أخر الاخبار

رواية حب تحت الصراع الفصل الخامس5بقلم حبيبه محمد



رواية حب تحت الصراع 
الفصل الخامس5
بقلم حبيبه محمد






أرجُـــوگِـــي أحــبِـــيــنْــي.
فـ أنــا الــأســير الــذي إخــتطفـته عَـيـنَـكي.
أنــا الــمُــغرم والـعـاشق والــوَلــيد الـوَحـيد لِـقـلـبِگـي.
أنــا السـاقـط سهـواً فـي عِـشقـك فـأنْقذيــني.
أرجُـــوگِـــي أبْــصِـريــني.
دَعــيـني أخَذ بـگفِ يَـديكـي إلـى مَرسى مَــوجِـي.
لـا تَـغـرقِــني بـكِ أكـثـر فـأنا لـستُ بــسباحـاً مـاهراً يـغوص في مُتسـع حــبكِ ويخـرج نـاجِـيـاً.
لـيـرانـي قَــلـبك إن كـانت أغـدقـك لـا تــرانـي.
دعــيـني اتـأملـك بـلا خــوف.
دعــيـني أحـــبـك يا ضـيـاء لــيلي المُـعتم.
أرجُـــوگِـــي إقــتـربـي.
فـ قـلبـي عـاشـق لـ نـارك ،قــلـبي عاشـق لـ ظُلـمتك.
قـلبـي عاشقاً لك يا نــداهـه سَلبت قلبـي.
قـلبـي ساقـطاً في حِبـك تحـت صراعـاً مِنك.
أرجُـــوگِـــي.
دعــيــني اغــرق بَـكِ دون خــوفاً.

_لــيــل.
___________________________________________

حَرَّر هَوَاك فَالْحَبّ بَات مُعْلِنًا.
مَا كُلُّ مَا أَخَفْتُه الْعَيْن محزنا . 
مَنْ قَالَ فُؤَادِي ظَالِمًا.
كُنْ فِي غَرَامِي هَائِمًا .
خُذْ مِنْ يَدِي خواتما.
وَاجْعَل رَحِيقِي مَسْكَنًا . 

بسم الله الرحمن الرحيم .
نوفيلا .
" حـب تحـت صـراع ".
للكاتبه: حبيبه محمد.
الــصـراع الــخــامــس.

___________________________________________
أرجُـــوگِـــي أحــبِـــيــنْــي.
فـ أنــا الــأســير الــذي إخــتطفـته عَـيـنَـكي.
أنــا الــمُــغرم والـعـاشق والــوَلــيد الـوَحـيد لِـقـلـبِگـي.
أنــا السـاقـط سهـواً فـي عِـشقـك فـأنْقذيــني.
أرجُـــوگِـــي أبْــصِـريــني.
دَعــيـني أخَذ بـگفِ يَـديكـي إلـى مَرسى مَــوجِـي.
لـا تَـغـرقِــني بـكِ أكـثـر فـأنا لـستُ بــسباحـاً مـاهراً يـغوص في مُتسـع حــبكِ ويخـرج نـاجِـيـاً.
لـيـرانـي قَــلـبك إن كـانت أغـدقـك لـا تــرانـي.
دعــيـني اتـأملـك بـلا خــوف.
دعــيـني أحـــبـك يا ضـيـاء لــيلي المُـعتم.
أرجُـــوگِـــي إقــتـربـي.
فـ قـلبـي عـاشـق لـ نـارك ،قــلـبي عاشـق لـ ظُلـمتك.
قـلبـي عاشقاً لك يا نــداهـه سَلبت قلبـي.
قـلبـي ساقـطاً في حِبـك تحـت صراعـاً مِنك.
أرجُـــوگِـــي.
دعــيــني اغــرق بَـكِ دون خــوفاً.

_لــيــل.
___________________________________________

حَرَّر هَوَاك فَالْحَبّ بَات مُعْلِنًا.
مَا كُلُّ مَا أَخَفْتُه الْعَيْن محزنا . 
مَنْ قَالَ فُؤَادِي ظَالِمًا.
كُنْ فِي غَرَامِي هَائِمًا .
خُذْ مِنْ يَدِي خواتما.
وَاجْعَل رَحِيقِي مَسْكَنًا . 

مــوج الـأسكندريـه عِــند المَـغيب يكـون مُـثـيراً لـلإكـتـئاب ،وأســباب إكـتـئابه أيـضاً تَكون مُـثـيره لـلحزن ،علـى صـخوره تـوجد نـكـهة حـزن مُـختلفه مُصـاحبـه لـلآهات ،فـ الـموج ،والصـخر، والـقاع، جَـميعها آثار مُـختلفه لآشـكال الحزن الـتـي يَحملها البـشر ،هُـنا عِند المـغيب تـجتمع الألام وتتبارز ،فـقدان الآحبه ،العشـاق ،الأصدقاء ،والكثير مـن الوعود التي أنكرها أصـحابها وتبرأو مِنها فيما بعد ،الكثير من الوعود التي وفى بها أصحابها وبدأو معاً حياه جديده ،حياه جديده أمام عالم لا يحارب إلا الحـــب ،وما بين كـل ذلك كـانت جروحه تنزف أكثر وتـرفض الضَماد.

لـقـد رفُـض حُـبه قـبل أن يبوح به حتى!.
لـقد رفُـض قـبل أن يُـفضي فيما قـلبه مِن مكنونة مشاعر!.
وهــل يـوجد ما هـو أقـسى مِـن ذلك!. 
أن تُـرفض من قِبل أكثر شـخصاً گنت تـنتـظر مِنه أن يـتقبلك؟.
أن تَـحب فـ تـعشـق فـ يُـسلب لـباب قـلبك وبـعد گل ذلك تُـرفض!.
أن يـنكمش قـلبك آلماً بعدما شعـر أن ما كان يفعله لا صـحة له!.
أن تشعر أنك كنت تـحارب لـأجل ارض جرداء لا فائده لها ،أنك حينما كنت تتمرد على كل شيء ،وتركض طريقاً طويلاً صوب أحدهم كان هو يضع الشوك في طريقك!.
لـتدرك مؤخراً أنك حينما كُنت تزرع ورداً في شُرفة أحدهم كان هو يكرهه رائحته!.
من نزعت عنه شوكاً جرحك به!.
من أحبـبته وظننت أنه يحبك رفضك!.

ألقى بما كان بين يديه من حِجاره بقوه صوب الموج الساكن أمامه يُثيره لكي يثور عليه فـيغشيه ،يبتلعه إلى داخله ويرحمه مما هو فيه، شـــمــس تـلك التي ظن أنه أخيراً قد وجد ضالته بها لـم تكن سوا ارض أصابها الجفاء مهما حاول أن يُعيد الحياه بها لم تعد ،لم تستقبله، رفضته ،ركلته بعيداً هو ومائه وورده ،شـــمــس التي ظنها قد ظهرت أخيراً لتضيئ مِن ظُلمات ليله لم تكن أشعتها سوا ناراً حارقه أبادت گل مظاهر الحياه من فوق أرضه ،وقـد غفل هو عن أن الشمس لا تشـرق ليـلاً ،والليل ما كان ولن يكن ليكون صباحاً يحتضنها ،وأن لا شئ يحطم الظواهر الطبيعيه ،وأن الصراعات لا ينتصر عليها أحد.

