رواية حب خلق بداية
الفصل السادس6
بقلم مروة محمد
أباحت بسرها أمام ابنها الحقيقي، ويا ليتها لم تبح، حتى أنها عاتبت نفسها عندما استمعت إليه وهو يكاد يفلت السر من بين طيات لسانه لتحدث نفسها قائلة:
- كدا حليم هيفتكر إني مش بحبه وإن تربيته كانت شفقة.
توقفت دقات قلبها عندما سأله حليم عن هذا السر، لعنت حظها وتمنت توقيف الزمن لتستعيد ذكرى هذا اليوم وتقبله هو وشقيقته، نظرت إلى يدها التي حملته بها وبصقت فيها لأنها لم تتمسك به، مرت سنوات على ذلك الحدث ولكن العواصف بقلبها لم تهدأ، هي كانت لا تبغضه ولكنها كانت تريد تأديب والده في شخصه، كانت خائفة من رجوع تلك التي دمرت حياتها.
وأثناء شرودها تفاجئت بمن يربت على ظهرها بحنان، واستدارت لتشهق من رؤيته ليبتسم ابتسامه خبيثة دلالة منه على أنه استمع إلى كل ما دار بداخلها من صراعات ليهددها قائلًا:
- قلتلك بلاش تقولي لحد يا ثريا، وكنتي خايفة مني؟ شفتي بقى أنا أحسن من أولادك اللي رفضتيني علشانهم ازاي؟
كان الحديث لخطاب، ولكنها لم تخشاه حيث ردت عليه بكل ثقة قائلة:
- أنا صحيح شفت، بس شفت إني كنت صح لما اخترت أترهبن علشان أولادي.
لوى شفتيه قائلًا:
- بس خلاص انتي دلوقتي ماعدش ليكي لازمة في حياتهم.
سخرت منه قائلة:
- وليَّ لازمه في حياتك يا خطاب؟
رد عليها بثقة قائلًا:
- طبعًا يا حبيبتي.
رفعت سبابتها وحذرته قائلة:
- بلاش أسمعك تاني تقول الكلمة دي يا خطاب، علشان مازعلش وأهلي اللي هما أولادي وابنك يزعلوا هما كمان.
ثم نظرت إليه باشمئزاز ورحلت من محيطه اللعين.
استكمالًا لحديث قدري وزياد، سأله زياد عما دار بينه وبين هاجر، فتنهد بسعادة قائلًا:
- أنا قلت كل اللي في قلبي ليها، ما هو ماينفعش أفضل كاتم في نفسي كل دا وأقدم نفسي بطريقة تقليدية، كان احتمال كبير ترفضني، واستطرد وهو يشرد في رسائله قائلًا:
- ودا اللي حسيته.
هز زياد رأسه متفهمًا وقال:
- هو دا الصح يا قدري، على الأقل لتفهمكم دا هتكملوا مش العصبية اللي أنا هتجوزها، صحيح هما إخوات بس مختلفين في كل حاجة.
ثم تنهد بتعب قائلًا:
- لو بس تتعلم تعيش بطناش زيي، كنا أنا وهي هنبقى فلة، وما كناش نتخانق على الفاضية والمليانة، فعلشان كدا عملت بنصيحتك.
ابتسم قدري قائلًا:
- انت برضو يا زياد هدي اللعب معاها شوية، يعني طلبت منك حاجة، إيه المشكلة؟ واتكلم معاها دايمًا حتى لو في أمور قديمة.
ثم رفع يده بثقة قائلًا:
- ولو حست في يوم إنك بتسايسها هي نفسها هتخف.
واستطرد بتأكيد قائلًا:
- لا دي هتتحرج لأنك هتبقى كبير في نظرها وهتبقى واحد بيريحها علشان بيحبها.
اندهش زياد لما يقوله قدري ورد عليه:
- أول مرة أسمع كلام حلو كدا ومن دكتور! الطبيعي الدكاترة عمليين، وكل حياتهم هات وخد، بس انت إيه ما شاء الله عليك زي ما تكون اتولدت شاعر.
عاد زياد وهاتف محبوبته ميارا، لتجيب عليه بصوت حنون، فابتسم قائلًا:
- بحبك يا ميارا.
اندهشت ميارا وابتسمت قائلة:
- مش قد حبي ليك يا زياد.
رد عليها قائلًا:
- قوليلي بقى هنخلص بقية حاجاتنا إمتى؟
ردت عليه بشغف قائلة:
-في أقرب وقت.
هز زياد رأسه بذهول لظنه أنها كانت ستماطل، يبدو أن حديث قدري مُجدي بالفعل، فتنهد بعشق قائلًا:
- ماتتصوريش أنا فرحان قد إيه يا ميارا.
ابتسمت ميارا بدموع الفرحة قائلة:
- للدرجة دي بتحبني يا زياد؟
رد عليها زياد بحب قائلًا:
- جدًا، والأيام اللي كنا متخاصمين فيها كنت مخنوق ونفسي أخنق نفسي بزيادة وأموت وأرتاح، أرجوكي أنا وانتي بلاش نتخاصم تاني.
انتهت المكالمة بموافقة ميارا على طلب زياد، فهي تأكدت أنه داعم رابع لها بعد ثريا وأخواتها.
بعد يومين كان حليم في حجرة مكتبه، وكانت ثريا تود معرفة هل علم من نور الأمر أم لا، لأنها اضطرت أن ترحل بسبب خطاب وتهديده، دلفت إلى المكتب مبتسمة كعادتها ليرفع نظارته من على عينيه ويتحدث بهدوء، مما جعلها تشعر بالارتياح خاصة عندما ردد قائلًا:
- أنا مبسوط إن هاجر وافقت على قدري.
انفرجت أساريرها قائلة:
- عقبالك يا حبيبي، عايزاك تحن على وئام بقى.
تنهد بتعب وأرجع ظهره للخلف قائلًا:
- أنا عايز أتطمن على إخواتي الأول، أما أنا لسه بدري.
كادت أن ترد عليه لولا مجيء قدري وزياد لأنهما كانا على موعد معه، رحب بهما ترحيبًا حارًا، جلس قدري متوترًا وقال:
- حليم انت قلت عايزني خير؟
ابتسم حليم بخبث قائلًا:
- هو يعني علشان قلت ليك تعالى يبقى فيه حاجة؟ لو فيه حاجة يبقى هاجر موافقة.
زفر قدري بارتياح وضحك زياد ببلاهة قائلًا:
- الحمد لله وربنا مش هو دكتور؟ بس قلبه وقع في رجليه.
ابتسم الجميع وقاموا بالترتيب والاتفاقات فيما بينهم، وكان حليم مثل اسمه رؤوف بحالة قدري المادية، وعرض عليه أن يعيشا معهم في منزل العائلة، وبعد انصرافهم نظر حليم إلى ثريا فوجد وجهها تكسوه السعادة فابتسم لها قائلًا:
- انتي ليه دايمًا بتحبيني أنا اللي أتفق مع العرسان في كل حاجة؟ إيه ناسية إن نور أكبر مني؟ وحتى هاجر مش شقيقتي.
