحها باقة ورد بيضاء من الياسمين الذي فاحت رائحته بالمكان.. 
أعاده ذراع عزت للواقع عندما ضربه به على ذراعه برفق فانتبه وتحرك إليها حتى وقف أمامها فرفعت وجهها إليه كالعادة وشعرت به يمسك يدها ويرفعها إليه ليقبلها وهو ينظر بعينيها ويقول
“كل عام وأنت بخير، لم أجد أفضل من هذه الخطة كهدية لعيد ميلادك رحيق"
طافت دمعة شاردة على أبواب عيونها فرفع يده ومسحها وقال "لم أفعل لأرى دموعك بل لأشبع بابتسامتك" 
انحنى وقبل جبينها فأغمضت عيونها وهي تحاول أن تصدق ما يحدث حولها، ابتعد ففتحت عينها ولم تجد ما تقوله وهو يضع يدها على ذراعه فترى فايزة تبتسم لها وميادة سعيدة بما أنجزت وكوثر بجوارها 
موسيقى هادئة تسربت من مكان ما فتحرك بها إلى المائدة التى تناثرت عليها الحلويات وكعك عيد ميلاد من ثلاث أدوار 
قبلتها فايزة وقالت "كل عام وأنت بخير حبيبتي، كل عام وأنتم سويا" 
شكرتها بصدق وحب واضح، كما هنأها عزت بسعادة واضحة، وأخيرا رأت سامر يخرج من زاوية الحجرة للتهنأة فابتسمت له وتولت ميادة مراسم الاحتفال وأشعرتهم أنهم عروسين بليلة الزفاف وكم كانت سعيدة حقا ليس فقط بالاحتفال ولكن لأنها وجدت نفسها بين أشخاص أدركت أنهم يحبونها بالفعل.. 
كانت أسعد ليلة بحياتها وهي تتمتع بكل ما حولها وأكثر ما أمتعها وجوده بجوارها وذراعه التي أحاطتها بحنان وعيونه التي امتلأت بنظرات أحبتها وعشقتها. 
قالت فايزة وهي تجلس بجوارها "ألم يتحدث معكِ عن الكتابة؟" 
قالت "بلى فعل وأخبرني أنه حاول وفشل ولكني لم أستسلم" 
ابتسمت فايزة وقالت "هكذا الزوجة الذكية دعيني أساعدك" 
ثم التفتت إليه وقالت "فراس هل عرفت أن دار النشر التي ورثتها أغلقت؟" 
قال وهو يشعل سيجارة "نعم هذا أمر أكيد، تعلمين أن مهاب سلمها لذلك الرجل وهو يحمل سمعة واضحة" 
نظرت رحيق إليه فانتبه لنظرتها ولكنه لم يعلق بينما قالت فايزة "هل أبيعها؟ أم أتركها؟" 
نظرت رحيق إليها وقالت "لا، لماذا تبيعين شيء كهذا؟ فراس أنت لن توافق أليس كذلك؟" 
ضاقت عيونه ونهض إلى مائدة المشروبات وتناول كوب من العصير وقال "لا دخل لي بالأمر رحيق" 
تبادل الجميع النظرات ثم تبعته كوثر وقالت "كيف ذلك فراس وأنت كنت" 
قاطعها بهدوء "كنت يا أمي، والماضي لا يعود" 
نهضت رحيق واتجهت إليه وقالت "يعود فراس، كل شيء يمكن أن يعود وأنت يمكنك أن تفعل" 
واجها بنظرة قوية وقال "أخبرتك أني فلاح رحيق ولا أريد سوى ذلك" 
لم تتراجع وقالت "وما علاقة هذا بذلك!؟ الأستاذ الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي كان فلاح وهذا لم يمنعه من أن يكتب أجمل كلماته 
