رواية حب خلق بداية
الفصل الثاني2
بقلم مروة محمد
تذكرت عندما كانوا يوقفون السيارة أمام هذا المنزل ويفتحون الباب الخلفي، ليخرجوه منها جثة هامدة، لتستوعب بكل حواسها وتنتفض من داخلها وهي غير مستوعبة ما تراه أمامها، وكأنها صفعت على وجهها صفعة أخرستها، لتهبط على الفور إلى الأسفل وتتأكد أن الممدود أمامها هو زوجها سراج، وتنظر إلى الرجال تجدهم ينكسون رؤوسهم للأسفل بحزن، ثم تذهب إليه مسرعة تنتظر سير أنفاسه، أتراه منقطع النفس؟ وجروح متناثرة في مقدمة رأسه، ثم تنظر حولها لتجد خطاب -ابن عمه- ويدلف معه رجل يبدو من المواد التي يحملها معه أنها أدوات التغسيل والتكفين، لتتأكد من حقيقة الأمر، أن سراج مات فعليًا، رجعت بظهرها إلى الخلف وصعدت إلى أبنائها لتنتحب متذكرة ما صار بينهم منذ يومين.
حيث قامت زوجته الثانية بإنجاب صبي وفتاة، وفي هذه الأثناء وقبل الولادة بيومين قام بسحب كل أرصدته من البنوك ليقوم بمناقصة ثمنها مليونين، لتلمع الفكرة الخبيثة برأس الزوجة الثانية عندما رأتهم، فتنهض بعد الولادة بيومين وتترك أبناءها بالحضانة وتهرب مع عشيقها، أخذت كل أموال سراج، فوجد نفسه مع أبنائه دون أم ودون مال، ليعود إلى ثريا، فهو يعلم طيبة قلبها المطلقة، ويعلم جيدًا أنها ما زالت بالإسكندرية، ولم يفكر يومًا في الذهاب إليها ومراضاتها، والآن يذهب إليها بالطفلين، هي الأخرى أنجبت صبي وفتاة تؤام، وكانت نائمة بجوارهما، وما إن رن الجرس حتى انتفضت تفتح للطارق بسرعة حتى لا يستيقظ صغارها، وجدته أمامها حاملًا طفليه، لتنظر أعلاها بخوف، هو أيضًا كان خائفًا من ردة فعلها، فدلف قائلًا بخوف:
- ثريا ازيك؟ وحشتيني، انتي مش كنتي قلتي ليَّ إنك هتسافري؟
تعصبت من داخلها حتى ألمها الجرح ولكنها تحملت على نفسها قائلة:
- ماعرفتش أسافر يا سراج، حصل ظروف منعت السفر، بس مسافرة قريب جدًا، ويمكن ما أرجعش تاني إسكندرية.
ثم ابتسمت بسخرية وهي تنظر إلى الطفلين قائلة:
- ماعدش ليَّ لازمة، انت مش محتاجني.
رأى أنها تسلط بصرها على الطفلين وعتابًا كبيرًا ينتابها، أعليهما؟ أم على عدم تواجده بجانبها؟ فرد قائلًا:
- حقك عليَّ يا ثريا، أنا آخر مرة جرحتك كنت فكرت نفسي خلاص ربنا حقق حلمي.
وتابع حديثه بمرارة قائلًا:
- بس ربنا عاقبني، أولادي أمهم ولدتهم وأخذت اللي ورايا واللي قدامي وهربت، تعالي نبدأ من جديد يا ثريا.
هزت ثريا رأسها بأسف قائلة:
- مع الأسف يا سراج، فات الأوان.
اندهش سراج من قوتها ورفضها له ولأبنائه فرد قائلًا:
- ليه كدا بس يا ثريا؟ طيب بلاش علشاني، شوفي الواد القمر دا كأنه شبهك، سميته حليم زي ما كنتي عايزة.
ثم حاول استعطافها قائلًا:
- مش كان نفسك تسميه على اسم عبد الحليم حافظ؟
سألته قائلة:
- هي اللي سابتك يا سراج؟ مش هي خلتك تسيبني عشان الأولاد دول؟
ثم سألته باستهجان قائلة:
- ليه انت دلوقت عايز ترجع وبتفرض عليَّ أربي أولاد غيري؟ أنا مش هرجع ليك ولا هربيهم.
أغمض عينيه بمرارة قائلًا:
- وأنا أعمل إيه بيهم يا ثريا؟ طيب بلاش ترجعي ليَّ أنا، خديهم هما الأهم، مش دول حلم حياتك؟ خليهم هنا وأنا هبعد.
واستطرد يلوم نفسه قائلًا:
- ياريتني سمعت كلامك وماضيعتش نفسي.
ليستمع في تلك اللحظة إلى صراخ الطفلين وينظر إلى أطفاله يجدهم صامتين ويحدق في وجه ثريا فتبتسم بنصر قائلة:
- أنا قلت ليك يا سراج، ربنا هيجبر بخاطري وهخلف ويبقى عندي أولاد.
صعد إلى الأعلى ووضع يده على مقبض الباب الذي يوجد به صوت الصغيرين، ثم دلف لينظر إليهما بدهشة، فهما اثنان مثل اللذين معه، لينظر إليها ببلادة قائلًا:
- أنا استغربت انتي جبتي القوة دي منين، وازاي بترفضي حاجة كان نفسك فيها من زمان وانتي طيبة وقلبك كبير.
ثم هز رأسه بضياع قائلًا:
- كنت عارف إن ربنا هيعاقبني وهو فعلًا عاقبني، لما هي أخدت فلوسي ورمتلي العيال، بس ربنا زود عليَّ العقاب.
ثم أشار باصبعيه نحو قلبها قائلًا بضعف:
زود العقاب لما قسى قلبك عليَّ أكتر، ثريا بلاش قسوة أرجوكي ياثريا.
كان لديها إحساس جيد أنه سيعود، لا تعلم من أين أتاها هذا الإحساس، يبدو أنه بسبب الحوار الذي كان بينها وبين خطاب عندما هتف لها بكل رغبة قائلًا:
- ثريا اطلبي منه الطلاق وصدقيني أنا هعوضك انتي وأولادك عنه، دا مايستحقش دمعة ولا تفكير منك، تعالي نتجوز يا ثريا وتبقى ضربة له.
