أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل الثالث3بقلم داليا السيد


 رواية رحيق الهلالي 
الفصل الثالث3
بقلم داليا السيد


من تلك الفتاة
اصطدم الصبي بها فأوقفته بينما أسرع فراس دون أن يسمعه إلى غرفة عمته ليجدها تفترش الأرض بجسدها وهي



 غائبة عن الوعي، كانت هي قد تبعته دون تفكير ووجدته يحاول حملها ولكنها ساعدته برفعها معه إلى الفراش وهو يقول
“جواد بعض الماء المحلى بالسكر، وأنتِ أحضري دواء السكري، وأنا سأتصل بالدكتور مرتضى"
ورغم أنها لا تعرف الدواء إلا أنها بحثت حتى تعرفت عليه وعادت به إلى المرأة بينما اتصل هو بالطبيب، حاول إفاقة المرأة ولكنها لم تستجيب وسرعان ما وصل الطبيب واتخذ اللازم وهي معه 
خرج الطبيب إليه وقال "نوبة سكر أخرى يا فراس، هي بحاجة لتنظيم الدواء والطعام وأنا أخبرت الآنسة بذلك وبمواعيد الدواء، وبالمناسبة القلب ليس سليم دقاته ليست منتظمة وهي بحاجة لإجراء عدة فحوصات بأقرب وقت"
هز رأسه وقال "هي كانت تهتم بنفسها جيدا لا أعلم كيف تراجعت هكذا؟"
منحه ورقة الدواء والتعليمات وقال بدهشة "خمس وستون عاما لا يمكنها الاهتمام بنفسها، بالتأكيد هي بحاجة لمن يفعل ومن الجيد







 وجود قريبتك تلك أنا متأكد أنها ستقوم بالواجب"
هز رأسه ولم يعلق وشكر الطبيب الذي رحل بصمت وعاد هو إلى غرفة عمته التي نظرت إليه بوجه شاحب وهو يدخل ويتحرك إليه فقالت بتعب واضح
“لن تفعل"
تراجع وهو يجلس أمامها دون أن ينظر إلى رحيق التي تراجعت خارجة إلى غرفتها وما زال الغضب يتملكها منه رفعت كم ملابسها لترى ذلك اللون الأزرق الذي أصاب ذراعها فعاودها إصرارها وأخرجت حقيبتها وبدأت ترتب ملابسها ولكن دموعها غلبتها فجأة دون سبب
ربما شعورها بالوحدة أو تذكرها لخيانة مروان مما خلق قسوة بقلبها تجاه أي رجل، وربما لأنها الآن لا تعرف إلى أين ستذهب أو ربما لأنها لا تعرف أصلا لماذا قبلت بالعمل هنا وهي ليست بحاجة إليه؟؟
نامت عمته من التعب فوقف قليلا أمام نافذتها وقد غلب الليل بسطوته على نهار الشتاء الضعيف وحدق بالسماء الحالكة بدون أي نجوم تضيئها وأخيرا أخذ نفسا عميقا ثم خرج
ظلت تتأمل أصابعها دون أن تتحرك إلى أن دق بابها فجأة فانتفضت مدركة ما حولها، مسحت دموعها ودق الباب مرة أخرى فنهضت وهي تأذن عندما رأته يفتح الباب وينظر إليها فلم تنظر إليه وقد عادت إلى ترتيب ملابسها بالحقيبة بدون هدى ولكنه قال 
“أعتقد أننا لابد أن نتحدث يا آنسة"
لم تنظر إليه وهي تقول "لم يعد هناك مجال للحديث لقد وصلت رسالتك وأنا راحلة"
ظل واقفا دون أن يدخل وقال "إذا لم تأتي لنتحدث فلا تلوميني لو دخلت بنفسي"
التفتت إليه فبدت ملامحه جامدة لا تعبر عن شيء ولا تعلم لماذا شعرت بضعف شديد يجتاحها وقد تعلقت بذلك البيت والصبي الذي نالت حبه من أول نظرة، وربما هناك ما هو أقوى من ذلك ولكنه يسكن خبايا النفوس ولا يطفو على السطح
تراجع ليفسح لها المكان فألقت ما كان بيدها بعصبية واضحة وتحركت خارجة إلى الأسفل وتبعها إلى أن توقفت بالبهو وعقدت ذراعيها أمام صدرها دون أن تنظر إليه، وقف هو بعيدا وأشعل سيجارة ثم قال 
“والآن نتحدث ببعض العقل يا آنسة"
ظلت صامته فأكمل "لنعيد الاتفاق من البداية"
التفتت لترد فلن يفرض عليها قوانينه، هو الآن من يحتاج إليها ولكن ترى هل هو كذلك؟
رفع يده ليوقف اندفاعها وقال بهدوء "دون عصبية أو انفعالات لا داع لها" 
أغلقت شفتيها لتمنع كلماتها التي كادت تطلقها وأبعدت وجهها عنه فعاد يقول "أنا لا أعلم أي شيء عنكِ مجرد فتاة دقت باب بيتي بمنتصف الليل ووافقت على العمل لدي بكل شروطي عدا عنادك ولسانك السليط وتدخلك فيما لا يعنيك" 
دار بعيدا ليطفأ السيجارة ثم عاد وقال "لا أريد أن أذكر ما سبق وذكرته ولكن لا أظن أنك سترحلين"
التفتت إليه وفتحت فمها لترد بقوة ولكن تلك العيون الزرقاء واجهتها بنظرات تحذيرية وكأنها تدفعها إلى الخلف بقوة خفية لا تصل إليها رؤيتها، قوة نابعة من رجولة ذلك الرجل وسطوته التي أحالت قوتها ضعف وعنادها ليسر فأغلقت فمها وابتعدت من أمامه 






