رواية حب خلق بداية الفصل الخامس5بقلم مروة محمد


رواية حب خلق بداية 
الفصل الخامس5
بقلم مروة محمد






عزيزى خطاب، ما تريده بخصوص الجميلة ثريا لن يحدث مطلقًا، اترك ما تفكر به، لأنك في النهاية لن تحصل عليه، لن تكون لها بديل عنهم، لن تصلح من الأساس، ستُكره من قِبلهم، والعائلة هذه ستظل مترابطة إلى آخر الدهر، وهي بحبها خلقت بداية للجميع، فلن تنهي تلك البداية لارتباطها بك.






بعد انتهاء مراسم عقد القران، في اليوم التالي كانت ثريا مقاطعة حليم منذ لحظة عدم جوابه عليها وتجاهله لها، مما أثار حزن نور عليها، هبط إلى الأسفل وجدها حزينة فابتسم لها يحنو عليها  قائلًا:

- خلاص بقى يا ماما، سيبيه براحته، هو هيجي من نفسه ويحكي ليكي.

نظرت ثريا أمامها بشرود قائلة:

- حليم زي سراج أبوه، عارف إني مش بحب الأسرار، ولازم يحكي، نور لو تعرف احكي انت.

تنهد نور قائلًا:

- حليم دا صعب.

فجأة ظهر حليم فوق الدرج، فقام نور بوضعه في مأزق فناداه قائلًا:

- تعالى يا سي حليم، لازم تحكي لماما ليه بتعامل عم خطاب وحش.

استكمل حليم نزوله على الدرج، وصل إليهما وابتسم قائلًا:

- لا أنا معاملتوش وحش، انتي اللي بيتهيألك يا ماما ثريا.

نظرت ثريا إلى نور قائلة:

- مش قلتلك يا نور، حليم نسخة من سراج أبوه، مش بيحب يقول اللي عنده.

زفر حليم بخنق قائلًا:

- من فضلك يا ماما ماتطلعنيش شبيه لبابا.

لوت ثريا شفتيها بسخرية قائلة:

- حاضر يا  حليم، وانت كمان بطل تعمل زيه وتخبي أسرار، أنا آه خبيت أسرار وحقكم عليَّ كلكم، بس والله دا كان لمصلحتك.

واستطردت تتراجع قوتها قائلة:

- قول لي بقى مالك ومال خطاب يا حليم؟ وانت كمان يا نور؟

صمتا ينظران لبعضهما، ولتوفر عليهما عناء الإجابة زفرت بخنق قائلة:

- ولا أقولكم أنا مش عايز ، أنا ماشية.

غادرت ثريا المكان وتركتهم، ليبتلع نور ريقه قائلًا:

- نور مين؟ وأنا مالي؟ هو أنا جيت جمبه؟ اللي حصل كان قدامها، واللي لازم تستجوبه هو انت مش أنا.

ابتسم حليم ابتسامة باهتة وقال:

- أنا هقولك .

حدق نور في وجهه قائلًا:

- هو فيه سبب يعني؟

هز حليم رأسه بالإيجاب قائلًا:

- انت مش ملاحظ إنه رافض رجوع أمي، وأنا لما عرفت كدا قلت لازم أعرف السبب.

رد نور بضيق قائلًا:

- وما واجهتوش ليه أحسن؟

رد حليم بسخرية قائلًا:

- ما انت عارف دا بيطلع سره بالعافية، بس برضو اللي مضايقني من عمي خطاب السبب فيه هو بابا.

ضرب نور على كفيه قائلًا:

- أقولك إيه؟ أنا نفسي تعبت، بس بابا السبب في إيه معلش؟

واستطرد بحيرة:

- اللي أعرفه إنه كان مشارك عمي خطاب وفض شراكته علشان شاكك إنه طمعان فيه.

هز حليم رأسه بالسلب قائلًا:

- لا، اللي حصل إن أمي اتهمت عمي خطاب إنه حاول يعتدي عليها، بقت تزيح كل واحد ما بينها وما بين بابا، وبعدت عنه أهله.

واستكمل حديثه بأسى:

- حتى انتم كانت عايزة تبعدكم لأنها كانت عارفة إن ماما ثريا حامل، وفي كل مرة كان بيحن وعايز يرجع لماما ثريا، كانت هي بتقوم باختراع أي حاجة والهدف تعطيله.

كتم حليم الدموع في عينيه وأبى أن تهبط دموعه، ليحزن نور على حاله ويردد قائلًا:

- خلاص يا حليم انت كبرت وانت ابن ثريا، لحد ما جه اليوم اللي عرفت بمحض الصدفة إنك ابن واحدة تانية، بابا مالوش ذنب يا حليم وعمي خطاب كمان.

وتابع نور بحزن:

- بابا كان راجل زي أي راجل، نفسه يكون أب، كان حاسس إن عمره قليل، وكمان بابا كانت خبرته قليلة، لكن انت برضو ماقولتش ليه انت أخدت موقف من عمي خطاب؟ وبابا السبب ليه؟

ثم أردف وهو يوضح له قائلًا:

- وبعدين خلي بالك، آه ماما وقفت الشغل على رجليها، بس من غير عمي خطاب ماكنتش هتجتهد وتقدر.

تنهد حليم بغضب قائلًا:

- عمي خطاب كان دايمًا بيقول لبابا إنه لو مات هو الوريث الوحيد لأملاك هو نفسه مش تعبان فيها، أبوك طبعًا حط الموضوع في دماغه قوي.

ثم استطرد بمشاعره الجياشة:

- وحلف إنه يتجوز بسرعة ويخلف، بس قصاد دا كسر بخاطر ماما ثريا يا نور.

نظر له نور وأحس بمشاعر حبه تجاه ثريا وحزنه على كسر قلبها، ثم ربت على كتفيه قائلًا:

- خلاص يا حليم اهدى، أنا مقدر إحساسك، وعلى فكرة بابا عمل حاجة جميلة، إن احنا الأربعة بقينا إخوات.

ابتسم حليم قائلًا:

- فعلًا، حاجة ماتتقدرش بالمال، بس حطم قلوبنا، خلاني غير متزن.

ليتذكر حليم أحداث ليلة أمس، عندما شاهد وئام تدلف إلى منزلهم بجوار قدري، ليشعر بالتيارات النارية تتصاعد في صدره، حيث تأنقت كعادتها بفستان أسود ضيق ومثير جدًا، يظهر قوامها الرشيق مغلف كله بالترتر اللامع. 

