رواية حب خلق بداية الفصل الرابع4بقلم مروة محمد


رواية حب خلق بداية 
الفصل الرابع4
بقلم مروة محمد





في عدم وجود هذا الحلم لدى حليم كان سيقوم بإجراء التحليل الخاص به، كان يريد اكتشاف المجهول، لكن ظهور والده في الحلم غير قوانين اللعبة، وأحلامنا جزء من واقعنا، حيث تلعب ذاكرة اليوم على مستوى الإحساس وإما أن تتحول إلى أحلام يقظة أو أحلام نوم، كان يأمل أن يكون له ذكرى لطيفة في صغره، الذكرى الأفضل له أنه تربى على يد امرأة زاهدة في الرجال رغم صغر سنها وجمالها، ولنقل أن بحلم أمس قد تحرر من بعض الشكوك التي تثاوره، وأدار ظهره لشيء لو تمادى فيه لكان سببًا في دمار قلوب، وهو لا يريد خسارة تلك القلوب، ولكن هل الموتى يشعرون بنا وبأوجاعنا؟ هم رحلوا وارتاحت أجسادهم وتركوا العبث في الدنيا، ولكن لديهم حب لنا أكثر من الأحياء، نحن نشعر أننا نعيش في نعيم وترف، لكن يبدو أن الموتى في نعيم وراحة أكثر منا، خاصة لو كانوا صالحين.

هاتف حليم زياد لأنه من المفروض أن يذهب معه إلى معمل التحاليل، لأن المعمل يخص صديق له ليكون العمل في منتهى السرية، وأيضًا ليضمن ألا يسرد لميارا شيئًا، أبلغ حليم زياد في الهاتف أنه عدل عن الأمر، حتى أن زياد لم يصدقه، شك أنه يبعده حتى لا تعرف ميارا شيئًا.

تنهد حليم بتعب قائلًا:

- أيوه يا زياد، كل الاتفاق اللي حصل امبارح انساه.

جحظ زياد بعينيه قائلًا:

- معقولة كدا مرة واحدة! يعني خلاص انت كدا عندك يقين إن عمي سراج والدك؟

زفر حليم قائلًا:

- سراج أبويا فعلًا، كفاية إنه جالي في الحلم امبارح وأكد ليَّ الكلام دا.

حدق زياد أمامه ببلاهة قائلًا بتسرع:

- قصدك جه لميارا مش ليك صح؟ وميارا  أكيد حكت لك، مع إني نبهت عليها وقُلتلها كفاية هاجر.

ثم استطرد بفرحة قائلًا:

- عمومًا عين العقل يا حليم، أنا كدا ارتحت.

عقد حليم ما بين حاجبيه، وبالخطأ أغلق الهاتف وجلس على مكتبه غير مستوعب ما يحدث، أجاءه في الحلم هو وميارا ونور في يوم واحد؟ ولكن لمَ لم يأتِ لهاجر؟ أيعقل أن هاجر هي فقط ابنة ثريا، وأرادت ثريا أن تستأثر بنور لأنه يبدو شبيهًا لها؟ أم أنه أتى لهاجر ولأنها شخصية كتومة لا تريد الافصاح عن حلمها؟ أخذت الأفكار تعصف برأس حليم لتحوله إلى نقطة الصفر من جديد، ولنقطة أخرى تدل على البلاهة والسطحية، وهي أن سراج تزوج لإنجاب الذكور، تفكير حليم بهذه السطحية كاد يقوده إلى الجنون.

أما عن زياد أخذ يتحدث ثم تفاجئ بأن الخط فصل، ليقطب خطاب جبينه قائلًا:

- إيه مش هتروحوا؟ ومين دا اللي جه لميارا؟ حد من قرايب أمها؟

هز زياد رأسه غير مستوعب ما يحدث قائلًا:

- ميار جالها عمي سراج في الحلم امبارح وقال ليها بلاش تنبش في الماضي، بس فيه حاجة أنا مافهمتهاش.

ارتفعت أنظاره إلى والده قائلًا بدهشة:

- في الأول حليم رفض يعمل التحليل، وقال إن أبوه جاله في الحلم، وأنا ادلقت وقُلتله قصدك ميارا، فمش عارف أنا دلوقتي هو جاله هو كمان ولا جه لميارا بس.

تعجب خطاب، ثم ضرب كفًا على كف قائلًا:

- لااااااا، دا جنان رسمي، انت هتفضل طول عمرك مسحوب من لسانك كدا؟! البنت أمنتك على سر تقوم تقوله لأخوها؟

ثم استطرد وهو يضيق عينيه قائلًا:

- بس حليم مش من النوع اللي لو عرف إن أخته حلمت حلم هيعدل عن اللي في دماغه، ومع ذلك ثريا لازم تعرف باللي بيحصل دا.

ثم أشار إليه بتسرع قائلًا:

- قوم بينا نروحلها.

ابتسم زياد ببلاهة قائلًا:

- منور يا حاج خطاب، عايز أولادها يقرقشوني؟

تعالى صوت خطاب بغضب: 

- انجر قدامي البس وتعالى معايا.

انزعج زياد ثم دلف إلى غرفته وهو يتمتم بغضب قائلًا:

- دا أنا هتنفخ، دي هتسألني عن حلم ميارا  بالتفصيل.

