أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل السابع7بقلم داليا السيد


 رواية رحيق الهلالي 
الفصل السابع7
بقلم داليا السيد

وعد.. غضب
صرخ بها مرة أخرى ولكن الطبيب قال "أهدأ يا سيد ابنك بخير وما زال بالعناية والآنسة هي التي أتت به هنا وتبرعت بدمها من أجل إنقاذه"
تراجع ونظر إلى الطبيب وقال بقوة "ومن الذي فعل به ذلك؟"
أجاب الطبيب بنفس القوة "سيارة صدمته وهربت، ألقته بالترعة والآنسة أنقذته من الغرق وأتت به هنا والحمد لله هو بخير الآن وربما على الظهيرة يخرج من العناية"
هدأت ثورة غضبه بينما تراجعت هي مبتعدة من أمامه وقد أفقدها التعب أي رغبة في الاشتباك معه، بينما انحسر غضبه وقد فهم الصورة بشكل صحيح فنظر إليها والتفت إلى مظهرها وملابسها المتسخة فاقترب منها وقال 
“هل رأيته؟"
هزت رأسها دون أن تنظر إليه أو ترد فعاد وقال "ماذا حدث؟"
شعرت بالتعب يزداد فتحركت لتبتعد فأمسكها من ذراعها محاولا التحكم في غضبه وهو يقربها منه ويقول من بين أسنانه "لا تتجاهليني وأنا أخاطبك"
لم تنظر إليه وإنما ترنحت وكادت تسقط لولا أن أدرك هو الأمر فأسندها إلى أقرب مقعد وأجلسها وهتف بها "رحيق هل تسمعيني؟"
فتحت عيونها وقالت بتعب "نعم فقط الصداع يدق برأسي بقوة"
قال بحزم "حسنا دعيني أعيدك البيت وسأعود من أجله"
قالت بلهفة ضعيفة "لن أذهب، لن أذهب قبل أن يخرج من العناية"





ثم أسندت رأسها إلى الحائط من خلفها فتأملها وهو يدرك أن عنادها يسيطر على عقلها
أحضر لها عصير وطعام تناولت القليل منه وبعض المسكنات حتى استعادت قوتها وعلى الظهيرة خرج جواد إلى غرفة عادية وهو يمسك يدها بقوة وكأنه يخشى أن ترحل وتتركه
أخبرهم الطبيب أنه يمكن العودة به إلى المنزل بالصباح، نظر فراس إليه وقال "جواد كيف حالك حبيبي؟"
نظر جواد إليه بتعب ظاهر وقال بضعف وقال "بخير بابا"
ابتسم فمن النادر ما يناديه بالأبوة مرر يده على شعره بحنان وقال "فيم كل ذلك حبيبي؟"
نظر الطفل إليها والدموع تملأ عيونها ثم نظر إلى فراس وقال "أنا كنت أجري ولم أشاهد السيارة وهي تصدمني والماء، الماء كان بارد ولم أستطع أن أسبح كما علمتني"
أبعد وجهه لحظة من مواجهة الصبي ثم عاد إليه وقال "وكيف تخرج بذلك الجو وتجري بذلك المكان وأنت تعلم خطورته؟"
نظرت إلى فراس وكأنها تخبره أن ذلك ليس وقت استجواب الطفل المتعب ولكنه تجاهلها خاصة عندما قال جواد
“كنت غاضب لأن رحيق حزمت حقيبتها وأرادت الرحيل ولكنها لم تفعل وأنقذتني ووعدتني ألا تذهب"
أخفضت نظراتها ولم ترفعها إليه وهو يتراجع ويتذكر ما كان بينهم وقت المكالمة الهاتفية، عاد جواد يقول "بابا من فضلك أنا لا أريد أن ترحل رحيق افعل أي شيء لإبقائها لا تجبرها على الرحيل وابعد زينب عنها من فضلك بابا أنا لم أجد من يهتم بي مثلها"
حدق بالطفل وتذكر كلمات العمة من أن جواد تعلق بها بشكل غير طبيعي والآن الأمر يزداد تعقيدا
