أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل السادس6بقلم داليا السيد


 رواية رحيق الهلالي 
الفصل السادس6
بقلم داليا السيد

جواد
دق بابها بعد أن حزمت حقيبتها ففزعت عندما دق مرة أخرى وكأنها عادت إلى الواقع 


المحيط، دق مرة ثالثة فاعتدلت ومسحت دموعها وأذنت لترى جواد ينفذ من خلف الباب ويقول 



“رحيق أليس هناك غداء؟ أنا جائع"
للحظة تناست حزنها وقرارها وتذكرت ذلك الصبي الذي فات موعد غداؤه ووقفت دون حراك تتأمله ولكنه


 لمح حقيبتها فحدق بها قبل أن يتحرك تجاه الفراش دون أن يبعد عيونه عن الحقيبة ثم توقف أمامها وهي تتابعه بعيون متسائلة عن رد فعله



رفع عيونه إليها ثم قال "ما هذا رحيق؟ لماذا تحزمين حقيبتك؟"
ابتلعت ريقها بصعوبة ونست ما كان من غضبها ولم تعرف بماذا تجيب ولكن جواد عاد يقول "رحيق لماذا لا تجيبين؟ رحيق هل تريدين أجازة وزيارة أقاربك؟ نعم بالتأكيد فأنت لم تفعلي منذ أتيت أليس كذلك؟ مجرد أجازة وستعودين ولن تتركيني وحدي مرة أخرى، لن أعود وحدي رحيق بدون أحد يهتم بي"
لم ترد وهي تستوعب كلمات الطفل الذي أكمل "فراس لا يريدك أليس كذلك؟ هو الذي يدفعك للرحيل، نعم وتلك الفتاة زينب ولكنك لن تفعلي رحيق، لن تذهبي أليس كذلك؟ لن تذهبي"
لم تقو على التحمل وسقطت على ركبتيها أمامه والدموع تزين وجنتيها وقالت بألم "كفى جواد كفى"
ولكن الطفل قال "هل غضبتِ مني لأني أخبرت زينب أنك خطيبة فراس ويمكنك الزواج منه؟ إذن أنا آسف ولكن لا تفعلي ذلك لا ترحلي أنا ظننت أن الزوجة لا تترك زوجها لذا أخبرت زينب بذلك كي لا تتركيني"
زادت دموعها وقالت مرة أخرى "كفى جواد كفى، توقف لا يمكنني أن أتحمل كلامك هذا"
كانت دموع الصبي توازيها وهو ينظر إليها ويقول "سأكف إن لم ترحلي"
قالت بألم "لم يعد وجودي صحيح، جواد أنت لن تفهم ولكن أنا لابد أن أذهب، هناك الكثير من الأمور لا أعرف كيف أشرحها لك ولكن.."
صرخ الصبي بها بقوة وحزن "كذب، كلكم كاذبون، لأن لا أحد يحبني لم أجد يوما أحد يحبني، أنا أكرهكم جميعا، أكرهكم"
ثم انطلق خارج الغرفة ولكنها استوعبت الأمر ونهضت خلفه خاصة وأنه لم يتجه إلى غرفته وإنما أسرع إلى الأسفل وسمعت باب البيت فأسرعت خلفه وهي لا تدري إلى أين ذهب ولكن تلك الغيوم التي ملأت السماء وأنذرت بأمطار واشتدت الريح مما جعلها تشعر بالخوف من أجل ذلك الطفل الذي لا حول له ولا قوة 
****