لـقد غفل عن كل ذلك ،غفل عن حبها الذي تخلخل إلى داخله واستباح إستعمار قلبه ونسى أن قضية الحب تحت صِراع لا تحل.

_مش ناوي تقول إيه سر قعدتك دي يا أبن يوسف؟.

كـان صـوتاً أجشاً خشناً هادئأً أخرجته حنجرة رجـلاً كان يجـلس إلى جواره يُلقي صِنارته لـلصيد كـعادته في الإيام الخـوالي كانت ملامحه ساكنه كـسكون الموج تماماً لا يعكرها شئ ،ولا يشوبها شائبه، كانت إبتسامته الهادئه تَرتسم فوق ثغره المتشققه شِفاهه ولـحيته البيضاء التي أضافت له مـن الرزانه عِنوان ،إلتفت صوبه بعدما ألقى اخر حِجاره كانت بين يديه وهتف بصوت مُختنق:

_جاي هربان يا عمران.

_هربان من الناس ولا من الدنيا ولا من قلبك!.

_هيا هتفرق يا عمران هربان من إيه؟.

_طبعا هتفرق مش كل حاجه بيبقى لازم نهرب مِنها في حاجات لازم نقف قصادها نواجهها ،زي الدنيا كده مينفعش تهرب منها هتفضل تواجهها طول حياتك مره هيا تخسر ومره انت تفوز دي معركه محسومه مينفعش فيها هرب زي الجندي الي نزل خلاص في ارض المعركه ومينفعش ينسحب يا يتمرد فـيموت يا يقف مـحلك سر ويـموت برضه لكن جايز لو حارب يفوز ،أما الناس فده طبع فينا إننا نهرب مِنهم ،في ناس مش بنرتاح معاها فـنكون مضطرين نهرب ،وفي ناس بنهرب ليهم انت وحظك هتهرب منين تروح لفين!.

_طب وقلبـي؟.

قـهقـه ثَغر الـعجـوز"عـمـران" وكانت عَينيه لا تزالان مُنصبه فوق الموج وتراقب صِنارته الـتي لم تهتز بعـد تُبشره بصـيد ثمين لـيهتف في رزانه وحِكمه:

_اهو ده الحاجه الوحيده اللي عمرك ما هتعرف تهرب مِنها أبدا غير لو مـت بس المـوت في قانـون الحـب إنتـحار ،قـلبك ده هو البُوصله بتاعتك من غيرها تغرق ،يقولك مره أنه مش مرتاح فتتمرد عليه وتحاول ترتاح فـتتعب، ترتاح مره وتحاول تتمرد على الراحه فـتتعب برضه وده لإنك بتتمرد على البُوصله اللي عاوزه توريك الطريق الصح زي قبطان السفينه ،مينفعش تقوله البوصله روح يمين فيروح شمال ،بس بيني وبينك الواحد مننا أتخلق عشان يتمرد على قلبه ،لحد ما يجي اليوم وهو الي يتمرد عليك تـحت اسم الحب وقتها لا الهـرب ،ولا الأستغمايه اللي انت عاملها دلوقت ،ولا هو هيسيبك تهرب ولو هربت هتعمل زي التيتانيك اتقسمت لنصين بسبب غلطه!.

تـنهد "لـيـل في آسى ومِن ثم وجهه نظره صوب الموج ناظراً إلى إنعكاس وجهه الحزين فوق زُبده هاتفاً:

_بيني وبينك يا عمران الموت ارحم من الحب والله.

_مين قال كده؟.

_عشان انا كـنت فاكر إن الحب ممكن يخليك تقف مثلا قدام حد بتحبه وتاخد بداله رصاصه وانت مش متردد لإنك متأكد انك مش بتعمل كده على الأرض اكيد اللي قدامك شايل جواه ناحيتك حاجه بس خايف بس انا بعد ما قفزت وخدت الرصاصه عرفت إني كـنت مرفوض من الأول بس انا اللي حبيت أعاني ،غميت عيني عن الحقيقه ،كان قدامي بابين باب مكتوب عليه جنه وباب عليه نار بس انا اختارت النار قولت اكيد ورا النار جنه ،بس عرفت أن النار عمرها ما تكون جنه كانت معجزه زمان ،كانت معجزه وعمرها ما تتكرر تاني.

إهتزت صِناره "عـمـران" دليل على وقوع إحدى الأسماك فـي شِباكه فأخذ يقوم بٕسحبها بقوه وهو يهتف:

_عيبك يا ابن يوسف إنك بتتهزم بسرعه وبتحب تخسر على طول ،مبتحاربش عشان توصل للي أنت عاوزه، إيه يعني تاخد رصاصه! ،هتوجع! ،هتعلم! ،مش مهم ،المهم إنك تكون حاربت ،حاربت عشان بعد كده متجيش تندم تقول يااه ده انا كان في إيدي اعمل واعمل بس معملتش ليه عشان حبيت الهزيمه وهربت ،بس لما هربت وقتها قلبك سابك تهرب؟ ،لا ولا هيسيبك ،القلوب متعرفش هرب يا لـيل حتى لو البني آدم زيك كده متعود يهرب ،القلوب عمرها ما تهرب القلوب اشجع مننا بتحب تواجه وتحارب لكن بطبع بني ادم جبان ،بيدور على اسهل طريق ويمشي فيه.

_وكـانوا بيقولوا النداهه سرقت عقلك منك!.
طلعت انت اعقل مِنهم كلهم يا عمران.

هتف بها "لـيل" وقد أنقشع سواده وارتسم شبح إبتسامه فوق ثغره وأخذ يراقبه في رِفق ،وصلت غنيمة "عـمران" من صيده لـسمكه بحجم صغير كانت بالنسبه له مُفتاح صـبره بعد أن جَلس هكذا طيلة النهار ينتظر ،ينتظر إهتزاز صِنارته دون كلل، دون ملل، دون أن تُمدد جثة الصبر أمامه لـيهتف وهو يـشرع في وضع "الطُـعم" من جديد في صِنارته إستعداد لصيد جديد:

_سيب اللي يقول يقول واللي يتكلم يتكلم مفيش على لسان البني ادم غير الحروف خليه يشكلها زي ما هو عاوزها المهم احنا فينا إيه إنما كلامهم ميفرقش وانا عمر ما فرق معايا كلامهم ،هيا اه مسرقتش عقلي بس خدت جزء من روحي وهيا ماشيه ،فضلت ادور على عين تشبه عينيها ترجع جزء مني اللي راح معاها بس ملقتش ،مشبهش عينيها شبيه يا لـيل وحتى بعد ما اتجوزت وخلفت وجوزت عيالي وشوفت عيالهم لسه عيونها بتزورني في المنام تفكرني أن لسه في نص من روحي معاها ،نص من روحي وعقلي معاها.







