رواية حب خلق بداية الفصل الاول1بقلم مروة محمد


رواية حب خلق بداية 
الفصل الاول1
بقلم مروة محمد



كان يعلم جيدًا عندما غدر بها أنها سترد له الطعنة، كان يريد وريث يأمن له ثروته من الضياع نظرًا للمرض الذي تفاجئ به، وهي لم تكن تدرك أنها ستوضع في وضع المجبرة على قبول امرأة أخرى في حياته يومًا ما، ولا يمكنها حق الاعتراض والرفض خاصة إذا كان السبب هو عدم الإنجاب، لكن تشاء الأقدار أن يلتقوا مرة أخرى لعودته لأراضيها من جديد بعد أن تركته الزوجة الثانية، وبعد أن قام بدور الدامي لقلبها، لعنته ولعنت الأيام التي أحبته فيها، وعندما رأته مرة أخرى في وضعه المزري رفضته ورفضت كل ما معه، فكرت أن تنتقم لسحقه لها وهدر كرامته، وأنانيته.

(فلاش باك)

في مدينة الجمال عروس البحر المتوسط (الإسكندرية)

كانت تجلس في فراشها، ثريا الجميلة ذات الجمال الاغريقي، يونانية المنشأ حيث جاءت إلى الإسكندرية هي وأهلها، ليقع نصيبها في سراج القاهري، الذي أتى إلى الإسكندرية في مصيف ومن أجل البحث عن عمل أيضًا، رآها وأعجب بها وتزوجها وأصبح هو الأب والأخ والصديق والعائلة لها، خاصة بعد رحيل أهلها إلى اليونان مرة أخرى، كانت تنتحب بعد أن قام بإخبارها لععععع بقراره الأخير بعد زواج دام لسبع سنوات دون إنجاب.

هتفت ثريا بصوت مبحوح قليل الحيلة قائلة:
- برضو مُصر تتجوز يا سراج ؟
اقترب منها سراج وربت على كتفيها يحنو عليها، فهي عشقه الأول والأخير، ولكن ما باليد حيلة، ليتحدث بأسف قائلًا:
- علشان خاطري بلاش تعيطي، دموعك دي غالية عليَّ، بصي ليَّ يا ثريا.

لكنها رفضت النظر إليه، فامتدت أنامله إلى أسفل ذقنها ليحركها صوبه قائلًا بأسف:

- أنا أسف يا حبيبتي، كان لازم أقولها ليكي بطريقة أحسن من كدا، أو أخبي عليكي علشان أنا كدا جرحتك، انتي هتفضلي مراتي وحبيبتي اللي لا يمكن أستغنى عنها أبدًا.

ثم ترك ذقنها وأشار إليها بقلة حيلة قائلًا:

- بس زي ما انتي شايفة، الفلوس دي كلها هتروح لمين؟ كل اللي حواليا -وأولهم خطاب ابن عمي- طمعانين فيَّ، ومبسوطين إن ماعنديش عيال علشان يورثوني.

نهضت ثريا بحزن قائلة:

- طب وأنا إيه ذنبي؟ أعمل إيه أكتر من اللي عملته؟علاج وأخدت و....

ثم انفجرت باكية وأكملت:

- حتى العملية آخر مرة فشلت، وساعتها الدكتورة وصفت علاج جديد، وقالت يمكن يحصل حمل بالعلاج، مش قادر تصبر كمان مرة عليَّ؟

ثم لوت شفتيها بامتعاض قائلة:

- ولا خلاص مش قادر على جمال السنيورة؟

هز سراج رأسه ينفي ما تقوله قائلًا:
- أنا؟! وهو أنا شفتها غير مرة واحدة؟ دا حتى مش فاكر شكلها إيه.

ثم أمسكها من كتفيها ونظر إلى عينيها بحنان قائلًا:

• هو أنا بتاع الحاجات دي؟ أنا اختارتها لما عرفت إنها مطلقة وسبق إنها خلفت قبل كدا وابنها مات.

أغمضت ثريا عينيها بمرارة قائلة:

• انت بتضحك عليَّ، اتعلمت تكدب ودا أنا شفته في عينيك، دا انت من ساعة ما شفتها أخدت القرار وكأنه الموضوع مش موضوع خلفة.

ثم هزت رأسها وتنهدت قائلة:

• انت مش بتعرف تكدب على فكرة.

تغيرت ملامح وجهه وارتبك قائلًا:

• لااااا، مش بكدب، وبعدين دي غلبانة وتستحق تعيش، أما انتي عندك كل حاجة.

ثم أشار إلى المنزل قائلًا:

- بصي وشوفي الفرق اللي بينك وبينها، وبعدين انتي هتبقي أم الطفل اللي هيجي برضو.

ثم احتضنها أكثر ليقنعها قائلًا:

- أنا متأكد إنك هتاخدي بالك منه أكثر مننا، وهي طول اليوم بتشتغل وانتي هنا الأم للأولاد، وعمرك ما هتبعدي عني مهما كان.

ضمها أكثر لقلبه وهتف بحنو قائلًا:

- هتفضلي أقرب واحدة لقلبي، انتي لو بعدتي عني أتجنن، هي عمرها ما هتكون قريبة مني زيك كدا.

همست بصوت حزين قائلة:

• أومال هي هتكون إيه بالنسبة ليك؟

ابتلع ريقه بخوف قائلًا:

- زوجة عادية، أهو في ناس كتير بتتجوز لمجرد الجواز، بس احنا مش كدا يا حبيبتي.

