أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل الخامس5بقلم داليا السيد


 رواية رحيق الهلالي
 الفصل الخامس5
بقلم داليا السيد

تعادل
 كانت سرعة الريح أسرع بالتأكيد ولكن ثقل السقف أعاقت السقف وأخرته وكان هو قد وصل إليها وألقى نفسه عليها بنفس الوقت



 الذي سقط فيه الصاج عليه لينغرز الجزء الحاد منه بكتفه من الخلف والجزء الآخر يسقط على ساقه 
استوعبت هي ما حدث ولكن بعد أن شعرت بثقل جسده عليها وعندما حاولت أن تتحرك قال بألم 
“برفق رحيق الصاج يمزق كتفي"





أصابها الفزع والخوف من أجله وصرخت "يا إلهي ماذا أفعل؟ كيف أنقذك؟ أخبرني أرجوك"
نظر إليها وملامحه المتعبة من شدة الألم ثم قال "اهدي واسمعي، ازحفي من تحتي ثم انهضي وحاولي أن تزيحيه، أكاد لا أشعر بكتفي وساقي"
هزت رأسها وهي ترتجف من الخوف من أجله وبصعوبة زحفت حتى أفلتت من أسفله فسقط هو على الأرض وانغرز الصاج بقوة أكثر بكتفه فأنّ بصوت مرتفع قليلا فأسرعت تنهض وبعد عدة محاولات فاشلة أمكنها إزالة الصاج من على جسده وقد أنهكه الألم وسقطت هي من التعب بجواره ثم تفحصت الجرح فقطعت روبها بقوة ثم قالت 
"لابد أن أربط الجرح إنه ينزف بشدة" 
لم يرد وهز رأسه وما أن لمست كتفه حتى تألم بصمت وهو يجز على أسنانه وأدرك أن كتفه به خلع ولكنه لم يتحدث وانتهت هي فصرخت تقول من بين الأمطار والرياح مرة أخرى
"أنت بخير؟"
أجاب "نعم"
عادت تقول "للأسف لابد أن تعتدل هل يمكنك أن تفعل؟ سأساعدك"
أغمض عيونه من الألم ثم فتحها وقال "نعم يمكنني أن أفعل"
وبالفعل استطاع بمساعدتها أن ينهض ولكن ساقه كانت مصابة هي الأخرى بجرح آخر لم تنتبه إليه ولكنه لم يهتم واستند على كتفها حتى عادا إلى داخل البيت بصعوبة ودخلا إلى الأريكة الموجودة بغرفة الجلوس واستلقى بتعب واضح فقالت 
“سأحضر الهاتف لأتصل بأقرب اسعاف"
أوقفها وقال "لا بل اتصلي بالدكتور مرتضى وهو سيفعل اللازم، هاتفي بالمطبخ اتصلي منه"