كـان يـستمع إلى حديث عــمه تِلك المـره دون سَـئم ،الإنسان لا يشعر بما يشعر به الآخر سوا عِند التجربه وهو عَلم معنى أن يَسلب أحدهم روحك فقط من نظره أو حتى تعثر ،ماضياً كان لا يهتم إلى حديثه مثلما لم يهتم أحد لذلك الرجل الذي نبذه الجميع  بعد أن صَرح برؤيته لـ "النـداهه" لم يصدقه أحد وشيع عنه أن قد جن ،رجمه الاطفال بالحجاره ملياً ظنناً أنهم بتلك الطريقه قد يعيدون ما فقده من عقله إليه ولكنه لم يُبالي ،ابتسم ،واكمل في دروب حياته ،عـمه الذي سخر مِنه الناس سابقآ أصبحوا الآن يتوافدون على الاسكندريه قدماً لـشراء أثاثهم ،واخشابهم ،وآرائكم مِن عنده نسوا ما قـد فعلوه به من الآلم ،ولكنه لم ينسى .

لم يـنسى ما عاناه عَمه أبداً وهل ينسى أحد المعاناه!.
نعم؛ إنه عمه ينسى كـل ما يؤلمه ،كل ما قد يجرحه ،يضمد روحه سريعاً لكي لا تسقط مِنه ،نسى كل شئ ولكن لم ينسى العينين التي اخذتا روحه ،كما لم يستطع هو أيضاً أن يجعلها تُبارح فِكره حتى الآن وكأنه قد كتب عليهم أن يقعوا آسرى في حـرب العيون.

_مقولتليش برضه جاي هربان من إيه!.

ضـحك ثُغر لـيـل في رِفق وهتف وهو يجمع الحجاره من جديد بين كفي يديه ويشرع في رجم الموج بها:

_من اللي محدش يقدر يهرب مِنه ابدا يا عمي.

_دلوقت بقيت عمي ما كنت من شويه عمران!.

ضحك من جديد على حديثه فـهو الوحيد القادر على تهوين آلمه ،يستطيع الكشف امامه عما يحزنه دون أن يشعر بالعراء ،هو من كَفله بعد موت والديه لم يجعله يشعر باليتم يوماً ،راعه كالقطنه حتى كبر ،لم يبخل عليه يوماً لا بحب ولا بمال ولا بآمان ،كان عائلته الثانيه حتى زوجته لم تجعله يشعر أن هنا لا يكون مكانه ،راعته واحاطته ولم تجعله يشعر أنه حملاً ثقيلاً فوق قلبيهما.

العائله هكذا تكون لا تحتاج إلى قيود ،لا تحتاج إلى صِراعات ابديه ،هيا الكنف الوحيد الذي يحتضنك من قسوة الحياه ،جدار منيع يقف بينك وبين اللاشيء الذي يتوارى خلف المصير ،لم يكن يعلم ما هو مصيره ولكن عَمه لم يتخلى عنه ،عَــمران لم يكن عماً له فقط بل كان اخاً له قبل الوالد وصديق درباً شاركه محطات حياته.

_قَلبك بقى اسود من نحيتي يا عمران!.

ضحك "عَــمران" في حنو وأخيراً إستدار بوجهه وناظرا لـيـل بـ غُصني الزيتون الذان خلقا بداخل بؤرته تأمله قليلاً تأمل ذلك الفتى اليافع الذي يجلس إلى جانبه الآن يتذوق من زقوم الحب ،تأمل ذلك الفتى الذي تحمل مسؤوليته باكراً ولكن أجزع! 
لا لقد تعلم الكثير من ذلك الفتى ،بالرغم من أنه كان شاباً بالخامسه عشر حين توفي والديه إلا أنه رأى به الثبات والصبر ،لم يكن جلاداً للقدر بل كان راضياً مرتضياً فربط الله على قلبه.
لقد كان لـيـل هو العوض له عن أخيه الذي رحل في ريعان شبابه ليكملا هما بعضهم البعض ،حتى المعاناة نفسها بالحب ها هما يتقاسمانها وكأنه كتب عليهم أن تسُلب النداهه دائماً عقولهم.

هـتف عـمـران بـحنو وهو لازال يناظره ويتأمل صغيره البكري الذي لم ينجبه:

_ريح قلبك يا ليل ،حمل القلوب بيبقي تقيل يا ابني.

ربط الحزن على قلب لـيـل من جديد فألتفت صوبه ليجده ينظر له فلمع الآلم بين عتمتي عينيه وهو يقول:

_إترفضت يا عمي حتى قبل ما انطق واقول ،اترفضت حتى قبل ما اقول إلي شايله قلبي .

_الرفض مش نهايه يا ليل محدش بيرفض الحب اللي يجي لحد رجله ،محدش بيرفض الحب غير الأهبل.

_او أعمى.

هتف بها وهو يتذكر عينيها التي كانت تناظرنه دوماً دون أن تراه ،كانت مرآه يرى نفسه بها ولكن لا يرى ما خلفها من سطح مُعتم يمنع نفاذ الضوء ،كانت عينيها أجمل ما رآى وأقسى ما لن يستطيع نسيانه.

لم يفهم عـمـران ما ترمي إليه كَلمات لـيـل المُبــهمه سوا وهو يـستمع إلى صـوت يـشق سكون الليل الذي قارب على الإشراق وقد غَربت الشمس ولـكن كان هُنالك في الخلف شمساً أخرى ترفض المغيب الآن.

_لـــــيـــــل.

صـوتاً مُـنادياً صارخاً إنتشل كِلاهما مِـن عمق حَديثهم واصابهم بـ الفزع ،انتفض كفي عــمران الممسكان بالصناره فأنفلتت من بين يديه لـيبتلعها الموج أسفل عينيه المصدومتين وهو يراقب الموج يتهادى بها بينـما لـيـل علم مـن يكون صاحب الصوت العـنيف ليتنهد بآسى وهو يهز رأسه بإستسلام:

_نسيت تقول أن يعقوب كمان مقدرش اهرب منه ،كانت غلطه لما عرفته المكان ده!.

ضحك ثغر عــمران على حديث لـيـل المُتـذمر ليـستديرا كِلاهما ناظران صوب "يــعقوب" الذي كان يُجاهد للسير فوق الصخور دون السقوط بينهم وهو يلعن ويَسُب لـيـل بداخله على إختياره ذاك المكان دونناً عن باقى أرجاء الاسكندريه نهض لـيـل واقفاً نافضاً عن ملابسه الغـبار ومد كف يده إلى عمه الذي امسك به ونهض واقفاً إلى جواره هاتفاً بمزاح:

_انا مش قولتلك اقطع علاقتك بالواد ده من زمان!.

_شكلي هعملها دلوقت يا عمران الواحد ميعرفش يهرب منه ابدا!.