عندما نزل من مكتب المحامي كان النهار قد أوشك على الذهاب، ركب سيارته وقاد وهو يتذكر لقائه معه وقد حل له المحامي أزمته المالية بقرض من البنك بضمان الأرض وارتاح لهذا الحل على أمل أن المحصول هذا العام يغطي الأقساط 
رن هاتفه برقم أمه فنفخ قبل أن يجيب "أهلا ماما كيف حالك؟"
قالت الأم "بخير وأنت؟"
قال "بخير"
قالت "علمت أنك هنا بالمدينة بالتأكيد لن تذهب دون أن أراك"
أغمض عيونه بضيق ثم فتحها وقال "ماما أنا مشغول حقا و"
قاطعته بحزم "لن يشغلك شيء عني فراس، تعالى أنا أنتظرك ستبقى معي الليلة واطمأن عزت بالقاهرة ولن يعود الليلة"
صمت قليلا قبل أن يقول "حسنا"
أغلق الهاتف وشعر بجراحه تؤلمه ولكنه لم يهتم فالألم لا مكان له الآن وعليه أن يكمل ما بدأه..
****
أسرعت خلف جواد بكل سرعتها وهي تلمح ملابسه وقد انشقت السماء بلون البرق وغيم النهار حتى كاد يصبح ليلا وارتعد جسدها عندما ارتجت السماء بصوت الرعد وتساقط المطر فجأة بقوة ومع ذلك لم تتراجع وهي ترى الطفل يسرع على الطريق الترابي بجوار الترعة عندما أصبح الطين يملأ الأرض من كل مكان
نادته بكل قوتها "جواد، عد يا جواد، أنا لن أرحل، جواد عد"
ولكن الصبي ظل يركض بقوة دون أن يسمعها وهي تركض خلفه وفجأة مرت سيارة من جوارها فتملكها الفزع والسيارة تسير وكأن قائدها يفقد الرؤية وتخيلت ما حدث قبل أن يحدث عندما رأت جسد جواد يطير على جانب الطريق ثم يتدحرج على المنحدر ليسقط بالترعة ولم تقف السيارة بينما صرخت هي باسم الصبي بقوة وهي تضع يدها على فمها من الفزع والخوف وما لبثت أن استوعبت الأمر وأسرعت بكل قوتها حيث تدحرج جواد وبدأت تنزل المنحدر وقدمها تغوص بالطين والمطر يتساقط بغزارة ولم تتردد لحظة وهي ترى يد جواد وهي تنزل بالماء لتختفي فألقت نفسها بالمياه خلفه
****
“أهلا حبيبي اشتقت إليك"
انحنى ليقبل أمه التي عانقته بقوة وقالت "ما زلت تنحني من أجلي، كيف حالك وحال جواد؟"
لم يعلق وهو يتأملها بعد أن ابتعدت ورآها كما هي فقط بعض التجاعيد البسيطة التي أخفتها مساحيق التجميل فطالما كانت تحب أن تبدو جميلة وصغيرة وانطلقت إلى حياة المدينة بمجرد وفاة زوجها للتزوج من عزت الذي وفر لها تلك الحياة 
وضعت يدها على وجهه بحنان وعيونها الرمادية التي تشبه فايزة تتأمل ملامحه ثم قالت "ماذا فعلت بنفسك حبيبي؟ لم تكن الأرض والفلاحة حلمك ولا مهنتك؟"
ابتعد وهو يبعد يدها وقال والتعب يبدو على ملامحه "ولكنه أصبح حلمي الآن"
تحرك ببطء وهي تتبعه إلى المقاعد الوثيرة بشقتها الفاخرة وجلس ببطء من ألم ساقه فجلست أمامه وقالت "أخبرتني فايزة بما حدث لك، كيف حال جراحك؟"
أنزل ذراعه من على الحامل بألم وقال "بخير، هل رحل عزت وتركك وحدك؟"
ابتسمت وقالت "إنه بالقاهرة يحضر مؤتمر رجال الأعمال السنوي، لم أرغب بالذهاب معه فقد شعرت بالتعب وأنا سعيدة أني لم أفعل كي أراك"
مرر يده بشعره وقال "كنت ستفعلين بنهاية الشهر، العيد اقترب أم نسيت؟"
ابتسمت وقالت "بالطبع لا كلنا سنأتي أنت تعلم أنه التجمع السنوي لنا جميعا، فايزة أخبرتني بشأن الأرض ماذا ستفعل؟"
أسند رأسه على مؤخرة المقعد وأغمض عيونه وقال "اطمأني يمكنني التعامل مع الأمر الأرض لن تكون إلا للهلالي"
نهضت وركعت بجواره على الأرض وأمسكت يده السليمة وقالت "إذن اسمعني، فراس هذه المرة لابد أن تسمعني وتنفذ ما سأقول"
نظر إليها وقال وهو يفهم ما ستقول "ماما من فضلك لا داعي لكلمات نحن نعلم نهايتها" 
ولكنها شدت على يده وقالت "نعم ولكن هذه المرة لابد أن تسمع، تلك الأموال هي ميراثي من والدك رحمه الله لم أمسها والله هي أموال والدك وأنت أحق بها من عزت خذها أرجوك خذها واشتري نصيب فايزة" 
اقترب منها وجذبها إلى الأعلى بيده السليمة وقال "أمي إنها أموالك ولا يمكنني أن أفعل أنا تدبرت الأمر فلا داع لكل ذلك" 
أحاطت وجهه براحتيها وقالت بحنان "لا حبيبي أنها أموالك حقك الذي حرمك منه والدك، لذا أنا حولتها اليوم باسمك في البنك بكل فوائدها هي لك ولن استردها هل تفهم"
كان يعلم أن أمه دائما ما كانت تؤنب نفسها على كل ما كان منذ أن حرمه والده من الميراث وحتى تركها لهم لذا كانت تحاول أن تعوضه بأي شكل حتى ولو كان بالمال. 
وضع يده على يدها وقال "ولكن"
قاطعته بحزم "ليس هناك لكن، أعلم أنني لم أكن الأم الصالحة لك ولا لأخوتك ولكن ربما أحاول الآن إصلاح بعض الأمور فقد ضاع فهد وانتهت فايزة مع مهاب بما يفعله بها ولكن ما زال هناك أنت، أنت الأمل الوحيد بأن تكون لك حياة أفضل وتحافظ على الأرض لك ولأولادك من بعدك، لذا دعني أساعدك من فضلك فراس لا تحرمني من ذلك"
كانت الدموع تملأ عيونها فشعر بحنين يجرفه إلى الأمومة التي لم ينالها فهز رأسه دون أن يرد فابتسمت الأم ومسحت دموعها وقالت 
“والآن هيا لتناول العشاء ثم تذهب لترتاح فأنت تبدو متعب جدا"
****
ألقت رحيق نفسها بالمياه وهي تسبح تجاه جواد بجنون ثم غطست عدة مرات حتى رأت جسده يغرق فأسرعت تسبح إليه حتى أمسكت ذراعه وجذبته بقوة إلى الأعلى وهي تسبح به لأعلى 
وبصعوبة جذبته إلى المنحدر وهي لا تجد شخص واحد يمكن أن يساعدها بذلك الجو الممطر والبارد، قامت بسرعة بحركات إنعاش للقلب كما تراها بالأفلام وقبلة الحياة، مرة وراء الأخرى حتى خرجت المياه من فم الطفل ولكنه لم يستعيد وعيه وسرعان ما رأت الدماء تسيل من خلف رأسه فحملته تحت الأمطار وبصعوبة تسلقت المنحدر حتى وصلت إلى