هزت ثريا رأسها بالسلب قائلة:
- لا مش ناسية، وبعدين مش معنى إنها مش شقيقة ليك ماتبقاش كبيرها، والله دا طلب نور، وأنا بصراحة شايفة إنه عنده حق.
واستطردت:
- ونور لو في مكانك هيتعصب على أي واحد فيهم، أنا بحب طريقتك وأسلوبك.
ابتسم لها بأمان قائلًا:
- إيه الاحراج دا؟ طيب خدي قلبي يا ثريا وأنا أعيش من غيره، دا حتى قليل عليكي.
ثم اقترب منها وقبل يدها بحنان قائلًا:
- وأنا كمان بحبك جدًا، وبحب طريقتك وأسلوبك.
ابتسمت ثريا وكادت أن ترقص من الفرح وهي تمسح على شعره بحنان قائلة:
- بالنسبة لقلبك فأنا أخدته من زمان يا حليم، طيب انت تخلي إيه لوئام حبيبتك؟ انت بتخلص كلامك الحلو معايا.
ارتفع برأسه وهزها بلا مبالاة قائلًا:
- لا سيبك انتي، أنا حتى مش بحبها أكتر منك.
تذكرت كلمات سراج عندما أكد لها أنه لن يعشق غيرها لتنظر إلى عيني حليم قائلة:
- هيحصل يا حليم، بس ارجع ليها.
نهض حليم وحاول الخروج من الموضوع قائلًا:
- تعالي نخرج مع بعض، نروح أنا وانتي أي مكان حلو زيك.
نهضت ثريا خاضعة لطلبه، لم تستطع يومًا رفض طلبًا له، وتناست أمر السر الذي إذا عرفه من الممكن أن يتحول حديثه المعسول إلى ثورة من البركان.
ذهبا على الشاطئ حيث الهدوء، لتنعم بنسمات الهواء، ويلتصق الشعر الذهبي بوجهها، فيقوم حليم بوضعه خلف أذنها قائلًا وهو ينظر إلى عينيها بعمق:
- ماتقلقيش، هو غلط لما سابك من غير ما يسمعك، وردة فعلك كانت طبيعية، وأنا مش زعلان منك أبدًا، إيه يعني دا حقك.
ثم امتلك وجهها بكفتي يديه يحدثها بحنان قائلًا:
- انتي اتحرمتي منه في أكتر وقت كنتي محتاجاه فيه، انتي ولدتي إخواتي وانتي لوحدك.
انهارت بدموعها واحتضنته قائلة:
- كنت خايفة لا تزعل مني يا حبيبي، والله كان نفسي ماتفارقش حضني أبدًا ساعتها.
شدد على أحضانها قائلًا:
- ماما انتي جميلة قوي انتي وإخواتي، هو بس اسمي في السجلات اللي فارق بيني وبينك، غير كدا مفيش.
خرجت من أحضانه تمسح دموعها قائلة:
- يلا يا حليم كل شيء نصيب، خد اللي عمله أبوك معايا عظة، وحطها دايمًا في دماغك.
واستطردت كلماتها بوعد قائلة:
- وأنا طول ما أنا عايشة عمري ما هخليكم تغلطوا غلطته ولا غلطتي، أنا كمان غلطت لأني ما قولتش لسراج إني حامل.
احتضنها مجددًا وقال:
- هو يعني كان سأل عليكي طول فترة حملها فينا؟ وطبعًا هي السبب.
علم نور أنهما خرجا سويًا فأشفق عليها أن يهاجمها حليم، خاصة أن حليم لم يوضح الأمر لنور إن كان الأمر أزعجه أم لا، هرع نور إلى الشاطئ لأنه يعلم أن ثريا وحليم يعشقان هناك حتى في الشتاء، وما إن وصل حتى تفاجئ بها في أحضانه، ليقوم بعرض مسرحي قائلًا:
- لاااا، خياااانة.
تعالت ضحكات ثريا فأخرجها حليم من أحضانه يلكزه في ذراعه قائلًا:
- آه خيانة، انت مالك؟
لوى نور شفتيه بحزن مصطنع قائلًا:
- دي أمي.
أحاطاها حليم بذراعه قائلًا:
- أنا كمان ابنها والمقرب كمان، علشان كدا من حقي أقعد أنا وهي في مكان ومحدش يزعجنا، أنا بغير عليها منكم وهي كمان بتغير عليَّ.
ثم رفع ذقنها بيده قائلًا:
- مش انتي كمان بتبقي حابة نكون لوحدنا يا ثريا؟
تنهدت ثريا بسعادة قائلة:
- الله! ثريا، والله ما حد بيقول اسمي بالجمال دا غيرك يا حليم، ما انت متسمي على اسم عبد الحليم صاحب الأغاني الحلوة.
ثم استطردت بحب قائلة:
- علشان كدا كنت عاوز أسمي حليم، وكنت مش عارفة يا ترى سراج هيسمي حد حليم ولا لأ.
ثم نظرت إلى نور فوجدت الغيرة تملكته بالفعل لتبتسم بخبث قائلة:
- إيه يا نور؟ انت بتغير من أخوك؟
هز نور رأسه بثقة قائلًا:
- لا، عمري ما غيرت، بس خفوا شوية، انتي ماعندكيش غير حليم؟ ولا علشان شبه حبيب القلب سراج؟
عبست بوجهها لدرجة أن حليم استشعر وجعها المستمر عند ذكر اسم والده، فنظر إلى نور قائلًا:
- لا يا خفيف، دا علشان أنا بفكر زيها ومش أهبل زيك، لا بخبط كلام ولا بتعصب، أنا راجل موزون، وبعدين هوينا.
علمت ثريا أن حليم يحاول التخفيف عنها فابتسمت قائلة:
- فعلًا كلام حليم صح يا نور، زي ما تقول كدا عنده حكمة في الأمور.
أخرج حليم لسانه إلى نور ليغيظه ليتذمر نور بطفولة قائلًا:
- شايفة يا ماما؟ بيغيظني، يا ابني بلاش تخليني أحطك في دماغي، أنا هجوزك وئام وأخلص منك.
ثم أشار نحو ثريا قائلًا:
- يا ثريا الواد دا من بكرة تروحي تخطبي له وئام، هو اللي عليه الدور بعد البنات.
ثم استكمل بمرح قائلًا:
- وأنا بقى أرجع على الحجر تاني، مش هتجوز ومش هدخل حد منهم البيت، ولا هخرجك، هحبسك يا ثريا.
تعالت ضحكات حليم قائلًا:
- الواد اتهبل، دا أنا اللي من النهاردا هروح أخطبلك حنان، أنا عايز أخلص منك خالص، وانت عارف ليه طبعًا.
ثم استطرد:
- بقيت بسترخمك قوي يا نور، يعني مش كفاية 23 سنة؟ يا ماما أنا زهقت منه، أنا عايز أبرطع في الأوضة لوحدي.
ثم رفع أكتافه بثقة قائلًا:
- ولا سلطان زماني.
تعالت ضحكات ثريا ليبتسم نور بسخرية قائلًا:
- احنا لاتنين حتى لو اتجوزنا، هنعيش مع ماما ثريا، مش صح يا ماما؟ انتي ماتقدريش تستغني عننا، اتعودتي علي وجودنا.