بالطبع ساعدها مرتضى على توصيله إلى غرفته وتركته معه ليغير له ملابسه كما فعلت هي لنفسها بعد أن تجمد جسدها من ملابسها المبللة ثم أعدت مشروبا دافئا للرجلان وعادت وقلبها ينتفض خوفا على ذلك الرجل الذي لم تظن أن يفعل ذلك من أجلها فلولاه لكانت هي مكانه الآن أو ربما لم تنجو أصلا.
دقت الباب وانتظرت حتى أذن مرتضى فدخلت فقال "حسنا أين كنتِ؟ أنا بحاجة إليك"
عرفت أن كتفه قد خلع وأن مرتضى رده وكان يفضل وضع جبيرة بعد خياطة جرحه ولكن الجرح منعه فاكتفى بربطه، كما خاط له جرح ساقه الكبير وعلمها كيف تقوم بالعناية بالجراح في غيابه وبالطبع منحه العديد من المسكنات ومضادات للالتهابات وظلت تستمع لتعليماته عن الدواء وطريقة التعامل مع ذراعه من الكمادات الباردة أول يومين ومن بعدها تبدأ الكمادات الساخنة 
وأخيرا رحل مرتضى وعادت هي إليه كان الألم قد خف كثيرا بعد رد كتفه وبالطبع المخدر الموضعي الذي وضعه مرتضى على جراحه وكذلك المسكنات وقوة جسده ساعداه على الاسترخاء بالفراش بينما دخلت هي إليه
كان مغمض العين عندما دخلت فظنت أنه نائم فوضعت الكمادات جانبا وهي ترى كتفه العاري إلا من الضمادة الخلفية، شعر بها ففتح عيونه ونظر إليها وقال 
“لماذا لم تذهبي لتنامي؟"
قربت الكمادات والمقعد وجلست أمامه وقالت "الدكتور طلب كمادات كل ساعتين فكيف ستضعها لنفسك؟"
وبدأت في وضعها على كتفه وزاغت عيونها بعيدا عن عيونه وقد كانت قريبة منه وعندما لم يعترض قالت دون أن تنظر إليه
“أنا مدينة لك بحياتي"
أبعد وجهه عن قربها الخطر وقال "لست كذلك"
رفعت عيونها إليه فلم تر عيونه فقالت "بل أنا كذلك لولاك لكنت أنا تحت ذلك الصاج، آسفة لم أتخيل أن أكون سبب في أذيتك"
انتبهت لكلماتها فأخفضت وجهها وهو يلتفت إليها وهي تتدارك نفسها وتقول "أو إيذاء أي أحد" 
ظل ينظر إلى وجهها الذي تحول إلى لون جمرة النار الملتهبة وسقطت خصلات جديدة متحررة على عيونها، شعر بالكمادات البارد على جسده الساخن فانتبه وقال 
“كفى رحيق من فضلك اذهبي لتنامي وأنا بالصباح سأكون بخير"
نظرت إليه بضيق وقالت "أعلم، ولكني لن أذهب إلا عندما انتهي ولن تجدي محاولاتك معي لذا كل ما عليك الآن أن تفعله هو أن تمنح جراحك بعض الراحة وبعض النوم"
ظل ينظر بعيونها وشعر أن تلك المرأة ربما هي هدية من السماء، لأول مرة بحياته يجد من يهتم به رغم قسوته وصرامته ومع ذلك لم يكن يريد أن ينجرف وراء ذلك الاعتقاد بأنها الملاك الذي نزل من السماء فقال





“ولكنه ليس من صميم عملك"
أدركت أنه يعود لطبيعته الصارمة التي عرفتها فأزالت الكمادة ووضعت أخرى وقالت "أعلم ولن أطالبك بمقابل فهو مقابل أي شيء إضافي أحصل عليه هنا"
حدق بها وقال "لا، يكفيك ما تفعلين وأنا كفيل بنفسي"
لم تتراجع وهي تحتد بنظراتها ونبرة صوتها وهي تقول "نعم كفيل بنفسك وأنت بذراع وساق مصابين ألا تكف عن كبرياءك هذا وتعترف بوضعك؟"
احتد هو الآخر وقال "لأعترف بفضلك وأدين لك بالشكر"
قالت بقوة "وبذلك نكون متعادلين كلانا سدد دينه"
ثم نهضت وقالت "سأحضر ثلج آخر لقد ذاب الموجود"
وتحركت إلى الخارج فقال "لا تعودي لقد تعادلنا"
توقفت عند الباب المفتوح وقالت "حسنا ستصبح مدين لي هذا أفضل بكثير"
وتركته وذهبت وبدلا من أن يزداد غضبا وجد نفسه يبتسم من عنادها وإصرارها على الاعتناء به، تسلل النوم إلى جفونه من أثر المسكنات فاستسلم له وما زال يرى عيونها التي تتحداه في قوة دون تراجع أو استسلام
لم يشعر بها عندما عادت ولا عندما ظلت ما تبقى من الليل بجواره إلى أن أطل نهار ضعيف ملبد بغيوم مثقلة بمياه تستأذن خالقها في الهطول ولكن وكأنما المطر قد وهن من ليل ممطر طويل فطلب الإذن بالراحة من خالقه فاستجاب رب العباد
فركت عيونها كي لا يغلبها النوم وحمدت الله أنه أجازة أي لن تضطر لأن تأخذ جواد إلى المدرسة بعد تلك الليلة الطويلة
تركته ونزلت لإعداد الإفطار وتناوله جواد بعد أن عرف بما حدث ثم أرسلت معه طعام العمة وما أن تأخر الوقت قليلا حتى خرجت لتتفقد العِجل والطيور ورغم خوفها الشديد إلا أنها فعلت ورأت الدمار الذي أصاب المكان 
فزعت عندما سمعت صوت يصرخ "يا نهار أسود، ماذا حدث للمكان وأين فراس بيه؟"
تنهدت وهي تهدأ نفسها وقالت "سقط السقف عليه فأصيب وهو الآن نائم هيا علينا بمحاولة انقاذ المكان من أجل العِجل لن يبقى هكذا بالمطر، ماذا تفعلون بمثل تلك المواقف؟"
نظر إليها بدهشة وكأنه لا يصدق ثم قال "علينا من؟"
أجابت وهي تتحرك إلى المكان "علينا تعني أنا وأنت هيا"
لم تشعر بالوقت ولا بالتعب وهي تعمل مع عوض ولكنها اعترفت أنه عمل صعب بل وصعب جدا رغم أن عوض بالطبع فعل النصيب الأكبر ولكنها ساعدت بكل طاقتها وقدراتها ونظفت المكان وأعادا تثبيت السقف بصعوبة خاصة بعد عودة الأمطار ولكن بدون رياح
على بعد الظهيرة كان عوض يجر العِجل إلى الداخل ويربطه بمكانه وهي تضع له الطعام من بعيد ووقفت تمسح وجهها بساعدها فابتسم عوض وقال 
“أشهد بمجهودك الكبير يا آنسة، لولاك لما فعلت كل ذلك وكنت سأنتظر شفاء فراس بيه بالتأكيد"






