أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل الرابع4بقلم داليا السيد


 رواية رحيق الهلالي

 الفصل الرابع4
بقلم داليا السيد

فرصة أفضل
رآها تنهار أمامه فتدارك الأمر وحملها بسهولة ويسر واتجه بها إلى غرفتها..
عندما فتحت عيونها وجدته يزيل الكمادات من على رأسها، حاولت أن تتحرك ولكنها لم تستطع من ألم جسدها والصداع وحلقها، لمس كتفها بأطراف أصابعه وقال 






“لا تتحركي سيصيبك الدوار مرة أخرى، هيا تناولي هذا الدواء أكيد تعرفيه"
تناولته وهي ترتجف وقد وضع الغطاء عليها وشعرت بالمكيف يعمل فنظرت إليه فوجدته يعمل بالفعل فلاحظ نظراتها فقال 
“أصلحتِ مكيفات البيت وتراجعتِ عن خاصتك! يا لك من مجنونة حقا؟ الحرارة بدأت تنخفض وعلى الصباح ستذهب الحمى ولكنك بحاجة إلى الراحة لا تنهضي مبكرا غدا أجازة لكِ"
تحرك إلى الباب فقالت "جواد والعمة؟" 
التفت إليها وقال "كنا نعيش بدونك يا آنسة فلا داع للتضحية" 
أبعدت وجهها فقد ضايقتها كل كلماته، مرر يده بشعره للحظة ثم عاد ووقف أمامها وقال "حسنا وجودك غير الكثير" 
التفتت إليه ولكنه أكمل "ولكن ليست الحياة بيدك كنا نعيش بدونك وأكيد يمكننا أن نفعل بيوم أجازة" 
أخفضت رموشها لتخفي نظرة حزينة فقد سرق تلك الفرحة التي كادت تستطع بعيونها فلم ترد فعاد يقول وهو يذهب "من الأفضل أن تنامي الحمى تحتاج إلى الراحة" 
قالت "هناك من لا يعترف بذلك" 
لم يلتفت إليها وهو يقول "لكل قاعدة شواذ" 
خرج فتركت دموعها تنساب ولكن سرعان ما عصف بها النوم من التعب ولم تشعر بأي شيء
دق بابها بالصباح ولكنها لم تجيب ففتح ونظر فوجدها غارقة بالنوم كاد يذهب ولكن لا يعلم لماذا دفعه شيء إلى الدخول والوقوف أمام فراشها وتناثر شعرها الذي لا يجد مسمى للونه غير الذهبي على وجهها، مد يده وأزاح شعرها من على وجهها وتأمل ملامحها الرقيقة، لا يمكن أن تكون تلك المرأة خمس وثلاثين عاما فهي تبدو كالطفلة البريئة وهي نائمة وأفضل ألف مرة من مواجهته وقت العناد والغضب، ترى لماذا وافق على وجودها وقد تراجع عن فكرة خادمة منذ وقت طويل نظرا لتبعاته التي أرهقته، لكن هي مختلفة تمنح البيت حياة فقدها منذ ما فعله فهد بأملاكهم والمستأجرين من بعده حتى أوقف الأمر، ولكن تلك الفتاة تتحمل ورغم قسوة مهمتها إلا أنها لم تتراجع أو تستسلم 
طالت وقفته وأسئلة كثيرة تملأ رأسه ولكن بالنهاية أبعد يده وتراجع إلى الخارج فما زال هو نفس الرجل الذي ذاق الأمرين على يد أم لم تمنحه الحنان يوما ولا المؤازرة وتركته بمجرد أن طرده والده، وعادت وتركته مرة أخرى بمجرد موت زوجها لتبحث عن ملذات الحياة، وامرأة أخرى خانته مع أقرب الناس له وباعته بلحظة من أجل المال فلا يمكنه أن