هزت ثريا رأسها برفض قائلة:
- أنا مش خاينة يا خطاب، لا يمكن أخد زوج صحبتي اللي فتحت ليَّ بيتها وراعتني أحسن رعاية، وثانيًا: أنا مش حابة أنتقم منه، ربنا موجود.
عرض عليها فكرة الخبيث قائلًا:
- طيب إيه رأيك انتي وذكرى أصحاب، أعتقد مش هتمانع، أنا هقول لها إنك علشان من غير راجل وأنا بحميكي وبحمي أولادك.
ابتسمت ثريا باستهزاء قائلة:
- أنا أقدر أحمي نفسي من أي راجل يا خطاب.
زفر خطاب بحنق قائلًا:
- صدقيني انتي هتفضلي طول عمرك ذليلة له، ويرجع لك بأولاده ويضحك عليكي،ولاء ملهاش أمان، عادي تخونه زي ما اتبلت عليَّ.
تعالى صوت ثريا بغضب قائلة:
- خطاب، تحب أتصل بسراج وأقوله على عمايلك دي؟ وأخبره يجي يصفي حسابه معاك؟
لوى خطاب فمه بسخرية قائلًا:
- قريب هتلاقيه جاي زاحف.
(عودة)
بالأعلى عند نور وحليم، ظل نور يسأل حليم قائلًا:
- أيوه يعني هي قالتلك وحشتني وبعدين سرحت.
هز حليم رأسه ليستطرد نور حديثه قائلًا:
- وقالت لك يا حبيبي كمان رغم خلافكم! يبقى أكيد افتكرت بابا لأنها دايمًا تقول إنك شبهه.
زفر حليم بغضب قائلًا:
- أوف، شكل أبويا دا هيعملي عقدة.
شرد نور قائلًا:
- وإيه اللي زود الموضوع دا؟ ولا علشان زعلانة من مواجهتك ليها؟ انت برضو زودتها يا حليم.
غضب حليم قائلًا:
- عارف إني زودتها، بس أبوك عمل إيه خلاها تفتكرني بيه لما اتعصبت عليها؟ هو دا اللي مش فاهمه.
مط نور شفتيه قائلًا:
- ولا أنا عارف.
حليم بنفس نبرة الغضب:
- يبقى أنا وانت لازم نعرف يا نور، لأن أكيد الموضوع يخصك انت كمان.
فرك نور جبهتة قائلًا:
- دي مخلفاني أنا وأختي قبلكم بأربعين يوم، يعني هو ماتجوزش مامتك بدافع الخلفة.
ثم استطرد قائلًا:
- إيه هيكون سبب جوازه التاني؟
ثم ضحك قائلًا:
- يكونش واحد بحري والتاني قبلي؟!
اقترب منه حليم ليخنقه على مرحه، ليتراجع نور بخوف قائلًا:
- إيه؟ عيب كدا يا حليم أنا أكبر منك.
رد عليه حليم بغضب قائلًا:
- زيي زيك، يمكن المفروض أكون أنا الأكبر، انت واخد جينات خالك وجدك يوناني أصيل، أنا بقى طالبة معايا نكد زي أبوك.
تعالت ضحكات نور قائلًا:
- يا ريتك يوناني زينا.
ابتسم حليم بسخرية قائلًا:
- انت على فكرة بتحاول تضحك علشان تخليني أفك بس، لكن من جواك زعلان أكتر مني.
احتضنه نور قائلًا:
- طب ممكن فعلًا تفك، وأنا أوعدك إني هدور معاك، بس من غير ما ماما تحس.
ثم شرد بحزن قائلًا:
- أنا أحيانًا بلاقيها بتكلم نفسها ومفيش على لسانها غير سراج.
تحدث حليم بحزن قائلًا:
- دي الحاجة اللي مزعلاني عليها، ازاي كل السنين دي ماتكلمتش عنه وفجأة طيفه بيجي في بالها؟ نفسي ربنا يريح قلبها.
ثم استطرد بعزيمه قائلًا:
- والله لازم أعرف اللي حصل زمان علشان بس أعوضها، لأني واثق إنها اتظلمت.
جاء اتصال لنور من حنان، الفتاة المشاغبة صديقة شقيقته، فابتسم وابتعد عن حليم، ليبتسم حليم بسخرية، لكن سرعان ما تحولت ابتسامته إلى حزن بسبب تذكره لوئام.
هتف نور قائلًا:
- وحشتيني يا حنون.
زفرت حنان بحنق قائلة:
- ماتشفش وحش.
تعالت ضحكات نور قائلًا:
- مالك يا نون داخلة شمال فيَّ كدا ليه؟
تنهدت حنان بضيق قائلة:
- استنيت ساعة في النادي وسيادتك ولا على بالك.
عض على شفتيه بخبث قائلًا:
- ماكنتش أعرف، وبعدين أنا ماروحتش النادي النهاردا.
صرخت حنان بغضب قائلة:
- بتكدب عليَّ يا نور؟ أنا شفتك مع بنت تانية بره النادي، لما أخوك كان بيكلم وئام، انت هتتظبط وتعقل إمتى؟ لو عايز نفركش أوك، إنما كدا لااااا.
ابتسم نور ابتسامة حبور قائلًا:
- أنا كنت جعان يا نون وعايز أروح لثريا تغديني، والبنت دي مسح زور، إنما انتي الدسم كله، أوعدك أقابلك بكرة وبعد بكرة، بس طريها يا نون.
في الأسفل قاموا بإعداد الطعام، ليهبط حليم ينظر إليها وهي تعد السفرة بكل احترافية، فتقرب منها وقبل يدها قائلًا:
- الإيدين الحلوة دي ماعدتش تعمل حاجة، وبعدين فين البنات؟ اوعي تكوني طفشتيهم علشان تستفردي بيَّ.
ضحكت ثريا قائلة:
- لا دا انت اتغيرت قوي.
غمزها حليم قائلًا:
- ما هو مش معقول واحد أمه بالحلاوة دي ومايبقاش لسانه حلو، ما تيجي نرقص يوناني سوا، انتي محترفة.
وضعت يدها على ذقته قائلة:
- بعد الغدا نرقص سوا.
