CMP: AIE: رواية نارة الفصل السادس6بقلم ياسمين السيد قنديل وايمان شريف الحوفي
أخر الاخبار

رواية نارة الفصل السادس6بقلم ياسمين السيد قنديل وايمان شريف الحوفي


 

رواية نارة

 الفصل السادس6

بقلم ياسمين السيد قنديل وايمان شريف الحوفي




سيارات فخمة تعرج إلى قرى المنوفية متجهة إلى شنشور، تتأرجح على طرقاتها غير المعبدة، الليل يكسو القرية والقمر يدنو بخيوطه المسدلة على الزروع في الحقول، يظهر للمارة خيال المآتة كزومبي يخترق الظلمات بحثًا عن ضحية ليرديها قتيلة بالسكتة القلبية، ومن خلف تلك السيارات تتهدج سيارة شرطة تتبعهم. كانت الساعة تدق الواحدة صباحًا حينما قرع أحدهم بغوغائية باب منزل (الحاج عبد الحميد الشيمي)، خرج الجميع من غرفاتهم فزعين متثاءبين، يهيمن عليهم سلطان النوم، أردف الحاج عبد الحميد: 

- يا ترى مين اللي جاي الساعة دي، خير يا ولاد، شوف مين يا شهاب! 

- حاضر يابا! 

في تلك اللحظة التي كان يتوجه فيها شهاب للبوابة قابل أخيه وزوجته ينزلان متساءلين بقلق ومن خلفهم شيماء وزوجة عمهم، فتح شهاب مزلاج البوابة ليصطدم بمن يدفعها بعنف فردت في أنفه آلمته، ليظهر شاب أرعن طويل القامة هزيل البنية كان ذلك معتز يصيح هاتفًا: 

- فين نارة؟

تساءل الحاج"عبد الحميد":

- أنت مين يا ابني وعايز إيه؟

- والنبي يا حاج تركن كده شوية.

- ولاه اتكلم بأدب، سامع! دفعه شهاب صائحًا.

- الأدب ده مش مع أشكالكم، ده أنا هوديكوا في داهية يا شوية نصابين، بقى بتخطفوا خطيبتي ليلة فرحنا وديني لأحبسكم.

سمعت نارة صوته؛ فاستبد بها القلق وتراجعت خطوتين بقلب فقد إنتظام دقاته، لاحظت نرجس اصفرار وجهها فاقتربت منها واحتضنتها لتطمئنها، بينما كانت تقف شيماء تحدقها بنظرات الشماتة والانتصار، حينما سمعوا سليم يقول ببرود: 

- حيلك حيلك، اظبط كده بقا يا نجم بدل ما ألبسك قضية وأنت واقف، أنت مين وعايز إيه؟ 

أمسكه معتز من ياقة قميصة باستهزاء قائلاً:

- تلبسني أنا يالاه، ده أنا جايبلك القسم كله هنا! 

أنزل شهاب بنظره إلى يده وأمسكها بقوة كاد يكسر فيها عظامه، حينئذ تدخل الضابط: 

- مين فيكوا الدكتور شهاب الدين عبد الحميد؟ 

- أنا يا فندم خير! 

- الأستاذ معتز بيتهمك بخطف خطيبته الآنسة نارة. 

ضحك شهاب ساخرًا وهو يقول: 

- الآنسة نارة! وأنا مش مالي عينه ولا إيه. 

حينئذ لمح معتز وجه نارة فصاح: 

- أهي يا حضرة الظابط هي دي خطيبتي.. 

لم يدعه شهاب يكمل حديثه حتى جذبه من ياقة قميصة وكأنه ريشة في مهب عاصفة غضبه وقال: 

- ولاه أنا استحملت غتاتك كتير وأنا معرفش أنت مين أصلا، لكن توصل إنك تتكلم على مراتي أدفنك هنا. 