كل هذا كان في بداية الحفلة، لينتهز فرصة دخولها إلى المرحاض لتعديل هيئتها ومسح دموعها الرقيقة، عندما شاهدت زياد يميل على جبين ميارا ويقبلها بحب، كم تمنت أن تكون بنفس مكانها ويكون هو حليم المقبل لها، عند خروجها من المرحاض استوقفها حليم قائلًا بحزن:

- ماكنش فيه داعي تيجي تحضري كتب كتاب ميارا وانتي لسه مخطوبة.

عقدت ما بين حاجبيها بتعجب، يبدو أنه صدق حديثيها السابق عن كونها سيتم خطبتها، وذلك عندما رآها تدخل الحفلة مع قدري، تناسى أمر أنه جارها وطن أن قدري خطيبها، ولكن لعله خير ستحطمه قليلًا، ابتسمت وئام بسعادة مصطنعة قائلة:

- وانت متضايق إنك شفتني مع خطيبي؟

تضايق من سؤالها، فقام بالرد عليها بمصداقية هي تفاجئت منها، حيث قال وهو يتنهد: 

- جدًا.

حجزت وئام الحيرة بعينيها، فهي لم تتوقع تلك الصراحة منه، ولكنها ظلت متماسكة وردت بحدة قائلة:

- انت مالكش الحق لا تتضايق ولا تنبسط لأي حاجة تخصني، مالكش الحق إنك توقفني أو تكلمني في أي مكان.

أغمض حليم عينيه بمرارة وسألها قائلًا:

- مش كنتي بتقولي إنك بتحبيني؟

رفعت يدها لتوقفه عن استكمال سيل كلماته الناعمة وردت بكل قوة:

- كان دا في الماضي، احنا ولاد النهاردا، وكل واحد مننا في طريق، عن إذنك.

تركته ورحلت من أمامه، تركته يتجرع الندم ولتزيدها عليه أكثر بحثت عن قدري ورحلت معه أمام الجميع كأنهما حبيبان عاشقان وليس أمر خطبة فقط، ليتمكن الشك بداخله، أهي مثل ولاء أمه؟ كان يظنها مثل ثريا لا تتناسى حبها وعشقها، ولكن يبدو الأمر ليس كما توقع.

في الشقه التي انتقاها زياد، والتي أصرت ميارا على الزواج فيها وليس بمنزل العائلة، كانا يقومان ببعض الترتيبات لجهازهما وحان موعد الاستراحة واحتساء الشاي، نظرت ميارا إلى زياد تتأمله قائلة:

- زياد، هو أنا لو ما مخلفناش هتعمل فيَّ زي ما بابا عمل في ماما ثريا؟

كان يحتسي الشاي والشاي نصف ساخن، ولكن انتابته لسعة  حرارته كأنه صب للتو وتحدث قائلًا:

- إيه اللي انتي بتقوليه دا؟

هزت كتفيها قائلة:

- بسأل وبشوف هتكون زي أي راجل وهتتهبل على العيال ولا لأ، بابا ماقدرش يصبر، أنا عايزة أعرف انت لو في مكانه هتعمل إيه؟

نظر إليها لتزفر قائلة:

- يعني شايف اللي عمله صح ولا غلط؟

وضع زياد فنجان الشاي على الطاولة ونهض واقترب منها ليجلس بجوارها قائلًا:

- طيب ليه السؤال دا بس؟ مالوش لزوم، انتي شاكة إني ممكن أعملها؟

هزت ميار رأسها بالسلب قائلة:

- لا، بص أنا عارفة إنك بتحبني، بس دا حلم الأبوة عند كل راجل، وأنا من حقي أتطمن من النقطة دي بالذات، وحاجه كمان الصراحة....

قطعت كلامها وترددت أن تطلب منه، ولكن ما باليد حيلة فقالت:

- عايزاك تبقى صريح معايا وتقول لي دايمًا اللي في قلبك وتقول كل اللي بيحصل حوالينا سواء من حليم أو نور أو حتى باباك.

شعر زياد لأول مرة أن نصفه الثاني قد يخسره في أي وقت بسبب عدم الصراحة، ومن كثرة صمته تنهدت ميارا بحزن قائلة:

- أنا آسفة إني طلبت منك حاجة، شكلك مش هتساعدني ولا هتقدر على الصراحة معايا، يلا نمشي.

نهضت بغضب ليستوقفها بيده ويجذب كفيها قائلًا:

- انتي غلط يا ميارا. 
نظرت إليه مطولًا نظرات غاضبة ورحلت. 

بعد رحليهما هاتف والدته وعلم منها أنها بالنادي ليتنهد بتعب قائلًا:

- خلاص يا ماما، أنا بس قلقت عليكي.

شعرت ذكرى أن ابنها معذب فسألته قائلة:

- مالك يا زياد؟

زفر زياد قائلًا:

- ميارا يا ماما عايزاني أبقى صريح معاها وأبلغها بكل الكلام اللي بيحصل، دا غير إنها سألتني: هو أنت ممكن تتجوز عليَّ علشان تخلف؟

تضايقت ذكرى قائلة:

- مفيش فايدة العرق دساس.

عقد زياد ما بين حاجبيه قائلًا:

- يعني إيه؟

لوت ذكرى شفتيها بامتعاض قائلة:

- ميارا ولاء تبقى أمها، سيبك من الموضوع دا، أنا هحلها سلام دلوقتي.

كاد أن يوقفها ولكنه استمع إلى رنين فصل الخط، شعر أن يود أن يخنق نفسه برابطة عنقه على ما اقترفه في حق نفسه من سرده لذكرى ما دار بينهما.

في النادي كانت ذكرى تجلس مع ثريا ليأتيهما نور بعد تدريبه للتنس قائلًا وهو يحتسي العصير:

- معلش بقى يا طنط ذكرى ماقدرتش أهنيكي على كوباية العصير بتاعتك، أخبار الذكريات معاكي إيه؟ ولا انتي زهايمر زي زياد؟

تعالت ضحكات ذكرى قائلة:

- ولا يهمك يا نور، أنا آه اسمي ذكرى واسم على مسمى، بس بدأت أنسى كتير، احنا كبرنا، البركة فيكم بقى يا شباب.