أخرجها من أحضانه ونظر إلى عينيها قائلًا:

• انتي الوحيدة اللي في قلبي وهتفضلي في قلبي لحد ما أموت، وصدقيني مش هيحصل زي ما بتشوفي في الجوازات التانية، مش هضعف ولا هتخلى عنك.

وهز رأسه يوعدها قائلًا:

- وعمرك ما هتندمي على القرار دا، وعارف إنك هتقتنعي بيه لأنك بتحبيني زي ما بحبك، بس مابقتش قادر أتحمل مايبقاش عندي أولاد، العمر بيجري بيَّ.

ثم وضع يده موضع قلبه قائلًا:

- انتي ماتعرفيش أنا حاسس قد إيه إن أجلي قرب.

خرجت من أحضانه مقتنعة بعض الشيء لحديثه قائلة:

• متأكد إني مش هندم؟ متأكد إني لو بعدت عنك هتتجنن؟ ولا كلام بتقوله علشان أقتنع وخلاص؟

وبعد تلك الأسئلة رأت ارتباكه وتردده في الرد عليها فاستكملت حديثها بابتسامة قائلة:

• أنا الحاجة الوحيدة اللي متأكدة منها إنك بتحبني وبتعشقني أكتر من أي حد، .بس انت هتتجنن على الخلفة أكتر، تعرف إن أنا كمان نفسي؟

شعر بالراحة لأنها تتمنى ذلك هي الأخرى، فاندفع قائلًا:

- عارف، وعارف إنك عملتي البدع علشان يحصل، بس ربنا مش رايد.

تنهدت قائلة:

- كنا نعمل كمان عملية، أنا كنت خلاص كلمت بابا يبعتلي فلوس، هااا إيه رأيك؟ أقوله يستعجل في التحويل؟

توتر سراج وفرك يده قائلًا:

- بتقولي إيه هو أنا محتاج؟

هزت رأسها بحزن قائلة:

- للأسف لا؟ بس علشان صرفت على العملية الأولى قبل كدا، فأكيد زهقت من المصاريف، فقلت أساعد في الجزء اللي يخصني.

ثم نظرت إليه بحب قائلة:

- سراج أنا بحبك قوي ونفسي أجيب منك أولاد.

ابتسم سراج قائلًا:

- وأنا كمان بحبك قوي يا ثريا، بحبك أكتر ما بتحبيني، بس الحب مش كل حاجة.

ثم هتف بخبث ليقنعها قائلًا:

- انتي لو بتحبيني وافقي وتفضلي جمبي لغاية ما ربنا يحقق حلمي.

هزت رأسها بانصياع وتركت الأمر للأيام.

أما عنه فكان يتقابل مع ولاء لشراء مستلزمات عرسهما، وفي يوم من هذه الأيام تذمر سراج من متطلباتها وهتف قائلًا:

- يا ولاء احنا مش محتاجين دا كله في بيتنا، والبيت أصلًا مليان عفش، وكدا ولا كدا مش هنقعد هنا كتير.
تضايقت من رفضه للأشياء الجديدة، ولكنها اقتربت منه بدلع قائلة:







- كدا يا سراج! اخص عليك، بتعمل فيَّ كدا ليه؟ ولا علشان أنا جوازة للخلفة وبس؟ لو كدا نفضها سيرة يا ابن الناس.

انتفض سراج وتحدث بلهفة قائلًا:

- حقك عليَّ يا لولي، أنا بس كان قصدي....
قاطعته ولمست بأناملها على شفتيها بإغراء قائلة:

- مش عايزة أعرف قصدك، وعلشان نكمل بلاش تعارضني في أي حاجة عايزاها.

زفر بتعب قائلًا:

- يعني مصممة يا ولاء؟

ابتسمت بمكر وهزت رأسها بتصميم قائلة:

- أيوه يا سراج.

رفع كتفيه بقلة حيلة قائلًا:

- خلاص مفيش مشكلة.

لتنظر إليه بخبث لأنها نجحت في شراء ما تريد، ترى لمَ أصرت على رأيها وما هو هدفها؟

وبعد مرور خمسة أيام، كانت ثريا تضع الفطار وتجلس بجوار سراج كعادتها، تطعمه وهو يتصنع الحزن منها قائلًا:

- حبيبتي انتي مش ناوية تيجي كتب الكتاب؟ انتي وعدتيني هتفضلي جمبي دايمًا، انتي عزوتي وأهلي وهما عارفين إنك راضية عن جوازتي.

رفعت عينيها ونظرت إليه بحزن قائلة:

• أنا فعلا وعدتك، بس مش قادرة، وكدا ولا كدا انت هتتجوز، يبقى ماليش لازمة أحضر.

ثم هزت رأسها بضيق قائلة:

- بجد مش هقدر.
ربت على وجهها قائلًا:
- أنا عارف يا حبيبتي ومقدر مشاعرك، حبيت بس تبيني ليهم إنك المسيطرة، وموافقة على الجواز، خصوصًا بعد ما شافتك في المكتب وانتي زعلانة.

ثم اقترب منها بحب قائلًا:
- شوفتي بحبك دايمًا تبقي قوية ازاي؟عايزها تعرف إني لا يمكن أستغنى عنك، يعني دا يقويك عليها.

واستطرد يحنو عليها قائلًا:

- مش بضعفك، بس انتي وراحتك في الأخر.

حاولت كتمان دموعها، لكن هبطت بعض الدمعات دون إرادة منها، تحدثت بصوت مختنق قائلة:

- أنا راحتي إني ماروحش ليهم، ليه مش قادر تفهمني؟

مسح دموعها بيده قائلًا:

- انتي بتقولي إيه؟ أنا فاهمك كويس، ثريا اعملي كل اللي نفسك فيه، واعتبريني ماتكلمتش، لا هي ولا غيرها هيبقوا أحسن عندي منك.