ثم استطرد بفخر قائلًا:
- احنا مش أي عيلة، احنا عيلة اتعودنا نبص في وشوش بعض كل يوم، أنا حتى بفكر أراجع ميارا في قرارها وقدري في قراره.
ابتسمت له ثريا وهزت له رأسها بموافقة وتشجيعًا لرأيه.
بعد ما تركهم نور قرر الذهاب إلى مضحكته اللذيذة، ليعلى هرمون السعادة لديه، ذهب إلى النادي ليجدها من لحظة دلوفه تفتعل أشياء لتعلمه أنها مشغولة، لدرجة وقوفها مع مدرب التنس تتضاحك معه لتثير الغيرة لدى نور، ابتسم نور بخبث وذهب نحوها يضربها بخفة على موخرة رأسها بحجة أنه يقوم بترتيب القبعة قائلًا:
- أنا جيت.
لتزمجر من الغضب وهي ناظرة إلى المدرب لا تعير نور اهتمامًا قائلة:
- ماشي يا كابتن، مضطرة ملعبش النهارده عن إذنك.
عقد المدرب ما بين حاجبيه فهي كانت تخبره أنها تريد خوض مباراة معه وحده، ترى ما الذي غير رأيها؟ ليقوم على الفور نور بالاستئذان منه ليفرغ المدرب فاه ويعلم أنه وقع في فخ المراهقين، خاصة عندما وجد نور يعدو بخطواته السريعة ليلحق بحنان التي تركض كمن تفر منه، وما إن وصل لها نور حتى أمسكها من ذراعيها ووجهها نحوه قائلًا وهو يتنهد:
- على فين يا نون؟
أخذت تهز رجلها بعصبية قائلة:
- مروحة، قراية فاتحتي النهارده.
رفع حاجبيه بدهشة مصطنعة، فهو يعلم أنها تكذب ورد عليها بمكر قائلًا:
- ما بلاش يا حنان، استنيني هتجوز اليونانية وأرجع.
هنا النيران اشتعلت في صدرها أكثر، لتقوم برفع قدميها وإطاحته إلى الخلف قائلة:
- انت مين علشان أستناك.
وضع يده على صدره بحركة درامية قائلًا وهو يراقص حاجبيه:
- أنا نور قلب نون، حبيبتي يا حنان.
شددت على شعرها و زفرت وتركته راحلة.
هناك روح ترقد في قبرها، لو كانت على قيد الحياة كانت ستسامح ثريا على أفعالها، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، أعجب بها في الإسكندرية منذ أن وطأتها أقدامها، تعلق بها وقاوم كل الظروف حتى أصبحت زوجه له، حيث رفض والدها زواجه بها لأنه يريدها أن تتزوج يونانيًا مثلها، ولكن في النهاية وافق على مضض، ودومًا كان يضع لهما العراقيل عن طريق خطاب ليسد ما بينهما، ولكن لم تكن هذه أسبابه فقط، فقد كانت ثريا كبيرة أبنائه وكانت تتحمل المسؤوليه منذ الصغر، حيث كانت تعمل في مطعم بسيط و تجني الأموال لتصرفها عليه وعلى أشقائها، ولكن هي عشقت وتمنت أن تكون محبوبة سراج، تناست كل شيء وانجرفت بعشقها وحلمها في الارتباط به، ولم يهدأ بالها إلا بعد أن أُعلنت زوجة له أمام الله ورسوله.
في المساء دلفت ثريا في خلسة إلى حجرة الذكريات، لتتلمس صورة سراج وتنظر إليها مطولًا قائلة:
- تعالى يا سراج، تعالى وشوف بنفسك، أنا عملت حاجات كتير علشان أولادنا، حاجات انت لا يمكن تتخيلها، اوعي تفكر إني كنت مضطرة.
هزت رأسها بالسلب قائلة:
- لااااا، أوعى تفكر إني منيت عليك يا سراج، أنا كنت هعملك مفاجأة، بحيث ترجع تلاقي الأولاد في حضني، بس انت اللي مت.
ثم وضعت يدها على صدرها بتوجع وهي تبكي قائلة:
- انت حسبتها غلط لما فكرت تجيب ليَّ أولاد، بس أنا كمان ما اتحملتش إن جوزي يبقى لواحدة غيري.
ثم شهقت بألم قائلة:
- اتمنيت تسمعني في اليوم اللي بعت أشوفك فيه.
ثم هبطت على الفراش تنام وتحتضن صورته قائلة:
- ومن اللحظة دي وأنا مش بحبك ومش بكرهك زي اللي مش عارف يسامح ولا لأ.
ثم استطردت وهي تنظر في سقف الغرفة بشرود:
- ولما رجعت بأولادك حسيت بأنانيتك أكتر، زي أنانيتك في يوم ما قررت تتجوز، هيجي اليوم وأقابلك يا سراج، بس وأنا خلصت كل الديون اللي عليَّ ليك ولربنا، انت مديون ليَّ بسنة من عمري، قسيت عليَّ فيها، و هفضل عايزة السنة دي ترجع عشان تصلح غلطتك، أيوه دا شرع ربنا وأنا فاهمة كويس.
وتابعت بحسرة قائلة:
- بس ربنا أمرنا بالعدل، بس انت سبتني وحيدة ماخفتش عليَّ زي أي راجل بيخاف على مراته، هفضل فاكرة لما سمعت إن خطاب بيغريها ودافعت عنها، رغم إن اللحظة دي أكبر كدبة حصلت، كنت سايب خطاب يدخل ويخرج عندي بكيفه.
ثم سخرت قائلة:
- وعامل نفسك مش فاهم ليه خطاب كان بيهددك لو مت هيورثك هو، انت كنت مغفل يا سراج، انت ماحستش للحظة إن خطاب عينه مني ومراته عارفة، انت صدقته لما قالك سيب العيال عندي وروح سوي أمورك وارجع صالحني، بس هو ماكنش في نيته إنك تصالحني، أنا حاسة إنه السبب في موتك.
ثم هزت رأسها بقلة حيلة قائلة:
- لكن ماقدرتش أتهمه، لأن التشخيص بيقول موتك بسبب سكتة قلبية، ولو اتهمته هيقولوا فين الدليل، حتى سألت عن العربية قالوا لي باظت.
واستطردت وهي تمسح دموعها قائلة:
- وبعدين ماكنتش شايفة قدامي وقتها، مش قادرة أستحمل الصدمة فيك، كل اللي كان عليَّ إني أقول لذكرى هاتيلي الأولاد علشان أنا خلاص بقيت أبوهم وأمهم.
و تنهدت مطولًا قائلة:
- أنا نسيت ساعتها كل حاجة، قفلت عليَّ بابي أنا وهما، زي ما كنت ناوية أقفل بابي عليَّ أنا ونور وهاجر بس، سراج، حتى لو كنت أخدت الأولاد ماكنش هيبقى ليك مكان في حياتي، وكنت هعمل زي ما عملت، فضلت أشتغل من مطعم لمطعم.