“عشب الربيع مهما اندهس بالقدم، أو انتنى للريح، يشب تاني لفوق يغني للخضرة وطعم الألم “
ثم أكملت "مهما مر بنا من هموم وأحزان فراس لابد أن نعود، الحياة لا تقف عند محطة واحدة وإنما تأخذنا بكل الجولات، لم تريد أن تقف عند محطة واحدة فاتت وانتهت؟" 
ابتسمت كوثر وهدأت فايزة ورفع عزت حاجبه بإعجاب بينما ظل هو ينظر إليها ثم أجاب "وهو أيضا من قال  “بلدنا ع الترعة بتغسل شعرها، جاها نهار ما قدرش يدفع مهرها“
وأكمل "الكتابة هي بلدي وأنا مثل النهار لم أعد أقدر على مهرها رحيق" 
لمست ذراعه بيدها وقالت بحنان "بلى فراس يمكنك ولكنك لا تريد أن تحاول، أنت كاتب رائع وكتابتك لن تتعارض مع حلمك بالأرض، فقط امنح نفسك فرصة وأنا متأكدة أنك ستنجح" 
ظل صامتا بينما اقترب منه عزت وقال "على فكرة هي على حق أنت كاتب رائع وأنا أشهد بذلك، وهي أيضا رفيقة وزوجة رائعة" 
اقتربت كوثر وأحاطت بذراعي رحيق وقالت "تلك الفتاة تفوقك بالكلمات فراس وأراهنك أنها ستناطحك في الكتابة يوما ما" 
ضحك الجميع بينما ظل هو وهي يحدقان ببعضهما دون أي كلمات وانفض الجميع إلى موضوعات أخرى  إلى أن تأخر الوقت فشكرتهم رحيق بسعادة وحب وهم ينصرفون إلى غرفهم في ود 
ظلت تتابعهم إلى أن اختفوا جميعا ثم استدارت إليه وقد وقف شاردا أمام الظلام الذي يطل من زجاج النافذة فاتجهت إليه ووقفت بجواره وقالت
“شكرا فراس، كانت ليلة رائعة"
نظر إليها وابتسم وقال "كل عام وأنت بخير" 
شعرت أنه ليس على ما يرام فاقتربت منه لتقف أمامه وعيونها تجوب ملامحه ثم قالت "ماذا بك؟ هل حدث شيء ضايقك؟" 
ظل ينظر إليها لحظة ثم ابتعد إلى سجائره ليشعلها قبل أن يقول "لا لم يحدث شيء، ألا تصعدين لترتاحي كان يوما شاقا" 
تحركت إليه مرة أخرى وقالت "ليس قبل أن تخبرني ماذا بك؟ لن تخفي عني أليس كذلك؟" 
رفع يده وداعب وجنتها وقال "لم تخبريني أنكِ قارئة ممتازة هكذا" 
ابتسمت وقالت "ظننت أن الأمر ليس هام" 
ولكنه قال "بل هام، وهام جدا رحيق" 
ضاقت عيونها وهي لا تفهم فابتعد وقال "أشعر أن حماسك للقراءة أكبر من حماسك لوجودك هنا و" 
التفتت له وقاطعته "لا تكمل فراس، أنت تعرف أن ما ستقوله غير صحيح" 
ثم وقفت أمامه وقالت "أنا عرفتك أنت فراس الهلالي، لم أعرف إلا الرجل الذي ينتحر من أجل أرضه لمست خشونة يدك من العمل بها واسمرار بشرتك من شمسها وابتسامتك يوم تورد أوراقها، أنا لم أعرف الكاتب إلا بعد شهور قضيتها مع الفلاح الذي تزوجته وعشت معه، فراس أنا لا أريد الكاتب كي أبعد عن هنا فأنا أحب هنا، أنا أريد الكاتب لأنك أنت كاتب وهو جزء من الفلاح وكلاهم يصنع رجل واحد هو أنت زوجي ووالد أولادي" 