ثم جحظ أمامه فجأة قائلًا لنفسه:

- هي مش قالت لهاجر تبقى ميارا تشك فيها بقى، بس هو عمي سراج ازاي جه للاتنين في الحلم؟!

ثم نظر حوله بخوف قائلًا:

- دي عيلة شكلها ملبوسة وأنا وقعت فيها.

ثم ابتسم بحب قائلًا:

- عادي ملبوسة ملبوسة، المهم أتجوز ميارا حبيبتي.

أثناء تبديل زياد لملابسه، جاءت ذكرى ونظرت لزوجها خطاب بازدراء، فتنحنح هو قائلًا:

- لازم طبعًا ثريا تعرف بكل اللي بيدور في راس أولادها.

زمت ذكرى شفتيها قائلة:

- بس حليم وميارا مش أولادها يا خطاب.

عقد ما بين حاجبيه قائلًا:

- كلام إيه اللي بتقوليه دا يا ذكرى؟ من إمتى احنا بنفكر في الكلام دا؟

ابتسمت بسخرية قائلة:

- دا كلامك امبارح لثريا يا خطاب، حكيت على نور بس.

هز رأسه معارضًا لها وقال:

- لأن ماكنش ينفع أتكلم عن حليم إلا لما يتطمن.

سألته بخبث قائلة:

- ولا كنت ناوي تلعب في التحاليل وتطلعه ابن زنا؟

نظر إليها بحدة وانقض عليها بشراسة قائلًا:

- اخرصي بدل ما أدفنك مكانك.

ولولا نداء زياد لكان سحقها، لينهض من فوقها وهي تغمض عينيها من الأسى والحزن.

وصلا زياد وخطاب إلى ثريا في المطعم الخاص بها، حيث لا يعمل به أبناءها، بل يعمل به خطاب معها، دلفا إلى غرفتها فاستغربت وجودهما، خاصة وجود زياد، فأحذت تحدق فيهما إلى أن ابتسم خطاب ابتسامة خفيفة قائلًا:

- ازيك يا ثريا؟ احنا جايين علشان نقولك حاجة كانت هتحصل وماحصلتش.

ثم صب الخبر عليها دفعة واحدة ليصدمها قائلًا:

- مش حليم كان هيعمل تحليل إثبات النسب النهاردا، بس اتصل بزياد ولغى الميعاد.

عقدت ثريا ما بين حاجبيها، ليأتيها الرد السريع من زياد قائلًا:

- لغى الميعاد وقال إن عمي سراج جاله في الحلم ومنعه، وأنا طول المكالمة كنت مفكر إنه بيحكي عن ميارا.

قطبت ثريا جبينها قائلة:

- إيه دا؟ هو خلاص بقى بيطارد الولدين في حلمهم؟ بس معلش إيه علاقة ميارا بالموضوع؟

ثم أشارت لهما بالجلوس قائلة:

- احكولي بالمختصر لأن أنا دماغي لفت من ساعة ما شفته امبارح داخل أوضة سراج.

جلس خطاب قائلًا:

- اهدي يا ثريا، انتي كمان لخبطيني دلوقتي، هو جه في أحلام حليم، إيه علاقة نور بالموضوع؟

ثم زفر بحنق قائلَا:

- ما هو مش معقول جه في حلم حليم وميارا ونور في وقت واحد!

أرجعت ثريا ظهرها إلى الخلف ونظرت إلى سقف الغرفة قائلة:

- كل دا من الحية اللي اتجوزها عليَّ يا خطاب، انت جربتها بنفسك، وأنا غلطانة إني ماسمعتش كلام سراج وسجلتهم الأربعة باسمي.

ثم أغمضت عينيها بتعب قائلة:

- بقى كلهم تعبانين وبيخافوا علشان عارفين إن الحقيقة عنده لواحده؟ كل واحد فيهم بيحمل نفسه فوق طاقتها علشان يشوف الحقيقة اللي مفصلة في دماغه.

واستطردت تهز رأسها بيأس قائلة:

- وأنا مابقتش ملاحقة، سواء من نور اللي خايف الست دي تظهر وتدمر ميارا، ولا من ميارا اللي عايزة تتجوز وتهرب، ولا من حليم اللي شاكك إن سراج مش أبوه أصلًا، بسبب إن أمهم هربت مع راجل تاني.

ثم استطردت وهي تضع يدها على رأسها:

- سراج كان نفسه ينتقم منها وانت كمان، بس أنا بقول دلوقتي يا مين يعترني فيها، وأنا هعذبها على اللي عملته في أولادي، مش علشان اللي عملته فيَّ وفيك وفي سراج.

ثم نظرت إليه باستهزاء وهي مسلطة عينيها على زياد، تود إخباره أنها علمت بسرد تلك القصة لزياد رغم تحذيرها له، فتحدثت قائلة:

- انت زمان فشلت تدافع عن حقك، ومش انت لواحدك أنا كمان، بس دلوقتي ماعدش حقي وحقك، دا حق أولادي، أنا بعمل البدع علشان بس هي تظهر.

واستطردت بحقد قائلة:

- ومش هرتاح إلا لما ألاقيها.

رفعت يدها من على رأسها تنظر إلى خطاب برجاء قائلة:

- ساعدني يا خطاب نلاقيها بس بطريقة نخليها هي اللي تجي لحد عندنا، ومن غير ما الأولاد يحسوا، ماشي يا خطاب؟

أشاح خطاب وجهه إلى الجانب الأخر دلالة على رفضه المساعدة، لتغضب منه قائلة:

- خلاص مش عايزة منك حاجة.