ثم مط شفتيه قائلًا:

- دي مجرد رحم هيجيلي منه أولاد وخلاص.

سخرت منه قائلة:

- يا ترى هتفضل تقول الكلام ده لحد إمتى؟

هز رأسه باعتراض قائلًا:

- لا ماتقوليش كدا، لآخر العمر هفضل أقول الكلام دا.

ابتسمت بسخرية قائلة:

- هنشوف، وأوعدك إني مش هقول كدا تاني، دا اللي أقدر عليه.

ابتسم سراج قائلًا:

- هتشوفي، انتي أحلى حاجة حصلت في حياتي، قوليلي بقى تحبي أسكنها هنا معانا في الدور اللي تحت؟

ثم ابتلع ريقه بتوتر وقال:

- ولا أتجوزها في شقة القاهرة؟ ولا نسألها؟

لمعت فكرة في رأس ثريا فعرضت عليه قائلة:

- أنا غيرت رأيي، هعملها زيارة واخد وأدي معاها في الكلام ونشوف هي نفسها في إيه، بس ما تقولهاش إني هروح ليها، خليها مفاجئة يا سراج.

قطب سراج جبينه مندهشًا من تغيير ثريا لرأيها، بدأ يلعب الشيطان بمخيلته أنها حتمًا ستقوم بإفساد الزيجة، هكذا كان يسمع عن حرب الزوجة الأولى للزوجة الثانية، ولكن تلك الصفات لم تكن يومًا بثريا، فانتفض قائلًا:

• هو ينفع تفاجئيهم؟ دا انتي كدا بتحرجيهم بالزيارة دي، هو دخول بيوت الناس في أي وقت بقى عادي؟

ثم أشار إلى نفسه قائلًا بغضب:

• أنا نفسي لما بكون رايح عندهم لازم أتصل بيهم الأول وأعرفهم إني جاي.

ابتسمت ثريا بخبث قائلة:

- أووه، ربنا يعينك، دا انت كنت بتجيلي في أي ميعاد وناقص تبات، لا ماتخافش أنا مش هروح لها البيت.

واستطردت وهي تغمض عينيها نصف غمضة قائلة:

- أنا هروح لها المكتب، حرام برضو أروح أخضهم في البيت من غير ميعاد، لو مش عايز أو خايف مني مش مهم.

ثم أكملت:

- انت اللي طلبت مني، أنا ماكنش ليَّ نية.

ابتسم سراج ابتسامة مرتبكة قائلًا:

- انتي تعملي اللي نفسك فيه يا حبيبتي، ولا تشيلي هم أي حد، لا أنا ولا هي ولا أهلها.

ثم لجأ إلى اصطناع القوة قائلًا:

- إن شاء الله تطيني عيشتها، أنا بس استغربت إنك غيرتي رأيك.
ابتسمت ثريا بخبث قائلة:

- أنا اقترحت إني أقابلها لأني ست زيها، أكيد مش هتتكسف تطلب مني لو عايزة سكن خاص بيها لوحدها.

تنهد سراج براحة قائلًا:

- أنا كدا فهمت، كنت مفكر عايزة تعملي ليهم زيارة في البيت، بس برضو الكلام دا ماينفعش في المكتب، كان على الأقل في بيتهم أحسن.

ثم تذكر والد ولاء وهتف قائلًا:

- ولا أقولك؟ بلاش البيت، المكتب أحسن، بعيد عن أبوها السمج.

ثم ابتسم لها قائلًا:

- ثريا انتي جميلة قوي، بس بتزعلي قوي، انتي حتى بتفكري فيها وفي رغبتها تسكن فين.

واستطرد بنبرة صادقة وقال:

- صدقيني أنا لو عشت عمري كله مش هقدر أفهم حنان قلبك، يعني فيكي اللي فيكي و بتدي اللي حواليك كل الحب، دي نعمة صعب تكون عند أي حد.

ابتسمت ثريا قائلة:

- ربنا يقدرني وأسعد كل إنسان.

رد عليها بحنان قائلًا:

- لا يا ثريا كفاية سعادة، انتي ست عطتني كل حاجة، لو يرجع بيا الزمن هختارك انتي برضو.

واستطرد بابتسامة كلها امتنان لها قائلًا:

- دا غير موافقتك على طلبي، وصبرك إني أكون لواحدة تانية، بس صدقيني والله ربنا هيعوضك.

ابتسمت ثريا قائلة:
- إن شاء الله، كل دا إرادة ربنا، انت كمان اتحملتني سبع سنين.

واستطردت وهي تهتف بقلة حيلة قائلة:

- ربنا رايد يكون ليك أولاد من واحدة تانية.

ثم ابتلعت غصة بحلقها واستطردت قائلة:

- بس أنا هكون أم أولادك برضو، مع الأسف شكليًا بس، عارفة إني هتعب في الأول بس مسيري أتعود.

ابتسم بمرارة قائلًا:

- بس يا ثريا كفاية كدا، بجد كلامي معاكي المرة دي ممكن يخليني أتراجع، عادي يا ثريا أنا ممكن أخل باتفاقي معاهم.

واستطرد بحزن قائلًا:

- الكام يوم دول من ساعة ما قولتلك وأنا شايفك بتدبلي قدامي، وأنا مش مستحمل أشوفك كدا.
أيعقل أن يتراجع من أجلها؟ علم أنها لم تصدقه، فابتسم بخفوت قائلًا:

- إيه ماصدقتنيش صح؟

زفرت ثريا قائلة:

- فات الوقت يا سراج، واللي بيديني كلمة استحالة يرجع فيها، ولو رجع فيها مش بثق تاني، كلامك معاهم هيتم.