لم يفهم صمتها وإن كان يدرك أنه لا يملك سواها للبقاء بالبيت لرعاية عمته المريضة و..
دق الباب فجأة فنظر إليه ثم إليها وقال "الوقت تأخر ولم أعتاد على استقبال أحد بدون موعد"
لم ينتظر ردها وهي تتبعه بنظرها وهو يتجه للباب ويفتحه ثم تراجع وهو يرى دنيا ابنة عمه تدخل وهي في حالة من العصبية وتقول 
“لابد أن تجد حل لمهاب يا فراس أنا.."
قطعت كلامها وتوقفت وهي تحدق برحيق التي تساءلت متى سينتهي ذلك اليوم؟
أغلق الباب ونفخ وهو يمرر يده بشعره ثم تحرك إلى الداخل وقال "أهلا دنيا ماذا أتى بك بمثل ذلك الوقت؟"
لم تبعد دنيا نظراتها عن رحيق التي رفعت خصلتها الهاربة من كعكتها إلى خلف أذنها وقد احمر وجهها بينما تجمدت دنيا التي تلألأت عيونها الزرقاء التي تشبه فراس وبشرتها البيضاء المغطاة بمساحيق التجميل وارتسمت شفتاها بلون دموي تماشي مع ملابسها الصارخة وانطلق صوتها يقول
“من تلك الفتاة؟"
جلس على أقرب مقعد وقد أنهكه الصداع وأشعل سيجارة وهو يضع ساق فوق الأخرى وقال "رحيق ابنة طنط سهير التي كانت تقيم هنا مع أمي وزوجها خطف ابنتها ورحل بها عادت بالأمس تبحث عن والدتها ولأن ليس لها أحد فقد عرضت عليها البقاء حتى ترتب أمور حياتها"
نظرت رحيق إليه بقوة وبادلها النظرة دون أن تتغير ملامحه وكأنه يراهن على موافقتها في البقاء سمعت دنيا تقول "تلك الفتاة تبقى هنا معك؟ وكيف ذلك يا فراس؟"
نفخ الدخان وقال "هي عرضت المساهمة في أمور البيت ومراعاة عمتي التي أصابتها الليلة نوبة سكر وكذلك جواد فهو بحاجة للاهتمام أثناء غيابي بالأرض مقابل إقامتها هنا"
دارت دنيا حول رحيق تتأملها بدقة ثم قالت "خادمة إذن؟"
أجاب بحزم قبل أن يتحرك لسانها "إنها قريبتي يا دنيا وليست خادمة ومساعدتها لي أمر تشكر عليه"
حدقت هي به فبادلها النظرة وكأنه يريد أن يسمع إجابتها فتوقفت دنيا أمامها وقالت "ألا تظنين أنك صغيرة على الاهتمام ببيت كهذا وأسرة كبيرة كتلك الأسرة؟"
رفعت رأسها وقال "خمس وثلاثين عاما ليست قليلة يا آنسة، ثم أنا فقط من يملك القدرة على تقرير ما إذا كنت أصلح لمهمتي أم لا 




فاحتفظي برأيك لنفسك من فضلك"
تراجعت دنيا من قوة كلماتها وقالت "خمس وثلاثين عاما؟ لا يمكن! تبدين بأوائل العشرينات وللعلم لست آنسة أنا أرملة، أرملة أخو فراس وابنة عمه"
أبدت عدم اهتمام وهي تقول "تمام وما المطلوب مني؟"
لاحت ابتسامة ساخرة على شفتي فراس وأجابت دنيا بغيظ وقالت "أنت فتاة مستفزة"
قالت وقد استكفت من ذلك اليوم "هذا مديح يسعدني لأنه ربما يبعدك عن طريقي"
تلعثمت دنيا وهي تنظر إلى فراس وتقول "فراس! كيف تسمح لها؟"
نهض فراس وأمسك دنيا من ذراعها وهو يقول "رحيق هل تطمئني على عمتي قبل أن تنامي، دنيا تعالي"
تابعته وهو يقود المرأة إلى غرفة المكتب وأغلق خلفه
نفخت بغيظ وتحركت إلى حجرة العمة فوجدتها ما زالت نائمة ظلت جالسة بجوارها وهي لا تعلم ماذا سيكون مصيرها إذا لم تبق هنا أو حتى لو بقت؟؟ وبالنهاية قررت أن تبقى ولكن بشروط ربما تبدو هزيلة ولكن لابد وأن تخبره بها فتحركت لتنزل وتخبره ونست تلك المرأة التي كانت معه وتحركت إلى مكتبه ودقت الباب وفتحت لتدخل..
التفتت دنيا إليه بقوة بعد أن أغلق الباب وقالت "والآن كيف تسمح لفتاة مثلها أن تبقى هنا معك ألا تخشى الناس وكلامهم؟"
أطفأ سيجارته وقال ببرود "تعلمين أن الناس ليست من اهتماماتي نهائيا فلدي ما هو أهم"
اقتربت منه وقالت بنفس العصبية "فراس ما غرضك من ورائها؟"
قال بصدق "مصلحتي، أريد مصلحتي ومصلحة بيتي، منذ الأمس وهي تنتحر كي تساعد الجميع حتى أنا هي من قام بتمريضي من الحمى، لذا وجودها هام لبيتي وأسرتي"
تراجعت بدهشة وهي تخرج سجائرها وتشعل واحدة وهو يتابعها بدون اهتمام فقالت "أو تريدها هي فهي جميلة ولا أهل ولا.."
قاطعها بحدة واضحة "دنيا! هل جننتِ؟"
ابتعدت وهي تدخن بأصابع مرتجفة "أنا بالفعل مجنونة وأنت تعلم أني مجنونة بك، فراس دعنا نتزوج و.."
كان صوته حاسم وهو يقول "مرة أخرى دنيا؟ تعلمين أني لن أفعل، وتعلمين السبب"
أجابت بنفس التوتر "نعم لأني أرملة أخيك"
اقترب منها وانحنى لينظر بعيونها وقال بحزم "لا دنيا، ليس لأنك أرملة أخي ولكن لأني لم أعد أريد ذلك"
ولكنها تعلقت بعنقه فجأة وقالت برجاء "ولكني ما زلت أحبك فراس وندمت على تهوري واندفاعي فمن فضلك عد لحبنا القديم فأنا لا أستطيع أن أعيش بدونك"
وبدون أن يستجمع الاثنان نفسهما دق الباب وفتح لتطل رحيق برأسها فتراهم بهذا الوضع الحميمي فتصلب جسدها من المفاجأة وارتبكت وهي لا تعرف ماذا تفعل والاثنان يحدقان بها بدهشة فاحمر وجهها وارتبكت ولكن دنيا ثار غضبها وقالت 