واستطردت بحزن:

- هو لو كان عايش كان عرف يجيبها تحت رجليا، أنا كمان هقدر لواحدي، بس من هنا ورايح ماعدش ليك علاقة بينا، حليم عايزها وأنا هساعده يلاقيها.

ثم جزت على أسنانها قائلة:

- أنا مش هرتاح إلا لما هو يرتاح، وانت متشكرة ليك قوي كدا.

ثم نهضت لتتجاهله هو وزياد تمامًا، لينظر زياد إلى خطاب برجاء، حتى لا تقوم بفسخ خطوبته بميارا، فنهض خطاب قائلًا:

- انتي قوية قوي يا ثريا، بس أنا مش هتخلى عنك زي ما انتي فاهمة، وعلشان الأولاد مش علشاني، لأني بجد صعبان عليَّ الحالة اللي وصلوا ليها.

واستطرد بخبث قائلًا:

- الأولاد اتربوا في وسطنا وعمرهم ما حسوا بتفرقة في المعاملة، بس بدأوا يحسوا بالتعب بعد ما عرفوا، والنتيجة محتاجين دكاترة نفسيين.

ثم هتف بيأس مصطنع قائلًا:

- أول مرة في حياتي أحس إن سراج مات، بس انتي مش خايفة يا ثريا؟ مش يمكن ساعتها تألف حكاية إنها أخدت الفلوس مجبورة، وإن هي كانت مجرد واحدة جايا تحمل وتخلف وتمشي، وكمان الوضع اللي فيه الأولاد دلوقتي هيزغلل عينيها؟ تخيلي كدا لو صدقوها.

و فجأة صمت عندما استشعر قلقها، ثم أكمل:
- يبقى اللي عملتيه السنين اللي فاتت هيروح هدر، لا وكمان ممكن تفقدي ثقة أولادك الحقيقيين، انتي مدركة إنك ممكن تخسري كله.

واستطرد بمكر قائلًا:

- أول حاجة أولادها، وبعدها أولادك، بس فيه احتمال  كبير تكسبي وتشوفيها مذلولة قدامك.

ردت ثريا بثقة قائلة:

- انت قُلتها يا خطاب، دي هتبص للوضع بتاع الأولاد وهتيجي بسببه، هتيجي في دماغها تقتل فرحتي، بس مش هتقدر لأنها باعت أولادها بالرخيص.

واستطردت بازدراء قائلة:

- وخانت سراج، بس هتحاول تثبت إنها مظلومة، وأنا هنتصر عليها في الآخر، لأن عندي ثقة في ربنا كبيرة، وانت وذكرى هتساعدوني.

وابتسمت بخبث قائلة:

- ومش هتسيبوني لواحدي أصارع معاها، بس ممكن تكون ماتت، أنا ممكن أحكي للأولاد كل شيء، بس صعبان عليَّ أقول ليهم إنها خاينة.

ثم بصقت على الأرض قائلة:

- هي حقيرة خلت الأولاد يشكوا في نسبهم.

تنهد خطاب بحقد قائلًا:

- تعرفي إني كمان شاكك زيهم بعد اللي حاولت تعمله معايا، طبعًا ذكرى حكت ليكي، ولما رفضت هددتني، كل دا علشان تبعدني عنه لأنها عارفة إني مشاركه والرابط اللي بينك وبينه.

ثم تعالت نيران صدره قائلًا:

- وخيرته ما بينك وما بينها بعد ما حملت، ولو كان عرف منك إنك حامل يمكن كانت الأوضاع اتغيرت، بس انتي فضلتي إنه مايعرفش.

واستطرد بحقد قائلًا:

- كل اللي حصل دا بسببها، أنا وذكري شفناكي وانتي بتضحكي ومن جواكي حزينة، حتى بعد ما بقى معاكي الأربعة ضحيتي بكل حاجة علشانهم.

تنهدت ثريا بتعب قائلة:

- اسمها علشان أولادي يا خطاب، أنا نفسي أشوفهم مرتاحين.

ابتسم لها خطاب قائلًا:

- أخدوا منك كل حاجة يا ثريا، شبابك وصحتك وجمالك.

تعالت ضحكات ثريا قائلة:

- شبابي وصحتي وجمالي فدا أولادي .

ابتسم لها بفخر قائلًا:

- كل تعبك دا مش هيضيع.

ثم استطرد حديثه وهو ينظر إلى زياد، الذي بدا مبهورًا بثريا، فضحك قائلًا:

- شايف حماتك قوية ازاي؟

ابتسم زياد قائلًا:

- بس وربنا لسه حلوة، يا رب أولادي يبقوا شبهك يا حماتي.

تعالت ضحكات ثريا ورجت كل الأركان، ليرد خطاب عليه بمرح قائلًا:

- يا رب يا أخويا، بس عارفك فقري هتجيبهم شبهك، جهز بس بقية حاجتك ماتفضحناش.

انتهى لقائهما بثريا ليخرجا من غرفتها في لحظة دلوف حليم إلى المطعم، جاء يود التوقيع منها على بعض الأوراق، ليتفاجئ بهما، ولكنه اختبأ خلف الجدار ودلف من بعد خروجهما إلى غرفتها.