ناداه جواد فقال "حبيبي هل ترتاح الآن وعندما نعود المنزل نتحدث"
ولكن الطفل قال "أخشى لو نمت تجعلها ترحل فراس"
صمت لحظة وبالنهاية قال "لا جواد لن أجعلها ترحل اطمئن فقط سأصحبها إلى البيت لتغير ملابسها وتغتسل ثم نعود"
قال جواد "وعد؟ هل تعدني فراس؟"
هز رأسه فاكتفى الطفل بهذا الوعد الصامت فأغمض عيونه دون أي كلمات واستسلم أخيرا للراحة بينما نظر هو إليها وقال 
“هيا لنعد إلى البيت لتغيري تلك الملابس وتغتسلي"
لم تنظر إليه وقالت بعناد "لن أتركه سأخرج معه"
انحنى عليها وقال بنبرة حادة "لا مجال للجدال هنا أنا وعدته أن أعيدك فافعلي الصواب مرة دون جدال"
كادت ترد ولكنها أدركت أن لا المكان ولا الزمان مناسبين للجدال وربما هو على حق فهي بحاجة للخروج من تلك الحالة التي أصبحت عليها منذ الأمس
ركبت السيارة بجواره ربما لأول مرة وأسندت رأسها على النافذة بتعب واضح ولكنه قال "ما الذي حدث أمس؟"
لم تتحرك وهي تقول "رآني وأنا أحزم حقيبتي فغضب وخرج يجري، لحقت به وسط الأمطار الغزيرة على الممر الترابي وأتت سيارة من الخلف صدمته وألقته بالترعة وكاد يغرق ولكني أسرعت خلفه وأخرجته منها وأوقفت سائق نقل نقلنا إلى المشفى وقد عرف جواد"
تحرك بالسيارة داخل الممر الداخلي للبيت وأوقف السيارة ليرى سيارة الشرطة تقف أمام البيت 
نزل الاثنان من السيارة وتقدما إلى الداخل حيث رأت الضابط الذي قابلها بالأمس يجلس مع العمة حيته وعرفته بفراس واستأذنت لتغيير ملابسها 
أخذت حمام ووضعت مرهم للكدمة التي تحت عينيها وغيرت ملابسها فشعرت براحة ودفئ يسري بجسدها أخيرا، وسمعت سيارة الشرطة ترحل ثم دقات على بابها قوية أفزعتها





وقبل أن تأذن رأته يفتح ويدخل والغضب يتطاير من عيونه وهو يقول "فتاة مثلك تتلاعب برجل مثلي؟ كيف تجرؤين على ذلك؟"
تراجعت وهي لا تفهم شيء ودق قلبها من الخوف والفزع وهو يتقدم تجاهها وهي تتراجع أمام غضبه بدون أن تفهم السبب إلى أن اصطدمت بالمقعد وفقدت توازنها فسقطت عليه وانحنى هو واستند بذراعه السليمة على المقعد ونظرات الغضب تطل كالحمم البركانية من عيونه وصوته الغاضب يصرخ بها
“كيف أمكنك ذلك أيتها الغشاشة؟ هل كنت تظنين أنك ستفلتين بفعلتك هذه؟"
ارتجف قلبها وتسارعت دقاته وهو يزيد من ضخ الدم بشرايينها بقوة شعرت بها بجسدها وارتعش صوتها وهي تقول 
“أنا، أنا لست غشاشة، ولا أفهم شيء"
لم يبتعد وهو يقول "بلى غشاشة وكاذبة إلى متى ظننتِ أنك ستخفين كذبتك هذه؟"
انكمشت بالمقعد وهي تقول "أي كذبة؟ أنا لم أكذب"
ولكنه أمسك ذراعها بقوة وهو يقول "لم تكذبي عندما أخبرتيني أنك ابنة الخامسة والثلاثين وأنت لم يتعد عمرك الثانية والعشرين؟ لم تكذبي وأنا أظن أني أعامل امرأة ناضجة لن تثير الأقاويل من حولي لأصطدم بالواقع وأجد فتاة مجنونة لا تعرف أي شيء إلا إثارة غضبي وجنوني، ألا تجيبين أيتها الكاذبة؟"