 الطريق وركضت بقدر قوتها كي تصل للطريق العام وهي تبحث عن أي سيارة أو أي شخص إلى أن أنهكها ثقل الطفل والمطر وكادت تنهار عندما سمعت صوت سيارة تأتي من خلفها فتوقفت ووضعت جواد على الأرض ثم أسرعت لتتوقف بمنتصف الطريق وهي تقفز وترفع ذراعيها لتشير للسائق بعربته النصف نقل والذي توقف على مقربة منها فأسرعت تحمل جواد والسائق ينزل إليها وهو يصرخ
“أنتِ مجنونة؟ كدت أصدمك"
صرخت به "أرجوك خذنا إلى أقرب مشفى، بسرعة أرجوك"
نظر السائق إلى الطفل وهتف "إنه جواد ابن فراس بيه يا إلهي ماذا أصابه؟"
قالت ببكاء واضح "صدمته سيارة ألقت به بالترعة وأنا أخرجته أرجوك بسرعة إنه ينزف"
فتح لها الباب فجلست وهي تحتضن الطفل بين ذراعيها بخوف وهي تدعو الله ألا يصيبه مكروه فما زال طفل صغير لم يرى من الدنيا شيء
ارتجفت من البرد بملابسها المبللة عندما نزلت من السيارة وقد حمل السائق جواد وأسرع به إلى المشفى وهي تتبعه وتلقاه التمريض بالمشفى الحكومي وأسرع الجميع خلفه إلى الاستقبال والطوارئ وهي تقف بالخارج تحاول أن تعرف أي شيء ولكن اختفى الجميع خلف الطفل بعد أن عرف منها الطبيب الحالة
سرعان ما تبعها السائق وقال "أين فراس بيه؟"
انتبهت لذكره فنظرت إليه وهي بحالة يرثى لها من شعرها المشعث بالماء والطين كما هي ملابسها التي اتسخت بالكامل ووجها الذي لطخه الطين ولكنها لم تعي كل ذلك وكأنها اعتادت عليه منذ أن أتت هنا، نظرت بعيونها الواسعة من بين الدموع إلى السائق وكأنه أعادها من عالم إلى عالم آخر 
أعاد سؤاله مرة أخرى بشكل آخر "يا آنسة من أنت؟ وأين فراس بيه؟ أم أنك لا تعرفين الطفل؟"
استوعبت نفسها وقالت "أعرفه أنا قريبته وأقيم معه بالبيت وفراس بالمدينة"
قال بقوة "إذن اتصلي به وأخبريه، إنه ابنه"
هزت رأسها لحظة ثم عادت ونظرت إلي الرجل وقالت "هاتفي بالبيت وليس معي أي شيء"
هز رأسه وقال "أخبريني رقمه وسأتصل به"
ما زالت عيونها تحدق بالرجل من بين دموعها وقالت "لا أعرف الرقم، بالبيت كل شيء بالبيت"
وارتجف جسدها من البرد فخلع الرجل جاكته ومنحه إياها فالتفت به وهي تشكره عندما خرج الطبيب وقال "الطفل فقد الكثير من الدماء وبحاجة إلى نقل دم"
نظرت إليه وقالت "وماذا؟ ألن تفعلوا شيء؟"
قال "ليس لدينا فصيلته و.."
قالت "التي هي ماذا؟"
قال "فصيلته.. وليست متوفرة"
قالت بأمل "أنا فصيلتي...، أي معطي عام يمكنك أن تأخذ مني أرجوك لا تنتظر، لابد من إنقاذ الطفل أرجوك"
نظر إليها وقال "سأرسل الممرضة كي تجري لك اللازم قبل نقل الدم هذا لو نفع الأمر"
****
اتصل بهاتف العمة ولكنها لم ترد فظن أنها نائمة فاتصل بهاتف جواد ولكنه كان مغلق وبالنهاية اضطر إلى الاتصال بها ولكنها لم تجيب، شعر بالغضب منها وهتف بغضب "اللعنة عليك امرأة فلتذهبي إلى الجحيم"
ثم استلقى بالفراش بعد أن وضع الهاتف على وضع الصمت وشعر بألم بذراعه وساقه وسرعان ما غلبه النوم ولم يشعر بالهاتف وهو يهتز بجواره 
****
سحبت الممرضة منها الكم الكافي من الدماء ثم منحتها عصير لتتناوله واستعادت نفسها وهي تشعر بدوار بسيط يهاجمها فجلست على طرف الفراش عندما دخل رجل بملابس الشرطة وقال ورجل آخر يتبعه بدفتر  
“مساء الخير يا آنسة، أنا الملازم ثان نور عبد السلام، عرفت أنكِ كنتِ موجودة وقت حادث الطفل، هل يمكن أن أعرف ما حدث؟"
هزت رأسها وهي تتأمله وهو شاب يافع بأواخر العشرينات بدى وسيما ببدلة الشرطة وعيونه السوداء المرسومة بجمال وبشرته البيضاء ولكن بداخلها اعترفت أن لا أحد بوسامة ذلك الرجل المغرور القاسي الذي تعمل عنده
حكت للضابط ما حدث وهو سمعها باهتمام والرجل الآخر يسجل كلامها وما أن توقفت عن الكلام حتى عادت دموعها فقال 
"أحتاج بطاقتك آنسة رحيق"