رفعت ثريا سبابتها بغرور قائلة:

- لااا، اتكلمي على نفسك، أنا لسه شباب والحمد لله يا أوختي، مش متجوزة زيك، الجواز بيقلل الذاكرة، وكويس إني ماعملتهاش.

ابتسمت ذكرى بحزن قائلة:

- أنا أصلًا حاسة إن سنين عمري عدت زي الحلم، كلنا بنتمنى حد يقول لنا إن دا حلم.

ثم رفعت أنظارها إلى نور تسأله: 

- انت مثلًا يا نور، مش نفسك في كدا انت وإخواتك؟ إلا إذا كنت مواعد حد بالجواز، يبقى هنا بقى حابب تكون كل حياتك حقيقة، انت إيه رأيك؟

وعندما اندهش من سؤالها استطردت تضرب له مثلًا بوالده قائلة:

- سراج أبوك -الله يرحمه- فضلت مامتك تقول له بلاش تشاؤم وإحساس إنك هتموت حتى بعد ما بقى عنده أربع عيال، لكن فضل الإحساس دا جواه، في رأيي احنا اللي بنحدد دا بإحساسنا.

واستكملت حديثها بنبرة حزن:

- طيب تعرف إن أنا حابة أرجع الذكريات كلها.

نظرت لها ثريا بخبث قائلة:

- طيب لو حاجة في الذكريات مش كويسة، هترجعيها برضو؟

تفاجئت ذكرى من سؤالها، لتبتسم لها ثريا بتأكيد قائلة:

- ده هيبقى جنون، قولي يا ذكرى إنك مش هترجعيها، احنا اتفقنا سوا زمان ننسى الماضي، بس انتي بتخلي بالاتفاق.

ثم شردت قائلة:

- أنا كمان خليت بس غصبن عني يا ذكرى.

ثم خرجت من شرودها تحثها وتشجعها قائلة:

- يا حبيبتي قولي لخطاب إن النقطة دي لسه مخلياكي حزينة، وهو أكيد هيكون عنده حل ليها.

ابتسمت ذكرى بسخرية قائلة:

- كان لازم واحد فينا يتغاضى زمان يا ثريا، يا هو يحس على دمه، يا أنا أعديها بمزاجي، وأنا عديتها بمزاجي.

جلس نور منصتًا لهما جيدًا، ثم حدق في وجه ثريا قائلًا:

- ماما اوعي تقولي إن فعلًا عمي خطاب كان له علاقة بمامت حليم وميارا.

شردت ثريا بحزن على صديقتها ذكرى قائلة:

- عمك خطاب أكتر واحد أذانا، هو السبب في كسرة قلبي، والسبب في بعد سراج عني.

ثم استطردت بحقد قائلة:

- علشان كدا لازم مامت حليم ترجع عشان المواجهة الكبيرة.

تنهدت ذكرى قائلة:

- مش هترجع يا ثريا، هو مش هيسمح بكدا، عارفة ليه؟ لأنه بيحبك.

واستطردت تترجاها قائلة:

- وانتي كمان يا ثريا بلاش تبقي السبب في رجوعها وتدمير اللي بينك وبين أولادك.

نظرت إليها ثريا باندهاش قائلة:

- غريبة يا ذكرى! انتي مش عايزاها ترجع علشاني؟ ولا خايفة ترجع  تخطفه منك؟

تنهدت ذكرى بتعب قائلة:

- أيوه علشانك، بس مش هنكر برضو إني خايفة منها على نفسي وعلى ابني، ابني اللي جوزته بنتها، مش بإيدي هو حبها.

وتابعت قائلة بحزن: 

- وأنا ماقدرتش أقف في طريق سعادته، بس لو سعادته هتحزنه يبقى بلاها يا ثريا.

ابتسمت لها ثريا قائلة:

- لا ماكنش غصبن عنك يا ذكرى، انتي اتصرفتي بدافع الأمومة، وانتي بتحبي ميارا، انتي عمرك ما عاملتيها على إنها بنتها.

ابتسمت ذكرى بحزن قائلة:

- أنا عاملت الكل معاملة واحدة، وانتي السبب، انتي ماتعرفيش يا ثريا قد إيه نستينا الماضي في لحظة، لو ماكنتيش انتي موجودة كان فاتهم منبوذين من الكل.

و ترجتها مرة أخرى قائلة:

- علشان كدا بقولك بلاش ترجع علشان خاطري.

ابتسمت ثريا وهي تربت على يدها قائلة:

- ماتخافيش، سيبي الموضوع دا عليَّ.

ثم نظرت إلى نور الجالس بجوارها مندهشًا من كل ما سمعه، ليردد قائلًا:

- ماما، اللي أنا بسمعه دا حقيقي؟

هزت ثريا رأسها بالإيجاب على أنه فعلًا حقيقي، نهض نور وسار في طريقه إلى المرحاض بشرود، لتقف حنان في طريقه تنظر إليه بغيظ وتضرب على كتفيه، فينتبه لها قائلًا:

- حنان أنا مش فايقلك.

وضعت حنان يدها في خصرها قائلة:

- نعم! ليه بقى إن شاء الله؟ بتحب ولا دي مزة جديدة؟

يالها من حنان، تستطيع أن تفصله عن أرض الواقع جيدًا، فتخابث معها قائلًا:

- بحب حتة مزة يونانية، تقريبًا كدا قريبة ماما ثريا من بعيد، لسه مراسلاني أول امبارح، وشكلي كدا في الصيف هسافر ليها. 

صرخت حنان في وجهه قائلة:

- إلهي تروح ما ترجع يا بعيد.

تعالت ضحكات نور قائلًا:

- ليه بس كدا يا حنان؟ انتي مش عايزاني غيرك عايزني، إيه رأيك أعمل زي أبويا حتة مصري وحتة يوناني وانتي الحتة البلدي.

ردت حنان بغيظ قائلة:

- بعينك، أنا خلاص هريح قلب بابا و هوافق على ابن عمي وأروح أعيش في القاهرة، جو إسكندرية خنقني.

وفرت هاربة تحتجز دموعها فقد صدقته البلهاء، وهو ما عليه إلا أنه سُر لرؤيتها، حيث عملت على ارتفاع هرمون السعادة لديه حتى ولو لفترة مؤقتة.