ثم تنهدت بوجع قائلة:
- وأخد الأولاد معايا في كل شغل، تعبت كتير، ومن مكان لمكان بقى معايا فلوس، وكان كل مرة خطاب يعرض عليَّ الجواز أقوله لا.
ثم استطردت بحسرة:
- انت ضيعت كل حاجة قبل ما تموت، كنت سيب لينا أي حاجة تنفع للزمن، بقيت بشتغل كتير علشان الأولاد ياكلوا ويشربوا ويلبسوا ويتعلموا.
ثم ابتسمت قائلة:
- كل حاجة كان نفسهم فيها كان لازم تيجي، انت بس اللي ماقدرتش أرجعك ليهم، كنت بفرح كتير وهما بيبتسموا.
ثم ذرفت دموعها قائلة:
- بس برجع أزعل وأقول ليه عملت فينا كدا يا سراج؟
نهضت تمسح دموعها قائلة:
- انت لو كنت مسافر كانوا هيعشوا على أمل إنك ترجع ولو حتى كنت مسافر سنين عمرهم، بيبقى فيه أمل، بس أنا فهمتهم من يوم ما سألوا عنك إنك مت، علشان يعيشوا الواقع، خبيت كتير موضوع اسم الأم، وعارفة إن لو انت عايش كنت هتكتبهم باسمي.
وتابعت بحزم:
- بس دا كان هيبقى حرام، يعني أنا كان نفسي بس مش هقدر، ماقدرش أغضب ربنا، لأنه هو اللي جبرني.
انتهى حوارها مع نفسها أو الأدق مع سراج بدلوف حليم ينظر إليها باستغراب قائلًا:
- لا مش معقول! أنا عمري ما شفتك هنا في الأوضة، حتى بحس إنك بتضايقي لما بدخلها.
ثم استطرد بصدق قائلًا:
- أنا بجي هنا لما بحس إني عايز أتكلم معاه، ومن غير ما حد يحس زيك، علشان بخاف تزعلي مني.
واستكمل بحنو بالغ قائلًا:
- وتفكري إني بفضل ذكرياته عليكي.
أشاحت ثريا وجهها بحزن ليسرع بالجلوس بجوارها مربتًا على كتفها وقائلًا:
- حقك عليَّ، ماقصدش، أنا ماعدتش هدخل هنا تاني يا ماما، بس ماتزعليش مني، أنا والله بحبك قوي، وبحبه هو كمان.
ثم استطرد باعتراف:
- دا أبويا سبب وجودي، مهما كان عمل أبويا.
جحظت بعينيها وابتلعت ريقها قائلة:
- حليم انت ممكن تقول نفس الكلام دا عليها؟
عقد حليم ما بين حاجبيه قائلًا:
- أنا قلت إيه؟ قصدي إنه مهما عمل فهو أبويا، ومين دي اللي هقول عليها نفس الكلام؟ قصدك أمي؟
ارتفع صوته أمامها قائلًا:
- لو دا إحساسي ماكنتش هتردد لحظة إني أقوله، أنا صريح جدًا، ومش بخاف، اتربيت على الصراحة منك، علشان كدا قلت ليكي أنا عايز الصراحة في كل حاجة، أنا لما دخلت الأوضة دي كنت عايز أقوله إنه سابنا في إيد ست أمينة.
واستطرد بوضوح قائلًا:
- ست عافرت لغاية ما وصلنا كلنا، أنا اتخلقت بدايتي على إيدك، حققتي ليَّ كل اللي كنت عاوزه.
ثم زم شفتيه باستهزاء قائلًا:
- أنا لو كنت اتربيت على إيدها، يمكن عمري ما كنت فلحت.
اعتصر قلبه لبكائها فوضع كفيه على وجهها قائلًا:
- انتي اللي مهما عملتي هتفضلي أمي وتاج راسي، اوعي تشكي في دا في يوم من الأيام، ولو إيه حصل.
رفع كفيه لينظر إليها قائلًا:
- عمري ما أبدلك بأي واحدة تانية.
توقفت عن البكاء عند تلك الجملة ونظرت إليه بحب قائلة:
- حليم اللي سمعته منك صح؟ قول لي صح، انت بالكلمة دي عطتني عمر جديد وحياة، انت ابني بجد.
ثم استطردت برجاء قائلة:
- وسامحني إني فهمتك غلط، أنا بس بخاف دايمًا أفقدكم، خصوصًا انت، انت يا حليم بالذات، بس مش معنى كدا إني مش بخاف أفقد إخواتك، أنا بس عندي في قلبي لكل واحد فيكم مكان.
ثم وضحت له قائلة:
- عارف ازاي؟ يعني انت ممكن يكون مكانك محفور قوي، ومعزتك غالية قوي، عارف الكل بيبص علينا ويحسدنا واحنا مترابطين.
ثم استطردت بسخرية:
- مفكرين إني لازم أفرق بينكم، أنا ماقدرتش، سراج كان خايف مني، وقال احنا لازم نرجع لبعض علشانكم، ومش هقدر عليكم لوحدي.
ثم تنهدت بثقة قائلة:
- بس لا، أنا قدرت، وانت كمان لما كبرت ساعدتني كتير، فاكر؟ انت كنت بتشتغل معايا وانت في إعدادي.
ابتسم حليم قائلًا:
- أيوه فاكر.
تذكرت ثريا قائلة:
- كنت بتبقى راجع من المدرسة، تعمل كل اللي قلت ليك عليه، وما تقولش لأ، انت ريحتني كتير.
ثم استطردت بابتسامه امتنان:
- ولسه مريحني، نفسي بس ضحكتك ترجع زي الأول.
اتسعت ابتسامته قائلًا:
- حاضر يا ستي, أنا هضحك علشانك بس، تصدقي وحشني جدي اليوناني.
تعالت ثريا ضحكاتها قائلة:
- كدا انت رجعت تضحك تاني، وتضحكني معاك.
ثم استطردت بلهجة آمرة مرحة:
- عايزاك تفضل مبسوط على طول، انت تستحق تبقى مبسوط، هناخد من الدنيا؟ كلنا هنموت، انت فاكر الجملة دي؟ انت علمتهالي.
تعالت ضحكات حليم، ولم يستطع أن يتحدث لأنها أهلكته من الضحك، ليجدها تنظر إليه بخبث قائلة:
- وبعدين تعالى هنا إيه حكاية إنك مش عايز تتجوز وئام، دي ربنا بيحبها إنها هتتجوزك، وأنا نفسي أشوفك عريس، قول لي بقى وئام ست قوية ولا ضعيفة.
ثم استطردت وهي تعبر عن رأيها قائلة:
- أنا مش بحب لاتنين.
وتمنت قائلة:
- مش عايزاها لا قوية قوي ولا ضعيفة قوي، خايفة عليك، وانت ممكن تتعصب، بس حاسة إن ويمي شبهك.
ظل صامتًا وشاردًا فيها وهي تتحدث لتضربه على ركبته قائلة:
- يلا يا باير، روح اخطبها بكرة، وغير في النسل، وئام سمراء النيل، مش عايزة بحر العسل المصفي، فاهم؟
لم يستطع السيطرة على نفسه من الضحك قائلًا:
- ماشي يا ثريا، أنا هعمل اللي انتي عايزاه، أنا تحت أمرك، وبصراحة أنا بحب النوع الضعيف، بس مش لدرجة الهبل.