قالت بتعب واضح "بالبيت أخبرت حضرتك أني أسرعت خلف جواد دون أي شيء"
هز رأسه وقال "سنذهب سويا إلى البيت ربما تحتاجين لتغيير ملابسك وإحضار أوراقك"
نظرت إليه وقالت برجاء "ليس قبل أن اطمأن على جواد، من فضلك" 
حدق بها لحظة ثم قال "تمام سننتظر حتى نطمئن عليه، أو ربما أذهب أنا لعمته وأحصل منها على أوراقك" 
عاد الاثنان إلى الخارج حيث رأت الطبيب يخرج ويتجه إليهم فقالت بلهفة "من فضلك كيف حاله؟" 
قال "الحمد لله جرح رأسه كان غائر وهناك كسر بضلعين بالصدر وكدمات كثيرة بكل جسده ولكن الحمد لله المياه التي ابتلعها لم تسبب أي ضرر للرئة ولا تسمم، ونقل الدم بالطبع ساعدنا كثيرا في إنقاذه، إن شاء الله ساعات قليلة ويستعيد وعيه" 
أغمضت عيونها وهي تهتف "الحمد لله، الحمد لله"
تحدث نور مع الطبيب قليلا بينما استندت هي إلى الحائط حتى انتهى نور والتفت إليها وقال "هل أنت بخير آنسة رحيق؟"
هزت رأسها وقالت "نعم"
اقترب منها وقال "لابد أن أذهب الآن لأمنح دوريات المرور أوصاف السيارة التي صدمت جواد وعلى الصباح سأعود للاطمئنان عليه وأصحبك إلى البيت"
أبعدت عيونها وقالت "لا داع لتعبك يا فندم لن أذهب إلا مع جواد"
هز رأسه وقال "سأمر على البيت وأطلب أوراقك من العمة لإكمال المحضر كما اتفقنا"
هزت رأسها ولم ترد فتأمل عيونها وقال "إذا احتجت شيء فهذا رقمي"
أخذ ورقة من الرجل الذي معه وكتب رقمه ثم منحه لها فأخذته بيد مرتجفة وشكرته وهو ينظر بعينيها إلى أن رن هاتفه فأخرجه ورأى الرقم فاستأذنها وذهب
****
نهض فراس مفزوعا من كابوس أصابه وهو يسمع جواد يناديه بقوة، تألم من ذراعه فأمسكه لحظة ثم استعاد نفسه وقد ظهر النهار يطل من نافذة الغرفة، اعتدل بالفراش والتفتت إلى هاتفه الذي أضاء باسم العمة فنظر بدهشة إليه وقد كانت السادسة صباحا وهي لا تستيقظ بهذا الوقت 
أجاب على الفور وسمع العمة تهتف "فراس أين أنت؟ لماذا لا تجيب على الهاتف انجدنا يا بني"
نهض واقفا وقد تملكه الخوف وهو يقول بفزع "ماذا حدث عمتي؟ تحدثي ماذا حدث؟"
حكت له المرأة ما كان فجذب قميصه وارتداه بسرعة والجاكيت فوقه وقد تحرك إلى خارج الغرفة ولم يفكر بإيقاظ أمه وإنما أسرع بكل طاقته وقوته إلى السيارة وانطلق وهو يتصل بالمشفى