لا يعلم لماذا أثرت به كلماتها حتى وجد نفسه يجذبها إلى أحضانه بقوة وينحني ليقبل عنقها وهو يقول "كوثر تقدرك جيدا رحيق فأنت تجيدين حياكة الكلمات" 
همست وهي بين أحضانه "لأنها صادقة فراس صدقني لا فارق عندي بين هذا أو ذاك ما يهمني هو حضنك هذا فهو العالم بالنسبة لي" 
أبعدها وأحاط وجهها بيده ونظر بعيونها وقال "متى ستكتبين أول كتاب لكِ زوجتي الصغيرة" 
ابتسمت وقالت "عندما تعلمني كيف أفعل فراس، عندما تمسك القلم وتكتب كلماتك لأسير على نهجها زوجي العنيد" 
ابتسم وجذب وجهها إليه لينحني ويقبل شفتيها بقوة المشاعر التي أثارتها تلك المرأة داخله ثم أبعدها ليحملها بين ذراعيه فهتفت 
“فراس ماذا تفعل؟"
ابتسم وهو يتحرك للخارج صاعدا لأعلى وقال "ألا يحمل العريس عروسته ليلة الزفاف" 
أحاطت عنقه بذراعيها وابتسمت وهي تقول "ولكنها ليست ليلة الزفاف فراس" 
أغلق الباب بقدمه وأنزلها أمام الفراش وقال بحنان "بلى هي كذلك رحيق، نحن لم نعش تلك اللحظة فدعينا نفعل" 
أحاطها بيديه وقال "ربما تنزع تلك الليلة أي ليالي أخرى حزينة عشناها من قبل" 
هزت رأسها وابتسمت وهي تحيط عنقه بذراعيها وترتفع على أصابع قدميها لينحني بطريق يعرفه جيدا إلى شفاهها التي ينهل العسل منها وتتسرب يداه إلى سحاب فستانها ليفتحه ويسقطه عنها ويأخذها وكأنه أول مرة ضاربا بالذكريات السيئة عرض الحائط راسما ذكرى جديدة وسعيدة بدلا عنها وهو يضعها بالفراش ويغرقها بقبلاته ثم يقف أمام عيونها ويهمس
“كنت سأندم رحيق لو تركتك تذهبين يوما من حياتي" 
ابتسمت له برقة وقالت وهي تمرر يدها على وجهه وصدره وقالت "لم أجرؤ على أن أفعل فراس، لم أجرؤ حتى على التفكير بذلك" 
عاد إليها بسعادة أكثر وبرقة ومودة، ربما لم يطرق الحب بابه أو ربما موجود ولكنه خلف ستار الأحزان يتوارى من صاحبه خائفا من أن يظهر بأنواره فيضيء عتمة ليل الفراس برحيق زهرة الحياة
بالصباح استيقظت لتراه يخرج من الحمام ويجفف شعره بالمنشفة فاعتدلت والتفت بالغطاء وقالت "صباح الخير استيقظت مبكرا" 
ألقى بالمنشفة واتجه إليها وأزاح شعرها وقال "لو ظللت بجوارك بالفراش فلن أعود لعملي" 
ابتسمت فجذبها إليه في قبلة طويلة ثم نهض وقال "تبدين متعبة من أثر الأمس سأنزل لأعد الإفطار" 
أسرعت تقول وهي تنفض الغطاء وتنهض "لا، لابد أن.." 