ثم نظرت إليه بجدية قائلة:

- انت لازم تلتزم، وكل شيء يبقى في ميعاده؛ علشان ماحدش يقول عليك إنك مش قد كلمتك.

ثم ابتسمت بسخرية قائلة:

- ولا أنا ليَّ سلطة عليك؟
تنهد سراج قائلًا:

- ياريتني أخدت برأيك قبل اتفاقي معاهم.

أغمضت ثريا عينيها قائلة:

- كل شيء قسمة ونصيب.

هز سراج رأسه قائلًا:

- هي لو طلبت بيت تاني يا ريت ماتزعليش.

رفعت ثريا كتفيها غير مبالية قائلة:

- وأنا إيه اللي يزعلني؟

تنهد سراج قائلًا:

- عارف إن مخك كبير، انتي طبعًا عارفة الواحدة بتبقى مش عايزة حد معاها، خصوصًا في الأول، بس والله لو عايزانا معاكي من الأول مفيش أي مشكلة.

واستطرد بعزيمة قائلًا:
- أقولها إن دي رغبتي، وهي أكيد مش هتعترض.

ابتسمت ثريا قائلة:

- هي حرة وانت جوزها.

لوى شفتيه قائلًا:

- آه بس حقك تقولي رأيك، وبعدين البيت بتاعنا واسع هنا، ممكن تاخد دور بحاله.

كتمت ثريا غيظها منه قائلة:

- ماحدش يقدر يضرب حد على إيده يا سراج، وأنا مليش دعوة، ما أملكش غير زي ما قُلتلك إني أقعد وأتناقش معاها.

واستطردت وهي تنظر إليه بشك قائلة:

- وبعدين مالك يا سراج؟ احنا مش لسه متفقين إني هقعد معاها؟ ولا هي أخدت قرار؟

هز رأسه بنفي، يخشى أن يتضح أمره، ثم رد عليها بتوتر قائلًا:

- لا بصي، أنا قلت أقولك الأول.

وأشار إلى المنزل بتوتر قائلًا:

- دا بيتك يمكن تكوني مش عايزاها، وكمان ما هو أنا قُلتلك تعالي نروح لهم سوا.

واستطرد وهو يرفع أكتافه بخوف قائلًا:

- مش انتي اعترضتي و رجعتي وافقتي؟ أنا بفترض لو هي طلبت حاجة ممكن انتي تزعلي لأن الحاجة مش على هواكي.

نهضت ثريا بغيظ قائلة:

- ماتقلقش، أنا هفضل كاتمة في قلبي وساكتة.

حزن سراج قائلًا:

- يا ثريا، هو ده حل؟ يا ثريا ربنا يهديكي.

ثم حثها على الحديث قائلًا:

- قولي عايزة إيه وأنا تحت أمرك.

بكت ثريا قائلة:

- أنا مش عايزة حاجة، ابعد عني انت وهي.

جذبها وأودعها بداخل أحضانه قائلًا:

- لا يا ثريا أرجوكي يا حبيبتي، موتيني ولا إنك تعيطي.

ثريا بحزن:

- ربنا هيجبر بخاطري وأنا عارفة، بس أنا خلاص تعبت.

ربت على ظهرها قائلًا:

- ما دام مش عايزة تعرفي عننا أي حاجة، أنا هسكت علشان راحتك بس.

ثم أخرجها من أحضانه وأخذ يمسح دموعها قائلًا:

- بعد كتب الكتاب هاخدها وأبعد، وانتي اعتبريني مسافر في شغل، علشان أنا مش ناوي أتعبك تاني معايا، يعني تعتبريني مش متجوز.

ابتلع غصة في حلقه قائلًا:

- لأني أصلًا كنت مستحيل أعملها وأتجوز عليكي، بس دا قدري.

هزت ثريا رأسها قائلة:

- هو دا الصح، أنا هتخيل إنك ماعملتهاش.

ابتسم سراج قائلًا:

- أيوه انسي كل اللي قُلناه، وطولي بالك.

ثم استطرد برجاء قائلًا:

- واصبري الفترة دي.

ابتسمت بسخرية قائلة:

- وتصدق لو قُلتلك إني مش مصدقة أساسًا، مش متخيلة إن دا حصل ولا هيحصل، انت هتفضل ليا لوحدي.

قبلها في جبهتها قائلًا:

- طب ممكن يا حبيبتي تحضر ليَّ شنطتي كأني مسافر وبس، انتي أحسن واحدة بتجهزي شنط، وإن شاء الله هيجي اليوم اللي هتجهزي فيه شنطة ابنك قبل ما يتولد.

ثم ربت على يدها قائلًا:

- أعمل إيه، ما أنا استحالة أخلف عيل و مايكونش ابنك.

ثم استطرد قائلًا:

- بس اوعديني يا ثريا، لو جرالي حاجة، اوعي تسيبي ابني أو بنتي.

واستطرد بخوف قائلًا:

- مهما كان الخلاف ما بينا، وحياتك لتخلي أولادي حياتك.

تنهدت ثريا من كلماته، وتعجبت من شعوره بأن نهايته اقتربت، فابتسمت قائلة:

- حياتي! لا دول حبي اللي منك.

ثم ضحكت قائلة:

- هما مش مني، بس كفاية إنهم منك، وكفاية بقى كل شوية تقعد تتكلم عن موت.

ابتسم سراج قائلًا:

- ماتزعليش عليَّ يا ثريا.

بكت ثريا من تخيل الموقف قائلة من بين شهقاتها:

- لا، أنا ممكن أموت من بعدك سراج.