 يغير أفكاره عن ضرورة إبعاد المرأة عن قفص قلبه المحبوس داخل صدره، ولا يفكر بأن هناك عائلة تستحق التضحية من أجلها لأن كل فرد بها يبحث عن نفسه 
استيقظت على دقات الباب لترى رأس جواد تطل من على الباب وبيده صينية بها طعام فأزاحت شعرها وابتسمت بتعب وهو يتقدم إليها وقال
“فراس يؤكد على ضرورة التهام كل هذا الطعام"
نظرت إلى الطعام وقالت بعد أن اعتدلت وقد تحسنت كثيرا "ومن الذي أعد كل ذلك؟"
مط الصبي شفته السفلي بأسنانه وهو يتأمل الطعام وقال "فراس بالتأكيد، رحيق متى ستعودين أم أن المرض شديد؟"
مررت يدها بشعرة الكثيف بحنان وقالت "ماذا تريد أنت؟"
اندفع يقول "أريدك أن تعودي بسرعة لتعدي لنا كل شيء كالسابق"
قالت "ولكن فراس يفعل"
نظر إليها وقال "ليس بمذاق طعامك رحيق أنت رائعة في كل شيء أتعلمين أني أجبت كل الأسئلة اليوم كما وأني عدت وحدي بالمطر لأن فراس كان مشغول بالعِجل، أنت تفعلين الكثير من أجلي وهي أول مرة أجد من يفعل معي ذلك"
شعرت بالضيق من أجله فقالت بابتسامة رقيقة وما زالت تداعب شعره "لأنك أجمل صبي رأيته بحياتي وأحبه كثيرا"
قال "صحيح رحيق هل تحبيني لدرجة ألا ترحلي وتتركيني؟"
أحاطت وجهه براحتيها وقالت بحنان صادق "بالتأكيد حبيبي أحبك لدرجة لا تتخيلها"
ابتسم فابتسمت وجذبته إلى أحضانها وهي تشفق عليه من تلك المشاعر التي يلقيها قلبه البريء إلى الواقع ليعبر عن مدى احتياجه للحب الذي حرم منه
عادت إلى النوم بمجرد ذهاب جواد لإحساسها بالتعب وعندما استيقظت مرة أخرى كان الظلام قد غطى الدنيا إلا من ضوء ضعيف ينير غرفتها، اعتدلت لتفزع عندما وجدته واقفا أمام النافذة يتأمل الأمطار التي لا تتوقف، انتبه لها فتحرك إليها وهي تعتدل جالسة وتبعد شعرها الذي توسط ظهرها دون اعتراض وكأنه سعيد أنه تحرر من تلك الكعكة التي أضنته وحرمته الحرية والانطلاق 
قالت "لقد نمت كثيرا"
كان يتأمل ملامحها المنهكة من المرض ووجها الشاحب ثم قال "نعم وهذا أفضل ستشعرين بتحسن مع الصباح"
أخفضت وجهها وقلبها يخونها ويبدي ضعفه أمام وجود ذلك الرجل الذي يدفعها إلى ما خلف خط الهزيمة بضراوة فقالت
“ليس من الصواب أن يهتم السيد ب.."
قاطعها بهدوء "لست كذلك وتعلمين كيف نعتبرك جميعا فرد من الأسرة"
رفعت وجهها إليه فتراجع أمام عيونها التي تسبح في بحر العسل الخالص فتلتصق بنظراته مجبرة إياه على أن ينظر إليها دون انقطاع فقالت بتأنيب
“ولكني امرأة لكل الرجال"
نفخ بضيق وهو يمرر يده بشعره ويبعد وجهه لحظة ثم عاد إليها وقال "حسنا لم أقصد ذلك المعنى ولكني ما زلت فلاح ولا أحب التجاوز في التعامل من أهل بيتي مع الرجال الغريبة" 
لا تعلم كيف قالت "ودنيا؟" 
اشتعل الغضب بعيونه وابتعد في صمت ولكنه لم يخرج وهو يقول "هي حرة بحياتها ولا تخصني" 



إحساس جميل تملكها لحظة لم تفهم سببه وابتسمت بوهن ولكنه التفت لصمتها فأزاحت ابتسامتها بينما قال "عمتي تثرثر كثيرا أليس كذلك؟" 
هزت رأسها بالإيجاب دون أن ترد فأبعد نظراته وهو يقول "لا أعتبر دنيا من أهل بيتي وإنما ضيفة وتملك كامل إرادتها للتصرف بحياتها بعيدا عني" 
لم تحاول إثارة ذكرياته السيئة فهي سعيدة بجو الألفة بينهم لأول مرة فقالت "ربما ترغب هي بالعكس"
ضاقت عيونه وقال "أي عكس؟"
قالت "العكس هو أن تكون من أهل بيتك"
جلس على المقعد أمامها وقد أعجبه هو الآخر الحديث الهادئ دون نزاع فقال "الحديث معك لا ينتهي يا آنسة، إلى أين تريدين الوصول بتلميحاتك؟"
أخفضت وجهها فتساقط شعرها عليه ولكنها عادت وقالت "لا أعتقد أنك تدعي عدم الفهم يا سيد"
أدرك كلماتها عن ذلك اليوم عندما رأتها تعانقه فقال "لا، لا أفعل ولكن أنا أنفي الأمر دنيا لن تكون من أهل بيتي بأي يوم لقد نفذ رصيدها عندي وأعتقد أنك تعرفين القصة، لست أنا من تتلاعب به امرأة أي امرأة"
قالت بجرأة "حتى ولو كانت من أحببت"
حدق بها لحظات قبل أن يقول "بالتأكيد تعرفين الحب، امرأة بعمرك بالتأكيد مر عليها الكثير وتعرفين أيضا أن الصدع الذي يصيب جدار الحب يسقطه ولا يمكن إقامته مرة أخرى هذا إذا كان حب حقيقي، فالحب كالماسة الخام إذا سقطت تكسرت ولا يمكن جمع بلوراتها مرة أخرى"
أعجبتها كلماته جدا وتجرأت أكثر وسألته "وزوجتك كانت قبل أو بعد دنيا؟"
حدق بها لحظة قبل أن ينهض وقال "أعتقد أنك لابد أن ترتاحي وأنا أيضا سامر ربما يعود على نهاية الأسبوع ولو عاد سيقيم ببيت صغير بجوار بيتنا فهو يصر على أن يبقى معي لمساعدتي بالأرض ولو أني لا أقتنع أنه سيفعل"
هزت رأسها وقالت "هل مطلوب مني شيء محدد؟"
تحرك إلى الباب وقال "نعم لا أحب أي احتكاك معه أو مع سواه"
لم ترد وهو يذهب تاركا إياها في مغارة عميقة لا أول لها من آخر، هل يشكك في حبه من دنيا؟ وزوجته لم لا يتحدث عنها أحد؟ حتى هو هرب منها دون إجابة؟ ترى هل هناك سر وراء تلك المرأة؟
عاد إليها نشاطها باليوم التالي وتولت أمر جواد وتركته أمام باب المدرسة حتى دخل، وهي عائدة لمحت سيارة سوداء تأتي خلفها بسرعة مخلفة تراب عكر الجو مما جعلها ترتبك بالقيادة، كما وأن السيارة ظلت تطلق البوق الخاص بها بقوة كي تفسح له ولكن الطريق ضيق مما أربكها أكثر وجعلها تفقد التحكم بالسيارة فحادت عن الطريق وتعثرت السيارة بالأرض الطينية للترعة على جانب الطريق وبالطبع رفضت الإطارات السير بالطين
بالطبع توقفت السيارة الأخرى على جانب 