ابتسمت وقالت بتعب واضح "أنت أيضا بذلت مجهود رائع هيا تعالى للداخل لتناول الغداء" 
تراجع وقال "لا يا آنسة، لا يمكنني أن أفعل إنه بيت الهلالي" 
حدقت به ولم تجادل ولكنها قالت "حسنا انتظرني بالخارج وسأحضر لك الطعام" 
لم يعترض وهي نفذت وابتسمت وهي ترى نظرات السعادة بعيون الرجل خاصة وأنها وضعت طعام كثير وعلبته بشكل يطيب القلب فما للناس فهو للناس لا قيمة له، أما ما لله فهو للأجر والثواب وإرضاء المولى عز وجل
عادت مسرعة وألقت نظرة عليه ولكنه لم يستيقظ، أسرعت لتغتسل وتغير ملابسها وساعدها جواد بالمطبخ لتعود إليه وتضع الكمادات وما أن وضعتها حتى انتفض ولكن الانتفاضة جعلته يتألم من كتفه وجرحه 
تراجعت بضيق من أجله وقد أغلق عيونه من الألم حتى خف قليلا ففتحها والتقى بنفس العيون التي قالت صاحبتها "عليك التعود على التعامل برفق مع جراحك فأنت لست بالأرض لتحرثها وإنما بالفراش من أجل راحة بدنك وجراحك"
تلقى كلماتها اللاذعة ببرود وقال "هل أتى عوض؟"
هزت رأسها وهي تقرب الطعام منه وتقول "نعم ولقد أعاد تصليح المكان وأعاد العِجل للداخل"
بحث عن سجائره ففهمت وقالت "ليست بالجوار تناول الطعام أولا ثم سأبحث لك عنها"
تعصب وقال "رحيق لا أحب ذلك أين السجائر؟"
قالت دون أن تنظر إليه "تبللت بالماء بعد ما حدث أمس"
تراجع وقال "هناك غيرها آتيني بها الآن"
قربت الطعام وقالت "ليس قبل الطعام"
تملكه الغضب وحرك ذراعه كي يطيح بالصينية وهو يقول "اللعنة على.. "
وقطع كلامه تألمه من كتفه الذي أعاده إلى جواره وهبت هي قائلة "أنا آسفة لم أقصد إيلامك، هل أنت بخير؟"
ظل لحظة صامتا إلى أن هدأ الألم فلم ينظر إليها وقال "أين السجائر؟"
عاد إليها العند وقالت "ليس قبل أن تتناول طعامك وتأخذ علاجك"
حدق بها بقوة وقال "بالتأكيد سأتخلص منك بمجرد أن أهجر هذا الفراش"
وضعت الصينية أمامه وجلست بجواره على طرف الفراش وقالت دون أن تنظر إليه "وهل يمكنك تحمل الحياة بدون أحد يثير غضبك كل لحظة مثلما أفعل؟"
قال بدون تردد "سأكون أسعد إنسان بالدنيا"
تسربت الدماء من وجهها حتى بدت شاحبة وأبعدت عيونها عنه وعادت إلى الطعام وقالت "وحتى يحدث ذلك ستلتزم الآن بما أريد ووقتما تنهض سيسعدني تلبية رغبتك"
أدرك أن كلماته كانت قاسية ولكنه لم يبدي اهتمامه وهي تضع الطعام أمامه وقالت "هل ترغب بمساعدتي أم أنك الرجل الخارق وستفعل بمفردك"
قال بضيق "وكأنك تقولين بالسم المميت"
لم تنظر إليه وهي تبدأ بإطعامه فلم يعترض على مساعدتها فالألم كان يسري بجسده كله وذراعه تمتنع عن الحركة إلا بألم مميت..
انتهت وساعدته في الذهاب إلى باب الحمام ورتبت له غرفته وفراشه ثم أعادته إليه واستلقى بصعوبة فقال "لم أعتد على ذلك ألا توجد مسكنات أو مضادات أخرى؟ أريد أن أتابع أعمالي"
ألقت الغطاء عليه وقالت "لن تتعطل أعمالك من يومين راحة أنت مضطر إليهم"
قال وهو يشعل سيجارة "لست مضطر لشيء"
قالت وهي تتحرك للخارج "إذن هيا يمكنك الذهاب لن يمنعك أحد"
وتركته وذهبت فتعصب منها وهتف بعد أن خرجت "اللعنة عليك يا امرأة، من أين ألقتك السماء علي؟"