“ما هذه الوقاحة أغلقي الباب واخرجي هيا اخرجي من هنا الآن"
تراجعت رحيق بقوة إلى غرفتها وقدماها تتعثر على السلم وكادت تقع حتى وصلت إلى غرفتها وأغلقتها وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها والدموع تغطي عيونها بعناد دون أن تتمكن من منعها أو إيقافها أو حتى إيقاف ارتجافها
أبعد ذراعي دنيا ولم يعجبه ما حدث ولكنه ابتعد عنها وقال "دنيا ما الذي أحضرك؟"
قالت بعصبية "مهاب يضيق علي الخناق وأنا لا أطيق تلك المعاملة اتركني هنا يومين"
نظر إليها من بين دخانه وقال "تعرفين الرد الليلة فقط لمجيئك متأخر لكن غدا ترحلين"
اقتربت دنيا منه وقالت "وإن لم أفعل فراس هل ستجبرني؟"
ابتعد مرة أخرى وقال "ليس أنا وإنما مهاب تعلمين موقفه" 
تراجعت وقالت "إذن الحل هو زواجنا"
تعصب وقال "تقريبا أنت لا تسمعين، دنيا أنا لن أتزوجك ولن نتحدث بهذا الأمر مرة أخرى وهيا أنا بحاجة للنوم لأن لدي عمل بالصباح تعرفين مكان غرفة النوم"
وتركها وتحرك خارجا وربما ذهنه مشغول بما يمكن أن تكون تلك المرأة رحيق قد استنتجته مما رأته ومع ذلك أعجبته شخصيتها وكلماتها في مواجهة دنيا، ولكنه سرعان ما نفض الأفكار من رأسه وخلع قميصه وقذفه بعيدا ثم ألقى جسده على الفراش وذهب في النوم 
استيقظت بالليل لتمنح العمة الدواء ثم عادت لنومها إلى أن نهضت قبل موعد جواد ونزلت لإعداد الإفطار له وربما لفراس ولم تعرف ماذا فعل مع تلك المرأة ربما أمضيا ليلتهم سويا فيبدو أنها هي امرأته التي كان يهذي بها أثناء مرضه وللحظة تذكرت وقت ما جذبها بين ذراعيه وتلك القبلة التي خنقت أنفاسها 
“صباح الخير"
ارتجفت قليلا من صوته فنظرت إليه وقد لمعت قطرات من المياه على أطراف شعره وزال شعر ذقنه ولاحت رائحة ما بعد الحلاقة بالمطبخ لتمنحها إحساس غريب وهي تراه أكثر جاذبية ووسامة فتمالكت نفسها وهي ترد
“صباح النور"
تحرك إلى المائدة فقالت "هناك ماء ساخن بالغلاية هل تفضل شاي قبل الإفطار؟" 
كان بالفعل يعد لنفسه الشاي وقال "نعم أتناوله قبل الإفطار" 




عادت لم كانت تفعله رغم أن تركيزها لم يكن كما كان نتيجة وجوده الذي أثار ارتباكها، سكب الشاي وقال "دنيا ما زالت هنا، كيف حال عمتي؟ كانت نائمة عندما مررت عليها؟" 
قالت "منحتها الدواء بالليل وبالصباح، وقد كانت بخير" 
أكلها الفضول ولكنها اكتفت بالسؤال "مدام دنيا ستقيم أيام أخرى؟"
نفخ دخانه كالعادة وقال "لا سترحل بعد الظهر فهي تستيقظ بوقت متأخر" 
دخل جواد بنشاط وقال "أين الطعام الشهي؟" 
ابتسمت له وهي تقول "ها هو ولكن من الأفضل قول صباح الخير أولا" 
وضعت الأطباق وجلس الثلاثة لتناوله في صمت إلى أن انتهى وقال "سأوصل جواد اليوم وإن لم أرسل لك رسالة بإحضاره فهذا يعني أني سأحضره، رقمك كي أسجله عندي" 
أملته رقمها وكذلك هو ثم تحرك وهو يقول "لا داع لإثارة المشاكل مع دنيا لا تنسي أنها ابنة عمي"  
كادت ترد بغضب ولكنه كان قد خرج وتبعه جواد مسرعا وتابعتهم هي من نافذة المطبخ بغيظ لم يمكنها إيقافه وهي تقذف بالمنشفة الصغيرة على المائدة بقوة 
أنهت الغداء مبكرا ثم تحركت بنشاط إلى البيت المهمل وبدأت تنفذ خطتها في إعادة تهيئته مرة أخرى بداية بالبهو وغرفة الاستقبال أو كما فكرت ستكون غرفة الجلوس
أبدلت الكثير من الأساس والمفروشات ونظفت الجدران والنجف المعلق وحاولت إصلاح المعطل منه وما أن انتصفت الشمس في السماء حتى توقفت وهي راضية عما فعلت فأعدت طعام مخصوص للعمة وصعدت إليها
“صباح الخير مدام"







كانت المرأة تعتدل بالفراش فوضعت صينية الطعام وفتحت الستائر ثم نظرت إلى المكيف وقالت "رغم أن غرفتك الوحيدة التي يعمل بها المكيف إلا أنك لا تستخدميه رغم البرد"
نظرت المرأة إليها وقالت "لا أحب ذلك الشيء يصيبني بالصداع كما هو كلامك يا فتاة تثرثرين كثيرا" 
نظرت إليها من طرف عيونها وهي ترتب الغرفة من حولها وقالت "هل أفعل حقا؟"  
تناولت المرأة الطعام وقالت "ما زلت لا أعرف كيف اقتنع ببقائك وأنت بسنك هذا؟" 
لم تمنحها الاهتمام الكافي وهي تقول "هو يعلم أن لا ملجأ لي سواكم" 
نظرت المرأة لها بعيون حادة وقالت "وفتاة عادت من لندن تقبل أن تعيش بمكان كهذا وتعمل مثلك هكذا؟" 
لم يفت ذلك عليها فقالت بدون تفكير "لم تكن حالي بلندن أفضل من هنا والدي كان يعمل فلاح بالريف الانجليزي وعشت معه بمنزل كهذا وربما أسوء حالا منه فالأمر ليس بجديد علي" 
تأملتها المرأة قليلا قبل أن تقول "وطعامنا المصري هذا" 
ابتسمت وقالت "تعلمته منه أيضا" 
نظرت إليها العمة مرة أخرى وقالت "لا تطمعين بأكثر من ذلك فهو لا يفكر بالزواج وقد ناله من النساء ما كفاه" 
توقفت عما كانت تفعل وهي تحدق بالعمة وقد احمر وجهها دون أن تجيب ولم تعيد العمة كلماتها
أعادت ترتيب غرفتها وملابسها وكذلك غرفته وربما كانت تريد أن تعرف ما إذا كانت دنيا بها أم لا وبالطبع لم تجدها بالغرفة التي كانت منظمة ولكن تحتاج إلى إعادة ترتيب وقد كانت تضعها بالخطة، ما أن انتهت وخرجت من غرفته حتى رأت دنيا تخرج من الغرفة المجاورة لغرفة العمة فعادت بذاكرتها إلى الأمس ومع ذلك تذكرت أيضا تحذيره فاستدارت لتنزل ولكن دنيا استوقفتها قائلة 
“والآن تخرجين من غرفته ترى ماذا كان غرضك منه وما الذي تخططين له؟"
توقفت ولم تستدير ولكن دنيا هي التي وقفت أمامها فقالت "بالفعل كنت بغرفته كي أعيد ترتيبها كباقي الغرف والخطط هذه أنت يمكنك إخباري بها فأنت أكثر دراية"
احمر وجه دنيا من تلميح رحيق فغضبت وقالت بعصبية "اسمعي لابد أن تدركي أنني وفراس بحكم المخطوبين وسنتزوج قريبا بمجرد أن تتحسن أحواله المالية، لذا عليك أن تعرفي أن وجودك هنا لابد أن يكون بحساب هذا إذا تركتك أنا تستمرين"
تراجعت رحيق فقد أدركت أن علاقتهم ليست عابرة وإنما هو خطيبها ولهما علاقة قائمة رغم أنها كانت زوجة أخيه سمعت دنيا تقول 
“هل أسمعك تجيبين بالفهم يا، يا ماذا؟ لقد نسيت اسمك لا يهم فأمرك لن يطول هنا"
وأطلقت ضحكة ساخرة وتركتها ونزلت إلى الأسفل والغيظ يأكل رحيق لأنها لم ترد كما كان يجب..