ولم تكمل حيث دارت بها الدنيا وسقطت على الفراش فأسرع إليها وجذبها لصدره وهو يناديها "رحيق، رحيق ماذا حدث؟ رحيق" 
فتحت عيونها بصعوبة وقالت "أنا،  أنا بخير، أشعر، أشعر بدوار" 
أعادها إلى الفراش ثم أحضر عطرا ومرره عبر أنفها حتى استعادت وعيها وفتحت عيونها ولكن شعور الغثيان هاجمها فقاومت وهي تقول 
“لبعض الوقت ظننت أني انتهيت من هذا"
وضعت يدها على بطنها وقالت "خذني للحمام فراس من فضلك" 
ساعدها إلى الحمام وأخيرا اغتسلت وهو يمسك بها بقوة وأعادها إلى الفراش فقال "أخبرتك أنك بحاجة للراحة ولكن رأسك الصلب هذا يثير غضبي" 
ابتسمت بوجه شاحب وقالت "أرى أن عيوبي تزداد زوجي العنيد" 
قال "ولو، ستظلين زوجتي للابد" 
ابتسمت ونظرت إليه وقالت "وأنا لا أريد أكثر من ذلك" 
ضمها إليه بحنان وقال "كما هو أنا رحيق" 
ساعدها في إعداد الإفطار حتى دق الباب فقال "ما زال الوقت مبكرا ترى من؟" 
كان يتحرك للباب وفتحه فرأى سامر الذي قال "صباح الخير فراس بيه، ظننت أنك بحاجة إلي اليوم بالأرض الشركة لم تعد تعجبني فحصلت على أجازة" 
تراجع فراس لحظة ثم قال "أنت مجنون سامر، هيا تعالى ادخل" 
اصطحبه إلى غرفة الجلوس ثم سمع ميادة تدخل لرحيق فاطمئن بينما قالت ميادة "صباح الخير على أجمل عروسة" 
قبلتها رحيق بحب وقالت "صباح النور على أجمل ميك أب ارتست" 
ضحكتا فقالت ميادة "أين خالي ألم يستيقظ بعد؟" 
أكملت ما تفعله وقالت "بلى ولكن أظن أن سامر أتى وهو معه الآن" 
احمر وجه ميادة وتوقفت فنظرت إليها رحيق فوجدت عيونها وقد زاغت إلى خارج المطبخ فاتجهت إليها وقالت 
“نحن هنا"
فزعت ميادة وارتبكت وهي تنظر إلى رحيق التي تابعت نظراتها وقالت "ماذا أفهم من ذلك؟" 
ابتعدت ميادة وقالت "لا شيء رحيق، لا شيء" 
ولكن رحيق لم تفعل وقالت "أنا صديقتك لذا من الأولى ألا أتركك بل وأكون أذنك التي تسمع وعيونك التي ترى، ماذا بكِ؟" 
لم تنظر إليها فعادت رحيق إلى الطعام وقالت "هل تعدي الشاي من أجلي؟" 
اتجهت ميادة إلى سخان المياه وأعدته والأكواب ثم قالت "سامر يحاول الاتصال بي منذ وفاة بابي وأنا لم أجيب" 
توقفت ورفعت نظراتها إليها فلم تنظر إليها ميادة فقالت رحيق "وماذا ميادة؟ هل يعرف أحد بذلك؟" 
هزت رأسها نفيا فاتجهت إليها وقالت "سامر مثل فراس ميادة، لن يثبت بعمل بالمدينة، بالنهاية سيكون فلاح يعيش بين الأرض فهل يليق ذلك بكِ؟ هل ستتركين كل شيء وتقبلين ذلك؟" 
رفعت ميادة نظراتها إليها وقالت "أنتِ تفعلين ذلك يا رحيق"
حدقت بها لحظة ثم قالت "وهل لديك القدرة على أن تفعلي مثلي"
نظرت ميادة بعينيها وقالت "لا أعلم رحيق، أنا أصلا حاولت كثيرا ألا أفكر به وأبعده عن رأسي وانشغلت باختيار الكلية ولكن ما أن رأيته أمس حتى تبدلت أحوالي ولم أعد أعرف ماذا أفعل أمام نظراته" 