ثم غير نبرته لتصبح غضب مفتعل: 

- وأنتِ إيه اللي خرجك، ياللا اتفضلي خشي جوا، ماعندناش حريم تطلع في أنصاص الليالي اللاه.. اؤمر يا باشا قلت لي عايز إيه بقا؟ قال مخاطبًا الضابط.

- عايز بنتي يا دكتور! جاءهم صوت كامل العدوي والد نارة الذي وصل لتوه مما زاد من ارتباكها، تابع والدها: 

- طلعها بالذوق بدل ما تجيب لنفسك مشاكل. 

- هو إيه اللي طلعها هي قرش حشيش، طب اسمعوا بقا الناهية، اللي بتتكلموا عليها دي مراتي واللي هيفكر ينطق اسمها بس مش هيحصل له طيب وأظن ده حقي ولا إيه يا حضرة الظابط! 

تبادل الضابط نظرات الريبة مع معتز وكامل، ثم توجه لشهاب بالحديث قائلًا: 

- فين قسيمة الجواز يا دكتور؟ 

- اؤمر! 

- القسيمة فين؟ 

- في اليمن. 

- أفندم؟ 

- أقصد اا..  يعني خير ليه إن شاء الله؟!

- شفت يا فندم علشان مفيش جواز أصلا. قال معتز.

- أنت عبيط يالاه ولا شارب حاجة؟ اندفع شهاب ناحيته فأوقفه سليم، بينما تدخل والده:





- ما تجيبها يابني وخلصنا من المسخرة دي!

تبادل شهاب ونارة النظرات ودخل إلى غرفته بانفعال أكثر منه ارتباك ولحقت به نارة، ثم عادا بعد دقائق قليلة، ارتسمت ابتسامة تشفي على وجه شيماء كما استعد معتز ووالد نارة للهجوم على شهاب، لكن كانت الصدمة الكبرى حينما مد شهاب يده للضابط بالقسيمة، يطالع معتز ببرود وابتسامة واثقة؛ فهبَّ ذلك الأخير:

- القسيمة دي مزورة.

التفت إليه الضابط:

- مفيش حاجة مزورة يا أستاذ معتز..احنا آسفين يا دكتور.

تدخل كامل:

- لكن دا دا باطل، ازاي تتجوز من غير ولي، أنا وليها.

رد سليم:

- بنتك مش قاصر يا باشا، والمذهب الحنفي يبيح ذلك، ده غير إنه قانوني.

- يعني إيه؟

- يعني أعلى ما في خيلك اركبه، ده زواج صحيح ومحدش يقدر يبطله شرعًا ولا يحتج عليه قانونًا ولا إيه يا حضرة الظابط.

- كلامه صحيح.. بنعتذر مرة تانية يا دكتور.. ياللا بينا.

تقدم شهاب من معتز واضعًا يده في جيبه والأخرى ربت بها على صدره بتحذير قائلًا:

- المرة دي بس هسيبك تمشي من غير مشاكل علشان خاطر حمايا معاك وهعتبره سوء فهم.. مش كده يا حمايا؟!

تهرب كامل بنظراته بعيدًا والامتعاض يحتل وجهه، زم معتز فمه بغضب وتقلصت قسماته حتى برزت عظامها والتفت إلى كامل متوعدًا:

- استعد للحبس بقا يا.. كامل بيه!

ما إن غادر كامل ومعتز والضابط وتوجه أهل البيت للداخل حتى تفاجئوا بصياح شيماء بهستيريا:

- ماحصلش، دول بيكدبوا يا عمي، أنا متأكدة شهاب والبت دي ماتجوزوش، أنا سمعت بوداني و...

- اخرسي يا شيماء! هتف شهاب بغضب.. أنا كنت عارف نيتك السودا من الأول، خاصة بعد البوست اللي نزلتيه على الفيس بوك، قسمًا بالله لو فكرتي بس تتدخلي في الموضوع ده تاني...

- هتعمل إيه يا ابن عمي هاه؟ هتعمل إيه يا خطيبي ياللي روحت اتجوزت واحدة من الشارع و...