دخل إليها مبتسمًا وهي شاردة، ليهبط بجسده على سطح المكتب قائلًا:

- سرحانة في إيه يا ثريا؟

خرجت من شرودها وابتسمت قائلة:

- سرحانه في حليمو حبيبي.

أغمض عينيه بسعادة قائلًا:

- أنا في قمة انبساطي لما ثريا تسرح فيَّ، انتي فتاة أحلامي.

تعالت ضحكات ثريا قائلة:

- أيوه بقى يا عم البكاش انت، قول لي جاي ليه؟ أنا قلقت عليك امبارح لما شفتك داخل تنام في أوضة باباك، في حد ينام في وسط الذكريات؟

ثم وضعت يدها واحتضنت وجهه قائلة بحب:

- نفسي يا حليم تقول اللي في قلبك ليَّ زي زمان، ونفسي ترجع ل(ويمي) حبيبتك.

رفع حليم أكتافه بلا مبالاة قائلًا:

- مفيش حاجة أقولها، ماتشغليش بالك انتي بس وتسرحي كتير، وويمي موضوع وراح لحاله.

ابتسمت ثريا بخبث قائلة:

- أنا عارفة مالك يا حليم، عايز تعرف وتتأكد إن سراج باباك، بس مش قادر تستنى، عايز هي ترجع وتتحاسبوا.

تنهد حليم قائلًا:

- أنا حلمت ببابا امبارح زي نور، سمعته بيحكي ليكي حلمه، ماما تفتكري ليه حلمنا أنا ونور بيه؟ هو انت خلفتك بنات؟

وضعت ثريا يدها على وجهها لتتعالى ضحكاتها بصخب، وهو ينظر إلى الحالة الهيستيرية التي وصلت لها ويعاتب نفسه على سؤاله الذي يحمل البلاهة، لتقول من بين ضحكاتها:

- أيوه أنا عندي بنت يا حليم، هاجر انت نسيتها ولا إيه؟ بس فاكر دا معناه إيه في علم النفس؟

عقد ما بين حاجبيه قائلًا:

- هي وصلت لعلم النفس! ليه اتجننا؟

ابتسمت ثريا قائلة:

- دي روحانيات، مجرد إنك بتربط أحداث اليوم وتحطها في دماغك هتحلم بيها يقظة أو نوم.
ثم أضافت بحزن:

- والفترة الأخيرة كنتم بتفكروا فيه كتير، علشان كدا انتو التلاته حلمتوا بيه.

قطب جبينه قائلًا:

- روحانيات معقول! كان جه لهاجر كمان، يا ترى ليه مجاش لهاجر؟ علشان هاجر شبهك مثلًا؟ ما هو شكله مش راضي يزورك.

أغمضت ثريا عينيها قائلة:

- هيزورني ليه وهو على طول قدامي وشريط الذكريات بينا طويل؟ اوعى تحس في يوم إن باباك مش بيحبني، انت ماتعرفش إننا اتجوزنا عن حب؟

ثم ابتسمت بحب قائلة:

- وأنا كنت بحبه كتير، كفاية إني أنا كان نفسي أسمي ابني حليم وهو سماك على الاسم دا.

واستطردت قائلة:

- بالنسبة لهاجر، هاجر عايشة حياتها ومش بتفكر كتير زيكم يا حليم.

هز رأسه بتفهم قائلًا:

- عارف، بس يا ماما هي سمعت زيي إن نور حلم بيه وأكيد ميارا حكت ليها.

هزت ثريا رأسها بلا مبالاة قائلة:

- ماتخافش يا حبيبي، هي هتفكر وقتها بس وهتنسى بعدها، قولي بقى ناوي على إيه؟ ولا مش حابب تتكلم؟

ثم رفعت أكتافها بلا مبالاة قائلة:

- لو مش حابب هسيبك على راحتك.

ابتسم حليم قائلًا:

- يا واد انت ياللي عايز تسيبني على راحتي، وانتي من جواكي عايزة تعرفي في دماغي إيه، أنا هقولك يا ماما.

ثم نظر إليها بخبث قائلًا:

- لأن شكلك مش هترتاحي إلا لما تعرفي.

ابتسمت ثريا بخبث ورفعت أكتافها قائلة:

- براحتك، أنا مرتاحة طول ما انت مرتاح.

سرد لها حليم ما كان يود فعله بخصوص تحليل إثبات النسب، تناقشا سويًا ووصلا لحلول ترضي كل الأطراف، ليخرج من عندها ويراه خطاب ليحدث نفسه قائلًا:

- إيه الحكاية؟ بقاله فترة مش بيجي المطعم الرئيسي، ربنا يستر.

تنهدت ثريا بسعادة بعد خروج حليم، وكل هذا بسبب مصارحته لها بما في قلبه.

أثناء جلستها مع حليم كانت تشعر أنها بطلة هذه الجلسة، يعطيها حضور واحترام وتقدير كأنها ملكة، اللحظات معه تقدر بأعوام، جلستها مع نور تختلف كثيرًا، نور عملي للغاية، تستشعر أنه يقوم بمهامه تجاهها كأم، لا تستشعر مدى عظمتها معه، تتعجب له هل سيحل به مكروهًا لو عاملها بحنو زائد مثل حليم؟! رغم أنها لن تنكر عليه أنه يضيف البهجة على وجهها، ولكن ليس مثل حليم أو أنها تريدها من حليم أكثر.