هبط نور بمرح قائلًا:
- انت بتتحرش بأمي يا ولد؟ وانتي يا ثريا كدا عيب، هو البيت دا مافهوش راجل؟ ما تاخدي الواد وتهربوا بالمرة.
ثم نظر إلى الطعام بشراهة قائلًا:
- ولا أقولكم أكلوني الأول، لأحسن الواد زياد أكل كل الأكل.
ليرن جرس الباب ويدلف زياد ومعه دفتر الحسابات، ينظر زياد إلى الطعام بشراهة هو الآخر، كأنه لم يتناول الطعام طوال اليوم، ليهلل قائلًا:
- مش ممكن أكل! وكمان من إيد الشيف ثريا، يا سلام، دا الواحد على لحم بطنه من الصبح.
ثم نظر إلى نور يسأله بعتاب قائلًا:
- انت مش قُلتلي يا نور إنكم مش طابخين النهارده؟
لتتعالى ضحكات ثريا وحليم، أما نور فنظر إليه بسخرية قائلًا:
- لا ما هو احنا طبخنا على آخر لحظة، انت بركة، كُل براحتك، أنا هخليهم يعملوا عشا تاني، وبعدين فين الحسابات؟ ومد إليه يده بغضب قائلًا:
-ما تجيبهم كدا نشوفهم.
لتهبط الجميلات ميارا وهاجر، تبتسم ميارا لزياد قائلة:
- يا زياد انت مش لسه قايل في التليفون إنك متغدي؟ نفسي أعرف الأكل دا بيروح فين؟ دا مش بعيد تاكل أكل أولادك لما تتجوز.
تعالت ضحكات هاجر قائلة:
- ولا مراته اللي ربنا يكون في عونها، يمكن تصحى تلاقي دراعات متاكلة منها.
قطب نور جبينه قائلًا:
- والله كدا أنا ابتديت أفهم يا حليم هي مين، بالذات بعد كلام هاجر، انت هتخلص أكل إمتى يا زياد؟
نهض زياد ونفض ملابسه ومسح فمه قائلًا:
- خلصت، دا حتى الواحد مش عارف ياخد راحته في الأكل، اكمنه مش في بيته.
تحدث حليم باستهجان قائلًا:
- لا والله كل دا مأخدتش راحتك؟! أومال لو بقى بيتكم هتعمل فينا إيه؟ قوم يا أخويا لما نشوف هببت إيه النهارده.
ابتسم زياد ببلادة قائلًا:
- أيوه بقى، حسسوني إني ابنكم ودا بيتنا، والله نفسي أصحى من نومي ألاقيكم حواليا.
ضرب نور كفًا على كف قائلًا:
- لا دا انت لسعت، على فكرة لو انت عايز اللي في بالك مش هتقعد هنا.
نظر إليها زياد فأخفضت وجهها ليتحدث قائلًا:
- ازاي؟ لا أنا عايز أعيش معاكم.
جز نور على أسنانه قائلًا:
- طيب والله ما هيحصل.
ليعود زياد من جديد فيوقفه حليم قائلًا:
- خلاص بقى نشوف شغلنا لأنه الأهم، أما الحاجة التانية يا زياد لا أنا ولا انتم لينا دخل فيها.
ثم نظر إلى ثريا وابتسم إليها قائلًا:
- ماما ثريا هي اللي تقول مفهوم؟ كل اللي بيحصل دا كلام فاضي ولا إيه؟
زفر نور بحنق قائلًا:
- ما هي ماما ثريا هتيجي في صفه يا حليم.
ابتسمت ثريا بفخر لحليم على تعظيمه لها قائلة:
- على فكرة يا نور حليم معاه حق، أنا هنا اللي أقول ودا بعد رأي أختك ورغبتها، دي اللي هتتجوز مش احنا.
وشوشة صدرت من ميارا لهاجر تستفهم منها قائلة:
- هو ا الجواز تم؟
ابتسمت لها هاجر وهزت رأسها، ثم نظر إليها زياد لتتحدث ولكنها ظلت صامتة ليغيظها قائلًا:
- دا حتى السكوت علامة الرضا.
وضعت ميارا يدها في خصرها قائلة:
- نعم! هي بنات الناس لعبة؟ دي حياة هنعيشها مع بعض وتبقى طويلة مش سلق بيض.
ابتسم زياد قائلًا:
- أفهم من كدا إنك موافقة عليَّ يا ميارا؟ والله أوعدك هعيشك عيشة حلوة.
ابتسمت ميارا رغمًا عنها قائلة:
- هنشوف، مش المفروض تجيب عيلتك وتيجي تخطبني.
هز زياد رأسه قائلًا:
- آه طبعًا هجيبهم، بس قلت الأول أخد الموافقة منكم، بصراحة كنت خايف ترفضوني ومش عايز أهلي يتحرجوا.
ابتسمت ميارا قائلة:
- وأنا قلتلك، لا ماما ولا إخواتي هيعترضوا عليك.
فرح زياد قائلًا:
- حيث كدا بقى خير البر عاجله.
تعالت ضحكات ميارا قائلة:
- لا بالراحة يا زياد بالراحة، كل شيء بأوان.
ابتسم زياد قائلًا:
- تعبت يا ميارا، وبعدين ما صدقت إنكم وافقتوا عليَّ، دا أنا كنت مرعوب.
رد عليه نور بضيق قائلًا:
- ما خلاص بقى، كل شوية "ما صدقت إنكم وافقتوا عليَّ” بلاش النبر دا، لأحسن نرجع في كلامنا وتقعد تولول زي الستات.
نظر إليه زياد برعب قائلًا:
- أنا والله ما هتكلم تاني، أسف اعتبرني واحد أهبل متاخدش على كلامي.
لوى نور شفتيه بضيق قائلًا:
- لا أنا أساسًا شايفك مجنون.
تنهدت ثريا قائلة:
- مش نقعد ناكل بقى، وبعدين يا زياد مشكلتك اتحلت، عايزة تركيز في الشغل.
واستطردت ترفع رأسها بكل عزيمة قائلة:
- احنا عايزين نكبر سلسلة المطاعم في الفترة الجاية، وعايزاك يا نور تهدى شوية على زياد.
ابتسم نور قائلًا:
- أوامرك سنيورة ثريا، أحسن شيف في إسكندرية.
رفعت ثريا حاجبيها بفخر قائلة:
- الله أكبر عليَّ.