ثم لوى شفتيه قائلًا:
- عمومًا الضعيفة بتستقوى بعد الجواز، بس أحسن ما تكون مستقوية وترجع تستقوى أكتر وأقتلها على يدي.
ابتسمت ثريا قائلة:
- لا يا حبيبي تفكيرك غلط، أبوك اختارني علشان شافني قوية.
واستطردت بشرود قائلة:
- حتي رجعلي لأنه عرف إني قوية وهقدر، وأنا حاولت أظهر له ضعفي مابقاش يقتنع، يلا أهي القوة دي نفعت بعدين.
ابتسم حليم قائلًا:
- أحلى قوة.
ذهبت إلى غرفتها وتناول هو هاتفه فوجدها لم ترد عليه، بل وتقوم بفصل الخط فراسلها قائلًا:
- وحشتيني.
ردت عليه بارتباك قائلة:
- ماعدش ينفع تكلمني في وقت متأخر.
رد عليها بخبث قائلًا:
- ليه؟
ردت برياء:
- لأني مخطوبة.
ابتسم بخبث قائلًا:
- لا ما هو قدري جه خطب هاجر.
هاتفته، ليبتسم ويرد عليها، فيتعالى الغضب عندها قائلة:
- يعني انت عارف إني كنت بكدب عليك وبتتصل تتمسخر عليَّ.
تنهد بعشق جارف قائلًا:
- بتصل أقولك إني لازم أقابلك قريب ونتكلم وأعتذر عن اللي عملته معاكي، أسف يا ويمي يا حبيبتي.
لم ترد عليه بل وأغلقت الهاتف رغم أنها شعرت بسعادة طفيفة، إلا أنها خشيت من تقلبه المزاجي بعد انجراف مشاعرها معه.
في الصباح كانت جالسة تتناول طعام الإفطار، ليهبط نور ويتناول معها قائلًا بخبث:
- هو حليم بات فين امبارح؟
ابتسمت ثريا قائلة:
- طلع ينام فوق السطوح، أصل الهوا فوق يرد الروح، وبعدين ما تسيبه في حاله.
زفر نور بحنق قائلًا:
- ما تلفيش عليَّ يا ثريا، هروح أجيبه من السطح يعني؟ وبعدين إيه أسيبه دي؟
ثم تنهد قائلًا:
- أنا ميهداش ليَّ جفن إلا لما يكون جنبي على السرير التاني.
ضحكت ثريا قائلة:
- يا نور أنا فهمتك كويس، معلش بقى أخوك وانت عارف كويس إنه بيحب يبات في أوضة الذكريات، فسيبه على راحته.
تنهد نور قائلًا:
- ماقدرش أسيبه، احنا عاملين زي التؤام، انتي تعرفي إن نفسه في الأوضة حياة بالنسبة ليَّ.
ثم زفر قائلًا:
- بس مسيره أنا وهو نتجوز وكل واحد فينا يبقى له أوضة.
واستطرد وهو ينظر إلى أعلى بيأس:
- حليم مش هتفرق معاه زيي، بدليل إن برجع متأخر بلاقيه نايم، ما شاء الله ولا على باله.
انتظر حتى يهبط، ولكنه تأخر فنهض وذهب المطعم بمفرده، أثناء دلوفها إلى المطعم وجدها تجلس على طاولة مع شاب، فبدا له الأمر أنه بالفعل جديًا، وأنها ستُخطب له، فتوجه إليهما ليقوم بدور النادل قائلًا:
- تحت أمركم.
جحظت بعينيها وابتلعت ريقها قائلة:
- لا شكرًا، احنا طلبنا.
نظر إليه الضيف قائلًا:
- مش انت نور ابن الشيف ثريا؟ انت مش فاكرني؟ أنا جاسر أخو حنان في الرضاعة، ابن جارتهم سناء وحشتني يا نور.
تعالت ضحكات نور خاصة عندما لعنت جاسر قائلة:
- الله يحرقك، بوظت الدنيا.
ابتسم نور بخبث قائلًا:
- معلش مأخدتش بالي، افتكرتك خطيب حنان.
أدلت حنان بشفتيها إلى الأسفل، لينظر إليها جاسر قائلًا:
- الله! مش انتي قلتي إنك اتخطبتي لنور؟
نهضت حنان وأمسكت معطفًا لها قائلة:
- حسبي الله، حنان هتهج بسببكم، اوعوا من وشي.
رحلت ونور تتعالى ضحكاته وجاسر لا يفهم شيئًا.
في المطعم جاء حليم متأخرًا، ليهتف نور بضيق قائلًا:
- إيه يا أخويا؟ ناموسيتك كحلي، فيه شحنة لازم نستلمها، إيه هتلغيها هي كمان؟ بس المرة دي تقول لي السبب بصراحة.
عبس حليم بوجهه قائلًا:
- مالك يا نور متعصب ليه؟ هو أنا لغيت شحنة من غير سبب؟ لا طبعًا، وعمري ما هخبي حاجة زي دي عنك.
ثم زفر قائلًا:
- لا بجد زعلتني، أنا بس صحيت متأخر وجيت براحتي، ورايق أهو زي ما بتحبوا تشوفوني، ولا عايزين واحد تاني بقى مابيضحكش؟ دا أنا نفسي ماكنتش مرتاح لمنظري الفترة الأخيرة.
ثم عاتب نفسه قائلًا:
- حتى ماما ثريا كانت بتزعل علشاني.
واستطرد يوضح له قائلًا:
- يا ابني أنا بحاول أخرج من اللي أنا فيه وبتعلم منك تقوم تكسر بخاطري؟ والنهارده بالذات؟ ولا انت مش واخد بالك واللي حصل نساك؟ تموت في العكننة أقسم بالله، انت وميارا، أقسم بالله الواد زياد خسارة فيها، بنت قوية ومستقوية.
ثم لوى شفتيه قائلًا:
- تلاقيها بتكسر بخاطره هي كمان بسبب تفكيرها في الماضي، اللي هو أبوه جزء منه، أنا بدأت أنسى، وأتخيل إن كل اللي حصل دا محصلش.
واستطرد يعاتبه قائلًا:
- يبقى انت بنكدك دا تفكرني؟ أنا عايز أنسى الوجع كله بعد ما كنت عايز أنبش فيه.
ثم تنهد بحب قائلًا:
- لأن ماما ثريا عايزة حد ينسيها ويقويها، وأنا هبقى الحد دا، عمري ما هخليها تشحت ضحكة حد.
- هي مش هاينة عليَّ ولا انتم كمان، انتو حياتي اللي فخور بيها، مش عايز حد فيكم يزعل بسببي.
ثم وضع يده على صدره بندم قائلًا:
- انت عارف يا نور إن أنا كنت مصدر زعلكم الفترة اللي فاتت، كل الزعل كان بسببي، أنا لازم أصلح غلطي معاكم.
ثم تنهد بحب قائلًا:
- أيوه غلطي.
ثم ابتسم قائلًا:
- كان لازم ساعتها أقول وإيه يعني لما يبقى اسمي بأم تانية، وأقول مش عايز أعرف هي مين.