ضحك عَــمران في حنو وربت فوق كف يده الخشن وهتف وعينيه تتأملان يـعـقوب الذي لا زال يصارع الصخر للوصول له:

_اهو يعقوب ده من الناس اللي مينفعش تهرب مِنهم ابدا يا ليل ، يعقوب من الناس اللي لازم تهرب ليها.

تقدما كِلاهما سائران برفق واعتياد على تلك الصخور التي اعتادت عليهم هيا الأخرى فقد شهدت تلك الصخور عليهم ما لم يشهده أحد ،سارا إلى جوار بعضهم حتى وصلا ووقفا أمام يعقوب الذي كان يأخذ أنفاسه لاهثاً وهو يهتف بتذمر :

_نفسي اعرف ايه حبك في المكان ده!.

_إيه اللي جابك ورايا!.

سؤال بسؤال وكانت الإجابه حينما ضـحك ثغر يـعـقوب في مـرح وهتف وهو يقترب ويحيط رَقـبة ليل بذراعه ولكمه بقوه في صَدره هاتفاً:

_والله لو روحت لـبنها وراك وراك يا صاحبي.

_خِـربت.

هتف بها عـمران ضاحكاً وهو يشاهد لـيـل الذي كان يحاول أن يُفلت من تحت قبضتي يعقوب التي تحيطه ولكنه لم يتركه بل أخذ يجذبه صوبه ويَضربه ويحدثه بـعتاب على الهرب وعدم اخباره بمكانه أو حتى محادثته وجعله يطمئن عليه، ليبتسم في رِفـق وهو يدعو الله أن تدم تلك الصداقه بين كِلاهما فـ يــعقوب نِعم الصديق الذي مـنحته الحياه لـ ليـل.

_يا عم وجعت رقبتي ابعد بقى كده!.

كانَ قد وصلا إلى الأرض وقفزا من فوق الصخور ليدفع لـيل يعقوب بعيداً عنه وهو يطالعه بـغيظ بينما ضحك يعقوب في إستفزاز وأخرج لـسانه له كما الأطفال ليهز الأخر رأسه في آسى وإستسلام ومن ثم تنهد وهو يناظر السماء التي اسدلت ستائرها السوداء وبات الموج الهائج يثور ونسيم الهواء يشتد فأخرج تنهيده حاره يقص بها لـحلاك الليل مآساته.

_عـلى فكره شمس معايا في العربيه.

إلتفت صوبه سريعاً وقد تناسى كل شئ ولم يضرب عقله ولا قلبه سوا نَغمة حروفها وآسمها الذي نطق به اقترب واقفاً أمامه سريعاً وهتف بصدمه:

_بتعمل ايه معاك!.

وضع يعـقوب كفي يده في جيبه وهتف وهو ينظر نحو صديقه في هدوء:

_لو مكنتش هربت كنت عرفت شمس رفضتك ليه ،بس انت اسهل طريق بتاخده دايما هو الهرب.

لـم يُـبالي لـيل بحديثه الذي يستمع إليه لـثاني مره اليوم بل أنطلق كـالمدفاعيه يبحث عن سيارة يـعقوب وعقله يقم بـنسج مائات السيناريوهات والحكايات شـمـس قدمت مع يـعقوب للبحث عنه!.
إن كانت تَـحمل بداخلها مشاعر صوبه فـ لِماذا كان الرفض إذا!.






لِماذا آلامت قلبه إن كان قلبها لـه مُحبـاً!.
مـهلاً يا فؤادي اللعين توقف عن نسج الحكايات ووضع نَفسك بها بطلاً أحبته البطله أخيراً بعد صِراع ،توقف عن كِتابة حكايات لا يكتبها سوا المُنتصرين وانت خاسر لا محال.
خاسر أمام عينيها ،خاسر أمام دمعيها ،خاسر أمام حبك لها ،والحكايات لا يكتبها الخاسرون بل الأبطال.

لـمح أخيراً سيارات يـعقوب السوداء التي تقف جانباً ولمحها هيا تجلس بداخلها يعلو القلق وجهها ،تفرك كفيها بقوه كما اعتاد عِندما تقلق أو تخف ،تعض فوق شفتيها عند توترها ،ثانيه وسترفع كف يدها وتُزيح شبح خَصله متمرده من فوق جبهتها مُلقيه بها إلى الخَلف ،لقد حفظها وكأنها تعويذه يخشى نسيانها ،تعويذة تجلب إليه الحظ ،تعويذه انقلبت عليه وجعلته ساقطاً في صَراع نداهـه حسناء جميله كفيفه ذات كفي مـجروحان ومـعذبه عنيفه لقلبه.

_لـيـل اهو.

هــتفت بها ريــحان بـرفق وهيا ترا طيف ليـل يتجلى من وسط السواد الحالك من حولهم تمنت لو أنها تستطيع تحديد إي موقع يقف هو وتنظر صوبه ولكنها لن تستطيع أن تحدد موقعه ،تلك القاره التي لا تقع على أرضها تكن هيا لـيـل ،اغمضت عينيها بقوه وهيا تحدث روحها أن الجميع يستحق الحب ،الشرير قبل الخَير ،الصغير قبل الكـبير ،والكفيف قـبل المُبصر ،الجميع من حَقه أن يحب حتى هيا يجب أن تحب ولكنها تخف!.
تخف من الخساره في الحب.

كـبل الحـب الصراعات ومنعها من أن تقترب وأمسكت الحياه والقدر الأقلام ينسجون في صـفح حكايتهم ومهما على صوت الصراعات صارخاً أنه لا يجب أن يجتمع هذان الأثنان إلا أنهما لم يستمعا لها.

إقترب ليل طارقاً نافذة السيارة الزُجاجيه مُعلناً عن وصوله فألتفتت شـمـس سريعاً إلى مصدر الصوت وقد علت ضَربات قلبها وكأنه يخبرها أنه هنا يقف ،انه علي يمينها ،انه قريب منها للغايه ،فتح ليل باب السياره ناظراً إلى الداخل بعيني مُحبه حزينه وهو يتأملها ،يتأمل ثوبها الازرق الطويل الواسع وخَصلاتها التي تعقدها للخلف ،تأمل أغداق العسل المنتفخه فـ تنهد بـرفق وهتف:

_جـيتي ورايا لـيه يا شمس!.

لم تكن تملك سوا إجابه واحده وهيا أنها تريده ،لا تريد الإبتعاد عنه ،لمعت عينيها بـ الدموع سريعاً وغشاها الموج لتهتف بصوت خافت:

_مكنتش عاوزني اجي!.

تأثر كثيراً بدموعها التي تهبط سريعاً وعلى الدوام جثى أرضاً دانياً بجذعه صوبها وكانت لا تزال هيا تجلس بداخل السياره وهو خارجاً فبدى كـأب يواسي صغيرته على فِقدانه لإحدى عرائسها ،تسللت ريـحان تاركه لهم مِساحه كافيه للحديث ليهتف ليل بحنو:

_عايز افهم انتي بتعيطي ليه دلوقت!.