صمتت رحيق قليلا ثم قالت "هل تحبيه؟" 
واجهتها نظرات ميادة وقالت بصدق "أخبريني أنت رحيق عن الحب فأنا لم أكن أمنح الفرصة لأحد من أصحابي أن يتحدث عنه، هل إحساسي بأني أريد أن أراه بكل الأوقات حب؟ أن أكون معه وأسمع صوته وأرى نظراته حب؟ هل القبول بتلك الحياة التي قبلتِ بها أنت حب؟ ماذا يعني الحب رحيق؟" 
ابتسمت رحيق وقالت "الحب تركيبة صعبة جدا حبيبتي ولا تعبر عنه أي كلمات لأنه يختلف من شخص لآخر فالتعبير عنه عند البعض قد يكون بالكلمات والبعض الآخر أفعال لكن بالنهاية القول والفعل وجهان له لأنه عاطفة نابعة من القلب بعضنا يفقد السيطرة عليه فيتملكه ويصبح كل شيء بحياته وخاصة المرأة والبعض الآخر يتحكم به ويتمكن منه ويجعله جزء من حياته وهذا هو الرجل، لكن بالنهاية هذه هي الحياة لأن الاثنان يكملان بعضهما البعض، فماذا تريدين أنتِ؟" 
لم تكمل عندما نزلت فايزة فانتهى الحديث وانضم سامر لهم على الإفطار ولكن الصمت لف زوجها وهي لا تعلم سببه أو ربما تخمن
كان يوما رائعا مع ميادة عندما خرجتا لإحضار جواد من مكان الرسم ومرا بالبلدة ورأت الأرض من بعيد والأخضر يفترشها بشموخ وتوقفت بالسيارة وهي ترى زينب تخرج على الطريق وتشير إليها 
“كيف حالك رحيق؟"
تأملتها رحيق وهي لم تختلف فقالت "بخير زينب كيف حالك أنت؟" 
قالت "الحمد لله كنت سأحضر إليك لأدعوك على خطوبتي غدا وكل من عندك" 
أشارت بعيونها إلى ميادة فقالت رحيق "مبروك زينب ألف مبروك، سأخبر فراس ولو وافق أكيد سأحضر" 
هزت زينب رأسها وقالت "أبي سيخبره ويدعوه وأكيد لن يرفض" 
هزت رأسها  ثم تركتها ورحلت بينما عادت لطبيعتها مع ميادة التي عشقت البلدة والتواجد مع رحيق.. 
تناول الجميع الغداء ولم يعد فراس إلى الأرض وإنما دخل للمكتب فلاحظت تغيره تركت الجميع بالحديقة وعادت إليه
“هل آخذ من وقت زوجي القليل؟"
رفع رأسه من على أوراقه إليها وقال "بالتأكيد" 
تحركت إليه وجلست على طرف مكتبه وتراجع هو بمقعده ليدخن سيجارته ويتأمل عيونها فقالت "زينب دعتنا لحفل خطوبتها" 
هز رأسه وقال "نعم والعمدة أخبرني هل تريدين الذهاب؟" 
هزت كتفيها وقالت "كما تشاء" 
تأمل ملامحها وقال "لو لن يؤثر على صحتك يمكننا الذهاب، أخبري ماما وفايزة" 
هتفت "وميادة بالطبع" 
نظر إليها لحظة ثم نهض واتجه إلى النافذة فتبعته وهي تدرك صمته، وقفت بجواره وقالت "ماذا بك لا تبدو بخير منذ الصباح، هل ضايقك شيء؟" 
لم ينظر إليها وقال "ليس هناك شيء رحيق، لن أمانع بذهاب أحد" 
أمسكته من ذراعه فنظر إليها وهي تقول "ماذا بك؟" 
زاغت نظراته بين معالم وجهها وقال "لماذا تصرين على أن هناك شيء؟" 
رفعت يدها إلى وجهه وقالت "لأن هناك شيء، أنا أشعر بذلك وأنت لن تخفي عني" 