واستطرد بلا مبالاة:
- وفيها إيه؟ ما كتير ممكن يتعرض للموقف دا، أنا يعني هنقي قدري على مزاجي؟ يا نور أنا غلطت.
ثم نظر إليه بحب قائلًا:
- وعارف إن انت بتتعصب عليَّ كعقاب.
ثم استطرد:
- ليه بقى بعد ما بدأت أصلح كل دا انت زعلان مني؟ اللي ببدأ أعمله إني همسح الماضي.
ثم تابع وهو يضع يده في يد نور قائلًا:
- وانت هتساعدني يا نور، أنا عايز أريحكم، الزعل وحش قوي، سامحني يا نور أرجوك، وكل سنة وانت طيب.
جحظ نور بعينيه ونظر إلى هاتفه، ليجد أن اليوم يوافق يوم ميلاده، فانتفض يحتضنه قائلًا:
- وانت طيب، انت اللي المفروض تسامحني، على طول بفتكر وانت بتنسى، المرة دي العكس.
ثم ابتسم قائلًا:
- انت فعلًا بتتغير، فين أيام ما كنت بجبلك هدية وانت مش بتعبرني؟
ابتسم حليم قائلًا:
- حقك، أنا هجبلك هدية السنة دي عروسة بتنور في الضلمة، علشان ماتبقاش تخاف تنام لوحدك.
تعالت ضحكات نور قائلًا:
- انت مصيبة، أنا فعلًا بخاف أنام لوحدي.
ثم رفع كتفيه بقلة حيلة قائلًا:
- بس أعمل إيه في واحد غتت بيحب ينام مع الذكريات، لو عليَّ مش عايزك تتجوز انت كمان.
واستطرد:
- بس لازم تتجوز، علشان ماما ثريا تفرح يا أخويا.
ثم استطرد بمرح:
- عارف لو ماسمتش أول عيل سواء ولد أو بنت نور هعمل فيك إيه؟ علشان أنا عمهم وليَّ حق عليهم، هكسر أي لعبة تجيبها ليهم، ولو مراتك رفضت، أنا هروح أسجله، أول طفل دا بتاعي، بعد كدا إن شاء الله تسموهم عتمة عادي.
وأكد قائلًا:
- حتى هاجر نخليها تعمل كدا وميارا كمان، بس لا ميار أبوك قال لها تسمي سراج، ليه كدا يا حاج سراج؟ أنا كنت هخلي كل العيلة نور.
تعالت ضحكات حليم ليبتسم نور بمرح قائلًا:
- اسمع كلامي يا ولد أنا أخوك الكبير، انت أصغر مني بأربعين يوم، انت هتقعد تضحك كدا كتير؟ يلا يا أخويا نلم أصحابنا ونحتفل، كنت قلت لزياد وقدري، بس قدري حياته كلها في العيادة.
واستطرد بسخرية قائلًا:
- مابيعرفش ياخد أجازة، وشكله مش هيعرف يخرج أختك، دايمًا مشغول، بعد الجواز هتيجي هاجر تلزق عندنا، علشان كدا أنا واجهته وقلت له يتجوز عندنا.
وتنهد بارتياح قائلًا:
- وفعلًا غير قراره وأقتنع يبقى معانا، مش فاضل غير ميارا.
واستطرد بحنق قائلًا:
- آه لو تبطل عند، كل ما أفتح الموضوع معاها تقول لي لأ، انت كلمها يا حليم، عرفها إنها لازم تكون معانا يا حليم، علشان خاطري، خليها ترجع عن قرارها أرجوك، لو على خوفها طمنها، انت أخوها، شوف انت رجعت تضحك ازاي ورجعلها ضحكتها بنفس الطريقة.
ثم شرد قائلًا:
- مش عارف ليه ماما ثريا مطنشاها؟ ساعات بفكر علشان هي مش بنتها، ألاقيها بتعمل كدا مع هاجر، بس هي نفسها بتقول لي ميارا محتاجة اهتمام أكتر وتركيز لأنها حساسة زيادة عن اللزوم، كانت واحنا صغيرين خزان أحزان، زياد جه النهارده الصبح يصبح عليها لوت بوزها في وشه.
واستطرد بسخرية قائلًا:
- وتقولي زياد معكنن عليَّ! دي فظيعة، محدش فيهم طلع لثريا، والله أنا نفسي أتجوز واحدة زيها.
ابتسم حليم بخبث قائلًا:
- عندك حق، بس هي بقى عايزانا نتجوز سمراء النيل، وأنا مش مقتنع.
نظر نور بسرعة لشكله في المرآة قائلًا:
- الجمال دا يتجوز سمراء النيل؟ خلينا نعنس أحسن, أنا هخلع.
تعالت ضحكات حليم قائلًا:
- يا ابني سمراء مش سوداء، وربنا دول عسليات.
أخذ ينظر نور الي المرآة ببلاهة، لينفجر حليم من الضحك قائلًا:
- يخرب عقلك، انت هتتجنن؟
هز نور بأكتافه قائلًا:
- لا أنا اتجننت خلاص، دا أنا شعري أصفر، على كدا هخلف عيال إيه؟ رُمادي.
ثم داعب خصلات شعره قائلًا بمرح:
- أما أمرن نفسي على سمراء النيل من دلوقتي وأصبغ شعري أسود.
ضحك حليم قائلًا:
- آه يا ريت، انت الوحيد فينا اللي شعره أصفر، أنا بصراحة بنفسن منك.
تعالت ضحكات نور قائلًا:
- إلا شعري دا كله شعر ثريا، هو فيه في جماله؟ مفيش حد أخد حلاوة ثريا غيري، انت غيران مني.
تعالت ضحكات حليم قائلًا:
- أيوووووه، الله! ما هي مامتي برضو، انت عايزاها لوحدك، بس أنا مش هديك الفرصة.
ضربه نور على كتفيه وقال بغضب مصطنع:
- لا دي بتاعتي لوحدي، انت هتشقط المزة مني.
انفجرت ضحكات حليم، ولم يعد يستطيع السيطرة على حاله قائلًا من بين ضحكاته:
- ياااه هي وصلت للشقط! آه هشقطها، ما تدخلش ما بينا إلهي يسترك.
هنا أيضًا نور لم يتمالك نفسه من الضحك وردد قائلًا:
- إن شاء الله، أيوه يا أخويا ادعيلي بالستر دايمًا، أهم حاجة سترة الواحد.
ثم لطم على خديه بخفة قائلًا:
- وبعدين أنا لو اتفضحت في مرة هجرك معايا، أينعم محدش هيصدق لأن وشك نكد، بس برضو هتلبس معايا.
بعد انتهاء وصلة الضحك التقط حليم أنفاسه قائلًا:
- ما ليش في الليالي بتاعتك، نور كفاية بقى، وتفضل تبيع كلام للبنات وفي اللحظة الأخيرة بتهرب.
واستطرد يحثه قائلًا:
- لو تحط بس واحدة من إخواتك مكان البنات دي، ماكنتش هتعمل كدا.