- شيماااااء!!! صرخ غضبًا.. حرف زيادة وهربيكي من أول وجديد.

- شهاااب! صاح والده ساخطًا.. أنا موجود لساتني عايش مامتش، وأنتِ يا شيماء تحطي لسانك جوا بؤك وماتتكلميش عن مرات ابن عمك بالشكل ده.

- بس يا عمي ده ظلم و..

- مفيش حد بياخد أكتر من نصيبه يا بتِّي، ده قدر ربنا وأنتِ نصيبك مش مع شهاب، ارضي بالمقسوم يا بت أخويا علشان ماتتعبيش وتتعبينا معاكي.

خرجت شيماء من الشقة وصعدت تركض إلى شقتها باكية بينما اعتذرت والدتها بالنيابة عنها وصعدت خلفها كما فعل سليم وفرح ثم ذهب الجميع إلى غرفهم.

أغلق شهاب غرفة نومه والتفت ليصطدم بارتباك نارة الجلي على وجهها؛ فاقترب منها بضع خطوات وحمحم قائلًا:

- مفيش داعي للقلق دلوقتي، الأمور كلها عدت زي ما خططنا لها ويمكن أحسن..


#فلاش_باك:

توقف شهاب بسيارته أمام أحد المنازل بالقرية ومازال الاندهاش سيد الموقف لدى نارة منذ أن امسك بيدها وعصف بها إلى السيارة دون أن ينبس بحرف واحد حتى أفرج عن كلماته:

- انزلي!

- يا شهاب فهمني احنا إيه اللي جابنا هنا وبيت مين ده؟ آه يمكن هنستخبى في البيت ده علشان بابا لو عرف حوار البوست؟

- انزلي يا نارة وهتفهمي كل حاجة جوا.

نزلت معه بعدم فهم، ودلفا إلى الداخل، ثم إلى التراس المطل على الحقل لتفاجأ بسليم أخيه وشاب آخر لم تعرفه وكانت الصدمة حينما وقع ناظراها على الشيخ ذي العمة والقفطان ودفتره ومنديله الأبيض أمامه على الطاولة، كان ذلك منزل عبد الله صديق شهاب. 

التفتت بذعر إلى شهاب تهز رأسها استنكارًا وتوسلًا بألا يفعل لكنه أمسك يدها برفق وتنحى بها جانبًا، ثم قال:

- مفيش قدامنا حل تاني، أبوكي كده كده هيلاقينا، الحكاية بقا مسألة وقت مش أكتر، وقتها محدش هيقدر يقول له تلت التلاتة كام وهياخدك غصب عنك ومش بعيد يحبسني ويلبسني في كلبش.

- بس ده غلط، إحنا كده بنهرب من غلط لغلط أكبر منه.

- عندك حل تاني؟ وعلى العموم اطمني أنا بوعدك إن ده مجرد جواز على ورق وإني مش هقرب منك وبعفيكي من أي مسئولية تجاه علاقتنا لحد ما نخرج من الأزمة دي وكل واحد يروح لحال سبيله.

صمتت والتمعت العبرات بعينيها، تفكر بعدم اقتناع، هل لتنجو من زيجة ترفضها تجلب لنفسها لقب مطلقة بعد ذاك؟! بينما هو كان باستطاعته قراءة أفكارها يعلم أنها محقة فيما تفكر به والذي يهرب هو من التمعن به لئلا يتراجع عن قراره، ذلك القرار الذي يعرف عواقبه لكنه ينكرها ولا يفهم سبب تمسكه بها، ربما قطع القلب حبل العقل الذي يخنقه وتحرر لينفض عنه ذلك الصدأ ويفرض سطوه من جديد على ذلك الشاب الغارق في بحر الهيام.


- ها..موافقة؟ سألها بتردد وداخله يردد "أرجوكِ توافقي!"