بعد محادثة زياد لوالدته هاتفه صديقه يريد مقابلته، ذهب إليه على الفور قائلًا بقلق:

- أنا قلقت يا قدري، بابا تعبان فيه حاجة؟ أنا لما لقيتك مستعجل تشوفني قلت أكيد فيه حاجة.

توتر قدرى قائلًا:

- يا زياد أنا آسف، باباك كويس جدًا كمان، هو يعني أنا كنت عايزك في موضوع تاني، كمان أسألك على حاجة شغلتني.

واستطرد بارتباك قائلًا:

- أنا يعني معجب بهاجر، ودا اللي خلاني أقولك تجيلي، ممكن تفاتح والدك يخطب هاجر ليَّ؟

زفر زياد بارتياح ثم تنهد قائلًا:

- أنا دماغي راحت في حتة تانية أساسًا، وعقابًا ليك عندك إخواتها روح اطلبها منهم.

مط قدري شفتيه قائلًا:

- يا زياد حقك عليَّ، دا بس من إحراجي، صدقني أنا اتحرجت أجيلكم البيت، علشان عمي خطاب ومامتك فقلت أكلمك الأول.

أشاح زياد بيده قائلًا:

- اوعي تفكر إني علشان جوز أختها هعرف أجوزهالك، ولا تفكر هعرف أتوسط ليك، انت زي الشاطر تروح لإخواتها.

واستطرد بتحذير قائلًا:

- واوعى تتكلم في موضوع أبوهم، لو عايز تتجوزها فعلًا، لأن بجد الموضوع حساس، بس لو عايز ترتاح أنا هقولك، ولو حد عرف اللي أنا قلته هيرموني.

تابع وهو يطمئنه قائلًا:

- ارتاح هي بنت ثريا، يا رب يتمملك معاها على خير، ويا رب يهدي لي ميارا يا رب.

عاد زياد إلى منزله ليجد ذكرى تنتظره  ليتحدث بقلق قائلًا:

- يا رب ماتكونيش قلتي لثريا هانم وصغرتيني.

سألته:

- كنت فين؟

رد عليها بوضوح قائلًا:

- كنت عند قدري.

تنهدت قائلة:

- اتطمن، لقيتها مش ظريفة إني أتكلم عنها قدام ثريا وأزعلها.

زفر زياد قائلًا:

- الموضوع مش بسيط ومعلم على الكل، الغريب قبل القريب.

عقدت ذكرى ما بين حاجبيها قائلة:

- غريب مين؟

رد عليها زياد قائلًا:

- قدري عايز يخطب هاجر وسألني قبلها هي بنت مين.

لتقطب ذكرى جبينها أكثر باندهاش على سؤال قدري.

عادت ثريا إلى المنزل، هبطت هاجر على الدرج بمرح لا تبالي بما يحدث حولها، تركض وتحتضن ثريا قائلة:

- حبيبتي أم إيدين بتسحر الأكل، أنا عايزة بسبوسة بالقشطة.

تنهدت ثريا قائلة:

- عارفة إنك بتحبيها، طالعة لأبوكي، كل يوم كانت لازم تتعمل، هو كان يقدر يفوتها؟

ثم غمزت لها قائلة:

- طيب تعرفي تحضري المكونات على بال ما أغير هدومي؟ إخواتك قربوا يوصلوا، اقفي اتعلمي معايا علشان تنفعي نفسك.

زمت شفتيها باصطناع قائلة:

- انتي هتذليني يا ثريا، كل ما أطلبها تسمعيني الكلمتين دول؟ يا حبي مهما أتعلم بحبها من إيدك.

ثم نظرت إلى أعلى وقالت:

- أنا هصحي ميارا  تحضر معايا، والكلام دا بقى تقوليه ليها، هي اللي هتتجوز.

ابتسمت ثريا قائلة:

- روحي اندهيها.

ظلت تصرخ هاجر وهي تنادي ميارا، ليتذمر حليم قائلًا:

- إيه الازعاج دا؟ اتكتمي يا هاجر أحسن ليكي.

خرجت ميارا  من غرفتها وذهبت إلى حليم قائلة:

- قول لها يا حليم، أو أقولك جوزوها ونخلص منها، دي بتجنني طول الليل، وكل شوية ميااارا تصبحي على خير.

ثم تعالت ضحكاتها قائلة:

- حتى زياد بيقول عليها يا حفيظ، وكويس إننا هنسكن لوحدنا، رغم إنه كان عايز يسكن هنا.

ابتسمت ثريا قائلة وهي تحتضن هاجر: 

- مالها بقى هاجر؟ مش بتعرفي تركبي العربية ولا تنامي من غيرها يا ست ميارا؟

ابتسم حليم قائلًا:

- وقعتي يا ميارا، وبعدين إيه القمر دا؟ ولابسه المريول والبسبوسة هتعمل بسبوسة، أومال فين نور؟

لوت ميارا شفتيها قائلة:

- دلع يا أخويا دلع، انت كدا قدام ثريا تنخ.

تعمد حليم أن يغيظها قائلًا:

- إيه أنخ دي؟ هو زياد بهت عليكي؟ أنا قلت الواد دا هيبوظ أخلاقك، بقيتي بيئة يا ميارا.

ردت ميارا بتذمر طفولي قائلة:

- أنا بيئة؟

ردد حليم بمرح قائلًا:

- أينعم يا أختاه.

وهنا دافعت هاجر عن ميارا قائلة:

- لا يا حليم حرام عليك.

ليبتسم حليم قائلًا:

- مش دي اللي كانت بتهزقك من شوية؟

ردت ثريا قائلة:

- إخوات بقى وكفاية إنهم ولاد ثريا.

هي بالنسبة لهم الغصن الذي يتمسكون به، أما هي تعتبرهم حياة، اهتمت بكل شيء لديهم، لكن حدث اهتزاز بسبب السر في جذورهم، جذورهم المريرة، كانت تسمع كثيرًا عن زوجة الأب وكيفية معاملتها لأولاد زوجها، وتحمد ربها أنها لم تتعرض لذلك الموقف، ولكنها تعرضت له بالعكس، أصبحت هي زوجة أب ولكن بنكهة مختلفة، بدلًا من أن تأخذهما بذنب والدتهما تعاملت معهما كأنهما من رحمها، لم تنظر يومًا في وجههما على أنهما أولاد أخرى، أقسمت بين نفسها أن تخلق بداية حياة  لهما بحبها.