الطريق ونزل قائدها وعاد إليها وما أن رأته حتى عرفته فقد كان مهاب أخو دنيا 
نظر إليها بدهشة وقال "رحيق؟ يا إلهي لم أكن أعرف أنه أنت! هل أنت بخير؟ هل أصابك شيء؟"
هزت رأسها وهي تقول "لا أنا بخير ولكن السيارة لا تدور"
فتح الباب لها وقال "نعم لقد علق الإطار بالطين ولابد أن ترفع كي تتخطاه، بالتأكيد كنتِ بطريقك إلى البيت؟" 
نزلت بحرص من الطين ومد لها يده حتى جذبها إلى الطريق الترابي وهي تنظر إلى السيارة ثم قالت "سأتصل بالأستاذ فراس كي يعيد السيارة" 
أكد على كلماتها وقال "نعم وأنا أوصلك للبيت هيا لقد كنت بطريقي إليكم" 
لم تجادل وهي تتصل بفراس بعد أن أغلقت السيارة ولكن فراس لم يجيب فاتصلت مرة أخرى فأجاب وهو لم يعتاد على اتصالها 
عادت مع مهاب إلى البيت بعد أن أخبرت فراس بم كان فأخبرها أنه سيتعامل مع السيارة وسيعيد جواد من المدرسة وبالطبع أخبرته أن مهاب بالبيت كي يتصرف ولكنه لم يعلق وتولاه الصمت وهو يتعجب من تصرف مهاب ووجوده بالبلد مرة أخرى خلال وقت قصير
لم يتحرك مهاب إلى غرفة الجلوس كما عرضت عليه وإنما دخل معها المطبخ وجلس أمامها وهي تعد له الشاي ثم قال "تبدين نشيطة ومجتهدة يا آنسة فهل هذا طبع أم هناك دافع آخر؟"
توقفت وهي تنظر إليه بدهشة وقالت "دافع؟ أي دافع؟ أنا لا أفهمك"
تحرك من مكانه واتجه إليها ليقف أمامها وقال "دافع مثل ألا تكوني ضيفة وتقيمي هنا للأبد"
ابتعدت من أمامه وقد بدا كلامه غير مريح فقالت بجدية "أستاذ فراس لم يحدد وقت لإقامتي وترك لي حرية البقاء"
تبعها ووقف بجوارها وقال "وإلى متى تنوين البقاء؟"
نظرت إليه بقوة وقالت "وفيم يعنيك الأمر يا سيد؟ أنا ضيفة أستاذ فراس وليس أنت"
تابع نظراتها الجريئة كما هي كلماتها وقال "فقط فضول فلا تأخذي الموضوع بعصبية هكذا، ربما أمنحك فرصة أفضل من هنا"
ضاقت عيونها وهي تتأمله وتحاول أن تفهم تلميحاته فقالت "أي فرصة؟"
قال ببرود "عمل، عندي بمكتبي وبمرتب لن يمكنك رفضه فقط إذا وافقتِ"
كلماته صدمتها ولكن ما أثار ذهولها أكثر يده التي لمست خصرها مما جعلها تفزع وتتراجع مبتعدة وهي تصرخ بغضب 
“ما هذا يا سيد؟ من فضلك أخرج من هنا وأنا سأحضر لك الشاي بغرفة الجلوس"
ولكنه تحرك تجاهها وبعيونه نظرة تلمع وكأن علم الشهوات يرفرف عاليا على قمة عيونه معلنة عن الخطر، ولكنها تراجعت إلى باب المطبخ قبل أن يصل إليه ومنه إلى الباب العمومي وقبل أن تفتحه كان يضع كف يده بقوة عليه ليصده بقوة دون أن تتمكن هي من فتحه ويستند عليه بجسده فقالت بقوة دون إظهار الخوف