صفق حليم قائلًا:
- أيوه بقى، إيه الجمال دا يا ثريا؟ ولا أجدعها ست مصرية.
ربت نور على كتفي حليم ممتنًا له، حيث يواصل مغازلاتها رغم علمه أنها ليست والدته، فهمس في أذنه قائلًا:
- حليم شكرًا ليك، انت كلامك بيخلي مزاجها في السحاب.
التفت إليه حليم قائلًا:
- انت مفكر إني هعاملها وحش علشان هي مش أمي؟ يا نور ثريا أمي و هتفضل أمي حتى لو كانت سارقاني من أمي الحقيقية.
تدخلت ثريا تريد أن تعلم ما يقولان، فنظرت لهما بخبث قائلة:
- بتقولوا إيه؟ بتتكلموا عليَّ صح؟
ابتسم لها حليم قائلًا:
- وعرفتي منين؟
زم نور شفتيه بضيق مصطنع قائلًا:
- قلب الأم يا أخويا، المهم أنا وإخواتك البنات بنتوشوش كتير عمرها ما حست بينا، لكن انت غيرنا، ليك وضع خاص.
احتضنها حليم وأغمض عينيه قائلًا:
- وأنا كمان أكثر واحد بحس بيها.
دلفوا إلى مكتبهم بعد العشاء وتحدث نور إلى حليم قائلًا:
- أيوه هي سابتكم بعد يومين من ولادتكم وسافرت بره مصر، بس أهلها هنا اللي هما خالك وخالتك.
ثم أسدل رأسه بحزن قائلًا:
- لأن أبوها وأمها بعد ما عرفوا إنها سابتكم ومشيت ماتوا بحسرتهم، ودا اللي خلى بابا يجيبكم إسكندرية لماما.
تنهد حليم بضيق قائلًا:
- كان عندي إحساس إن دا الحوار كله.
حزن نور على وضع شقيقه قائلًا:
- حليم احمد ربنا إن بابا جابك هنا لماما ثريا.
ابتسم حليم بسخرية قائلًا:
- وانت كنت عايزه يعمل فينا إيه؟
تنهد نور قائلًا:
- انت لو عرفت مكانها هتحاول توصل لها؟ انت لو عملت كدا وماما ثريا عرفت هتزعل يا حليم؟
وضع حليم يده على رأسه من التفكير قائلًا:
- دا اللي أنا شايل همه، مش عايزها تفهمني غلط، نفسي تفهم أنا عايز أوصلها ليه، نفسي أنتقم منها يا أخي.
واستطرد وهو يجز على أسنانه قائلًا:
- انتقام ما بعده انتقام، ولازم أوصل ليها.
دلفت إليهما ثريا وهي تشعر فيما يتحدثان، فنظرت إلى حليم قائلة:
- الصبر طيب يا حليم، أنا هجبهالك لحد عندك.
ابتلع حليم ريقه قائلًا:
- تجيبي مين؟ انتي عارفة احنا بنتكلم عن مين؟ ولا دا تخمين مش أكثر؟ وبعدين أيًا كان مين، أنا مش عايز أتعبك.
ابتسمت ثريا قائلة:
- أنا عارفة إنك بتدور على مامتك، بس أنا عايزة أقولك حاجه، انت ابني أنا، وأنا سبب بداية مشوارك انت وأختك.
ثم وضعت يدها على صدرها بتملك و بقوة قائلة:
- انتم أولادي، يمكن تشوفني إني طماعة، بس انتم حقي أنا.
ابتسم لها حليم قائلًا:
- وأنا مش شايفك طماعة، أنا شايف إن من نعمة ربنا علينا إن اتربينا على إيدك.
اقتربت منه قائلة:
- الله ينور عليك، مش بمزاجك دي إرادة ربنا، أنا قُلتها لباباك زمان، قلت إن ربنا هيسجيب دعاي ويجبر بخاطري.
واستطردت مبتسمة بامتنان لربها قائلة:
- مش جبر بخاطري في أولادي بس، لا جبر بخاطري بيك انت وأختك، أنا تعبت كتير يا حليم.
ثم أغمضت عينيها واستسلمت لدموعها قائلة:
- تعبت قبل ما أشوفك انت وإخواتك التلاتة، لكن لما شفتكم كبرتوا قدامي راح كل تعبي يا حليم، انت ابني وكلكم أولادي.
ثم ضغطت على كتفيه قائلة بإصرار:
- غصبن عنكم هتفضلوا معايا لحد ما أموت.
احتضنها حليم قائلًا:
- صدقيني لو كانت رجعت في يوم من الأيام تاخدنا كنا رفضنا، أنا عايز أرجعها علشان أعرفها احنا بقينا إيه.
ثم مط شفتيه بلا مبالاة قائلًا:
- لكن رجوعها مش هغير حاجة.
تنهد نور قائلًا:
- أنا كمان رأيي من رأي حليم.
لتعود بذكرياتها حيث رأت في الشابان الإصرار على الفعل مثل والداهما.
(فلاش باك)
والد زياد (خطاب) وهو يحاول فض الاشتباك بينهما قائلًا:
- بقولك إيه يا سراج، انت تسافر تسوي أمورك هناك، وتسيب الأولاد عندي، وبعدين لما ترجع كل شيء هيتحل .
ثم أمال على أذنه بخبث قائلًا:
- قربك منها هيخليها ترجع تحن عليك.
نظر إليها سراج باستعطاف أخير قائلًا:
- علشان خاطري يا ثريا خليهم معاكي.
انتفضت ثريا وصرخت قائلة:
- أنا عندي أولاد يا سراج، عاوزني كمان أخد دول؟ مش انت بعدت عني وحرمتني منهم؟
ثم أشارت نحو خطاب بغضب وضيق قائلة:
- ماتفكرش إن كلامه هينفع، حتى لو بقيت ليل نهار معايا مش هرجع ليك، أنا هلتزم بتربية أولادي وهصرف عليهم.
ليتعالى صريخ الطفل حليم لتنتفض إليه قائلة:
- حليم مش شبعان حبيبي، انت مش بتشربه لبن في ببرونه يا سراج؟!