انسحبت الدماء من وجهها وشحب وشعرت ببرودة تسري بكل جسدها وتذكرت كذبتها الأولى، ثم ما لبثت أن تذكرت أصلها فزاد خوفها وهي لا تجد ما تقول
تألم ذراعها من قبضته مما جعلها تقول "أنت السبب، نعم أنت من أخبرني أنك لن تقبل بفتاة بعمري لذا اضطررت إلى الكذب"
هزها بقوة وقال "وكيف تؤتمن كاذبة بعد ذلك؟"
عادت الدموع وقالت "لم أقصر ولم أخن الأمانة بأي يوم"
لم يبعد عيونه وقال "وما الذي يضمن لي صدقك؟ وما الذي يدفعني لتصديقك؟ لست بحاجة لم سيجلبه وجودك هنا من مشاكل لن تبقي هنا يوما واحدا"
تراجعت أكثر من كلماته عن الرحيل وماذا عن جواد والوعد؟ لقد وعدته ألا ترحل الطفل لن يتحمل
ابتعد عنها وأفرج عن ذراعها فابتلعت كلماته وقالت بصعوبة "من فضلك لا تفعل ذلك بي وبابنك، لن يتحمل رحيلي"
التفت إليها مرة أخرى وقال بصوت خشن زاد من خوفها وهو يقول "هذا ما تراهنين عليه أليس كذلك؟ تتسللين إلى بيتي بالكذب والغش وتأسرين قلب جواد كي يجعلني أرضخ لك، ماذا تخفين وراءك أيتها الأفعى؟ هل ارتكبت جريمة وتهربين منها؟ أم تهربين من عار ارتكبته؟ هيا اعترفي"
لم تستطع النهوض ومواجهته فقد ضعفت قدماها وخانتها وأدركت أن مواجهته بهذا الوقت لن تجدي نفعا ولن تجني من وراؤه إلا الخسارة ولو أخبرته الآن بباقي الحقيقة سينهار كل شيء ولو كان لها الآن فرصة للبقاء فلن تكون هناك أي فرصة لو عرف حقيقتها 
نظرت إليه بدموع وحزن وقالت "لم أفعل أي شيء فقط ما أخبرتك به، كنت أحتاج العمل والإقامة ولو أخبرتك بعمري الحقيقي لما وافقت على وجودي، وقتها رأيت طفل صغير سعيد ببعض الطعام الشهي الذي قدمته له وبعض الاهتمام، كما أدركت وجود امرأة مسنة مريضة بحاجة للرعاية، ورجل محموم ملقى بدون اهتمام ويترك خلفه من هم بحاجة للاهتمام، وقتها لم أفكر بتبعية كذبتي ولم أهتم لصحة بقائي هنا من عدمها"
أشعل سيجارة وهو يحاول سحب الغضب من داخله وهو يستمع إلى كلماتها وقد كانت على حق ولم يرد فعادت تقول وهي تجازف بكلماتها
“بياناتي كلها معك يمكنك أن تبحث عني، ليس لي أهل ولم أكذب فيما يخصهم ولا بأي شيء آخر أخبرتك به"
التفت إليها ولكنها لم تكن تنظر إليه والدموع تغطي وجنتيها، ظل الصمت بينهما إلى أن قال "وجودك هنا أصبح صعب يا آنسة، أنا لن أتحمل إثارة الأقاويل"
مسحت دموعها دون أن تنظر إليه وهزت رأسها وقالت "حسنا ولكن جواد" 
عاد وقال بقوة "جواد ما زال طفل ويمكنه أن ينساكِ بسهولة، لن تبقي هنا" 
لم ترد ولم تعد تعرف ماذا يمكنها أن تفعل عندما رن هاتفه باسم مهاب فتذكر موعده معه فأجاب "مهاب، أين أنت؟" 
أجاب الرجل "عند المحامي فراس أين أنت؟" 
أطفأ السيجارة وقال "جواد أصيب بحادث وأنا معه بالبلد دعنا نؤجل الأمر للغد لن يمكنني أن أتركه وحده" 
أجاب مهاب بسخرية "وأين فاتنتك الصغيرة يمكنها الاعتناء به جيدا فهي تتقن ذلك" 
قال بغضب "مهاب إياك وتجاوز حدودك معي ومع من يخصني هل تفهم؟"



 