قام خطاب بمهاتفة زياد سريعًا، ليستعلم منه متى أتى حليم إلى المطعم الرئيسي.

- انت يا زفت، لما جيت عندك كان حليم موجود؟ ولا هو هنا من بدري ى لما خرجنا؟ بس هو عرف منين إننا جوا؟

رد عليه زياد بخيبة أمل قائلًا:

- طيب مش أنا قلتلك يا حاج بلاش تاخدني معاك؟ دي فتانة وهتقول له وهتقول لميارا، وميارا  هتعند عليَّ وماعدتش هتقول لي اللي جواها.

زفر خطاب بحنق قائلًا:

- لا هي مش هتقول لميارا بالذات، ولما يحصل ابقى راضيها بكلمتين، المهم أنا مبسوط والله يا زياد وأنا شايف حليم خارج من عندها بيضحك.

ثم استطرد بقلق قائلًا:

- النهاردا وهي مصممة ترجع البومة ولاء قلقتني، لو الست دي ظهرت في حياتهم تاني هتبوظ الدنيا، وأولادها أكتر ناس هيتعذبوا من وجودها.

ثم أضاف بقوة قائلًا:

- دي حاولت تقتلهم وهما في بطنها، والله أعلم، على رأي حليم هما أولادها ولا لأ، عمري ما هقدر أنسى اليوم اللي حاولت فيه معايا.

تنهد زياد قائلًا:

- ياااه، علشان كدا مش حابب ظهورها؟

خطاب بحقد ردد قائلًا:

- جدًا وبتمنى تكون ماتت، المهم احنا عايزين نكتب كتابك على ميارا، أنا عايز لو الست دي رجعت ميارا  تكون على ذمتك.

ثم ردد بكره قائلًا:

- دا هيخليها ماتقربش منها.

هز زياد رأسه بانصياع قائلًا:

- صح، حتى دا كمان رأي ميارا، هيحصل ماتشغلش بالك.

قطب خطاب جبينه قائلًا:

- هي ميارا حتى بعد الحلم لسه مستعجلة؟

تنهد زياد بتعب قائلًا:

- ميارا مش راجل يا بابا علشان تبقى قوية، وبعدين دماغها بتدور فيها سؤال مهم، اللي هو ليه عمي سراج ساب ثريا الجميلة اللي بتخلف وراح اتجوز غيرها؟

واستطرد بحزن قائلًا:

- كمان ليه هي سابتهم بعد ما ولدتهم؟

هز خطاب رأسه قائلًا:

- يا ترى لو عرفت السبب هترتاح؟ بس فعلًا  الخوف لتقول لهم إنها كانت مجرد زوجة تخلف وتمشي.

وبعد إغلاقه للخط جاءه الاتصال المنتظر، فرد بخبث قائلًا:

- أخيرًا يا لولي.

ضحكت ضحكتها الرنانة وقالت:

- أومال انت فاكر إيه يا خطاب؟ ولاء مابتخلصش.

سألها بتوجس قائلًا:

- ناوية على إيه؟

رد بخبث قائلة:

- كل خير يا خطاب، هاخد حقي تالت ومتلت.

زفر بحنق قائلًا:

- بس دا مش حقك يا ولاء.

لوت شفتيها قائلة:

- ولما تعلي نفسها عليَّ قدام أولادي مايبقاش حقي؟ ولا انت مش ناوي تساعد يا خطاب؟

رد عليها بخبث قائلًا:

- هساعد في اللي فيه مصلحتي وبس يا ولاء.

ثم أغلق الهاتف في وجهها، ليشتعل لهيب الحقد والكره لديها، لأنها تأكدت أن خطاب ينتظر رضاء ثريا عليه، ومن ثم سينقلب سحر ولاء عليها.

بعد عودة حليم إلى نور زفر نور بحنق قائلًا:

- ممكن أعرف ليه وقفت استيراد شحنة دقيق البسبوسة؟

اندهش حليم من محاسبة نور له، ورد قائلًا:

- علشان الشحنة دي مش سليمة، آه هناك اتقفلت وهي سليمة قدام المندوب بتاعنا، بس بعد ما مشي اتبدلت.

عقد نور ما بين حاجبيه قائلًا:

- وانت عرفت منين إنها اتبدلت؟

رد عليه حليم بثقة قائلًا:

- زي ما فيه مندوب بيتابع، فيه واحد بيراقب.

حدق نور في وجهه قائلًا:

- انت كمان باعت واحد يراقب؟

تنهد حليم قائلًا:

- طبعًا مش أحسن ما نتضرب في السوق.

ابتسم نور بفخر قائلًا:

- والدماغ العالية دي وصلتلها ازاي؟

ابتسم حليم بسخرية قائلًا:

- أيوه بقى دا قر ولا حسد؟ يا ابني لما تلاقي دماغي شغالة كدا يبقى تتأكد إني ابن ثريا.

لوى نور شفتيه قائلًا:

- وليه لا؟ مش يمكن أنا اللي أطلع ابن الست التانية؟

تعالت ضحكات حليم قائلًا:

- دا بقى اللي استنتجته من حلم امبارح؟ طيب بص بقى هو جالي وجه لميارا وأتحداك إنه جه لهاجر هي كمان.

واستطرد قائلًا:

- بس أنا وانت وميارا استسلمنا وسمعنا له وهاجر لأ.