نظر إلى طفليه بحزن لتأخذهم منه ذكرى وترحل مع خطاب، لتبدأ ذكرى في الشك اليقيني نحو خطاب، خاصة عندما هتف بخبث قائلًا:
- اهتمي بيهم يا ذكرى كأنهم زياد، علشان ميلجأش لثريا، هي فيها اللي مكفيها، مش ناقصة عيال غيرها، علشان هو يتربي ويعرف إن الله حق.
عقدت ذكرى ما بين حاجبيها قائلة:
- أنا مش هقدر يا خطاب، وبعدين أنا مش شايفة فيها مشكلة لما ثريا توافق ترجعله ويربوا الأولاد الأربعة في وسطهم.
انتفض خطاب بغضب قائلًا:
- إيه الجنان دا؟ انتي نسيتي هو رماها ازاي وكان عارف انها حامل؟ وافرضي التانية رجعت، موقف ثريا هيبقى إيه؟ مش هيرميها تاني؟
زفرت ذكرى قائلة:
- حرام عليك هو ماكنش يعرف، ساعدهم يرجعوا لبعض ينوبك ثواب.
هتف خطاب بإصرار قائلًا:
- مستحيل.
سألته بتوجس قائلة:
- ليه مستحيل؟ للدرجة دي صعبانة عليك؟
توتر خطاب وارتبك قائلًا:
- أنا بحاول أنتقم منه علشان صدق ولاء لما قالتله إني اعتديت عليها.
هزت ذكرى رأسها وتنهدت بتعب وهي تنظر إلى الطفلين متمنية حدوث معجزة لرجوع سراج وثريا.
هي كأوراق الشجر ضعيفة وهشة، رغم رفضها للطفلين إلا أنها رقت لحال الطفل حليم وهو يبكي، ليبتسم وينظر إليها ويوقف بكاءه للحظة عندما لمسته، وقعت في حبه منذ تلك النظرة، وكأن برؤيته تحقق حلمها في الإنجاب، ولكن عندما عاودت النظر إلى سراج الذي حطم فرحتها، تألم قلبها على هذا الحلم الذي قام بتضييع فرحته، سراج هو العائق بينها وبين أطفاله، ما إن رحل تقبلتهم وبسعة صدر منها، إنها لم تتخيل يومًا أنهما ليسا أشقاءً لأبنائها.
بعد رحيله بيوم كانت تبكي عليه رغم أفعاله، لتأتيها ذكرى صديقتها ووالدة زياد، والتي أخذت عندها الطفلين لحين عودته، لكنه لم يعد، عادت جثته فقط، كانت ثريا تبكي بحرقة على فقدانه وتسأل ذكرى قائلة:
- انتي عندك الأولاد صح يا ذكرى؟ ليه ماجبتيهمش معاكي؟
ربتت ذكرى على يدها قائلة:
- هو ينفع يجوا في الظروف دي؟! انتي في إيه ولا إيه؟ دا كفاية إنهم جابوه يتغسل عندك في قلب البيت.
ثم نظرت إلى الطفلين (نور وهاجر) بحسرة قائلة:
- وولادك اللي كل حد فيهم على صرخة واحدة من ساعتها، زي ما يكونوا حاسين بموت أبوهم، وبعدين انتي هتقدري على الأربعة يا ثريا؟
ثم أشاحت بوجهها قائلة:
- انتي وأبوهم عايش رفضتيهم.
ردت ثريا بغضب قائلة:
- انتي اللي بتقولي الكلام دا يا ذكرى؟! كنتي عايزاني بعد اللي عمله أسامحه وأخدهم منه؟ أنا انجرحت منه يوم فرحتي.
ثم استطردت بإصرار قائلة:
- بس أنا اللي هربي الأولاد، انتي بس هاتيهم، وليَّ طلب مش عايزة الأولاد يكبروا ويعرفوا اللي حصل، تمام ذكرى؟
هزت ذكرى رأسها بالموافقة ولم تنكر أنها فرحت بأمر رجوع الطفلان لثريا، ولكن هذا فتح مجال آخر لخطاب لكي يتلاعب بثريا، خاصة عندما أخذت الطفلين حدثها قائلًا:
- كنتي عايزاها تربيهم، أهو هتربيهم أهو.
نظرت إليهما ذكرى بحزن قائلة:
- بس من غير أب.
ابتسم بخبث قائلًا:
- مش يمكن تتجوز وتلاقي أب لأولادها؟
نظرت إليه ذكرى بضيق قائلة:
- يمكن.
ردها زاده سرورًا فرد قائلًا:
- بس المفروض ماتتجوزش أي حد زي سراج.
لوت ذكرى ثغرها بسخرية قائلة:
- أومال تتجوز زيك؟
توتر خطاب قائلًا:
- يا ريت تلاقي حد زيي.
.
(عودة من الذكريات)
هزها حليم ليخرجها من شرودها قائلًا:
- إيه يا ثريا، هتفضلي في حضني كدا كتير؟ انتي كدا مش هتخليني أرتبط بأي واحدة لتطلع بتغير من حركاتك دي.
خرجت ثريا من أحضانه تبتسم بمرح قائلة:
- يبقى اللي يغير مننا يعمل زينا، وانت لازم تطلع راجل مذوق وتغازل السنيورة بتاعتك حتى لو قدامي.
ثم رفعت ذقنه بأناملها قائلة:
- بص يا حليم الحب أحلى شيء في الوجود، بس اللي يفهمه صح، أنا عايزاك تفهمه صح، الحب جنون.
نظر إليها حليم بإعجاب قائلًا:
- طيب نتعلم منك بقى انتي وبابا، هو اللي كان مجنون بيكي.
ثم استطرد وهو يراقص حاجبيه قائلًا:
- ولا نقول إن ثريا اليونانية هي اللي اتجننت بسراج المصري.
فاجأها بالسؤال فلمعت الدموع في عينيها قائلة:
- انت ابن أبوك بصحيح، بتقول زي ما بيقول، بص باباك كان مغروم بيَّ كتير وأنا كمان، بس مين أكتر مش هقول.
هز رأسه بمرح من ذكائها وعقلها الصارم، الذي يرفض إعطائه أي أدلة وبراهين.
ليعود بذاكراته مع عشقه وئام، وهو يهاتفها في إحدى الليالي قائلًا:
- أنا بحبك أكتر ما بتحبيني يا ويمي.