دق الباب فأعادها من غفلتها فنزلت لتفتح لتجد شابا يرتدي ملابس بسيطة يحمل صفيحة لبن كبيرة وسلة أخرى ظنت أن بها بيض، تراجع الشاب عندما رآها وظل ينظر إلى عيونها وقوامها بعيون جريئة قبل أن يقول 
“الأستاذ فراس أرسل اللبن والبيض"
هزت رأسها وهي تأخذ منه الصفيحة وتضعها بالداخل ثم أخذت سلة البيض وقالت "شكرا يا.."
ابتسم وقال "عوض يا ست، أساعد فراس بيه بعشش الطيور واسطبل الماشية"
هزت رأسها وقالت "شكرا يا عوض"
تراجعت وما زال يحدق بها حتى أغلقت الباب لتتراجع فترى دنيا على باب المطبخ وهي تقول "أين الإفطار؟ ألم تعدي شيء؟"
تفادتها وهي تنقل الأشياء إلى المطبخ وقالت ببرود "فعلت ولكن موعد الإفطار مر، وكلها ساعة والغداء سيكون على المائدة"
تراجعت دنيا وقالت "أريد أي ساندويتش الآن"
لم تنظر إليها وهي تقول "الجبن بالثلاجة والعيش بجوار الفرن"
وانتهت مما تفعل وخرجت من الطبخ ودنيا تريد أن تقتلها ولكنها لم تهتم وقد هدأت قليلا بما فعلت
كانت عودته بجواد بموعد الغداء وقد اختفت دنيا من أمامها وهي تعد أطباق الغداء وقد لاحظت أنه يقود سيارة أحدث من تلك التي ركبتها بالأمس ولم تهتم وجواد يسرع إليها ويقول 
“رحيق، رحيق انظري لقد حصلت على الدرجة النهائية بالامتحان بعد أن أجبت كما علمتني"
ابتسمت له بسعادة وهي تنحني عليه وردت "كنت واثقة أنك تملك عقلا رائعا سأمنحك علبة الألوان الجديدة كهدية مقابل هذا النجاح الرائع"
هتف الطفل بسعادة "حقا رحيق تلك التي اشتريناها بالأمس؟"
هزت رأسها فدفع نفسه إلى أحضانها وهو يهتف "أنت رائعة رحيق أنا سعيد بوجودك"
كان قد دخل هو الآخر ولكنه وقف يتابع الحوار وأدرك أن لها طريقة جذابة في التعامل مع الصبي مما جعله يتأكد أنه لم يخطأ في بقائها
تدخل وقال "ألن تغسل يدك جواد قبل الغداء؟"
ابتعد الصبي عنها وأسرع ليغسل يده بحمام الضيوف، بينما تحرك هو إلى مقعده وقال "هل رحلت دنيا؟"
نظرت إليه وقالت ببرود "ظننتك ستسأل عن عمتك أولا"
نظر إليها وأدرك أنها لن تغير من نفسها فتغاضي عن لسانها وقال "عمتي تجلس بجوار النافذة بالأعلى وقد أشارت لي بيدها فأدركت أنها بخير، هل تجيبي سؤالي بإجابة واضحة وليس بسؤال لا يخصك"






أدركت معني كلماته فلم تنظر إليه وقالت "بالتأكيد هاتفتك وأخبرتك بم ستفعله" 
نفخ بضيق ونهض متجها إليها ووقف أمامها وأمسك معصمها ليوقفها عما كانت تفعل وقال "اسمعي أنا لا أحب أن أعيد الكلام أكثر من مرة وقد حذرتك من تلك المجادلة التي تثير غضبي ووقتها لا أضمن رد فعلي فأوقفي طريقتك هذه من نفسك بدلا من أن تندمي بعد ذلك" 
ارتجف جسدها من طريقته وتألم معصمها فقالت بغضب مماثل "وأنا أخبرتك أن تتحدث بلسانك لا بيدك فأنت تؤلمني وهذا ليس من حقك" 
تدارك نظراتها المتألمة فترك معصمها بينما عاد جواد وتبعته دنيا التي قالت "وأخيرا عدت، مهاب على وصول" 
عاد إلى مقعده وقال "وما سبب الزيارة؟" 
لم يكن هو ومهاب على وفاق بسبب خلافات قديمة وحديثة، كانت دنيا بالطبع سببها هذا غير الكره الذي يضمره مهاب لفراس، أجابت دنيا "ذكر شيء عن دار النشر القديمة الخاصة ببابا" 
وضعت رحيق الأطباق وهي تتابع الحديث وسمعته يقول "نعم، أخبرته أن يتخلص منها من قبل ولكنه لا يسمع" 
قالت "كان يأمل في أن تشتريها أنت ولكن بعد ما حدث تكسرت أحلامه" 
لم يرد وشرد في حياته السابقة وقلمه الذي جافاه وكلماته التي انتهت بانتهاء أحلامه فشعر بمرارة بفمه أوقفت رغبته في الطعام فوضع الشوكة والسكين ووجه كلامه إلى رحيق 
“من فضلك قهوة سادة بالمكتب فلدي عمل لم ينتهي بالأرض"
كادت دنيا تتحدث لولا أن ذهب دون أن ينظر لأحد وقد تابعته رحيق بعد أن لاحظت تغير معالم وجهه 
أعدت له القهوة وذهب جواد لغرفته بعد أن أوصل الغداء للعمة أما دنيا فتحركت إلى مكتب فراس وتبعتها رحيق بالقهوة
دق الباب وفتح ومن رائحة العطر عرف أنها دنيا فنفخ بضيق قبل أن يدخن السيجارة بقوة وهي تقول
“لم أقصد إحياء الماضي فراس"
التفت وأطفأ السيجارة وقال "الأمر لا يهم دنيا أنا فقط مشغول بالأرض والمزرعة والحيوانات والديون لذا لا مجال للتفكير بأي شيء"
تقدمت رحيق للداخل وقد كان الباب مفتوح تراجع وهي تضع القهوة على مكتبه بينما قالت دنيا "وأين الشاي الخاص بي يا فتاة؟" 
التفتت إليها وقالت ببرود "أنا لست فتاة أنا رحيق والشاي بالمطبخ يمكنك إعداده بسهولة فليس لدي وقت" 