احتضنها بقوة قائلًا:

- بعد الشر عنك يا حبيبة عمري.

خرجت من أحضانه قائلة:

- وانت كمان، عارف أنا ممكن ما أموتش بعدك لو في حاجة خلتني قوية، وانت الحياة من غيرك ضعف.

ابتسم سراج قائلًا:

- طب مش ضعيفة وانتي باعدة نفسك عني خمس أيام؟ إيه للدرجة دي أنا ما وحشتكيش؟

عضت على شفتيها بخجل قائلة:

• وحشتني طبعًا.

حملها سراج وصعد بها قائلًا:

- مش قدي يا حبيبتي، اوعي تبعدي عني تاني، أنا وانتي مهما حصل لازم نفضل مع بعض.

ثم أنزلها على الأرض و احتضنها بشوق قائلًا:

- وحشتيني قوي يا ثريا، أنا مش عارف صبرت الخمس أيام دول ازاي من غيرك.

وبعد ليلة شوق وحنين بينهما خرج إلى النافذة يدخن سيجارة، وهو ينظر إليها قائلًا في نفسه:

- دي الوعود اللي وعدتها ليها يا سراج؟ حبيبتي كان نفسي أكون ليكي لوحدك.

ثم هتف بأسف قائلًا:

- بس للأسف مش هقدر أكمل، لازم أخلف علشان اللي عايزين يورثوني ومستنين موتي، اللي حاسس إنه قرب قوي.

ثم نظر إليها بحسرة وألم قائلًا:

• سامحيني يا ثريا.

كيف لها أن تسامحه وهي ممزقة من الداخل، خاصة بعد مقابلة ولاء اللعوب لها، حيث تجرأت وذهبت إليها وجلست أمامها لتسألها ثريا بتوجس قائلة:

• سراج اللي بعتك يا ولاء؟

ابتسمت ولاء بخبث قائلة:

- آه بصراحة هو مش عارف يجبها ليكي ازاي، فأنا قُلتله ريح نفسك أنا ست ونعرف أنا وهي نتكلم مع بعض.

لم تفهم ثريا مقصدها ورددت ببلادة قائلة:

- مش فاهمة.

تعالت ضحكات ولاء قائلة:

- معقولة مفيش إحساس عندك للدرجة دي؟! هما الأجانب غيرنا مش حاميين ليه زينا؟ مش قادرة تستوعبي إن سراج عريس وعايز يبقى على راحته معايا في شقة القاهرة.

انتفضت ثريا ليس من تجهيز الشقة التي قامت بتجهيزها بنفسها، ولكن من لفظ أن سراج يريد الراحة مع ولاء، وبالرغم من ذلك هدأت نفسها وهتفت بكبرياء قائلة:

- تمام يا ولاء، مبروك، ربنا يتمم على خير.

لوت ولاء شفتيها بسخرية قائلة:

- مش باين، فيه ناس بصت في الليلة خلاص.

تضايقت ثريا أكثر، ولكنها عادت لكبريائها عندما نهضت وأشارت نحو باب المنزل قائلة:

- ممكن تمشي بقى، لأن ورايا مشاوير مهمة، وانتي خلصتي مهمتك، مع السلامة.

(عودة)

هو حقًا رجل رائع، حيث عند رحيله ترك لها ثروة عظيمة لا تقدر بثمن، بكل هدوء كانت الجميلة ثريا تجلس في غرفتها وهي نفس الغرفة التي ذبحها فيها سراج بقراره، تستمع إلى نقاشات ولديها حليم ونور لتنظر إلى السماء وعدالتها وتشعر أن هذا هو الجبر، فالطيبون أمثالها يستحقون التعويض، خرجت من شرودها و ابتسمت على صوت أحدهما، فلديها ولد ثائر و الآخر هادئ، حاولت مرارًا وتكرارًا جعلهما يحملان صفات واحدة، ولكن دون جدوى، رغم كل ما فعلته، ولكنها نجحت في شيء منذ 25 عامًا، نجحت أنها أنقذت واحدًا منهما من الضياع هو وشقيقته التؤام.

كان حليم شخصية ثائرة، أما نور كان هادئ الطباع، كان دائمًا يحاول إقناعه بأشياء بشتى الطرق، وحليم دائمًا يرفض.

نور بهدوء:

- يلا بقى يا حليم نشوف ورانا إيه.

زفر حليم قائلًا:

- يعني أنا عايش كل الفترة دي ومفكرها أمي, وفي يوم وليلة أكتشف إن كل دا وهم ؟
هز نور رأسه بنفي قائلًا:

- لا مش وهم يا حليم، هو انت في مرة حسيت إنها بتعاملك وحش؟ وبعدين هي ماحبتش تقول وسابت الأمور تظهر بالصدفة.

تنهد حليم بضيق قائلًا:

- بس للأسف كانت صدفة وحشة قوي، وبعدين فين الست دي اللي اتنيلت رمتني أنا وأختي من يوم ما اتولدنا؟ على فكرة أنا عملت كل اتصالاتي علشان أوصلها ماعرفتش.

ثم تعالى غضبه قائلًا:

- المفروض ماما تقولي بابا عرفها منين.

تنهد نور قائلًا:

- ممكن تهدى؟ ماما مش حابة تتكلم عنها ودا حقها، انت بقى كبر مخك، هتستفيد إيه لما تعرف؟ بالعكس انت كدا ممكن تزعل ماما.

ثم شرد بحزن قائلًا:

- ومش بس ماما، أختك كمان، إلا لو هي برضو عايزة توصل لمامتها علشان تعرفوا حاجة ملهاش لازمة.