“أستاذ مهاب ابتعد من أمامي من فضلك"
تراجعت إلى الخلف وهو يتقدم إليها وابتسامة غير ذات معنى تعلو وجهه وهو يقول "وإن لم أفعل؟"
ظلت تتراجع إلى أن سمعت سيارة فراس تدخل الممر فتنهدت براحة وتراجع مهاب عنها فأسرعت إلى الباب لتفتح وتسرع إلى فراس دون تفكير
ما أن عرف أن مهاب عائد معها إلى البيت حتى أسرع إلى سيارته واتجه إلى البيت فهو يعرف مهاب جيدا رجل دنيء وندل ولا يستقيم بحياته رغم أنه متزوج فايزة أخته
نزل من السيارة وهو يراها تخرج من البيت بخطى سريعة حتى توقفت أمامه وهي تلهث فنظر إليها بقوة وغضب مكتوم وأحاط ذراعيها بقبضتيه وقال
“ماذا بك؟ هل حدث شيء؟ أين مهاب هل ضرك بشيء؟ رحيق انطقي ماذا حدث؟"
هدأت أنفاسها واستقرت دقات قلبها وهي بين يديه وقالت "لا أنا بخير ولم يحدث شيء أنا فقط قلقت على السيارة"
كان مهاب قد وقف على باب البيت يتابع ما يحدث دون أن يتحرك تجاه فراس الذي قال "السيارة بخير وأنتِ؟"
كانت تشعر بخوف مما كان يخطط له مهاب ولكن الآن عاودها الأمان بوجوده هزت رأسها وقالت "بخير لم يحدث شيء، أنت ستبقى أليس كذلك؟ لن تذهب الآن"
كانت كلماتها مقلقة لذا حدق بعيونها لحظة قبل أن يقول "نعم سأبقى، لن أذهب هيا تعالي إلى الداخل"
ظلت تنظر إليه لحظة قبل أن تستدير بجانبه وتتحرك إلى البيت ومهاب يتابعهم بعيون حادة كالصقر توقف فراس أمامه وقال بغضب واضح 
“هل تفسر لي ما حدث مهاب؟" 
 بالتأكيد لم يفهم مهاب ما حكته هي من عدمه لذا أسرع يقول "هي كاذبة أنا لم أفعل أي شيء أنا فقط كنت أتحدث معها عن الأرض عندما رأت سيارتك فأخذت تصرخ وأسرعت تجري عليك"
نظر هو إليها بينما كانت هي تحدق بمهاب بذهول ولا تعرف ماذا تفعل أو تقول وسمعت فراس يقول "هل هذا ما حدث؟"
لم تعرف ماذا تقول أو تفعل فتركت الرجلين وأسرعت إلى الداخل وانطلقت إلى غرفتها وهي لا تعرف ماذا سيفهم من تصرفها هذا ولا يهمها..
تابعها بنظراته ورغم أنها لم تذكر مهاب وما يمكن أن يكون فعل معها إلا أنه كرجل ليس بغبي أمكنه أن يفهم الرجل الواقف أمامه ولكنه قال 
“ما الذي أتى بك مهاب وبدون موعد؟"
ارتبك مهاب وهو يشيح بيده ثم قال "وهل أنا بحاجة لموعد لآتي إلى بيت عمي وعمتي؟"
ضاقت عيون فراس وقال "نعم خاصة إذا كان مبكرا هكذا وأنت تعلم أني لست بالبيت"
لاحت قطرات عرق على جبين مهاب رغم برودة الجو وهو يبحث عن الكلمات ثم قال "لدي عمل هام بالمساء فكان لابد أن أنهي عملي معك قبل أن أعود"






أشعل فراس سيجارة ورفض أن يعرض عليه دخول البيت وقال "حسنا وما هو هذا العمل؟"
حدق به مهاب ثم قال "الأرض وجدت لك مشتري بسعر رائع وبذلك تعوض الخسارة التي تسبب لك فهد فيها وتستعيد أنت أموالك وتعود لعملك الأصلي"
ابتعد عن المدخل كي لا يمنحه فرصة لدخول المنزل فتبعه مهاب بينما قال هو وهو مقتنع أن مهاب كاذب لأنه يعلم أن لا نية له للبيع 
"أولا أنت تعلم جيدا أنني لم أخسر شيء عندما بعت ما أملك من أجل أملاك الهلالي والأرض أهمها، ثانيا ليس من المنطقي أن أبيعها بعد ما فضلتها على نفسي وحياتي كلها وأنت تعلم أني لن أفعل"
قال مهاب "ولكن حلمك الذي عشت تحلم به أن تصبح كاتب شهير وكتاباتك تغزو العالم كله هل ذهب ذلك الحلم أمام الأرض؟"
هز رأسه وقال "لم يذهب وإنما تراجع قليلا وربما يأتي الوقت المناسب لأحققه"
قال مهاب باستنكار "ومتى ذلك وأنت بأواخر الثلاثينات؟"
توقف ونظر إليه وقال "وهل يتوقف الحلم بمضي العمر كل يوم يولد أمل جديد وحلم جديد فانس أمر الأرض أنا لن أبيع"
أسرع مهاب يقول "ولكن السعر مغري يا فراس ستجني ثروة كبيرة من ورائها" 
اندهش فراس من اهتمامه وقال "وأنا لا أريد تلك الثروة فلا تشغل بالك، أنا راض عن تلك الحياة"
زاغت عيون مهاب لحظة ثم هز رأسه وقال "حسنا كما تشاء، ولكن لو فكرت بالبيع ستخبرني أليس كذلك؟"
ضاقت عيون فراس قبل أن يقول "نعم سأفعل طالما أن الأمر يهمك هكذا"
لم يكثر مهاب ثم قال وهو يتحرك ليذهب "تمام سأذهب الآن كي أعود قبل موعدي"
تابعه فراس وهو يذهب ثم نظر إلى نافذة غرفتها ولكنها لم تكن أمامه فتحرك إلى الداخل باحثا عنها..
أغلقت باب غرفتها وتحركت ببطء إلى فراشها وجلست على طرفه وهي لا تجد أي أفكار يمكنها أن تغير ما حدث، ذلك الرجل نظراته كانت مفهومة ومعروف ما وراءها من رغبة واضحة، وما تخشاه الآن هو فراس الذي بالتأكيد سيطلب تفسير لكلمات مهاب ولا تعلم ماذا تخبره هل تنطق بما كان ولكن مهاب لم يفعل شيء إنه مجرد سوء ظن منها و..
وضعت رأسها بين يديها وتملكتها حيرة وخوف وتمنت لو انتهى كل ذلك ولكن كيف؟ لكن لماذا تهتم هكذا بفراس وتصرفه إنها حرة بحياتها تفعل بها ما تشاء وتعرف من تشاء وليس من حقه أن يحاسبها ولكن هو أخبرها أنها من أهل بيته ولن يقبل أي تجاوزات معهم خاصة مع زوج أخته
دق بابها فانتفضت ورفعت رأسها وهي تعرف أنه هو بالتأكيد..
دق مرة أخرى فنهضت وأذنت فرأته يفتح ويقف ناظرا إليها وهي ترتجف من المواجهة بدون سبب 