ظلت جالسة أمام غرفة العناية والبرد ينهشها ولكن مع ذلك لم تتحرك ولم ترحل وقد أنهكها التعب والقلق إلى أن خرج طبيب العناية فنهضت بصعوبة فاتجه إليها وقال 
“اطمأني لقد أفاق"
حمدت الله ثم قالت بلهفة "هل يمكن أن أراه دقائق قليلة؟"
أشفق الطبيب عليها وقال "تعلمين أنه ليس وقت الزيارة"
هزت رأسها من بين دموعها ولكنها قالت برجاء "أعلم ولكن من فضلك اسمح لي أن أفعل أنت تعلم بكل ما حدث وأنا أريد أن أطمئن عليه أعدك ألا أغيب"
تأملها لحظة ثم قال "حسنا تعالي"
أسرعت خلفه إلى الداخل حيث رأت عدة أسرة تحوي أجسام مريضة إلى أن أشار لها الطبيب فأسرعت إليه لترى الطفل بملابس العناية ورأسه مربوط بالضمادات وصدره أيضا وأجهزة متصلة به فانحت عليه وأمسكت يده الصغيرة وقبلتها بدموع وهي تهتف 
“جواد حبيبي"
فتح الطفل عيونه بصعوبة ونظر إليها ثم قال "رحيق"
قبلت يده مرة أخرى ثم وجنته وهتفت "نعم يا قلب رحيق أنا هنا حبيبي"
قال بتعب واضح "لم ترحلي؟"
أجابت بدموع "لا حبيبي لم ولن أفعل"
ابتسم بصعوبة وقال "هذا وعد؟"
هزت رأسها وقالت "نعم، نعم وعد يا جواد وعد ولكن عدني أن تشفى وتعود لي"
أغمض عيونه وقال "حاضر رحيق ولكني أريد أن أنام"
كادت تناديه لولا أن ربت الطبيب على كتفها وأشار لها بالصمت فقبلت جبينه ويده وتحركت إلى الخارج ومن بين دموعها شكرت الطبيب ولكنها فزعت وهي تسمع فراس يقول بصوت لاهث 
“أين ابني؟ أين جواد يا رحيق؟ ماذا فعلت به؟"
تراجعت بفزع من نظرات الاتهام التي بعيونه والغضب المشتعل بهما وأحاط الصمت بها
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-