أنهت غداء العمة التي ذهبت للاطمئنان عليه فدخلت وقد كاد يذهب بالنوم ولكنه أفاق لرؤيتها وهي تدخل وتجلس أمامه وقالت
“تبدو متعبا حقا هذه المرة"
قال "تعلمين أني لا استسلم بسهولة"
ابتسمت وقالت "لهذا اندهشت عندما أخبرتني تلك الفتاة أنك بالفراش ولم تهب للعمل"
قال بغضب وهو ينفخ الدخان "اللعنة عليها امرأة لا تذكريها أمامي"
ابتسمت العمة وقالت "تبدو غاضبا منها فماذا حدث؟"
قال "إنها تستمتع بإغضابي وعصيان أوامري وكأنها لا تعمل عندي"
انتبهت العمة وقالت "تعمل عندك!؟"
انتبه لنفسه وقال "أقصد ضيفة عندي ومن المفترض أن تحترم أن لي أنا الكلمة الأولى والأخيرة"
تجاوزت المرأة وقالت "أنت اعتدت على الطاعة من كل من حولك وذلك لأنك رئيسهم أما هي فليست ملزمة بذلك، ولكن.. يمكنك أن تطلب منها البحث عن مكان آخر بالنهاية هي لن تقيم هنا للأبد"
حدق بعمته وهلة وقد أعادته إلى نقطة هامة لم يفكر بها، هل حقا سترحل تلك الفتاة بيوم ما؟ وإذا قررت أن تفعل ألن يعترض وسيسعد بذلك كما أخبرها؟
أعادته عمته إلى الواقع وهي تقول "فراس لماذا لا ترد؟ أم أنك تريد بقائها؟"
كانت عيون عمته تحمل نظرات غير صافية وتنتظر منه رد بأي شكل لذا استعاد نفسه وقال "ماذا تظنين أنت؟ هل تستحق البقاء أم أطلب منها الرحيل؟"
ابتسمت العمة بخبث وقالت "بصراحة الفتاة تقتل نفسها بالبيت وبخدمتنا جميعا ولا تنسى ابنك جواد إنه تعلق بها بشكل لا يمكن تصوره وربما وجد بها الأم التي لم يعرفها وأنا لن أبخسها حقها فهي لا تنسى أي شيء يخصني، لكن إذا تعارض كل ذلك معك يمكنك التصرف كما يحلو لك طبعا"
هز رأسه ولم يرد فعادت تقول "ألم تتزوج تلك الفتاة من قبل؟"
كان يعلم أن عمته تجره بالحديث فقال بخبث "وبماذا يعنيني أنا ذلك؟ حياتها لا تخصني"
ابتسمت بخبث ونهضت لتذهب ثم توقفت عند الباب وقالت "هي جميلة، قوية، شجاعة ونشيطة، تتحمل ظروفنا القاسية بدون أي اعتراض وتلك الصفات لا تتوافر بفتيات هذه الأيام"
وتركته وخرجت وقد أدرك ما تعنيه العمة من وراء كلماتها وكأنما تلقي الضوء على أشياء كانت موجودة ولكن يكسوها الظلام
باليوم التالي كانت قد نامت جيدا واستعادت نشاطها وحضر عوض بالصباح الباكر كالعادة لإحضار اللبن والبيض والاطمئنان على فراس فطمأنته وطلبت منه مراعاة الأرض فأخبرها أنه يفعل دون طلب، منحته طعام كالعادة فسعد به وابتعد
تناول جواد إفطاره ثم تحرك معها إلى المدرسة ثم عادت إلى البيت ووجدت العمة تطعم نفسها دون اعتراض وقالت "أنا بصحة جيدة لا تقلقي"
ثم أشارت إلى الأعلى وقالت بنظرات خبيثة "هو الذي يحتاج إلى الرعاية ولكنه لا يحتاج إلى التسامح وإنما الصرامة والشدة"
حدقت بالمرأة وتوقفت عن إكمال ما تفعل وهي لا تفهم كلماتها فعادت العمة تقول "هل ترغبين في الرحيل؟"
تفاجأت من السؤال وقالت "الرحيل؟ لماذا تسألين؟"
قالت "مجرد سؤال لأن ما يحتاجه هذا البيت يحتاج لمجهود يفوق قدرتك فإلى متى ستتحملين قبل أن ترحلي؟"
عادت إلى الطعام وقالت "عندما تنتهي طاقتي أكيد سأرحل"
ثم التفتت إليها وقالت "أو عندما يقرر ابن أخيك أن لا داع لوجودي هنا، فأظن أن وجودي ينغص عليه حياته"
ابتسمت العمة بخبث مرة أخرى وقالت "ربما، وإلى ذلك الحين عليك بتمريضه رغم أنفه أليس كذلك؟"