_عشان انت مكنتش عاوزني اجي وراك وانا كنت قلقانه عليك من ساعه ما انت مشيت ،خوفت تمشي ومترجعش تاني!.

رفع كف يده وجفف دموعها الساقطه وابتسم وهو يواسيها بـ الرغم من كل ما حدث :

_عمري ما كنت همشي واسيبك يا شمس انا بس كنت محتاج اقعد من نفسي شويه ،كنت محتاج أحط النقط على الحروف وافهم كل حاجه.

_وفهمت!.

_مستنيكي تفهميني انتي يا شمس.

اخذت نفساً عميقاً دالاً على حديث طويل وجِدال اكبر سوف يـقام بينهم لتهتف وهيا تخفض رأسها أرضاً:

_انا كفيفه يا ليل مبشوفش انت عارف يعني إيه كفيفه!.

_تيجي نتمشى واحنا بنتكلم!.

عقدت حاجبيها في غرابه ولكنه لم يعطي لها فُرصه للموافقه أو الرفض بل أمسك بكفي يدها وجذبها خارج السياره فلفح النسيم البارد ليصيب بدنها برعشه بارده شعر هو بها فـنزع هو عنه الجاكت الخاص به ووضعه فوق كتفيها لـ يرتسم شبح إبتسامه فوق ثغرها وهيا ترفع كف يدها الأيمن تُمسك بالجاكت بقوه مُتشبثه به بينما مد الأخر كف يده وأمسك بكفها وهتف بهدوء:

_المره دي انتي مش عارفه الطريق ينفع امسك ايدك!.

_ينفع.

لم تكن تنتظره أن يطلب منها أو يأذن بإمساكه لكف يدها كانت تعلم أنه هو طريقها الوحيد الذي تتعرف عليه ،هو الوحيد الذي بإمكانها أن تثق به بِلا خوف أو خشى من أن يتركها في منتصف الطريق ،امسك بكف يدها واقترب معها صوب الرمال التي تحيط بحفائف الشاطئ من حولهم وسارا معاً أسفل ضوء القمر تبـسم ثغرها وهيا تستمع إلى صوت تراتطم الموج بشطآنه لتهتف بنعومه:

_هربت مني لـلبحر!.

_ عَمران قالي مره إن النجاه في البحر جايزه لكن النجاه في الحب نادره.

هتف بها متأملاً لها هيا وفقط وقد كانت هيا اجمل من إي لوحه قد رسمتها يد ،تنهدت شـمس وهتفت وقد اغشى الحزن قلبها:

_خايفه يا ليل لو قولت إني بحبك اظلمك معايا واكون أنانيه!.

_انتي فعلا هتكوني أنانيه لو فكرتي في نفسك بس ومفكرتيش فيا.

صمتت وصمت هو الآخر وكأن الحروف تبخرت بينما لـيل شعر أن شـمس لا تحتاج سوا أن تطمئن أنه إلى جوارها ولن يتركها ،انه معها سواء كانت مبصره أم لا ،سواء كانت نار تحرقه أو نار تنضج ،هيا لا تحتاج سوا أن تطمئن أنها لن تترك ،لن تستبدل بغيرها ،لا تحتاج سوا أن يطمئن قلبها أن ما تشعر به هيا بحاجز ليس سوا خيط وصال يربط قلبيهما سوياً فهتف بحب وهيا يتأملها حينما إنعكس ضوء القمر فوق وجهها:

_انا بحبك يا شـمس معرفـش امته وفين بس انا بحبك وميهمنيش اي حاجه غير إني بحبك ،انا حبيتك زي ما انتي حبيتك وانا عارف اللي فيكي ،حبيتك بالرغم من إنك مش شيفاني بس قلبك شايفيني وحاسس






 بيا وإلا مكنش حبني هو كمان ،انتي خايفه مني بس انا عاوز اطمنك ،انتي عاوزه تبعديني عنك بس انا مش عاوز غير اني اقرب منك ،انتي عاوزه تشوفيني بإي شكل وانا بقولك كفايه اني شايفك بعيوني ،كفايه إنك الوحيده اللي خلتيني احس يعني ايه احب وادهول على عيني ،عـمران قالي قلبك مينفعش تهرب منه ولو هربت منه هو مش هيسيبك ،متهربيش يا شمس وسيبينا نقرب ،محدش فينا بيعرف المركب هتغرق ولا هتنجى غير لما يركب فيها واحنا جينا الدنيا دي يا نغرق يا ننجى.

_وانت مش خايف تغرق يا ليل!.

_لو انتي البحر اللي هغرق فيه يا شمس فأنا مش خايف ،بالرغم من اني كنت عارف ان اللي هيكون بيني وبينك مش سهل إلا اني حبيتك واختارتك ،قلبي اختارك هنتمرد على إختيار القلوب! .

توقفت عن السير قدماً وتوقف هو الآخر ينتظر مِنها جواباً يـشفي تلك الندبه التي أحدثتها برفضها له.

أتـقـبل!.
أتـقـترب!.
لـقد عاشت مِن قبل معنى أن تكن غريقاً ولكنها لم تعلم معنى أن تكن ناجياً من الغرق!.
أتسمح له!.
جميع ما بها يصرخ بها أن توافق ولكن شئ وحيد يمنعها ،عقلها يـحذرها ،ينبأها ،وما بين قلبها وعقلها كانت هيا آسيره.
آسيره في حـبه الذي يحكم الحصار حولها وبالغض عن ذلك فهيا ليست حزينه!.
لقد رحبت بكونها اسيره له ولكن الصِراعات ترفض ذاك الحب.
ماذا سوف يكون عِنوان حِكايتهم أحببتها كفيفه!.
هل سيكونا طرفا منتصرا ليكتبا حكياتهم!.
حكاية قلبيهما المتمردان!.

شعرت ببـرودة شئ يـلامس انامل قدميها وقد كان الموج الذي امتد حتى وصلا لها تقدمت خطوتين حتى لامس الموج قدمها أكثر فأكثر تبسمت وشعرت بدفئ يتخلل قلبها ،ليقترب لـيل ويهتف وهو يقف إلى جانبها يناظر القمر بعينيه :

_خلي القمر والموج والليل يكونوا شاهدين علينا.

تجعدت ملامحها وهتفت بعدم فهم:

_مش فاهمه!.

ضحك وهتف وهو يقترب صوبها ويقم بإحتضانها بذارعه ضاماً لها إلى صدره ومردفاً وهو يشعر بنبضها يتزايد:

_اشهد يا موج واشهد يا قمر أن الليل بقى عاشق للشمس وبقولها وانا متأكد إني هكون قدها بحبـك يا شـمس سواء وافقتي وقبلتي بحبي أو لا فأنا بحبك ،وهفضل احبك ،وهموت وانا بحبك ،لا موج يقدر ياخدني منك ،ولا صخر يقدر يبعدني عنك ،وحتى الليل اللي فارق بيني وبينك ميهمنيش انا بحبك وبقولها وبشهد الكل .