قطب نور جبينه قائلًا:

- بتقول إيه؟ جالك وجه لميار؟

ابتسم حليم قائلًا:

- معلم والله كان عامل حلم حصري امبارح، الحكاية يا نور إن احنا التلاتة دماغنا شغالة أسئلة.

زفر نور بحنق قائلًا:

- أنا مشغول بيك انت وميارا، انت من ساعة ما ميار عرفت وانت مش حليم بتاع زمان، حتى وئام ضيعتها من إيدك.

هز حليم رأسه بيأس قائلًا:

- انت مش حاسس بيَّ، وأنا بس اللي شايل هم أيام ماحدش يعرفها، أنا خايف يا نور.

وتحدث بثقة قائلًا:

- خايف أرتبط بوئام، أقولها إيه وأقول لأولادي إيه؟ ومش هقدر أكدب وأقول لهم ثريا تبقى أمي.

تنهد نور قائلًا:

- أنا حاسس بيك والله يا حليم، بس وئام ملهاش ذنب.

زفر حليم قائلًا:

- يا نور تقدر تقول لي ميارا موافقة ليه على زياد رغم إنها أكتر واحدة فينا بتتريق عليه؟ أتمنى مايكنش هروب.

ربت نور على يده قائلًا:

- اسمعني يا حليم، اسألها وهي هتقول ليك الحقيقة، وانت بعدها هترتاح، واحكي لوئام وهي تختار.

قطب حليم جبينه قائلًا:

- وانت عارف؟

هز نور رأسه بالإيجاب قائلًا:

- أيوه وهقول لك يا حليم.

ابتسم حليم بسخرية قائلًا:

- شفت الموضوع برجلني ازاي لدرجة إني ماحاولتش أعرف زيك، وكل اللي في دماغي شكوك وبس، رغم إن ميارا بعاملها زي بنتي مش أختي.

ثم أشار إليه يؤيده قائلًا:

- انت طلعت صح، الموضوع دا أخد أكبر من حجمه.

رد عليه نور بقلق قائلًا:

- أنا أهم حاجة عندي ماما ثريا، لو في يوم أمك رجعت وانت اختارتها حتمًا هتتقهر، ولو اختارت ماما ثريا احتمال أمك تتقهر أو تقول حاجات من الماضي ترجعك بيها.

واستطرد بحكمة قائلًا:

- كتير بسمع إن الأم مش اللي بتخلف، الأم هي اللي بتربي، بس أنا لو في مكانك وماما ثريا طلبت مني إيه هعمله، لأن حضنها ليَّ أكبر حضن في العالم.

وهز رأسه بثقة قائلًا:

- ومفيش حاجة تغنيني عنه.

تنهد حليم بضيق قائلًا:

- مش أكتر مني، أيوه أنا بدور على التانية، وهفضل أدور عليها، لو انتو مش حابين دا عادي انسوني.

هز نور رأسه متفهمًا وقال:

- براحتك.

قطب حليم جبينه قائلًا:

- يعني إيه هتنساني؟

تنهد نور بتعب قائلًا:

- لا، ما تحلمش، أنا وراك والزمن طويل.

تعالت ضحكات حليم قائلًا:

- حبيبي يا نور ما انت الضهر بتاعي برضو، المهم تعالى أقولك سر.

اندهش نور قائلًا:

- سر إيه؟ لقيتها صح؟ آه علشان كدا واثق وانت بتتكلم.

هز حليم رأسه بإيجاب قائلًا:

- حليت اللغز.

هز نور رأسه ببلاهة، ليبتسم حليم بخبث قائلًا:

- بابا اتجوز أمي علشان يخلف، طبعًا انت هتستغرب ازاي.

ابتسم نور ببلاهة قائلًا:

- لا، يلعن أبو دا حلم حلمته وهتطلعه علينا، أنا يا أخويا ماليش في فك الألغاز بتاعتك دي.

تعالت ضحكات حليم ومسح على وجهه قائلًا:

- أبوك فعلًا اتجوز علشان يخلف، أنا نفسي استغربت زيك، لأن ماما ثريا كانت قصة إنها تخلف صعبة، وهو كان مستعجل وخايف عمك خطاب يورثه.

ثم اقترب منه ونور شاردًا في الأمر ليسأله قائلًا:

- ها؟ فهمتني كدا؟

صمت نور ولم يفهم ما قاله حليم، لم يفهم أيضًا من أين جاءت تلك الأسرار له، هل من الحلم؟ أم أنها حقائق حصل عليها من خطاب؟ أم مجرد إحساس؟

فزفر حليم بسبب صمته وردد قائلًا:

- يا ابني هو أنا بتكلم هندي؟

نظر إليه نور بشك قائلًا:

- عمي خطاب اللي قال لك كدا، صح؟

هز حليم رأسه بالسلب قائلًا:

- والله لو كان قال لي ماكنتش صدقته.

رد نور بثقة قائلًا:

- معاك حق، بس برضو عرفت منين؟

مسح حليم على وجهه قائلًا:

- أنا روحت لماما ثريا المطعم الرئيسي، وشفت عمك خطاب وزياد خارجين من عندها، فعرفت إن الليلة فيها إنَّ، وإنهم رايحين يفتنوا عليَّ أنا وميارا.

ثم ابتسم بثقة قائلًا:

- دخلت وقعدت معاها وقالت لي كل الحقيقة.