قالت بقوة "ليس ابن أخيك من يمكن إجباره على شيء"
سمعته يقول بنفس القوة "لأول مرة تجيدي الحديث يا آنسة"
تسمرت مكانها وهي تراه بملابس الخروج فحدقت به ولكنه تحرك بصعوبة من جرح ساقه بينما قالت العمة بدهشة "ماذا تفعل بنفسك يا ابن أخي؟ إصاباتك بالغة وبحاجة للراحة"
التقط بعض الطعام من أمام العمة وقال "لدي بعض الأمور الهامة بالمدينة ولابد أن أذهب"
رددت كالببغاء "المدينة؟ هل تعني أنك ستقود بقدمك وكتفك المصابين إلى المدينة وتعود"
لم ينظر إليها وقال "ربما لا أعود الليلة"
ثم رفع نظره إليها وقال "يمكنك تدبر الأمر بغيابي أليس كذلك؟"
لم ترد ونظراتها كلها قلق وعدم رضاء وهي تتبعه يخرج وهو لا يدرك كم القلق الذي يتملكها عليه ولكنه لن يبقى بالمنزل كالنساء ثم أن تليفون المحامي أيقظه ودفعه إلى الذهاب وهو يخبره أن أخته تريد بيع الأرض الخاصة بها مما جعله ينتفض للذهاب 
أعادت جواد من المدرسة وقد تحسن الجو وتحركت لشراء بعض الأشياء من السوق معه وهناك التقت بتلك الفتاة زينب مرة أخرى ووجدتها تقف أمامها وتتأملها وتقول 
“ألا أهل لكِ؟"
نفخت رحيق بضيق وقالت "وما دخلك أنت بذلك؟"
لم تتبدل ملامح الفتاة وقالت "دخلي ودخل البلد كلها أنت امرأة تقيم ببيت رجل فكيف نقبل ذلك؟"
نظرت إليها بقوة وقالت "لا تقبلي وادفعي رأسك بالحائط فالأمر لا يخصك"
وتحركت مع جواد ولكن زينب أوقفتها من ذراعها بقوة وصرخت بها  "أنت وقحة وطويلة اللسان وأنا سأعلمك الأدب"
ورفعت يدها لتجذبها من شعرها ولكن رحيق استوعبت الأمر وصدت يد زينب وهي تقول "ابتعدي عني ماذا تريدين مني؟"
ولكن زينب لم تفعل وحاولت مرة أخرى أن تجذب شعر رحيق ولكن الأخيرة دفعت يديها بصدر الفتاة ودفعتها بقوة لترتد إلى الخلف وتكاد تسقط لولا أنها اصطدمت بالمارة فاسندوها ووقفت رحيق تحدق بها ووقف جواد أمامها وقال بقوة 
“كفى زينب وابتعدي عن طريقنا إنها خطيبة بابا وستكون زوجته"
تفاجأت رحيق من إجابة الطفل بينما ثار غضب زينب أكثر وصرخت به "اخرس أيها الولد الذي لا نعرف أصلك من فصلك ببيتكم هذا الذي لا يحوي إلا الفاسقات أمثال تلك الفتاة التي لا شرف لها"
وهنا تأجج الغضب بداخل رحيق وأبعدت جواد من أمامها وتحركت بسرعة إلى زينب وجذبتها من رأسها قبل أن تستوعب زينب ما فعلت ولطمتها على وجهها بقوة وهي تقول 
"أمثالك لا يتحدثون عن الشرف لأنهم لا يعرفونه وأنا سأعلمك إياه"