ضحك مهاب بقوة وقال "تخصك؟ أنت تغار إذن؟ ما هذا قصة حب جديدة أم أنها تمتعك مقابل ما تقدمه من خدمات؟"
ثار غضبه أكثر وأكثر وقال وهو يعتصر الهاتف بيده "لو كنت أمامي الآن لعلمتك الأدب جيدا"
قال مهاب "حسنا، سأتوقف متى سننهي الأمر؟"
لم يهدأ غضبه وهو يقول "ما أن يخرج جواد من المشفى واطمئن عليه سأهاتفك"
لم يعترض مهاب فأغلق الهاتف وعاد ينظر إليها ولا يجد حل لم يحدث ببيته ربما وجودها بدل الكثير بالبيت وبحياة ابنه وعمته، ولن ينكر أنها أنقذت حياة جواد ولكن ماذا يمكنه أن يفعل؟
تابعها وهي تنهض وتعيد حزم ما أخرجته من حقيبتها فأدرك أن الأمر جاد وليس مجرد تهديد وتذكر وعد جواد ولم يعرف ماذا يمكنه أن يفعل مما زاد الغضب داخله، تركها وتحرك إلى الخارج عندما رن هاتفه مرة أخرى برقم العمدة فأجاب 
"أهلا يا عمدة"
أجاب الرجل "أهلا يا فراس بيه، هل صحيح ما حدث لجواد؟"
أجاب وهو يشعل سيجارة ويقف بالبهو دون هدى "نعم، أصيب بحادث بالأمس، ماذا كنت تريد مني يا عمدة؟"
تردد الرجل قبل أن يقول "ألم تخبرك الآنسة رحيق بما حدث بالأمس مع زينب؟"
نظر إلى الأعلى وهو لا يعلم ماذا تفعل تلك المرأة؟ 
أجاب "لم نتحدث لأن الحادث أخذ اهتمامنا أخبرني أنت يا عمدة ماذا حدث؟"
ارتبك الرجل وقال "لا شيء وإنما ابنتي ضايقتها ببعض الكلمات فاشتبك الاثنان بالأيدي حتى أنهيت أنا النزاع"
جلس على أقرب مقعد وهو لا يعرف من أين تتوالى المصائب وقال "وما هي تلك الكلمات التي تؤدي إلى الاشتباك بالأيدي يا عمدة؟"
قال الرجل "لذلك كنت أريد رؤيتك يا بيه، أنت تعلم القيل والقال والآنسة رحيق، أقصد وجودها عندكم، بالتأكيد أنت تفهم ما أعني"
تراجع بالمقعد وقد فهم وأدرك أن الجميع الآن يحكم الخناق عليه والجميع يطالبه بتفسير تصرفاته وهو لن ينتظر رضاء أحد، رآها تجذب حقيبتها على السلم فتابعها بعيونه 
نهض وقال "أعتقد أن حياتي الخاصة لا تخص أحد يا عمدة وليس من شأن أحد أن يحاسبني أو يسألني عن أشياء لا تخصه"




توقفت عندما ذكر العمدة الذي قال بنبرة مختلفة "يا فراس بيه نحن لسنا بالمدينة وإنما ببلد ريفي صغير ولدينا تقاليد وعادات أنت تعرفها جيدا وبصراحة أنا كنت سعيد عندما قال جواد أنك خطبتها ولكن ما أريده منك أن تعلن الأمر للجميع كي تتوقف جميع الألسنة وتبتعد كل العيون عنكم"
شعر وأن الدنيا تخبطه على رأسه من كل جانب فنظر إليها بقوة كما فعلت هي وتذكرت كلمات جواد بالتأكيد العمدة أخبره بما قال بينما أجاب فراس 
“حسنا يا عمدة ربما سأفعل لكن الآن حادث جواد تشغلنا جميعا"
قال الرجل "إذن هي خطيبتك حقا؟"
وجد نفسه يرد "نعم يا عمدة هي كذلك"
فتنهد العمدة براحة وتغيرت نبرته إلى السعادة وقالت "الف مبروك يا فراس بيه وربنا يتمم شفاء جواد بخير ونفرح بك بعدها"
أغلق الهاتف ونظر إليها وقال بحدة "ما أمر خطيبتي هذا؟ وماذا حدث أمس مع زينب؟ هل هي سبب تلك الكدمة بوجهك؟"