تنهد حليم قائلًا:

- أنا عارف إنها حاجة ملهاش لازمة، خصوصًا إن أنا ماحستش في يوم من الأيام إن ملناش أم، بس أنا عايز أشوف الست دي، وأعرف منها هي ليه عملت كدا.

تنهد نور قائلًا:

- صدقني انت ممكن تتعب أكتر، المهم يلا بينا نشوف ورانا إيه، الواد زياد عمال يرن عليَّ من صباحية ربنا، زمانه أكل كل الأكل اللي في المطعم.

نهض حليم وهو ما زال عابسًا بوجهه وقال:

- ماشي هاخد شاور وجاي معاك.

لوى نور شفتيه يغيظ حليم قائلًا:

- يا كئيب يا عدو الفرحة افرد بوقك، إيه العكننة دي؟
ابتسم حليم بمرح قائلًا:
- انت فظيع قوي يا نور، أنا برضو قلت ازاي أنا وانت تؤام! بس أنا كان لازم أخد بالي، انت شبه جدك اليوناني حتى بتعاكس البنات زيه.

ثم لوى شفتيه قائلًا:

- وأنا باين عليَّ طالع لأبويا، بحب مرة واحدة بس، يا خوفي لأتجوز مرتين.

تعالت ضحكات نور قائلًا:

- حلوة، ما تديني واحدة منهم يا حُلم.
رفع حليم حاجبيه يغيظ نور قائلًا:

- بعينك، أنا هتجوز لاتنين وأحبسهم.

دلفا إلى إحدى سلاسل المطاعم التي تمتلكها السيدة ثريا، ليقهقه نور من الضحك عندما رأى زياد يلتهم الطعام، فقال:
- قابل يا عم حليم، الواد زياد أكل أكل الزبائن هنتفضح قريب.
نظر حليم إليه بغضب قائلًا:

- أنا اللي غلطان إني سايبه في المطعم دا، اللي ماخلتوش عبرة مابقاش حليم، هو مش كان متفق معانا إنه هيسد مكانا الفترة اللي فاتت؟ والله أنا سيبته يشتغل لأنه صعب عليَّ.

ثم توعد قائلًا:





- بس هيشوف هعمل فيه إيه.
قال نور محدثًا نفسه:

- وأنا ماليش فيه، أنا لا شغلته ولا ليَّ في طرده، ابنك يا ثريا محتاس، تعالي بقى خلينا نخلص، أنا همشي قبل ما تولع.

حليم كان يمتلك حاسة سمع خارقة، أو لنقول ذكاء اكتسبه من ثريا، رغم أنها ليست أمه، حيث نظر إلى نور بخبث قائلًا:

- رغم إنك اتكلمت في سرك، بس أنا عرفت انت ناوي على إيه.

نظر إليه نور بخوف مصطنع قائلًا:

- انت يا ابني مخاوي جن لازق في هدومي؟! انت كل حاجة بفكر فيها بتعرفها وكأنك عارف كل حاجة جوايا؟
ثم زفر قائلًا:

- حتى لما ببقى زعلان بتعرف، بجد انت المفروض تكون ابن ماما ثريا، هي كمان كانت تعرف العملة قبل ما أعملها.

تعالت ضحكات حليم والتي يطلقها قليلًا، فضحكاته عزيزة ونادرة، حيث قال:

- وليه ماتقولش إن الصفات بالاكتساب أكثر من الجينات؟ أنا درست كدا في علم النفس.

تعالت ضحكات نور هو الأخر قائلًا:

- أهو علم النفس دا اللي مجننك انت وماما، لا يا أخويا أنا علاقتي بيه الامتحان وبس، بحس إنه علم المجانين.

ثم عبث برأسه كالمجنون قائلًا:

- دا أنا لو كنت ذاكرته هو والفلسفة في أوضة لواحدي كان زماني لسعت، دا أنا بقعد أذاكر فيه كتير ومش بفهم، وشكلها أختك زيي.

ابتسم حليم قائلًا:

- فعلًا، أختي قالت كدا أيام الثانوية.

ثم استهزأ واستكمل حديثه قائلًا:

- وأختك كمان، تقريبًا محدش تفكيره راقي غير أنا وماما.

ابتسم نور بمرح قائلًا:

- انت هتقول لي! دي بتخلص كتاب تشتري الأعمق منه.

هز حليم رأسه وتعالت ضحكته مرة أخرى قائلًا:

- صح، المهم هنعمل إيه في سي زياد؟ هي ماما اللي بتقدر تتصرف معاه، أنا خايف أطرده هي تزعل.

ضحك نور بمرح قائلًا:

- أقسم بالله دا ولا اللي داخل مسابقة، إيه دا مش بيفصل! هي ماما كان عقلها فين وهي بتوصينا عليه؟كل الأكل دا ومش بيتخن.

نظر إليه حليم باتهام قائلًا:

- ما انت كمان ساعدت في شغله هنا، ودلوقتي عايز تمشيه! خلي ماما بقى اللي تمشيه.

ثم أشار بإصبعه على رأس نور قائلًا:

- اعمل اللي كنت بتفكر فيه من شوية.

زفر نور بحنق قائلًا:

- يا باااي يا حليم عليك، أنا كنت هتصل بيها تيجي في حالة لو انت طردته، وبعدين انت غيرت رأيك، ليه صعب عليك؟

واستطردت قائلًا:

- وعايز تلزقها فيَّ.

فجأة وجدا زياد يأتي إليهما مهرولًا ويمسح فمه من أثار الطعام قائلًا:

- إيه يا جماعة جيتوا إمتى؟ تحبوا أعملكم فطار؟ بس بسم الله ما شاء الله شكلكم شبعانين.