ضحكت بقوه وقلبها يبتهج وهيا لا تصدق ما ينطق به أو ما يتحدث به ولكنه نجح أخيرا في جعلها تطمئن ،نجح أخيراً وساعده الموج في سلب الخوف من داخل قلبها وهنا أسندت رأسها فوق صدره وهتفت براحه أخيراً قائله:

_مـجنون.

_مش مشكله بس بـحبك.

ضحكت من جديد وضحك هو الآخر وضحك كل ما حولهم من موج وليل وقمر منير ،ضحكت الحياه لهم ،وضحك القدر سعيداً بهم .

تبسم ثـغر ريـحـان في الخفاء وهيا تراقبهم هيا ويعـقوب وعمـران من بعيد من فوق الصخر ليبتسم ثـغر عمران وهو يهتف بحنو:

_دي اللي كانت سبب إنه يهرب!.

هتف يـعقوب وهو يقترب ويحتضن ريحان التي سعدت للغايه بسعاده صديقتها وراحتها أخيراً قائلاً:

_ابن اخوك اول مره يعمل حاجه صح!.

_إنه يهرب!.

_إنه يحب.

ضحـك عـمران في خفوت وأخذ يراقب شـمس وليل الذان كانا يسيرا في هواده غير مُبالين بالقوانين التي تم ضربها أرضا ،والصراعات التي قتلتها رصاصه قناصه من القدر ،كان فقط يستعدا لخوض بدايه جديده ،لكتابة حكايه جميله.

_تفتكر هننفع؟.

هتفت بها شـمس قاطعه صمتهم الذي لم يطول كثيراً ولازال كفها متشابكاً بـكف يده ليهتف ليل مفكرا:

_اعتقد اه .

_واثق قوي كده ليه!.

_عشان بحبك ومتأكد أن حتى لو مش هننفع هننجح نكون سوا!.

_انت بتلعب بالكلام وبتحب تشكله!.

_تؤ انا بس بحاول اطمنك.

الـإطــمـئـنان.
مشاعر تسبق الحب ودونها لما اكتمل الحب بداخل الأفئده ولما تحالف مع حنايا القلوب ،الإطمئنان والأمان وحدهما هما من يجعلها قلب المرأ يافعاً في الحـب لا يخاف ،لا يـقلق ،لا يـشعر أنه مُحاصر من قِبل العالم الذي لا يحارب سوا الحب ،الأمان وحده القادر على جعل المرأ يـحب ويطمئن ،الحب والأمان والإطمئنان وجهان لعمله واحده وهي الــحب.

إحتضنها وقربها إلى صدره وكأنه يثبت لـ روحه أنها إلى جانبه لن يمنعه عنها شئ ،يمسك بكف يدها دونا خوف ،يحتضنها دون فقد يقترب منها دون خشى من البعد ،اخيراً أنارت الشمس ليله الحالك ،اخيرا تبخرت الغمائم السوداء وظهرت اشعه الشمس الدافئه لتدفئ قلبه من وهج ديسمبر القادم البارد.

_لـيـل.

اغمض عينيه أخذا نفساً عميقاً وهو لا يعلم لما كل مره يسمع بها إسمه منها يشعر بأنه سكير فهتف قائلاً بهدوء:

_سامعك.

لكنها لم تتحدث بل توقفت عن السير ووقفت قِبالته تناظر وجهه بعينيها ولكن لا تراه ،تنظر صوبهم مباشره ولكن لا تعمل إلى ماذا تنظر ، رفعت كف يديها الناعمان ووضعتها على وجهه تتحسسه برفق ورقه جعلته لا يستطيع أن يبرح النظر عنها.

لحيه خـشنه ،أنف مُدبب ،حاجبان كثيفان ،عيني واسعتان ،خصلات شعره الغزيره التي لامست جبهته ،تحسست إلى جانب حاجبه الإيمن ندبه ما لم يخفها الزمن فتحسستها ملياً مُبتسمه وهيا






 تحاول أن ترسم لوحته بداخلها ،تتخيل ملامحه ،تشعر أنه رجل في غاية الوسامه ،رجل هيا محظوظه به وبحبه ،ابتسمت في راحه ولازال كفيها يتحسسان وجهه ليبتسم ثغره وهو يراها تحاول تأمله كأنها طفله تحاول رسم لوحاتها بدون آلوان ليهتف قائلاً وهو يرفع كفي يده ويحتضن كفي يديها:

_اتخيلتي شكلي إزاي!.

_حسيتك شبه امير كراره.

ضحك ثغر لـيـل بقوه لتشاركه هيا أيضاً الضحك شاقاً بصوت قهقتهم سكون الليل المعتم ليهتف وهو يقرصها من وجنتيها المكتنزتان:

_امير كراره مره واحده مش تامر حسني حتى!.

ضحكت بمرح وهتفت وهيا تتمايل بغنج:

_مش مهم المهم إني حسيتك راجل وسيم.

_وسيم!.

_يعني جميل يا ابو مخ صغير.

_اه منك يا ترجمة جوجل انتي.

ضحكت وضحك وهنا مالت هيا برأسها على صدره ليحتضنها ويطلع قبله صغيره بين خصلاتها مردداً بحب:

_بـحـبك يا شـمـس.

ابتسمت أكثر وأكثر في حب وأحاطته بكفيها الصغيران وذراعيها الرقيقان هاتفه بهمس لنفسها:

_تستحق إني احارب عشان اشوفك يا لـيـل ،تستحق إني اعمل إي حاجه عشان عيني تقدر تتأملك من غير زهق.

- ثَم جئِت أنتَ ثُم عِرفتُ أنَّ بَـ مقدوَر ‏"الإنسِان".
- أنَّ ينمِو و أنَّ يُلِمع يُألفَ و يطمِئن.
- فَي لحَظةٍ "واحَدةّ".

___________________________________________

وأنسى في ضحكتك، تاريخًا كاملًا من التعب.

إنـه اليـوم الواحد وعِشـرون مِن أيـلـول حَيـث أشرقـت الشمس بَأشعتها القاسيه الساخنه التي تتنافى مع بروده أيـام الخريـف الأخيره التي تتوالـى في الفـناء ،كانت الطيور تُـغرد ،والعصافير تُزقزق في السماء ،فـ السـاعه العـاشره صـباحاً حيث ذروة العمل والإستيقاظ ولكن كان الكَسل أنيساً لها ،فأغدقت جسدها أسفل "البـطانـيه" تَرفض الإستيقاظ تركض بداخل أحلامها الورديه ،لم تستطع صوت "الـجـراشات" التي تُفتح بأن تجعلها تستيقظ ،ولا صوت صراخ الأطفال وهم يلعبون الكره في ذلك الصباح الباكر قادر على جعلها تنهض من فِراشها الناعم الدافئ.

_لـو اعرف بتجيبي النوم ده كله مـنين اصحى يا بـت!.