بعد محاورات بين زياد وقدري، استطاع إقناعه أن يذهب معه لطلب يد هاجر، وبالفعل أخذ زياد ميعاد من حليم وقام بزيارتهم، هبط حليم لاستقبالهما وتفاجئ من وجود قدري، وبدأت الأسئلة تدور برأسه لما جاء قدري، جلس معهما يتفحص قدري بدقة قائلًا:

- خير يا قدري؟

نظر قدري إلى زياد ليتحدث زياد قائلًا:

- قدري جاي طالب القرب منك في هاجر.

شرد حليم في حيرته من أمر قدري، فهو يظن أنه خطيب وئام، ومن كثرة شروده أخذ زياد يشير له فانتبه، لتخرج الكلمات منه غير مرتبة: 

- مفيش حد من أهلك معاك؟

تعالت ضحكات زياد مما أثار توتر قدري، ولكن سرعان ما كبت زياد ضحكته قائلًا:

- الحقيقة يا حليم، أنا قلت له نيجي الأول ونشوف ردكم ، ولما يحصل قبول هيجيب أهله.

تجاهل جليم رد زياد وظل مسلطًا أنظاره على قدري المتوتر، فاضطر قدري أن يجيبه قائلًا:

- انت طبعًا عارف إن أهلي ناس كبار وخروجهم قليل، فقلت لما تبقى قراية فاتحة إن شاء الله هجيبهم.

ابتسم حليم بسعادة، حيث تأكد أن وجود قدري مع وئام في الحفلة ما هو إلا إثارة غيرة من وئام له، فرد قائلًا:

- وأنا عن نفسي مش معترض، ولا نور ولا ماما ثريا هيعترضوا، القرار قرار هاجر.

ابتسم قدري ببشاشة قائلًا:

- تمام، أنا كفاية عليَّ إنكم موافقين على مبدأ ارتباطي بيها.

جاءت ثريا لترحب بهما قائلة:

- أهلًا يا قدري، نورتنا وطلبك دا غالي على قلبي جدًا، بس زي ما حليم قال الرد عند هاجر.

ثم زادت من ابتسامتها قائلة:

- وأكيد هنبسط جدًا لو وافقت عليك.

ابتسم حليم لها قائلًا:

- قُلتلك يا ماما ثريا أنا حاسس إن فيه فرحة هتهل علينا قريب، وسبحان الله طلعت هاجر.

ربتت ثريا على كتفيه قائلة:

- ما هو الفرح بيجي ورا بعضه يا حليم، عقبالك انت ونور.

كانت في تلك الأثناء ميارا تهبط الدرج بمرح لا تعلم من بالأسفل، تفاجئت بوجود زياد يجلس أمامها، فصعدت الدرج مرة أخرى ليستوقفها زياد قائلًا:

- ميارا استني.

التفتت إليه ميارا على مضض تتجاهله  قائلة:

- هو احنا عندنا ضيوف؟

ثم تخطته وذهبت نحو قدري ترحب به قائلة:

- مش تقول يا زياد إن قدري معاك؟ أهلًا يا قدري ازيك؟

ثم التفتت إلى حليم قائلة:

- حليم أنا زهقانة وعايزة أخرج، قول لهاجر تخرجني، لأحسن حاطة المخدة فوق دماغها ومش راضية تصحى.

نظر إليها حليم بخبث ثم توجه ببصره نحو زياد الواقف يتأكله الغضب، ففهم أنهما على خلاف ليتحدث بخبث قائلًا:

- أنا بقول لو نفسك تخرجي اخرجي مع زياد، وأنا وهي نبقى نحصلكم.

وعندما تذمرت برر لها قائلًا:

- ازاي عايزاها تسوق وهي مطبقة ليلة امبارح بسبب كتب كتابك.

تنحنح قدري قائلًا:

- بقول أجي مرة تانية تكون الآنسة هاجر صاحية.

ابتسم حليم بخبث قائلًا:

- انت جاي تطلب إيدها ولا تشوفها؟ أنا رأيي تقعد معانا شوية، هي أكيد هتصحى وتنزل بعد ما ميارا تخرج.

تذمرت ميارا ودبت رجلها في الأرض بغضب طفولي، ليأتيهم نور من الخارج ينظر إليهم وإلى الضيف قائلًا باستغراب:

- خير احنا عندنا ضيوف؟

زفر حليم قائلًا:

- انت قافل موبايلك ليه يا ابني؟ وكنت فين؟

ثم تدخل زياد قائلًا:

- دا قدري صاحبي جاي يطلب إيد هاجر، قلتله يستنى أمهد ليكم الموضوع بس هو استعجل، فاتصلت على حليم وجبته وجيت.

ابتسم نور إلى قدري ورحب به، ثم نظر إلى ثريا فوجدها مسرورة، لما كل هذا السرور؟ أيعقل لأنها ستعطي ابنتها لقدري؟ لم تكن بتلك الفرحة يوم طلب زياد لميارا، ثم نظر إلى حليم وجده منتظر إجابة أسألته ليرد ببلاهة مصطنعة قائلًا:

- هو الموبايل مقفول ازاي؟ دا أنا لسه شاحنه، الظاهر إنه بدأ يهنج.

شعر حليم أن نور يكذب عليه فنظر إلى الهاتف قائلًا:

- انت مش كنت مع ماما ثريا في النادي؟ وهي رجعت لوحدها، انت مارجعتش معاها ليه؟ ولما ماكنتش ناوي ترجعها، ليه تسيبها تروح لوحدها؟

ثم استطرد وهو يجز على أسنانه بغيظ قائلًا:

- أنا قلت ميت مرة، لو خطوة جمب البيت ماتبقاش لوحدها.

وجد قدري أن الوضع يبدو مقلق، فاعتذر منهم وانصرف على وعد بالرد على مطلبه، لينصرف معه زياد متوعدًا بعينيه لميارا، بعد انصرافهم نظرت ثريا إلى نور برجاء عدم سرد الحديث الذي دار بينها وبين ذكرى بالنادي، فتنهد نور قائلًا:

- طيب ممكن تسمعني؟ انت شفتها جت لوحدها؟

ثم استطرد حديثه ليزيد الأمر قائلًا:

- طنط ذكرى أصرت توصلها لحد هنا، وأنا لاقيتهم عايزين يبقوا مع بعض زي ميارا وهاجر.