ابتسم نور بحب قائلًا:

- كنت متأكد إنك أول واحد فينا هتعرف الحقيقة.

تنهد حليم قائلًا:







- بس الحقيقة وجعتني قوي يا نور.

استصعب نور موقف حليم وسأله قائلًا:

- ليه بتقول كدا يا حليم؟ هي يعني كانت قتلتكم؟ مش دي الحقيقة اللي نفسك تعرفها؟

هز حليم رأسه بمرارة قائلًا:

- الظاهر إني غلطت.

حاول نور إخراجه من تلك الحالة قائلًا:

- بس عمك خطاب وزياد مش هيبطلوا عادتهم دي، وربنا أروح أطربقها فوق دماغهم.

علم حليم أن نور يحاول تشويشه فابتسم قائلًا:

- اسمع بقى بقية الحقيقة، أنا أمي سرقت أبويا وهربت مع عشيقها.

خجل نور من الموقف وردد بصوت منخفض:

- عشيق إيه؟

أخرج حليم من جيبه صور لوالدته بعد وفاة والده ورد قائلًا:

- صورها النهارده ماما ثريا اضطرت تديهم ليَّ، الصور دي خلتني عايزاها تبقى قدامي بأي شكل، كنت فاكر إنها مظلومة.

أشاح نور بوجهه لا يريد مشاهدة الصور ورد عليه قائلًا:

- الطبيعي إنكم تفكروا إنها مظلومة، خلاص يا حليم فكك منها بقى.

نظر حليم أمامه بحقد قائلًا:

- لسه بدري أنا وراها والزمن طويل.

حدق نور في وجهه قائلًا:

- كدا انت بتفتح على نفسك طاقة جهنم.

ابتسم حليم بخبث قائلًا:

- أيوه أنا بقيت عامل زي المحارب اللي قرب من عدوه.

انتهى الحوار بينهما، وبعد أيام وتجهيزات لعقد قران ميارا وزياد انتهزها حليم فرصة ليطلب وئام للحضور، هاتفها ولكن لم تجب عليه، كانت تقوم بغلق الهاتف في وجهه ليشعر أن مشاعرها من ناحيته تجمدت، قرر الذهاب إلى النادي فلم يجدها، رابط يومًا ما تحت منزلها وانتظرها وهي تخرج من مبنى العمارة واستوقفها قائلًا:

- وئام استني، دا كارت كتب كتاب ميارا حبيت أجيبه بنفسي.

نظرت إليه وإلى الكارت شذرًا وردت بجفاء قائلة:

- آسفة مش هقدر أحضر.

قطب جبينه قائلًا:

- ليه؟ تحبي ميارا تعزمك بنفسها؟

ردت عليه بجمود:

- فيه واحد جاي يزور أهلي في نفس اليوم علشان هتخطب.

صُدم وردد بعدم استيعاب قائلًا:

- مستحيل!

سألته بسخرية:

- ليه مستحيل؟ حرام عليَّ أتخطب وأتجوز زي بقية الناس؟ ولا هفضل مربوطة بسيادتك يوم حلو معايا ويوم تقلب عليَّ من غير أسباب؟

فاق من ذهولة على كلماتها ولملم مشاعره التي بُعثرت ورد قائلًا:

- بتمنالك السعادة من كل قلبي، عن إذنك.

انصرف وعند انصرافه سلب منها شيئًا مهمًا قد سلبه من قبل، ألا وهو قلبها، ولكن هذه المرة سلبه ممزقًا في هواه.

جاء يوم عقد قران ميار وزياد، نظر خطاب إلى زياد وجده متوترًا فلوى شفتيه بامتعاض قائلًا:

- إيه يا بني مالك؟ دا كتب كتاب مش جواز؟

ابتسم زياد ببلاهة قائلًا:

- في حاجة بتقول لي إن ولاء البومة هتيجي وتظهر النهارده، الظاهر كدا إني نحس.

نهض خطاب يعدل له من رباطة عنقه قائلًا:

- كنت زيك كدا يوم كتب كتابي على أمك، المهم دلوقتي عايزك تحط ميارا في عينيك، نسيها اللي مرت بيه الأيام اللي فاتت.

وحثه قائلًا:

- واتكلم معاها دايمًا عن مستقبلك.

هز زياد رأسه بتفهم قائلًا:

- ماشي هيحصل والله.

ذهب زياد إلى ثريا يبتسم لها قائلًا:

- مش كنتي تيجي معانا نسهر بعد كتب الكتاب يا حماتي.

ولكن ثريا كانت في عالم أخر، تسأل عن شخص واحد وتردد قائلة:

- هو حليم فين؟

رفع زياد كتفيه بعدم معرفة قائلًا:

- مش عارف.

التفت يد نور حول كتفيها لتطمئنها قائلًا:

- اطمني هو بس بينقي هدية شيك لأخته وجاي فورًا.

زفر زياد بحنق قائلًا:

- أيوه، بس كدا المأذون هيزهق ويمشي.

لوى نور شفتيه قائلًا:

- طيب هي فين العروسة؟ ما هي لسه ماجتش من الكوافير.

زفر زياد بغيظ:

- لزومه إيه تلطش وشها؟ كل دي عطلة، بس يلا علشان ماتزعلش.

لوى نور شفتيه قائلًا:

- وانت ازاي ماروحتش معاها زي بقية العرسان؟ أو على الأقل تجيبها.