ورغم أن الفتاة حاولت الدفاع عن نفسها إلا أن غضب رحيق منحها قوة لم تعرف من أين أتتها وقد أوقعت الفتاة على الأرض وتدحرجت كلاهما عدة مرات قبل أن تتمكن رحيق منها وأصبحت فوقها وأخذت تضربها بوجهها بقوة إلى أن شعرت بأيادي تجذبها إلى الأعلى بقوة بعيدا عنها وهي تقاومهم رغم التصاق جواد بها 
سمعت صوت رجولي يقول بصوت مرتفع "اهدي يا فتاة اهدي"
كانت تنظر إلى زينب بقوة قبل أن تصرخ "اتركوني لأعلمها من هي الفاسقة التي ترمي الناس بالباطل"
ساعد الناس زينب على النهوض وقد تورم وجهها وتقدم العمدة من بين جموع الناس حتى وصل إليهم ونظر إلى الفتاتين بغضب وبخاصة ابنته التى أصيب وجهها وقال 
“والآن أريد ان أعرف ماذا حدث؟"
تحدثت الفتاتان بنفس الوقت ولكنه صرخ بهما ليتوقفا ثم قال "ألم يتواجد من شاهد ما حدث من البداية؟" 
تقدم رجلان وقالا "أنا شاهدت" 
وأجاب الآخر بالمثل فاستمع لهما العمدة ثم التفت إلى رحيق وقال "ماذا تريدين يا آنسة الآن؟ لقد أصبت ابنتي بشدة" 
قالت بغضب "وهي ترمي الناس بالباطل من فضلك اجعلها تبتعد عن طريقي ولا دخل لها بي" 
نظر لابنته بغضب ثم عاد وقال "حسنا أعدك أن أفعل والآن هيا لينفض الجميع لقد انتهى الأمر" 
انفض الناس إلا من رجال العمدة الذي التفت إلى ابنته المنهكة وقال "أخبرتك أن تبتعدي عن طريقه إنه لا يفكر بك" 
لم تسمع رحيق عبارته وإنما التفت الرجل إليها وقال "لقد انتهينا يا آنسة وأعدك أن الأمر لن يتكرر مرة أخرى، ولكن أين فراس بيه؟"
نظرت إليه وهي تعدل من مظهرها وقالت "بالمدينة عن إذنك"
كانت قد أحاطت جواد بذراعيها وقادته خارج السوق وأنظار الجميع تتبعهم..
**** 
وصل إلى فيلا أخته بعد أن أخبرها بحضوره فاستقبلته بفزع عندما رأت ذراعه المعلق وخطواته الغير طبيعية وقالت 
“فراس ماذا حدث لك هل أصبت بحادث؟"
جلس ببطء وقال "سقف الإسطبل سقط عليّ أول أمس بسبب العاصفة السابقة، كيف حالك؟"
جلست أمامه وقالت "بخير، وكيف حال عمتي؟ سمعت أن هناك فتاة تقوم بخدمتها وربما بخدمة الجميع"
أشعل السيجارة واختفت ملامحه خلف الدخان وقال "ابنة سهير تلك المرأة التي كانت تقيم مع أمك وماتت منذ سنوات كثيرة، عادت تبحث عن أحد من أهلها ولم تجد سوانا وبالطبع لم أتركها حتى تجد مكان آخر"
عيون فايزة كانت تماثل عيونه ولكن رمادية وملامح وجهها جميلة ورقيقة أحبت مهاب رغم أنه لا يستحق وهي تعلم ولكن للقلوب أحكام 