تضايق حليم عند سماعه لاسم ذكرى فرد قائلًا:

- ذكرى مش خالتك علشان تشبها بميارا وهاجر، أنا أو انت أو هاجر أو ميار اللي نوصل أمك.

نظر نور لثريا بلوم وعتاب، لتستكمل بعيونها رجاءها فزفر قائلًا:

- بصراحة كدا ماما ثريا هي اللي أصرت تروح معاها.

كاد أن يرد عليه لولا تدخل ميارا  قائلة:

- ماتكبرش الموضوع يا حليم، عادي بتحصل ودي مش أول مرة.

وجدت هاتفها يبعث رسائل من زياد مضمونها:

- ماتخرجيش.

ردت بضيق:

- وانت مالك؟

بعث لها رسالة بحدة:

- أنا جوزك.

ردت بأسى:

- بس مش صريح معايا.

سألها قائلًا:

- انتي عايزة واحد فتان؟

تنهدت قائلة: 

- الحاجة اللي تخصني لازم أعرفها.

و تفاجئ من اتصالها بعد هذه الرسالة، ليغلق خطه تمامًا، كل هذا وهو متوجه إلى السيارة مع قدري، نظر قدري إلى زياد وجده في حالة ضيق فسأله قائلًا:

- مالك يا زياد؟

تنهد زياد بتعب قائلًا:

- ميارا يا قدري تعباني أسئلة، خايفة ماتخلفش وأروح أتجوز عليها، لأن أبوها عملها قبل كدا واتجوز أمها على طنط ثريا، وعمالة تقول لي تفتكر اللي عمله بابا صح ولا غلط.

ثم سأله ليشهده عليها قائلًا:

- طب بذمتك أنا مالي؟ وبعدين أبوها راح اتجوز خاف لأبويا يورثه، أنا بقى هخاف على إيه؟ أنا ينطبق عليَّ المثل "يا وارث مين يورثك يا باكي مين هيبكي عليك".

واستطرد بيأس قائلًا:

- حتى أبوها محدش ورثه لأنه مات على الحديدة بعد ما أمها أخدت اللي وراه واللي قدامه، والوحيدة اللي بكت عليه هي ثريا، حتى ولاده مالحقوش يعرفوه علشان يبكوا عليه.

وتعالى صوته قائلًا:

- المصيبة التقيلة بقى، طالبة الصراحة في كل حاجة، والمصيبة فيه حاجات ماتنفعش فيها الصراحة يا قدري، وقالبة عليََّّ زي ما انت شايف.

ثم تنهد بتعب قائلًا:

- ومش عارف أعمل معاها إيه، بتلوي دراعي، لكن أقسم بالله كدا ما ينفع أبدًا، ومش هلجأ لأمي تكلم أمها، أنا هتصرف معاها عاجبها كان بها مش عاجبها بالسلامة.

و أضاف بصرامة قائلًا:







- أنا بحبها آه، بس ماقدرش أفضل عايش أفكر في الماضي زيها، الماضي يا نهرب منه يا نتعلم منه، هي حرة بقى.

ربت قدري على كتفيه قائلًا:

- اهدى يا زياد، يا سيدي هما البنات كدا، لازم مسايسة، إيه يعني؟ محصلش حاجة.

واقترح عليه قائلًا:

- اضحك عليها بكلمتين حلوين وقول لها حاضر، كلمة حاضر بتريح جدًا والله.

عاد قدري إلى منزله، فوجد والدته تنظر إليه بوجه بشوش وهو ينحني يقبل يدها قائلًا:

- ماتقلقيش.

سألته قائلة:

- طلعت بنت ثريا صح؟

أماء برأسه قائلًا:

- آه، الحمد لله.

ردت عليه بارتياح قائلة:

- ماتتصورش كنت قلقانة قد إيه.

سألها قائلًا:

- بابا عرف إني روحت ليهم؟

ردت عليه قائلة:

- آه، ومنتظرك في المكتبة تديه التفاصيل، ادخل له على بال ما أحضر العشا.

لم ينتهي النقاش بين نور وحليم، تضايق حليم من رد ميارا ونظر إليها نظرة استياء، فهربت من أمامه وتبعتها ثريا في خلسة ليواجه نور قائلًا:

- انتم كدا شايفين إني مكبر الموضوع، صح؟ بس أنا مصمم على اللي قُلته، لازم أمنا تروح وتيجي معانا احنا بس.

وزاد من غضبه قائلًا:

- انتم لو مش فارقة معاكم، أنا هتولى أمر الموضوع دا.

أغمض نور عينيه، يبدو أنه علم لماذا كل تلك الاحتياطات ليفتحهم ويرد عليه قائلًا:

- حليم إيه اللي انت بتقوله دا؟ والله احنا مهتمين بيها زيك بس هي من حقها تاخد راحتها، هنحجر عليها يعني؟

ثم أشار برأسه قائلًا:

- وبعدين على رأي ميارا من إمتى دا؟

زفر حليم بحنق قائلًا:

- انتم مصرين تحسسوني إن فيه سبب للي بقوله، مفيش حاجة، أنا حابب كدا، أنا حابب إن أمي تبقى بتاعتنا لوحدنا، لأنها فنت عمرها وشبابها علشان راحتنا.

ثم ذكره قائلًا:

- فاكرين لما كانت بتخاف تودينا وتجيبنا عن طريق سواق رغم إنها مقتدرة، أنا كمان عايز أكرمها بنفس الكرم دا.

وبصوت غاضب قال:

- ومحدش يعارضني، ريحوني وبس.

ثم تركه حليم وخرج يتنفس الهواء بالخارج، خرجت ثريا من غرفتها ناظرة إلى نور بامتنان قائلة:

- شكرًا يانور، بس أنا حاسة إن حليم عارف، يا ريتني كنت أقدر أقوله دي كمان.

ثم تنهدت بحزن قائلة:

- أنا فيه حاجتين لغاية النهارده مش قادرة أقولهم له، دي وحاجة كمان.

عقد نور ما بين حاجبيه قائلًا:

- انتي لسه عندك حاجة كمان؟ دا كدا صعبت قوي يا ماما، عمومًا سيبى كل حاجة لوقتها.