لتتحدث وئام برقة قائلة:
- لا يا حليم مستحيل.
ليسألها قائلًا:
- ليه بتقولي كدا؟
تنهدت وئام قائلة:
- حاسة إن من كتر حبنا لبعض، الناس هتحسدنا وهيحصل حاجة ما بينا، بس انت اللي هتسيبني.
رد عليها بوعود العالم قائلًا:
- ماقدرش يا وئام.
ابتسمت قائلة:
- يعني دا وعد؟
رد بتأكيد قائلًا:
- أكيد.
ليعض على أنامله يلوم نفسه على تضييعها من بين يديه، لا يعلم هل ما اقترفه في حقها عدلًا أم ظلمًا.
بالأعلى كانت ميارا تحادث زياد، وكانت تبكي، ليأتيها صوته يهون عليها قائلًا:
- يا ميارا أنا شايف إن مفيش فرق ما بينكم، انتي عند ماما ثريا كأنك بنتها اللي جابتها من بطنها.
ميارا لديها القناعة بكل هذا، ولكن عند معرفتها أن ثريا ليست والدتها تولد لديها الخوف أن تأتي والدتها الحقيقية يومًا ما وتأخذها، خاصةً عندما علمت من هاجر إن حليم مُصر على التعرف عليها، فتحدثت بخوف إلى زياد قائلة:
- نفسي أرتاح يا زياد من كتر التفكير، من ساعة ما عرفت وأنا مرعوبة، خايفة تظهر لينا من تحت الأرض.
واستطردت بقلق قائلة:
- بخاف لما بيكون فيه حفلة وماما ثريا تُصر إن صور الحفلة تنزل في الجرايد والمجلات.
واستطردت قائلة:
- زياد أنا خليتك تتقل العيار معاهم علشان أبقى مراتك، أحسن ما تظهر أمي الحقيقية في يوم وتنيل الدنيا.
زفر زياد بحنق قائلًا:
- هي هترجع هترجع مفيش مفر يا ميارا، أنا كمان حسيت إن ماما ثريا وحليم وافقوا على جوازنا لنفس الخوف اللي جواكي.
ثم استطرد بحنق قائلًا:
- بس نور أجارك الله.
أنهت المكالمة لدلوف شقيقتها هاجر، والتي ما إن شاهدت أعينها تدمع حتى ركضت إليها تطمئن عليها قائلة:
- مالك يا ميارا؟ بتعيطي ليه؟
مسحت ميارا دموعها الرقيقة بطرف أصابعها قائلة:
- هي دي دموع الفرحة يا هاجر، عقبالك انتي كمان من فرحتك تعيطي.
ابتسمت لها هاجر ابتسامة خفيفة، ولكن نظراتها تحمل الشك نحو ميارا، لماذا تبكي؟ وعليها معرفة السبب الرئيسي لذلك.
أما عن هاجر فقد كانت تأتيها رسائل من حبيب مجهول لا يقول لها إلا شيء واحد:
- بحبك، وطمعان أنك تكوني ليَّ.
لتبتسم هاجر بسخرية قائلة:
- أنا مش لحد يا اسطا.
ليرد عليها ذات يوم قائلًا:
- عندك حبيب؟
تغيظه قائلة:
- أيوه عندي حبيب، وهنتخطب قريب وهعزمك.
ليعبس بوجهه ويبعث لها (إيموشن) بذلك قائلًا:
- لو مش عن حب بلاش، أنا بحبك جدًا.
لترد عليه باستهزاء:
- انت عبيط؟ حب إيه بالرسايل دي؟ ليه مش بتظهر؟انت عفريت مثلا؟
ليرد قائلًا:
- قريب هظهر، أنا أصلًا قريب منك، بس انتي اللي مش حاسة بيا.
صعد حليم إلى نور، الذي سبقه إلى غرفته ليجده يجوب الغرفة بعصبية قائلًا:
- أظن اللي سمعته من ماما يا حليم يخليك تعدل عن تفكيرك؟
نظر إليه حليم بذهول قائلًا:
- لا والله، انت يا ابني بتتحول؟ مش لسه قايل تحت إن دا حقي؟ هي نفسها قالت لي إنها هتجيبها لحد عندي، بس ازاي؟ مش عارف.
رد عليه نور بضيق قائلًا:
- هي سمعتنا يا حليم وعلشان كدا ماقدرتش تقولك لا.
زفر حليم قائلًا:
- طب أعمل إيه أنا دلوقتي؟
رد عليه نور بغضب:
- أنا اللي هقولك برضو؟ ما تشوف حالة ميارا، لأول مرة في حياتها مهزوزة وخايفة.
ثم اقترب منه قائلًا:
- عايزة تتجوز؛ علشان لما ترجع أمك تبقى ملهاش كلمه عليها.
تنهد حليم قائلًا:
- حقكم عليَّ، بس أنا وافقت على زياد فعلًا لأني مقتنع بيه، وعارف إنه بيحب ميارا وميارا بتحبه.
واستطرد وهو يهز رأسه بعدم تصديق قائلًا:
- مش في دماغي إني كدا خايف عليها، أصلًا ماحدش يقدر يقرب منها.
زفر نور بحنق قائلًا:
- النتيجة واحدة، هي خايفة.
تنهد حليم قائلًا:
- خلاص أنا هحلها، بس مش دا اللي معصبك يا نور.
أشاح نور وجهه إلى الجانب الأخر ليغتاظ حليم قائلًا:
- هو مفيش فايدة من العادة بتاعتك دي؟ أنا ميت مرة قلت ليك بلاش الهروب بتاعك دا، واجهني.
رد نور بضيق:
- مش وقته يا حليم.
هز حليم رأسه بيأس قائلًا:
- برضو يا نور؟ هو انت هتفضل طول عمرك كدا؟
التفت إليه نور قائلًا:
- كل شيء في وقته حلو.
زفر حليم بقلة حيلة قائلًا:
- تمام براحتك، بس كنت أتمنى أعرف.
زفر نور بحنق قائلًا:
- تمام هقولك.
ابتسم حليم بسخرية قائلًا:
- يا ترى هيطلع اللي بفكر فيه؟
نظر إليه نور بحزن قائلًا:
- أنا خايف أقولك إنها احتمال كبير تكون قربت توصل ليكم.