ابتسمت وقالت "مهاب يقول أنها جميلة وذكية وربما.."
لم تكمل فتساءل "ربما ماذا؟"
أبعدت وجهها قليلا ثم قالت "بالتأكيد سيكون أمر رائع لو قررت الاستقرار بعد كل تلك السنوات من الوحدة يا فراس"
أبعد وجهه وقال "فايزة أنا أتيت من أجل الأرض لا من أجل زواجي، لماذا تريدين بيع الأرض وأنت تعلمين أن أملاك الهلالي لن تخرج لأحد؟"
هزت رأسها وقالت "نعم أعرف لذا كلمت المحامي ربما خشيت أن أخبرك بنفسي"
أطفأ السيجارة ونظر إليها وقال "لماذا تريدين البيع؟"
نهضت وتحركت مبتعدة وامرأة قصيرة تضع القهوة أمام فراس الذي انتظر إجابة أخته التي قالت "أحتاج النقود فراس، ميادة ثانوية عامة وتحتاج إلى مصروفات كثيرة من أجل الدروس"
نهض رغم ألم ساقه وقال "وأين مهاب؟ أليس والدها وهو ملزم بها؟"
فركت يداها بتوتر وقالت "أنت تعلم علاقتي بمهاب وهو دائم الشكوى من قلة المال و.."
قاطعها بحزم "فايزة أنا أعلم ما يريده مهاب إنه يريد الأرض بأي شكل لقد حاول معي كثيرا وآخر مرة كانت منذ عدة أيام وقد ظن أني سأبيع أرض الهلالي لمجرد الأموال ولم يتذكر أني بعت كل ما أملك من أجلها، فكيف يريدك أن تبيعي الآن؟ أو ربما يريدك أن تبيعي له؟ اسمعي يا فايزة أنا لا أعرف كيف تسمحين له بأن يستغلك بهذا الشكل ويأخذ أموالك ولكن إلا الأرض هل تفهمين؟"
سمع صوت مهاب يدخل من باب الفيلا وهو يقول "لم أصدق عندما رأيت سيارتك، لم تأتي هنا منذ سنوات"
وصل مهاب إليه ووقف أمامه ثم انتبه لإصابته فأكمل "يا الله ماذا أصابك يا رجل؟"
قال بهدوء "حادث بسيط لا تشغل بالك"
تراجع مهاب وقال "ويا ترى ما سبب الزيارة العزيزة؟"
هبت فايزة تقول "مهاب كف عن كلامك هذا"
لم يبعد نظراته عن فراس وقال "أي كلام؟ أنا فقط أتعجب لأنه لم يفعلها منذ سنوات كثيرة فبالتأكيد هناك سبب ما لوجوده هنا فمن منكم سيخبرني به"
نظر فراس إلى أخته وانتظر حتى تتحدث ولكنها أخفضت وجهها وتحولت نظرات مهاب فيم بينهما فقال "هل أخمن أنا؟ الأرض؟"
عندما لم يرد كلاهما قال بصوت مرتفع "نعم بالتأكيد، اتصلتِ به وأخبرته بأنكِ تريدين بيع الأرض أليس كذلك؟ ولكني لن أجعلها تبيع لك يا فراس لن تكون لك"
التفت فراس إليه بقوة وقال "ليس من حقك أن تقرر فالأرص ليست لك ولن تبيع لك أو لسواك ولو فعلت سأقاضيك بحق الشفاعة لأن أنا الأولى بها من سواي"
حدق مهاب به وانزوت فايزة بخوف على أحد المقاعد حتى قال مهاب "إذن كم ستدفع؟" 
لم يتراجع فراس وقال "ما سيحكم به المحامي فهو يعلم أسعار الأرض جيدا"
قال مهاب بغضب "لا سأحدد أنا السعر الذي أريده طالما أنك لن تسمح لي بالبيع لسواك"
اقترب فراس منه وقال بتحذير واضح "بل أنت الذي ستفعل ما أقول وإلا لن أشتري ولن يشتري أحد هل تفهم؟“
صمت لاح على الجميع وأخيرا تحرك مهاب وجلس دون أن يتحدث بينما لمعت دموع بعيون فايزة وهي تنظر لأخيها بحزن فأدرك أن ذلك الكلب هو الذي يجبرها على كل ذلك وقد كان يفعل بها أكثر من ذلك خاصة الخيانة 
نطق مهاب وقال "حسنا فراس متى يمكننا إتمام البيع؟ هذا إذا كان لديك أموال أصلا للشراء" 