اضطرت إلى أن تحكي له كل شيء وانتهت وهي تقول "والعمدة هو الذي نزعها من بين يدي"
تراجع وهو يفكر بغيظ من زينب وكذلك بانبهار من كلمات جواد وتفكيره، ظل صامتا حتى قال "وماذا فعلتِ بزينب؟"
قالت "لماذا لم تسأل والدها؟ فهو الذي رحمها مني كنت سأخفى معالم وجهها تلك الحقيرة"
اقترب منها وقال "أثارك كلماتها عنك؟"
نظرت إليه بقوة وقالت "بل عن جواد عندما نعتته بأنه لا أصل له ولا فصل، أنا يمكنني أن أدافع عن نفسي جيدا ولكنه كطفل لن يمكنه أن يفعل"




ظل ينظر إليها قبل أن يقول "وأمر الخطوبة والزواج هذا من تدبير من؟"
قالت بعصبية "تدبير من؟ لا أفهمك، أخبرتك بم حدث فهل تظن أني أكذب وأني أنا من فعل؟"
ابتعد وقال "كذبت من قبل"
قالت بغضب "لم أكذب ويمكنك سؤال أهل البلد الذين شهدوا الأمر، بل واسأل جواد نفسه أنا لم أكذب وإلى هنا وانتهينا أنا لن أتحمل أكثر من ذلك، أنا راحلة لأريحك وأريح نفسي"
وعادت إلى حقيبتها وجذبتها ولكن صوت العمة أوقفها وهي تقول "انتظري يا فتاة"
توقفت والدموع تملأ عيونها أمام الباب دون أن تلتفت إليها والعمة تقف بينهما ولا يعلم أحدهما من أين ظهرت العمة وهي تقف وتقول "والآن لا مجال لهذه الخلافات التي لا تنتهي بينكم، ألا تجدون مكان لصوت العقل الذي يناديكم دون جدوى؟"
ابتعد هو وهو يدخن سيجارة ومسحت هي دموعها ولم ترد إلى أن قالت العمة "لماذا لا يرد أحدكم؟ ألا يعقل كلاكم الأمور جيدا وأصبح الغرور والعناد هو الحكم؟ ماذا أصابك يا فتاة كنت تنتحرين كل يوم هنا من أجل آل هلالي وفقدت دمائك من أجل ذلك الطفل الذي تعلقت حياته بكِ لدرجة أنه فكر بحل لإبقائك بجواره، حل لم نفكر نحن الكبار به، وأنت فراس ألا تحكم عقلك فيما يخص بيتك وأسرتك ومن يخصك أمرهم وتركت غرورك وكبريائك يقودونك؟ ماذا حدث إذا كان عمرها أصغر أو أكبر؟ ما الفارق؟ هي لديها عذر لم فعلت فلو أخبرتك الحقيقة لطردتها من هنا وأحضرت لنا أولئك العوانس الذين لا يطيقون يوما والآخر ثم يرحلون بأقصى سرعة، وأنت يا فتاة هل لديك مكان آخر ترحلين إليه؟ وهل ستتركين جواد الذي تعلقت روحه بك؟"
نظرت إلى العمة من بين أحزانها وقالت "سينساني"
تحركت العمة إليها ببطء حتى توقفت أمامها ونظرت بوجهها الشاحب والحزين وقالت "هل تصدقين نفسك؟ ما يتعلمه الصغار يحفر بقلوبهم وعقولهم إلى آخر العمر، خاصة طفل مثل جواد لم يعرف معنى الحب والعاطفة ولا ذاق معنى الاهتمام إلا منك"






تركتها وتحركت تجاهه ونظرت بعيونه هو الآخر وقالت "ماذا تريد أن تفعل بنا فراس؟ هل تريد أن تعيدنا لم كنا عليه؟"
نظر إليها بقوة وقال "وماذا كنا عمتي؟ ألم نكن نعيش حياة هادئة بلا مشاكل وأقاويل أنا في غنى عنها؟"