ثم هتف بضيق قائلًا:
- هي تقريبًا جمعت معلومات عنكم من الحفلات والصور اللي اتعمدت ماما تنزلها في المجلات.
عقد حليم ما بين حاجبيه قائلًا:
- بس احنا على طول بينزل لينا صور، احنا ولا المشاهير.
تنهد نور قائلًا:
- انت شايف الموضوع عادي، بس أخر مجلة ماما نزلت فيها أسامينا وتواريخ ميلادنا.
ثم ابتسم بسخرية قائلًا:
- طبعًا بالإضافة لدا، كل واحد خريج إيه و هوايته إيه ووظيفته، هي قصدت تذكر تواريخ ميلادنا.
جحظ حليم بعينيه قائلًا:
- علشان كدا بتقول لي اصبر هي جاية جاية، احنا داخلين على منعطف تاريخي بقى.
ثم وضع يده على حافة مرآة الزينة ينظر إلى انعكاس صورته قائلًا:
- لو خطة ماما ثريا فعلًا نجحت يبقى الست دي بلعت الطُعم، بس يمكن يكون حالها معدوم ولا بتقرا مجلات ولا حاجة.
ثم التفت إلى نور قائلًا:
- بس ماما ثريا مش عبيطة، يا ترى الست دي هتيجي إمتى؟
انتفض نور بقلق قائلًا:
- ربنا يستر، الوضع مش مطمن، ولا حتى نظرات ماما ليك انت بالذات مش مريحاني، الموضوع كله مقلق.
ابتسم حليم يطمئنه قائلًا:
- إيه اللي انت بتقوله دا؟ مش أنا يا نور اللي يتخاف مني، نظرات ماما ليَّ كلها حب ودا شيء يريحك.
ثم هز رأسه بعزيمة قائلًا:
- وأنا هقدر أجتاز خوفها اللي في عينيها، بس الخوف فعلًا على ميارا.
تنهد نور بضيق قائلًا:
- فعلًا البنت عايزة تهرب من هنا، مش حابة تواجه حد.
ابتسم حليم قائلًا:
- انت عبيط؟ مين قال إن ميارا مابتعرفش تواجه؟ تعرف إني متوقع إنها هتواجه الست دي أكتر مني.
واستطرد بخبث قائلًا:
- وهترجعها من مطرح ما جات ندمانة، أنا واثق من أختي جدًا، لأنها قوية من صغرها.
ثم ابتسم بفخر قائلًا:
- وطبعًا الفضل كله يرجع لماما ثريا، كانت دايمًا تقول لها "ارفعي راسك يا ميارا انتي بنت ثريا اليونانية" وعلشان كدا ميارا زعلت إنها مش بنتها فعلًا.
ثم استطرد بحزن:
- ومن يوم ما عرفت لغاية النهارده حاسة إنها في كابوس، وأنا كمان.
ابتسم نور وربت على كتف حليم قائلًا:
- أنا عارف إن ماما ثريا عندك انت بالذات حاجة تانية، دي دايمًا تقول إنك متسمي على اسم عبد الحليم حافظ.
ثم لوى ثغره قائلًا:
- تبقى مزعلها وأول ما تقولها ازيك تبقى طايرة من السعادة، المهم أنا معاك لغاية ما ربنا يريح قلبك.
تنهد حليم قائلًا:
- يا ريت يا نور، نفسي فعلًا أرتاح.
كان يراود نور القلق، لكنه رد عليه ليطمئنه:
- إن شاء الله قريب.
(فلاش باك)
عندما حملت ثريا حليم نظر سراج إليها وإلى حليم باندهاش، فقد صمت حليم في أحضانها، تحدث سراج حينهاقائلًا:
- سكت في إيدك.
نظرت إليه ثريا وأدمعت أعينها قائلة:
- هتعمل إيه يا سراج كل مرة علشان تسكته؟
تنهد سراج قائلًا:
- ممكن يفضل معاكي هو وميارا؟
أعطته الطفل مرة أخرى قائلة:
- بلاش تستغل عاطفتي ناحيته يا سراج، أنا هربي أولادي بس.
أغمض سراج عينيه بمرارة قائلًا:
- يا ثريا علشان خاطري، وبعدين ما أنا كمان المفروض أبقى جمب أولادي التانيين، احنا مهمين في حياة بعض.
حاول أن يفهمها أنها لن تستطيع تربيتهما بمفردها، حاول أن يشعرها بالعجز قائلًا:
- فيه حاجات انتي لوحدك مش هتقدري عليها، لكن وأنا معاكي هنقدر سوا.
جاهدت ألا تنزل دموعها ولكن دون جدوى وانتحبت قائلة:
- ولو هي رجعت ظهرت وطلبت أولادها؟ ولو انت جيت قلت ليَّ لا مؤاخذة يا ثريا دول أولادها، هتاخدهم مني؟
ثم استطردت بوجع قائلة:
- وانت عارف كويس أنا ببقى ازاي لما بتعلق بحد، ولا هتفكر في نفسك وبس ساعتها وتقول دول حقها؟
تنهد سراج بتعب قائلًا:
- استحالة، أنا ممكن أعمل أي حاجة تريحك، أنا ممكن أكتبهم باسمك، والله أقدر.
رفعت ثريا سبابتها قائلة:
- سراج اوعى تعمل كدا، دا حرام، لو خالفت شرع ربنا والقانون أنا مش هخالفه علشانك، حتى ولو هشهد ضدك.
نظر إليها سراج بقلة حيلة قائلًا:
- أنا نفسي أضمن ليكي وليهم عيشة بعيدة عنها، علشان لما أموت وهي تظهر ماتبقيش في صراع معاها.
ثم وضع يده على صدره قائلًا بحسرة:
- زي ما أنا بقيت في صراع بين حبي ليكي وحملها، خيرتني بينها وبينك من لحظة ما حملت.
ثم هز رأسه بضياع قائلًا:
- ومارضيتش إن الأولاد يبقوا بينك وبينها، أنا غبي وقلت حقها.
ثم ضم حليم يقبله قائلًا بحزن:
- فهمت غلط يا ثريا، أنا كنت مفكر إن لما هشيل عيل مني هرتاح ومش هتعب وأدفع تمن غلطي معاكي.