تشبثت عيناه بعينيها انتظارًا لجوابها حتى هزت رأسها بإيماءة يسيرة تنم عن موافقتها؛ فاتسعت ابتسامته لكن سرعان ما أخفاها وحمحم بإحراج ثم مد ذراعه يشير لها بأن تتقدم معه نحو المأذون..

جلسا على جانبي المأذون الذي سألها:





- الجواز ده يا بنتي برضاكي بدون ضغط من حد؟

وجهت نظرها إلى شهاب وقلبها يخفق بشدة، يتصارع داخلها مئات الأفكار وسؤال واحد يتردد على ذهنها، هل ما هي مقدمة عليه صحيح أم سيجلب لها المتاعب..

- ماردتيش يا عروسة! نطق المأذون.

هزت رأسها بابتسامة مترددة وأجابته:

- أيوا موافقة..برضايا..مفيش حد ضاغط عليا.

- على بركة الله، نبدأ بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله...

شردت نارة في وجه شهاب وهي تسمع ما يمليه عليها المأذون بعد أن وضع المنديل الأبيض فوق يديهما:

- قولي ورايا يا عروسة " زوجتك نفسي..."

رددت خلفه ما قاله وهي شاردة في عالم آخر وكأنها مغيبة، حتى أنها لم تعي أن المأذون قد انتهى حتى سمعته يقول "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"


عودة إلى الحاضر:

- صح كل حاجة مشيت زي ما خططنا لها. قالت وهي تزفر بارتياح، ثم انتبهت لخطواته تتقدم منها وعلى وجهه ابتسامة ماكرة وغمز لها بخبث قائلًا:

- طب إيه؟

ردت بغباء:

- هو إيه ده اللي إيه؟

- يعني إحنا دلوقتي متجوزين رسمي بشرع ربنا وعلى سنة الله ورسوله.

- يعني؟

- كلك نظر بقا.

هرشت ذقنها ولعقت شدقها بلسانها في غيظ مكتوم ثم اقتربت منه وربتت على كتفه قائلة:

- كل عيش يا بابا، كل عيش.

وتركته واتجهت نحو الفراش لتنام، وقبل ذلك تأهبت لإعداد الحاجز بينهما بالملاءة فاعترض منتشلًا منها الحبل:

- أنتِ بتعملي إيه؟ لااا الكلام ده كان زمان قبل ما أكتب عليكي أما دلوقتي هنام جنبك على سريري.

- نعم!!

- نعم الله عليكي ياختي، كلمة زيادة هطالبك بحقوقي الشرعية وأنتِ حرة بقا وريني وقتها هتنفدي من تحت إيدي إزاي.

لوهلة شعرت بالخوف؛ لم تجد خطأ بكلامه، ربنا أرغمها هل ما هو أكثر من مجرد نومه على تخته بجانبها، ظهرت آيات الخوف على وجهها فابتسم شهاب في نفسه مقاومًا رغبته في الضحك، وسرعان ما أعاد تغضنات وجهه حينما طالعته بشجاعة متصنعة:






- جرب بس تقرب مني ولا تمد إيدك عليا، وأنا هحرقك.. أنا نارة يا بابا اعرف بتكلم مين الأول.

رمت كلماتها والتفتت سريعًا لتعطيه ظهرها متجهة نحو الفراش قبل أن تجد الحبل يلف حولها ليعيدها دفعًا إلى شهاب الذي يمسكه من طرفيه؛ فالتصقت به وكادت تصرخ خشية أن تقع لكنه وضع يده على فمها، لوت رقبتها  للخلف قليلاً ومازال يقيدها بالحبل وكاتمًا أنفاسها بيده، طالعته بنظرة شزراء سرعان ما استحالت إلى نظرة تائهة في بئر عميق لا قرار له، ارتخت عضلاتها بين يديه وهي تسبر أغوار عينيه بنظراتها الجذابة، ولم يكن هو أقل منها تيهّا وكأن الأرض انسحبت من تحت قدميهما وتلاشى العالم من حولهما ليرافقهما فقط من نافذة الغرفة ظلام الليل وقمره فوق الحقل الأخضر فتكتمل الصورة ببهائها، لم يدرك شهاب نفسه وهو ينحني عليها لتتقابل شفاههما في قبلة ناعمة، أغمضت عينيها وهي تستمع لوجيب قلبها المرتفع، أمسك رأسها من الخلف وانهال عليها بالقبلات الحميمة وقد تلاشت مقاومتها لتبادله الحب في أسمى صوره....