ضاقت عيون فراس وهو يعلم أن ظروفه المادية صعبة ولكنه لن يترك الأرض مهما حدث، قال بهدوء "غدا نتفق عند المحامي الخاص بي ولا تقلق على المال يمكنني تدبر أموري جيدا" 
قال مهاب "أعلم، دائما ما كنت تفعل رغم أنف الجميع، وأولهم والدك" 
لم يرد وهو يتحرك إلى الخارج دون أن يبدي غضبه أو تلك الأفكار التي تعتم رأسه فأبواب المال مغلقة أمامه وليس من السهل إيجاد باب بالوقت الحالي ومع ذلك لن يترك الأرض مهما كلفه ذلك
عاد إلى سيارته عندما رن هاتفه برقم العمدة فأجاب "أهلا يا عمدة خير" 
أجاب الرجل "أهلا فراس بيه، ترى هل أنت بالبيت؟" 
اندهش فراس وقال "لا، أنا لست بالبلد، ماذا هناك؟" 
قال العمدة "كنت أريدك بموضوع هام فمتى يمكننا أن نتقابل؟" 
قاد السيارة وسط الزحام وقال "لا أعلم،  ولكن بمجرد أن أعود سأهاتفك ونحدد موعد للقاء، ولكن ألا تخبرني بالأمر الآن؟" 






أجاب الرجل "لا، الأمر يمكنه الانتظار حتى عودتك" 
لا يعلم لماذا شعر أن الأمر يتعلق برحيق وربما زينب التي تطارده بشكل يصعب تصوره، أمسك هاتفه واتصل بها، مضت لحظات قبل أن تجيب فقال 
“كيف الأحوال عندكم؟" 
صمتت لحظة قبل أن تقول "بخير، وأنت وجراحك؟" 
قال "بخير هل أعدت جواد من المدرسة؟" 
كانت تغير ملابسها التي تمزقت من المشاجرة وتلك الكدمة أسفل عيونها ولكنها قالت "نعم" 
ضاقت عيونه من إجابتها المختصرة مما زاده قلق فقال "هل حدث شيء اليوم؟" 
جلست على طرف الفراش وشعرت بالقلق من أسئلته فقالت "شيء؟ أي شيء؟" 
تابع الطريق وقال "أي شيء غير طبيعي" 
قررت ألا تبلغه بالهاتف كي لا يقلق وربما يظن أنها أضعف من أن تدير أمورها بنفسها، كما وأن تلميحات زينب يمكن أن تثير غضبه وهي لن تكون سببا بذلك، سمعته يعيدها إليه فقالت
“لا،  لم يحدث شيء، لا تقلق" 
صمت لحظة ثم قال "حسنا لا أريد مشاكل بغيابي رحيق، تعلمين أنكم بمفردكم" 
رفعت رأسها وقالت "تعلم أني كفيلة بالأمر"
قال بضيق "أعلم أنك مجنونة ومتهورة وبلسان سليط يثير غضبي"
غضبت وقالت "إذن لماذا تتركنا وحدنا إذا كنت تلك المجنونة؟ أو كما قلت يمكنك التخلص مني فأنت شفيت وأصبحت بخير فهل تريدني أن أذهب؟"
نفخ وضرب يده على المقود وقال "ألا تجيدين شيء غير جدالي وإثارة غضبي يا امرأة؟ يمكنك الرحيل إذا شأتِ لا تهددني امرأة هل تفهمين؟"
ثم أغلق الهاتف وقذفه على المقعد بجواره وهو يسب ويلعن اليوم الذي قابلها فيه، ولكنه سرعان ما شعر بالندم لاندفاعه فلم يكن من الصواب أن يطردها الآن وعمته وجواد وحدهم وهي من العناد والغرور ما يجعلها ترحل وتتركهم لتنتقم منه ولكن للأسف لن يمكنه التراجع ولن يطلب منها البقاء فإن شاءت رحلت وإن شاءت بقت فهو لن يطلب منها البقاء..
نظرت إلى الهاتف بعد أن انقطع الاتصال وأدركت أنه أغلق 




بوجهها، دمعت عيونها من كلماته وشعرت بالإهانة وأدركت أن ذلك الرجل لن ينالها منه إلا الألم والحزن لذا لا مكان لها هنا، لقد تحملت إلى


 أقصى ما يمكنها وكل ما عليها الآن أن ترحل نعم ستفعل ونهضت بغضب وجذبت حقيبتها
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-