كاد يتدخل ولكن دنيا تستحق الأسوء فتركها دون أي تعليق وهي تخرج ودنيا تصرخ "فراس، هل ترى كيف تعاملني تلك الفتاة؟"
قال بهدوء "أنت تحاولين إشعارها أنها خادمة وملزمة بخدمتك وهي ليست كذلك هي فقط تقدم مساعدة لأهل البيت وليس للضيوف"
عادت رحيق إلى المطبخ والغضب يتملكها ولولا أنها ردت لكانت ماتت من الغيظ، لحظات ودق الباب مرة أخرى كادت تتجه لتفتح لولا أن تولى هو الأمر وهو يستقبل مهاب الذي بدا بعمر فراس أواخر الثلاثينات بشعر أشقر ورموش تشبهه وعيون بنية ووجه أبيض نحيف على قوام متناسق دون مبالغة إلا في الملابس القيمة التي يرتديها 
اصطحب مهاب إلى المكتب ثم عاد إليها وقال "بالطبع يمكنك صنع الشاي للجميع"
هزت رأسها ولم تعترض وتمنت لو أنه لاحظ التغيير الذي أجرته بالبيت ولكن بالطبع هو مشغول بمن هم أهله وأهم
أعدت الشاي ووضعت أعواد النعناع بالصينية ثم حملتها إلى المكتب حيث دقت الباب ودخلت، تابعها مهاب بنظرات لاحظها فراس بالطبع ولكنه تجاهلها وكادت تذهب هي عندما قال مهاب معترضا طريقها
“لا تخبرني أنك أحضرت خادمة بهذا العمر يا فراس"
رفعت عيونها إلى مهاب بقوة ولكن فراس قال "لم أفعل وهي قريبتي عادت من الخارج بدون أهل أو أقارب وستبقى هنا حتى تجد مكان آخر"
حاولت أن تتحرك ولكن مهاب أوقفها وقال "وما اسمك يا جميلة العيون"
لا تعلم لماذا وقفت وقد أرادت أن تعيد بعض ثقتها التي أذهبها ذلك الرجل فقالت "رحيق"
ابتسم مهاب فبدا جذابا وقال "رحيق! بالتأكيد الرحيق هو الذي ينتج عيون بهذا اللون العسلي الصافي، أهنأ من أطلق عليك الاسم فقد أصاب"
قالت بود "أمي من فعل فقد كانت تحب رؤية النحل وهو يمتص الرحيق من الزهور لذا أطلقت علي الاسم"
بدأ الغضب يتسلل إليه من تلك السلاسة التي تتحدث بها مع مهاب وعنده هو تتخذ العناد والغضب لذا هتف ببرود "رحيق يمكنك الذهاب لو احتجت شيء سأخبرك، مهاب هل تخبرني بسر وجودك لابد أن أعود للأرض"
رمقته بنظرة غاضبة بينما بدا النصر بعيون دنيا وابتعد مهاب من طريقها وهو يرد على فراس "تعلم أن دنيا تصر على إغضابي 





بوجودها هنا بالنهاية هو بيت عمي، ولكنه ليس السبب الرئيسي بالطبع وإنما دار النشر الخاصة ببابا"
ابتعد وهو ينفخ دخانه بعيدا قبل أن يقول "وماذا عنها؟"
قال مهاب وهو يجلس أمام فراس "تعلم أني لا أجيد إدارتها ومن وليته الأمر أيضا لا يفعل لذا لجأت لمحسن منصور أكيد تعرفه"
هز رأسه بالإيجاب فأكمل مهاب "وهو اقترح أن تعود أنت للكتابة وننشر لك فكتاباتك كانت ذات صدى وستساعد في نجاح الدار"
نهض فراس بضيق وقال "لا أعتقد أنني سأفعل لأني توقفت عن الكتابة، لم أعد أملك الوقت ولا الذهن الصافي لأفعل"
نهض مهاب واتجه إليه وقال "لأنك لم تحاول منذ أن توقفت ولكن أنا متأكد"
قاطعه فراس بقوة "لست بحاجة لرأيك مهاب هو قرار ولن أتراجع فيه ولو فكرت في العودة فأنت تعلم أني لن أنشر بدارك"
تعصب مهاب وقال "وماذا بها داري فراس؟ أنت تعلم أن بابا كان"
قاطعه مرة أخرى "أعلم أن عمي كان ينتقي الموضوعات والكتب ولكني أعلم أيضا أنك لا تفعل ونحن جميعا نعلم نوع ما تنشر دارك الآن وأنا لن أشارك بذلك"
تعصب مهاب وقال "أظن أنك تعلم أن هذا هو الاتجاه السائد هذه الأيام والنجاح يصاحب من يتجه بذلك الاتجاه"
قال بحزم "ولكن أنا لا، لن أشارك لأني لا أريد هو فكر خاص ولا يمكن إجبار أحد على تغيير فكره"
تدخلت دنيا "فراس على حق يا مهاب، أنت تعلم أنه توقف عن الكتابة بسبب حياته الجديدة فلا داع لم تفعله"
هز مهاب رأسه وقال "حسنا هو فقط كان اقتراح إذا ما فكرت في العودة"
لم يرد فراس بينما عاد مهاب يقول "دنيا ألا نذهب قبل أن ينتهي النهار؟"
نظرت دنيا إلى فراس ربما يوقفها ولكنه أبعد وجهه عنها فقالت "حسنا هيا، فراس أكيد سنمضي العيد هنا ككل سنة أليس كذلك؟"
نظر إليها وقال "هذا إذا حضرت أمي وفايزة أختي"
بدا الغيظ بعيونها وقالت من بين أسنانها "أكيد سيفعلون ككل عام أنا ذاهبة"
خرج معهم ورحل كلا منهم في طريقه وعاد هو إلى الأرض حيث انشغل بها دون سواها
مرت الأيام هادئة دون أي صراعات بينهم وربما تأخره بالأرض منحها مساحة أكبر للتصرف بحرية بالمنزل ولم يعترض، وخلال الأيام التالية استطاعت أن تفعل الكثير بالبيت والحديقة فقط تمنت لو أمكنها شراء دهان