*************

الديك يؤذن، والعصافير تنشد، يرحبون بصباح جديد، الشمس مشرقة تلقي بذهبية آشعتها على الزروع الخضراء، حتى تسللت من نافذة غرفة شهاب، تقلبت نارة بقلق حتى استفاقت قليلًا، لم تجد شهاب نائمًا على الأرض وليس هناك ذلك الفاصل بالملاءة، اندهشت وتقلبت برأسها لتفاجأ بشهاب نائمًا بجانبها عاريًا إلا من نصف جسده السفلي يغطيه البطانية، فزعت وبرقت عيناها وما هي إلا لحظات حتى نظرت لنفسها لتجد أنها مجردة من ملابسها، لم تستطع كبت صرخة فزعها وانتصبت جالسة تغطي نفسها بالملاءة، صحا شهاب فزعًا يتمتم:

- فيه إيه؟ حصل إيه؟

صرخت بوجهه:

- أنا اللي حصل إيه؟ أنا..أنت.. أنت إزاي نايم جنبي كده وازاي احنا كده؟

- الله يخرب بيتك يا شيخة، قطعتي لي الخلف، حد يصحي حد كده؟!

"فيه حاجة يا ولاد!!!" جاءهم صوت والدته متسائلة بقلق؛ فرد شهاب:

- لا ياماه مفيش حاجة... عجبك الفضايح دي.

- أنت لسه هتتكلم، قوللي أنت عملت فيا إيه؟ إزاي.. إزاي أنا كده من غير هدوم!!

- نعم يا دلعادي، هتعمليلي فيها ناسية بقا وشغل أفلامانات ولا أكون شربتك حاجة أصفرا! ما كله كان بمزاجك!!

- يا نهارك مش فايت، هو إيه ده يالاه اللي كان بمزاجي...

وما لبثت أن تذكرت تدريجيا كل ما كان يرفض عقلها استذكاره، تخضب كامل وجهها باللون الأحمر خجلًا، ضحك شهاب، وقال يغيظها:

- بس إيه كنتِ وحش، يعني اللي يشوفك مايتوقعش يطلع منك كل ده...

لم ينهي كلامه حتى انهالت عليه بالضرب غير مستوعبة ما حدث:

- أنت إزاي تعمل كده..حرام عليك، أعمل إيه أنا دلوقتي، يادي الفضيحة...

انقلب عليها شهاب وثبت حركتها صائحًا:

- فضيحة إيه يا بت أنتِ هو أنا شاقطك من جامعة الدول، أنتِ مراتي! 






كان لتلك الكلمة منه وقعٌ عليها غريب، جعل خفقان قلبها يزداد، اقترب منها كأنه سيقبلها لكن سرعان ما نهض مبتسمًا بمكر كالثعالب، فاغتاظت واستشاطت، كان يلف نفسه بالبطانية،ونهض يرتدي ملابسه ليخرج ويفسح لها المجال لترتدي ملابسها، وضعت كلتا يديها على عينيها حتى ينتهي واثناء ذلك قالت:

- أنا لازم أمشي من هنا فورًا.

- بس يا بت!

- أنا مش بهزر، مش هينفع أنام معاك لوحدنا تاني!

- مش واثقة في نفسك يعني!

- لا مش واثقة فيك.. كفاية اللي حصل، ولا أنت ناسي إن جوازنا كان على ورق بس.