لوى حليم شفتيه بامتعاض قائلًا:

- ومنين عرفت إننا شبعانين؟ أنا مش بفطر يا زياد، وبعدين تعالى هنا انت جيت من إمتى؟ من بدري طبعًا، من ساعتها في المطبخ بتهبب إيه؟

ثم أشار نحو الاستقبال بسخرية قائلًا:

- دا الاستقبال فاضي، والشغل كدا بقى سايب.

ارتبك زياد قائلًا:

- أنا كنت في المطبخ بشرف على الأكل، وكنت لسه داخل من ربع ساعة، أصل جالي صداع علشان مفطرتش، فكنت باكل حاجة تظبط الضغط.

حاول أن يُشعرهم بمسؤوليته نحو المطعم وقال بفخر:

- أنا ماسك الشغل في غيابك بقالي فترة، وملتزم بتعاليم والدي علشان خالتي ثريا.

هنا اغتاظ نور من نعته لثريا بالخالة، فهي ليست خالته، هو ابن خطاب ابن عم زوجها، رد نور بحنق قائلًا:

- ربنا يبارك فيك وفي تعاليم والدك، بس بالله عليك بلاش حوار خالتي دا، لأنه بيقفلني منك، ممكن تقول مدام ثريا، الشيف ثريا، ثريا هانم.

واستطرد يأمره قائلًا:

- واتعدل كدا في شغلك وخد بالك منه، وربنا يعينك.

هز زياد رأسه قائلًا:

- عنيا ليكم.

ابتسم نور قائلًا:

- بص يا زياد انت بتعتبر أخونا التالت، اوعي تكون زعلت لما قُلتلك بلاش خالتي دي، هي حاجة تشرف طبعًا، بس انت هنا المفروض تتكلم عنها بوقار.

ثم أشار على نفسه قائلًا:

- أنا نفسي بقول ليها الشيف ثريا، ما تجيش انت تقول لها خالتي، علشان تنبسط منك، وتبقى عندها حاجة كبيرة وتحبك.

ابتسم زياد قائلًا:

- هعمل كدا فعلًا، ماعدتش هقول لها يا خالتي تاني، بس ينفع أقول لها حاجة تانية؟ أنا نفسي أقول لها يا حماتي، أوعدكم مش هتندموا.

هنا حدق نور بعينيه، وحليم صامت لا يستوعب ما قيل، دفع نور زياد قائلًا:

- وأنا ماسمعتش انت بتقول إيه، انت ولا كأنك قلت حاجة دا هيكون أفضل، الناس بدأت تهل في المطعم هنا، ولسه هشوف بقية المطاعم.








هم نور يتحرك ليستوقفه حليم قائلًا:

- استنى يا نور، أنا عايز أفهم هو كان قصده إيه.

ليتحدث زياد ببلادة قائلًا:

- مش فاهم حاجة، انتو عايزني أتكلم ولا لأ؟ طيب أروح الشغل أهم؟ بس والله لو عايزين تعرفوا مش هتندموا.

شدد نور على رأسه بغيظ قائلًا:

- الصبر من عندك يارب، أقول تور يقول احلبوه، ينفع كدا؟ انت إيه مش بتفهم؟

استكمل زياد بلاهته قائلًا:

- خلاص مش عايزين تسمعوني أخلي أبويا يكلم الشيف ثريا، وهروح أكمل شغلي، سلام يا شباب.

بعد رحيل زياد تعالت ضحكات حليم مرة أخرى قائلًا لنور:

- هو انت خفت عليه قوي كدا ليه؟ يا ابني أنا كنت عايز أعرف هو كان عايز مين فيهم، مش يمكن يبقى فيه قبول، كل شيء قسمة ونصيب.

ثم مط شفتيه قائلًا:

- هو برغم هطله بس دمه خفيف، مش وحش يعني.

زفر نور براحة قائلًا:

- تعرف أنا كنت خايف منك، خفت لما تعرف إنه عايز يتجوز واحدة من إخواتنا تضربه، حليم انت ممكن توافق عليه؟ بس انت حتى لو وافقت ماما ممكن ترفضه.

واستطرد براحة قائلًا:

- مش عارف أنا في لحظة خفت تحصل مصيبة، زياد شخص كويس بس ماحيلتوش غير مرتبه، عمره ما هيقدر يعيش واحدة فيهم في نفس المستوى.

ثم هز رأسه بتأكيد قائلًا:

- ولا واحدة فيهم تقدر تعيش في مستواه، إخواتنا دايمًا شايفين نفسهم، دا لو حصل هبقى مش مصدق.

تنهد حليم قائلًا:

- لا صدق، أنا ماعنديش أي اعتراض عليه، وبعدين يا نور احنا ماكناش كدا في الأول، وهو وعيلته كانوا أحسن مننا ماديًا، وبعدين احنا حتى عايشين في نفس البيت.

واستطرد وهو يرفع سبابته بتأكيد قائلًا:

- ودا يأكد ليك إن ماما مش بتاعت مظاهر، احنا مش وحشين يا نور، احنا ولاد ثريا اليونانية، كمان إخواتنا مش مغرورين قوي، لا بالعكس متواضعين.

ثم ابتسم بهدوء قائلًا:

- دا لاتنين عندهم عربية واحدة، وعرضنا على كل واحدة يبقى ليها عربيتها الخاصة لكن رفضوا، لغاية لما ميارا اقتنعت وراحت تطلع رخصة واكتشفت من شهادة ميلادها إن ماما ثريا مش مامتها.