عندما لم تتحرك أو تتحدث تحرك إلى الداخل حتى وقف أمامها وقال بقوة "والآن أريد أن أعرف ماذا فعل مهاب معك؟"
كانت نظراتها زائغة والكلمات تضيع منها فابتعدت من أمامه وقالت "لم يحدث شيء"
نفخ بشدة وقال "تعلمين أني لست شاب صغير يمكنك التلاعب به بكلمات لا أصدقها، والآن ودون أن تغضبيني أخبريني ماذا حدث"
التفتت إليه بجرأة وقالت "وماذا سيحدث بعدها؟ وهل يمثل الأمر أي فارق بالنسبة لك أو له؟"
انحنى ليصل لمستوى وجهها وقال بغضب غير مصرح "تعلمين أن هناك فارق كبير لأني أخبرتك بالسبب والآن أنا مللت من الانتظار فتحدثي يا امرأة وكفي عن المراوغة"
كانت نبرته قوية مما جعلها تتراجع وتستسلم وتحكي بكلمات مختلطة بالدموع ما كان وابتعدت من أمامه وهي تنهي كلماتها "لذا لم يكن هناك شيء يمكنني أن أخبرك به لأنه لم يتمكن من فعل شيء"
تملكه الغضب فقال "ولكن إن لم أصل بالوقت المناسب كان سيفعل"
ثم جذبها بقوة من ذراعها لتواجهه وقال وقد تلونت عيونه بنار الغضب "كان يمكنه أن ينالك وأنت وحدك ألا تدركين نوعية الرجل؟ كيف لم تخبريني أمامه وتركتيه يظن أنني أصدقه هو لماذا لم تواجهيه أم أن الأمر كان يحلو لك وظنتِ أنك ستخسرينه إذا أخبرتينى بالأمر؟"
لم ترد وسالت الدموع غزيرة على وجنتيها ولم تحاول أن تبعد ذراعها من قبضته وإنما ظلت تنظر إليه بدون أي كلمات وما زال غضبه يتأجج أكثر وأكثر من صمتها فعاد يضغط على ذراعها ويقول بقوة أكثر
“لماذا لا تتحدثين؟ الآن نفذ رصيدك من كلماتك اللاذعة؟ أم ماذا؟ أجيبي"
هزت رأسها وقالت "لا داعي لأي كلمات لأنك تريد أن تصدق شيء واحد وما زلت ترفض سواه وهو أنني امرأة لكل الرجال"
ظل يحدق بها بصمت حتى تألم ذراعها بشدة فقالت بألم واضح "ألا تعرف طريقة أخرى سوى العنف بحديثك معي يا سيد أنت تؤلمني"
أدرك قبضته عندما تحولت نظراته إلى ذراعها ثم نفض يده عنها وابتعد وهو يبحث عن سجائره ليشعل واحدة بدلا من النار التي تشتعل بصدره 
نفخ الدخان وقال "لماذا لم تواجهيه أمامي؟"
قالت بحزن واضح "من كنت ستصدق؟ إنه ابن عمك وزوج أختك وأنا.."
التفت إليها وقال بحدة "ولأنه ابن عمي وأيضا زوج أختي فأنا أعرفه جيدا"
قالت "ولكنك لا تعرفني"
قال بعصبية "لا أفهم"
أشاحت بيدها وابتعدت وهي تقول "أنت لا تعرفني يا سيد وإلا لما اتهمتني طوال الوقت باتهاماتك التي لا تنتهي لذا كنت أعلم أنك 