أمسك يدها ووضعها على صدره ثم جذبها إليه وهو يواجه عيونها وقال "وكيف تشعرين بذلك زوجتي الصغيرة؟" 
ابتسمت ولم تقل بقلبي وإنما قالت "عيونك زوجي العنيد فهي تفضحك" 
قال "لم يقرأ عيوني أحد من قبل" 
داعبت صدره بأصابعها الرقيقة وقالت "أنا لست أحد فراس، وعيونك كتاب مفتوح أمامي" 
ظل صامتا لحظة ثم قال "وماذا تقرئين به الآن" 
قالت "أرى شيء هام أخبرك به سامر بالصباح جعلك لا تبدو على طبيعتك ويتملك تفكيرك حتى تلك الكلمات التي كتبتها هناك وقطّعت ورقتها تدل على ذلك" 
أحاطها بذراعيه الاثنين وقال "كل هذا عرفتيه من دقائق" 
ابتسمت وقالت "فراس هيا تحدث وكف عن الخداع" 
صمت قليلا ثم قال "وإن لم أفعل" 
كشرت بمزاح وقالت "سأغضب وأخاصمك، هيا فراس تعلم أني أعلم أنك لست على ما يرام" 
أفلتها ونظر إلى النافذة وأشعل سيجارته وقال "سامر يريد طلب ميادة للزواج" 
لم ترد وإن كانت قد توقعت ذلك فالتفت لها عند صمتها وقال "أين ذهب لسانك؟ أم أن الأمر صدمك مثلي؟" 
نظرت إليه وقالت "نعم ولكن ماذا أخبرته" 
قال "ما زال أمامها دراستها ولابد من تأجيل الأمر ولكنه يصر حتى على خطوبة" 
اقتربت منه وقالت "وأنت ترفض أم توافق؟" 
نظر إليها وحدق بعيونها كثيرا قبل أن يقول "ليس من حقي أن أفعل هي وفايزة لديهم الحق، ولكن ميادة من المدينة وسامر يريد شراء أرض بجوار أرضي والإقامة هنا وأعتقد أن الأمر غير مناسب لها" 
ظلت تنظر له لحظة ثم ابتعدت بصمت فقال "ماذا بكِ؟" 
قالت "لا شيء، ألم تسأل ميادة وفايزة؟ الأمر يخصهم" 
قال "فايزة اعترضت على أن تعيش ابنتها هنا ورفضت أي خطوبة قبل انهاء الدراسة، ولم أتحدث مع ميادة بعد؟ وأعتقد أن الأمر منتهي طالما فايزة ترفض ولكني سأفعل" 
التفتت إليه وقالت "ولكن ميادة هي صاحبة الشأن ومن حقها إبداء رأيها" 
اقترب منها وقال "هل أخبرتك بشيء" 
تمكنت من إخفاء ما تعرف وقالت دون تردد "لا، ولكن الأمر بيدها، ربما خطوبة ليرى كلا منهما إمكانية نجاح الأمر من عدمه" 
ثم ابتعدت فأمسكها وأعادها أمامه فنظرت إليه وقالت "ألن تكف عن حركتك هذه يا سيد إنها تؤلمني" 
خفف قبضته وقربها إليه وقال "أحب أن أستعيد ذكرياتها يا آنسة، أقصد مدام، هل تقارنين ميادة بكِ؟" 
سكنت بين يديه وقالت "وهل لابد أن أفعل؟" 
انحنى وقبل وجنتها برقة وقال "أخشى أن تفعلي وتتراجعين فتتركيني" 
لم تبتعد وهو يجذبها إليه وإنما قالت "أنت تشكك بماذا فراس؟" 
نظر إليها وقال "ليس شك رحيق ولكن ربما لم يعد يمكنني أن أتخيل الحياة بدونك ولدي شيطان يوسوس لي بأنك يوما ما سترحلين" 
ابتسمت وهي ترتفع كعادتها على أطراف أصابعها لتتعلق بعنقه وتقول "إنه شيطان ماكر وقوي لأنه استطاع أن يهزم الفراس ويتملك تفكيره هكذا ليتني مكانه" 
ابتسم مكانه وقال "إنه يحاول أن ينافسك رحيقي فأنت تملكين كل أفكاري" 