كالـعاده كانت ريـحـان ثائره وغاضبه وهيا تنظر نحو شـمـس التي لا تزال تُغلق عينيها في كـسل اقتربت وقامت بـفتخ نافذة الغرفه وإزالة الستائر لتدخل أشعه الشمس مُتسلله إلى الداخل ،لتبتسم ريـحان وهيا تستنشق رائحة الجو العطره الفواحهه التي لم تلوث بعد بـ شيء ،لتقترب صوب شـمس وتنزع من فوقها الغِطاء لتتذمر وأخذت تتملل في فراشها بنعاس تحاول الوصول إلى الغطاء من جديد ولكن جاباها صوت ريحان الغاضب الصارم:

_خمس دقايق يا شمس لو مصحتيش هجيبك من شعرك فاهمه!.

_يا ريحان سيبيني أنام شويه يا ريحان!.

_انتي ناسيه معاد الدكتور يا هانم خلصي قومي لسه قدامنا موال.






تثائبت شــمس في نـعاس فـقد عادو من الخارج امساً في وقت متأخراً بعدما قضوا وقتاً ممتعاً رفقة بعضهم البعض فلم تحظى بوقت كافي من النوم، ركضا ولعبا سوياً فـتمنت لو لا تزول تلك الأيام التي يكونوا بها سعداء ابدا، نهضت وجلست فوق الفراش فاتحه عينيها العسليه وناظره صوب ألا شئ كانت لـ تصرخ وتخبر ريحان أنها لا ترا شئ حين جافى عينيها الظلام ولكنها تذكرت أن تلك هيا الحقيقه المُره ،اغدق وجهها العبوس ونفر الأمل من داخل قلبها لترمي بجسدها فوق الفراش من جديد مردفه بيأس:

_مش عاوزه اروح لدكاتره انا زهقت كلهم بيقولوا نفس الكلام ،كلهم بيدوني نفس العلاج ،كلهم متخرجين من نفس الكليه لازمتها ايه بقى اللف على كل دكتور شويه ما نوفر الفلوس اللي بنصرفها على الدكاتره دي في حاجه تنفعنا ،وخاصه إنك اكتر واحده محتاجه فلوس دلوقت يا ريحان.

راقبت الأمل وهو ينفر من شـمـس ويتجسد أمامها كـشخص يستطيعا رؤيته ،كانت تَعلم أنها سوف تعترض ككل مره وسَترفض الذهاب له أو لـغيره فأقتربت وقامت بالجلوس على طرف الفِراش مُبتسمه بـ لين ممسكه بكف شـمس مُربته فوقه بحنان وهاتفه بحب:

_فداكي كل الفلوس يا شمس ،فداكي اي حاجه في الدنيا المهم عندي تكوني كويسه وترجعي تشوفي تاني .

كـ العاده كانت ريـحـان قادره على إمتصاص كَل الطاقه السلبيه التي تملئها ،قادره على بعث الأمل بداخلها دائماً ،ريحان قادره على جعلها تشعر بالأمان وان كان تحت قدميها يحدث زِلزال وهل يوجد مِثل ريحان؟.
بـالطبع ستكون الإجابه لا.

إبتسامه ناعمه إرتسمت فوق ثغرها الوردي بعدما لامست كلمات ريحان جِدار قلبها وسرعان ما شعرت بالتشابه الكبير بينها وبين لـيـل ،لـيـل حبيبها صاحب الأثنى عشر ساعه فقط السابقه ولكنه أصبح حبيبها ولا شَك في ذلك ،كِلاهما قادرا على جعلها تشعر بالإطمئنان والأمان ،كِلاهما قادران على جعلها ترا اللون الوردي للحياه غير الأسود الذي أعتادت عليه ،كِلاهما ونيسا لـ قلبها ودربها ومُكملا في سُبل حياتها.

وهُنا تحمحمت في خجل بادي فوق وجنتيها وهيا تتذكر ملامحه التي لامستها وأخذت تحاول رسمها بداخلها لتُمسك بكف ريـحان بقوه وقد كان تغيرها ذاك سبب تعجب ريحان مِن حالها ولكنها ابتسمت سريعاً وهيا تستمع إلى كلماتها الخجوله:

_ريـحان عاوزاكي توصفيلي شكل ليل.

ضحكت ريحان بشغب وقامت بقرص وجنتي شمس بحركه مشاغبه مِنها قائله بتلاعب:

_والله وقعتي ولا حد سَمى عليكي يا قرده!.

ضحكت شـمس بخفه على كَلماتها المرحه وقامت بصفعها بخفه فوق كف يدها الذي لا يزال ممسكاً بها لتهتف ريـحان مُبتسمه وهيا تراقب تلألأ عيني صديقتها أمامها:

_بصي يا ستي لـيـل طويل اوي فرع يعني وبحكم شغله في النِجاره بقى عنده عضلات كده غريبه في كل حته (ضـحكت شمس بخفه وصفعتها من جديد لتكمل هيا ضاحكه) عيونه لونها بني مايل للعسلي كده وهو لا ابيض ولا اسود قمحاوي ،وعنده دقن كده خفيفه واحلى ما فيه رموشه وشعره سُبحان الله اول مره اشوف راجل رموشه كتير كده او تقيله غير ليل ده يعقوب عنده رمش واحد ومفتخر بيه اوي!.

ضحكت شـمس بقوه وعلى صوت قهقهاتها عالياً لتشاركها ريحان الضحك هيا الأخرى وقد بات صوت ضحكاتهم العاليه يصل إلى ذلك الذي يقف أمام خِزانة ملابسه ينظر إلى داخله في حِيره مِن أمره لـيمد كفي يده يمسك بقميص ذو لون ازرق واخر ذو لون اسود مُستديراً بجذعه كاملاً صوب يعــقوب الذي كان نائماً فوق فراشه واضعاً قدم فوق الأخر ويعبث بهاتفه ليهتف لـيـل في غيظ وهو ينحني ممسكاً بحذائه وقاذفاً له في وجهه:

_ما تركز معايا يا عم انت ،انت جاي تنام ليا وتحط رجل على رجل!.

_على فكره انت بقيت بتعاملني وحش وهنزعل ها!.

_ركز معايا بدل ما اشوه وشك الحلو ده قبل الفرح القميص الاسود ولا الازرق!.

تنهد يعـقوب في ضجـر ليعتدل جالساً ينقل نظريه بين القميصين الذي يحملهم فإن كانت المرأه التي يحبها لا تراه لما يهتم بهيئته لتلك الدرجه ولكنه هتف بعد تفكير طويل:

_الاسود هياكل منك حته .

_خلاص هلبس الازرق.

هتف بها وهو يُـلقي بالقميص الاسود في وجهه ويتجه نحو المرأه لارتداء القميص الأخر أسفل نظرات يـعقوب التي لو كانت تحرق لتحرقه ليقفز يعقوب سريعاً من فوق الفراش راكضاً صوب ليل الذي ما أن رآه يركض صوبه حتى ركض هو الآخر وهو يضحك بقوه على ملامح وجهه صديقه المحتقنه بالغضب والذي يصرخ في غيظ:

_لما انت مش هتلبس اللي انا بقول عليه بتستشرني ليه يا بارد!.