ستصدقه هو ولن تنحاز لي لأنك تريد ذلك فأنا امرأة تعمل بالبيوت وبنظرك ربما أكون فاسقة ولا شرف لي و.."
كان قد تحرك إليها ووقف أمامها وقال بقوة "كفى، أنت مجنونة أكيد مجنونة"
حدقت بعيونه من وسط دموعها فأكمل "لو كنت لمست بك الفسق لكنت طردتك من أول يوم فكفي عن جنونك هذا وكلماتك التي لا معنى لها"
قالت بنفس الغضب "إذن لماذا تتهمني كل لحظة بأني أتعمد إثارة الرجال وأنت تعلم أني لست كذلك؟ لماذا تتعمد إهانتي وجرحي؟ لماذا؟ لماذا؟"
حدق بها وهو يعلم أنها على حق فأبعد وجهه لحظة ثم عاد إليها وقال وهو يحاول إعادة السكينة لهما "حسنا انتهينا ما حدث لن يتكرر مرة أخرى ومهاب لن يدخل البيت طالما أنا لست موجود لا هو ولا سواه هل كلماتي واضحة؟"
أخفضت وجهها وتناثر شعرها على وجهها وهي تهز رأسها بالموافقة دون أن ترد فشعر أنه يريد أن يجذبها إليه ليخفف من دموعها وأحزانها بعد إهانته ولكنه استنكر نفسه وأفكاره فتحرك إلى الباب وقال 
“حسنا ليعود كلا منا إلى عمله"
ظلت بمكانها إلى أن سمعت سيارته ترحل فمسحت دموعها وعادت إلى عملها دون أن تنسى ما كان 
أعاد جواد من المدرسة ولكنه لم يدخل وأخبرها جواد أن لديه عمل كثير لذا سيعود متأخر بالليل 
تناولت الغداء مع العمة وجواد الذي انتهى وصعد إلى غرفته كالعادة وبدأت هي تنظيف الأطباق عندما قالت العمة "كانت سيارة مهاب هنا بالصباح أليس كذلك؟"
قالت باختصار "نعم"
صمتت العمة قليلا ولكنها عادت تقول "تعلمين أن مهاب بنفس عمر فراس ولدا بنفس العام كوثر وفريال أنجبا سويا ولكن محمود والد فراس كان سعيدا بأن أول أولاده ولد فأقام الاحتفالات هنا لمدة اسبوع لكن أخي عادل كان يحب المال أكثر من الأولاد لذا لم يكن لديه أي رد فعل إزاء مجيء مهاب ولم يهتم يوما بنشأت أولاده وترك الأمر لفريال التي صنعت من أولادها ذرية مدللة تعلو على الجميع أما محمود فما أن وصل فهد حتى خطف محبته واهتمامه أكثر من فراس وأصبح فهد فتاه المدلل وتنافس الرجال الثلاثة فيما بعد على من سيحقق أحلامه وبالطبع ليس كل ما يتمناه المرء يدركه وما أن كبر الأولاد حتى أدرك مهاب أن مصلحته مع فايزة ليضمن أموال عمه مع أموال والده"
انهت غسيل الأطباق ونشفت يدها وجلست أمام العمة وقالت "كيف ماتت والدة جواد؟"
التفتت العمة إليها لحظة 




ثم زاغت عيونها ثم قالت "لا أحد يعرف عنها شيء فلم نراها ولا نعرفها، فراس عاد بجواد وهو ابن أيام قليلة وأخبرنا أن زوجته ماتت وهي تضع رضيعها ولولا وفاة فهد أخوه لما عاد من المدينة"
ظلت تنظر إلى العمة إلى أن قالت "هذا يعني أنه تزوج دون علمكم؟"
وافقت العمة على كلامها وقالت "نعم محمود طرد فراس وهو ما زال بأوائل العشرينات لأن فراس أراد تحقيق حلمه من الكتابة والنشر وإنشاء دار للنشر ولكن محمود اعترض وبالنهاية شق فراس طريقه وحده إلى أن عاد بوفاة والده ليأخذ عزاه ثم رحل مرة أخرى عندما ترك محمود كل شيء لفهد إلا من قطعة أرض صغيرة كتبها باسم فايزة أختهم وبعض المال لها"
شعرت بالضيق من ذلك الأب الذي لم يعدل بين أولاده وبالشفقة تجاه فراس الذي تحمل الكثير وحده، ومع ذلك شعرت أيضا أن العمة تخفي شيء ولكنها لم تشأ أن تضغط عليها
نهضت وقالت "الشاي، لقد نسيت"
وقبل أن تتحرك قالت العمة "هل يوقفك زواجه السابق عن التفكير به؟"
تراجعت من سؤال المرأة والتفتت إليها بحدة وقالت "حضرتك ماذا تقولين؟ أي تفكير الذي تعنيه؟ أنا لا أفهم معنى كلماتك"
ابتسمت المرأة وقالت "ما أعنيه أنك شابة يافعة وجميلة وتحبين ما تفعلين رغم أن المقابل ليس على قدر ما تقدمين لذا أظن أن وجودك هنا أصبح أمر أساسي بحياة ابن أخي وابنه ولن أنكر ما تفعليه معي، فهل تجعلين لوجودك صفة رسمية أفضل من القيل والقال؟ أعتقد أنها فرصة أفضل"
تعثرت كلماتها وتناثرت مع الرياح التي عصفت بها تلك المرأة ولم تملك ما ترد به عليها وربما تساقطت كل الأفكار من ذهنها ولم تمنحها أي فكرة صحيحة عما يمكن أن تجيب به 
ولكن عفتها المرأة من الإجابة وهي تنهض على عصاها وتقول "أحضري الشاي بالحديقة سأتابعك وأنت تكملين إعادتها للحياة"
واختفت المرأة خارج المطبخ بينما استندت هي إلى المقعد الذي كان أمامها ولم تشعر إلا بتشويش يسيطر على عقلها يفقدها التفكير بما هو صواب أو خطأ واختلطت كل الأمور ببعضها وتشوشت الصورة وكأن تيارا خفيا سيطر عليها وشوش على عقلها فقطع عنه كل سبل التفكير والتدبر..