- والله اللي حصل ده أنا مش مسئول عنه لوحدي! قال بحنق.

- خلاص لو سمحت مشيني من هنا.

زفر شهاب ولم يرد، ثم سمعت صوت الباب ينغلق بقوة، أزاحت يديها عن عينيها لتجد نفسها وحيدة بالغرفة، نهضت بضيق وارتدت ثيابها...

وبعدما انتهت وفتحت الباب لتخرج اصطدمت بشهاب كان داخلًا، أشاحت بناظريها بعيدًا عنه بخجل؛ فقال:

- حضري نفسك علشان هنمشي دلوقتي.

*************

اجتمعت الأسرة لتودعهما، قال والده:

- مستعجل ليه يابني، أنت جاي في إيه وماشي في إيه؟

- معلش ياباه عندي شغل مستعجل في المستشفى ولازم أرجع.

- ربنا يقويك يابني ويعينيك.

قبَّل يد والده وقال:

- ربنا يخليك لينا يا حاج. 

قالت نرجس بودٍ:

- ولو إني مالحقتش أشبع من العروسة بس الله يسهل له!

تدخلت الأم على مضص:

- شهاب عايزاك في كلمتين!

تعجب شهاب وأومأ موافقًا وتبع أمه إلى غرفة الجلوس وترك الباب مواربًا وقال بقلق:

- خير ياماه؟ فيه حاجة لا سمح الله؟

لاحت أمارات الغضب على وجهها وقالت بحنق:

- آه فيه.. أنت هتسيب مراتك تمشي في الشارع بشعرها كده وتفضحنا وتجيب لنا العار فى البلد؟

- ياما مايصحش كده بعد إذنك!

- لا يصح يا روح أمك، أنت جوزها دلوقتي وواجب عليها طاعتك، لما تفرض عليها تلبس طرحة ماينفعش تجولك لأ.

- لأ ياما، ده مش عافية.





- ده حقك، وواجبك تجبرها على الصح.

- لا طبعا يا أمي واجبي أنصحها وأرشدها "فذكِّر إن الذكرى تنفع المؤمنين" صدق الله العظيم، مش أجبرها، مفيش إجبار في طاعة الله يا أمي.

- بس...

حينئذ سمعا صوت نارة:

- أنا آسفة يا طنط إني اتدخلت، بس سمعتكم وحابة أرد بما إن الكلام يخصني، تفتكري حضرتك ربنا هيقبل أداء فريضة عبده مجبور عليها؟ دي مش حاجة تيجي بفرد الدراع يا طنط، ربنا أغنى وأعلى من أن عبده يجبر من عبد تاني على أداء عبادة، أنا بتمنى إن ربنا يكرمني وألبس الحجاب في يوم من الأيام بس وقتها يكون بكامل إرادتي وبإيمان واستعداد تام علشان يوم ما ألبسه أتمسك بيه وماستسلمش لأي وساوس داخلية أو





 خارجية، الأمر بالنسبة لي مش سهل بالنسبة للوسط اللي عشت فيه طول حياتي على عكس عندكم هنا البنت بتتحجب وهي طفلة في سن معين وعلى الرغم إنها مش فاهمة ومش على دراية كاملة ومفيش قدامها خيار تاني بس خلاص بيبقى جزء من حياتها لكن أنا لأ، علشان كده يوم ما ألبسه هيكون قراري الشخصي، أنا مكلفة، عاقلة، راشدة، مسئولة عن قراراتي واختياراتي قدام ربنا قبل أي حد ومحدش هيتحاسب عليها بالنيابة عني.


كادت حماتها ترد لكن شهاب عرف أن ذلك الجدال لن ينتهي على خير فكلٍ منهما يرى نفسه على حق وليس على استعداد لاستماع الآخر فقرر إنهاء الجدال بينهما وأخذ نارة مغادرًا القرية إلى التجمع الخامس.


               الفصل السابع من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-