_مش صاحبي يا جدع!.

_ما هو اللي مصبرني اني مقتلكش لحد دلوقت إنك صاحبي .







توقف كِلاهما عن الركض والتفت ليل صوب يعقوب الذي وقف عاقداً ساعديه أمام صدره وهو ينظر صوب ليل في غيظ لـيقترب ليل صوبه ويقم بالقفز فوقه وإحتضانه ليتبدل عبوس يعـقوب إلى ضحكه عاليه صاخبه وهو يشعر بليل يكبله لا يحتضنه وهو يهتف:

_وهو انا ليا مين غيرك في الدنيا دي اقرفه ها لازم تستحملني عشان انا صاحبك صاحبك!.

_مستحملك والله بس لو مبعدتش عني دلوقت مش هتلاقي حد يستحملك ابدا!.

ضحك لـيـل وهو يبتعد عنه ليـبتسم يعقوب في رفق ويقترب ويربت فوق كتفه بحب اخوي:

_ربنا يفرح قلبك على طول كده يا ليل .

كـان الجميـع في حالة ترقب وإستعداد لبدأ ذلك اليوم بـنشاط غريب ،كانت السعاده تطرق أبواب قلوبهم وتدفعهم نحو التقدم دون خوف ،تخبرهم أن ما هو قادم ليس سوا نهاية لـ تلك البدايه التي كتبتها إيديهم ،نهاية ستكون راضيه لـ جميع الأطراف ،نهايه ستكن في غاية اللطف بـ قلوبهم التي اتعبها الركض ،التي اتعبها الحرب والصِراع في سبيل النيل بـما يريدون ،نهايه ستكتبها أقلامهم.

واحد مقابل الـاشـئ.
هكذا كانت النتيجه الحاسمه والعادله بعض شئ بين الحب والصِراعات .
كانت مُباره قويه أحرز بها الحب هدفاً قوياً لم تقوى دِفاعات الصراعات على التصدي له فـ حين كبلها الجميع وقفت الحياه تمسك بين يديها صافره لـتُعلن عن إنتهاء الجوله الاولي بين الحـب والصِراعات .
كانت لـعبة غير عادله بعض الشئ ولكن في الحب يَجوز كل شي كما في الحرب يَستبيح إستخدام كافة الأسلحه للمحاربه ،وقد كان سِلاح الحب هو الأمان والإطمئنان فلم يحتاج إلى ما هو أكثر من ذِلك.

هَبط اربعتهم خَـلف بعضهم البعض ترتسم ملامح الأمل فوق أفواههم ،تتسلل الحياه كالص إلى داخل قلوبهم ،تلتصق في أفئدته اليقين بـ الله وان بعد كـل ذلك الصبر رضاء وعوضاً.

إستقل كِلا الشابان سياره يعقوب وبينما استقلت الفتاتان سياره ريحان الحمراء العتيقه ولكن تبقى اقرب شئ إلى قلبها الأثر الوحيد الباقي لها من والدها ،كنز على بابا التي عثرت عليه بعد خمس وعشرون عاماً من عمرها .

بينما كانت القلوب مستكينه كانت العقول تصنع حرباً كلا منهم يفكر في القادم والمستقبل وهل ما حدث بالماضي سيبقى ام سيتبدد!.

كانت شــمــس شارده وهيا تشعر بنسيم الهواء يداعبها كانت تفكر هل من الممكن أن تبصر من جديد!.
ترا الحياه مره اخرى!.
لم تذق ذاك الشعور منذ ثلاث سنوات ،ظنت أنها كانت قد اعتادت على الظلام ،والتعثر والسقوط ولكن متى أعتاد الإنسان على الألم!.
لم تكن تدرك أنه في يوم من الايام قد تكن كفيفه ،ام تكن تدرك معنى إنها تبصر نعمه أمنها عليها الخالق ،لم تكن تضع في حِسبانها أن بين ليلى وضحاها ،بين شمس وقمر ،بين صباح ومساء ،تسجل كـ كفيفه!.
كفيفه فقدت بـصرها جراء الخيانه.

بينما على القبيل الأخر كان لـيـل ينظر السماء التي تسارعهم في الوصول.
كان يفكر هل سيكون الأمر عاديا حقاً أن أحب شمس وتزوجها!.
هل سيكن الحب كافيا لجعل كل شئ يسير كما يريدون!.
هل سيعتاد وستعتاد هيا!.

بينما كان فكر كل واحد منهم يتبعثر كانت قلوبهم تحاول الجمع بينهم وطمئنت جَميعهم.

وصـلا جميعهم إلى المـشفى التي أخبرهم بها صديق يعقوب "يـونس" فهبط اربعتهم وخوف من المجهول يملئ قلوبهم.

تشبثت شمس بخوف في ذراع ريحان واردفت :

_ريحان بلاش عشان خاطري انا خايفه!.

إقترب ليل صوبهم ناظراً صوب ريحان الذي أصاب العجز ملامحها وترقق الدمع في عينيها ليهتف ليل وهو يربت فوق كتفي شمس بحنو:

_خايفه من ايه يا شمس!.

_مش عاوزه اسمع نفس الكلام تاني يا ليل ،مش عاوزاه يأكد ليا الحقيقه اللي مش عاوزه أصدقها كل مره ،مش عاوزاه اسمع وهو بيقولي اني مش هشوف تاني!..





ابتسم ليل بحنو وأحل كفي يديها المشبثان بذارع ريحان وهتف بحب :

_مهما كان اللي هيقوله يا شمس مش هيفرق معايا صدقيني بس خلينا نجرب مش يمكن تبقى دي اخر مره!.

_تفتكر!.

_افتكر طول ما ربنا موجود في امل يا شمس.

اطمئن قلبها وابتسمت في راحه شديده ليمسك ليل بكف يدها ويقترب يعقوب من الجهه الاخرى ويقم بالإمساك بكف ريحان والتمسيد فوقه بحنان مردفاً بهمس:

_متخافيش انا جنبك!.

ابتسمت له بإمتنان ومن ثم سارع اربعتهم بالسير إلى داخل المشفي السير إلى المجهول .

حملت الحياه الصافره من جديد مُعلنه عن بدأ مُباره جديده يستعد لها كِلاً من الحب والصِراعات ،عزمت الصراعات على أن تضع هدف التعادل ومن ثم تثأر بالفوز لن تترك ما يريدونه يمر مرور الكِرام فوقفت تراقب اربعتهم وهو يسيرون نحو المجهول لتبتسم وتتشارك هيا والمجهول المصافحه متعاونان عليهم ومتعاونان على التفريق بينهم فـ الحب لن يوجد له مكان بينهم.

وحينما وجد الحب وجدت الصِراعات فـ من المنتصر!.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close