تنهدت ثريا قائلة:

- آه يا نور لسه في حاجة، بس صعبة قوي، لدرجة إني مش عارفة أقولها، بس كل دا بسبب أبوك، اللي دفعني أقوله لا، باباك جاب حليم وميارا  هنا من 23 سنة.

لوت شفتيها قائلة:

- كان متوقع إني أقوله هاخدهم أربيهم، بس انت وهاجر كنتوا لسه صغيرين، ماقدرتش أقوله موافقة رغم إني شيلت حليم وحسيت معاه بعاطفة الأمومة.

وأضافت بحزن قائلة:

- وكنت خلاص هقول له ماشي يا سراج هربيهم، بس أنا كنت محتاجة حد يطبطب عليَّ وأنا حامل ومالقيتش حتى جوزي.

ثم عضت على شفتيها بعتاب قائلة:

- ومن زعلي أنا رفضت حليم وميارا.

جحظ نور بعينيه غير مصدق ما تقوله، وابتلع ريقه قائلًا:

- مش ممكن! مش معقول! ماما اللي انتي بتقوليه دا استحالة حليم وميارا يصدقوه، دا انتي حاربتي الدنيا علشان مايعرفوش إنك مش أمهم.

واستطرد بذهول:

- ماما انتي نبهتي على اللي عارف الحقيقة إنه ما يقولش ليهم، دا حتى نظراتك ليهم كلها أمومة، مفيش أي نظرة إنك شايفاهم أولاد واحدة تانية.

واستكمل قائلًا:

- ماما انتي عمرك ما بينتي لحد إنك مجبرة ى تربيتهم، هي خلفت ورمت وانتي أخدتي ورضعتي وكبرتي وعلمتي، اللي بتقوليه دا لو كان حصل كان عمي خطاب أول واحد قاله ليهم، علشان يبعدك عنهم.

واستطرد بنبرة ترجي قائلًا:

- ماما أرجوكي قولي إنك بتضحكي عليَّ، أنا فعلًا حسيت النهاردا إنك فرحانة بهاجر أكتر من فرحتك يوم ميارا، بس قلت إن دا بسبب إن زياد بن خطاب.

ثم نصحها قائلًا:

- بس يا ماما لو كدا قولي لحليم، انتي ماتعرفيش خطاب ممكن يعمل إيه، انتي عارفة إن عينيه منك، وانتي مش علشان طنط ذكرى صاحبتك رفضتيه.

واستطرد وهو بهز رأسه مؤكدًا لها وقال:

- لا انتي علشان رافضة المبدأ، لو فضل حليم يعامله وحش، هيوقع ما بينكم.

هزت ثريا رأسها برفض قائلة:

- لا مش هقدر يا نور.

لوى نور شفتيه بتفكير قائلًا:






- يبقى أقول له أنا اللي انتي مش قادرة تقوليه، وأنا أتحداكي إنه هياخد الموضوع عادي، انتي زمان كان ليكي الحق ترفضيهم.

واستطرد بضيق قائلًا:

- انتي مش مجبرة تبقي محطة، انتي صبرتي كتير، ماما انتي ملكة على قلوبنا واوعي حاجة زي دي تخوفك.

عضت على شفتيها تعاتب نفسها قائلة:

- أنا غلطانة، غلطانة إني رفضتهم يومها، آه لو يرجع الزمن، كنت هاخدهم في حضني من أول لحظة.

ثم هتفت بيأس قائلة:

- بس فات الأوان، انت شايف الموضوع بسيط، بس هو مش كدا.

وبالفعل ما هو إلا القليل، حتى تلقت مكالمة من خطاب، وكادت أن تغلق الخط حيث هاتفها من هاتف ذكرى وهي نائمة، لأن ثريا لا ترد على اتصالاته، وما إن علمت أنه هو كادت أن تغلق الهاتف ولكنه أوقفها قائلًا:

- ماتحاوليش تهربي مني يا ثريا.

زفرت ثريا قائلة:

- عايز إيه؟

رد بكل بجاحة قائلًا:

- عايز حقي.

ردت عليه بجمود:

- مالكش حقوق عندي.

ابتسم بخبث قائلًا:

- تحبي أقول لحليم وميارا إنك كنتي رفضاهم زمان؟

عضت على شفتيها بغيظ قائلة:

- ريح نفسك يا خطاب، أنا هقول ليهم، وهقول عليك كمان، وقابل من حليم اللي هيجرالك.

وأغلقت الخط لتستعر النيران في قلبه مجددًا.

بالأعلى عند ميارا وهاجر استيقظت هاجر ووجدت ميارا تجلس أمامها متربصة، لتجحظ هاجر بعينيها، فتبتسم ميارا قائلة:

- بقا كدا يا هاجر تخبي المفاتيح، وماترضيش تخرجيني، طيب قابلي بقى يا مضربة عن الجواز، قوليلي يا هاجر هو الدكتور قدري يوم كتب كتابي كلمك أو بص ناحيتك؟

ثم تعجبت قائلة:

- الراجل دا غريب قوي، ماكنش باين عليه، وهوب جاي يخطبك، طيب انتي فاكرة يا هاجر لما كنتي تعبانة ورفض يديكي الحقنة.

ثم تعالت ضحكاتها قائلة:

- واحنا قعدنا نضحك عليه ازاي دكتور وخايف! قوليلي بقى إمتى الانجذاب دا حصل؟ وبالتفصيل الممل.

و ساومتها قائلة:

- علشان أقول ليكي أنا رجعت ليه من بره زعلانة.

حدقت هاجر في وجه ميارا، تشعر أنها بلهاء، لمست جبينها تعتقد أن حرارتها عالية، لتنفض يدها باصطناع قائلة:

- أوه يا ميارا، طلعتي سخنة فعلًا، أقسم بالله انتي مش طبيعية، قدري مين بس! يا بنتي أنا يوم كتب كتابك لمحته صدفة وكان مع وئام. 

ثم تدلت شفتيها قائلة:

- يقوم ياخد ثقة ويجي يخطبني؟ انتي باين عليكي بتهلوسي، أو اللي ضايقك برضو مأثر على دماغك، المهم قوليلي مالك؟

تنهدت ميارا قائلة:

- فوقي يا هبلة، وربنا قدري كان هنا النهارده وطلبك من حليم وماما، وكان جاي مع زياد كمان، أنا بقى مش طايقة نفسي.