 جديد وطلاء الحوائط كما وافق على طلاء الأثاث وفكرت أنها ستعرض الأمر عليه ربما وافق فقد بدا هادئا بالأيام السابقة رغم أنها لم تكن تراه إلا بالمساء على العشاء ولكنه لم يكثر من الحديث معها وربما تجنب أن يفعل وهو يشعر أن تلك المرأة تجره إلى ذكريات لا يريد أن ينقاد إليها، كما وأن بها جاذبية غريبة تجعله يريد أن يظل ينظر إليها دون ملل ولكن لسانها الذي يثير غضبه هو الذي يحيره..
بدأ المطر بذلك اليوم وهي تعد الإفطار بصباح الجمعة حيث يستيقظ الجميع متأخرين وقد عرفوا أنها نوه ستستمر لثلاثة أيام اليوم أولهم
دخل بملابس مريحة وقد عرفت ملابسه فهي من تغسلها وقال وهو يرى كوب الشاي الذي تعده له كل يوم قبل الإفطار فقد حفظت كل عاداته تقريبا وأصبحت تنفذها حرفيا ومع ذلك لم تنل منه كلمة شكر واحدة
“صباح الخير تبدو النوة قوية هذه المرة"
وضعت الأطباق وقالت ببساطة "الشتاء هذا العام شديد البرد كثير المطر، ألا يؤثر ذلك على أرضك يا سيد؟"
جلس وتناول بعض الشاي وقال "لا، المطر بديل الري، كل ما في الأمر أننا نزيد من قنوات الصرف ولقد عملت على ذلك بالأيام الماضية"
قالت وقد اعتادت على تهدئة نفسها أمامه "ألا يوجد من يساعدك؟"
نفخ الدخان على شكل دوائر متتالية قبل أن يقول "هناك من يريد بالطبع ولكن لا أتحمل أجورهم"
دخل جواد وقال بكسل "صباح الخير"
تابعته وقالت "صباح النور تبدو كسولا اليوم؟" 
أجاب "أشعر بصداع، فراس تلك الفتاة زينب اعترضت طريقي بالأمس وأنا خارج من المدرسة قبل أن تأتي رحيق" 
نظر إليه فراس وهو يتناول الطعام وقال "وماذا أرادت؟" 
نظر إلى رحيق وقال "سألتني عن رحيق وما إذا كانت قريبتنا بالفعل، وسألت عن علاقتها بك؟" 
تلاقت نظراتهم هما الاثنان ثم عاد هو إلى الصبي وقال "وماذا أجبت؟" 





قال الصبي "لا شيء أكثر من أن رحيق قريبتنا وتساعد في أمور البيت وليس هناك علاقة بينكما، ولكن أنا لم أحب طريقتها، ألا تخبرها أن تبتعد عني" 
هز رأسه بينما تركت هي الطعام ونهضت لتصب شاي لنفسها فتابعها بنظراته دون أن يتحدث
انتهى جواد من طعامه ثم تحرك إليها وقال "رحيق عندي امتحان غدا هل تساعديني بعد الظهيرة؟" 
ابتسمت وقالت "بالطبع، فقط بعد أن تنتهي من واجباتك سأكون انتهيت من الغداء" 
هز رأسه وتحرك ببطء إلى غرفته،  نهض وأزال الأطباق كما يفعل ببعض الأحيان إذا كان متفرغا ووقف ينظفها وهو يقول "جواد تعلق بكِ" 
أعدت له القهوة وقالت "وهذا أمر جيد أم سيء بنظرك؟" 
قال بهدوء "أتساءل عنكِ أنت؟" 
توقفت وقالت وهي تحاول أن تفهم سؤاله صح "أنا ماذا؟ لا أفهم سؤالك أم تراك تظن أنني أتصنع محبتي للصبي؟ ألا يمكنك أن تذكر حسنة واحدة لي؟" 
توقف وقال بضيق "اللعنة يا امرأة ألا تتوقفين عن ذكر حسناتك أبدا؟ هل لابد أن أمدحك بكل الأوقات على أشياء لم أطالبك بها؟ كما أتذكر أنا لم أجبرك على فعل ما تفعلين وكأنك بسباق مع المجهول" 
انسكبت القهوة على نار الموقد فأطفأته فلم تهتم وقد شعرت بأنها لا تريد البقاء أمامه فتركت المكان وتحركت لتخرج ولكنه أدرك كلماته فأمسك ذراعها وأوقفها بجواره فقالت بغضب من بين دموعها
“أخبرتك كثيرا ألا تلمسني، ابتعد عني ودعني أذهب" 
لم يتركها وهو يندهش من أنه يتقبل جنونها وهو يقول "ألا يمكن أن تكفي عن جنونك هذا؟ أم هو جزء من شخصيتك؟ ألم يخبرك أحد أن عملك هذا يتطلب الطاعة وبعض من الاحترام لسيدك؟" 
أبعدت وجهها ولم ترد فخفف من قبضته وقال "والآن بماذا يفكر عقلك المتهور هذا؟" 







رفعت عيونها الدامعة إليه وقد كان بعيدا عنها لطوله الشاهق ولكن ما زال دفء جسده الذي يلمس كتفها ينتقل إلى جسدها ورائحته التي تحفظها تتخلل إلى أنفاسها، أما عيونه التي اخترقت نظراتها بوقاحة وجرأة فقد أمالت رأسها وجعلتها ترتجف داخليا دون إظهار ضعفها أمامه 
خلصت ذراعها منه بهدوء وابتعدت وهي تقول "أفكر بالرحيل" 
ضاقت عيونه وتابعها وهي تقف أمام النافذة فقال "رحيل؟ أي رحيل ظننت أنك راضية بم تفعلين هنا" 
قالت "ربما ولكن فتاة مثل زينب تثير الأقاويل ضدي مما يمكن أن.." 
ولم تكمل فأخذ سيجارة وأشعلها وقال "تعلمين إجابتي، لا يهمني أحد إنها حياتي، ثم ألم تفكري بذلك يوم اخترت ذلك العمل؟ أم أنك لم تخدمي ببيت أحد من قبل؟" 
التفتت إليه واحمر وجهها من أسئلته وفكرت قبل أن يبدو ارتباكها ثم قالت "بلى كنت ولكن، لم أقيم ببيت أحد كنت أعود لبيت جدتي حتى رحلت" 