قالت بحزم "لا، لم نكن نعيش فراس خصوصا بعد مرضي الذي أقعدني وأصبحت أحتاج من يعتني بي ولم أكن أجد، وابنك الذي كان يجلس باليومين لا يجد ما يأكله غير الخبز الجاف، وأنت نفسك فراس، نعم أنت كنت تسقط محموم باليوم والاثنين دون أن تجد من يهتم بك، وهذا البيت الذي انهار يوما وراء الآخر، هل يمكنك أن تخبرني سبب واحد لاعتراضك على تلك الفتاة غير سنها الذي هو أمر يسعدك لا يغضبك"
حدق بالعمة وهو يحاول أن يجد مبرر لتصرفاته واعتراضه عليها وأدرك أن كل أعذاره واهنه لا تثقل كفته وإنما ترتفع خاوية أمام كفتها التي امتلأت عن آخرها بأفعالها 
ابتعد وقال "لا شيء يجبرني على تقبلها، إنها لا تسمع إلا نفسها ولا تعرف للطاعة معني، هذا غير ما أثير حولنا، عمتي الأمر كله غير صحيح"
قالت العمة بتأني "أنت ترفض إذن وجودها رغم كل شيء؟"
لم يرد بينما شعرت هي بحزن عميق يدفع قلبها ليعيده داخل ضلوعه ويخبره ألا مكان له بأرض الحب وأن الأحلام من نصيب أشخاص أخرى ليست هي من بينهم فالضياع الآن هو مصيرها، ستعود من حيث أتت ولن تتراجع عن مواجهة مصيرها خارج هذا البيت مهما كان هذا المصير، عادت تتحرك وتجذب حقيبتها وقد حسمت أمرها ولم يعد هناك مجال للتراجع..





التفتت العمة إليها وهي تخرج وتغلق الباب خلفها فعادت إليه وقالت بقوة "ألا عقل لديك يا ابن أخي؟ الرجال تتنازع عليها وأنت تتركها ترحل؟ ماذا ينقصها حتى لا تكون زوجتك؟"
نظر إليها بقوة وقال بعصبية واضحة "زوجتي؟ ماذا تقولين؟ هل أتزوج خادمة؟"
نظرت إليه وتراجعت وهي تردد "خادمة؟ ألم تخبرني أنها قريبة أمك؟ آه نعم لقد كنت أنت أيضا تكذب، إذن لا فارق بينكم فلم تحاسب الفتاة وأنت تماثلها؟"
أشاح بيده وقال "كفى عمتي أنا لا أفهم سبب تصرفاتك"
أعادته من ذراعه أمامها فأعرض عن ألمه ونظر إليها وهي تقول "أخبرتك أسبابي ولكن يبدو أن عقلك لا يستوعبها فراس، لقد تحدثت عن جواد ابنك واحتياجه إلى أم تمنحه ما لا يمكنك أنت أن توفره له، أخبرتك عني كامرأة مسنة مريضة تحتاج لمن يرعاها ولكنك لا تسمع، أخبرتك عنك أنت يا بني وعن شبابك الذي يضيع يوما وراء الآخر وأنت لا تشعر، فتاة صغيرة وجميلة، لا أهل لها ولا صاحب قوية تحمل عنك ما قصرت بحمله ولا تعترض على تلك المعيشة الصعبة التي تحياها بل ويسرت لك أمورا لم تكن تملك أن تقوم بها، كل ذلك وتتكبر عليها وتطردها كما لو كانت مذنبة بجرم فاحش، عليك أن تفكر جيدا قبل أن تتخذ مثل ذلك القرار فما زال هناك وقت لتصحيح ما كان يا بني"
وتركته وتحركت لتختفي من حيث ظهرت وتراجع هو وهو يعيد كلمات العمة، الرجال تتنازع عليها، ترى أي رجال؟ هل عرفت بأمر مهاب؟ ونظرات سامر؟ أم أن هناك سر آخر لا يعرفه؟ وجواد ابنه ماذا سيخبره بعد وعده له ألا يتركها ترحل؟ 
أغمض عيونه وهو يشعر بصداع قوي يدق رأسه بشدة وهو لا يعلم أين الصواب؟ فلا مجال للمرأة بحياته




 لقد تعلم أن يعيش هكذا بعيدا عن أي امرأة ولم يظن بأي يوم أن يتزوج وتكون له أسرة، أما جواد فكان أمر مختلف.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-