وانسابت دموعه قائلًا:
- نفسي أعرف ازاي قدرت تكون بالجبروت دا وتهرب بعد ما ولدتهم.
استكملت ثريا بكاءها قائلة:
- انت السبب يا سراج، لما كانت قالت الكلام دا وخيرتك بينها وبيني كان ممكن ماتسيبنيش وتجيني من وراها، بس انت ما صدقت تخلص مني.
واستطردت بحزن قائلة:
- لما جيت هنا آخر مرة أنا كنت طايرة من السعادة، وكان نفسي أقولك إن أخرة صبري جبر.
تحدث سراج بأسف قائلًا:
- آسف، آسف يا ثريا، لو رجع بيَّ الزمن همسك فيكي بإيديا واسناني.
ردت ثريا تؤنبه قائلة:
- انت أناني يا سراج.
هز رأسه يوافقها الكلام قائلًا:
- معاكي حق، مافكرتش غير في نفسي، بس اديني فرصة تانية أرجوكي، دول طفلين يا ثريا.
نظرت إليه ثريا ثم نظرت إلى الأطفال وقد رق قلبها قائلة:
- اديني وقت، جايز أنا بنفسي أطلب منك كدا، بس ماتضغطش عليَّ الفترة دي.
تنهد سراج قائلًا:
- حاضر، بس خديهم عندك على بال ما أروح أجيب كل اللي يخصني في القاهرة وأظبط حياتي هنا.
هزت رأسها برفض، فهي تعتقد أنها حيلة منه لتلزيق الأطفال لها والهروب، فاعترضت قائلة:
- لا يا سراج مش هقدر، انت ممكن تفضل هنا وبعدين تجيب الحاجات من القاهرة .
ابتسم سراج بسخرية قائلًا:
- مش عايزة تاخديهم أسبوع عندك؟ ويا ترى مش هتحبيهم زي أولادنا؟
نظرت إليه بلوم وعتاب قائلة:
- يا ريتك يومها اديتني فرصة للكلام زي ما بتسمعني دلوقتي، يا ريتني أنا وقفت وقلت إني حامل، يمكن كنت فضلت في حياتك وكانت اتغيرت حاجات كتير.
ثم نظرت إلى الأطفال قائلة:
- لو شاء القدر وبقيت أنا الماما بتاعتهم هيكونوا عندي زى أولادي وأكتر، بس لغاية اليوم دا سيبني على راحتي يا سراج.
و تنهدت بتعب قائلة:
- أنا تعبانة جدًا.
تنهد سراج بهدوء قائلًا:
- خلاص يا ثريا، بس علشان خاطري متتأخريش عليَّ، انتي قلبك كبير، وقُلتيلي قبل كدا إنك مش بتحبي تزعلي حد منك كتير.
واستكمل قائلًا بنبرة استعطاف تتملكه:
- يا ريت مايهونش عليكي الأولاد، ماينفعش تاخديهم بذنبي، أيوة يا ثريا أنا فيَّ عيوب، بس أنا وأولادي محتاجين ليكي.
واستطرد قائلًا:
- لكن لو عايزة الأولاد وأنا بلاش مش مشكلة، أنا بعتك ودا حقك، ثريا خلي بالك من أولادنا كلهم، أنا حاسس إن أجلي قرب.
وتنهد بتعب قائلًا:
- أنا عايز أموت مرتاح، اللي جبتيهم واللي غيرك جابتهم انتي هتربيهم كلهم، ودا أنا واثق منه، احنا حقك يا ثريا..
و ابتسم قائلًا:
- وبعدين هما محظوظين إن انتي اللي هتربيهم.
تنهدت ثريا قائلة:
- أيوه كل مرة نفس الكلام مش بتتغير يا سراج، قلت من سنة إنك خايف تموت.
حزن سراج وتضايق من ردها قائلًا:
- عايز أقولك حاجة يا ثريا، يمكن مارضيتش أحرجك بيها، انتي لما طلبتي من والدك يحول فلوس العملية التانية كلمني وهزقني.
ابتلع غصة في حلقه قائلًا:
- عارفة كان إيه إحساسي ساعتها؟
قطبت ثريا جبينها قائلة:
- إيه اللي بتقوله دا يا سراج؟
زفر سراج بحنق قائلًا:
- قال لي انت هتكبرني يا سراج أنا مش عايز أبقى جد، وإن كان على نفسية ثريا، هناخدها عندنا سنة ترتاح.
ثم ابتسم بسخرية قائلًا:
- بس أنا اتمسكت بيكي، وفي نفس الوقت كرامتي وجعتني، كانوا مفكريني بشحت منهم، مسكت نفسي بالعافية، بس صممت أرجع كرامتي قدامه.
وحملها الذنب قائلًا:
- ولما جيتلك وقلتي ليَّ إنك هتسافري عند والدك، حسيت زي ما يكون بتصدقي على كلامه.
نظرت له ثريا بلوم وعتاب قائلة:
- لا يا سراج، انت كنت جاي حاسم قرارك، أنا سهلت عليك الموضوع، وأنا غلطانة إني طلبت من بابا فلوس.
و أتبعت حديثها بحب قائلة:
- بس كنت بحبك وعايز منك أولاد.
ابتسم سراج بسخرية قائلًا:
- كنتي! فين الجنون في الحب اللي اتفقنا عليه؟
حاول أن يقترب منها ولكنها بعدت عنه.
- أوعدك إن سراج يرجعك لنقطة الجنون تاني.
زمت شفتيها قائلة:
- انت متفائل قوي، قول يا رب.
تنهد بحنان قائلًا:
- بقول والله، مش بكل ولا بمل.
أغمضت عينيها بمرارة قائلة:
- امشي بقى يا سراج.
تنهد سراج قائلًا:
- حاضر رغم إني مش قادر، من أول ما شفتك واطمنت إنك ما سافرتيش وأنا مرتاح، كأني هنام النومة الأخيرة.
ثريا كانت تسترجع ذكريات هذا اليوم وهي بغرفتها، كانت ينتابها الخوف وتعتقد أنها آخر مرة ستراه فيها، وبالفعل حدث ما توقعته، وقبل ما يحدث عزمت أمرها أنه إن عاد بالطفلين كانت ستأخذهما منه، بل فكرت أن تذهب إلى ذكرى لأخذهما ورعايتهما.