قالت "حقا فراس؟" 
انحنى ولمست أنفاسه على وجهها وهو يهمس "بدون شك" 
والتقط قبلتها التي تسكن شكوكه وتمنحه السكينة أنها معه إلى الأبد
دق الباب فأبعدها برفق وأذن فرأي ميادة تدخل وتقول "خالي هل طلبتني؟ مامي طلبت مني أن أقابلك" 
نظر إلى رحيق فتحركت لتخرج وقال "نعم تعالي حبيبتي" 
نظرت رحيق إليها وبادلتها النظرة بحنان وهي تخرج بينما قال "أردت رأيك بشيء يخصك" 
ارتبكت ميادة وقالت "ماذا؟" 
اقترب منها وقال "أنا لا أعرف كيف أصوغ الكلمات فقد نسيت ولم أعرف غير الدخول بالموضوع" 
لم ترد فوقف أمامها وقال "سامر طلب يدك للزواج، ولكن قبل أن تفكري بالرد لابد أن تعرفي أنه سيعمل بالزراعة هنا وسيعيش هنا" 
رفعت وجهها إليه وقالت "معك؟" 
ضاقت عيونه وهو يحاول أن يفهمها فقال "لا حبيبتي سيكون له أرضه الخاصة بالتأكيد لن أتركه ولكن له حياته الخاصة كما هو أنا، وأنت تعلمين حياتنا هنا فهل بإمكانك الموافقة على ترك المدينة والبقاء هنا وتحمل مشقات الحياة هنا؟" 
نظرت إليه وقالت "رحيق فعلت يا خالي" 
ضاقت عيونه مرة أخرى ثم ابتعد عنها وهو يحصل على سيجارة ويشعلها ويقذف بالولاعة على المكتب قبل أن يقول "وهل أنت مثل رحيق؟" 
ابتعدت هي الأخرى ولم ترد فالتفت إليها وقال "والآن ماذا؟ هل لديك سبب للبقاء معه هنا والموافقة على حياته؟" 
لم تنظر إليه وتولاها الصمت وهو يتجه إليها وقد لمس الموافقة منها فتوقف أمامها وقال "ميادة" 
رفعت عيونها إليه وقالت "وماذا كان سبب رحيق في البقاء يا خالي؟" 
صمت وهو نفسه كثيرا ما يسأل ولا يجد إلا جواد هو السبب الذي جعلها تبقى، قال "تعلمين ظروف جواد" 
تأملته وقالت "فقط؟ أي ليس من أجلك خالي؟" 
تأمل عيونها وابتعد وهو بالفعل كان يتمنى لو أخبرته أنها فعلت من أجله ولكنها أبدا لم تفعل، صحيح تخبره دائما أنها تريد البقاء معه ولكن ربما لأنه أصبح زوجها ووالد أولادها كما قالت 
سمع ميادة تقول "ألا تظن أنه ليس سبب قوي يا خالي لأن تترك امرأة مثلها حياة مثل التي كانت تحياها وتقبل بما تفعله هنا؟" 
لم يرد وهو يعلم أنها على حق ولم يحاول أن يعرف فقال "ألا تظنين أننا خرجنا عن موضوعنا؟ ماذا أخبر سامر مع العلم أن أمك لا توافق" 
أبعدت وجهها بخجل واضح استشف منه ما كان يفكر به فاقترب منها وقال وهو يقتبس فكرة زوجته "إذن نحاول أن نقنع فايزة بالخطوبة حتى إلى أن تنتهي الجامعة وربما وقتها يمكنه أن يكسب ود حماته" 
ابتسمت ميادة فداعب وجنتها وقال "هيا اذهبي ولكن لا أريد أي اتصالات معه قبل أن يصبح الأمر رسمي" 
هزت رأسها وأسرعت تخرج وعاد هو إلى مكتبه وأمسك قلمه ورأى عيونها تبتسم له على الورق وهي تقول "أنت كاتب رائع" 
ابتسم وبدأ يكتب رواية "بلد الأحبة" 
   



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-