اقترب منها ووقف أمامها وقال "الجميع يعلم أن عمتي تشاركنا البيت وهي الآن بخير والجميع يراها كثيرا بتلك الحديقة التي لا أعلم ماذا تفعلين بها؟" 
كانت مؤخرا قد قررت إعادة حديقة المنزل إلى الحياة وقد قرأت ورأت الكثير على النت وبدأت بالفعل 
قالت وهي تنظر إليه "أعيدها للحياة" 
تسمرت نظراته على عيونها التي لمعت من الدموع التي كانت عالقة بها فبدت أكثر جاذبية والتصقت خصلتها القصيرة برموشها تداعبها برفق فعاد يشعر بتلك الجاذبية التي تأخذه إليها فرفع يده وأزاح الخصلة إلى خلف أذنها فارتبكت من يده الخشنة التي لمست بشرتها فابتعدت إلى أي مكان وهي تقول 
“سأذهب لأرتب الغرف و"
ولكنه نادها "انتظري، لا تعبثين بالمكتب أريده كما هو" 
التفتت إليه وقالت "ولكن أنا لدي خطط كثيره لتعديله" 
ابتعد وهو يعد قهوة أخرى لنفسه وقال "أعتقد أن كلماتي واضحة يا آنسة" 
تملكها الغيظ فقالت "ألا تشعر بالضيق من الفوضى التي تعم الغرفة وعدم النظام الذي تعيش به إنها تكاد تمثل.." 
قال بصوت مرتفع "كفى، ألا تسمعين، إنها أوامري وما عليك إلا التنفيذ هيا" 
شعرت بالغضب والخوف بآن واحد فأشاحت بيدها ثم تركته وتحركت لتذهب لولا أن سمع الاثنان ضوضاء بالخارج فتوقفت ونظر هو إلى النافذة فرأى سامر سكرتيره السابق 
تحرك إلى الباب وقال دون أن ينظر إليها "إنه سامر أعدي مشروب دافئ له" 
عادت إلى المطبخ بضيق واضح وهي لا تكترث بسامر أو غيره وإنما بذلك الرجل الذي يتمتع بغيظها من كل قلبه ومع ذلك تتحمله وتتقبل كل أفعاله بل وسعيدة بحياتها هنا بذلك البيت البسيط وإمكانيات صاحبه التي تكاد تكون معدومة، ونست من هي وسبب وجودها هنا بل ونست أنها تلك الفتاة التي لم تعيش صباها كما تفعل مثيلاتها من البنات ومع ذلك استمتعت بكل التعب الذي تبذله هنا وهي ترى البيت يعود للحياة





نظر إلى سامر الذي كان ينفض المطر عنه وخلع جاكته الجلد وعلقه بجوار الباب وفراس يقول "بالتأكيد هناك سبب قوي لمجيئك بمثل ذلك الوقت وبهذا الطقس" 
نظر إليه وهو يتبعه إلى غرفة الجلوس حيث الدفء بالمكيف وقال "الشركة تتهاوى يا فراس بيه والمدير طلب مني أن أترجاك أن تعود وتصبح المدير العام و.." 
ابتعد فراس وقال "وهل تظن أني سأفعل؟ بعد أن كنت أنا المالك أصبح أجير بمكاني؟ هل جننت يا سامر؟" 
اقترب سامر منه وقال "وهل تترك شركتك هكذا؟" 
نظر إلى قطرات المطر التي تدق على زجاج النافذة بقوة وكأنها زائر غير مرحب به ويطلب الإذن بالدخول ثم قال "لم تعد كذلك يا سامر تعلم أني بعت كل شيء" 
قال سامر بغضب "من أجل ماذا فراس بيه؟" 
التفتت إليه بغضب وقال "من أجل هذا البيت، من أجل الأرض، المزرعة، الماشية، كل شيء سامر، كل شيء كان باسم الهلالي" 
أجاب سامر "ولكنه ليس ذنبك فراس بيه، وليس خطأك لماذا تحمل نفسك كل ذلك؟" 
ابتعد وهو يرى صورة والده أمامه وهو يقول بنفس المكان "لن تكون جديرا بأملاك الهلالي بأي يوم لذا سأتركها لأخيك ويكفيك شركتك التي تظن أنها ستنفعك" 
وها هو اليوم الرجل الذي ينقذ أملاك الهلالي من الضياع، أعاده دقات رحيق على الباب وهي تدخل بالقهوة وتضعها فينظر سامر إليها بقوة ودهشة ويقول
“ومن تلك الفتاة فراس بيه؟" 
لاحظ نظرات سامر فاقترب كي يعيده إليه وقال "ابنة قريبة أمي مات أهلها وهي تقيم هنا حتى تجد مكان بديل، تساعد بأمور البيت" 
تحركت لتذهب ولكن سامر قال ليوقفها "لا أعلم أين رأيت عيونك يا آنسة من قبل؟ هل أعرفك؟" 
نظرت إليه بهدوء وأجابت بأدب "لا أظن يا فندم عن إذنكم" 





ولكنه لم يبتعد وقال "سامر، اسمي سامر كنت سكرتير فراس بيه وأدين له بالكثير" 
ابتسمت برقة أغاظت فراس وهي تقول "تشرفت يا فندم" 
وقبل أن يكمل سامر أو يزيد قال فراس بحزم "أعتقد أننا لا نريد شيء آخر يمكنك الذهاب" 
كانت طريقته وقحة ومهينة كالعادة فنظرت إليه بحدة وبادلها النظرة بواحدة أقوى فتحركت إلى الخارج بخطى غاضبة
كانت قد نسيت بعض الأثاث بالخارج عندما طلته بالدهان الجديد وتركته ليجف تحت مظلة جانبية قديمة وعندما نظرت إليه بالصدفة فلاحظت أن الرياح اقتلعت المظلة، أسرعت على الفور لتنقذ الأثاث من المطر غير عابئة بالمياه التي بللتها حتى أخمص قدميها ولا بالريح التي عصفت بها وفيم بعد اعترفت بأنها كانت غبية
بالطبع لم تمكنها الريح من إنقاذ الأشياء بسهولة ولكنها فعلت بإصرار بعد أن غرقت في المياه، وأخيرا دخلت البيت وأغلقت الباب ووقفت تلتقط أنفاسها وهي ترتجف من البرد 
ولكنها فزعت عندما سمعته خلفها يقول "سامر سيبقى هنا اليوم أعدي له غرفة" 
توقف عندما رأى ما حدث فقال "ما هذا؟ هل خرجت بذلك المطر؟"
تحركت وهي تضم ذراعيها على جسمها من البرد وقالت "كنت أنقذ الأثاث"
تابعها بغضب وقال "أنت مجنونة بالتأكيد، أي أثاث الذي تلقين نفسك في الموت من أجله؟"
لم ترد وهي تتقدم إلى المطبخ فقال "والآن إلى أين؟ اذهبي وغيري تلك الملابس إلا لو أردت الانتحار بالتهاب رئوي"
نظرت إليه وقبل أن تنطق أو تتحرك أكمل بوجه بارد "وعندما تعودين لابد أن تدركي أنني لن أسمح لكِ بأن تعاملي الرجال بطريقة تثير إعجابهم بك وبجمالك، خبرتك كامرأة احتفظي بها لنفسك فبيتي ليس مكانه" 
تراجعت بذهول من اتهامه وقبل أن تجيبه كان يتحرك إلى خارج المطبخ بخطى واسعة.. 
انسابت دمعة من عيونها وهي لا تدرك سر اهاناته المتواصلة اليوم ومع ذلك ما زالت صامدة ولم تفكر بالرحيل، ترى لماذا؟ وإلى متى؟