عندما عاد كان بوقت متأخر وقد كانت قد أنهت يومها وغيرت ملابسها بملابس ثقيلة فقد اشتدت الريح وأعلنت عن ليلة شتاء أخرى عاصفة، كادت تستلقي بالفراش ولكن ما أن شعرت بسيارته حتى نزلت لتعد له العشاء، وصلت لمنتصف السلم عندما رأته يدخل بدا مرهق الملامح وبحاجة إلى حمام وتغيير ملابسه 
نظر إليها وقال "لم تنامي بعد؟"
وصلت إليه وقالت "لا سأعد لك العشاء"
لم يرد وهي تتحرك إلى المطبخ وهو يتأملها ويردد بداخله "يا لك من امرأة تثير بداخلي كل الحيرة.." 
أخذ حمام سريع فالأرض استهلكته اليوم وغير ملابسه ونزل مرة أخرى، كانت تجلس على المائدة ويداها تحيط بكوب من اللبن الدافئ، نظرت إليه ولكنه لم يفعل وهو يجلس ليتناول طعامها الذي أصبح أساسي بحياته بعد أن اعتاد عليه وعلى وجودها ولمساتها بكل مكان..
لم يتحدث وحال الصمت بينهم كجدار عالي يفصلهم، شعرت بألا داعي من وجودها فأنهت كوبها ونهضت غسلته وأعادته مكانه وسكبت له الشاي ووضعته أمامه ثم تحركت لتذهب ولكنه قال 
“مهاب شخص اعتاد كل من بالعائلة على أن يبتعد عنه حتى عمتي"
توقفت ونظرت إليه وهي تقف على مقربة منه، لم ينظر إليها وهو يكمل "تزوج أختي كي يحصل على الأرض حلم عمي والده وحلمه هو من بعده ولكن أبي لطم الجميع بقوة عندما كتبها باسم أخي"






تراجعت وجلست بنفس المقعد وقالت "وكيف آلت إليك الآن؟ أم أنك لست المالك؟"
نظر إليها وقد أنهى الطعام وأشعل سيجارة وقال "بلى هي لي، بعد وفاة فهد اكتشفنا أنه مدين بالكثير للبنك الذي أرسل إنذار بالحجز على كل أملاك فهد الهلالي التي هي أملاك آل هلالي، وقتها لم يكن أمامي إلا أن أعود لإنقاذ أملاك أبي وأجدادي"
قالت بدهشة "وكيف أنقذتها؟ أقصد من أين لك بالمال؟"
نهض إلى النافذة لينظر إلى الظلام الذي يشبه حياته السابقة وقال "بعت كل ما كونته خلال سنوات عمري"
نهضت واتجهت إليه ووقفت بجواره ورفعت رأسها لتواجهه وقالت "الذي هو ماذا؟"
نظر إليها وقد تلألأت عيونها بنور ذهبي جذاب وبدت بشرتها ناعمة ورقيقة، أبعد نظراته وقال "الذي هو بيت كبير أفضل من هذا بكثير، وشركة صغيرة بدأت بها حياتي العملية للاستيراد والتصدير، وآخرهم دار النشر التي لم أكد أنشأها حتى بعتها هي الأخرى، وتبقت فقط السيارتان لم أحتاج إليهم فقد تم السداد"
انتبهت وتساءلت "دار للنشر؟ وما علاقة الاستيراد والتصدير بالنشر؟"
عاد ينظر إليها قبل أن يجيب بطريقة أدهشته "لا علاقة بينهم وإنما العلاقة بين النشر وبيني أنا، فأنا كنت أكتب ورغبت أن تنشر كتاباتي بداري أنا وليس بدار أحد آخر"
تراجعت بدهشة وهي تكتشف أن ذلك الرجل الحازم، الصارم، والذي يعمل ساعات لا حصر لها بالأرض هو كاتب، لا وجه للمقارنة؟
ابتعد إلى المائدة وتناول الشاي وقال "أعلم ما يدور بذهنك، لا يمكن لرجل فلاح مثلي لا يهتم إلا بالأرض والحيوانات والماشية أن يكون كاتب أو أن تلك اليد التي





 تشققت من العمل بالطين يمكنها أن تمسك القلم أو أن تدق على أزرار اللاب بكلمات تمس القلوب، ولكني كنت أفعل"
ظلت مكانها صامتة تحاول استيعاب ما يقول إلى أن التفت إليها واندهش من صمتها فقال "ماذا؟ الصمت يأخذ منك الكثير اليوم يا آنسة"
انتبهت وقالت وهي تخفض نظراتها "ذلك لأني تفاجأت من الأمر، كان لابد أن أتوقع مع كم الروايات والمجلات والكتب الموجودة بالمكتبة ولكني لم أقرأ اسمك على أي كتاب"
ابتعد وقال "نشرت لي مقالات كثيرة بجريدة... وروايتي الأولى نشرت منذ سبع سنوات عندما أقمت الدار وحققت نجاحا أدهشني ولكن مهاب أغرق السوق بروايات هابطة من النوع الذي يعرفه الجميع فأبعد الأنظار عن روايتي ثم موت فهد و.."
فهمت الباقي وشعرت أنها تدخل كهف جديد من كهوف ذلك الفراس الذي يضم بين حناياه ماضي غريب يثير الفضول إلى أقصى حد
تحركت تجاهه وقالت "وتوقفت عن الكتابة؟"
حدق بوجهها وهي تقترب لتقف أمامه ولقد أثارت ذكريات ماتت داخله واندفنت تحت تراب تلك الأرض التي جرفته إلى تيارها بقوة منعته من أن يأخذ معه أي بواقي من الذكرى..
ظل ينظر بعينيها فترة وهي ترد نظرته إلى أن قال "وماذا تظنين؟"
أدركت كلماته ولكنها قالت "الموهبة لا تموت"
كان يعلم أنها على حق ولكنه قال "ولكنها تقتل، يقتلها الإهمال وقلة الاعتناء كالطفل الصغير الذي يفقد الرعاية فيموت ومن يموت لا يعود"
قالت "هذا واقع البشر، لكن الموهبة ليست بشر لذا يمكن إعادتها للحياة فهي كقطعة الفضة إذا طالها السواد يمكن إزالتها، هكذا موهبتك يمكنك إزالة طبقة السواد ببعض الاهتمام لتعود" 
لحظة مضت قبل أن يبتعد من أمامها إلى الظلام الخارجي وقد غطى ليل الشتاء على كل ما يحيط حولهم وعندما لم يرد قالت 
“تعرف أني أهوى صنع الطعام جدا"
التفت إليها فأكملت "جدتي علمتني الكثير وعندما كبرت أصبحت مسؤولة عن الطعام بالمنزل وهي لا تأكل إلا من يدي" 