رد زياد بعصبية:

- اتحايلت عليها قالت لي إنها حابة تروح مع هاجر.

كاد أن يرد نور ولكن لفت نظره صمت ثريا وشرودها  وتركيز بصرها نحو خطاب، فهزها برقة قائلًا:

- مالك يا ماما بتبصي ناحية عمي خطاب جامد كدا ليه؟

على الجانب الآخر انتبه خطاب لنظراتها وحدث نفسه بخوف قائلًا:

- ارجعي عن اللي في دماغك يا ثريا وحطي إيدك في إيدي بدل ما تيجي فوق دماغك.

انتظر نور ردها ولكن لا رد، فحدث نفسه قائلًا:

- آه، الحكاية فيها عمي خطاب، كنت حاسس إن عينه منك يا ثريا، بس وحش قوي لما يبقى راجل متجوز ويحب مرات ابن عمه الأرملة.

واستطرد بكره قائلًا:







- ووحش كمان إن مراته صاحبتك.

رفعت ثريا رأسها إلى نور كأنها استمعت له، فرددت قائلة:

- مفيش حاجة وحشة من اللي في دماغك يا نور، أنا عمري ما أبص لجوز صاحبتي.

تنهد نور براحة قائلًا:

- ريحتي قلبي يا ماما، دا أنا طول عمري حاسس بالحكاية دي.

ثم أحاط وجهها بكفيه قائلًا:

- حبيبتي انتي لسه بتحبي بابا؟ أنا فخور إنك أمي.

تذكرت ثريا رفضها لسراج وردت قائلة:

- بحبه بس علشان هو السبب في وجود أولادي، خصوصًا حليم.

زم شفتيه باصطناع قائلًا:

- أيوه يا عم حليم قلبك، الوحيد اللي شكله بيرجع ذكرياتك مع بابا.

ضربه حليم بخفة من خلف رأسه قائلًا:

- عنك بقى وانت مستولي على المزة من أول الحفلة، دا اليوم دا بتاعي بس.

لم يجبه نور وتعمد إغاظته بمرح واحتضنها لينظر إليه حليم بغيظ قائلًا:

- انت بتعاندني؟

ثم جذبها بخفة من بين أحضانه وهي كالفراشة بينهما مستمتعة بما يدور بينهما لتسمعه يقول:

- أنا بزعل لما حد بياخدها مني.

خرجت ثريا من بين أحضان حليم تراقب انفعالات نور وهو يغني قائلًا:

= لا يا ثريا، تخونوه! وعمره ما باعكم ولا اشتكي منكم، قلبي ليه تخونوه؟

ثم أوقف غنائه قائلًا:

- عارف يا حليم أنا مبسوط قوي إنك بتحبها أكتر مني.

أغاظه بخفة حليم قائلًا:

- طيب انبسط كمان وكمان يا عم نور.

هز نور رأسه مبتسمًا وقال:

- انت مش واخد بالك إن دا كتب كتاب أختك، وعارف طبعًا إنك وكيلها، أنا ممكن أنتهز الفرصة وأخد مكانك.

ثم رفع يده ممازحًا وقال:

- أنا ما هصدق أصلًا، ولا تسيب المزة بما يرضي الله وتروح تتوكل للبت.

وبالفعل جاءهم خطاب ليطلب منهم قائلًا:

- المأذون بدأ يضايق، بلاش نأخره أكتر من كدا، لسه وراه مشاغل.

ضحك حليم قائلًا:

- إيه يا عم خطاب؟ هو كتب كتابك؟ انت مالك مستعجل كدا ليه؟ ولا كأن عايز تخلص من حمل، دا انت بتجوز ابنك مش بنتك.

ثم استطرد باستهزاء قائلًا:






- زي ما يكون بتخلص منه، والناس اللي من نوعية زياد خفيفة محدش يقدر يستغنى عنها.

علم خطاب أن حليم يقوم بالاستهزاء به فتركهم وابتعد  عنهم، لتنظر ثريا إلى حليم وتعاتبه قائلة:

- ليه عملت كدا يا حليم؟

وجدته صامتًا ينظر نحو خطاب بحقد وغل لتهزه قائلة:

- حليم ساكت ليه يا حليم؟

رد عليها حليم بكل ثقة قائلًا:

- انتي عارفة أنا ساكت ليه.

هزت رأسها بعدم فهم قائلة:

- لا مش فاهمة.

علم نور أن الشجار ابتدأ، فحاول الخروج من هذا الشجار قائلًا:

- ماما بصي هناك على البت حنان كدا، إيه رأيك فيها تنفعني ولا هتتأمري؟

ابتسمت ثريا بخفوت قائلة:

- حلوة زيك يا نور، وزي وئام اللي هتبقى إن شاء الله مرات حليم.

انتبه حليم لذكر اسم وئام وتنحى عن شجاره مع ثريا قائلًا بنبرة حزن: 

- وئام مش هتبقى مراتي، وئام خطوبتها النهاردا.

ابتسمت ثريا وهي تنظر نحو الباب قائلة بخبث:

- ودا خطيبها اللي معاها؟

التفت حليم نحو الباب ليصدم من رؤيتها وحضورها الطاغي، تدلف هي وقدري يسيران كتفًا بكتف، يبدو عليهما الارتباط، ليتحطم قلب حليم.



                  الفصل الخامس من هنا

تعليقات



<>