ارتجفت بشدة وهي تغير ملابسها وقد شعرت بالبرودة تسري بكل جسدها ثم عادت إلى المطبخ وأعدت طعام العمة التي سرعان ما نزلت لتناوله بالمطبخ ولاحظت العمة صمت رحيق وعدم استجابتها لثرثرتها 
اتجهت إلى الأعلى ورتبت الغرف وأعدت غرفة لسامر من الغرف التي جددتها ثم نزلت وأعدت الغداء والعمة ما زالت جالسة فقالت
“هل أكلت القطة لسانك اليوم يا فتاة؟"
قالت بضيق من الصداع "أنا لست فتاة"
ابتسمت العمة وقالت "ولست امرأة، ما زال وجهك يتلون بالأحمر من نظرة فراس لكِ"
نظرت إلى المرأة وشعرت وكأنها تعريها من سترها وتفضح سرها فقالت بعناد "لا أفعل"
قالت العمة "لا يهم، أخبرتك أنه لا يهتم بأمثالك يكفيه أمه ودنيا"
لم تتوقف عما كانت تفعل ولم تبدِ فضول رغم أنها كانت تموت لتعرف أي شيء عنه فأكملت العمة وكأنها تحدث نفسها وتسترجع الذكريات
“كوثر لفظته هو وفهد بمجرد موت أخي وأسرعت لحياة أخرى بالمدينة حيث كانت تحلم وتتمنى وتزوجت عزت رجل المال، لم تكن الأم الصالحة تجاه فراس بأي يوم رغم أنه هو الابن البار بهم جميعا، أما دنيا فلفظته أيضا عندما اكتشفت بعد وفاة أخي أنه كتب كل أملاكه لفهد وقتها فتحت ذراعيها لفهد وأوهمته أنها كانت تتخذ فراس سبيل لتصل إليه، صدمتان بوقت واحد مما صنع منه رجل يأبى أي امرأة بحياته"
توقفت وهي تفكر بكلمات العمة ولكنها قالت "ولكن دنيا ما زالت تأتي"
هزت رأسها بسعادة وكأنها سعيدة لأنها جذبت انتباه رحيق فقالت "هذا لأنها تريد إعادة ما كان"
قالت باهتمام "وفراس؟"
كادت العمة تجيب عندما تقدم هو للداخل وقال "سامر سيتناول الغداء معنا بالطبع"
ثم ابتعد وسمعته وهو يخرج مع سامر بذلك الجو وقد أتاه مكالمة تحذيرية عن الأرض فأسرع يذهب مع سامر وقد توقفت المياه بقنوات الصرف بعد أن سدها الطين 
تأخر على موعد الغداء فأعدته لجواد والعمة وضايقها أن العمة تهربت من الإجابة عندما سألتها عن زوجته والدة جواد فزاد فضولها وتمنت لو عرفت أي شيء عن تلك المرأة التي تزوجت ذلك الرجل.. 





انتظرته إلى أن رأت سيارته تعود على السادسة فتحت لهما الباب فقال دون أن ينظر إليها 
“غرفة سامر جاهزة؟"
قالت "نعم" 
هز رأسه وتبعه سامر فاصطحبه إلى الأعلى وأعدت الطعام ووضعته بغرفة الطعام التي أصبحت رائعة بعد أن نظفتها وأعادت ترتبها 
شعرت بألم بحلقها وزاد الصداع خاصة بعد أن انهت مساعدتها لجواد في مذاكرته ولكن لم يمنعها ذلك من إكمال واجباتها وكانت تضع الأطباق عندما سمعته يدخل مع سامر فتراجعت بينما قال سامر
“ما هذا! المكان أصبح رائع والطعام رائحته شهية"
لم تنظر لأحد وهي تتراجع فقال سامر "آنسة رحيق هل أنت من فعل كل ذلك؟"
نظرت إلى فراس كما فعل هو وكأنه يحذرها مرة أخرى ولكنها قالت بتحد "نعم أتمنى أن يعجبك"
بالطبع انفرجت معالم وجه سامر بابتسامة واسعة بينما اشتعل الغضب داخل فراس وسمع سامر يقول "لابد أن يعجبني طالما أنت من صنعه يكفي رائحته"
تحدث فراس بغضب "ألا تكف عن هذا العبث وتتناول طعامك لدينا ما يشغلنا"
رمقته بنظرة غاضبة لم يبادلها إياها ثم تراجعت إلى المطبخ وقد بلغ بها التعب مبلغه وصرخ جسدها من الألم والصداع يشق رأسها، أعدت الشاي ولم تسكبه وشعرت بألم حلقها يزداد ودوار يتملكها ربما لأنها لم تتناول أي طعام منذ الصباح 
دخل وقال "سنتناول الشاي بالمكتب"
هزت رأسها ولاحظت أنه لم يذهب ووقف يستند على الباب وهو يعبث بهاتفه فسكبت الماء وأعدت الصينية ثم حملتها إليه فأخذها وذهب دون أن يتحدث وعاد إلى مكتبه
بالتاسعة كانت قد انتهت تماما وهي تنتظره ولكنها شعرت بأنها لا تكاد تحتمل فنهضت وما زال الدوار يتملكها ولكنها توقفت عندما سمعت صوته مع سامر 
لحظات وحل الصمت ولكنها رأته يدخل وهو يقول "سنأتي غدا بعِجل من أجل العيد وسيتولى عوض أمره مع الطيور"






هزت رأسها بتعب وقالت "تعلم أني لا أحب موضوع الطيور والحيوانات"
قال بعصبية "أعلم وكلامي واضح لم أكلفك به بل فقط أخبرك أن وجود عوض سيزداد ولا أريد أن تمنحيه إحساس بالترحاب لا أحب أن يعتاد على البيت وأهله كما تفعلين مع ضيوفنا"
كانت تتحرك من جانبه لتذهب ولكنها توقفت عند كلماته هذه وهو تقريبا يعيد ما كان فرفعت رأسها إليه وقالت "تعلم أني لا أفعل"
برقت عيناه ببريق لم تراه من قبل وهو ينحني عليها وقال "ومهاب وسامر وابتساماتك الموزعة هنا وهناك هل.."
ترنحت أمامه بدون وعي منها فتوقف وأسندها وهو يقول بنبرة مختلفة "رحيق ماذا بك؟"
أمسكت رأسها وأغمضت عيونها ربما تتخلص من الظلام الذي لفها فجأة وهي تقول بصعوبة "لا شيء، أنا بخير"
ولكنه شعر بحرارة جسدها عندما أمسك ذراعها فلمس وجنتها فتأكد من حرارتها 





المرتفعة فقال "يا الله أنت تحترقين من الحرارة يا امرأة"
لم تسمع كلماته وقد خانتها أقدامها ولم تعد تقو على حملها وسقطت بالظلام دون مقاومة
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-