واستطرد بحزن قائلًا:







- لأن هي عمرها ما قدمت ورق لنفسها، أنا اللي كنت بعملها كل الاجراءات، بس المرة دي فلتت مني، حتى لو كانت هتتجوز كنت برضو هبقى حريص.

ثم تنهد قائلًا:

- بس قسمتها كدا، كان لازم تعرف، ورغم إني عارف من أيام ما طلعت بطاقتي، بس ماحاولتش أستفسر إلا لما عرفت هي، لأن خلاص لازم نعرف كل حاجة.

ثم شرد بحزن قائلًا:

- تسع سنين ماما ثريا مستنية سؤالي عن أمي وأنا كاتم علشان ميارا، لغاية ما القدر سمح وكل حاجة انكشفت.

تنهد نور براحة قائلًا:

- الله عليك يا حليم، ياريتني أفكر زيك، نفسي بقى تشيل الموضوع التاني من دماغك.

ابتسم حليم قائلًا:

- لازم أعرفها، ولما أعرفها وأعرف هي سابتني ليه، ليه ترميني لضرتها وتمشي من غير ما تسأل خمسة وعشرين سنة؟ اوعى تقول لماما إني بدور عليها.

واستطرد بحب قائلًا:

- لأني مش ناوي أخسرها.

انتهى اليوم، ومن المفترض عودتهما إلى المنزل، ولكن ذهب حليم إلى مكان يعشقه ومنذ فترة لم يدخله، وقف من خلف الأسوار يبحث عنها، يريد رؤيتها من بعيد فقط، ولكن حدث ما لم يتوقعه، بينما هو يقف كانت تقف خلفه، شعر بها من صوت تنهيداتها فالتفت إليها وارتبك قائلًا:

- أهلا يا وئام، ازيك؟
ردت عليه بحزن قائلة:

- مش كويسة.
خشي أن يكون أصابها مكروهًا فسألها بلهفة:

- مالك يا حبيبتي؟

تنهدت ودمعت عيناها قائلة:

- أنا لو حبيبتك كنت جيت وقابلتني، مش بتبص عليَّ من بره السور.

تماسك أعصابه وهتف بضيق قائلًا:

- أنا مش جاي أشوفك، أنا جيت أخد ميارا وهاجر، بس واضح إنهم روحوا، عن إذنك.

أمسكته من ذراعيه بارتعاش قائلة:

- بتعمل فيَّ كدا ليه؟ أنا غلطت معاك في حاجة؟ ولا كنت بتلعب بيَّ؟

لم يستطع الرد عليها، شعر أنه لو أطال وقفته سيطوقها بأحضانه، فتركها دون أن يريحها ورحل.

عادا إلى المنزل، ليدلف حليم أولًا فيجد ثريا تجلس في التراز المطل على البحر ليقبل رأسها قائلًا:

- مساء الورد والفل والياسمين.

التفتت تنظر إليه بحب قائلة:

- وحشني الكلام الحلو منك يا حليم.

ابتسامته ذكرتها بالماضي، لتعود إلى الخلف عندما علمت بخبر حملها واستدعت سراج إلى الإسكندرية وفي نفس ذات المكان لتخبره بسعادة:

- فرحانة يا سراج قوي، أنا عاوز أقولك.

ثم صمتت وأقبلت عليه قائلة:

- هات بوسة الأول وبعدين أقولك.

حينها جذبت رأسه لتقبله هي، لكنه أزاح يدها قائلًا بعبوس:

- قولي اللي عندك، وبعدين ماكنتيش قادرة تصبري لما أجيلك يوم الجمعة؟ على طول تليفونات، مفيش صبر؟ وبعدين أنا ماعدتش هعرف أجيلك زي الأول.
تراجعت بظهرها إلى الخلف، نظرت إليه بتدقيق لتتفهم ما وصل إليه من جفائه معها، كتمت فرحتها في حلقها وابتلعت ريقها قائلة:

- وهو النهاردا يفرق عن الجمعة يا سراج؟ أنا كنت عاوزة أشوفك علشان....

ثم استوقفت نفسها وتراجعت قائلة:

- علشان هسافر، وكان نفسي أشوفك قبلها.

رفع سراج أكتافه بلا مبالاة قائلًا:






- وهو أنا أصلًا منعتك تسافري لأهلك يا ثريا؟ وجيباني على ملى وشي علشان تقول لي الكلام دا؟ سافري براحتك وخليكي هناك أنا مش فاضي الفترة دي .

صدمتها فيه حطمت فرحتها بخبر حملها.

كانت شاردة تفكر في تلك الذكريات السوداء ونظرها متوجهًا ناحية حليم، فدلف نور ورأها هكذا ليقطب جبينه مستفهمًا من حليم، ليمط حليم شفتيه بعدم فهم قائلًا:

- مسيت عليها كالعادة، ردت عليَّ وسرحت، جرب معاها انت.

- هبط نور إلى مستواها مداعبًا لها وهو يقول:

- إيه يا ثريا؟ أنا بدأت أشك فيكي...

أشاحت بوجهها إلى الجانب الأخر معلنة لهما أن يتركاها بمفردها، فغمز حليم إلى نور وأخذه إلى الأعلى، ظل حليم شاردًا في أمر واحد وهو أنها تتذكر والده به، وبدأ يتسائل هل كان قاسيًا عليها لهذه الدرجة؟ تبتسم له تارة ثم تعود لأحزانها مرة أخرى, هنا تأكد له أنه قبل أن يبحث عن المرأة التي تركته يجب أن يبحث في البداية عن سراج، من هو؟ وكيف تزوج من هذه الجميلة؟ كيف تسبب يومًا في أحزانها؟


                     الفصل الثاني من هنا

تعليقات



<>