و أضافت بضيق:

- ولا طايقة زياد، أقولك إيه ولا إيه ولا إيه؟ اللي حصل إني طلبت منه الصراحة في كل حاجة، فاتهرب مني.

كانت هاجر شاردة في أمر قدري وأمر صاحب الرسائل، كم تعلقت به كثيرًا وتمنت أن ترتبط به، وبينما هي شاردة حتى فوجئت برسائله بعد فترة طويلة من الانقطاع عنها، وجدته يتحدث بأسف قائلًا:

- ماتزعليش مني، انشغلت عنك الفترة اللي فاتت.

دون شعور كتبت له:

- كنت فين؟

ابتسم وكتب:

- بخطب.

عبست بوجهها قائلة:

- مش لواحدك على فكرة.

بعث إليها رسالة  قائلًا:

- ليه اتخطبتي؟

ردت بضيق قائلة:

- آه، عن إذنك أنا خارجة معاه، وهغير رقمي، وفر رسايلك لخطيبتك.

بعد مرور أسبوع اتفق قدري مع حليم أن تخرج ميارا وهاجر معه ومع زياد، ليتعرف على هاجر ويجلس معها ويعرف رأيها فيه، وبالفعل وافق حليم، ذهب الأربعة إلى مطعم وتناولوا الغداء، استأذن زياد وأخذ ميارا وجلسا على طاولة أخرى بمفردهما، ليترك مساحة لهاجر وقدري، قامت ميارا وسارت معه على مضض ليحاول تهدءتها بمرح قائلًا:

- اهدي ليطقلك عرق، أنا قلت أسيبهم يتكلموا سوا، بلاش نبقى كابسين عليهم.

ثم غازلها قائلًا:

- بس إيه الجمال دا يا ميارا؟ احلويتي وانتي مخصماني، أنا هخليكي تخاصميني دايمًا، وهنروح بعيد ليه؟ احنا شكلنا مش هنتصالح.

نظرت إليه بغضب قائلة:






- لو وعدتني تبقى صريح معايا هصالحك، أنا مش هتلكك ليك يعني، لو مش عايز خلاص.

و أضافت بضيق قائلة:

- بس خليك فاكر انت بقى اللي هتكون بتتلكك، وبعدين أنا سألتك سؤال يخص حياتنا، وكان ممكن تقول لي آه أو لأ.

أما قدري فكان يتأمل في هاجر قائلًا: 

- هتفضلي تهربي مني كتير، طيب بلاش زمان، المرة دي هتهربي كمان؟

توترت هاجر وابتلعت ريقها قائلة:

- تصدق حسيت إنك واحد تاني غير اللي بعرفه، أنا مش بتهرب منك ولا حاجة، دا بس استغراب للموقف.

ثم شردت في الرسائل قائلة:

- عمري ما كنت أتخيل إن المواقف دي صعبة قوي كدا.

لمعت عين قدري قائلًا:

- لو على الموقف فهو صعب عليَّ أكتر، أنا بحبك من زمان، دا اللي أقدر أقوله ليكي، ومستعد أسعدك بكل ما أملك.

من بين شرودها قالت:

- كلكم بتقولوا كدا.

سألها وهو يبتسم قائلًا:

- كلنا مين؟

توترت وقالت:

- لا ولا حاجة.

ابتسم بخبث وبعث لها رسالة وهو معها على نفس الطاولة مضمونها:

- لو حابة تعرفي أنا خطبت مين، فأنا قاعد معاكي في نفس المكان، ولابس تيشرت موف زي ما انتي لابسه فستان موف.

تلفتت بدون شعور حولها، ولم تجد أحدًا مثل الوصف.

ليضرب قدري على الطاولة بخفة قائلًا:

- مفيش حد لابس موف غيري.

حدقت هاجر بعينيها فيه واندهشت، أيعقل أن يكون قدري هو ذلك العاشق الولهان الذي يراسلها باستمرار.

وانتهى اللقاء بينهما، كان لقاءً بسيطًا لمعرفة لمَ اختارها، لأنه طيلة سنوات معرفتهما لم يبدو عليه شيئًا، وأثناء سيرهما مع ميارا وزياد، قام زياد بشكر قدري قائلًا بصوت خافت:

- شكرًا جدًا يا قدري، انت خلتني النهارده أكسب قلبها، فعلًا عملت زي ما قلت لي، قلتلها إني هبقى صريح معاها، بس ربنا يسامحني بقى، كمان ريحت قلبها من ناحية موضوع الخلفة دا.






ابتسم له قدري وربت على يديه، بعدها عاد قدري إلى عيادته وهاتفها قائلًا:

- ماتتصوريش انتي وحشتيني قد إيه الشوية دول.

ضحكت هاجر قائلة:

- إيه دا؟ قدري اللي بيتكلم؟
ابتسم قائلًا:

- وهفضل كدا على فكرة.

تعجبت هاجر قائلة:

- عمري ما كنت أتصور إنك هتبقى كدا، ازاي دا حصل؟

صارحها قائلًا:

- أنا بحبك من زمان، كل الحكاية قافل على قلبي وسايب الموضوع للنصيب.

سعدت هاجر وردت قائلة:

- انت طلعت مفيش منك.

في المطعم  دلف نور اللي حليم، فنهض حليم ليغادر المكتب ليستوقفه نور قائلًا:

- اوعى تفكر إني هسمحلك نبقى متخاصمين كتير، انت أكيد عارف إني ماقدرش، بس انت عصبي قوي، حليم أسلوبك دا بيخوف الكل منك.

واعترف قائلًا:

- آه أنا زيك عصبي، بس انت بتخلي اللي قدامك يخبي عليك حاجات لأنه خايف من ردة فعلك، خايف إنك ماتصدقوش.

عقد حليم ما بين حاجبيه قائلًا:

- نور أنا بصدقكم انتم وبس، لكن انت قلقتني بكلامك دا، يا ترى إيه السر الجديد اللي مش راضية ماما ثريا تقوله.

جحظ نور بعينيه وعاتب نفسه على انفلات لسانه، لا يعلم ماذا يقول، ولا كيف يتهرب من الموقف، استصعب الموقف مثلما استصعبته ثريا.


                       الفصل السادس من هنا


تعليقات



<>