تابعها وقال "متى ماتت؟" 
قالت بحزن "سنتان، وهما من أطول سنوات عمري" 
ابتعدت فتابعها وقال "والدك ووالدتك؟" 
توقفت أمام سخان المياه ووقفت تصنع شاي وقالت "ماتا منذ كنت صغيرة، عمي كان يأتي إلينا كثيرا وكنت أمضي معه وقت كثير وهو يصلح الأجهزة الكهربائية وعلمني الكثير، ولكن موته جعلنا أنا وجدتي وحيدتين" 
سكبت المياه فاقترب وقال "لماذا لم تتزوجي؟ لا تخبريني أن طوال سنواتك هذه لم تفكري بالزواج" 
نظرت إليه وقد تذكرت كذبتها الثانية، كانت عيونه التي تقذف بها إلى عالم خيالي لا يتواجد به إلا هي وهو وكأنه الأمير الذي قابلها بعد طول انتظار فسرق قلبها ووقف يتلذذ بعذابها
أبعدت عيونها وقالت "وهل لابد أن أفعل؟"
اقترب أكثر وقد شعر أنها تخفي أشياء فقال "كأي فتاة"
نظرت إليه وكم بدا شاهقا كالبرج العالي أمامها ورائحته الذكية تسكر قلبها وعقلها، قالت بوهن "ربما في ذلك عذاب"
هز رأسه وقال "خيانة؟"
أخفضت وجهها وهي تتذكر مروان ثم قالت "مؤلمة"
ابتعد وقد ذاق نفس الألم من قبل فعادت تقول "كانت أول وآخر تجربة لي"
التفت إليها وسألها "حب؟"
نظرت إليه وهي تتساءل هل أحبت مروان حقا؟ وإن لم تفعل فماذا كان يمثل بالنسبة لها؟
طال صمتها إلى أن قال "السؤال صعب هكذا؟"
استعادت نفسها وهربت بنظراتها وقالت "لا، ولكني الآن لا أجد أي معنى للحب تجاه مروان وأشعر أنها كانت فترة 





مراهقة لا تعني لي أي شيء أنا حتى لا أتألم لذكر الموضوع وكأنه شيء عابر مر بحياتي لا أهمية له، هل تشعر بذلك تجاه دنيا؟"
تجاوزت حدودها بكلماتها فأسرعت تنظر إليه وقالت باعتذار "آسفة لم أقصد التدخل يا سيد"
كان سؤالها يسيطر على عقله ولم يفكر باعتذارها وإنما بم يفكر به ووجد نفسه يجيب بنفس كلماتها "نعم أنا أيضا لا أشعر بأي ألم عند ذكر الموضوع فقد انتهى منذ اتخذت قرارها باختيار أخي"
لم يمكنها أن توقف سؤالها الآخر واندفعت تقول "وزوجتك؟"
لم يبعد عيونه عنها وقد كانت تخترق حياته بشكل لا يمكنه أن يوقفه أو لا يريد أن يوقفه وقبل أن ينطق بأي كلمة انطلق الرعد بالسماء فانتفضت بقوة لاحظها هو وقبل أن يهدئها فزع الاثنان مرة أخرى ولكن من صوت تحطم شيء بالخارج فقال وهو يسرع إلى الخارج
“العِجل والإسطبل"
أسرع إلى الخارج بملابسه وهي لم تتردد في أن تتبعه إلى الإسطبل وعشش الطيور خلف البيت، المكان الذي لا تذهب إليه فهي تخاف من الحيوانات ولا تتعامل معها
انهمر المطر عليهما وهما يعدوان إلى خلف المنزل بسرعة وبالفعل كان سقف الإسطبل قد انهار وتساقط داخل المكان وسمعت خوار العِجل من الداخل وكأنه يطلب النجدة من أصحابه
لم تستطع أن تتقدم معه إلى الداخل واندفع الخوف ليهزمها فتوقفت وهو يندفع بدون تردد وسرعان ما كان يخرج به وهو يربطه بحبل قوي ويجذبه




 منه إلى الخارج رغم الريح الشديدة التي تعوق حركته، إلى أن ربطه بجزع شجرة بإحكام حتى يحاول أن يجد حلا له، وما أن اطمأن



 عليه والتفت حتى رأى ما تبقى من السقف يطير مع الريح العاصفة ويكاد يهبط عليها وهي تقف وتتابعه دون أن تلاحظ ما يحدث



 خلفها فأسرع بكل قوته إليها ولكن سرعة الريح كانت أقوى.. 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-