عبس نور بوجهه ليربت حليم على كتفيه قائلًا:
- وانت مش محتاج أصلًا تضحك عليهم هتستفاد إيه؟
هز نور رأسه متفهمًا وقال:
- ماشي يا حليم، أوعدك مش هرجع للموضوع العيالي دا تاني.
ابتسم حليم قائلًا:
- خد بالك كمان أي حركة منك فيها إساءة سمعة لينا، وانت مايرضيكش اللي عملته ثريا يتهد في ثانية.
ربت نور على يد حليم يطمئنه قائلًا:
- ما يرضنيش طبعًا، دا كان طيش شباب وراح لحاله.
دلف في تلك الأثناء زياد مبتسمًا ويحمل في يده باقة زهور قائلًا لهما:
- أنا جايب ورد مخصوص علشان أقولكم كل سنة وانتم طيبين.
ضحك حليم قائلًا:
- تعالى يا جوز أختي.
لوى زياد شفتيه قائلًا:
- دي لوت بوزها في وشي النهاردا الصبح، رغم إني كنت جاي أقولها كل سنة وهي طيبة.
ابتسم حليم بسخرية قائلًا:
- مش كنت تاخد لها الورد دا أحسن، يمكن كانت فهمت، أو يمكن لقت الزيارة عادية فقامت قلبت وشها.
ثم تنهد بتعب قائلًا:
- يا ترى يا ميارا انتي كمان هتبطلي نكد إمتى؟ انت مش عارف تضحك عليها بكلمتين؟
زفر زياد قائلًا:
- كل ما أكلمها هما تلاتة أيام وترجع ريما لعادتها القديمة.
ابتسم حليم بخبث قائلًا:
- أنا عندي الحل وأوعدك هما تلاتة أيام وهتبقي زي الساعة.
تلهف زياد قائلًا:
- الحقني بيه.
نظر حليم إلى نور وغمز له ثم قال:
- هقولك، تتجاهلها تمامًا وتسهر معانا أنا ونور ونخربها الليلة.
كاد زياد أن يرفض لولا أن سحبه حليم من يده، لتتعالى ضحكات نور من خلفهما وهو يتبعهما إلى أن استوقفته ثريا تنظر إليه بخبث ليبتسم قائلًا:
- بقى كدا يا ثريا! انتي ماقولتليش كل سنة وانت طيب ليه؟ دي أهم حاجة بالنسبة ليَّ، هو يعني علشان أنا أكبر من إخواتي بأربعين يوم تقوليها ليَّ يومها والنهارده لأ؟
ثم سلط أذنيه بمرح نحو شفتيها قائلًا:
- أنا عايز أسمعها منك دايمًا، بس بجد بشكرك، علشان رجعتي حليم زي الأول، أنا مبسوط بيه قوي, هو نفسه مبسوط من نفسه.
وانفجر بسعادة قائلًا:
- مبسوط إنه بقى كويس علشان هو أخ عظيم، كدا لو رجعت أمه أعتقد مفيش مكان للخوف.
- علشان خاطري اوعي تسعي إنها ترجع تاني، سيبيه يفرح، بلاش يشوفها، وأنا كمان مش حابب أشوفها، كفاية اللي عملته زمان في الكل، وخدي بالك من خطاب يا ماما، هو ممكن يكون عارف مكانها.
واستطرد بضيق قائلًا:
- وانتي بعد كل اللي عمله مشغلاه معاكي، بس خلاص زياد كبر ويقدر يمسك مكانه.
وتابع كلامه قائلًا:
- هو كان عايز يسيب المطعم من فترة سيبيه يمشي، وبعدين يا ستي نديه فلوس زي المعاش.
رأت ثريا في رأي نور الصواب فابتسمت قائلة:
- اللي تشوفوه، بس مش أنا اللي هقول له ماشي؟ دي مهمتك.
ابتسم نور بثقة قائلًا:
- طبعًا، قوليلي قدري عارف إن النهاردا عيد ميلاد هاجر؟
واستطرد بحنق قائلًا:
- عارف إن هاجر مش فارق معاها، بس برضو لازم قدري على الأقل يتصل بيها.
ابتسمت ثريا بخبث قائلة:
- قدري جه أخد هاجر و ميارا وهيحصلكم على مكان السهرة، قول لحليم سلم على الشهداء اللي معاك.
تعالت ضحكات نور على تخطيط والدته الخبيث في سبيل إشعال نار الغيرة عند ميارا على زياد.
جلست ثريا بعد خروج نور تنظر إلى آخر صورة التقطتها مع أبنائها، والتي نشرتها في المجلات لجلب زوجة سراج الثانية (ولاء)، أرجعت ظهرها للخلف وتذكرت عندما شعرت بالتعب وذهبت إلى الطبيب ليقوم لها والتحاليل ويخبرها بحملها والخبر الأسعد هو إخبارها بأنها حامل في توأم، تطايرت من السعادة وتناست أمرها أين تكون وأخذت تهتف:
(فلاش باك)
- الحمد لله، أحمدك وأشكر فضلك يا رب، أنا كنت عارفة إنك هتجبر بخاطري وفي الوقت دا بالذات، أنا عايشة لوحدي من يوم جوازه.
ثم استطردت بحزن قائلة:
- بيجي مش بيبات عندي، شكرا يا رب، يا رب ديمها عليَّ نعمة، انت كريم قوي يا ربنا، يا رب فرح قلبي وخليه يرجع يقعد معايا.
وبالفعل هاتفته أول بعدما خرجت من المستشفى ليأتيها من القاهرة على مضض، وهي تستقبله بالأحضان لينفر منها قائلًا:
- انتي مش عارفة إني مشغول يا ثريا؟ انتي ليه جيباني على ملى وشي؟
حزنت ثريا ولكن التمست له العذر قائلة:
- سراج انت وحشتني، ليه مش بتيجي تتطمن عليَّ؟ وليه بتقول جيباك على ملى وشك.
ثم أشارت إلى المنزل قائلة:
- مش دا بيتك وانت بترتاح فيه؟ وأنا كزوجة ليَّ حقوق عليك.
ابتسم بسخرية قائلًا:
- إيه يا ثريا؟ يعني عايزاني علشان حقوقك؟ هو دا اللي جيباني علشانه؟ أنا مشغول والشغل فوق رأسي كله.
هنا قررت ثريا أن تخفي عنه خبر حملها وأخبرته أنها ستسافر إلى اليونان وأنها جلبته لأنها ستفتقده كثيرًا، رد عليها بجفاء قائلًا:
- هتوحشيني يا ثريا تروحي وترجعي بالسلامة.
ابتلعت مرارة ريقها قائلة:
- انت كمان يا سراج.
نظر إلى ساعته يتفقدها بتوتر قائلًا:
- معلش يا ثريا اعذريني، أنا عندي ميعاد في القاهرة بالليل.
كادت أن تتركه ولكن شيء بقلبها حثها أن تسأله عن هذا الموعد وتفاصيله، أو بالأحرى تود أن تسأل هل زوجته الأخرى حامل أم لا، فسألته بتوجس:
- انت عندك ميعاد مع مين؟ هو مش انت بقى شغلك لوحدك يا سراج؟ انت شاركت حد تاني؟ انت وقفت شغل مع خطاب.
واستطردت:
- وهو اللي طلب كدا؟ هو اشمعني بعد ما انت اتجوزت؟ أنا سمعت من ذكرى.
استوقفها بيده قائلًا:
-بس يا ثريا،المفروض إن أنا وهو كنا فضينا الشراكة من زمان، ولا ماكنتيش عايزاني أفوق وأستقل بنفسي؟
هزت ثريا رأسها تنفي اعتقاده قائلة:
- لا بالعكس.
ابتسم بسخرية قائلًا:
- إيه؟ هو اشتكى لمراته زي العيال؟ ولا اشتكى ليكي وانتي بتلزقيها لذكرى؟
صدمت من اتهامه وردت بحزن:
- هو أنا عمري كدبت عليك؟ أنا دايمًا بقول الحقيقة.
زفر سراج بحنق قائلًا:
- ماشي.
نظر مجددًا إلى ساعته قائلًا:
- أشوفك على خير يا ثريا، خلي بالك من نفسك يا حبيبتي.
لأول مرة بحياتها معه تشعر بكلمة حبيبتي كأنها كلمة تنطق بشكل تقليدي، فاهتزت وردت عليه:
- حاضر يا سراج.
توجه نحو الباب ليقطب جبينه على برودها وعدم ترجيها له أن يودعها قبل السفر، ليعاود إليها قائلًا:
- انتي هتسافري إمتى؟ وكل أوراقك جاهزة ولا محتاجة مساعدة.
كانت تريد الصراخ والبوح بكل ما لديها، ولكنها كتمت مشاعرها قائلة:
- لو في حاجة هتصل عليك، بس ماتقولش جبتك على ملى وشك، أنا بتصل فعلًا لما بكون محتاجة ليك.
ثم استوقفته قائلة:
- سراج، أنا احتمال أطول في سفري، لما تحتاجني أرجع اتصل انت.
لا يعلم أيحزن لبعدها أم هذا جيد ليلتزم بحياته الأسرية الجديدة، ولكن قال لها بكل ثقة:
- أنا عارف إنك مش هتقدري تبعدي كتير، ولا إيه؟
ابتسمت بسخرية قائلة:
- عمري ما كنت عايز أبعد زي دلوقتي.
حدق في وجهها وشعر أنها ستبتعد بالفعل فابتلع ريقه قائلًا:
- هتبعدي علشان أنا اتجوزت، انتي ليه بتعملي كدا؟ كل دا علشان نفسي في حتة عيل؟
همست بخيبة أمل قائلة:
- كدا أنا عرفت.
هتف بغضب قائلًا:
- من وقت ما اتجوزت وأنا هناك معاها، وجالك إحساس إني هسيبك.
ردت عليه بأضعاف غضبه قائلة:
- انت شايف عندي الإحساس دا، ليه سايبني؟
زفر بحنق قائلًا:
- معلش، مش هينفع أكون معاكي الفترة الجاية، مفيش عندي حل غير دا، ولا أقدر أتشحطط بينك وبينها.
فكرت ثريا في أضيق الحلول حتى لا تقطع معه نهائيًا.
- طب ممكن تجيبها تقعد معانا ونفضل هنا، مش تخليني لوحدي.
ارتبك منها قائلًا:
- وهو انتي فاضية أساسًا يا ثريا؟ وبعدين مانفعش في الأول هينفع دلوقتي؟ بس هقول لها رغم إني عارف إنها هترفض.
وبعد مرور شهور الحمل وهروب والدة حليم وميارا، عاد سراج إلى ذلك المنزل الذي قام بأحزان ثريا فيه، ليندهش من وجودها، فهو طيلة تلك الشهور لم يحادثها، وبعد عرضه لفظت له كلمة ألجمته حيث قالت:
- بكرهك.
حدق في وجهها مطولًا، لم يستوعب وصول الحال بها إلى تلك الدرجة فردد قائلًا:
- انتي بتحبيني يا ثريا، انتي بتقولي كدا من زعلك مني.
هزت رأسها بالسلب قائلة:
- لا يا سراج أنا فعلًا بكرهك، وأنا عايزة أتطلق، أنا عايز أربي أولادي وحدي.
ذهل سراج قائلًا:
- لا يا ثريا، أنا عايز نربيهم سوا، كفاية إني طلعت قاسي مش هتبقي انتي كمان، احنا ننسى اللي فات، ونعيش نربي أولادنا.
واستطرد يوعدها قائلًا:
- وأنا والله ما هدور عليها، أنا يكفيني انتي والأولاد، انتي أكتر واحدة هتقدري تربيهم، وأكتر واحدة هتفهمي يعني إيه أم.
نظرت له بلوم وعتاب قائلة:
- انت بتعايرني، هو مش ربنا جبرني خلاص؟
تنهد سراج قائلًا:
- لا يا ثريا، أنا بس عارف قد إيه انتي كنت مستنية حاجه زى دي، علشان كدا انتي أكتر واحدة هتقدري الموقف اللي هما فيه.
واستطرد بتعب:
- كمان أنا حاسس إني تعبان، ومش هتطمن إلا لو أخدتيهم.
زفرت ثريا قائلة:
- تمام موافقة، بس بشرط نتطلق.
رد سراج برجاء قائلًا:
- لا أرجوكي، أنا هبقى معاكم بس مظهر مش أكتر، ريحي قلبي يا ثريا، وانتي مش هيرضيكي تعبي ومرمطتي.
ثم بيأس قال:
- انتي عارفة بقيت على الحديدة، ومش معايا قرش.
هزت ثريا رأسها برفض قائلة:
- لا يا سراج، هما بس اللي يحتاجوا الفلوس.
اندهش لجبروتها ورد قائلًا:
-ثريا لو على الفلوس نشتغل، بس خلينا مع بعض.
نفخت ثريا بضيق قائلة:
- اشتغل بس بعيد عني، والأولاد هتعاملوا أحسن معاملة.
هز رأسه باستسلام قائلًا:
- عمومًا أنا هروح أخلص اللي ورايا في القاهرة، وأعمل بنصيحة خطاب وهسيبك دلوقتي، والأولاد عنده جايز أرجع ألاقيهم عندك.
واستطرد بقلة حيلة:
- ولو محصلش هحاول معاكي لآخر نفس.
وتركها ورحل ليكون هذا اللقاء الأخير بينهما.
(عودة)
أتاها اتصالًا دون رقم، فردت عليه بنبرة صوت جميلة، لتجعل الطرف الأخر يثور غيظًا:
- سي سينور أو سينيوريتا.
جزت الأخرى على أسنانها قائلة:
- انتي لسه بترطمي يوناني يا ثريا.
قطبت ثريا جبينها قائلة:
- مين معايا.
ردت عليها بضحكة خليعة قائلة:
- أنا ولاء ضرتك يا ثريا، إيه نسيتيني يا يونانية؟
اتسعت حدقة عيناي ثريا ونظرت أمامها، وتذكرت كل شيء من جديد، اندلعت النيران في صدرها، كيف وصلت إلى رقم هاتفها الخاص؟ ولماذا ظهرت من جديد في هذا يوم؟ عيد ميلادهم بالتحديد!
